وسم -دار الإسلام

عرف التاريخ الإسلامي مصطلح دار الإسلام، ودار الحرب أو دار الكفر وهي مصطلحات فقهية، الأولى كان يشار بها إلى البلاد الخاضعة لسلطان المسلمين وحكمهم ودار الكفر إلى البلاد الخاضعة لحكم غير المسلمين. وهناك من يعرف دار إسلام بالبلاد التي يغلب عليها ظهور شرائع الإسلام؛ ويحكم فيها المسلمون بحكم الإسلام وتعاليمه؛ وإن كان غالب سكان تلك البلاد غير مسلمين. ودار الكفر وهي التي لا يحكم فيها المسلمون ولا يظهر فيها تطبيق لتعاليم الإسلام أو أن يكون المسلمون فيها أقلية غير حاكمة. والعلماء المعاصرين يرون أن ميثاق الأمم المتحدة جعل الديار كلها يمكن أن تعتبر دار سلم، باستثنائات قليلة، كدولة إسرائيل.
لكن تقسيم العالم إلى ديار فكرة لا أثر لها في القرآن ولا في السنة نصا صريحا، إلا أنها نشأت في العهد الأموي وأول من تكلم فيها الإمام أبو حنيفة في العراق والإمام الأوزاعي في الشام، بعد نحو مئة عام من الهجرة. حيث اختلف في هذه المسألة الفقهاء، سبب انعدام نص قاطع، وإنما هي أفهام للفقهاء لنصوص مجملة من القرآن والسنة.
شرح الدار:
قال ابن القيم «قال الجمهور دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام وما لم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها فهذه الطائف قريبة إلى مكة جداً ولم تصر دار إسلام بفتح مكة.»
الأحناف:
وقال الإمام السرخسي الحنفي: عند أبي حنيفة إنما تصير دارهم دار الحرب بثلاث شرائط أحدها أن تكون متاخمة أرض الترك ليس بينها وبين أرض الحرب دار للمسلمين. والثاني أن لايبقى فيها مسلم آمن بإيمانه ولا ذمي آمن بأمانه. والثالث أن يظهروا أحكام الشرك فيها. ولم يعتبر العلماء الشروط التي ذكرها أبو حنيفة حتى خالفه صاحباه القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني كما ذكر السرخسي وذكره أيضاً علاء الدين الكاساني وعلل قولهما بقوله إن كل دار مضافة إما إلى الإسلام وإما إلى الكفر وإنما تضاف الدار إلى الإسلام إذا طبقت فيها أحكامه وتضاف إلى الكفر إذا طبقت فيها أحكامه كما تقول الجنة دار السلام والنار دار البوار لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار ولأن ظهور الإسلام أو الكفر بظهور أحكامهما.
الحنابلة والشافعية
فجعل الكاساني مناط الحكم على الدار هو نوع الأحكام المطبقة فيها. وانتقد ابن قدامة الحنبلي أيضاً شروط أبي حنيفة فقال ومتى ارتد أهل بلد وجرت فيه أحكامهم صاروا دار حرب في اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة وعلى الإمام قتالهم فإن أبا بكر الصديق قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة ولأن الله تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه وهؤلاء أحقهم بالقتال لأن تركهم ربما أغرى أمثالهم بالتشبه بهم والارتداد معهم فيكثر الضرر بهم وإذا قاتلهم قتل من قدر عليه ويتبع مدبرهم ويجهز على جريحهم وتغنم أموالهم وبهذا قال الشافعي.
حكام الدار:
وعن أبي يوسف ومحمد إذا أظهروا أحكام الشرك فيها فقد صارت دارهم دار حرب لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين.
فجعل الصاحبان المناط هو الغلبة والأحكام. قال ابن قدامة ولنا أنها دار كفار فيها أحكامهم فكانت دار حرب. ابن قدامة مناط الحكم على الدار نوع الأحكام الجارية فيها. وقال السرخسي – في شرحه لكتاب السير الكبير – والدار تصير دار المسلمين بإجراء أحكام الإسلام. وللقاضي أبي يعلى الحنبلي كل دار كانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر. ولعبد القاهر البغدادي مثله في أصول الدين له، وقال الشيخ منصور البهوتي وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب وهي ما يغلب فيها حكم الكفر.
الحقبة المعاصرة:
يعتبر دار الحرب مصطلح فقهي استعمله الفقهاء في مرحلة معينة من التاريخ الإسلامي للدلالة على بلاد خارج دار الإسلام وليس بينها وبين دار الإسلام عهد وبناء على ذلك فإن دار الحرب من الناحية الواقعية لا يمكن أن توجد إلا بعد وجود دار الإسلام. وفي هذه الحالة فإن الحاكم المسلم في دار الإسلام هو الذي يحدد دار الحرب ودار العهد.
وتتفاوت بلاد المسلمين اليوم في اعتبارها دار إسلام أو لا. فالقليل منها يحتكم إلى الشريعة الإسلامية في أكثر تشريعاته. وأكثرها يحصر التزامه بالأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية منها. وهناك عدد آخر ولو كان قليلاً يرفض الخضوع للأحكام الشرعية حتى في مجال الأحوال الشخصية وبالتالي فإن دار الإسلام بالمعنى الفقهي لا تنطبق على كثير من الدول الإسلامية.
لكن هناك ميل من بعض الفقهاء إلى اعتبار جميع البلاد الإسلامية وهي البلاد التي تقطنها أكثرية إسلامية إلى اعتبارها دار إسلام بحيث يجب إنزال أحكام دار الإسلام عليها والسعي لدى الحكام إلى تطبيق جميع الأحكام الشرعية. وانطلاقاً من هذا الواقع فإن الدول الإسلامية أي الحكام هم الذين من شأنهم أن يحددوا دار الحرب أو دار العهد. وقد اتفق جميع حكام المسلمين بعد دخولهم في مواثيق الأمم المتحدة على اعتبار دول العالم كلها دولاً معاهدة وليست دار حرب .
ورأي مدرسة الشيخ يوسف القرضاوي، وهي من بين الآراء الأكثر شعبية وانتشارا، أن كل بلاد الدنيا بالنسبة للمسلمين هي بلاد دعوة، والفقهاء يقسمون العالم إلى «أمة الدعوة» و«أمة الإجابة» وكل العالم يُعتبر أمة محمد «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فهو جاء يخاطب العالمين جميعاً فبعضهم استجاب له وهذه أمة الإجابة وبعضهم لازال في مرحلة الدعوة وهذه أمة الدعوة ودار هذه البلاد هي دار دعوة من غير كلام

أعلى المواضيع والصفحات