س: ذكرت أن الصحبة لا توجب الجنة في حد ذاتها فمن الصحابة كركرة الذي غل من الغنائم وظنه الصحابة شهيدا ومنهم من مات منتحرا وذكرت أحاديث مثل عثمان بن مظعون عندما قالت الصحابية بعد موته هنيئا له الجنة فقال النبي و ما يدريك (وأنا أتفق مع حضرتك تماما في ذلك ولكننا نناقش عدالتهم أي قبولهم كشهود ورواة ولا علاقة لذلك بمصيرهم في الآخرة فليس من شروط العدالة أن يكون الشخص من أهل الجنة.

ج: وأقول : كان ينبغي أن نقف طويلا عند تحرير مصطلح العدالة، لنرى هل يطلق هذا المصطلح بإزاء معنيين، يختص أحدهما بالصحابة والاخر بغيرهم أم أنه يطلق إطلاقا واحدا بدون تفريق وتمييز بين صاحب وغير صاحب؟

المشهور في حد العدالة أنها مَلَكَة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، قال الحافظ في شرح النخبة : والمراد بالتقوى إجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة، ولم يميزوا فيه بين صاحب وغير صاحب، فان كان كذلك فقد سجّل القران العظيم على الوليد بن عقبة بالفسق باتفاق المفسرين في أية الحجرات، وثبت فسقه بشرب الخمر في ولايته على الكوفة لعثمان رضي الله عنه، وأقيم عليه الحد بسبب ذلك، وما أتاه بسر بن ارطأة من العظائم والموبقات لا يخفى و كذا معاوية، وغيرهم وهم قلة، ولم ينفصل علماؤنا من هذه الإيرادات إلا بخرم قاعدة العدالة بادعاء أن من ثبتت صحبته لم يؤثر الطعن فيه ـ كما قال الحافظ في مروان بن الحكم ـ وقد علق عليه المقبلي في العَلَم الشامخ بالقول : كأن الصحبة نبوة أو أن الصحابي معصوم وهو تقليد في التحقيق بعد أن صارت عدالة الصحابة مسلما بها عند الجمهور، والحق أن المراد بذلك الغلبة فقط، فإن الثناء من الله تعالى ورسوله وهو الدليل على عدالتهم لم يتناول الأفراد بالنصوصية إنما غايته عموم، مع أن دليل شمول الصحبة لمطلق الرائي ونحوه ركيك جدا، ثم قال : فمنهم من علمنا عدالتهم ضرورة وهو الكثير الطيب ولذا قلنا إنها غالبية فيهم بحيث يسوغ ترك البحث في أحوالهم، ومن الصحابة نوادر ظهر منهم ما يخرج عن العدالة فيجب إخراجه كالشارب من العدالة لا من الصحبة ومنهم من أسلم خوف السيف كالطلقاء و غيرهم.

فمن ظهر حسن حاله فذاك وإلا بقي أمره في حيز المجهول وهم في حيز الندور، ومع هذا فالعدالة غير العصمة وقد غلا الناس فيمن ثبتت صحبته في التعنت في إثبات العدالة … فلو نفعت الصحبة نحو بشر بن مروان( قال عدنان هذا سبقُ قلم أو تطبيعٌ لا محالة فأين بشر من عهد الرسول وإنما هو أبوه مروان بن الحكم وفي صحبته إختلاف) أو الوليد لتبين لنا أن الصحبة لا يضر معها عمل غير الكفر فتكون الصحبة أعظم من الإيمان ويكون هذا أخص من مذهب مقاتل وأتباعه من المرجئة ( يعني لأن الإيمان يتأثر زيادة ونقصا بالاعمال , فيزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية كما هو مذهب الجمهور, اما الصحبة فلا يؤثر فيها شيئ غير الكفر ) ثم أين أحاديث ( لا تدري ماذا أحدثوا بعدك) وهي متواترة المعنى … ألم يقل الله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ) في رجل متيقن صحبته؟ولم تزل حاله مكشوفة مع الصحبة … إلى أن قال: والنقم بذلك لا يعود على جملة الصحابة بالنقص بل هو تزكية لهم فإياك والإغترار( قال عدنان ولعل وجه كون ذلك تزكية لهم أننا بتمييزنا مَنْ أَحسَنَ السيرة من الصحابة ممن أساءها نحفظ للمحسنين منهم مزيتهم ونُوفّر حشمتهم، أما لو لم نفعل وثبت لأحد إنحراف أحدهم ـ كبسر الذي قال فيه الإمام أبو الحسن الدارقطني : بسر بن أرطاة أبو عبد الرحمن له صحبة ولم تكن له إستقامة بعد النبي صلى الله عليه و سلم، وكالوليد بن عقبة ومعاوية ـ لطُرّقَ بذلك طريقٌ إلى الشك في المحسنين منهم و حاشاهم.

فالمقصود أن المجروح منهم نادر ومنهم من لم يقع الإتفاق أصلا على صحبته كبسر هذا و مروان بن الحكم، و أما معاوية وهو المقصود بالبحث فلم يتفرد برواية شيئ تحق الحاجة إليه، بل عامة ما يرويه شاركه فيه غيره كما بين ذلك الإمام إبن الوزير رحمه الله في عواصمه، وسأخصص هذا الموضوع بالبحث المفصل في حينه إن شاء الله تعالى.

و ثمت طريقة أخرى مبنية على تعريف أخر للعدالة إرتضاه الصنعاني بعد رده للتعريف المذكور أعلاه عن الحافظ ذاكرا أنه ليس تعريفها في اللغة ولا أتى عن الشارع حرف واحد بما يفيدها، و من رأيه أنه تعريف متشدد في العدالة لا يتم إلا في حق المعصومين، وأن حصول هذه الملكة في كل راو من رواة الحديث عزيز الحصول لا يكاد يقع، ومن طالع تراجم الرواة علم ذلك وأنه ليس العدل إلا من قارب وسدد وغلب خيره شره، وهو من إطمأن القلب إلى خبره وسكنت النفس إلى ما رواه، ثم قال : وهذا بحث لغوي لا يُقَلّدُ فيه أهل الأصول وإن تطابقوا عليه فهو مما يقوله الأول ثم يتابعه عليه الآخر من غير نظر.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: