بسم الله الرحمن الرحيم

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا
. الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا
3. وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا
صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين
اللّهم اجعلنا من شهداء الحقّ القائمين بالقسط آمين اللّهمّ آمين الحمد لله رب العالمين ,الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يوافي نعمه ويكافئ مزيده, اللّهمّ لك الحمد على نعمة الإسلام ونعمة الإيمان ونعمة القران ونعمة الإحسان كبتّ عدوّنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا ومن كلّ ما سألناك ربّنا أعطيتنا فلك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث في ميت أو حي في صغير أو كبير في ذكر أو أنثى في سر أو علانية لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله النبي الأمين واله الطيبين الطّاهرين وصحابته المباركين وأتباع بإحسان إلى يوم الدين
إخواني وأخواتي أخرج الإمامان الجليلان البخاري ومسلم عليهما رحمة الله موقوفا ومرفوعا . وهذا لفظ مسلم مرفوعا عن أبي مسلم البدريّ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شئ إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا فكان يقول لغلمانه تجاوزوا عن المعسر. فقال الله عز وجل نحن أولى بذلك منه تجاوزوا عنه”
هذا الرجل لم يقدم شيئا من الخير ومن أعمال الصّالحات وكان يأمر غلمانه بان يسامحوا من لا يجد ما يقضي دينه فتجاوز الله عنه لهذا الخير الذي كان يعمله
إخواني وأخواتي الإيمان بلا شك كحقيقة باطنية روحية ونفسانية يتجلى ويتمظهر في شكل أعمال صالحة لذلك في كتابه الأعزّ قلّ أن يذكر الإيمان إلا بذكر الأعمال الصّالحة ” آمنوا وعملوا الصّالحات” وفي معظم المواضع من القرآن الكريم يقرن الإيمان بالأعمال الصالحة فكأنما هي برهان عليه بل هي كذلك فعلا وأكثر ما يفرق بين حقيقة الإيمان والجحود والكفران بالله هي هذه الأعمال الصّالحة .فقد قال تعالى في حق الكفار القساة ” ما سلككم في صقر قالوا لم نكن من المصلّين ولم نكن نطعم المسكين” ” إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحضّ على طعام المسكين”” كلاّ بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضّون على طعام المسكين” ” ويل لكل همزة لمزه الذي جمع مالا وعدده يحسب آنّ ماله أخلده”” وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه” جموع منوع هكذا الكافر يجمع ويمنع إنها قسوة الكفر وليست نداوة وكرم وسماحة الإيمان
أرأيت الذي يكذّب بالدّين فذلك الذي يدعّ اليتيم ولا يحضّ على طعام المسكين” وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزّكاة وهم بالآخرة هم كافرون” تركوا الزكاة لا يقومون بالمحتاجين الضّعفاء المعدمين على خلاف المؤمن. لكن إذا وجدنا مؤمنا يقرّ بإيمانه إزاء كافر يغمره الكفر والجحود غير أن الظواهر متشابهة فهما يشتركان في القسوة والجمع والمنع والبخل. هذا التشابه مؤشّر على تشابه الحقائق فحقيقة هذا الإيمان المزعوم تلامس وتشابه بل توشك أن تطابق كفر هذا الكافر الحقيقي.إن الإيمان لا بد أن يترجم عن نفسه عملا ليس مجرد دعاوى وأقوال
مرّ احد العارفين برجل يوقد نارا بأعواد قد جفت فجعل يبكي وينتفض فقيل له لم تبكي وتنتفض فهو يذكي ناره بهذه الأعواد قال هذا خلق للإثمار فلما جفّ ولم يثمر صار جديرا بالنار. وكذلك نحن البشر خلقنا لتكون لنا نفوس حيّة وأفئدة حيّة وأخلاق حيّة فإذا جففنا وأصبحنا بلا ثمر( إيماننا لا يثمر) ربّما كنا قريبين من نار جهنم لذلك قال الإمام عليّ عليه السّلام “من كان له فكرة كان له في كل شئ عبرة” فالجهاز المتعطّل من الأصلح الاستغناء عنه كذلك المؤمن إذا لم يثمر أعمالا صالحة
وخير الأعمال الصالحة أيهّا الإخوان أيتها الأخوات هي رحمة عباد الله نحن نتعبد الله بهذه الرّحمة ونتقرب منه . فرحمة كل المحتاج اقصر السبل إلى الرحمان الرحيم لا اله إلا هو . فيما يذكر الإمام المناوي في فيض القدير الذي شرح به جامع السيوطي الصغير:أنّ والي بخارى وكان طاغيا وكان ظالما مسرفا على نفسه ,خرج في رحلة صيد وقنص في الشتاء وقد كان الجوّ باردا فلق كلبا أجرب يرتعد من البرد فرقّ له قلبه فأمر بأخذه وإدفائه وإطعامه ففعلوا.فلما نام والي بخارى ليلته تلك آتي في المنام فسمع صوتا يقول له كنت كلبا فوهبناك لكلب فحدّث بها أهله فلمّا أصبح توفي ,علم الله أنّ في نفسه شيئا من خير فختم له بخير.
إنّ بعض ذوي النّزعات الخوارجيّة يقولون إن كل هذه القصص والحكايات مهما بلغت درجة صحتها نرفضها ولا قيمة لها معتبرين أن مثل هذه الرّوايات تعطّل الإسلام الحقيقي وتعطّل الإيمان والدّين وتُطمع في رحمة الله بلا عمل, والحقّ بالنسبة إليهم أن الأعمال توزن ولا نجاة إلاّ بالوزن.وجواب هذه الشبهة الخارجيّة سنبسّط القول فيها في حلقة لاحقة وسنبين أن هذه الأحاديث صحيحة لتسير في مسار القرآن ولا تعارضه.
إخواني وأخواتي وفاء بالوعد الذي قطعناه من قبل سنتكلم عن الرحمان الرحيم والفرق بين هذين الوصفين الجليلين . إن الفروق كثيرة وللعلماء نظر في التمييز بينهما . فمنهم من قال بالترادف فالرّحمان مرادف للرحيم ولا فرق بينهما كندان ونديم , وهذا قول ضعيف. ومن العلماء من ذهب إلى التفريق بين الصفتين صرفيا معلقين على صيغة الكلمة فرأوا ان الرّحمان على وزن فعلان وهذا الوزن يصاغ للدلالة على الامتلاء والتشبّع لذلك يقال غضبان أي شديد الغضب ومثلها ندمان وسكران وجوعان… فرحمان صيغة تدلّ على الامتلاء من الرحمة هذا إذا قلنا باشتقاقها من الرحمة لان هناك من يقول بان الرحمان ليس مشتقا أصلا. فصيغة الرحمان تدل عموم الرّحمة تشمل جميع المخلوقات .أمّا صيغة فعيل (رحيم) تأتي بمعنى فاعل أو فعول مثل حسيب أي حاسب وقدير أي قادر وعليم أي عالم فاسم الله تعالى “الرّحيم ” بمعنى الرّاحم .ويجوز لصيغة فعيل أن تدل على معنى مفعول كقتيل تدل على المقتول وجريح بمعنى مجروح وشهيد بمعنى مشهود أي تشهد عليه الملائكة .
اتفق العلماء على أن الرّحيم مشتق من الرّحمة وهو اسم يأتي موصولا بمرحومه ” الله بعباده رؤوف رحيم” ” إنّ الله بالنّاس لرؤوف رحيم” “وكان بالمؤمنين رحيما “.لكن لا يوجد في كتاب الله الرحمان بعباده او الله بالناس رحمان أو رحمان بالمؤمنين فالذين انكروا ان يكون اسم الرحمان مشتقا من الرحمة يعللون ذلك بان اسم الرحمان لم يقترن في اي موضع من كتاب الله بمفعوله أي مرحومه وقالوا انه غير مشتق ايضا لكونه اسم خاص بالله ولا يسمى به غير الله وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء وان قال بعضهم بجواز استعماله صفة لغير الله, كالأستاذ العقاد لكنّه قول ضعيف
1. وقالوا أيضا في لفظ ” الرّحمان” لو كان مشتقا لما أنكرته العرب ولذلك في كتاب الله”
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا” فقد أنكروا هذا الاسم ولو كان مشتقا من الرّحمة لعرفوه
وفي صلح الحديبية حين أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم أن يكتب بسم الله الرحمان الرحيم ,فاعترض سهيل بن عمر قائلا :ما ندري بسم الله الرحمان الرحيم وإنما اكتب باسمك اللهمّ”
قال الإمام القاضي المفسّر اللغوي النحوي الأصولي ابوبكربن العربي رحمه الله :” انكروا الصّفة ولم ينكروا الموصوف” وأخطأ الإمام,فقد أنكروا الموصوف أيضا ودليل ذلك سورة الرّعد “وهم يكفرون بالرّحمان”
فالرحمان تعني:ذو الرّحمة العظيمة التي لا نظير لها, لذلك فهذا الفظ لا يثنى ولا يجمع في حين تجوز التثنية والجمع في لفظ الرحيم فنقول رحيمين ورحماء .وهناك نصّ في جامع الترميذيّ يقول فيه صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى أنا الرحمان خلقت الرّحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلت ومن قطعها قطعت ” قال العلماء : هذا الحديث نصّ في الاشتقاق.
وقال أبو علي الفارسي وهو إمام جليل وهو أستاذ أبي الفتح بن جنّي وكان معاصرين للشاعر أبي الطيّب المتنبي,يقول أبو علي الفارسي : “الرحمان أخصّ من الرّحيم اسما وأعمّ فعلا” فالرحمان اسما لا يخص إلا الله أما فعلا فهو يعمّ جميع المخلوقات في الدنيا والآخرة. “وأما الرحيم فهو أعم اسما واخصّ فعلا” يسمى به الله وغير الله ولكن اخص فعلا لان رحيميّة الله تقتصر على المؤمنين , لقول الحق جلّ في علاه”وكان بالمؤمنين رحيما” (الأحزاب) . لذلك شاع عند العلماء والوعاظ أن لفظ الرحمان عام والرحيم خاص بالمؤمنين.غير انه ورد في كتاب الله ما دل على أن الرحيم أيضا يكون في حق غير المؤمنين.”إن الله بالناس لرؤوف رحيم” والناس لفظ عام جدا يشمل المؤمن والكافر وكذلك في سورة النحل قال الله سبحانه وتعالى:” أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوّف فإنّ ربّكم لرؤوف رحيم “فذكرت لفظة رحيم في حق الكفار الذين مكروا السيئات. في الاسراء:ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله انه كان بكم رحيما” والله في سياق الاية يخاطب الكفار
فالقاعدة أغلبيّة وليست مطردة ذلك أن اغلب استعمالات لفظ الرحيم جاءت في حق المؤمنين وبعضها النّزر القليل جاء في حق الكفار أيضا
أمّا القاعدة في لفظ الرحمان فهي مطردة ولا استثناء فيها
ولنا في هذه المسألة قول: إذ ورود الرّحيم في حق الكفار فيه إطماع بالتوبة وإغراء بها
مثل قوله تبارك وتعالى في الأنفال” قل لمن في أيديكم من الأسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم” فالمخاطب في هذا السياق هم اسرى الكفّار لإغرائهم وأطماعهم بالتوبة والله تبارك وتعالى أعلم قد أكون مصيبا وقد أكون على خطإ
ومن المفسرين من ذهبوا إلى اعتبار الرحمان تخص الدنيا والرحيم تخص الآخرة وقد وقع في هذا الخطأ عالم جليل لان عشرات الآيات تؤكد ان الله أيضا رحمان الآخرة فرحمانيّته تمتد إلى يوم القيامة.
في حديث انس بن مالك أن الرّسول صلى الله عليه وسلّم علّم معاذ بن جبل هذا الدّعاء. قال له يا معاذ هل أعلمك دعاء لو كان عليك مثل أحد دينا أدّاه الله عنك” اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير رحمان الدّنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك”
ومثل هذا الفرق في الضعف ذهب بعض العلماء في اعتبار لفظ الرحمان تقترن بالأصحاء والرحيم تقترن بالمرضى ,وهو رحمان بالأغنياء رحيم بالفقراء,رحمان بالأجسام رحيم بالأرواح….
كنا قد اشرنا فيما سبق أن اسم الرحمان في كتاب الله أتى وصفا لاسم الله المفرد “بسم الله الرحمان” واتى اسما بغير وصف مثل قوله “الرحمان على العرش استوي” ” الرّحمان علم القرآن” لكن العجيب أن هذا الاسم الجليل (الرحمان) لم يقترن بأسماء الله وصفاته باستثناء لفظ الجلالة (الله) وصفة (الرّحيم) ولم يقترن الرحمان فيما عدى هذا بأي اسم أخر. أما الرحيم فقد اقترن بأسماء كثيرة مثل التواب الرحيم/الرءوف الرحيم/غفور رحيم/بر رحيم/رب رحيم/عزيز رحيم وتكررت هذه تسعة مرات في سورة الشعراء/ودود رحيم/
من جهة إحصائية الرحمان وردت في كتاب الله في57موضع باستثناء البسملة ,فالقران فيه113بسملة في رؤوس السّور,ومن طريف العلم أن القران فيه 114 سورة منها 113 مصدّرة بالبسملة باستثناء سورة التوبة لكن الله سبحانه شاء تعويض هذا النقص في سورة النمل بقوله ” انه من سليمان وانه بسم الله الرحمان الرحيم” فلدينا في كتاب الله الكريم114 بسملة.وفيما عدى البسملة ورد لفظ الرحمان في 57 موضعا أما اسم الرحيم فقد جاوز المائة موضع .ومن الملاحظ أن اسم الرحمان يختص بالصفات الجمالية وليس بالصفات الجبروتية (صفات الجلال)وقد حل محل اسم الجلالة الله في مواضع كثيرة “كذلك أرسلناك في أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن”لم يقل يكفرون بالله بل قال بالرحمن ومن هو الرحمان؟ انه طبعا الله سبحانه وتعالى ” قل هو ربي لا اله إلا هو عليه توكلت واليه متاب”(سورة الرعد).أما سورة مريم فهي أكثر سورة تكرر فيها اسم الرحمان ولا شك أن في ذلك حكمة فابحثوا عنها في طيّات السورة المباركة تفكروا فيها جيدا
“قالت أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّا” أي أعوذ بالله منك .”فقالت إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا” ” يا أبتي لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمات عصيّا” ” يا أبتي إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليّا” “إذا تتلى عليهم آيات الرّحمان خرّوا سجّدا وبكيّا” ” جنّات عدن التي وعد الرّحمان عباده بالغيب وكان وعده مأتيّا” وفي سورة طه” الرحمان على العرش استوي” وفي سورة الفرقان ” ” وفي سورة الرحمان” الرحمان ع وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا
ففي مواضع كثيرة من القران ذكر الرحمان وقصد به الله.وفي غير مرة ذكر الله استواءه على العرش بعنوان الرحمان”الرحمان على العرش استوي” “ثمّ استوي على العرش الرّحمان فاسأل به خبيرا” لماذا؟ لان العرش أعظم مخلوقات الله.وقد قال صلى الله عليه وسلّم في حديث رواه أكثر من صاحب أشهرهم أبو ذرّ الغفاري:” ما السماوات السبع والاراضون السبع في عرش الله إلا كحلقة في فلاء” أي كخاتم في صحراء.ولذلك عبر في هذه المواضع الكريمة باستوائه على العرش بعنوان الرّحمانية في دلالة على سعة هذه الرحمة فهي التي وسعت العرش كله وأحاطت به وغمرته إذ وقع الاستواء على العرش بها,فكيف لهذه الرحمة ألّا تسع المخلوقين من أمثالنا.لذلك اللهمّ نشهدك أنّنا طامعون في رحمتك اللهم إنّا طامعون الطمع كله في رحمتك يقيننا انك لن تعذبنا ,اللّهم أعطنا يقيننا اللهمّ ولبّنا في طلبتنا “ولا يموتن أحدكم إلاّ وهو يحسن الظن بالله
بقي فقط فرق واحد :بعض العلماء وعلى رأسهم ابن قيم الجوزية رجّح ان الرحمان صفة ذات وليست صفة فعل والفروق بين الصّفتين كثيرة وباختصار قال وان صفة الذات لو فرضنا عكسها أوجب التناقض بخلاف صفة الفعل كذلك صفة الذات لا تتوقف على الإرادة والمشيئة في حين ان صفة الفعل فإنّها تتوقف على ذلك.فالرحمان صفة ذات لا يخلو من الرّحمانية. أما الرحيم فهي صفة فعل فالله يرحم ويعذب . ومما يدعم هذا القول انه لم يرد في القران أن الله بعباده رحمان او انه بالمؤمنين رحمان لكن ورد انه بالناس رحيم وبالمؤمنين رحيم.
سؤال: كيف تحول الرحمة من معرفة إلى ثقافة؟
الجواب: الخطة الأمثل لتحويل هذه المعرفة الرّحموتية إلى ثقافة وألا تقتصر على الخطب في المنابر والكتب بل لا بد لهذه الرحمة أن تستحيل إلى ثقافة وذلك بتوسل أكثر من وسيلة لتدعيمها في المجتمع والحياة ونحن المسلمين نتوسل التعليم والتدريس والخطابة في القنوات والمساجد وغيرها لكن يبقى اثر الخطاب ضعيفا لابد أن نعزّزه بوسائل أكثر تأثيرا مثل الآداب والفنون بكل أنواعها .ففرق كبير بين الخطاب التعليمي المباشر وبين الانجاز الفني الذي يتناول القيمة الأخلاقية تناولا فنيا رائعا لا يخلو من الجمالية والخيال والوجدانيات .لقد تابعت في رمضان المنصرم مسلسل الخواجة عبد القادر بطله يحيا الفخراني وقد وجدته أفضل ما شاهدت على الإطلاق واعتقد أننا بلغنا بهذا المسلسل مستوى العالمية.فهو نمط رفيع من الأدب والفن انه يعكس مستوى راق وهو من حيث تأثيره أفضل ألف مرة من قراءة ألف كتاب حول الرحمة والصّلاح والولاية وجوهر الإسلام فقط تابع هذا المسلسل لتعرف نموذج المؤمن الحق لتعرف من الشخص الذي يكون الأقرب إلى الله ليس بطول لحيته ولا بشكل لباسه ولا بفصاحة لغته ولا كثرة محفوظاته .لذلك لا بدّ من توسل كل ضروب الفنّ لنحيل الرّحمة من مجرد معرفة إلى ثقافة وعلينا أن ندعم هذه المعاني الرحموتية في المناهج التربوية من رياض الأطفال إلى المستويات الجامعية وأن نُمأسس المعارف الرحموتية أي نجعل من ثقافة الرحمة مؤسسة اجتماعية .فالرسول صلى الله عليه وسلم أسّس مفهوم الأُخُوّة في الإسلام ذلك انه عند هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة أصبح الرجل المهاجر يرث الأنصاري أخاه في الإسلام ويعقل عنه .وعندما يسر حال المسلمين واستقرّوا وطاب عيشهم انتهت هذه المؤسسة ولم يبق منها إلا الجوانب الأخلاقية”والوا الأرحام بعضهم أولى ببعض” فانتهى بذلك التوارث بين المهاجرين والأنصار.وفي فلسفة التاريخ كانت الثورة الفرنسية التي تحولت إلى مذبحة حيث فشلت الثورة في أن تمأسس الإيخاء لذلك قتل الأخ أخاه وقتل الرجل زميله في الثورة .والنبي عليه السلام مأسس الإحسان فحوذل الزكاة إلى مؤسسة ولم تترك لضمائر النّاس وإنما كانت الدولة هي التي تجنيها كذلك الوقف والعمرة والرقبة كان تعطي دارا لك زائدة إلى محتاج فإن متّ كانت له وان مات عادت لك .والمنيحة هي أن يملك إنسان ناقة أوشاة تحلب يمنحها لأخيه لأجل معلوم ينتفع من لبنها ثم يعيدها له. النبيّ قال أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز لا يعمل مؤمن بواحدة منها رجاء ثوابها وتصديق معودها إلا كتب الله له الجنة” قال البراء بن عازب قال الرسول صلى الله عليه وسلم ” أنا رجل يمنح ناقة تغدو بعسّ وتروح بعسّ إنّ أجرها لعظيم”
فالمنيحة هي أن تمنح المحتاجين وفي الصّحيحين عن انس بن مالك ” لمّا عدنا من خيبر أعاد المهاجرون إلى الأنصار منائح ثمارهم” والنبي عليه السلام أعاد أعذاق( جمع عذق والعذق هو النّخل بثمره) إلى أمّ سليم أي أمّ أنس. هذا تصرّف عجيب جدا في منتهى العبقرية يؤكد أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم لم يكن مطلقا مثلنا .

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نادية غرس الله / تونس

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: