قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)

صدق الله العظيم

وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط أمين اللهم آمين الحمد لله ربّ العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , والصلاة والسلام على أشرف خلائق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى اله الطيبين الطّاهرين وصحابته الميامين المباركين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما إخواني وأخواتي أحيّيكم جميعا وأرجو لكم الخير والتوفيق والرحمة والعتق من النار في هذا الشهر الكريم . روى الإمام الجليل أبو داوود السجستاني في سننه من حديث فيه طول وفيه أنّ النبي عليه الصلاة والسلام كان في سفر وبين كان جالسا في جماعة من أصحابه إذ أقبل رجل عليه كساء وفي يده شيء التف عليه حتى جلس وقال يا رسول الله إنّه لما رأيتك أقبلت فمررت بغيضة شجر فسمعت فيها صوت فراخ عصافير فوجدتها في عشها فوضعت عليها كسائي إذ جاءت أمهن ووقفت على رأسي ففتحت لها عنهن فوقعت عليهن فأخذتها معهن فقال له النبي عليه الصلاة والسلام ضعهن فكشف عنهن فأبت ان تطير ” أبت ان تطير وتترك فراخها في الأسر فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “أتعجبون من رُحم أم الفراخ لفراخها ” قالوا “نعم ” فقال صلى الله عليه وسلم “لَلله أرحم بعبده من أمّ الفراخ بفراخها ” كان النبي يتلمّح الرحمة في كل شيء ويهتبل كل فرصة ليفت نظر البصيرة إلى رحمات الله ويريد أن يقول :اعرفوا الله أوّلا بالرّحمة قبل معرفته بالعذاب عكس بعض الناس الذين يغلب الخوف على الرجاء والمحبة ولا يتذكر من الآيات تقريبا إلاّ ما يذكره بالعذاب وشدة البأس .والصّواب أن نتذكر البأس والشدة باقتصاد دون إسراف وفي المقابل نتذكر رحمة الله 17 مرة حتى نتناغم مع القران الكريم في هذه الحلقة نحاول الاستكمال المجمل والسريع لما بدأنا فيه من لبعض مظاهر رحمة الله وهي كثيرة . يؤكد النبي ان الله ارحم بأحدنا من أمه به وقد يعني ذلك أننا جميعا ناجون ان شاء الله فلو انك سالت احدهم هل كنت جعلت حسابك لأمك سيقول حتما لا بل جاعله لربي لأنه ارحم بي من أمي لان رحمة أمي فيض من رحمة ربي ماذا تساوي رحمة أمي بإزاء رحمة ربي ؟ فهل ترون الأم مدخلة ابنها النار هي قطعا لا تفعل ذلك الا اذا جحدها ولم يعترف بها وأنكر الانتساب إليها وهكذا الكافر الجاحد الذي لا يعترف بالله وبرحمته ولا برسالاته لذلك فهو هالك لا مدخل للطّماعية لديه في رحمة الله من مجاري رحمة الله إنزال الغيث فلولا الغيث لباد كل شئ ومات حتى الأرض تجف وتشّقّق لذلك سمى الله الغيث رحمة ” فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها”فقد سمى الله الغيث رحمة ” لذلك “يرسل الرياح مبشرات بين يديْ رحمته” والرحمة هنا هي الغيث “وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وهو الولي الحميد” آيات كثيرة تورد الرحمة في مقام الغيث وهداية الناس من أوسع الرحمات لأنه إذا منعنا الغيث نفقد حياة المعبر أما إذا منعنا هداية القلوب والأرواح والبصائر نكون قد فقدنا حياة الآخرة وخسرنا خسارة الأبد فأعظم رحمة من الله بعد إيجادهم وإعدادهم وإمدادهم إمدادهم بالهداية الإلهية فلا عجب آن سمى الله النبوة والرسالة رحمة “ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم” والرحمة هنا هي النبوّة “وقالوا لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك “ويقصدون لو نزل القران على الوليد بن المغيرة وهو من أشراف قريش بدل أن ينزل على يتيم أبي طالب والرحمة في هذا السياق هي القران الذي نزل على النبيّ. وقال صالح لثمود ” يا قومي أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي وآتاني منه رحمة فعميت عليكم فمن ينصرني من الله إن عصيته وما تزيدونني إلاّ تخسيرا” آيات كثيرة تنعت النبوّة بالرّحمة . ومن يريد الاستزادة من رحمة الله فليزدد هدى ويقرا كتابه ويتعلم من سنة نبيه ويستغل أوقات فراغه في تحفظ القران والتقرب به من الله عز وجل وقراءة كتب التفسير والناسخ والمنسوخ وهذا كله من رحمة الله فيرق القلب وتصفو الرّوح وتشفّ النفس ويزداد الخير .فلا بد ان نضرب بسهم في غنيمة الكتاب الكريم في هدايات السماء .

والقرآن قد وصف في غير موضع من الكتاب بأنه رحمة “وينزل من القران ماهر شفاء ورحمة” “الرحمان علم القران ” “تنزيل من الرحمان الرحيم ” قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ” والتوراة أيضا رحمة “”ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ” وفي نسختها هدى ورحمة ” الانبياء رحمة الكتب المقدسة رحمة وهذا من أعظم رحمات الله ومن مظاهر رحمات الله سبحانه وتعالى جبر القلوب الكسيرة وتسلية المصابين والمحزونين والمبتلين والعرب قديما يقولون “جبر الخواطر على الله سبحانه وتعالى .فهو الجبّار يجبر القلب الكسير والخاطر الكسير” وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ” فهو جابر الخواطر .وفي الأثر الاسرائيلي يرويه عمران بن موسى القصير فيما يؤثر عن نبي الله موسى انه قال “أي ربّ أين أبغيك قال يا موسى ابغني عند القلوب المنكسرة من أجلي فإنّي أدعو من أحدهم كل يوم باعا ولو لا ذلك لانهدموا ” أي تجدني عند الناس المحزونين الفقراء المصابين الضعفاء “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولبا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ” فلما نزلت هذه الآية من سورة الكهف خرج النبي وانضمّ إلى فقراء الصحابة وقال مرحبا بمن أمرني ربي أن اصبر نفسي معهم وأن أجلس إليهم . وفي حديث أبي هريرة من صحيح مسلم قال صلى الله عليه وآله وسلم ” يقول الله تبارك وتعالى لعبده يوم القيامة عبدي مرضت فلم تعدني يقول يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلان بن فلانا مرض فلم تعده أما انك لو عدته لوجدتني عنده عبدي استطعمتك فلم تطعمني قال وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلان استطعمك فلم تطعمه أما انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي … ” فمعنى الأثر الإسرائيلي صحيح وكم هو جميل ديننا غير أننا عمي عن هذا الجمال لا نراه ونعجز أن نريه للآخرين لأننا نفتقر الجمال “كن جميلا ترى الوجود جميلا ” والجميل يبحث عن الجمال أمّا القاسي فيبحث عن القسوة يغفل عن 300 أية في الرحمة ويقف عند آيات العذاب ويبالغ في ذلك . ذات مرة حين شرّفنا الشيخ العلامة د . محمد سعيد رمضان البوطي بزيارتنا في بيتي بالنمسا رحمة الله عليه وقد كانت بيني وبين احد إخواني شيء من وحشة وكان هو المعتدي وقد سايرته وذاورته سنة كاملة لم أحب ان أصل ما بيني وبينه وحين جاء البوطي وكنت قد علمت تعلقه بالشيخ البوطي ورغبته في لقائه فاتصلت به مرات عديدة لجبر خاطره غير أنني لم أتمكن من الحصول عليه . وبعد سويعات اقبل الشيخ البوطي رحمه الله وما جلس إلاّ قليلا وتكلم يسيرا حتى قال ” يا أستاذ والدي (وكان وليا من أولياء الله الصالحين ومشهود له بذلك كان عالما عاملا زاهدا ورعا ) يقول ما عبد الله بشيء أحبّ إليه من جبر الخواطر” وما إن ذكر ذلك حتى استعبرت انأ وزوجتي فاندهش وسأل .فقصصتن عليه القصة فتعجب وقد انطقه الله رحمه الله والتثبيت في الهداية من رحمة الله .والهداية 10 أنواع أشهرها هداية البيان وهداية التوفيق .وهداية البيان كأن يرسل الله نبيا او رسولا يبلغ عنه.فإذا أردت أن تهدي يدعمك الله من لدنه يوفقك الى الراحة والطمأنينة بهذا اليقين “وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى” ومن رحمة الله أن يبسط عليك ظل التوفيق وأن يعصمك من الخذلان . قال تعالى في الفاتحة نثني على الله ونمجده ونعظمه ثمّ بعد ذلك مباشرة نقول ” اهدنا الصّراط المستقيم” برحمتك يا مالك يوم الدين حتى لا نضلّ ولا تغضب منّا ولا نهلك في يوم الدّين . ” هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور وكان بالمؤمنين رحيما” “وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم” فهدايته لك هي بعنوان الرّحمة الرّحيميّة لأنها تختصّ بالمؤمنين .وهو أيضا يثبّتك برحمته فلولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشّيطان إلاّ قليلا .كيف اذن يحفظنا من الخذلان “فلولا فضل الله عليك ورحمته لهمّت طائفة منهم إن يضلّوك وما يضلون إلاّ أنفسهم وما يضرّونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن نعلم وكان فضل الله عليك عظيما ” حتى الرسول يحتاج إلى رحمة الله فهو معصوم برحمة الله عز وجل. فالتثبيت على الهداية من مجاري رحمة الله ولذلك ورد في الحديث ” ارحمني وان ترحمني بترك المعاصي أبدا ما أحييتني ” ومن أعظم الرحمات لن يرحمك بترك المعاصي وأن تبقى سائرا في طريق الهداية. ينقضي الكون ولا تنقضي رحمات الله وحقيق بهذه الأمّة أن تبرهن على أنّها أمّة الرحمة ويتعاطون مع كل شؤونهم بالرّحمة ومن مجاري رحمات الله أيضا تلبية الله عبده دعاءه فهو لا اله إلاّ هو مجيب دعاء الدّاعي بالرّحمة .استجاب الله سبحانه وتعالى لعبده وأمته من رحمة الله “وأيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين فاستجبنا له” عرف كيف يستغيث بربّه ويستنزل رحمة الله “ذكر رحمة ربّك عبده زكرياء إذ نادى ربّه نداء خفيّا …” قال شيخ الإسلام في وقته عبد الله بن مبارك رحمه الله قال “الرّحمان الذي إذا دُعِي أجاب ” وهذا تفسير بأحد المصاديق . ومن أحاديث الإمام الترمذي في سننه من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: قال صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا إذا كانت لأحدكم حاجة إلى الله أو إلى أحد من عباده فليتوضّأ وليحسن الوضوء وليصلّ ركعتين (وتسمى هذه صلاة الحاجة ) ثمّ إذا فرغ فليحمد الله ويثني عليه وليصلّ على رسول الله ثمّ ليقل لا اله إلاّ الله الحليم العليم سبحان الله ربّ العرش العظيم الحمد لله ربّ العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كلّ برّ والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلاّ غفرته ولا هما إلاّ فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلاّ قضيتها يا أرحم الرّاحمين ” هكذا كان يدعو النبيّ وهو أحسن من قرأ؟ القران وتأوّله .فلا بدّ عند الدعاء أن نختم بالنداء :”يا ارحم الراحمين ” السؤال : إذا كان الوجود خلق برحمة الله ويدوم بها ألا يتعارض هذا مع زوال الوجود يوم القيامة ؟ الجواب : المعنيان لا يتعارضان لأن استمرار الوجود وقيامه برحمة الله إلى أجل مضروب معلوم وقد جعل الله لكل شيء قدرا فإذا انقطع المدد الرّحموتي من الله فَنِيَ .وقد وقّت الله لكل شيء وقتا وضرب له أجلا ثمّ إنّ هذا الكون لا يُدكُّ ولا تقوم قيامته لينتهي بل إنها البداية ليصير إلى الخير والموت هو تحفة المؤمن فهو يذهب إلى عالم اسعد وأرحب وجمل بكثير من هذه الدّنيا الضيّقة ” يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات وبرزوا لله ” وأعظم تجلّ لله في هذا العالم الجديد والنشأة الجديدة هو تجلّ بالرّحمانية لان يوم القيامة ستحفّه كل الرّحمات لذلك لا بد أن نحب هذا اليوم يوم القيامة لكن نحتاج إلى عمل ونتواعد على التقابل في الجنة دون غلّ ولا حسد السؤال : كيف يكون المؤمن مرآة لرحمة الله؟ الجواب : قال تعالى في سورة الفرقان “وعباد الرّحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ” الاخبات والتواضع من أهمّ الصفات التي ينبغي التخلق بها .

والسلام عليكم

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: