لم يمهل تنظيم داعش مسيحيي الموصل، بعد سيطرته على المدينة في حزيران/يونيو 2014، أكثر من شهر حتى أعلن عزمه فرض الجزية عليهم.

رفض المسيحيون “عرض” داعش، فبادر التنظيم إلى تهجيرهم وقتل عدد منهم. وأصدر بياناً قال فيه إن زعيمه أبا بكر البغدادي “سمح لهم بالجلاء بأنفسهم فقط”، محدداً تاريخ السبت 18 تموز/يوليو 2014، آخر أجل للمغادرة، وإلا “فليس بيننا وبينهم إلا السيف”، قال البيان.

كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ العراق التي يجبر فيها مسيحيو الموصل على مغادرة مدينتهم التي استقروا فيها منذ أكثر من 1500 عام.

ردود سنية

لم تمر عملية التهجير من دون أن تثير حفيظة علماء المسلمين، خاصة السنة الذين رأوا فيها مخالفة شرعية لأحكام الإسلام. ووقع 126 عالماً سنياً في أيلول/سبتمبر 2014 رسالة مفتوحة إلى زعيم تنظيم داعش أبي بكر البغدادي، عددوا فيها الأخطاء الشرعية التي سقط فيها التنظيم.

ندّدت الرسالة بفرض داعش للجزية على مسيحيي الموصل، مؤكدة أنهم “ليسوا محاربين ضد الإسلام وليسوا معتدين عليه، بل أصدقاء وجيران وشركاء في الوطن”. وشددت الرسالة على أنه “لا تنطبق عليهم أحكام الجهاد”، باعتبارهم “تحت عهود قديمة منذ نحو 1300 عام”.

وأشار الشيخ محمد الفيزازي إلى أنّه قبل البحث في شرعية فرض داعش للجزية على مسيحيي الموصل، يجب البحث أولاً في شرعية وجود التنظيم نفسه. وقال في تصريح لموقع (إرفع صوتك) “لا يستقيم البحث أصلاً في تصرفات داعش، هل شرعية أم لا. وجود داعش في حد ذاته غير شرعي. ومفهوم الخلافة الشرعي غير متحقق فيما أعلنوه. وبالتالي، فكل ما ترتب عنه غير شرعي”.

وتابع الشيخ المغربي “لا يمكن تطبيق أحكام الجزية والحدود والقصاص حتى يستقيم الأمر لدولة الإسلام، وتكون الدولة كاملة القيام”، أما داعش “فهي ليست دولة، ولم تُقدَم من قبل الأمة”. وختم قائلاً “إذا كان تنظيم داعش يفرض الجزية، فالإسلام يفرض عليه حد الحرابة”.

الجزية والضريبة

وبدوره، يعتقد العالم الموريتاني المعروف محمد بن الحسن الددو أن قرار داعش بتهجير مسيحيي الموصل “ظلم للمسيحيين واعتداء عليهم. ولا يجوز بحال من الأحوال”.

وقال في حوار تلفزيوني، مع قناة “فور شباب”، “هؤلاء من رعايا الدولة الإسلامية، ولا يحل إخراجهم من ديارهم إلا إذا اعتدوا أو ظلموا”.

وأوضح الددو أن المسيحيين، وبما أنهم يؤدون الضرائب، فهم “ككل المواطنين لا يحل فرضها (الجزية) عليهم. ولا يتم تخييرهم بين الإسلام والجزية أو القتال”.

ومن جهته، رد المفكر الإسلامي عدنان إبراهيم على الإجراء الذي اتخذه داعش بالقول “ما انتهى إليه رأيي أن هؤلاء ليس عليهم جزية ولا علاقة لهم بها من قريب ولا من بعيد”.

وقال إبراهيم، في إحدى محاضراته، إن فرض الجزية على أبناء وأحفاد من كانوا يؤدونها في عصور سابقة خطأ درج عليه الفقهاء المسلمون، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود آراء فقهية معاصرة تؤكد عدم صحته.

وأشار المفكر الإسلامي في هذا الصدد إلى ما ذهب إليه الداعية السوري الراحل مصطفى السباعي بأن الجزية يدفعها من دخل في حرب مع الجيش الإسلامي، كتعويض عن الخسائر، وليس أناس آخرون أو أناس يأتون بعد ذلك.

ورفض مسيحيو الموصل أداء الجزية لداعش، فتم إجبارهم على المغادرة. وهو ما علق عليه الشيخ الفيزازي في تصريح لـ(إرفع صوتك) “رفضهم هو الصواب. وتهجيرهم من بلادهم ظلم وعدوان”.

وفي مقابل رفض مسيحيي الموصل، اضطر مسيحيو مدينة الرقة السورية إلى الإذعان لإملاءات التنظيم الإرهابي، وقبلوا أداء الجزية.

بقلم خالد الغالي

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: