وأما الاعتقادات الساذجة السخيفة في تأثير الأجرام والأحداث الاتفاقية، مما يدخل في باب التطير، وكذلك إتيان العرّافين ومُدّعي معرفة الغيب، فقد عمل الإسلام على اجتثاثها من جذورها واستئصال جرثومتها الخبيثة التي من شأنها حين تستبد بالمرء أن تشل قواه وتعطل ملكاته العقلية وتفسد حالته النفسية.
وأجتزئ في هذا المقام العاجل – إخوتي – ببعض النصوص النبوية في هذا الباب، ففي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة – رضي الله تعالى عنه -، أن الشمس كسفت على عهد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يوم مات إبراهيم – عليه السلام، ابن رسول الله -، فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا وادعوا الله. وفي الصحيحين أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال للناس على أثر سماء – أي مطر – بالحديبية أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال يقول – أي الله تبارك وتعالى – أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكواكب، وكافر بي مؤمن بالكواكب، فالذي يقول مُطرنا بنوء كذا وكذا كافر بي مؤمن بالكواكب، والذي يقول مُطرنا بفضل الله ورحمته مؤمن بي كافر بالكواكب.
وروى أبو داود بإسناد صحيح، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، قال قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مَن اقتبس علماً من النجوم، اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد. وفي الصحيحين أيضا من حديث عائشة – رضي الله تعالى عنها -، قالت سأل رسول الله أناس عن الكهان، فقال ليسوا بشيء. وفي صحيح مسلم عن بعض أزواجه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ورضوان الله عن أمهات المؤمنين جمعاوات -، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن أتى عرّافا، فسأله عن شيء، فصدّقه، لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً. وأخرج الأربعة والحاكم، عن أبي هريرة، عن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن أتي كاهنا أو عرّافا، فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد. والعرّاف اسم يشمل المنجم والكاهن والرمال ونحوهم.
وفي سنن أبي داود بإسناد حسن عن قبيصة بن المخارق، قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول العيافة والطيرة والطرق من الجبت. قال أبو داود والعيافة الخط. يريد أبو داود أي خط خطوط في الأرض يُزعم استدلالهم بها على الغيوب. والطرق هو الزجر، أي زجر الطير، وهو أن يُتيمن أو يُتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين، تُيمن، وإن طار إلى جهة اليسار، تُشوئم بطيرانه. والطيرة التشاؤم، ويكون بالمرئيات والمسموعات. والجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك كما في صحاح الجوهري.
وفي الصحيحين عن أبي مسعود البدري، أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. وحلوان الكاهن ما يُدفع له من مال لقاء إخباره بالغيب كما يُزعم. وفي الصحيح أيضا حلوان الكاهن خبيث.
وروى الإمام أحمد في مُسنده، عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما -، أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال مَن ردته الطيرة من حاجة، فقد أشرك. قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال أن يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك.
وفي صحيح مسلم لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول، ويعجبني الفأل . والهامة هي الطائر المعروف بالبومة، وكان أهل الجاهلية يزعمون أن هذا الطير إذا نعق على بيت أحدهم، فإنه يموت أحد في هذا البيت، فأبطل النبي ذلك، وصفر هو الشهر المعروف، وكانوا يتشاءمون به، فأبطل النبي أيضا ذلك. والنوء واحد الأنواء، وهو سقوط النجم من المنازل القمرية في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه وهو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق، وكان الجاهليون يعتقدون ارتباط المطر والحر والبرد وأحوال الرياح بالأنواء. وقد سمعتم أن الله – تبارك وتعالى – وصف ونعت بالكفر – والعياذ بالله -؛ بالكفر بالله، مَن آمن بتأثير الأنواء. والغول في اعتقاد الجاهليين جنس من الجن، يتعرضون للناس في الصحراء، يُخوفونهم ويضلونهم عن الطريق، فنفى النبي ذلك، وقال ولا غول.
هذه هي الصورة الأولى من صور الاستعباد التي حرر التوحيد الإسلامي الإنسان منها. ثمة صورة ثانية من صور هذا الاستعباد لا تقل ضراوة وخطرا عن استئسار الإنسان لقوى الطبيعة، وتلك هي استعباد المجتمع والثقافة للإنسان، حتى ليُمكن القول إن الاستعباد لقوى الطبيعة ما كان له أن يشيع أو يسود عبر التاريخ وخلال المجتمعات والثقافات بغير الاستعباد للمجتمع، تقاليده وثقافته السائدة. ويضيق المقام عن تفصيل القول في الآليات التي تصطنعها المجتمعات وتتوسلها الثقافات في استلحاق الأفراد واستعبادهم، وهي قضية بالغة الإثارة، عُنيت بها علوم الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، وعلم سوسيولوجيا الأديان وسوسيولوجيا الثقافة، كما علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، فضلا عن علم الأعصاب المعرفي وعلم الدعاية والإعلان نفسيه واجتماعيه، علوم كثيرة!
وهذا الضرب – إخوتي – من العبودية والانسجان – إن جاز التعبير، الانسجان في سجن المجتمع والثقافة – هو ما يفسر لنا ما قد يبدو بادئ النظر غير قابل للفهم أو التفسير، من قبيل انتحال عالم كبير قد يكون من حملة جائزة نوبل Noble في العلوم عقائد بالغة السخف، مثيرة للضحك وربما للاشمئزاز أحياناً، أو مصادقته على ومباركته لنزعات وتصرفات قد تهبط إلى دركة الجريمة والوحشية، بغير حجة أو برهان، إلا كونها موروث ناسه وثقافة مجتمعه.
وقد لفت القرآن بطريقة أكثر من مُعجبة إلى الإسعاد الذي تتغياه الامتثالية – ال Confirmation- والتطابق اللذان يصدر عنهما الفرد في مجتمع ما، وذلك على لسان الخليل إبراهيم – عليه الصلاة وأفضل السلام -؛ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ *، يُسعد بعضكم بعضا بهذا، تتساعدون بهذا، مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ *. فالفرد في مجتمع شديد الامتثالية قد يجد نفسه يُقدس حجراً أو شجراً، أو يقرّب ولده لوثن لا يضر ولا ينفع، أو يجده مدعواً لذبح جاره أو قريبه أو صديقه حتى، لمجرد رغبته في ألا يبدو خارجاً عن السرب أو شاذاً عن القطيع. وإنكم لواجدون لا محالة في كل حالة من هاته الحالات الزرية أفراداً أو طبقة من الطبقات ارتبطت مصالحها باستدامة هذه الحالة أو تلك من حالات مناقضة العقل ومناكدة الضمير ومعاكسة الفطرة السوية، فهي تعمل على ذلك مجتهدة من حيث تُفهم القطيع الكبير أن في ذلك ضمانة وجوده ومصلحته وربما كرامته واعتباره. فها هم سحرة فرعون يسألون وعينهم على الذهب؛ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *، وها هم الأحبار والرهبان، كثير منهم، لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ *، فلم تعد الغاية بيان الحق والدلالة على السبيل، بل كنز الذهب والفضة والإمساك عليها.
وقد سلك القرآن في معالجة هذه الوضعية المُنذرة بهلاك المجتمعات وفسادها بالكلية طريق مناشدة العقل والبرهان والنأي بالنفس عن تأثير الآبائية والإمعية أو عقلية الحشود – إن شئتم -.
وقد بلغ من مناشدة الإسلام للعقل ورغبته في تحقق الفرد بحريته بعيدا عن كل شوائب الإكراه والإلجاء، أن ضمن لأعدائه وجاحديه حرية الكفر، وهم في سلطان حملته ودولتهم؛ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ *، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ *، وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ *، هذا ضمانه لأعدائه حرية الكفر. أما ضمانه لأتباعه حرية الفكر، فيكفي أنه أغراهم بالاجتهاد، واعداً المجتهد بالأجر في كلتا حالتيه من الصواب أو الخطأ؛ فإن هو أخطأ، عاد بأجر واحد، وإن هو أصاب، فله أجران.
إن العقل – أحبتي؛ إخوتي وأخواتي – مناط التكليف، مَن تصالح معه، ولم يُغلّب على حكمه هوى أو مصلحة، قاده لا محالة إلى الحق، ومَن تعامى عن سواطعه وبيّناته، فقد أوبق نفسه؛ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ *.
ومن المُخيف ألا تكون الامتثالية والاستجابة لضغط السائد وطاعة الكبراء شفيعا للعبد يوم الدين، وهو المعنى المرعب الذي أكده النبي الكريم – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – بقوله في حديث عياض بن حمار المجاشعي الذي أخرجه مسلم في صحيحه وأهل النار خمسة؛ الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعاً، لا يتبعون أهلاً ولا مالاً…وبهذا القسم بدأ النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -؛ تنبيهاً على سوء حالهم.
ومعنى لا زبر له، أي لا عقل كاملاً له يمنعه من ارتكاب ما لا ينبغي، وحتماً يعني النبي هنا العقل المُستفاد الذي يُنميه صاحبه بالتعلم والتفكر، وتُحكمه التجارب، فلا عذر للجاهل الذي يجره جهله إلى ارتكاب العظائم والبوائق، لكونه لم يُعن بعقله ولم يجتهد في تنميته وتحسينه، فذلك بحد ذاته كفرٌ بنعمة من أجل نعم الله على عباده، عنيت – كما تعلمون – نعمة العقل.
ومن اللافت أن القرآن لم يتعامل مع العقل بالصيغة الاسمية أو المصدرية، بل بالصيغة الفعلية، ما يعني أنه تعامل مع العقل كوظيفة، يمكن تحسينها وتنميتها على الدوام، لا كجوهر ثابت تتفاوت حظوظ الناس منه على نحو لا يقبل التغيير. وبهذا يسقط إيراد مَن جعل المعنى غير مستقيم بتفسير الزبر بالعقل، من حيث إن مَن لا عقل له لا تكليف عليه، قد سمعتم الجواب لتوكم عن هذا الإيراد.
ثم فسر العلماء سائر نعت المذكورين بأنهم الذين لا يطلبون زوجة ولا سُرية، فأعرضوا عن طريق الحلال وارتكبوا الحرام، وأيضاً لا يطلبون مالاً حلالاً من طريق الكد والكسب الطيب، بل لا يُبالون ما طعموا وما شربوا، أمن حلال هو أم من حرام؟ والذي يبدو لي – والله أعلم – أنه وصف بالغ الدقة والنفاذ لمَن يمكن وصفهم بلغة عصرنا بكونهم أدوات في يد غيرهم، يجترمون بهم ما تشاء لهم نفوسهم المظلمة من الجرائم والشناعات.
ومما يتأيد به ما نحن بصدده من معنى ما أخرجه الشيخان، عن علي – رضي الله تعالى عنه -، قال بعث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – سرية، فاستعمل رجلاً من الأنصار – أي عليها أميراً -، وأمرهم أن يُطيعوه، فغضب – أي ذات ساعة -، فقال أليس أمركم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تطيعوني؟ قالوا بلى. قال فاجمعوا لي حطباً. فجمعوا. فقال أوقدوا ناراً. فأوقدوها. فقال ادخلوها. فهمّوا – أي بدخولها -، وجعل بعضهم يُمسك بعضاً، ويقولون فررنا إلى النبي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – من النار. فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه. فبلغ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – فقال لو دخلوها، ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، وفي رواية ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف.
فهذا – إخوتي وأخواتي – كما ترون حكمٌ بدخول النار على مَن أتى كبيرة، مع أنه أتاها بحكم عموم نص، إلا أنه لم يُصب الحق في فهمه، حيث أبقاه على إطلاقه، وحقه أن يُقيّد بما ذكره النبي من قيد، وهو أن الطاعة للعباد لا تكون إلا في المعروف. فكيف بمَن يقترف من البوائق والجرائم ما يقطع العقل السليم بشناعته وتُعلم حُرمته من الشرائع الإلهية باليقين؟ ولن نخوض هنا في النار المُتوعد بها في الحديث؛ أهي نار جهنم، أم النار التي دخلوها؟ ففي المسألة بحث يُطلب من مظانه. كما لن نُطول بالاستشهاد بما هو معلوم للجميع من الآيات التي تنعى على المشركين اتباعهم الآباء والأسلاف بغير علم ولا هدى، ولزومهم طريقتهم الردية في عبادة الأوثان وارتكاب فواحش المحرمات وتحريم الحلال واستحلال الحرام، وكيف ردهم القرآن إلى العقل السليم، ناصباً إياه حكماً بينهم وبين رسل الله – تعالى -.
فأكرم بدين العقل حليفه وشاهده……وذم دينا يقوم على مناقضة العقل ومناكدته!
ولعل من أبلغ ما يمكن الاحتجاج به في هذا الصدد، هو النبي الكريم نفسه – صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا -، فهو مع كونه أعقل الناس وأعلمهم، فضلا عن كونه نبيا رسولا، يأتيه الوحي من السماء، إلا أنه لم يُلزم أتباعه باتباعه في كل أمره، بل علمهم وأفهمهم أن له جهتين، يُنظر إليه من خلالهما؛ جهة النبوة والوحي، ونحن من هذه الجهة مُلزمون باتباعه بلا تردد ولا تحرج، إذ هو وفقها مجرد مبلغ عن رب العالمين، وله جهة أخرى متعلقة ببشريته، ولسنا مُلزمين باتباعه فيها. وقد بوّب الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه باب وجوب امتثال ما قاله – صلى الله عليه وسلم – شرعاً، دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي. وأورد فيه خبر تأبير النخل المعروف، وفيه الجملة الشهيرة التي يتحفظها الجميع – أحسب -؛ أنتم أعلم بأمور دنياكم.
وقد حمل هذا الفهم الدقيق العلماء على الميز بين ضروب من تصرفاته – عليه الصلاة وأفضل السلام -، إذ أن منها ما صدر عنه بعنوان النبوة والرسالة، ومنها ما صدر بعنوان القضاء، وثالثة بعنوان الإمامة، ورابعة بعنوان الجبلة والخلقة، إلى غير ذلك من العنوانات، التي أربى بها بعضهم على العشرة، ما أنبنى عليه تفريق ذو خطر بين أحكام هذه التصرفات ومدى إلزاميتها لنا.
وفي سبيل التخفف من ضغط الجماعة وسلطة الحشد، أرشد القرآن العظيم إلى خطة عظيمة الجدوى، قد لا يُغني عنها غيرها، وتلكم هي الخطة التي عوّل عليها كل المصلحين الكبار، من بناة الأفكار والأمم، والتي سماها أرنولد توينبي Arnold Toynbee بالانسحاب، الانسحاب المُسلِم إلى العودة. وقد عرضها القرآن العظيم خطةً لكل مَن بغى لنفسه الخير وأبى أن يسفهها، فقال – تعالى – قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ *. ما هي؟ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ *. ليس أكثر، مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ *.
وذلكم – إخوتي – أن القطيع قد يصد عن السبيل، القطيع قد يصد عن سبيل الحق ويميته، ويحيي الباطل وينعشه. وقد وُجد من علماء النفس الاجتماعي مَن زعم أن عقل الحشد، كل حشد، لا يزيد في المتوسط على عقل فرد دون المتوسط في ذكائه. وفي منظور القرآن لا يُعد عذراً شافعاً لصاحبه أن يكون المرء اعتقد عقيدةً ما أو انتحل نحلةً ما، مُتابعةً منه للكبراء وعلية القوم. فكل امرئ مُكلف بما أداه إليه فكره هو وفهمه هو. والحق لا يُعرف بالرجال، بل الرجال يُعرفون بالحق، وبه يُوزنون، كما قال الإمام علي – عليه السلام -.
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا *، وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *. وأشد ما يلفت في الآيات الكريمات أن الله سمى الفريقين كليهما ظالمين؛ المستضعفين قبل المستكبرين، في إشارة مزلزلة إلى أن سفه الإنسان لنفسه وجحده الحق باتباع الكبراء على أسمائهم وسلطانهم يدخله يوم القيامة مدخلهم، على حد قوله – تعالى – إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ *، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ *.
فليس في ميزان الله – تعالى – اعتبار بمنطق؛ “عبد مأمور”، و”حشرٌ مع الناس عيد”، و”حط راسك بين الروس، وقول يا قطاع الروس”، و”مع الخيل يا شقرا”. ولهذا يُجازى الأتباع يوم القيامة جزاء المتبوعين، كما قال – تعالى – قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ *. يريد ضعف العذاب، وضعف الشيء مثله مرة.
وقد يكون من المناسب في هذا الموضع كشف شُبهة تُثار بهذا الخصوص، إذ يُقال ما بال الله – تعالى – ذكر في مواضع أنه وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا *، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ *، وأن كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ *، وأنه وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ *، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *، لكنه ذكر في موضع آخر أن من الكافرين مَن يحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم؛ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ *، كما قال وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ *.
والجواب أن هؤلاء الأخيرين – أريد الذين يحملون أوزارهم ومن أوزار غيرهم، وأثقالهم وأثقال غيرهم – لا يحملون في الحقيقة إلا أوزار أنفسهم، فقد تحملوا وزر ضلالهم في أنفسهم ووزر إضلالهم غيرهم، وأما الذين ضلوا بإضلالهم لهم، فيحملون أوزار أنفسهم أيضاً. ويدل له قوله – تعالى – الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ *، زيد عليهم العذاب لصدهم غيرهم عن سبيل الله فوق عذابهم المُستحق بكفرهم في أنفسهم. ومثله قوله – تعالى – وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ *؛ لأنهم أضلوهم وأغروهم بالكفر. وفي تقرير هذا المعنى قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور مَن اتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام مَن اتبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. أخرجه أحمد والإمام مالك في الموطأ ومسلم وأبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة – رضي الله عن الجميع -. وإذا وضح هذا، فما يُضاعف لكل فريق هو عذابه المُستحق على ما حمل من وزر ضلالاً فقط أو ضلالاً وإضلالاً.
ونعود إلى ما كنا فيه؛ مهما تلاعن التابع والمتبوع، وتبرأوا من بعضهم البعض، فإن مصيرهم النار، لا يُغني فريق عن فريق شيئاً، وقد كان يمكن أن يكون إغناء، لو كان الله – تعالى – قضى بإرسال رسله لخطاب الكبار والرؤساء، دون العامة والأتباع، بحيث يسوغ للعامي، للتابع المسكين، ضعيف العقل، الذي لا زبر له، أن يقول يا ربي إنك ما أرسلت نبيك ورسولك بخطابي وخطاب أمثالي، وإنما بخطاب كبرائنا. ولكن هيهات! كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ *.
أخرج الإمام الترمذي في سننه، عن حذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنهما -، قالا قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس، أحسنت، وإن أساءوا، أسأت، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس، أن تحسنوا، وإن أساءوا، ألا تظلموا. إمعة! يُقال رجل إمعة وإمع. ويُفتحان؛ أمعة وأمع. وهو ضعيف الرأي الذي لا يثبت على رأي، بل يميله كل صاحب رأي مع رأيه. وفُسر بالمحقب الناس دينه. بالمحقب الناس دينه، أي الذي يقلد دينه الرجال من غير بينّة ولا برهان. الإحقاب مأخوذ من الإرداف على الحقيبة، والحقيبة ما يُحمل وراء الرحل. وإذا كان الاتباع والتقليد للآباء والأسلاف، فإن الإمعية تقليد واتباع للأحياء من الناس، وكلاهما مذموم منكور.
ومن المفهوم أن تكون الإمعية أكثر ما تكون لعصبة الرجل وقبيلته، فهم الأولى به، وبهم اعتزاؤه، إلا أن الإسلام لم ير في ذا سبباً كافياً للإعراض عن الحق أو التخوض في الباطل وارتكاب المظالم. نعم يُندب للمرء أن يحامي عن عشيرته ويزود عنها، فهي بنصرته أولى، لكن ذلك مشروط بأن يكون بالحق في غير بغي ولا عدوان. كما قال الله – تعالى – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا *. فإذا كان المؤمن مُلزم بالشهادة بالحق ولو على نفسه أو أبويه وقراباته، فهل يجد مساغاً ليشهد بالباطل لمَن دونهم من عشيرته؟ اللهم لا.
قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – في خطبة له، فيما يروي سراقة بن مالك بن جعشم، خيركم المُدافع عن عشيرته، ما لم يأثم. كما أخرجه أبو داود. وما أشد ما ورد عنه – صلوات ربي وتسليماته عليه – من التشديد والدمدمة في الانجرار وراء العصبية للأهل والعشيرة بالباطل! كالذي رواه مسلم والنسائي، عن جندب بن عبد الله، قال قال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن قُتل تحت راية عمية، يدعو إلي عصبية، أو ينصر عصبية، فقِتلةٌ – أي قِتلته. فقِتلتةٌ اسم هيئة – جاهلية. والعمية فعيلة، مبالغة، من العمى.
وأخرج أبو داود، عن جبير بن مطعم بن عدي، أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قال ليس منا مَن دعا إلى عصبية، وليس منا مَن قتل عصبية، وليس منا مَن مات على عصبية. كما أخرج أبو داود، عن ابن مسعود، قال انتهيت إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – وهو في قبة من أدم، فقال مَن نصر قومه على غير الحق، فهو كالبعير الذي رُدي – أي تردى في مهواة -، فهو يُنزع – وربما ضبطها بعضهم يَنزع – بذَنَبه. والتردي الوقوع من علو، والمهواة الحفرة في الأرض. ويُنزع بصيغة المفعول، أي يُعالج ويُخرَج منها، بذَنَبه، يُجر من ورائه. قيل المعنى أوقع نفسه في الهلكة بتلك النُصرة الباطلة، حيث أراد الرفعة بنُصرة قومه، فوقع في حضيض بئر الإثم وهلك كالبعير. ما أعظم هذا التشبيه النبوي الكريم! فلا ينفعه، كما لا ينفع البعير، نزعه عن البئر بذَنَبه. وقيل شبه – عليه الصلاة وأفضل السلام – القوم ببعير هالك؛ لأن مَن كان على غير حق، فهو هالك، وشبه ناصرهم بذنب ** هذا البعير، فكما أن نزعه بذَنَبه لا يُخلّص من الهلكة، كذلك هذا الناصر لا يُخلّصهم من بئر الهلاك التي وقعوا فيها. والله أعلم.
كما روى أبو داود أيضا، عن واثلة بن الأسقع – رضي الله عنه -، قال قلت يا رسول الله ما العصبية؟ قال أن تعين قومك على الظلم. إن المسلم من منظور دينه مُكرَّم مُعتبَر نظره ورأيه ما وافق الحق وتبرهن بالحجة والدليل. وقد أخرج الشيخان وأصحاب السنن، عن علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه وأرضاه -، أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قال ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، ولفظ الترمذي والنسائي المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على مَن سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم. ومن هنا كان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر وقول كلمة الحق ولو عند سلطان جائر، فلا أحد أكبر من أن يُنصَح ويُقوَّم، ولا أحد أصغر من أن يَنصح ويُقوِّم، والحق مرجع الجميع والحكم العدل على الكل، ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لا يعمل في مواجهة الأفراد الجانحين عن سواء الصراط فقط، بل أيضا في وجه السلطتين الأعتى، أعني سلطة المجتمع وسلطة الحاكم، والتفصيل فيه طول.
ومن احترام المسلم لعقله واعتباره له أن يربأ بنفسه عن أن يكون من ضحايا الإشاعات والأفائك والمزاعم المُرسلة، ويعلم أنه مدعو إلى ترك تكلف ما لا يعنيه. وقد وصم القرآن فريقاً من الإنسان بالإرجاف، شملهم مع المنافقين وأهل الريب ومرضى القلوب، أي بالشهوات المحرمة وحب الفجور، في سياق واحد، وتهددهم بشدة وعنف، فقال لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا *، وأولئك المرجفون كانوا مذاييع إشاعات كاذبة، يرجفون بالرسول والمؤمنين، يقولون أتاكم عدد وعدة. كما نعى القرآن الأمر نفسه على المنافقين في موضع آخر، فقال – تعالى – وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا *، كان من شأنهم أنهم يذيعون أخبار السرايا النبوية وما يُشاع عنها من نصر وأمن أو هزيمة وخوف.
يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه، من رواية أبي هريرة، كفى بالمرء كذباً أن يُحدِّث بكل ما سمع. كما أخرج مسلم، من حديث ابن مسعود، قال بحسب المرء من الكذب أن يُحدِّث بكل ما سمع. وورد في الصحيحين، من حديث المغيرة، أنه كتب إلى معاوية، أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال. وهو نهي صريح عن القول بما لا يصح وما لا تُعلم حقيقته، وهو بمعنى حديث أبي داود، أن أبا مسعود قال لأبي عبد الله، أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود، ما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في زعموا؟ يسأله. قال سمعته – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول بئس مطية الرجل. إذن بئس مطية الرجل زعموا. وأبو عبد الله المذكور هنا هو حذيفة بن اليمان – رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين -. ذم – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما كان سبيله من الحديث الزعم وما لا ثبات له. وفي سورة الإسراء وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا *.
ثم الشهادة في كتاب الله وسنة رسوله أمانة غليظة وثقيلة، إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *، وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ *، كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ *. وقد أخرج العُقيلي والحاكم وأبو نُعيم في الحلية، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – سُئل عن الشهادة، فقال للسائل ترى الشمس؟ قال نعم. قال على مثلها فاشهد أو دع. وفيما يُروى عن الإمام علي – عليه السلام وكرّم الله وجهه -، أنه سُئل عن قوله إنه ليس بين الحق والباطل إلا أربع أصابع، فجمع أصابع ووضعها بين أذنه وعينه، على صدغه، ثم قال ما رأته عيناك، فهو الحق، وما سمعته أذناك، فأكثره باطل.
فأسأل الله – تبارك وتعالى – لي ولكم ألا نكون من مذاييع القول، المرجفين بما لا يعلمون، من الأفائك والإشاعات، وألا نكون من الشهداء الذين يشهدون بالزور والباطل والكذب والمزاعم.
وقد كنت قدرت – أحبتي؛ إخوتي وأخواتي – أني أستوفي الكلام في حلقة واحدة، وقدّر الله أمرا آخر، فأرجئ الكلام في بقية جوانب تحرير الإسلام للإنسان الحلقة المُقبلة – إن فسح الله في الأجل -.
وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ *، وأستودعكم الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم الذي لا تضيع عنده الودائع، والسلام عليكم ورحمة الله – تعالى – وبركاته.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: