أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربي لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى. نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمُعافتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك. لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

صل وسلم وبارك على خيرتك من خلقك ونجيبك من عبادك وأمينك على وحيك، وعلى آله الطيبين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا، واختم بالسعادة آجالنا وبالباقيات الصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا.

إخواني وأخواتي:

۞ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ۞

لا زلنا مع سورة فاطر، وبلغنا أمس إلى قوله – تبارك وتعالى – وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ۩، آخر الآية الثانية والعشرين.

۞ إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ۞

إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ۩، قال إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ۩، وطبعاً واضح أن القصر هنا إضافي، هذا القصر إضافي! أي باللُغة العادية نسبي، فنحن نقول قصر نسبي. ليس قصراً مُطلَقاً، لأنه قد يقول قائل إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ۩ لكن هو بشير أيضاً وهو مُبيِّن وهو… وهو… عنده الكثير من العناوين، فهو ليس نذيراً فقط، هو نذير للكفّار بجهنم، وبشير للمُؤمِنين، إذن هذا قصر إضافي.

في علم البيان، في البلاغة، لابد أن تبحث عن النسبة حين يكون هناك قصر إضافي،وكما قلت يُسمى القصر النسبي الآن، أي باللُغة المفهومة القصر النسبي، والإضافة هي النسبة، الإضافة هي النسبة! يُقال الجهات إضافية أو الجهات نسبية. الشيئ نفسه! حين يكون القصر نسبياً أو إضافياً لابد أن تبحث عن هذه النسبة، بالنسبة إلى ماذا؟ بالنسبة للإسماع، بالنسبة للإسماع! لمُحاوَلته إسماعهم، بالنسبة لهؤلاء الذين يُحاوِل – عليه الصلاة وأفضل السلام – إسماعهم هو ليس إلا نذيراً، والله قال له لا تزعل ولا تحزن، هم لا يُحِبون أن يسمعوا، وهم لا يُحِبون أن يفهموا، ولكن أنت فقط نَذِيرٌ ۩، أنت أنذرتهم. هل فهمتم كيف هذا؟ هذا اسمه القصر الإضافي، وهذه مبادئ بسيطة في البيان، وهي ضرورية، لكي يفهم الإنسان الكلام العربي، سواء السُنة أو القرآن، فيعرف أين المُطلَق وأين الإضافي، نعم! فحتى النبي حين قال لا شفاء إلا في ثلاثة. كان هذا أيضاً إضافياً! قال لا شفاء إلا في ثلاثة. وهذا أيضاً إضافي، لأن هناك أشفية كثيرة في غير الأشياء الثلاثة هذه. يأتي إليك واحد صيدلاني الآن ويقول لك ما الكلام هذا؟ أنا سوف أعطيك أسماء عديدة، لألف دواء يا سيدي أو عشرة آلاف دواء أو مليون دواء. أليس كذلك؟ فهذا قصر إضافي، تبحث عن نسبته، تبحث عن ماذا؟ عن نسبته. لكي تُدرِك ما ذكرناه.

إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ۩، وفسَّرنا النذارة.

۞ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ۞

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩، هذه هي، هذه الآية تُؤكِّد أن هذا قصر إضافي، الآن صار بَشِيرًا ۩ أيضاً، بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩، قصر إضافي بالنسبة لما ذُكر فقط. إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩.

وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ ۩، أي وما من أمة، إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، وهذا على وجهه، هذا حقيقي. قال ابن جُريج إلا العرب. وطبعاً السياق يُعين على ذلك، يقول له أنت مُرسَل بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩ في هذه الأمة، وباستثناء هذه الأمة ما من أمة إلا بُعث فيها رسول مثلك، بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩. فيصير المعنى ماذا؟ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ۩ سوى هذه الأمة، وقد بُعث فيها – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فتمت حُجة الله على عباده، لم يبق لأحد حُجة من هذه الأمم الغابرة أو السلافة. هل هذا واضح؟ نعم.

وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، وطبعاً تحت هذه الآية يُمكِن لفيلسوف أديان ويُمكِن لباحث مُسلِم أيضاً في علم فلسفة وتاريخ الأديان أن يُؤلِّف كتاباً كبيراً، ويُسميه وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، أو إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، ويتقصى ويستقري بدقة تاريخ الأديان كلها، البدائية وغير البدائية، وسوف يعود ويحور في النهاية إلى أن الفكرة الدينية أو فكرة البحث عن أصل الوجود ومُؤصِّل هذا الوجود وكذا فكرة تقريباً لم تخل منها حضارة أو أمة، لكن طرأ عليها تشوهات وتحريفات وتزيدات كثيرة، ولا زال الأمر سارياً على هذه الشاكلة.

۞ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ۞

وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۩، كذَّبوا بماذا؟ كذَّبوا أنبياءهم، كذَّبوا نُذرهم، رُسلهم! جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم ۩ ها هو، إذن هذا هو، دل عليه قوله جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم ۩، إذن كذَّبوا رُسلهم، أي كذَّبوا رُسلهم الذين جاءوهم، بِالْبَيِّنَاتِ ۩، الدلائل الساطعات النيّرات الواضحات، وانظر إلى هذه، هذه حتى – أي بحد ذاتها – كلمة لها وزن، الله يقول حُجج الأنبياء والمُرسَلين التي يتسلحون بها بيّنات، أي ليست حُجاً مُعقَّدة وفلسفية ومُركَّبة وتتعاصى على الفهم وتستعصي على فهم مُعظَم الناس، إلا على قلة مُنتخَبة. لا! بيّنة، يفهمها الفيلسوف الكبير، ويفهمها العامي الذي لم يكتب سواداً في بياض، يفهم! لماذا؟ لأن العقل كما قال ديكارت Descartes أعدل الأشياء قسمة بين البشر. والأنبياء يُخاطِبون ماذا؟ العقول. يُخاطِبون بدائه العقول، والنبي دائماً يقودك إلى البديهة.

وتعرفون هذا موضوع فلسفي جميل جداً، لا أقول إنه مُعقَّد، لكنه موضوع عميق وجميل ومُهِم جداً. تخيَّلوا الآن أين بلغ العلم (العلم الطبيعي)؟ وأين بلغت فلسفات العلم والفلسفات عموماً؟ قطعت أشواطاً فسيحة وبعيدة جداً جداً جداً. وإلى اليوم لا يزال هناك مَن يُناضِلون وعندهم حُجة قوية، من أقوى الحُجج! وأنا مُتعاطِف معهم، إلى أن كل هذه الأفكار والنتائج وقرائح العقول (كل قرائح العقول) في الأخير يُمكِن مُحاكَمتها إلى منطق ماذا؟ البدائه (بدائه العقول). تخيَّل! إلى المنطق السليم، والمنطق السليم يكسب الجولات في مُعظَم – نقول في مُعظَم لكي نكون مُتواضِعين – التحديات. في مُعظَم، مُعظَم، مُعظَم التحديات المنطق السليم يكسب الجولة. تخيَّل! ولذلك بُعث الأنبياء بهذا المنطق السليم، وخاطبوا الناس بمنطق ماذا؟ بدائه العقول. أشياء لابد أن تُسلِّمها، ما لم تُسلِّمها، لا يُمكِن بعد ذلك أن تُقيم بُنياناً لعلم حسابي أو منطقي أو ميتافيزيقي أو علم تجريبي، لا يُمكِن! ولذلك الأنبياء اتكأوا عليها، قوية هذه، نعم!

على كل حال طبعاً هناك مُحاوَلات لفلاسفة وعلماء مُسلِمين ومُتكلِّمين كبار في رد أقوى الحُجج الفلسفية والكلامية إلى القرآن الكريم، تُستنبَط أيضاً من كتاب الله، موجودة! ولكن – سُبحان الله – بصياغة إلهية بسيطة وواضحة، يفهمها الإنسان حتى غير المُتعلِّم. تُريد أن تُفصِّلها؟ تُريد أن تُفرِّعها؟ تُريد أن تُشعِّبها؟ تُريد أن تُحشّي عليها؟ تُريد أن تُهمِّش وتُؤلِّف أطروحة كبيرة تأخذ عليها دكتوراة في الفلسفة؟ تستطيع أيضاً. ولكن يُمكِن ان تُبسِّطها بحيث يفهمها العامي، وهي قوية. هذا موضوع جميل، ولكن ليس هذا طبعاً موضع الخوض فيه ولو من وراء وراء.

بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ ۩، جمع زابور، وهو الكتاب المكتوب، يُجمَع على ماذا؟ زُبر. أي الكُتب المكتوبة طبعاً، وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ۩، وكلها تأكيدات، وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ۩، الْمُنِيرِ ۩ أيضاً الواضح.

۞ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ۞

ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۩، وطبعاً هذا نوع تعزية، هذا نوع تعزية أو لون تسلية لرسوله – عليه الصلاة وأفضل السلام -. يقول له لست بدعاً من الرُسل الذين أرسلناهم من قبلك فكُذبوا. كل الرُسل يُكذَّبون. لا إله إلا الله! وفي أصل التكذيب هذه الأمم المُكذِّبة هي لا تُكذِّب الرُسل، تُكذِّب الرسالة، تُكذِّب بالبيّنات!

والإنسان غريب على فكرة، أي الإنسان يا إخواني عبد للأسف إلا مَن هدى الله، عبد لأهوائه، وحين يُريد أن يُؤمِن بشيئ، لن يعدم الذرائع – لن أقول الحُجج، سأقول الذرائع – والأسباب التي يعتل بها للإيمان به. فمثلاً الذين عبدوا الأوثان – قوم رسول الله عبدوا الأوثان هذه والأحجار والأخشاب، وهي لا تسمع، لا تُبصِر، لا تتكلَّم، ولا تُذَّب عن نفسها. يُمكِن أن تُلطِّخها بالعذرة، بالوساخة، بالدم، وبأي شيئ، وهي لن تفعل شيئاً، لأنها أحجار، هذه أحجار -، كيف اعتقدوا أنها آلهة؟

إبراهيم حين حطَّمها ووضع الفأس في عُنق كبيرها وقال لهم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا ۩، هم قالوا نعم، صحيح. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ۩، انتكسوا مرة أُخرى، أرأيت؟ مثل الانتكاس الطبي، هنا انتكاس حُججي بيّني، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ۩ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ ۩ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ۩، قال لهم أين عقلكم؟ فالآن قامت عليكم الحُجة، كبيرهم هذا لا يستطيع أن يفعل شيئاً، أنا الذي حطَّمتهم، حين قلت لكم كَبِيرُهُمْ ۩ نعم جازت عليكم لدقائق، ثم قلتم لا، مُستحيل، هذا لا يفعل شيئاً، هذا قاعد هكذا، صخرة هكذا، ليست بشيئ. تعرفون هذا إذن! فكيف اتخذتموه إلهاً وكبير آلهة أيها المخبولون – أي مَن عزب عنهم عقلهم -؟  أَفَلا تَعْقِلُونَ ۩، قال لهم: أُفٍّ لَّكُمْ ۩، حالتكم زرية جداً.

كيف آمنوا أو كيف آمنت هذه الأمم بهذه الأشياء؟ لأنهم أرادوا أن يُؤمِنوا بها، أرادوا! هم أرادوا فقط، أرادوا أن يُؤمِنوا، فآمنوا. فقط! إرادة الاعتقاد كما سماها ويليام جيمس William James، إرادة الاعتقاد! هو عنده إرادة أن يعتقد في حجر، ولذلك يعتقد، انتهى! هو عنده إرادة أن يعتقد في وهم – في وهم! شيئ غير موجود حتى وغير محسوس، وهو وهم خلقه عقله -، ولذلك يعتقد فيه أيضاً.

وطبعاً هذا أسهل بكثير على هؤلاء الضالين المُتخبِّطين التائهين الحائرين، أن يُؤمِنوا به، من أن يُؤمِنوا بإله سميع بصير رقيب وآمر وناهٍ وإليه الرُجعى، منه المُبتدأ وإليه الرُجعى والمصير، ويُحاسِبهم على الكثير والقليل، أو القليل والكثير، والفتيل والقطمير والنقير. هم لا يُريدون هذا، فهذا لا يُناسِبهم، هذا لا يُناسِبهم!

ولذلك قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۩، انظر إلى هذا، القرآن! الله قال له لا تظن أن هذه معركة شخصية، أي أنهم يُكذِّبون محمد بن عبد الله الصادق الأمين. فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ ۩، لبث فيهم أربعين سنة، ولم تُجرَّب عليه كذبة واحدة، ولا مرة النبي كذب، وهذا قبل أن يكون نبياً، في شأن دنيوي، أي في أكل أو شرب أو فلوس، ولا مرة! ولا مرة! ولا عن طريق المزح، لبث فيهم أربعين سنة! الآن يدع الكذب على الناس في سفساف أو سفاسف الأمور ثم يكذب على رب العالمين؟ لا يُوجَد عاقل يُمكِنه أن يعمل هذا. فالله قال له لا تحزن، لأن المعركة ليست شخصية معك كمحمد بن عبد الله، نبي السماء، ونبيء السماء، أبداً أبداً! المعركة مع ماذا؟ مع آيات الله، مع منهج الله، ومع فكرة حتى الإيمان بالله نفسه. هم لا يُريدون الشيئ هذا! وإلى اليوم على فكرة البشر على هذا النحو، إلى اليوم على هذا النحو!

قبل يومين يُحدِّثني أحدهم، ويقول لي خُضت في المدرسة نقاشاً حمي وطيسه، مع المُدرِّسة والطلّاب. قال لي هناك شيئ عجيب! يقولون فلماذا إذن هذا؟ لماذا يجب أن نعبد؟ لماذا يجب أن ننحي له؟ انظر إلى الكبرياء! ولماذا يُحرِّم علينا الزنا؟ والنقاش كان عن الزنا أيضاً، لماذا؟ نُريد أن نزني، وننام. كأنهم قطط أو سنانير وكلاب. هذا هو طبعاً، وبعد ذلك طبعاً لا يعرف الواحد مَن أبوه ولا مَن جده ولا مَن خاله ولا مَن عمه، أي كأنها حديقة حيوان. قلت له يا ليتك قلت لهم لأننا لسنا قططاً ولسنا كلاباً. الكلاب تفعل هذا والقطط تفعل هذا، لكن البشر لا يفعلون هذا. وقلت له يا ليتك ذكرت لهم كتاب المُؤرِّخة الألمانية ميريام غيرهارد Miriam Gebhardt (عندما أتى الجنود). وقد حدَّثتكم عنه مرة في خُطبة عن تعدد الزوجات، وقلت لكم كيف تحدَّثت فيه حديثاً مُؤلِماً جداً، عن أن هناك حوالي مليون أو مليون ونصف من الألمان الذين يبحثون بحثاً مُؤلِماً مريراً عن آبائهم، لأنهم أولاد زنا، أنغال! من جنود فرنسيين وبريطان وأمريكان (هؤلاء الأكثر)، ومُعظَمهم كان يموت للأسف دون أن يعرف أباه، يعيش ثمانين سنة ثم يموت دون أن يعرف مَن هو أبوه، وهناك حسرة! وفي هذا الكتاب لقاءات مع كثيرين من هؤلاء، لأن هذا نموذج الحياة الغربية، حياة القطط أو السنانير. زنا – قال لك – وحرية. حرية ماذا؟ لا يُريدون، ولذلك الواحد منهم يُؤمِن بأي شيئ، ويقول لك نعم، هناك ذكاء كوني. أي Cosmetic intelligence هكذا، ذكاء كوني! نعم، هو هذا الكذاء. يا سلام! ما هو هذا الذكاء الكوني؟ قال لك نعم، هذا هو، يُنظِّم الكون وكذا هذا الذكاء. وليس أن الله واعٍ وسميع وبصير. لا! كلام فارغ هذا، وهم لا يُريدونه.

العقلية نفسها، والكبر الإنساني نفسه، والشهوانية الحيوانية نفسها، مساكين! ويظنون أنهم سعداء، وهم يعيشون جحيماً – والعياذ بالله -، وهو جحيم هذه الحرية! في حين أن المُؤمِن المُلتزِم فعلاً بهُدى الله – تبارك وتعالى – يعيش الجنة على الأرض كما قلنا أمس.

على كل حال فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ۩، قال الظَّالِمِينَ ۩، وسوف نرى اليوم أو غداً – لا أعرف متى بالضبط، المُهِم أن هذا حين يأتي ميعاده – ماذا يُقدِّم لنا قاموس القرآن في هذا الباب، أي في الظُلم ومعنى الظُلم، وخاصة ظُلم النفس. وسوف نرى: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ۩، بالعكس! كل كافر يظلم نفسه، ويخرج دائماً خاسراً، وصفقته تكون خاسرة. أنت كابن آدم كنت مُنذ البداية مشروع نفسك، كنت مشروعاً ولا تزال على كل حال، لا تزال! بما أنك لم تمت، فإذن لا تزال، لا تزال مشروعاً، مشروع نفسك، ويُمكِن أن تستثمر في نفسك الكثير، ويُمكِن أن تعود بالكثير. الكفّار والعُصاة أيضاً ولكن بقدر أقل للأسف مشروعهم هذا خاسر، يخسرون دائماً، للأسف! استثمارهم في أنفسهم دائماً بالخسارة، بالسالب بالسالب بالسالب بالسالب، ويخسرون! الله قال هذا خسر نفسه. وهذا أعظم الخُسران، أن تخسر نفسك! المُؤمِن لا يخسر نفسه – بإذن الله -. وطبعاً هذا حتى مع عُصاة المُؤمِنين، لأن هناك طبعاً – كما قلنا – عُصاة المُؤمِنين، وهم يخسرون، ولكن هذه خسارات ماذا؟ نسبية. أي أقل بكثير من خسارة الكافر، هذا الخُسران المُبين، والخُسران العظيم – والعياذ بالله -.

المُؤمِن العاصي يخسر نسبياً، انظر إلى الآتي: حين تترك فرضاً واحداً، تخسر. حين تنام عن صلاة واحدة أو تغفل عنها، تخسر. حين تعصي الله بمعصية واحدة، تخسر. حين تقول كلمة هكذا وتكذب فيها، تخسر. تخسر! تخسر بصراحة، فهذا ينزل من حسابك، ينزل! والعكس يحصل لو استقمت على الطريقة، دائماً حسابك يرتفع، يرتفع يرتفع يرتفع، وأنت تربح. قال – تبارك وتعالى – كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۩. التعبير هذا لا أقول إنه يسحرني، بل يُجنني، قال هذه الجنة لم تظلم شيئاً من أُكلها. نفترض أن فيها – مثلاً – ألف شجرة، وكل شجرة إذا حملت حملاً تاماً مُستوفياً مثالياً، فإنها ستحمل – هذا مُمكِن، مثلاً نفترض – مائة كيلو، مثلاً! أو أكثر، ولكننا سنقول مائة. نضرب مائة في ألف، هذا سيُساوي مائة ألف. قال هذه الجنة أتت بمائة ألف، وهذه أيضاً أتت بمائة ألف. وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۩.

الله حين خلقك وخلقني وخلق أي واحد فينا بصراحة يسَّر له ووضع أمامه فُرصة أن يصير – مثلاً – الولي العارف بالله، من الرُتبة الفلانية. وأنت تسمع عن الأولياء والصدّيقين، فهذه هي، أي تكون صدّيقاً – مثلاً -، تُصبِح صدّيقاً، لا يُوجَد فوقك إلا النبي. الله فعل هذا، كل واحد فينا مُهيأ والفُرصة أمامه ولا تزال أن يُصبِح صدّيقاً، يُمكِن أن تكون صدّيقاً، صدّيقاً مُتصِلاً بالملأ الأعلى، فلا يُوجَد فوقك إلا رُتبة النبي، لكن أين هذا؟ لا صدّيق ولا صادق ولا صالح ولا مُسلِم حتى ينفع، أليس كذلك؟ مُسلِم تعبان، مُسلِم (نص كوم)، يفعل هذا وهذا وهذا وهذا، وتعب، فضاع عليه كل هذا، إذن ظلم نفسه، لأنه أهبل، وفعلاً هو أهبل، أعاذنا الله من الهبل والحماقة، أهبل! لكن الذكي ليس كذلك، لم يظلم نفسه، قال لك أنا أُريد أن أستثمر.

والله العظيم يا إخواني حين أقرأ القرآن أشعر بالآتي، والله العظيم أشعر… ماذا أقول لكم؟ برغبة شديدة وبحسد وبحزن – حسد! حسد غبطة طبعاً، حسد غبطة – حين أرى هذه الرُتب، هناك رُتب! يُوجَد عندك أصحاب الميمنة، وهناك أصحاب المشأمة – والعياذ بالله -، وهناك السابقون السابقون، النفس تقول لماذا لا نكون من السابقين يا ربي؟ هذه التي نُريدها، لا نُريد غيرها، المشأمة نعوذ بالله منها ومن أهلها، وبعد ذلك هناك ماذا؟ رُتبة أصحاب اليمين. ما هذه؟ سهلة هذه، لا! نُريد أن نكون من السابقين، لماذا لا؟ لماذا غيري يسبقني إلى الله؟ ولماذا غيري يسبقني إلى الخير؟ ولماذا غيري يسبقني إلى خدمة نفسي؟ نحن أنانيون كبشر، أليس كذلك؟ نُحِب أنفسنا. أنت تُحِب نفسك؟ اعمل لنفسك. لماذا هو يكون صدّيقاً وأنت لا تكون صدّيقاً؟ لماذا هو عارف مُكاشَف وواصل كبير ومُستجاب الدعوة وأنت لا؟ لماذا؟ ما الذي يمنعني؟ حماقتي. فقط! لأنني أحمق بصراحة وصغير، طفل صغير، صبي! ما زلت صبياً، أُريد أن أفش غلي، وأُريد أن أتكلَّم بما في قلبي، وأُريد أن أسخر من هذا، وأُريد أن  ألط هذا، وأُريد أن أضحك على هذا، وأُريد أن أُدبِّر أموري هكذا، فهلوي! أنت أهبل، سوف تعيش وسوف تموت وأنت أهبل، ويُمكِن أن تهلك في الآخرة، لكن العاقل يقول لك لا، لا! هذه التصرفات الصبيانية كلها والسخيفة أنا ليس لي علاقة بها، لست منها وليست مني، أنا مثلي الأعلى الأنبياء والرُسل والصحابة والعارفون والكبار الكبار الكبار، هؤلاء هم قدوتي، وأنا أنظر إليهم، لا أنظر إلى هؤلاء الناس، وليس لي علاقة بهم، هم أحرار.

فتشعر بغيرة وبغبطة، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ۩، أعوذ بالله، لا نُريدها، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ۩، لا نُريدها بصراحة، المُقتصِد لا يلزمنا، مَن هو المُقتصِد؟ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۩، نُريد السابق، لماذا لا نكون من السابقين؟ الطريق مفتوحة، والله يُنادي علينا، أليس كذلك؟ من (يوم يومنا) – أي مُنذ اليوم الأول لنا – وهو يُنادي علينا، تعالوا يَا عِبَادِيَ ۩يَا عِبَادِيَ ۩يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ۩يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ ۩يَا أَيُّهَا النَّاسُ ۩يَا أَيُّهَا ۩يَا أَيُّهَا ۩يَا أَيُّهَا ۩… لا! لا نسمع.

فينبغي دائماً أن يخل الواحد هذا هدفاً أمامه يا إخواني ويا أحبابي، أليس كذلك؟ السابق بعون الله! سأكون من السابقين. وطبعاً هذا لابد وأن يجعلك تنام أقل وتتكلَّم أقل وتفرح أقل بهذ الفرح الدنيوي البشع، ولكنك سوف تفرح الفرح الرباني، وهذا نوع مُختلِف، هذا – بعون الله تعالى – يحصل، ثم تطمئن بعد ذلك نفسك، وهذه لا تزال على الطريق، النفس المُطمئنة هذه رُتبة على الطريق، وحين تُحصِّلها تموت وأنت مبسوط، لأنك حين تموت يُنادى عليك: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ۩، أي الصالحين، وَادْخُلِي جَنَّتِي ۩. هذه النفس المُطمئنة، هذه في الطريق، فأين ما هو بعد ذلك؟ بعدها رُتب وفوقها رُتب كثيرة، بكثير بكثير بكثير! أكثر منها بكثير، ولكن هذه لا تزال في البداية والحمد لله، تعمل على نفسك هكذا لمُدة سنة أو سنتين جيداً جيداً جيداً، فتُصبِح عندك النفس المُطمئنة. ما هي النفس المُطمئنة؟ النفس التي تطمئن بالطاعة وبالحسن وبالجميل وبالخير، وتنفر نفوراً شديداً من المعاصي. وكما قلنا يصير الشيئ الذي كنت تُحِبه مكروهاً عندك، مثلاً كنت تُحِب أن تتكلَّم عن الناس، لكنك الآن أصبحت تنفر من هذا الفعل، وأنا أُؤكِّد كثيراً على الموضوع هذا، دائماً دائماً دائماً! هل تعرف لماذا؟ لأنني أراه، وهو الذي يُهلِك المُسلِمين. ولكن حين تُريد أن تقعد مع الناس – تقعد مع الناس وتتونس بالكلام – يختلف الوضع، صاحب النفس المُطمئنة يقعد إذا وجد أن الكلام في الخير، كأن يكون في الذكر، في ذكر محامد الناس – مثلاً -، فيُقال والله الأخ هذا صالح، والله ذاك الأخ طيب، ما شاء الله ذاك كذا وذاك كذا. أنا أُحِب هذا، نعم! اذكر محاسن إخوانك، كأن تقول هؤلاء والله – ما شاء الله عليهم – جيدون، مُمتاز، وكذا,  فتكون مُرتاحاً ولن تندم. وإذا واحد ذكر لك واحداً بالسوء، فقل له كفى، انتهى! وهذا ليس بحسب مزاجك، لأن نفسك مُطمئنة، هي تُحِب الخير، والكلام السيء الذي يعصي الإنسان به الله تنفر منه، تحقره، وتتقذر، رُغماً عنها! إذا لم تصل إلى الحالة هذه، فهذا يعني أن نفسك ليست مُطمئنة، هذا يعني أنك لا تزال على الشاطئ بصراحة، وأنت مُقصِّر كثيراً في حق نفسك، والله العظيم! فأنت لم تصل إلى الآن إلى النفس المُطمئنة، أتحلم بالصدّيقية والسابقية والكلام هذا؟ أين أنت إذن؟ أنت تعبان بحسب هذا المعنى، أي هذا الإنسان تعبان، أليس كذلك؟ فلابد وأن تعمل على نفسك، كفى! كفى هذا، كفى ما كان، أليس كذلك؟ كفى! نُريد أن نُحسِن فيما بقيَ من أعمارنا، أليس كذلك؟ أن نُري الله من أنفسنا خيراً، أي يا رب انتهى هذا، نحن الآن سنكون عبادك الصالحين، الذين تُريدهم. وجاهد نفسك، في الأول سوف تتعب، أي في أول سنة أو في أول سنتين أو في أول ثلاث سنوات، بحسب اجتهادك! يُمكِن أن يُسعِد الله بعض الناس في شهر، في شهر تنقلب شخصية الواحد منهم بالكامل، هذا مُمكِن، مُمكِن! بحسب النية والصدق، مُمكِن في شهر، ووالله مُمكِن في أقل – بعون الله تعالى -، تنقلب شخصيته وتُصبِح خلقاً آخر، تأخذ جوهراً آخر – بعون لله تعالى -، ويصير عنده هذه الطمأننية بالطاعات والأشياء الطيبة الكريمة الجميلة.

حتى العطاء يختلف، هو كان بخيلاً، ويعرف من نفسه أنه بخيل، وأبوه من قبله بخيل وأمه بخيلة والعائلة كلها بخيلة، هكذا مُمسِكة! حين يُعطيه الله طبيعة ثانية، يصير عنده كرم جنوني، هو يصير يُنكِر نفسه، كيف صرت أُعطي هذا العطاء؟ يصير الآن يُعطي، لأن الأمر انتهى. وتصير كل ثقته بالله وتعويله على الله، يصير بما في يد الله أوثق منه بما في يده، يصير عنده اليقين هذا، يقين! ويسعد – بإذن الله -.

وكمِّل بعد ذلك، اطو المراحل، اطو المراحل إلى الصدّيقية، إلى السابقية، يوم القيامة وسوف تكون من الناس القلة – ما شاء الله – طبعاً، ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ ۩ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ۩، سوف تكون من هذا القليل – بإذن الله تعالى -، سوف تكون من هذا القليل! وهذا الشرف، ليس الشرف أن تُحصِّل شهادة كبيرة في الفيزياء ولو قلت إنها نوبل Nobel، أو أن تحصل على فلوس وتعقد صفقة كبيرة بعشرة ملايين أو بمائة مليون، كلام فارغ! كله يذهب هذا، كله يذهب! غيرك حصَّلوا مليارات وأخذوا نوبل Nobel، والكل مات وذهب، الكل تحت الأرض، كلام فارغ! والله كله كلام فارغ، قسماً بالله مغرور أي واحد يثق في الدنيا.

وعلى فكرة ديننا يأمرنا رغماً عنا أن نعمل للدنيا وأن نُعمِّر الدنيا ويُقدِّس العلم ويُقدِّس البُنيان والعمارة وكل هذه الأشياء، كلها! أهلاً وسهلاً، ولكنه في نفس الوقت يقول لك ماذا؟ لابد وأن تنظر إلى هذا كله على أنه اختبار وامتحان، وهذا هو! وهذه طبيعة الأمور، أي إذا الدين لم يقل هذا، فهو هكذا. لأن هذا كله مُؤقَّت وزائل، لأننا فعلاً كائنات غير خالدة، سبعون أو ثمانون سنة ومع السلامة، مات والكل سوف يموت، ولا أحد يعيش مليون سنة، أليس كذلك؟ ولا حتى ألف سنة، ولا خمسمائة سنة، لا يُوجَد هذا! الكل سوف يموت، فالدين يُذكِّر بالحقائق هذه، قال لك هذا كله زائل، فانتبه إذن، إياك أن تغتر، لأنه زائل، زائل! وأنت عندما تُحقِّق هذه الأهداف العلوية في الدنيا ستكون عجزت وهرمت. أليس كذلك؟ أي رجل في الدنيا ورجل على القبر، وماذا بعد؟ لا! قال لك اعمل للدنيا جيداً، ولكن اجعلها في طول عملك للآخرة، أعل درجاتك في الآخرة بعملك في الدنيا. نعم، من أجمل ما يكون! تُصلِح الدارين – ما شاء الله -، أليس كذلك؟ تُصلِح الدنيا وتُصلِح الآخرة، أليس كذلك؟ هو هذا. يا ربي اللهم اهدِنا فيمَن هديت.

المُهِم قال ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ۩، وقلنا نَكِيرِ ۩ هذه حين نُريد أن نُوصِّلها، تصير ماذا؟ فكيف كان نكيري. بالنسبة لورش هناك الآتي، وهو طبعاً أحد راويي الإمام نافع، والثاني طبعاً قالون، قالون وورش هما تَلميذا نافع. ورش عنده هذه الكلمة – أي نَكِيرِ ۩ – في الوصل يُثبِتها، أي بالصلة! يجعلها ماذا؟ نكيري. وفي الوقف يجعلها من غير وصل، يعقوب يفعل هذا في الوصل وفي الوقف، وهو أحد القرّاء المشاهير، البقية ليسوا كذلك، ليس عندهم لا هذا ولا هذا، أي كما هي، نَكِيرِ ۩، إذا أردت أن تُوصِّلها، فسوف تقول فكيف كان نكيري، أَلَمْ ۩... لا يُوجَد وصل، ولكن يُوجَد فقط كسرة، ولكن هي معناها ماذا؟ نكيري. وقلنا النكير هو إزالة المناكر، إزالة المُنكَر!

والله حين يُريد أن يُزيل، يُزيل أمماً وحضارات طبعاً، لا يزيل فقط فاحشة وكذا، وأزال هو، وقال لك هذا، هنا (حين وُجِد نكير مثل هذا) أزال الأمة كلها، هيا! قوم ثمود وقوم كذا أزالهم بضربة واحدة، منهم مَن أزالهم بالصيحة، منهم مَن أزالهم بالخسف، منهم مَن أزالهم بالطوفان.

۞ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۞

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ ۩، وطبعاً هذه الرؤية قلبية علمية أو رؤية بصرية؟ قد يقول لي أحدكم بصرية، لأن المطر ينزل. لا! أنت حين ترى المشهد كله تعلم أنه لا، هذا يجعلها بحسب هذا المعنى رؤية علمية، هذه رؤية علمية، لأن هذا المشهد لا يُرى مرة واحدة، مُستحيل! لا يُمكِن لأحد أن يرى المطر وهو ينزل ثم تطلع النباتات وتُثمِر، لا أحد يُمكِنه هذا، الكاميرا Camera ترى هذا، حين تُسلِّطها هكذا عليه لثلاثة أو أربعة أشهر، نعم! ثم تُسرِّعها، فترى الأشياء هذه كلها، ولكن أنت لا تراها، فإذن هذه ليست رؤية بصرية، هي رؤية قلبية، رؤية علمية، هل هذا واضح؟ وهذه تأخذ مفعولين، ويُمكِن أن تأخذ ثلاثة مفاعيل.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ ۩، أنت حين تقول رأيت فلاناً – فقط هكذا – تحتاج إلى مفعول واحد، رؤية بصرية. حين تقول رأيت فلاناً صادقاً، تكون هذه رؤية قلبية. لأن الصدق لا يُرى، أليس كذلك؟ لا يُرى أبداً، من أفعال القلوب. رأيت فلاناً – مثلاً – وفياً، أليس كذلك؟ ألم تر إلى وفاء فلان وكذا وكذا وكذا؟ هذه الرؤية قلبية، أخذت مفعولين، لكن حين تقول رأيت فلاناً، تكون هذه رؤية عينية، أخذت مفعولاً واحداً، وهذه أخذت مفعولين، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ ۩، انظر إلى هذا، أَنَّ ۩ واسمها وخبرها سدوا مسد مفعولي رأى، أي تَرَ ۩، أَلَمْ تَرَ ۩، هذه هي! لأنها رؤية قلبية.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا ۩، المفروض أن يقول ماذا هو؟ ألم تر أن الله أنزل فأخرج، ولكنه ماذا قال؟ فَأَخْرَجْنَا ۩. وماذا نُسميه هذا كما قلنا؟ أدمنا عليه هذا، أدمنا! أليس كذلك؟ أدمنا عليه، ذكرناه ربما عشرات مرات في رمضان هذا، اسمه التفات، تلوين الخطاب هذا، تلوين الخطاب! أو اسمه التفات. التفات من ماذا هنا؟ من الغيبة. إلى ماذا؟ إلى الحضور. المُتكلِّم! قال لك فَأَخْرَجْنَا ۩، أي نحن، ويتكلَّم هو الآن، ضمير العظمة! أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ ۩، أي هو، هو! إذن هذا غيبة، والتفت من الغيبة إلى الحضور مُباشَرةً، فَأَخْرَجْنَا ۩، وهذا طبعاً فيه إشعار بالجلالة وبعِظم هذه النعمة وبعِظم هذا المشهد الطبيعي الكوني، ومسألة كبيرة هذه على فكرة، نعم! لأن إخراج هذه الأشياء من بذور أمر ليس بالعادي، وتخرج نباتات ودوحات كبيرة وتُصبِح جنائن وثمار ومُختلِفة الأشكال والألوان والطعوم وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۩، والله هذه أُعجوبة، أُقسِم بالله! وهي من بذور صغيرة جداً جداً، مثل  إخراج البشر من بذور آبائهم وأمهاتهم، أُعجوبة! من أكبر الأعاجيب هذه، هذه قدرة الله – لا إله إلا هو -، وكلها تعود إلى ماذا؟ إلى المعلومات. هي كلها Program، هي كلها برنامج، مُبرمَج في هذا الشيئ، أليس كذلك؟ ولذلك أصل الخلق كله معلومات، وعند مَن؟ عند صاحب المعلومة. هذه أكبر حُجة تُصيب الملاحدة بالجنون ولا يعرفون كيف يقفزون عليها ولا يعرفون كيف يُمكِن أن يُبرِّروا نفيها المعلومة، يذهبون ويجيئون – أي هؤلاء المساكين – ويخبطون رؤوسهم وبعضهم حامل لنوبل Noble وكذا، ونقول لهم المعلومة! مَن الذي أتى بالمعلومة الأولى؟ مِن أين جاءت؟ هذه معلومة! فمن أين جاءت؟ أي شيئ في الكون اذهب إلى أصله الأول، ماذا عن أصل البيج بانج Big Bang – مثلاً -؟ هناك السنجلرتي Singularity، كانت هناك معلومات، فمن أين جاءت؟ يسكتون للأسف! فهذا هو، إلحاد ومُكابَرة، يركبون رؤوسهم، يركبون رؤوسهم ويمضون هكذا، فدعوهم! هداهم الله جميعاً.

فالله قال لك هذا مظهر عظيم من مظاهر قدرتي وإبداعي، أنا أُخرِج هذا. لا إله إلا هو! فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ ۩، لماذا ثَمَرَاتٍ ۩ منصوبة بالكسر؟ هذه آخرها ألف وتاء، هذا ينتهي بالألف والتاء، أي يُسمونه جمع المُؤنث السالم على هذا الأساس، وهذا يُنصَب بماذا؟ بالكسرة. يُنصَب ويُجَر بالكسرة، هل هذا واضح؟ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا ۩، أرأيت؟ فــ مُّخْتَلِفًا ۩ هذه عادية، أي منصوبة بالفتحة، أَلْوَانُهَا ۩، طبعاً هناك أنواع للثمار.

وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ ۩، ليس جُدُداً، هناك فرق بين جُدَد وجُدُد، جُدُد جميع جديد، جديد جمعها جُدُد. لكن جُدَدٌ ۩ جمع جُدَة، ليست جمعاً لجديد، جمع جُدَة. وما هي الجُدَة؟ باللُغة العامية الآن هي الخيط أو الخط، الخط الذي يكون في ظهر الحيوان، وخاصة الــ Zebra هذا أو ما يُسمونه حمار الزرد، والعرب يُسمونه حمار الوحش، ويُسمونه الفرا، كل الصيد في جوف الفرا. والفرا هو حمار الوحش، أي الــ Zebra هذا، يُسمونه الفرا، أو يُسمونه حمار الوحش، والآن يُسمونه حمار الزرد، ألا يُوجَد فيه الخط الأسود هذا؟ يُوجَد خط أبيض ثم يُوجَد خط أسود. هذه يُسمونها جُدَة, والأمر نفسه مع الظبي، فأكثر الظباء يُوجَد عندها ماذا؟ لونان. أليس كذلك؟ خطان! أي جُدَتان. الطريقة أو الخيط أو الخط أو الخُطة التي تُخالِف لون الشيئ الأصلي تُسمى جُدَة، فالجبال فيها: جُدَدٌ ۩، فيها ماذا؟ هذه الطرق المُختلِفة. فتجد أن هناك جبلاً – مثلاً نفترض – لونه أسود، أو أشهب، أو يميل – مثلاً – إلى اللون الفضي، وتجد فيه خطوطاً حمراء، أو العكس، يكون أحمر وفيه خطوط بيض، شيئ غريب! من الصخر، ومُختلِف اللون، هذه آية من آيات الله! وهنا قال لك ماذا؟ جُدَدٌ بِيضٌ ۩.

وَحُمْرٌ ۩، في بعض المرات يكون هناك خط أبيض، والجبل كله يكون لونه ماذا؟ لوناً مُختلِفاً. أو أحمر، والجبل لونه مُختلِف عن أحمر، مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ۩.

وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩ وفي بعض المرات تُوجَد جُدَدٌ ۩، أي هذا في بعض المرات، جُدَدٌ ۩ سوداء، وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩، ما معنى غَرَابِيبُ ۩؟ جمع غِربيب. والغِربيب هو الشديد السواد، أي كما يُقال لك غُراب غِربيب. وكأن غِربيب أخذوها من غُراب، أخذوها من غُراب، لأن الغُراب أسود، ولا يُوجَد غُراب أبيض، غُراب غِربيب، أي شديد السواد، سواد سواد! غِربيب. فهم يقولون – مثلاً – أصفرُ فاقع. فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ۩، يقولون أصفرُ فاقع، وأحمرُ قانٍ. ولا تقل أحمرٌ، كل هذه الألوان ممنوعة من الصرف، على وزن أفعل، ومؤنثها فعلاء، المُؤنث فعلاء! فلا تقل رأيت رجلاً أبيضاً. لا يُوجَد شيئ اسمه أبيضاً، هذه معناها أنك جاهل، هذا معناها! انتبه ولا تقل أبيض، لأن العلماء سوف يُجهلونك.

إذن قد يقول لك أحدهم أحمر قانٍ. وانتبه ولا تقل لي قانيٌ. لأن أيضاً هذه قصة ثانية، لأنها قاني، أي منقوص، هذا الاسم المنقوص، قانٍ! أحمرُ قانٍ، أبيضُ يققٌ. أول مرة تسمعها؟ هذه مُشكِلتك. أبيضُ يققٌ، أي شديد البياض، أبيضُ يققٌ، أحمرُ قانٍ، أصفرُ فاقعٌ، أسودُ غِربيب. هذه هي، لن تنساها طيلة حياتك، في القرآن الكريم، غِربيب! قد يقول لي أحدكم هي أسود غِربيب، وليست غِربيباً أسود. نعم! بصراحة حين تذهب وتأتي تجد أن هناك تأويلات كثيرة، ويبدو أن الله – تبارك وتعالى – خلاها هكذا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩ من أجل الفاصلة، لأنه هو هكذا، في اللُغة والاستعمال والشعر والنثر أسود غِربيب، وليس غِربيباً أسود، لأننا أردنا أن نُؤكِّد ماذا؟ اللون. يُوجَد عندنا لون أسود غامق، وكما قلنا الآن أحمرُ قانٍ. أي مثل الدم، فماذا يُقال مع أسود؟ غُربيب. لا تقل لي قانٍ أحمرُ. هذه لا تأتي! ولكن هي هكذا، من أجل الفاصلة، من أجل ماذا؟ الفاصلة. فقال لك ماذا؟ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩. والله أعلم. نعم! إذن فهمنا ما معنى هذه الكلمة.

۞ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۞

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ ۩، على فكرة هذه السورة حين تُفكِّر فيها، تجد العجب، وإن شاء الله سوف يكون لي تعليق عام عليها حين ننتهي، سورة جميلة جداً جداً، وفيها لطائف غريبة. وهذه السورة في نهاية المطاف هي سورة الفطر، اسمها فاطر! أليس كذلك؟ فاعل من الفطر، والفطر هو الشق، ويُراد به الخلق، أليس كذلك؟ إذن هذه سورة الخلق، فسوف ترى فيها مجموعة قوانين تتعلَّق وقوانين الخلق عجيبة غريبة، تحتاجها كعالم وتحتاجها كفيلسوف، وعجيبة هذه السورة! سوف أُعلِّق عليها تعليقاً فلسفياً في آخرها – إن شاء الله -، لن يكون طويلاً، سوف يكون مُقتضِباً، ولكنه مُهِم جداً جداً.

الآن تصوَّر هذا المشهد@. الآن! سوف تقول لي الكون فيه الكلام هذا، نحن ألوان وكل شيئ ألوان. يا رجل! يا رجل لأن هذا مُعطىً لك، أنت ظننت أنه شيئ من طبيعة الأمور. يُمكِن أن يكون كل ما حولك من أشياء الوجود لوناً واحداً، وأنت سوف ترى أنها طبيعية. أليس كذلك؟ عادي! في تلك اللحظة أنت سوف تكون أعمى عن مظهر جمالي رهيب، ولن يكون عندك أي فكرة عنه، وهو ماذا؟ مظهر ماذا؟ التلوين والألوان. أليس كذلك؟ عايش في عالم كله أبيض، كل شيئ أبيض! كل شيئ أبيض فيه. إن نقلناك بالصُدفة بعد ذلك إلى العالم هذا، فإنك سوف تموت من الخشوع، سوف تُصاب بالهبل، أليس كذلك؟ ما هذا الجمال؟ سوف تُصاب بالهبل، أليس كذلك؟ فالله يُحاوِل أن يقول لك افتح عينيك، ما ترى أنه عادي هو ليس عادياً. هذا معنى الآية! ما تراه هذا ليس عادياً. هذا التلوين ليس عادياً. وسوف تقول لي وهناك حتى التفسير الفيزيائي، ومعروف هذا التفسير، ولماذا نرى الأحمر أحمر والأخضر أخضر والموجات وأنواعها؟ هو عجيب حتى ولو علمنا هذا، هذا القانون، ولكن القانون لا يقول لك لماذا الأمر كان هكذا؟ الله اختار أن يكون هكذا – لا إله إلا هو -.

وعلى فكرة أنا مُتأكِّد ولا أتردد لحظة من أن الجنة سوف تُثبِت لنا حين ندخلها – بإذن الله تبارك وتعالى، جميعاً وجمعاوات، جميع أمة محمد إن شاء الله يا رب، وكل أحبابنا وإخواننا وذُرياتنا وأهلينا وكل مَن له حق علينا، اللهم آمين يا الله، بحق لا إله إلا الله، محمد رسول الله – الآتي. حين ندخل الجنة، سنتأكَّد تماماً أننا كنا عُمياناً جداً في الدنيا، وسنقول يا الله! ما هذا؟ لقد كنا عمياناً، وكنا فرحين وكنا نُؤلِّف ونتحدَّث عن الألوان وما إلى ذلك.

أحد أحبابي قبل أسبوع حدَّثني عن واقعة مُكاشَفة وقعت له، وهو رجل صادق، وهو ليس من هنا، هو في المغرب، راسلني وما إلى ذلك، حتى لحن صوته – انظر إلى هذا – يُشير إلى أنه من الصالحين، ما شاء الله! وقعت له مُكاشَفة عجيبة جداً جداً، المُهِم أنه رأى فيها الجنة. وهذا كان من عشرين سنة، يقول لي كان من زُهاء عشرين سنة. ويُقسِم بالله الرجل الصالح هذا، ويقول لي إلى اليوم لا أرى ولم أر شيئاً بوضوح ما رأيت. حتى الوضوح اختلف. الوضوح! قال لي شيئ عجيب. وفي الكشف هذا، تخيَّل! وهذا أكيد بيع سابري، أي مُستَر، الله أعطاه شيئاً هكذا للحظة، لأنه لا يقدر على التحمل على فكرة، إذا الإنسان الدنيوي الآن كُشف الحجاب عنه ورأى الجنة كما هي،  فإنه سيموت مُباشَرةً – قال لك -، مُستحيل أن يعيش لحظة، يموت، يموت!

يُقال إن أحد الأنبياء – ويُقال هو يحيى، عليه السلام – طلب من الله أن يكشف له عن جمال الجنة. فقال له لا تقدر يا عبدي. قال له يا ربي لحظة، وما إلى ذلك. فكشف له قليلاً، فلم يتحمَّل، فجاء جبريل وسكَّن فؤاده. كان سيموت وكانت ستخرج روحه في نفس اللحظة! شيئ عجيب. وحدَّثتكم مرة عن عن أن ابنة عمي – وهي ابنة خالتي وإلى اليوم لا تزال على قيد الحياة، أعطاها الله الصحة، فهي عائشة – رأت الجنة مرة في المنام، وقامت من النوم مذهولة، تقريباً مرت ثلاثة أو أربعة أيام وهي تبكي ليل نهار، وتقول يا ربي خُذني، يا ربي أمتني، يا ربي لا أُريد البقاء. تبكي وتنوح وتندب، كرهت الدنيا ومَن فيها وما فيها.

الشهيد البوطي – قدَّس الله سره الكريم، العلّامة، الشهيد، الرجل الصالح – يُحدِّث في برنامجه رحلة الخلود (البرنامج العقدي القديم هذا) عن زوجته أميرة – رحمة الله على روحها الطاهرة – بالآتي، قال حين احتُضرت – كانت تموت – جاءت أمها تُعزيها وتواسيها، تقول لها لا، بعون الله تعالى ستعودين وتشفين وتتعافين بإذن الله وإن شاء الله. فيقول الدكتور البوطي – قدَّس الله سره – فردت على أمها باشمئزاز، على أنها بارة بأمها، قالت أرجوكِ كُفي عن هذا الكلام السخيف. أي أن أرجع وأعيش في الدنيا والدنيا كذا وكذا! كرهت الدنيا، قالت لها كُفي عن هذا الكلام – أو القول – السخيف، كيف تُؤمِّلينني وتُمنينني أن أعود إلى هذه الدنيا وأنا أرى ما أرى؟ نعم، قدَّس الله سرها. قبل أن تخرج روحها رأت هذا، والبوطي قال هذا واستعبر قليلاً – رحمة الله عليه -، قال سمعت هذا بأُذني. هذه زوجته أميرة! قال ورأيت هذا بعيني. البوطي قال هذا – رحمة الله عليه -. كُشِف عنها من أجل هذا، لكي يُحبِّبها الله في لقائه. نسأل الله أن يُحبِّبنا في لقائه، وأن يختم أعمالنا بخير ما يُحِب لنا من العمل والتوحيد الخالص، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سُبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: