تفسير القرآن الكريم ۞سورة فاطر، الآيات 12: 14 ۞ الحلقة 11

video

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلَى اللهم وسلم وبارَك على سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً. تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا. واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا.

إخواني وأخواتي:

 

۞ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۞

 

بلغنا إلى الآية الثانية عشرة من سورة فاطر، وتكلَّمنا عن قوله – تبارك وتعالى – وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۩، وكيف أجاب السادة المُفسِّرون القدماء عن الإشكال اللائح من هذه الآية، وكيف أسهم – بفضل الله تبارك وتعالى – العلم الحديث والكشف المُعاصِر في الجواب الدقيق المُلتئم بظاهر الآية من غير حاجةٍ إلى تأويل، من غير حاجةٍ إلى تأويل!

 

۞ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ۞

 

ثم قال – تبارك وتعالى – في الآية التي والتها يُولِجُ ۩، أي – سُبحانه وتعالى – الله القدير، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۩، الإيلاج هو الإدخال، إدخال شيئ في شيئ، فإذا أولج الله – تبارك وتعالى – الليل في النهار، نقص النهار وزاد الليل، وهذه هي الحالة في الشتاء. وإذا أولج النهار في الليل، نقص الليل وزاد النهار، وهذه هي الحالة في الصيف. وبينهما الاعتدال.

وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۩، التسخير كما نعلم جميعاً هو التكليف بعمل من غير أُجرة، التكليف بعمل من غير أُجرة! يُقال سخَّره، إذا كلَّفه عملاً أو شُغلاً من غير أن ينقده أجره، من غير أن يُعطيه أجره. ولكن سخَّر عليه تختلف، سخَّره مُباشَرةً، تتعدى بنفسها هذه الكلمة، أو يتعدى هذا الفعل بنفسه، وإذا عديناه بعلى صار بمعنى التسليط، كما قال – عز من قائل – في الحاقة سَخَّرَهَا ۩، أي الريح – والعياذ بالله -، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ۩، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ ۩، أي سلطها.

إذن التسخير هو التذليل، هو التسليط إذا تعدى بعلى، وهو أيضاً التكليف بعمل من غير أُجرة. وهنا بمعنى ماذا إذن؟ تسخير الشمس والقمر، تسخير الموجودات العلوية والسُفلية، تسخير: مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۩، جَمِيعًا مِّنْهُ ۩ كما في الجاثية، بمعنى ماذا؟ بمعنى تذليل هذه المخلوقات وتطويعها. بمعنى تذليلها وتطويعها، بحيث تكون على هيئة يُمكِن لبني آدم، يُمكِن للبشر أن يرتفقوها وأن ينتفعوا منها وينتفعوا بها، وهذا هو الحاصل، هذا هو الحاصل!

وذلكم قد يكون من غير معرفة القانون، فالآن الأرض – مثلاً – الجاذبية فيها مُسخَّرة لكل مَن يطأ هذه الأرض ولكل مَن يعمر هذه الأرض، قبل أن نسمع بالجاذبية وقبل أن يتحدَّث عنها العلماء كقوة أو كمجال، البشر دائماً كانوا ينتفعون بهذه الخاصة، أو بهذه الميزة التي لا يعرفون حقيقتها، هل هي مجال؟ هل هي قوة؟ هل هي سر من الأسرار ولُغز من الألغاز؟ وحتى لم يكونوا يتفطنون إلى ذلك، لم يكونوا يتفطنون إلى ذلك لأنهم لم يُقارِنوا كوكبهم بكوكب آخر – مثلاً – ليس عليه جاذبية، تطوف الأشياء فيه وحوله، ولذلك اعتبروها ماذا؟ شيئاً مُعطى. أي لا يحتاج حتى إلى الفكر.

إذن هي مُسخَّرة، ولا نعلم قانونها، ومع ذلك ننتفع بها. هناك الدواب والأنعام، خُذ من الأنعام الجمل – مثلاً -، هذا الكائن القوي العنيف، الذي لا تقربه الذئاب، الذئب لا يقترب من الجمل، ولو ضربه ضربة، قتله. أي قتل الذئب! والذئب يأتي دائماً إلى ماذا؟ إلى الماشية، وما إلى ذلك. أما الجمال فلا يقترب منها، يخاف منها جداً، كائنات قوية وعنيفة جداً. ومع ذلك – سُبحان الله – تجد طفلاً صغيراً عمره سبع سنوات، يُنيخ الجمل ثم يركب عليه، ويسير به ويقطع به المسافات البعيدة الشاسعة. مُذلَّل!

الحصان كائن قوي جداً، والحمار – أعزكم الله – كذلك، أقوى من الإنسان بمرات الحمار، فكيف بالبغل – أعزكم الله -؟ كائنات قوية شديدة صُلبة، ومع ذلك مُسخَّرة للإنسان، مطواعة. لا إله إلا هو! ولذلك عُبِّر بماذا؟ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۩. تعبير عن إنزال هذه النعمة ومُسخّرية هذه النعمة.

وهناك أشياء لا يُمكِن أن ترتفقها وأن تنتفع بها إلا إذا عرفت قانونها، وهنا الأمر يتطلب مزيداً من الجُهد والاجتهاد، مثل الطاقة الكهربائية، الطاقة الذرية، وأنواع كثيرة من الطاقات، حتى الطاقة المائية تنتفع بها، ولكن يُمكِن أن تُعظِّم وأن تكُبِّر هذا الانتفاع إذا عرفت ماذا؟ القانون. إذا عرفت القانون! وتستخرج منها طاقة كهربائية أيضاً، وتحبس كميات كبيرة من الماء في سدود أو في مخازن خلف سدود، تنتفع بها في غير وقت الفيضان، عرفت أنت القانون! عرفت ماذا؟ القانون.

الأجسام الطافية تشتغل هكذا بالمُسخّرية، لكن لكي نبني جسماً كبيراً كالماخرة، كالسفينة، كالباخرة، لابد أن نعرف القانون، لابد أن نعرف ماذا؟ قانون الطفو بشكل دقيق، الذي اكتشفه أرشميدس Archimedes أول مرة، وهكذا!

والقرآن أشار إلى الحالتين، لن أُفصِّل، وأنا فصَّلت في هذا – بفضل الله – قبل حوالي رُبع قرن، في مُحاضَرة مُطوَّلة، امتدت تسع ساعات، عن تأسيس القرآن للعلم التجريبي، ووجدت هذه الأسرار كلها في كتاب الله وبطريقة مُذهِلة – بفضل الله عز وجل -.

القرآن أسَّس للعلم التجريبي، ولذلك لم يكن عجيباً ولا بدعاً أن المُسلِمين هم الذين فعلاً وضعوا أُسس العلم التجريبي. وحين نقول العلم التجريبي – أي الإمبريقي، أي الــ Empirical science – اعلموا أنه بمعنى العلم الآن، أي كلمة Science، هذا هو العلم، العلم التجريبي! وليس العلوم الاستنباطية والاستنتاجية وكذا، كاليونان – مثلاً -، أبداً! المُسلِمون فعلوا هذا، لماذا؟ القرآن! القرآن هداهم، والقرآن ألح جداً على أُسس التجريب، على أُسس التجريب والسير والضرب في الأرض واستقراء أفراد الحالة أو أفراد الظاهرة والأخذ بقانون المُماثَلة وقانون المُخالَفة. قصة طويلة! قصة طويلة وعجيبة، نعم.

وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ۩، يَجْرِي ۩، والآن في الكوزمولوجي Cosmology أو علم الكونيات لا يُوجَد شيئ في الكون ثابت، فحتى المدينة الكبيرة المُسماة بالمجرة ليست ثابتة، المجرة التي قد تحتوي على مائة مليار أو على مائتي مليار نجم، ومجرتنا – مثلاً – تحتوي على أربعمائة مليار نجم، أي أربعمائة ألف مليون – أي بليون Billion أو مليار، كما هو معروف – نجم، والشمس نجم مُتوسِّط واحد، وهذه كلها تتحرَّك، المجرة كلها تتحرَّك! ويوجد في الكون مئات، بل مئات المليارات، من المجرات، يُقال مائة مليار مجرة. وبعضهم قال أكثر من مائة مليار. شيئ مُخيف ومُذهِل، وهذا لا يزال الكون فقط الذي درسه الإنسان وحاول أن يرصد أبعاده المُترامية، بسعة تصل إلى مائة وثلاث وثمانين أو بقُطر يصل إلى مائة وثلاثة وثمانين مليار سنة ضوئية، كل شيئ فيه يتحرَّك، كل شيئ يتحرَّك!

قد يقول لي أحدكم الأرض الآن تتحرَّك؟ طبعاً تتحرَّك، وهذا معروف، وواضح أنها تتحرَّك طبعاً، إلا عند القوم الذين أنكروا حركتها، بل كفَّر بعضهم بذلك. قال لك تُنكِر أنها ساكنة ثابتة؟ أنت كافر. إن قلت بتحركها، فأنت كافر. يا أخي تتحرَّك، تتحرَّك! هي تتحرَّك والشمس تتحرَّك أيضاً، كل شيئ يتحرَّك، ولا تُوجَد حركة مُطلَقة، لا تُوجَد حركة مُطلَقة! كل حركة نسبية، شيئ يتحرَّك بالنسبة إلى شيئ، شيئ يتحرَّك بالنسبة إلى شيئ، ونحن الآن – مثلاً – نتحرَّك بالأرض، حركة بحركة الأرض، حركة نسبية، ثابتون بالنسبة إلى هذا المكان، إلى هذه المدينة، نعم! ثابتون، أكيد. ولكن بالنسبة إلى خارج الأرض وإلى الفضاء المُحيط بالأرض، نتحرَّك.

فحين كنا الآن في صلاة الوتر على هذه الأرض، كنا – مثلاً نفترض – نُسامِت هذه النُقطة من الفضاء، الآن صرنا عند نُقطة أُخرى، اختلف وضعنا، إذن تحرَّكنا بحركة الأرض. والقرآن أيضاً أشار إلى هذه الحركة النسبية الرائعة، حين قال في آخر النمل وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ۩، أي لا تتحرَّك، وَهِيَ تَمُرُّ ۩، إذن معناها ماذا؟ الجمود عكس المرور، عكس الحركة. ولكن انظر إلى القرآن، القرآن لطيف، لأن الله رحيم، الله لا يُريد أن يصدع عقولنا، لا يُريد أن يُصيبنا بالجنون، لأن طبعاً كان من المُمكِن أن يُجَن الصحابة أو كان من المُمكِن أن يكفروا ويتهموا الرسول، ما معنى أنها تتحرَّك أو لا تتحرَّك؟ فذهب وعبَّر بطريقة لطيفة جداً، وقال أنت تظن أنها: جَامِدَةً ۩، ولكن: هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۩. فهم قالوا لك تَمُرُّ ۩؟ فما معنى أنها تَمُرُّ ۩؟ أي هل من المُمكِن أن تتحَّرك؟ قال لك أحدهم لا، أكيد هذا يوم القيامة، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ۩ فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا  ۩. وارتاح! قال لك يوم القيامة. ولكن القرآن قال له في نفس الآية لا، هذا ليس يوم القيامة، الآن! الآن في هذه اللحظة. فلماذا إذن؟ قال لك وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۩. يوم القيامة فرط وتدمير وإذهاب للصنعة، يوم القيامة تدمير أصلاً وليس الصُنع. هنا الصُنع. قال لك، قال لك هذ الشيئ مصنوع دقيق، أي هو Deigned، هذا مُصمَّم، مُصمَّم لأن يكون بالطريقة هذه، ومن ثم يتحرَّك.

وطبعاً لا مجال الآن لإنكار أن الأرض تتحرَّك، وبالتالي فكل ما عليها يتحرَّك، وطبعاً أعظم شواهقها وأعلامها الجبال، الجبال! إيفرست Everest يصل طوله إلى أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر، شيئ مُخيف! فوق السحاب، فوق السحاب فعلاً، فوق! أي فوق تماماً، السحاب تحته بكثير. تتحرَّك بحركة الأرض بلا شك، وبحركة السحاب، لأن السحاب يتحرَّك حركة نسبية، هناك أُناس يظنون أن السحاب يتحرَّك وحده، لو كان يتحرَّك وحده لانتهى أمره، لترك الأرض وذهب. لا! هو في الغلاف الجوي، ويتحرَّك بحركة الأرض، ولذلك هناك عبقرية لماذا لا تأتي إلينا الصين؟ وهم لا يعرفون الحقيقة البسيطة هذه، أن الغلاف هذا كله موجود ضمن منظومة، كله مع الأرض يُعتبَر ماذا؟ منظومة واحدة. منظومة واحدة! هل هذا وضح؟

فسُبحان الله العظيم، هذا قرآن، هذا كلام رب العالمين، كونوا مُتواضِعين يا إخواني – ومَن استمع طبعاً، وشاهد -، وانظروا إلى الحقيقة مُجرَّدة، قبل ألف وأربعمائة سنة أتى بشر أُمي من جزيرة العرب، وهؤلاء لا عندهم لا فلسفة ولا علم ولا فلك ولا حساب، نحن أمة أُمية – قال -، لا نحسب ولا نكتب، الشهر كذا! ولم يكونوا يعرفون شيئاً، كيف يحكي كلاماً مثل هذا، بهذه الدقة وبهذه الإشارات العجيبة الخارقة؟ لا يُمكِن أن يُقال هذا كلام فارغ، لا يُمكِن هذا أبداً. ولذلك المُتواضِعون والمهديون من الغربيين هنا يعلمون هذا، ومنهم علماء رياضيات وفيزياء وكوزمولوجي Cosmology وأسترونومي Astronomy، يُسلِمون ويقول لك الواحد منهم لا، لا، مُستحيل! هل هذا موجود؟ حين يتأكَّدون من أن هذا الكلام لم يُؤلَّف قبل مائة سنة أو خمسين سنة أو ستين سنة ومن أنه فعلاً قديم، ومن ألف وأربعمائة سنة وأكثر، حين يتأكَّدون يقولون لكم لا، انتهى، سوف ندخل الإسلام، واضح أن هذا الشيئ مُختلِف، لا! من فوق هذا، هذا الشيئ مُستحيل أن يُؤلِّفه بشر، شيئ يتعدى كل السقف المعرفي لتلك الأعصار. وهذا معلوم!

كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ۩، لماذا؟ طبعاً كل ما له بداية، له نهاية. وعكسه: ما ثبت له القدم، استحال عليه العدم. ما ثبت له القدم، استحال عليه العدم! وهذا ليس كلام دين، هذا كلام فلسفة عقلية، أي شيئ إن ثبت أنه ليس له بداية، فبالضرورة لن تكون له نهاية. لماذا؟ هذا موضوع ثانٍ في الفلسفة، ويحتاج إلى نقاش. لكن كل شيئ له نهاية، إن ثبت أنه مُبتدأ مُنشأ حادث. حادث! وعلى فكرة لا ينبغي أن تتورَّط في مسألة حادث في الزمان، ومن ثم تقول لي لم يكن هناك زمان، والزمان حدث بحدوث الأكوان. دع عنك هذا، ولكن هو حادث، هو حادث! بطريقة أرسطو Aristotle وابن رشد لم يحدث في زمان، وفعلاً لم يكن هناك زمان، ولكنه حادث، بمعنى أنه ليس ماذا؟ ليس أزلياً. هو هكذا وهي هكذا. بلُغتك تعجز عن أن تتصوَّر وأن تُعبِّر عن هذه الحالة، ويصير عندك هناك حالتان، الكون ليس له بداية في الزمان، لأن الزمان ابتدأ ببداية الكون أو بإبداء الكون، وهذا صحيح، علمياً وعقلياً هو هكذا، ولا يُوجَد إلا هذا، لم يكن هناك زمان. جميل! والله ليس له بداية، الأول، لا إله إلا هو. ولكن هناك فرق بين الاثنين، هذا خالق وهذا مخلوق، وهذا أبدي وهذا ليس أبدياً. هي هكذا، الحالة هي هكذا، وهي سهلة. هذا مُهِم حتى لا تتورَّط، ومن ثم تبدأ تُحدِّثني عن قِدم العالم وتقول لي العالم أبدي. لا! ليس أبدياً، العالم علمياً الآن ليس أبدياً، وفلسفياً – في الفلسفة الميتافيزيقية الدقيقية والعقلية المُحترَمة – اتضح أنه ليس أبدياً أيضاً، وخاصة إذا استند إلى الحقائق أيضاً العلمية. قصة!

فالله قال لك هذا له أجل، كله: إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۩، وسوف ينتهي. لا إله إلا هو! حين تُفكِّر أنت في هذا، تشعر بأن هناك شيئاً يصدع القلب، والله العظيم! أي هو – لا إله إلا هو – ليس له بداية، من الأبد! وقبل أن يخلق أي شيئ، وحده – لا إله إلا الله -، وحده! ليس مثلنا، لا يستوحش هو، لا يستوحش ولا يمل ولا كذا، يا أخي شيئ مُخيف، لا إله إلا الله! شيئ رهيب. ولماذا الإنسان لا يتصوَّر هذه الحقائق الجميلة اللطيفة الرهيبة؟ لأنه دائماً يستسلف ماذا؟ قياس الله على الإنسان. يظن أن الله إنساناً كبيراً وضخماً وقوياً. لا! الله ليس إنساناً أصلاً، نحن (غلابة) ومساكين، وهو ليس إنساناً، هو وحده، ليس له مثيل – لا إله إلا هو -، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وحده! وحده ومن كل الجهات. وضروري كل ما ثبت له من كل الجهات. واجب الوجود، واجب من كل الجهات – لا إله إلا هو -، تخيَّل!

وبعد ذلك خلق العوالم، ونحن نتحدَّث عن كون قالوا إنه بقُطر يصل إلى مائة وثلاثة وثمانين مليار سنة. هذا العالم أو هذا الكوزموس Cosmos ربما يُوجَد مثله مليار مليار مليار عالم، مَن يُعرِّفنا به إذا كان العرش نفسه – وقلنا هذا مائة مرة – لا يُتصوَّر؟ النبي قال لأبي ذر وغير أبي ذر كابن عباس لو السماوات السبع كلها هذه بُسطت هي والأرضون السبع، فلن تكون إلا كخاتم في صحراء، كحلقة في فلاة، بالنسبة للعرش. إذن ما هذا العرش؟ لا إله إلا الله! ما القصة هذه؟ وهل يُوجَد إذن غيره؟ يُمكِن أن يُوجَد هذا، مَن يُعرِّفنا؟ كل هذه الأكوان والعوالم ما عُلم منها وما تُوهم وما لم يدخل في وهم ولا خاطر أصلاً، كلها حادثة، أي هي طارئ باللُغة الفلسفية الآن – هذا في الميتافزيكس Metaphysics -، الأنجلوساكسون يُسمونها الآن الطارئ، والطارئ عكس الضروري. نحن نقول مُمكِن. وهم يقولون طارئ. وهذا أحسن، لُغتهم أحسن من لُغتنا، ما المقصود بمُمكِن؟ يقولون لك المُمكِن والواجب. كلمة مُمكِن غير مفهومة، طارئ أفضل، هناك شيئ طارئ وهناك شيئ ضروري. والله وحده هو الضروري – لا إله إلا هو -، ونحن نُسميه واجب الوجود. كل ما عدا الله طارئ، كله طارئ، كل هذا طرأ، كان بعد أن لم يكن، الله قال لك وكل هذا سيُطوى بساطه، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۩، وكله سوف يعود إلى الفناء.

هذا ما نفهمه نحن إلى الآن،  وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ۩، والله لا يُخلِف وعده – لا إله إلا هو -، قال لكم أنا أؤمِنكم – أي أعطيكم الأمان، أو أُؤمِّنكم، هذا الشيئ نفسه أيضاً – يا عبادي من الفناء. لن تفنوا – بإذن الله تعالى -. الحمد لله! لأن بصراحة لو علمنا أننا سنكون في جوار الله، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ۩، لمليار مليار مليار مليار سنة أو لجوجل Google سنة أو لجوجولبلكسGoogolplex سنة أو لكذا وكذا سنة – لا أعرف بالضبط -، وبعد ذلك سوف نفنى، فإننا سوف نغضب ونزعل ونقول هل نحن سوف نفنى إذن؟ لماذا نفنى؟ وهل انتهى الأمر؟ لا، نُريد أن نبقى. عندنا اعتزاز رهيب بالوجود، أليس كذلك؟ أكبر نعمة الإيجاد، طبعاً أكبر نعمة! سوف تقول لي أكبر نعمة الإيمان. أصلاً لولا الإيجاد، لما وُجِد الإيمان، أكبر نعمة الإيجاد، أنه أوجدك من عدم – لا إله إلا هو -، وبعد ذلك أعطاك العقل والإيمان، هذا شيئ آخر، الإيجاد! لا إله إلا الله.

قال لك لن تفنى، وسوف تُخلَّد في جواري أبداً. يا الله، يا ربي ما أكرمك! ما أعظم هذا الإله! ما أرحمه! ما أحبه! ما أطيبه! ما أكرمه! لا إله إلا هو، وما أجوده! ومَن فينا استحق على الله أن ينوجد؟ كنا عدماً، هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ۩، لم يقل له أحد أنا أُريد أن أكون. أنت لم تكن أصلاً، أنت عدم. هو من عنده فعل هذا، أي كرماً منه، أنتَ ترى أنك شيئاً هكذا؟ أنتَ؟ والحال نفسه معكِ أنتِ ومعي، نحن كيف كنا بعد أن لم نكن؟ لا إله إلا الله، يُوجَد مثلنا نحن الصعاليك سبعة مليارات، أي البشر الأهبل هذا، سبعة مليارات! ولا واحد ضروري، كلنا طارئ، كلنا طارئون! ويُمكِن أن – هذا عادي – تحذف أي واحد منا من الوجود، يُمكِن أن تحذف ستة مليارات، يُمكِن أن تحذف كل المليارات السبعة وتترك واحداً، عادي! ولن يتأثَّر الكون ولا الوجود ولا العقل ولا المنطق ولا رب العالمين، ولكن هو أكرم السبعة مليارات هذه، والمليارات التي ذهبت والتي سوف تجيء، كلها أكرمها، وأعطاهم نعمة الوجود، كساهم جلباب الوجود – لا إله إلا هو -.

هذا الإله، أليس حقيقاً بأن يُذكَر ولا يُنسى، وأن يُشكَر ولا يُكفَر، وأن يُخاف، فلا يُعصى – لا إله إلا هو – وأن تُحترَم أوامره كلها، الصغير والكبير؟ فلا يجب أن تكون قاعداً الآن لتحضر الدرس، وحين تطلع من باب المسجد تبدأ في أن تتكلَّم بما لا يجوز، انتبه! انتبه ولا تستهن بأمر الله أبداً، وخل التحدي يا أخي يا مُسلِم ويا أختي يا مُسلِمة هو الآتي، خل التحدي الخاص بك بشكل مُستمِر أن تكون العبد الذي يرضاه الله، ليس لي علاقة بالعالم، لا يهمني العالم كله، ولا الشيخ ولا أبي ولا أمي، لا يهمونني، ما يهمني أنا فقط أن يكون هو راضياً عني. وإياك من أن يستفزك الناس، فيأتي إليك الشيطان الإنسي وهو أخوك أو جارك أو ابن عمك أو قريبك أو صاحبك، ويقول لك شيئاً مُحرَّماً. قل له لا، اصمت! مَن هذا؟ دعه ينكسف، دعه ينكسر خاطره، فقط نُريد أن يرضى الله. وانظر بعد ذلك كيف ستصير أحوالك وكيف سيُعامِلك وماذا سيعمل لك وبماذا سيفتح عليك وبماذا سيفتح لك – بإذن الله تعالى – في كل شيئ، رب عظيم – لا إله إلا هو -، ولكن نحن مساكين.

أكثر أُناس فقراء في العالم بالنسبة لي وأكثر أُناس أنا أعتبر أنهم ظلموا أنفسهم – أي هم ظالمو لأنفسهم – هم المُسلِمون، أُقسِم بالله! لأن عندهم ثروة وكنز رهيب، لم يفهموه، ولا يُحِبون أن يعملوا به، إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي ۩، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ۩، ومَن هم؟ العباد الطائعون. اشطب على الأمة هذه كلها، ولا تستثن إلا الطائعين فقط، أهل العبادة والذكر والصلاة والبكاء والتلاوة والاستقامة وخشية الله، على الرأس من فوق، أسيادي هؤلاء، فقط! ومَن عصى الله هو أحمق وغبي، ولو كان أكبر عمة وأكبر عالم وأكبر فيلسوف، هو أغبى خلق الله، أُقسِم بالله! مَن راعى الناس وأسخط الله أكبر غبي وأكبر أحمق، وهو يعرف أنه يعمل شيئاً غالطاً، ولكن الناس تُريد هذا. (طز) في الناس، كُن مع رب الناس، راع رب الناس، حتى ولو كل الناس سخطت عليك، هذا لا يهم، المُهِم أن يكون بينك وبين الله عمار، أن يكون بينك وبين الله صفاء، أن يكون بينك وبين الله صُلح، في حالة صُلح! واترك الناس، مَن الناس؟ مَن الكون؟ مَن الأرض؟ الأرض هذه كلها ليست بشيئ، أنت الآن مع رب العالمين الذي فهمت عنه وتقرَّبت إليه من خلال كلامه الجليل – لا إله إلا هو -.

جد هذا، هذا الموضوع جد، ونحن في شهر رمضان، وهذه فُرصة أن نعود حقاً يا إخواني إلى الله، يا ضيعة الأعمار! راحت الأعمار، راحت السنون، ونحن نلعب، نلعب! يجب أن نقرأ القرآن بصدق وحق، وأن نعمل به بجد، بجد يا إخواني، كفى! وأول ما نُحارِب أنفسنا، أعظم عدو – أُقسِم بالله – النفس، أول ما تُحارِب حارب نفسك، حارب الصغار الذي فيها، السفالة التي فيها، الحقارة التي فيها، العُجب والغرور وحُب الظهور الذي فيها، قال لك أحدهم أنا! أنت ماذا؟ قال أنا. صفر! وكلنا أصفار، أُقسِم بالله! ولا شيئ، لماذا ترى أنك شيئاً كبيراً؟ أهذا بسبب المال الذي عندك؟ أنت تذهب في لحظة، وغداً سوف تموت. بسبب العلم؟ علم ماذا؟ لا يُمكِن لأحد أن يقول العلم. علم ماذا؟ هل أنت أهبل؟ علم ماذا؟ الذرة التي تعيش على ذرة في الكون عندها علم؟ هل نحن عندنا علم؟ علم ماذا؟ العلم للعليم – لا إله إلا هو -، نحن غلابة ومُصابون بالهبل وقاعدون فقط على الأرض هذه. قد يقول لك هذا بسبب القوة. قوة ماذا؟ ميكروب Microbe يقتلك مُباشَرةً، فيروس Virus يقتلك ويُدمِّرك، تنتهي وتصير تراباً. لا تغتر، لا بعلمك، لا بمالك، لا بسُلطانك، لا بقوتك، لا بحسبك، لا بنسبك، لا بأهلك، لا بقبيلتك، ولا بأي شيئ. يا رجل كُن عبداً حقيقياً لله، تُؤت القوة والعزة والأمان والشرف والسعادة، ولا يهمنا أن يكون هذا كله في الدنيا، و(طز) في الدنيا و(طز) في كل الأشياء هذه، أُقسِم بالله! لا نُريدها، لا نُريد لا العز ولا الشرف، ولا يهمنا الناس، يهمنا فقط ألا نندم حين نموت غداً، وأن نكون آمنين، وأن تُرحِّب بنا الملائكة وتقول لنا يوم القيامة هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۩، والله يقول للواحد منا يا عبدي قد رضيت عنك، أضع عليك رضواني، فلا أسخط أبداً. هذا هو، هذا العز، وهذا الفوز العظيم. حياة أبدية يا إخواني! أرأيتم؟

فيا ليتكم حين تقرأون القرآن تستحضرون هذه المعاني، لا تمروا عليها صُماً عُمياً. حاولوا أن تفهموا، القرآن دائماً ما يُحاوِل أن يُوسِّع المنظور الخاص بكل واحد منا، هذا يُسمونه المنظور، يُحاوِل أن يُوسِّع دائماً الرؤية الكونية الخاصة بكل واحد منا، لا يتحدَّث عن قبيلة بني هاشم وعن قبيلة قريش والعرب، يُحدِّثك عن السماوات والأرض والنجوم مُستقبَلها ومُستقبَل العالم ومُستقبَل الأكوان، شيئ غريب! ومُستقبَل الحضارات البشرية، المُدن، والقرى، وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۩، مُستقبَل الحضارات، المُدن، مثل نيويورك، ومانهاتن، هذا كله سوف ينتهي! ولندن، وبرلين، وفيينا، وسيدني، كله سوف ينتهي في يوم من الأيام، وفعلاً كله هكذا، كله!

يُحاوِل أن يُوسِّع منظورك، لكي يربطك به – لا إله إلا هو -، لأنه يعرفك، أنت كائن بسيط، نملة تمشي على الأرض، وتُفكِّر نمالياً، تفكير النمال! فقال لك انظر إلى هذا. المُؤمِن عميق. ولذلك المُؤمِن الحق الذي عنده هذه الرؤية ويعيش بها ويكون مفتوحاً عليه بها وبسببها، بصراحة شؤون الأرض ومشاكلها لا تهمه كثيراً، وهي سهلة جداً جداً عنده، وتُحل بدعوة! حالته غريبة عجيبة، أي المُؤمِن، المُؤمِن حالته غريبة عجيبة، تُحل بدعوة، والله الذي يقول لك أنا سخَّرت السماوات والأرض والجبال لكم، ألم يُسخِّر هذا اللحم والدم، هذا (الغلبان) الذي هو مثلك، أي هذا الفقير؟ هذا أفقر منك، يقولون لك هذا مُديرك في الشركة. مُدير ماذا؟ كلام فارغ هذا، (غلبان) هذا، أفقر مني هو، أفقر مني! وخاصة إذا كان لا يُصلي ولا يصوم ولا يعرف الله، فأين هو؟ أنا الغني، وهو فقير جداً جداً. ولكن هذا إذا كنت أنا فعلاً عبداً حقيقياً، يُسخَّر لي بسهولة – والله العظيم -، بسهولة! وهو لا يعرف ما الذي يحصل، هو لا يعرف، ويأتيه الأمر، أي اعمل كذا أو افعل كذا وكذا، وأنت أمورك كلها تُقضى وتمشي، هذا لما تكون هكذا مُستقيماً.

قال صُهيب نعم الرب ربنا، لو أطعناه، ما عصانا. انظر كيف كانوا يفهمون، والنبي قال نعم العبد صُهيب، لو لم يخش الله، لم يعصه. نعم العبد صُهيب! لو لم يخش الله – أي حتى لو كان هو يظن أن الله لا يُخشى -، لم يعصه. أي هو لا يطيعه حتى لا يضعه فقط في النار، لا! أنا أطيعه لأنه يستحق الطاعة، لجماله وكماله ونواله ونعمه، وهو خلقنا وأوجدنا من عدم، فلماذا إذن؟ طبعاً هذا لازم، لو لم تكن هناك نار بالمرة بالمرة، لابد وأن نُطيعه، والنبي قال عن صُهيب حتى لو لم يكن يخاف الله، فإنه لن يعصيه. أليس كذلك؟ ونحن اليوم كل مواعظنا أو تسعة وتسعون في المائة من مواعظ المساجد ومواعظ المُسلِمين تقوم على الترهيب، الترهيب الترهيب الترهيب! أي لابد وأن تخافوا وأن تخافوا وأن تخافوا، لا! نحن لابد وأن نقود الناس إلى الله بالحُب والنعمة، على الأقل يكون هذا في ثمانين في المائة، وفي عشرين في المائة يكون هذا بالرهبة وبالخوف، لأن البشر العاديين أيضاً سفلة بصراحة، نحن البشر العاديين سفلة، فالواحد منهم يحتاج إلى هذا، ولابد وأن تُفهِمه هذا.

مَن هذا الذي لا يمشي بالترهيب؟ هذا العبد الراقي. وهذا مثل أولادك على فكرة، المهدي من أولادك، الذي فتح الله عليه وأنعم عليه، لا يطيعك ويحترمك ويتودد إليك خشيةً، وإنما يفعل ذلك محبةً، ومعرفةً بحق أو بحقوق الأبوة والأمومة، أليس كذلك؟ وهذا مقامه عندك كبير في قلبك. وابنك الثاني الذي تعرفه – أي (العكروت) الآخر -، إن زاغت عيناك عنه قليلاً، فإنه سوف يُخرِّب الدنيا، وأمامك يطلب الرضوان، أليس كذلك؟ لا تُحِبه كثيراً، أليس كذلك؟ وأنت تأخذ بالك منه، وتقول الخبيث هذا فقط هو مَن يفعل ذلك. لأن دافعه الخوف، أليس كذلك؟ الخوف! إذا في لحظة يئس هو، وما عاد يخاف، أي خلع العذار ولم يخش العار، فإنه سوف يقف لك هكذا ويُحدِّثك ببلاهة ويقول لك ماذا تظن نفسك يا (ختيار)، يا (معفن)؟ أنت يا كذا، أنا كذا وكذا. أف! يُطيل لسانه على أبيه، وهكذا هو العبد السوء، العبد السوء يحتاج دائماً إلى الخوف الخوف الخوف، فقط! فهل نحن عبيد سوء؟ لا يا أخي، أمة محمد ليست عبيد سوء، لابد وأن يكون هذا بالترغيب وبالمحبة، لا إله إلا هو!

ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۩، انظر إلى هذا، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ۩، ما الذي دعوه من دونه؟ عيسى، الملائكة، الجن، الأوثان، الأصنام، الشمس، القمر، النار. آلهة كثيرة! عبدوا أشياء كثيرة، وكل هذا داخل في قوله وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ۩. قال وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ۩، كل هذه الآلهة، ما يعقل منها وما لا يعقل. ماذا قال؟ مَا يَمْلِكُونَ ۩، هذه مَا ۩ النافية، أي لا يملكون، مَا يَمْلِكُونَ ۩… ولم يقل قطميراً، قال مِن قِطْمِيرٍ ۩، لأن هذه إعرابها ماذا؟ مجرورة بــ مِن ۩، ولكن في محل ماذا؟ نصب مفعول به. أي ما يملكون قطميراً، لأن مِن ۩ هذه حرف جر زائد، للتأكيد، لتأكيد ماذا؟ لتأكيد عدم مُلكهم لأدنى نفع. عيسى لا يملك ولا الشمس ولا القمر ولا الملائكة ولا الجن ولا أي شيئ، فضلاً عن ماذا؟ عن الأحجار والأوثان والأخشاب والكلام الفارغ هذا، والحيوانات المعبودة كالبقر وكذا من دون الله. لا تملك شيئاً. الله قال ماذا؟ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ۩.

ما القطمير؟ اللُغة العربية يا إخواني فيها الآتي، العرب كانت تضرب المثل بأربعة أشياء – بأربعة أشياء وليس بثلاثة أشياء، لكي نكون صادقين -، تضرب المثل بأربعة أشياء، وأربعتها لها علاقة بالنواة وتفاصيل النوارة، أرأيتم النواة؟ على أن النواة كلها بحد ذاتها يُضرَب بها المثل في القُل والمثل في سخافة القيمة، ليس لها قيمة. يقول لك أحدهم نبذه نبذ النواة. نبذه نبذ النواة! وهذا إن لم يكن طبعاً مُحتاجاً، وَلَيْسَ كُلَّ النَّوَى تُلْقِي الْمَسَاكِينُ. من شواهد سيبويه! لأنه قال لكم هم أصبحوا في النهار، والنوى عالي معرسهم. وَلَيْسَ كُلَّ النَّوَى تُلْقِي الْمَسَاكِينُ. ففي بعض المرات كانوا يأكلون النوى، أي من الفقر، ولكن عموماً النوى يُنبَذ، يقول لك أحدهم نبذه نبذ النواة. ليس لها قيمة النواة، ليس لها قيمة! وخاصة إذا لم تُردها للزراعة، أي أن لم تزرعها وكنت ترمي بها. ولكن هذه النواة لا يزال فيها أربعة أشياء، وكل شيئ فيها من هذه الأربعة يُضرَب به المثل في ماذا؟ في الحقارة، في حقارة القيمة. أعني القطمير، النقير، الفتيل، الثوفرون. الثلاثة الأول هذه مذكورة في كتاب الله، أليس كذلك؟ أكيد! هذا النقير، هذا القطمير، ها هو، مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ۩… ماذا؟ مِن قِطْمِيرٍ ۩. وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ۩، وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ۩، في النساء! وهذا الفتيل إذن، وبعد ذلك النقير، فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا ۩، وأيضاً هذه في النساء، أليس كذلك؟ عندك النقير، وعندك الفتيل، وعندك القطمير، وعندك الثوفرون. ونُريد أن نُعرِّفها بسرعة.

يُوجَد اختلاف في المُعجمات وكذا حول هذه الأشياء، ولكن باختصار نقول الآتي:

انظر إلى النواة، ها هي النواة، اللفافة البيضاء الخفيفة التي تُغلِّفها اسمها القطمير، هل هناك مَن يهتم بها هذه؟ لا أحد أصلاً ينظر إليها، الله قال مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ۩، كل هؤلاء! حتى عيسى – عليه السلام – والملائكة، هؤلاء تعبدونهم من دون الله! انظر إلى هذا، التوحيد القرآني عجيب يا أخي، وأين هنا المنظور المسيحي والكلام عن أنه ابن الله والله من الله ونور من نور؟ وانظر إلى القرآن الكريم، قال لك كلهم لا يملكون شيئاً، كل ما عدا الله وكل مَن عدا الله لا يملك شيئاً. لماذا؟ هذه سهلة، والله هذا منطق وعدل، لأنهم عبيد ومخلوقون، كانوا بعد أن لم يكونوا، طارئون، ليسوا ضروريين. قال لك أنا الذي أملك، أنا الخالق المُوجِد، أنا مالك المُلك الحقيقي، وكل هذا لا شيئ، فقير مثلك تماماً، ولا يزيد عليك في شيئ – أي من هذه الحيثية -. فقر! مثلك مثله، يمرض ويموت ويتألّم ويُذبَح ويسيل دمه، وهناك أنبياء ذُبحت، أليس كذلك؟ والمسيح عندهم صُلب أيضاً، فلا يُمكِن هذا، هذا هو.

إذن هذا القطمير، فماذا عن الفتيل؟ انظر إلى شق النواة، ألا يُوجَد فيها شق؟ هناك الجسم الإسفنجي البسيط هذا، الحبل هذا هو الفتيل،مثل الشعرة، هذا اسمه الفتيل، في شق النواة، هذا الساري، هذا الأبيض الإسفنجي، هذا اسمه الفتيل.

وماذا عن النقير؟ اقلب النواة، اقلبها أنت، وسوف تجد في ظهرها نُقرة بيضاء صغيرة، وابحث في النت Net عنها، في بعض المرات سوف تجد أنها كبرت. هذه التي تنبت منها النخلة، حين يزرعونها تنبت منها، تنبت من النقير، تخيَّل! اسمها النقير.

آخر شيئ الثوفرون، ما هو الثوفرون؟ أنت تعرف القِمع – اسمه القِمع، وليس القُمّ أو القُمع، يقولون لك القُمع. لا! اسمه القِمع -، انظر إلى قِمع النواة، هي مثل نجمة صغيرة هكذا، هذه التي تكون أين؟ في رأس النواة. الصفراء الصغيرة هذه اسمها القِمع. الآن الحبل الصغير الذي يربط النواة بالقِمع اسمه ثوفرون، فيقول لك أحقر من ثوفرون، أحقر من نقير، أحقر من فتيل، أحقر من قطمير. أربعة أشياء يُضرَب بها المثل في سخافة القيمة، في التفاهة. كائنات تافهة!

الله قال هذه المدعوة من دون الله: مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ۩، لا إله إلا الله! ولذلك مَن يُرد ما ذكرنا، عليه أن يتوجه إلى الله – تبارك وتعالى -، يسأل الله، ويجعل ثقته كلها بالله. وليس في مُديرك وليس في هذا وليس في ذلك وليس في ذاك. الثقة بالله! خُذ بالأسباب، وطبعاً هذا العالم لابد أن نأخذ بأسبابه، والقرآن أمرنا أن نأخذ بالأسباب، ولكن القلب يكون مع مَن؟ مع مُسبِّب الأسباب، ومع رب الأسباب. وسلِّم وارض بما قدَّر الله، بعد أن تأخذ بالأسباب على النحو الذي شرع الله، وبما شرع الله. ليس بالحرام وبالخديعة وبالمكر وبالكذب وبالنصب وبالغش وما إلى ذلك. لا! بما يُرضي الله، أي شيئ يقع ارض به. الحمد لله، الله هكذا يُريد، والحمد لله. ارض ولا تزعل، وخل القلب دائماً مع الله.

 

۞ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ۞

 

إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ ۩، وفعلاً هذا يتعلَّق بمَن الآن؟ يتعلَّق بالآلهة الجامدة، الأوثان والأحجار وكذا، التي لا تسمع. أما الآلهة الحية – حتى من حيوانات – فهي تسمع، ولكنها لا تفهم. الحيوانات تسمع، ولكن هي لا تفهم، أي إن سمعت، فلن تفهم. الله قال كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ ۩، أرأيت؟ لأنه يسمع صوتاً، يا إله وكذا، وهو لا يفهم، لا يفهم شيئاً هو! هو يرى شيئاً ويسمع صوتاً، فالبقرة هذه – حاشاك – أو الماشية، تسمع أنك تقول لها كذا وكذا، اطلعي أو ارجعي. وهي لا تفهم شيئاً، هي أصوات، أصوات فقط! أليس كذلك؟ فقط أصوات، وهي طبعاً لا تفهم. فإذا كانت الآلهة من الحيوانات كالبقر الخاصة بالهنود – مثلاً، أي الهندوس -، فسنقول هي تسمع، ولكن لا تعقل، ولذلك لن تُجيب. وإن كانت جامدة، غير حية، فسنقول إنها لا تسمع أصلاً. فماذا لو كان المعبود بشراً، وإن كان جناً، وإن كان ملائكة؟ يسمع، ولكن لا يستجيب. يسمع ويفهم ماذا تُريد، ولكن لا يستجيب. لماذا؟ لأنه لا يملك.

قد يقول لي أحدهم أنت قبل قليل عممت، وقلت تَدْعُونَ ۩، عمت كل الآلهة، وهنا الله قال لا يَسْمَعُوا ۩! نعم، لأن الله يُريد أن يُفصِّل لك، قال لك يُوجَد منها مَن لا يسمع، وبعد ذلك قال لك وَلَوْ سَمِعُوا ۩، أو يُوجَد منها مَن يسمع، موجود! ولن تأتي استجابة لو افترضنا حتى فيما لا يسمع أنه أودع الله فيه ملكة السمع وصار يسمع مثل عيسى ومثل الملائكة والجن، ومثل حتى – ولا تشبيه – البهائم الأُخرى التي تسمع، مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۩، لا يُمكِن أن يستجيب، لماذا؟ بالنسبة للحيوانات لأن ليس كل سامع ناطقاً. هي تسمع، ولكن لا تنطق، أليس كذلك؟ ولو نطقت، لن تُجيبك، لأنها لا تملك. وبالنسبة للملائكة والجن وعيسى وهذه المعبودات العاقلة من دون الله لأنها لا تستجيب، هذه تسمع وتنطق، ولكن لن تستجيب، لأنها لا تملك. يا عيسى! نعم، ما الأمر؟ اشف امرأتي. سوف يقول لك لا أقدر إلا بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، أُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، أُحيي الموتى بإذن الله، وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۩. ولكن أنت تُحييها؟ سوف يقول لك أنا أُحيي من عندي؟ مسكين أنت! سوف يقول لك أنت أهبل، أنا أُحيي بإذن الله. إذا أذن الله، فسوف أُخاطِب الميت ومن ثم سوف يقوم، إذا لم يأذن، فسوف يظل ميتاً، وبالتالي سيضيع عليك هذا. أنا لا أقدر – قال له -، أنا واسطة. انظر إلى القرآن الكريم، في عدة مرات يقول بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، بِإِذْنِ اللَّهِ ۩، حتى أخلق من الطين بإذن الله، فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۩. لكي يُفهِمك أن هذا ليس من عندي.

ذات مرة سمعت الآتي من شخص، وهو رجل صالح،  وأنا أعرف عنه العجائب – ما شاء الله -، أشياء كثيرة عنده، ومُكرَم بكرامات كثيرة. فمرة كنت أسأله، فقال لي انظر يا فلان، لو جاء واحد وسألني، قال لي يا عمي فلان ادع الله لي أن يُحيي ابني الميت، فسوف أدعو له. واستغربت هذا، ولم أكن فاهماً، ولكن هو أفهمني وفتح عيناي. قلت له كيف؟ قال لي إذا لم أفعل هذا، فسوف أكون قد وقعت في الشرك. قلت له كيف؟ لم أفهم! قال لي ما الفرق بين أن أدعو له بأن يشفيه الله من الإنفلونزا – أي من الــ Grippe، من هذا الرشح، أقول له شفاك الله يا بُني من هذا الرشح – وبين أن أدعو الله له بأن يُحيي له ابنه أو أمه أو زجته؟ ما الفرق؟ قال لي، في الحالتين أنا لا أملك شيئاً، لا أقدر على أن أشفيه من الإنفلونزا – أي من الــ Grippe -، ولا أقدر على أي شيئ، أنا أطلب من رب العزة، أقول له اللهم يا رب عبدك هذا أتى وكذا، اللهم افعل له. وقال لي وبعد ذلك هو حر، لا إله إلا هو! يفعل ما يشاء، لا إله إلا هو! أنا داعٍ – قال لي -، أنا أفعل؟ أنا أشفي؟ قلت له فتح الله عليك، أفهمتني والله.

ولذلك لا ينبغي أن تظن أنك شيئاً كبيراً، فتقول لا، أنا لا أقدر، لأن هناك تخصصات. ما شاء الله أنت فاتح عيادة ربانية؟ فاتح دكانة أنت؟ أو أن تقول أنا لا أقدر عليها هذه. وما شاء الله عليك، أي أن تقدر على الأشياء الثانية؟ أنت تقدر على أن تنجح ابنه؟ تقدر على أن تُصلح بينه وبين زوجته؟ تقدر على أن تُعيد إليه ماله المنهوب أو المسروق أو المغصوب؟ تقدر على أن تُصحه من مرض بسيط من أمراض الشتاء؟ أي هل أنت تقدر على هذا؟ مُشرِك أنت، أنت تدّعي الربوبية، هذا يعني أنك لست ولياً لله، أنت ولي الشيطان كما اتضح. غير فاهم!

العارفون ليس عندهم هذا، الواحد منهم يقول لك أنا لا أقدر على أي شيئ، وأنا لا أملك لنفسي شيئاً. النبي كان يعتقد باستمرار أنه لا يملك أن يشرب شربة إلا بأمر الله، ولذلك حياته كلها كانت ذكراً، بسم الله – يقول لك -، في كل شيئ يقول بسم الله، يستعين بالله، في كل شيئ يُسمي، يبتدئ بسم الله، لأنه يعرف من نفسه أنه لا يملك لنفسه شيئاً، وهو قال لك: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ ۩، ولا أي شيئ، صفر! والنبي كان يخاف من هذه الناحية.

وعلى فكرة – وهذه أيضاً موعظة مُهِمة جداً، ومعلومة في غاية النفاسة – بقدر ما ترى نفسك، يتخلى الله عنك. انتهى! وجرِّبها في حياتك، والله العظيم! جرِّبها في حياتك، إن أتيت لكي أُصلي بالناس هنا، وكنت أُريد أن أقرأ فيهم ليس بالنساء – لأن هذه (تخربطني) كما يُقال -، وإنما كنت أُريد أن أقرأ بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩، فإن من المُمكِن أن أغلط فيها، والله العظيم! أنا ذات مرة غلطت في الفلق، أُقسِم بالله غلطت وأنا أؤم بالناس في الفلق، إياك أن تثق في نفسك، كأن تقول أنا حافظ، أنا عارف، حفظتها وأنا صغير، كان عمري تسع سنوات. لا يُوجَد الكلام هذا! أو أن تقول الكتاب هذا قرأته، وأعرفه جيداً، والقاعدة هذه أفهمها. هذا لا شيئ! أو أن تقول أقدر على أن أرفع هذا. ترفع ماذا؟ خمسة كيلو جرامات. لا تقدر، ولو على كيلو جرام واحد، قل بسم الله. حين تفتح الباب قل بسم الله. خل دائماً ارتباطك بالله، استعانتك بالله، تعويلك على الله. سُبحان الله! سوف تصير كائناً خطيراً، سوف تصير قوياً، مُمكَّناً – بعون الله تعالى -، لماذا؟ لأنك سوف تصير مدعوماً ربانياً، دعم دعم دعم في كل شيئ، في كل شيئ! إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ۩، العبادة كلها! عبادة واستعانة، فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۩، ما التوكل؟ الاستعانة. هذه هي، أرأيت؟ نَعْبُدُ وَ ۩… نَسْتَعِينُ ۩، فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ ۩، المعنى نفسه! والتوكل هو الاستعانة، لا إله إلا الله! لا تتوكَّل على الأسباب ولا تتوكَّل على نفسك.

وبمقدار ما ترى نفسك، يتخلى الله عنك. وجرِّبها وسوف ترى هذا، سُبحان الله العظيم! في الأشياء التي يكون تعويلك فيها على الله بالكامل، تسلس الأمور وتتيسَّر وتكون – ما شاء الله – إبداعاً منك، والله يُعطيك شيئاً كبيراً فيها. والعكس مع الأشياء التي يكون فيها عندك نوع من الشركة النفسية، أي أنا أعرفها، وأنا أُحكِمها جيداً، وسوف أعملها، وكذا! سُبحان الله، يتخلى الله عنك، ولا يحدث هذا الفتح، لا يحدث هذا الفتح! فدائماً خُذوا هذا بعين الاعتبار يا إخواني.

وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۩، كل الآلهة سواء البشر، الجن، الملائكة، وأيضاً الأوثان والأصنام والجمادات. قال السادة المُفسِّرون غير بعيد أن الله يضع فيها ملكة الوعي والعقل والنُطق، فتتبرأ منهم. كما تنطق الجلود! وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۩، نطقت الجلود، قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ ۩، نعم! إذن معناها أنها تنطق، ويُمكِن أن يحدث الشيئ نفسه مع هُبل واللات والعُزى وشيفا Shiva وكل الكلام الفارغ هذا الخاص بالهنود، كلها سوف تنطق، هذه كلها أوثان وأحجار، وسوف تنطق.

كيف تتبرأ منهم؟ كلها سوف تقول نحن ما أمرناكم بعبادتنا. عيسى وعُزير وكل هذه الكائنات والملائكة والجن، ماذا سوف يقولون؟ سوف يقولون كذّابون، نحن ما أمرناكم بعبادتنا، ولا قلنا لكم إننا آلهة تُعبد من دون الله، أنتم فعلتم هذا، وافتريتم علينا. كما قال عيسى سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۩. قال له سُبْحَانَكَ ۩. قال له سُبْحَانَكَ ۩، أنت مُنزَّه، أنا أُعبد؟ أنا لم أقل هذا؟ هم فعلوا هذا، وهم كذّابون، أنا أتبرأ منهم. وكل الآلهة سوف تتبرأ، انظر إلى درجة ستبلغ الخيبة هنا، خيبة كبيرة جداً جداً، ضيَّعوا حياتهم وهم يعبدون غير الله.

وعلى فكرة – انتبه – هذا لا يختص فقط بمَن يعبدون هذه الأشياء، نحن أيضاً عندنا شركيات وهي أقل طبعاً، أقل وضوحاً وصراحةً، ولكن هي شركيات أيضاً، شركيات! يُمكِن للواحد أن يعيش حياته كلها وهو مُشرِك بالقبيلة، اعتماده وتوكله على قبيلته، يقول أنا من قبيلة كذا، ونحن خمسة آلاف سيف. هكذا هم! العرب هكذا عندهم هذه العُنجهية الفارغة، مساكين! وهم إلى الآن مساكين، وأنا لم أكن أعرف هذا، كنت أظن أن القبلية انتهت، والأمر نفسه مع ثارات المُجتمَع العربي، واتضح أن هناك قبلية لا تزال تنخر عظمه نخراً، وهناك مَن يحتقرون القبائل الأُخرى الأقل منهم والأضعف منهم، ويجورون عليهم، ويظلمونهم، ويهضمون حقوقهم. ونحن – يقول لك الواحد منهم – قبيلة كذا. ما معنى أنكم قبيلة كذا؟ يوم القيامة لن تُبعَث مع قبيلتك يا حبيبي، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ۩، أي وحدك، برأسك هكذا! أجبه وقل له هذه قبيلتي يا ربي.

القبيلة كائن اعتباري بلُغة المنطق، أليس كذلك؟ لا يُوجَد شيئ اسمه قبيلة، أي شيئ هكذا يأتي هكذا ويتحرَّك ويكون اسمه القبيلة، أليس كذلك؟ يُوجَد أفراد، والقبيلة في الأخير كائن اعتباري، كما نقول الفوج والفرقة. فالقبيلة ككائن اعتباري غير موجودة ولن تأتي لكي تُدافِع عنك، الله سوف يقول لك هذا غير موجود. أليس كذلك؟ سوف تورط أنت وكل أفراد القبيلة نفس الورطة، فأنت عشت ومت وأنت مُشرِك بالقبيلة، وشخص ثانٍ مُشرِك بالدولة. وشخص ثالث مُشرِك بالجهاز التابع له، هذا جهاز استخبارات، وهو كان ضابطاً كبيراً في الاستخبارات، أو في الشرطة، ولكن ضاع عليه هذا. وشخص رابع مُشرِك بعقله وبذكائه، وهو كان فيلسوفاً كبيراً وذكياً ورجل رياضيات، وكان يظن أنه فاهم وأنه شيئ كبير، ضاع عليه هذا أيضاً. وهكذا!

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن نكون مِمَن محضه وأخلص له في توحيده، حتى نكون مُنزهين من كل شوب الشرك، ما ظهر منه وما بطن، ما صغر منه وما كبر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والحمد لله رب العالمين. سُبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: