الحمد لله ربّ العالمين حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه يوافي نعمه ويكافئ مزيده وأشهد أنّ لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له واشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا محمّدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه صلّى الله تعالى عليه وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدّين وسلّم تسليما كثيرا. أخرج الإمام مالك في موطّئه بلاغا قال :”بلغني أنّ عيسى بن مريم عليهما السّلام كان يقول ,لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإنّ القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ولا تنظروا في ذنوب النّاس كأنّكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنّكم عبيد فإنّما النّاس مبتلى ومعافى فاحمدوا الله على العافية وارحموا أهل البلاء” هذا البلاغ أخرجه أيضا التّرمذي في جامعه مرفوعا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ووقف و به عند قوله:”فإنّ القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون” . والقلب القاسي هو القلب الذي زايلته الرّحمة الذي نُزف ماء رحمته وصار عصيّا قاسيا صلبا فضّا غليظا وحريّ بهذا القلب أن يكون محروما من ألطاف الله ومن فُيُوضَات رحمةالله سبحانه وتعالى. إخواني وأخواتي لو تخيّل أحدكم نقطتين في الفراغ ويريد أن يصل بينهما بوصلة فإنّ الإمكانيّات المتاحة لكي يصل بين هاتين النّقطتين لا يعلمها إلاّ الله ,يمكن أن يصل بينها بمستقيم أو بمُنحنِ أو بزاوية ويمكن أن ينطلق من نقطة بخط يدور به حول الكرة الأرضيّة مرّة أو مرّات ثمّ ينتهي به إلى النّقطة الثّانية ز وعمرنا البشريّ لا يتيح لنا أن نحصي كلّ الإمكانيّات المتاحة أو المتخيّلة أو المفترضة والعمر أقصر من هذا ومن هنا تتأتّى حاجتنا إلى الهداية الرّبّابيّة وإلى أقصر طريق يوصل إلى الله تعالى. ما هي أقصر طريق توصل إلى الله تبارك وتعالى ما هي أقصر سبيل تفضي إليه؟ ” يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه” يمكن إخواني وأخواتي لمن تأمّل كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعود بهذا الجواب: الرّحمة, إنّ أقصر طريق إلى الله سبحانه وتعالى الرّحمة .من كان رحيما ظاهرا وباطنا متخلّقا بهذا الخلق فإنّه سيصل إلى الله أسرع من غيره وبرهان هذه النتيجة نسوقه ونقف عليه إنشاء الله في تضاعيف الحلقات التّالية ,نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيها وينفخ فيها من روحه . إنّ الخطّة البرنامج تقوم على التّقديم بحلقات افتتاحيّة تأسيسيّة ثمّ الحديث عن رحمات اللّه وتجلّياتها ومظاهرها فإذا فرغنا من ذلك انتهى بنا المسار إلى الحديث عن رحمة رسول الله والذي جعله القرآن أيقونة للحمة وليس مجرّد مؤشّر عليها . وإذا فرغنا من ذلك بإذن الله أنتقلنا الى الحديث عن رحمة الشريعة :مظاهر الرّحمانيّة في شريعة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم . أمّا هذه الحلقة فهي امتداد للحلقة الأولى واستكمال ووصل لما انقطع من الكلام في حلقة أمس .وعنوانها : “كارثة المعني” . كيف يمكن أن يتظاهر تديّن فريق من المسلمين بكلّ هذا الكمّ من الغلظة والقسوة والكراهية والمرارة ؟والحال انّنا ننتمي إلى دين مفعم باللّين والرّفق والرّحمة ورسولنا صلّى الله عليه وسلّم أيقونة للرّحمة,غير أنّنا للأسف الشّديد لا نرى أنفارا من المسلمين يترجمون عن قدر محترم من الرّحمة في مسالكهم وفي مفاهيمهم أيضا. للجواب عن هذا السّؤال سأركّز على محورين:محور الفهم والإدراك/ومحور التّربية والسّلوك 1/ الفهم والإدراك: إنّ امتلاكك للتّسمية لا يعني بالضّرورة أنّك حزت المعنى. فكلامك عن الإيمان لا يعني أنّك تعرف فعلا مفهوم الإيمان وحديثك عن التّقوى لا يعني انّك تعرف بالضّبط ماهي التّقوي. وحديثنا عن الرّحمة لا يعني أنّنا قد أحطنا بجميع جوانبها وأنّنا نعرف بالضّبط ماهي قد نعرف الشّىء المنزور عنها أو الكثير ولكن لا يمكن أن ندعي أنّنا قبضنا على مفهومها وأحطنا بها عِلما . وعلماء الدّلالة يتحدّثون عن التّغيّر الدّلالي فما هو معنى التّغيّر الدّلالي؟ تحدّث الإمام الجليل حجّة الإسلام أبي حامد الغزّالي في أول كتاب العلم من إحياء علوم الدّين عن التّغيّر الدّلالي الذي طال بعض المصطلحات الشّرعيّة المركزيّة ومنها مصطلح ” العلم” مالذي كان يعنيه هذا المصطلح في عهد الرّسول صلّى اللّه عليه وأصحابه وسلّم ثمّ إلى ما آل معناه بعد ذلك في الأعصار المتأخّرة ؟ وماذا يعني الفقه و من هو الفقيه؟ حتّى صار بعد ذلك الفقيه هو العالم بالأحكام الشّرعيّة أو ما يسمّى بفقه الحكومات ( الأحكام).لكنّ مصطلح الفقه أعمق من ذلك بكثير وأشمل . فالفقه الذي تعاطاه أصحاب الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأتباعه غير الفقه الذي تعاطاه الفقهاء فيما بعد وفي هذا انزياح دلاليّ ولكي نتجنّب غائلة هذا الانزياح الدّلالي لا بدّ أن نعود إلى فضاء دلالة أيّ دالّ(لفظة) في المصدر المعنيّ بالدّرس وهو كتاب الله وسنّة المصطفى صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليما كثيرا .فإذا أردنا أن نعرف ماهي الرّحمة علينا أن نستقري كلّ مواردها في كتاب الله تبارك وتعالى وأن ننظمها بطريقة منهجيّة كذلك نستقري موارد الرّحمة في سنّة المصطفى صلّى الله عليه وأصحابه وسلّم ومن والاه وهكذا يتسنّى لنا الوقوف على الانزياحات الدّلاليّة ولو سألنا أيّ مسلم أو مسلمة اليوم عن معنى الرّحمة قد يجيب : ألاّ تسطو بالضّعيف وألاّ توقع به العذاب أو العقاب فتكون بذلك قد رحمته ا وان نرحم الضّعفاء بأنّ نمنّ عليهم بالعطاء والمساعدة هذا مفهوم ضيّق جدّا للرّحمة إنّها أوسع بكثير من ذلك وأعمّ وأشمل .فهل يمكن أن يتبادر إلينا أنّ من مصاديق الرّحمة أن أنكسر أحيانا في جدال علميّ لأخي ـ وأنا العالم صاحب الحجّة والبيان والمنطق والحافظة القويّة والبديهة السّريعة ويمكن ان أسحق من أمامي سحقا لأنّه من عوامّ المتعلّمين ـ .هل خطر في علمك أنّ من الرّحمة التي يرضاها سبحانه وتعالى ويبارك بسببها في علمك وفي نفسك وفي نيّتك وفي سلوكك وفي هديِك وفي سمتك أن تنكسر لأخيك مرّة بحيث تمكّنه من الغلب وتفهمه أنّك اقتنعت برأيه وانّ حجّته كانت الأقوى . أظنّ أنّه من الصّعب أن نفعل ذلك على العكس فنحن نتورّط وننخرط في فواحش علميّة حجاجيّة أو جداليّة تحمل الواحد منّا على أن يكابر إزاء الحقيقة حين تظهر وتلوح الحقيقة ببرهانه القويّ فإنّنا نكابر وهذه مصيبة حين تصدر من طالب علم عاديّ فكيف بها إن صدرت من طالب علم شرعيّ إنّها حقّا لمن المصائب العظيمة . هل تعرف أنّ من الرّحمة ألا تشمت بعدوّك عندما ينهزم ويضعف وأن تعمل على مواساته والتّخفيف عنه ؟ الإمام الخامس في الاستلام سفيان بن سعيد الثّوري رضي الله عنه قال : إنّ الرّجل ليحدّثني بحديث قد سمعته وعرفته قبل أن تلده أمّه لكن أظهر له أنّي استفدتها منه لكي لا أوحش نفسه” هذه الرّحمة التي لا يمكن أن تكون إلاّ أثرا للرّحمان الرّحيم التي مسّت شغاف قلب هذا الإمام الجليل. فالتّغيّر الدّلالي يمكن أن يكون باختزال الفضاء الدّلالي لدالّ معيّن أي لمفهوم معيّن في بعض دلالاته ويقع هذا كثيرا في كلّ اللّغات ولا يقتصر على اللّغة الدّينيّة والكارثة تقع حين يتمّ استبدال الدّلالة بنقيضها تماما وفي هذا انتهاك صارخ وجريمة في حقّ المفهوم نفسه.فبعض النّاس يظنّ أنّه أدخل في باب التّقوى والالتزام الدّيني أن يكون شديدا على النّاس وعلى الخاطئين لابدّ أن يشدّد على أهل الخطإ وأن يفضحهم أمام النّاس وفي الجرائد والفضائيّات لأنّهم عصاة غير ملتزمين بمنهج الله وهذا ليس من التّقوى في شيء والله تبارك وتعالى يقول “وقولوا للنّاس حسنا” لكلّ النّاس , ويُظنّ في يومنا هذا أنّه من الجهاد أن يقتل الأبرياء الذين تحرّم شريعة السّماء وشرائع الأرض الوضعيّة قتلهم والمساس بهم بلا تردّد ولا حرج , تقتل النّساء والأطفال وحتى الرّجال ممّن لا يقاتل ولاى ش؟أن له بالقتال وأن يشوّه من يقتل ببتر يده أو بقر بطنه او أكل كبده ثمّ يقال على جثّته الله أكر الله أكبر على اعتبار أنّ هذه الممارسات من الجهاد في سبيل الله .ولست أدري من أين جاؤوا بهذه المفاهيم وكيف انتهكوا مصطلح الجهاد الذي هو مفهوم شريف وعظيم ورحيم يأتي ليواطئ الرّحمة ولا يأتي ليناكدها ويشاكسها ويمثّل هذا كارثة دلاليّة إنّها كارثة المعنى هم يسمّون الشئ بغير اسمه بل بنقيضه تماما,وحين يحصل هذا في الأشياء الحسيّة أو في الأشياء الطّبيعيّة يلتفت إليه مباشرة التفات غريزيّا ذلك أنّ أحد المغفّلين آذاه النّمل الذي كان يسطو على مخازن السّكر لديه فخطر له خاطر مغفّل فكتب على أكياس السّكّر “ملح” لكنّ النّمل ظلّ يواصل فالنّمل يعلم بالغريزة أنّ هذا سكّر وليس ملحا حتّى بعد أن كتب عليه”ملح” . الرّيس الأمريكي الأسبق في القرن19 “لنكر ” سأل مرةّ صديقه:لو أنّك سمّيت ذيل الكلب ساقا فكم من ساق يصبح للكلب؟ أجابه:خمسة: فقال له :”أخطأت لأنّ تسميتك الذّيل ساقا لا تجعله ساقا ” . فكيف أمكن أن يتمّ هذا الانتهاك الدّلالي ,انتهاك المعنى ,معنى التّقوى أو الجهاد أو بشكل عامّ معنى الالتزام الدّيني المعنى التّديّني؟ كيف أمكن أن يتمّ انتهاكه بحيث أفرز لنا الكوارث التي نعيشها الآن والتي تجترح باسم الدّين وبعض المشايخ ينظّر لها ويسوّغها بضروب من التّسويغ كاسدة وفاسدة ؟ وأعتقد أنّ ذلك ما كان يمكن أن يحدث لولا غياب الحسّ النّقدي والرّقابة والتّصحيح الدّائم من أهل العلم والفكر والنّهى الأيقاظ من أبناء هذه الأمّة .لذلك فإنّني أدعوا أن نكون أيقاظا لا نعير عقلنا لأحد ولا نستعير عقل أحد , علينا أن نستخدم هذه العقول, بها كلّفنا , ووفق ما تمليه علينا مع الضّمير الخالص سنحاسب يوم القيامة ونيّة المؤمن أبلغ من عمله وإنّما الأعمال بالنّيّات . هناك آلية أخرى تُستخدم دون أن نفطن إليها وتوجب هذا الانتهاك الدّلالي الصّارخ وهي ما يمكن دعوته بالتّلاؤم الفضفاض بين معان متعارضة ولو إلى حين لا يمكن أن تتلاءم لكن نحن بفضفاضيّة بمجازيّة نلاءم بينها فنلائم بين الشئ وعكسه ونقيضه وهذا يوجب خلطا والتباسا دلاليّا فيغدو تفكيرنا غير منضبط وغير دقيق وهذه الحالة هي التي تتيح لنا أن نشاهد كلّ يوم مشاهد سرياليّة غير مفهومة كأن نشاهد رجلا يغدو يعظ بالرّحمة ويمسي ينحر ويذبح ويكبّر ,شيء غريب أن يكون قبل ساعات يتحدّث عن الرّحمة ثمّ بعد ذلك مباشرة يذبح وينحرالأبرياء ويكبّر على أرواحهم ويشوّههم ويمثّل بهم.كيف يمكن أن يجتمع شخصان في نفس واحدة وأيّهما سيحاسب يوم القيامة هذا الواعظ الذي يبدو رحيما أم هذا المجرم الذي في حقيقته أثيم أثيم ؟ وهذا يحدث لأنّ هناك تلاؤما فضفاضا. ليس في كتاب الله أي ملاءمة فضفاضة بل هناك فهم فضفاض فهم عبثيّ فوضويّ يعود بتلاؤم فضفاض .فالله عزّ وجلّ يقول:” يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأت بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين ” هم أذلّة وأعزّة في نفس الوقت ,ذليل في حقّ المؤمنين عزيز في حقّ الكافرين,هل في حقّ كلّ كافر؟ هل على المؤمن أن يكون شديدا وغليظا في حقّ كلّ كافر؟ من وعى روح القرآن سيقول بكلّ طمأنينة ووثوقيّة ” كلاّ” كيف ؟ والله تبارك وتعالى يقول :”كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس ” أي لكلّ النّاس .ويقول “وقولوا للنّاس حسنا” “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدّين ويخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين” فلسنا مطالبين بالشّدة والقوّة والغلظة مع كلّ الكافرين بل فقط مع الكافر الذي يحارب والذي بدأني بالعدوان مع الكافر الذي هضمني حقيّ واستحلّ دمي وأرخص قضيّتي ولذلك قال :” أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ” لكن نحن نريد أن نعيد تلاؤمات فضفاضة فندعي أنّ المؤمن وشديد على كلّ كافر ثمّ نوسّع الدّائرة فنقول شديد أيضا على المنافقين وعلى كلّ فاسق وعلى كلّ عاص وعلى كلّ من لا يتطابق معنا في أفكارنا وخياراتنا من لا يختار الالتزام بالدّين الذي نشتهيه نحن وبالطّريقة التي نرتئيها ونعتقد أنّ هذا التّشدد يحمل روحا تقوائيّة لكن في الحقيقة أنّ كلّ هذا من التلاؤم الفضفاض وهو باطل .وهناك أمثولة مشهورة على لسان الوعاظ , يقولون :” فرسان بالنّهار رهبان بالليل” وهذا من التلاؤم الفضفاض الذي لا ينطبق إلا ّ على نفر ميسورين من الأمّة المجاهدين رجال الوغى وليس على عامّة النّاس نحن لسنا في معركة نحن إخوة متحابّون أصحاب وطن واحد متساكنون متعايشون .فما مدخليّة الفروسيّة هنا والقتال والجهاد؟ بهذا التّلاؤم الفضفاض الذي يلتهم المعاني الجوهريّة في كلّ الأديان وليس في الدّين الإسلامي فقط .فالقدّيس “برنارد” فوضته الكنيسة الكاثوليكية قدّيسا كان يحشّد النّاس بعشرات الألوف ويقول لهم “ستغفر لهم كلّ ذنوبكم إن أنتم ذهبتم و قتلتم المهرطقين والمارقين والكفّار الذين هم خارج حدود الخلاص خارج حدود شريعة يسوع .هذا الرّجل كان يقول: هم أرقّ من الحملان ولكنّهم أكثر ضراوة من الأسود “وقد ارتكب أبشع الجرائم الصّليبيّة ينجم التّلاؤم الفضفاض إذن عندما نأت بمفهومات ومصطلحات تختلف من حيث أوزانها النّسبيّ ونضعها في كفّة واحدة دون أن نرعى حرمة لهذا التّفاوت في الأوزان النّسبيّة والحال أنّه كان ينبغي أن نتعاطى معها و نباشرها بتراتبيّة . ماهو الوزن النّسبي للرّحمة في دين الله؟ إنّ غاية هذه الشّريعة هي الرّحمة “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” إنّ المقصد من هذا الدّين أن يكون رحمة هذا هو الوزن النّسبي وهو في الذّروة بلا شك هو جوهر العبوديّة ” وما خلقت الانس والجنّ إلا ليعبدون ” وأقصر طريق لعبادته هي الرّحمة أن نستحيل رحمة”إنّما بعثت رحمة للعالمين” لكن ما هو الوزن النّسبي للشّدّة ” أشدّاء على الكفّار ” هذا الوزن خفيفى جدّا لأنّه عرضيّ واستثنائيّ.والأصل في علاقة المسلمين بالبشر هي السّلاميّة ,نحن سلاميّون ولسنا حربيّين .فأحكام الجهاد والحراب هي استثناء من الأصل . فالإشكال يكمن إذن في التّلاؤم الفضفاض بين الجوهريّ المتمثّل في الرّحمة والعرضيّ المستثنى وهو الشّدّة أي بين صاحب الوزن الأعلى والأثقل مع ذي الوزن الأدنى باسم التّلاؤم فالله تبارك وتعالى حدّثنا عن الرّحمة لكن ؟أيضا حدّثنا عن الشّدّة لكن فرق بين الحديث عن الجوهر والحديث عن الاستثناء لكنّنا للأسف جعلنا المفهومين في كفّة واحدة ممّا أوجب خلطا وخبطا عظيما . من هذا التّلاؤم الفضفاض ما تسمعونه من بعض الجماعات الجهاديّة المتطرّفة( التي لا تجاهد أعداء الأمّة الذين سرقوا الأوطان إنّما تجاهد الأمّة في بلادها في أوطانها في استقرارها وقد عادت علينا من جرّاء ذلك البلايا والمحن ولقينا الألاقيّ ونسأل الله أن يشفي عقولنا وقلوبنا حتّى تتعافى أحوالنا ) رأس هؤلاء الجهاديّين يصف رسوله بروح الفخر والاعتزاز بأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان الضّحوك القتّال وبعض النّاس إلى الآن يجترّون هذا الوصف ومعاذ اللّه أن يكون رحمة العالمين ضحوكا قتّالا .أين برهان ذلك؟ كيف كان صلّى اللّه عليه وآله وصحبه وسلّم قتّالا ؟ النبيّ صلّى الله عيه وسلّم غزا 27 غزوة وقيل 26 وأرسل من السّرايا 38 سريّة ولم يكن فيها .عدد قتلى كلّ هذه الغزوات 1284 ضحيّة شهداء المسلمين كانوا أقلّ من 300 لقد كانوا284 شهيدا والبقيّة من الكفّار في زهاء 60غزوة وسريّة شيء لم نكد نسمع بمثله في التّاريخ وبهذا قضي على الشّرك وطويت صفحته وافتتحنا بابا جديدا من أبواب التّاريخ الإنساني فقط بأقلّ من 1300ضحيّة ويقال لك أنّ محمّدا قتّال .متى كان قتّالا؟ كم قتل من أسراه ؟ 3 فقط في حين كان ضحايا حروب أنبياء بني اسرائيل في العهد القديم في التّوراة 2.750.000 ضحيّة . ثمّ يوصف الرّسول بالقتّال, يا للعجب . حين يسمع احد من العقلاء سليم التّكوين بأنّ النّبيّ كان ضحوكا قتّالا يظنّ أنّه بإزاء شخصيّة غير سويّة ملتاثة تقتل وتضحك ,لا يفعل هذا إلا سيكوبات مختلّ مضطرب الشّخصيّة. النّبيّ لم يكن قتّالا في يوم من الأيّام بل كان يكره القتل. والقرآن امتنّ عليه وعلى أمّته بتكريه القتل ” وعلم أنهم يكرهونه وكفى الله المؤمنين القتال ” ولا بدّ أن نشير في النّهاية أنّ هذا القول ليس بالحديث بل هو من دسائس الاسرائليين لم نجده إلا بسند واحد ذكره حافظ الإسلام الجلال السّيوطي في كتابه الرّياض الأنيقة في شرح أسماء سيّد الخليقة قال :” روى ابن فارس (وهو الإمام اللّغوي)بسنده عن عبدالله بن عبّاس قال مكتوب في التّوراة أحمد الضّحوك القتّال يلبس الشّملة ويجتزئ بالكسرة ويركب البعير” فالتّوراة هي التي سمّته الضّحوك القتّال وهو باطل لا أساس له من الصّحّة هو إفك مبين لان التوراة في أكثر الأقوال تبكيرا لم تترجم إلاّ في عهد المتوكّل العبّاسي في بداية القرن الثالث هجري وقيل بعد ذلك بزهاء قرن فابن عبّاس لم يطّلع على التّوراة ولا يعرف لسان التّوراة ولم تترجم له التوّراة .ثمّ إنّ التّوراة مترجمة الآن بين أيدينا وليس فيها الضحوك القتّال .بل هذا من كذب الاسرائليّين لكي يشوّهوا رحمة العالمين لكي يقولوا انه بعث نقمة بعث بالسّيف والذّبح. نسأل الله تبارك وتعالى أن يعلّمنا وأن يفقّهنا في الدّن وأن يذبّ عن جناب رسولنا المعصوم الصّادق المصدّق المصدوق الأبرّ الأطهر صلوات ربّي وتسليماته عليه. سؤال :كيف يمكن الجمع بين الثّبات على الحقّ وبين التّسامح؟ الجواب: لا تعارض بين التّسامح والحقّ بل إنّ التّسامح من الحقّ الذي بعث لاجله محمّد . إنّ روح ما بعث به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو التّسامح كيف لا وهو المقول له”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “؟ ولا يمكن أن يكون رحمة وهو متعنّت غير متسامح وهو منغلق متعصّب وحصري.إنّ الإسلام أكثر الأديان تسامحا على الإطلاق بشهادة كبار الدّارسين في الشّرق والغرب .الإسلام هو دين التّسامح وهو الذي خطّ الخطّة الأولى في التّسامح بطريقة لم يسبق إليها .التسامح هو من الحقّ الذي بعث به رسول الله لكن لا نعني بالتّسامح التّساهل الذي يؤدّي بالمؤمن إلى التّفريط في الحقّ وتزييفه فنحن وجعل الحقّ باطلا والباطل حقّا تبرأ من هذا نيّة كلّ مؤمن صادق وفهم كلّ مسلم يقضان . سؤال: كيف نكون رحماء يبعضنا؟ الجواب: الصّحابة أنفسهم سألوا هذا السّؤال كانوا يخشون على أنفسهم من قسوة القلب بالشّدّة على الخلق والتّضييق عليهم وعدم رحمته وعدم مراعاة حاجات الخلق عدم المبادرة بالعطف على المحزونين ومسح دموعهم . الصّحابة كانوا يخافون والنّبيّ نفسه كان يريد أن يثبّت هذا المعنى للرّحمة وذاك المعنى للقسوة .وقد أخرج الإمام أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق عن محمّد بن واسع وهو عابد أهل البصرة في زمانه من أولياء الله ومن علماء الأفذاذ يروي عن أبي الدّرداء الصّحابي الجليل يقول: كتب أبو الدّرداء إلى أخيه في الدّين سلمان الفارسي “وامسح رأس اليتيم وألطف به وأدنه وأطعمه من طعامك تذهب قسوة قلبك فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجاءه رجل يسأله يا رسول الله كيف أُذهب قسوة قلبي؟, (لم يقل له النّبيّ أكثر من ذكر الله وان كانت كثرة ذكر الله بلا شكّ تليّن القلب ),فقال له ما سمعت ” وقد نقف في لاحقا على مظاهر كثيرة نتعلّم فيها كيف نستحيل بها رحماء إن شاء الله .

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إعداد :نادية غرس الله /تونس

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: