تفسير القرآن الكريم ۞ سورة فاطر، الآيات 4 : 11 ۞ الحلقة 9

video

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۩ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۩ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ۩ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ۩ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۩ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ۩ وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً. اللهم فقِّهنا في الدين، وعلِّمنا التأويل.

أحبابي، إخواني وأخواتي:

نُكمِل القول في ما فتح الله – تبارك وتعالى – به من معاني سورة فاطر.

 

۞ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۞

 

بلغنا إلى الآية الرابعة، وهي قوله – عز من قائل – وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ۩، وهذا معنى يتردَّد في كتاب الله كثيراً، يُسلي به المولى – تبارك وتعالى – صفيه ونجيه، عن تكذيب المُكذِّبين له من قومه، ويُخبِره أن هذه سُنة الأمم المُكذِّبة الجاحدة الناكبة عن سواء السبيل في أنبيائهم ورُسلهم، فلست بدعاً منهم يا صفوتنا، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ۩.

 

۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۞

 

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۩، الخطاب هنا أعم من أن يكون لخصوص المُؤمِنين أو المُسلِمين، وإنما هو للناس جميعاً، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ۩ وهو ميعاده، وعده هو ميعاده – تبارك وتعالى -، والمقصود به في قول جمهرة المُفسِّرين يوم القيامة، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۩، وكان من جُملة دعائه – عليه الصلاة وأفضل السلام – في صلاة الليل أو قيام الليل: ووعدك حق. كان يشهد لله بهذا، أن الجنة حق، وأن النار حق، وأن وعد الله حق.

فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۩، كيف تغر الحياة الدنيا المغرور من عباد الله – والعياذ بالله -؟ نعوذ بالله من الغرور، ودائماً نُنبِّه، لأن هذا خطأ مشهور وخطأ شائع، على أن العامة الآن أو عوام العرب يظنون أن الغرور هو الكبر والبأو والزهو، الغرور ليس هذا، يقول أحدهم هذا إنسان مغرور. لا! ليس هذا، هذا إنسان مُتكبِّر أو إنسان مُعجب أو مزهو بنفسه، أما المغرور فهو الجاهل، المغرور هو الجاهل الذي لا يعرف حقيقة الأمر، مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ۩، قال الفاروق عمر غره – والله – جهله. لأنه جاهل، جاهل!

فالحياة الدنيا – إخواني وأخواتي – تغر المُغتر والمغرور بها بماذا؟ بأن ينشغل ويتلهى بزخارفها وأعراضها، وأن يُمعِن ويُبالِغ في العمل لها، للدنيا! مع نسيانه المهد والعمل لنفسه في الآخرة، حتى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ۩، وهكذا فسَّرها سعيد بن جُبير – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، هكذا! أن الإنسان يشتغل بعمل الدنيا، يُمعِن في عملها على مدار الأربع والعشرين ساعة، دنيا، دنيا، دنيا، دنيا! وينسى آخرته، ومن ثم يقول ما ذكرناه إذا احتُضر، إذا انتهت حياته، وإذا سقط عمره، والعمر ينتهي كالإناء يسقط من اليد كما شبهه الإمام أحمد، أي بسرعة، بسرعة! تُغمِض عيناً ثم تُفتِّح عيناً، فتجد نفسك في القبر، في البرزخ. فيقول هذا الإنسان المغرور بعد ذلك يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ۩، انظر إلى القرآن لِحَيَاتِي ۩، قال لِحَيَاتِي ۩؟ وهو عاش حياته! الله يلفت ويقول هذه ليست حياة، هذا كلام فارغ، والدنيا كلها ليست بشيئ، هذه ليست حياة، ستون سنة في الأبد تُساوي صفراً، هات أي رقم، واقسمه على المالانهاية، هذا يُساوي كم؟ صفراً. هذه صفر! الحياة الدنيا إذن كذلك، ولذلك قال في آخر العنكبوت وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۩، انظر إلى الفعلان، هذه صيغة فعلان، فيها نبض، فيها حيوية، فيها فتوة. هذا هو! قال الحياة الحقيقية التي فيها كل معاني الحياة في الآخرة، وليست الدنيا، هذه حياة تنغيص، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ۩، حياة تنغيص ومُكابَدة ومُنافَسة، مُنافَسة! يُمكِن أن ينفس عليك أقرب الناس إليك، لا يغبطك، ينفس عليك، بل ربما حقدها عليك، أنك تفوقت عليه في شيئ من أعراض الدنيا، بعض المال أو بعض كذا، كلام فارغ! وقد يكون من أقرب الناس إليك، هذه الدنيا.

الله يقول – تبارك وتعالى – الحياة الحقيقية هي الآخرة، ولذلك هؤلاء يندمون – والعياذ بالله -، و: يَقُولُ ۩ أحدهم يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ۩، تلك الحياة الباقية، وكل هذا ذهب وانتهى، لا يُوجَد! فهذا هو الْغَرُورُ ۩.

وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۩، هناك فرق بين الغُرور والغَرور، الغَرور بالفتح يا إخواني هو الشيطان، الغَار، الذي يغر عباد الله، هو الغَرور، هل هذا واضح؟ الغَرور! كما نقول سُحور وسَحور، وُضوء ووَضوء، طُهور وطَهور. الطَهور هو الماء الذي تتطهَّر به، السَحور هو الذي تتسحَّر به من طعام وشراب، هل هذا واضح؟ الوَضوء الماء الذي تتوضأ به، الطَهور ما تتطهَّر به، السَحور ما تتسحَّر به، هل هذا واضح؟ وكذلك الغَرور، الشيطان الذي يغر.

للأسف بعض المُفسِّرين أخطأ من ناحية صرفية (من ناحية صرفية محضة)، فاعتبر أن الغَرور هنا مصدر، قال هذا مصدر. وهذا غير صحيح، لأننا نقول غررته، هذا الثلاثي – أي غرَّ أو غرر وغررته – المُتعدي مصدره فعلٌ، الثلاثي المُتعدي مصدره فعلٌ وليس فعولاً، فعلٌ! عددته عداً، أكلته أكلاً، غررته غراً. مصدر غرر وغررته غراً وليس غَروراً، وليس غروراً! فالغَرور ليس مصدراً، إنما هو اسم الشيطان – لعنة الله تعالى عليه -، جيد! وهذا قريب من هذا.

كيف يغر الشيطان المُغترين به؟ كيف يغرهم؟ يُمنيهم بالأماني الباطلة، يقول لهم اعصوا، اتركوا الفرائض، احطبوا في حبل المعاصي، ولا عليكم، مغفرة الله كبيرة وواسعة، حتماً الله سيغفر لكم ويُدخِلكم الجنة، وأنتم طيبون، بيض القلوب، لعلكم تكونون أقرب عند الله حتى من بعض هؤلاء الصالحين الذين تسمعون عنهم. عجيب! بماذا؟ ولا صلاة، ولا صوم، ولا زكاة، ولا حج، ولا عمرة، ولا صدقة، وزنا، وشرب خمر، وكذب، وغيبة، ونميمة. وما شاء الله! بالضبط هذه خُطة إبليس، بالضبط! هذا الرجل أو هذا المرء سواء كان رجلاً أو امرأةً الذي يسير على هذه الخُطة، إنما يُطبِّق ماذا؟ بأمانة كاملة الخُطة الغَرورية، أي الإبليسية، خُطة إبليس في الغر، هكذا يغر إبليس.

فإياكم أن تطلبوا بهذا منازل الصالحين أو تطمعوا حتى في رحمة الله التي وسعت كل شيئ، وهي قريبة مِمَن؟ الله قال قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ۩، قال إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ۩، نقول هذا لأن بعض البشر أو لأن بعض الناس حتى أشكل، فقال يا أخي سُبحان الله، شيئ غريب، نحن بشر، ولسنا نتوفَّر من الرحمة على شيئ يُمكِن أن يُقاس برحمة الله، لا شيئ، صفر! رحمتنا التي نستشعرها والتي تجيش بها جوانحنا لا تُساوي شيئاً في رحمة الله، ومع ذلك لو كان الأمر إلينا لأدخلنا هذا الجنة وهذا الجنة، ولأدخلنا الجنة هذا الكافر أيضاً وهذا المُلحِد، سنُدخِل كل هؤلاء، رحمة يا أخي، رحمة! الشيطان يغرهم، ويُسوِّل لهم أنكم ربما تكونون بهذه الطريقة أرحم من رب العالمين. وغفل هؤلاء وربما غفل حتى شيطانهم – لعنة الله تعالى عليه – عن ماذا؟ عن حقيقة أبده من البداهة، وهي أن بعض العباد ليسوا محلاً أصلاً للرحمة، لا يقبلونها، بمعنى ماذا؟

بمعنى الآتي: الآن أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ۩، حين ينزل الحياة أو الغيث أو المطر من السماء، لو نزل على أرض صفوان، زلط، حجارة، هل تتشرَّب شيئاً منه؟ أبداً. يزل عنها الماء تماماً، ويُضرَب المثل بمثل هذه الحجارة، فيُقال تزل الموعظة – مثلاً – عن قلبه كما يزل الماء عن الحصى، عن الصفوان! لماذا؟ الصفوان أو الحجارة أو الزلط بطبيعتها غير قابلة لتشرب ماذا؟ الماء. هل هذا ذنب الماء؟ يُقال نعم، الماء بخيل. هل هذا ذنب الذي أنزل الماء – لا إله إلا هو -؟ أبداً. إنما ذنب مَن؟ ذنب هذا، غير القابل. وكذلكم الجحدة والكفرة وأهل جهنم وأهل غضب الله وسَخط الله أو سُخط الله – تبارك وتعالى -، ونعوذ بالله من كل مساخطه، ونتوسَّله لأحسن مراشدنا وأفضل مراضيه.

فهؤلاء ليس لديهم القابلية أصلاً لرحمة الله، لأن رحمة الله نازلة، وهم لا يُريدونها، لا يُريدونها! يأبونها، ولذلك لن يكونوا من أهلها، والعلة ليست من الرحمن الرحيم، بل من هذا الجاحد اللعين، من هذا الجاحد! فإياك أن يغرك الشيطان وأن يأتي ويُسوِّل لك، لأن بعض الناس طرح هذه الشُبهة، وكأن الواحد عند نفسه صار أرحم من رب العالمين، ما شاء الله! أي يُوزِّع رحمات، لا! لا يُوجَد مَن هو أرحم من رب العالمين، لكن هؤلاء ليسوا أهلاً للرحمة، لا يُريدونها – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

 

۞ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ۞

 

إِنَّ الشَّيْطَانَ ۩، انظر إلى هذا، إِنَّ ۩ مُباشَرةً، للتأكيد! هل يُمكِن أن يكون هذا من غير إِنَّ ۩؟ لا. لأن الموضوع يحتاج إلى تأكيد، مع أن عند المُؤمِن هو يقين، أي في ظن المُؤمِن وحُسبان المُؤمِن بلا شك أعدى عدونا أو أعدى أعدائنا الشيطان الرجيم. والله قال لا، أنت تعتقد أنها واضحة، هذه القضية على وضوحها في ذاتها ليست واضحة عند مُعظَم الخلق. ولذلك تحتاج إلى ماذا؟ إلى تأكيد. فبدأ بــ إِنَّ ۩، قال لك إِنَّ ۩. وحين تسمع إِنَّ ۩ تعلم أن القضية تحتاج إلى تأكيد، فيها شك. عجيب! هذه القضية فيها شك؟ فيها شك. وبصراحة حتى المُسلِمون عندهم هذا، مُعظَم المُسلِمين يعيشون في شك من هذه الحقيقة.

كان الفُضيل بن عياض – رضيَ الله عنه وأرضاه – يقول يا كذّاب، يا مُفترٍ، اتق الله، لا تسب الشيطان في العلن، وأنت صديقه في السر. كلام مُؤثِّر، أي والله، وينطبق على كثير من المُسلِمين. تقول لعنة الله على الشيطان. وأنت في السر أعمالك أعمال الشياطين، وأنت تعرفها، والله يعرفها، والملائكة الحفظة الكتبة تعرفها وتُسجِّلها، ولكنك تأتي فقط وتسب الشيطان! لو كنت فعلاً تسبه وتُعاديه، فلتُعاده في السر قبل أن تُعاديه في العلن، أليس كذلك؟ فالقضية هذه تحتاج إلى تأكيد بصراحة، فالله قال سوف نُؤكِّدها، إِنَّ ۩، وهذا أول درس تتعلَّمه في علم البلاغة، يُعلِّمونك التأكيد والمُؤكِّدات ومتى نُؤكِّد الكلام وفي أي حالة، هذه البلاغة!

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ۩، طبعاً! وكيف لا يكون الشيطان عدواً لنا وقد أخرج أبوينا من الجنة؟ أليس كذلك؟ وانتدب – أي نفسه – لمُعادتنا وإضلالنا وإزلالنا؟ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ۩ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ۩، لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ۩، انتدب نفسه لمُعادتنا وإضلالنا وإخسارنا – والعياذ بالله -، أعدى عدو! فكيف لا يكون عدونا؟ ولكن الله يقول تنبَّهوا، إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۩، كما يُعاديكم أنتم عادوه. لأن مُعظَم الناس مع علمهم بمُعادته لهم يُصادِقونه، فعلياً يُصادِقونه.

إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ۩، مَن هم حزبه؟ الذين يُطيعونه طبعاً. كل مَن أطاعه، هو من حزبه – والعياذ بالله -، لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ۩.

 

۞ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ۞

 

الَّذِينَ كَفَرُوا ۩، تم الكلام، وكأن الكلام هذا مُستأنف، الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۩، ولكن هذا الكلام مُعتلِق طبعاً بلا شك من حيث المعنى بالأول، أصحاب السعير مَن هم؟ هم الكفّار. أكيد! فيقول هؤلاء الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۩.

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ۩، الآية واضحة.

 

۞ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۞

 

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۩، فماذا إذن؟ محذوف، الجواب محذوف! وبعد ذلك يُوجَد ماذا؟ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۩، وأين الجواب؟ محذوف، ودل عليه المذكور. دل عليه المذكور!

عند الإمام الكسائي – رحمة الله تعالى عليه – الذي دل عليه هو قوله فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۩، أي أفمَن زُين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرات؟ الله يقول له لا ينبغي، لا تقتل نفسك من أجلهم. لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ۩، وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۩، وآيات النهي عن الحُزن الكثيرة.

وبعضهم قال بل الذي يدل على الجواب المحذوف قوله – تبارك وتعالى – فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء ۩، ويصير المعنى على هذا التقدير أفمَن زُين له سوء عمله فكان من الضالين، كمَن هداه الله – تبارك وتعالى -؟ وهذا قول حسن أيضاً.

إذن لدينا ماذا الآن؟ قولان في التفسير: قول الإمام الكسائي – أحد القرّاء السبعة، رحمة الله عليه، وهو عالم كبير في اللُغة والقراءات والتفسير -، وقول مُفسِّرين آخرين. والله أعلم!

أَفَمَن زُيِّنَ ۩، هذا التزيين مذكور في كتاب الله في آيات كثيرة، كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ۩، والأعمال عموماً مُزيَّنة، كل صاحب اعتقاد لا يعتقد اعتقاده في الجُملة وفي العموم إلا واعتقاده حسن جميل في نفسه، حتى الكفّار والملاحدة والثانوية والمُشرِكون وعبّاد البقر وعبّاد البشر وعبّاد الحجر، كل واحد منهم يرى أن اعتقاده أحسن اعتقاد، الحمد لله المُؤمِنون أيضاً يرون اعتقادهم أحسن اعتقاد، مُعتقَدهم أفضل مُعتقَد، وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ ۩، نحن أيضاً مُزيَّن لنا ديننا. ونسأل الله الزيادة من هذا التزيين، لكن لا سيان وشتان وفرق بين تزيين الشياطين (شياطين الإنس والجن) وتزيين النفوس الضالة – والعياذ بالله – بأميالها ورغائبها الإبليسية الجحدية سوء العمل وسوء المُعتقَد وبين تزيين الرحمن الرحيم، مصدر كل جمال وجلال وحق – لا إله إلا هو -، الحق والإيمان في نفوس المُؤمِنين – اللهم اجعلنا منهم -، فرق كبير جداً جداً جداً.

لكن أياً ما كان هذه الآيات تدل على قضية في مُنتهى الحسّاسية والخطورة، وهي أن البشر في جُملتهم وفي عمومهم يخضعون بل ويرزحون تحت وطأة التفضيلات النفسية الذوقية في قضايا الاعتقاد والانتحال. وهذا المعنى دائماً نلفت إليه، ليس فقط يخضعون لماذا؟ للحُجة والبُرهان ومُقتضى الأدلة. لا! أبداً، لقضايا ماذا؟ لقضايا التفضيلات الذوقية المِزاجية، أي هذا شيئ يُلائمني أكثر، هذا شيئ – مثلاً – يُحقِّق لي تماثلاً مع قبيلتي وعشيرتي وقومي وناسي أكثر، دين الآباء والأجداد والناس، هذا ما نُشّئت عليه، وهذا الذي ارتبطت به حتى عواطفي. وتعرف أنت أن الأديان فيها الجانب الطقوسي، لا يُوجَد شيئ اسمه دين هكذا – أي Religion بالإنجليزية وبالألمانية، مع اختلاف النُطق – بدون طقوس، لا يُوجَد دين إلا وفيه جانب طقوسي، وجانب شعائري، وجانب ابتهالي وإنشادي وموسيقي وكذا، وكل الأديان هكذا، كل الأديان! أليس كذلك؟ انظر إلى هذا، فهذا كله يُؤثِّر في ماذا؟ يُؤثِّر في الناحية السيكولوجية أو النفسية عند الإنسان.

ولذلك يا إخواني قد يقول لي أحدكم إذا كان كذلك، فالهداية مطلب جسيم، ومطلب عظيم. وفعلاً لا يستقل المرء بها إلا أن يستهدي مُعطيها – لا إله إلا هو -، ومن هنا نحن في كل صلاة نقول اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩، فلا تظن أن الهداية تُعَتبر شيئاً سهلاً، نحن نرى أنها سهلة لأننا ورثناها، وفقط! وما سألناها ولا اختبرناها، ورثناها، وهم ورثوها أيضاً، كل أهل دين ونِحلة ورثوا ما يدّعون أنه الأهدى والأرشد، وليس كذلك. لذلك المُؤمِن دائماً يستهدي مصدر الهداية – لا إله إلا هو -، رب العالمين، أن يهديه. فنسأل الله أن يهدينا إلى أحسن ما يُرضيه عنا، فلا نضل ولا يغضب، فلا نضل ولا يغضب، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۩ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ۩، اللهم آمين.

إذن فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۩، قال حَسَرَاتٍ ۩، فما إعراب حَسَرَاتٍ ۩ هنا؟ مفعول لأجله. مفعول لأجله! لأنك ستتساءل لماذا عمل هذا الفعل المنهي عنه، وهو إذهاب النفس؟ النبي يُمضي ويُذهِب نفسه، وعلى فكرة العامة إلى اليوم يقولون لك فلان (راح). (راح)، أي ذهب، انتهى. هذا هو! ولذلك قيل في التفسير فَلا تَذْهَبْ ۩، فلا تُمض نفسك، أي لا تجعل نفسك تذهب، (تروح)، أتقتل نفسك؟ قال له. وهذا التعبير فصيح على فكرة، والعامة تستمد منه، تقول لك (راح)، (راح) المسكين، (راح)، (راح). معناها ماذا؟ انتهى. الشيئ نفسه! فَلا تَذْهَبْ ۩، أي فلا تقتلن نفسك يا حبيبنا، يا خيرتنا، يا صفوتنا. فلا تقتلن نفسك، وهي في معنى – كما قلنا – فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ ۩، و: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ ۩، الشيئ نفسه!

فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۩، وقد يقول لك أحدهم لماذا ذهبت نفسه؟ ما الذي أذهبها؟ تقول له التحسر. إذن مفعول لأجله، هذا هو المفعول لأجله، ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ۩، مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۩، كلها مفعول لأجله، وهكذا! حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۩.

 

۞ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ۞

 

وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ ۩، لا إله إلا هو، انظر إلى هذا، وَاللَّهُ ۩، لم يقل وأرسل الله الرياح. قال وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ ۩. فما معناها إذن؟ يُوجَد فرق كبير بين وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ ۩ وبين أرسل الله الرياح. فرق كبير! حين نقول وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ ۩، يكون معناها الله وحده، لا شريك له في هذا. ويمتن على البشر بهذا، يمتن على الناس جميعاً، ويقول أنا وحدي الذي أفعل هذا، أنا وحدي القادر المُقتدِر على هذا.

الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ ۩، عجيب! أَرْسَلَ ۩… فَتُثِيرُ ۩، لماذا لم يقل أرسل فأثارت؟ أليس كذلك؟ من أجل التساوق في الإسناد يقول لك أرسل الرياح فأثارت. ولكنه قال لك لا، أَرْسَلَ ۩… فَتُثِيرُ ۩. وهذا الذي تقريباً نُنبِّه عليه في كل درس تفسير، مما يُسمى في علم البيان بتلوين الخطاب، ويُسمونه ماذا؟ الالتفات. يُسمونه الالتفات، وله مغازي جميلة جداً.

والآن سوف نرى هذا، العرب يعتمدون هذا التلوين وهذا الأسلوب حتى في الشعر الجاهلي من قديم، لأن هذا يُثير فيك شيئاً، الآن انظر إلى هذا، أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ ۩، لو قال لك أرسل الرياح فأثارت، لكان هذا أمراً عادياً، هذه قضية طبيعية وتحصل دائماً، ولكنه هنا قال لك أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ ۩، استحضر المظهر، استحضر ماذا؟ هذا المنظر. أمامك! كأنه يستحضره الآن، لأنه قال فَتُثِيرُ ۩، الحال! المُضارِع الآن، الحال! تُوجَد حالية الآن، فكأنك ترى الآن هذه أو هذا المشهد أمامك، فهذا أوقع، لماذا؟ لمعنى العظمة في النفس. أوه! تقول هذا شيئ عظيم، لا إله إلا الله.

تأبط شراً – وإن شاء الله أتذكَّر حتى أبياته، وهو عنده أبيات عجيبة – يقول:

بِأَنّي قَد لَقيتُ الغولَ تَهوي                            بِسَهبٍ كَالصَحيفَةِ صَحصَحانِ.

والسهب هو ماذا؟ المهمه أو الصحراء أو الفلاة. بعيدة ما بين الطرفين. قال فلاة كبيرة، ومُستوية مثل الصحيفة، مثل الكتاب. صَحصَحانِ! صَحصَحانِ، أي مُستوية!

وبعد ذلك ببيتين يقول:

فَأَضرِبُها بِلا دَهَشٍ فَخَرَّت                                   صَريعاً لِليَدَينِ وَلِلجِرانِ.

يقول فَأَضرِبُها. والمفروض أن يقول ماذا؟ فضربتها. أليس كذلك؟ ولكنها قال فَأَضرِبُها.

بِأَنّي قَد لَقيتُ الغولَ تَهوي                            بِسَهبٍ كَالصَحيفَةِ صَحصَحانِ.

وبعد ذلك ببيتين يقول:

فَأَضرِبُها بِلا دَهَشٍ فَخَرَّت                                   صَريعاً لِليَدَينِ وَلِلجِرانِ.

والجِران هو المنحر تقريباً. منحر الجمل يُسمى ماذا؟ الجِران. أليس كذلك؟ ويقولون لك جِرانه.

فَأَضرِبُها بِلا دَهَشٍ. فَأَضرِبُها؟ عجيب! الآن يتحدَّث عن ماذا؟ عن شيئ مُضارِع. مع أنه وقع، ولكنه يتحدَّث بصيغة ماذا؟ ما يقع. الآن – قال لك – فَأَضرِبُها. عجيب! هو يجعلك تُحاوِل أن تتصوَّر كيف استل هو الآن سيفه وبدأ يُنازِل الغول. أي الجن طبعاً، يقول لك تغولت الغيلان. والغيلان ما هي إذن؟ الجن. وهناك أحاديث عن الغيلان وتغول الغيلان وأشياء كثيرة عنها، وهي الجن، كانت تظهر أحياناً، تنفرد ببعض الناس إذا كانوا وحدهم في صحراء، ولذلك النبي نهى أن يُسافِر الرجل وحده، ليس جيداً هذا، لا تُسافِر وحدك، لأن من المُمكِن أن ينفردوا بك، فهو تحدَّث عن هذا، وقال ذات مرة خرجت لي الغولة. وقال أنا ضربتها، لم أخف ولم أتردد.

فَأَضرِبُها بِلا دَهَشٍ فَخَرَّت                                   صَريعاً لِليَدَينِ وَلِلجِرانِ.

فَأَضرِبُها! بدل أن يقول ماذا؟ فضربتها. أرأيت؟ هؤلاء هم العرب، وهذا هو أسلوب اللُغة العربية. نعم!

فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ ۩، قال مَّيِّتٍ ۩، تخيَّل! هذا البلد سيموت أو هو مَيِّت؟ هو مَيِّت. ولذلك مذهب حذّاق النحويين وتقريباً هو مذهب كل البصريين – أي لُغويي البصرة – أنه لا فرق بين مَيِّت ومَيْت. لأن بعض الناس فرَّق، وقال لك لا، المَيْت هو المَيْت حقيقةَ، أي من ماتَ، والمَيِّت مَن سيموت. غير صحيح! هذه الآية ولها نظائر في كتاب الله تُؤكِّد أن هذا غير صحيح، فها هو الله يقول لك فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ ۩، وليس إلى بلد سيموت، مَّيِّتٍ ۩، هو مَيِّت، ليس فيه حياة. وسيُحييه الله، سيُنشِره! فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ۩، استخدم مرة مَيْت ومرة مَيِّت. ولذلك قالوا – أي الحذّاق الذين ذكرت – لا يُوجَد فرق بين مَيْت ومَيِّت، بين سَيْد وسَيِّد. فلان سَيْد قومه، سَيْد قومه وسَيِّد قومه. قالوا لك هذا الشيئ نفسه. هل هذا واضح؟ هَيْنون ولَيْنون، هَيِّنون ولَيِّنون، الشيئ نفسه! كُن هَيْناً لَيْناً، كُن هَيّناً لَيّناً. قالوا لك هذا الشيئ نفسه. وهذا مذهب البصريين وحذّاق النُحاة، لا يُوجَد فرق بين مَيْت ومَيِّت كما ادّعى بعضهم، والآية تشهد فعلاً لهذا المذهب.

فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩، الله أكبر! وهذه القصة، هذا الشاهد، لماذا الموضوع هذا كله؟ لكي يقول كَــ ۩… كلها من أجل الكاف هذه، أي كاف التشبيه، حرف الجر هذا، كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩، وسوف نرى هذا.

الإمام أحمد – رحمة الله تعالى عليه – يروي الآتي في مُسنَده عن صاحب رسول الله أبي رُزين العُقيلي. أبو رُزين العُقيلي – رضيَ الله عنه وأرضاه – يقول يا رسول الله كيف يُحيي الله الناس يوم القيامة؟ الله يُخبِر في القرآن بأنه يُحييهم وينشرهم، فكيف يُحييهم؟ هو يُؤمِن، مثل إبراهيم، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۩، هو يُؤمِن بأن الله يُحيي الناس ويبعثهم، ولكنه يُريد أن يعرف ماذا؟ الكيفية. كيف يتم هذا الأمر؟ وما آية ذلك في خلقه؟ انظر إلى السؤال الذكي، من كلمتين! الله يفعل هذا في الآخرة، لكن هل له آية الآن في المحسوس؟ هذه يُسمونها آية من الشاهد، آية من الشاهد! من الأشياء الموجودة المُشاهَدة، هل هناك آية تدل على هذا؟ وانظر إلى رسول الله الآن، الفقيه القرآني، عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ۩، لأن القرآن نزل على قلبه، أحسن مَن فهم القرآن وفقه القرآن أكيد هو رسول رب العالمين، وحياته كلها قرآنية، وكل فهومه قرآنية. الإمام الشافعي كان يدّعي أنه لا يُوجَد شيئ فهمه الرسول، فعله، أو قاله، إلا وله أصل في كتاب الله، أي النبي أخذه من القرآن الكريم، كل شيئ، كل شيئ! وهذا شيئ غريب، وهذا علم المفروض أن يُبعَج – والله العظيم – ويُبسَط وتتوافر عليه الهمم الشريفة العالية، وسوف نرى، فهذه المُوافَقات كثيرة جداً جداً.

على كل حال فقال له – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – يا أبا رُزين أما مررت مرةً بوادي قومك مُمحِلاً، ثم مررت به يهتز خضراً؟ قال له بلى يا رسول الله. قال له فكذلك الله يُحيي الموتى، وهذه آياته في خلقه. قال له أنت لم تُلاحِظ هذا؟ هناك الوادي الخاص بقبيلتك أو الخاص بقومك، الوادي قد يكون ميتاً، ليس فيه أي حشيش وليس فيه أي خضار وليس فيه أي شيئ، أرض مُشقَّقة، أرض مُشقَّقة! أي موات، فإذا أحياها الله بالماء، نبت فيها ماذا؟ الكلأ، والعُشب الكثير، والنبت، وربما أنواع الشجر. فتُصبِح بُستاناً، تُصبِح بُستاناً، حديقةً غناء. لا إله إلا الله! قال له كذلك يُحيي الله الموتى، وهذه آيته في خلقه. وفعلاً – سُبحان الله – هذا هو، فعلاً هذا الشيئ نفسه.

فلذلك قال ماذا؟ كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩. أولاً ما هو النُّشُورُ ۩؟ نشر الله المَيْت أو نشر الله المَيِّت أو الموتى، أي أحياهم من موت، كانوا موتى، فأحياهم من موت، نشرهم! إذن الفعل ماذا؟ مُتعدٍ. فاعل ومفعول به، نشر الله الموتى، نشر الله المَيِّت نشوراً. وأنشر الله، فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ۩، الله قال فَأَنْشَرْنَا ۩. يُوجَد نشر ويُوجَد أنشر، أنشر الله الموتى إنشاراً، بالمعنى نفسه، أي أحياهم. إذن نشره ينشره نشوراً، وأنشره يُنشِره إنشاراً، بمعنى واحد! ولكن يُوجَد لدينا في العربية ونشر المَيِّت، هذا لازم، نشر المَيِّت، إذا حييَ. واحد ميت ثم حييَ، فنقول ماذا؟ نشر الميت. هل هناك ميت يحيا؟ شيئ غريب! قال الأعشى حتى يقول الناس مما رأوا يا عجباً للميت الناشر! الناس تعجب وتقول هذا، وطبعاً هذا بيت، وقبله هناك آيات، عن كيف لو ضمته إلى صدرها؟ ولكن نُنزِّه بيت الله عن هذا، ولا نذكره، كيف لو ضمته؟ فيحيا الميت، لو كان ميتاً، سيحيا! حتى يقول الناس مما رأوا – أي تعجباً ودهشةً – يا عجباً للميت الناشر! فما معنى ناشر هذه؟ ومن أين جاءت؟ هذه جاءت من الفعل الثلاثي اللازم، غير المُتعدي، نشر الميت إذا حييَ من موت. ونشر الله الميت، هذا مُتعدٍ، هذا موجود وهذا موجود، هل هذا واضح؟ والمصدر النشور. إذن النُّشُورُ ۩ هو إحياء الموتى بكلمة واحدة، هذا النُّشُورُ ۩.

إذن ما قضية كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩؟ قلنا الكاف هذه كاف التشبيه. وهذا مُهِم لكي نفهم معناها كلما رأيناها في كتاب الله، حين نرى مثل هذه الكلمة – أي كَذَلِكَ ۩ -، نفهم معناها، أي لكي نفهم ما القضية، كأن الله يعمل لنا استنباطاً واستنتاجاً منطقياً، يأتي بمُقدِّمات، وبعد ذلك يستنبط نتيجة ويستخرج نتيجة، بقوله كَذَلِكَ ۩، هذا لكي نفهم.

الكاف هذه كاف التشبيه، أليس كذلك؟ مبنية على الفتح، ولا محل لها من الإعراب. ذا اسم إشارة، ذا! ذا اسم إشارة، وفي بعض المرات نضع ها التنبيه، فتصير هذا، وهي في الأصل ذا. ذا الرجل، أي هذا الرجل. الشيئ نفسه! هذه للتنبيه فقط، هذا الرجل، أو ذا الرجل، أو ذا الرجل! ذي المرأة، هذه المرأة. الشيئ نفسه! ذا، كَذَلِــ ۩… اللام لام البُعد، هذه لام ماذا؟ البُعد. إذن ذا اسم إشارة، إذن ذا اسم إشارة واللام للُبعد – اللام للُبعد وليست للُقرب -، وماذا عن الكاف؟ للخطاب. الكاف للخطاب، فإذا خاطب واحداً، فإنه يقول له ماذا؟ كَذَلِكَ ۩. إذن الكاف هذه ليس لها علاقة بالمُشار إليه، المُشار إليه هو ماذا الآن؟ الإحياء. أُشير إليه باسم الإشارة، بذا وليس بالكاف، والكاف للمُخاطب، إذا المُخاطب كان مُذكَّراً، فإننا نقول له كَذَلِكَ ۩. إذا كان واحدة، فإننا نقول لها كَذَٰلِكِ ۩، قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۩. إذن فهمنا، فماذا لو كانا اثنين؟ ذَلِكُمَا ۩. يوسف قال لصاحبي السجن ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۩، لابد وأن تصير ماذا؟ ذَلِكُمَا ۩. هذان اثنان! إذن هذا هو، فماذا لو كانوا جماعة ذكور؟ ذَٰلِكُمْ ۩. ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ۩ في الأنفال، ذَٰلِكُمْ ۩، الله يُخاطِب ماذا؟ جماعة الآن. يُخاطِب جماعة ذكور، جماعة رجال! فماذا لو كانت هناك جماعة نساء؟ تصير ماذا؟ ذلكن. قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۩. أرأيت القرآن؟ جميل.

وهذا كله يتعلَّق بالمُخاطب، لكن في كل هذه الحالات المُشار إليه هو واحد، ما أُشير إليه باسم الإشارة ذا، فقط! ما الذي أُشير إليه هنا؟ هذا فقط لكي تفهم، أرأيت؟ قد يقول لي أحدهم يا الله! معنى هذا أن كلمة كَذَلِكَ ۩ هذه أربعة ألفاظ؟ هذه أربعة ألفاظ، حين تُمسِكها أنت هكذا تجد هذا، كَذَلِكَ ۩ هذه أربعة ألفاظ: كاف التشبيه + اسم الإشارة + لام البُعد + كاف الخطاب. أرأيت؟ بلوك Block – أي كتلة – هكذا واحد، هو كله هكذا ولكنه أربعة ألفاظ، في لفظة واحدة، كلمة واحدة! كَذَلِكَ ۩.

الله يقول لك مثل هذا الإحياء – أي إحياء؟ إحياء الأرض الموات بالمطر، بعد أن ينزل عليها – يكون إحياء البشر يوم القيامة للحساب. وهذا المُعبَّر عنه بقوله النُّشُورُ ۩، كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩، إذن فهمنا ما معنى كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩، مثل إحياء الأرض بالمطر يكون إنشار العباد أو نشور العباد يوم القيامة للحساب. وعلى ذلك فقِس، أينما أتت أمامك كلمة كذلكَ أو كذلكِ أو ذلكم أو ذلكما أو ذلكن، فهمت ما القصة التي تُوجَد هنا، فهذه ليست فقط كلمة نقولها هكذا ونحن لا نفهمها. كَذَلِكَ النُّشُورُ ۩.

 

۞ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ۞

 

مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۩، العزة هي المنعة، وبالأمس ذكرنا في درس التفسير أيضاً أنها من أرض عزاز. يُقال أرض عزاز. أي الصُلبة القوية، فالعزة هي ماذا؟ المنعة. لأن القوي حمي، طبعاً القوي حمي والضعيف ليس حمياً، القوي يحمي نفسه ويحمي ثماره ويحمي عشيرته بقوته، أليس كذلك؟ الضعيف لا يستطيع، لذلك العزة هي المنعة، المُستنِدة إلى ماذا؟ إلى قوة، إلى صلابة. هذه هي العزة.

مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ ۩، يقول تعالى فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۩، منصوبة على الحال، جَمِيعًا ۩ هذه منصوبة على ماذا؟ على الحالية، فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۩، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – مَن أراد عز الدنيا والآخرة، فليُطِع العزيز. يا الله! صدقت يا رسول الله، الله أكبر. قد يقول لك أحدهم لا، أنا أُلاحِظ من نفسي أنني ذليل، الحالية والعاطلة تتجرأ علىّ، هذا يهضمني، وهذا يهضمني، وهذا يكسرني، والكل يفعل هذا معي. ذليل! يشعر من نفسه أنه ذليل. ونقول له هذا – والعياذ بالله – ذل المعصية، أطع الله – عز وجل -، (امش تحت ربك عدل) كما يُقال، كما يُريد الله، تعتز – بإذن الله تعالى -، فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۩.

والناس تطلب العزة على فكرة، البشر من ضمن الأشياء التي يطلبونها العزة، لا يطلبون فقط المال وكذا، ويطلبون العزة طبعاً، ولذلك يُحاوِل كل واحد أن يكون له علاقة بواحد مُتنفِّذ، أليس كذلك؟ وكلما كان هذا المُتنفِّذ كبيراً وخطيراً، كلما كان هذا فرحاً به في نفسه، يقول أنا السوّاق الخاص بالوزير. هو فرحان لأنه السوّاق، أو يقول أنا صاحب السوّاق الخاص بالوزير، أنا صديق السوّاق الخاص بالوزير. أو يقول أنا صديق صديقه. لأنه الوزير، وهو خطير، وزير الداخلية هذا، وقد يضع أحدهم في السجن.

ولذلك الكفّار كانوا – والعياذ بالله – يعتزون بماذا؟ بالشياطين. وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ۩ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ۩، أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ۩، والمُنافِقون في أمة محمد كانوا يعتزون بماذا؟ كانوا يعتزون ويطلبون العزة عند الكافرين. يذهبون إلى الكفّار وكذا، لكي يعتزوا بهم، فالله قال أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۩ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ۩ فهذا هو!

المُؤمِن يطلب العزة أيضاً، ولكن يطلبها من العزيز، لا إله إلا الله! ورأينا طبعاً نحن – لن نقول هذا، ولن نشمت في الناس – أن أحدهم يكون اليوم رئيساً، وغداً يكون في السجن، ضاع! اليوم يا سيدي هو رئيس، ولن يكون غداً في السجن، ولكنه غداً سوف يكون في القبر، أليس كذلك؟ وطبعاً حين يكون أحدهم رئيساً ثم يصير في السجن أو يصير في القبر، في تسعة وتسعين في المائة من الحالات تقريباً كل الذين كانوا يعتزون به يأخذون على رأسهم، يذهبون إلى السجون، أو حتى إلى المقابر، يقصون رؤوسهم، أليس كذلك؟ وكان بالأمس فقط الواحد منهم ينفش ريشه، لأنه صديق العزيز هذا، صديق الرئيس وكذا. والرئيس اليوم في السجن أو مات، أكلت هواء أنت من بعده.

لكن وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ۩، الله قال أنا حي، ولا أموت. أنت تموت وكل شيئ يموت، ويبقى هو وتبقى عزته وقوته وسُلطانه، لا إله إلا هو! ففعلاً مَن أراد عز الدنيا والآخرة – النبي يقول هذا -، فليُطِع العزيز.

اجْعَل لِرَبِّكَ كُلَّ عِزِّكَ يَسْتَقِرُّ وَيَثْبُتُ                 فَإِذَا اعْتَزَزْتَ بِمَنْ يَمُوتُ فَإِنَّ عِزَّكَ مَيِّتُ.

فَإِنَّ عِزَّكَ مَيِّتُ! أكيد سوف يموت في يوم من الأيام، ومن ثم سوف يصير هذا البعيد ذليلاً، فدائماً العزة تكون بالله – عز وجل -، وطبعاً ما طريق العزة بالله؟ أي ما هو؟ النبي قال الطاعة. لا يُمكِن أن تقول الله ربي. فقط، جيد! هذا حلو، وهو بداية الطريق، ولكنه لا يكفي، لا يكفي أن تقول الله ربي، ثم تعصيه. يغضب عليك، يخذلك، يتركك إلى نفسك، يُهينك. بماذا؟ بما أهنت به نفسك من المعاصي.

الحسن البِصري – تعرفونه، هذا الإمام الجليل، والتابعي العظيم – رأى ذات مرة رجلاً أميراً، كان من أمراء بني أُمية، وكان هناك الخدم والحشم، وكانوا يركبون على البراذين وعلى الأفراس وكذا، وكان يتحرَّك بكبر، وكان ينفخ نفسه. فالحسن احتقره، واحتقر هذه الأشكال، وقال والله وإن هملجت البراذين، وطقطقت بهم المراكب، أبى الله إلا أن يجعل الذل في قلوبهم. وسُبحان الله نحن لا نعرف مَن هذا الأمير ولا نعرف اسمه، (راح)! وبقيت كلمة الحسن البِصري، نتداولها قرناً بعد قرن إلى اليوم، تخيَّل! مر أربعة عشر قرناً، ونقول قال أبو سعيد – رضيَ الله عنه وأرضاه – كذا وكذا.

يقول والله وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم المراكب، أبى الله إلا أن يجعل الذل في قلوبهم. والبرذون هذا أنت تعرفه، هو دابة مثل البغل، ولكن هذه الدابة ليست البغل الذي نعرفه، وهي على فكرة البغل التركي، البغل التركي! وهذه دابة فارهة، دابة فارهة يركبها دائماً الملوك والسلاطين والأمراء الكبار والأغنياء، هم مَن يركبونها، وحين تمشي تُهملج دائماً بمَن يركبها وكذا، عمر ركبها مرة واحدة، فقال أنزلوني، إنما أركبتموني على شيطان. أي هي تجعلك ترى نفسك شيئاً كبيراً، كأنها مرسيدس Mercedes 2019، فقال لا، لا.

فهؤلاء كانوا يركبون براذين، وكان هناك الخدم وكذا، وأشياء كثيرة، قصة! فقال والله وإن هملجت البراذين، وطقطقت بهم المراكب، أبى الله إلا أن يجعل الذل في قلوبهم. هم في داخلهم أذلاء وحقراء وصغار! فلماذا إذن يا حسن؟ كيف عرفت؟ قال أبى الله إلا أن يُذِل مَن عصاه. أوه! وعلى فكرة أنت ترى في المُقابِل أحد الصالحين، ويكون شيخاً كبيراً واهناً ضعيفاً، ضعيفاً فعلاً، وعنده هيبة، يحسب لها الملوك ألف حساب. ولذلك قال لك مَن خاف الله، خافه كل شيئ. حديث هذا عن عمر وعن عبد الله بن عمر! ومَن لم يخف الله، خوَّفه الله من كل شيئ.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل خشيته ومحبته ومُراقَبته، ويُيسِّر لنا طاعته في كل أحوالنا، وأن يرزقنا في ذلك الإخلاص والصدق.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. سُبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والحمد لله رب العالمين.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: