برنامج آفاق

البدعة

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

إخواني وأخواتي:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، سُنة، بدعة، بدعة، سُنة، ويختلفون، ولا يزالون مُختلِفين، موضوع البدعة – أحبتي في الله – من الموضوعات التي ثارت ولا تزال تثور حولها عجاجة كبيرة، فبعض الناس يتنطَّع أو يتشدَّد جداً في تبديع أشياء كثيرة، مما صار مألوفاً أو مُعتاداً بين المُسلِمين، يجرون عليه، وربما أثروه عن آبائهم وأجدادهم، يصفه بأنه بدعة ويُثرِّب ويُشدِّد النكير على مَن يتعاطاه، لأن كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

في الحقيقة أُحاوِل في هذه الحلقة بمعونة الله – تبارك وتعالى – وتوفيقه أن أُقرِّب هذا الموضوع، وأن نقف بكم على معالمه، من غير طبعاً الغوص في أعماقه البعيدة، التي تحتاج إلى وقت أطول، وإلى جهد أكبر.

فلنبدأ بالبدعة لُغةً، أي من حيث الوضع اللُغوي، من حيث الوضع اللُغوي ما هي البدعة؟ حين نقول بدعة علينا أن نعلم أن البدعة لُغةً هي شيئ أُنشئ أولاً، أي على غير مثال سابق، من غير احتذاء مثال سابق، لأول مرة! فيُقال هذا ابتدع الشيئ الفلاني، وهذا إبداع، حتى كلمة إبداع تُشير إلى شيئ لم يُسبَق إليه، ومنه قول الحق – جل مجده – بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۩، أي الذي أنشأهما وأوجدهما على غير مثال سابق، طبعاً ليس هناك إله إلا الله، وهذه السماوات والأرضون خلقهما الله – تبارك وتعالى – وكوَّنهما لأول مرة على غير مثال سابق، فهي غير مسبوقة بسماوات وأرضين أُخرى.

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ۩ في سورة الأحقاف، النبي – عليه السلام – يقول أو بالأحرى الله يحكي قوله، قُلْ ۩، يأمره بالقول، قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ۩، أي لم أكن أول رسول يُرسَل، لست بأول رسول يُرسَل، وهذا معنى البدع من الرُسل، أي هو أول رسول، لكن لا، هو ليس أول رسول، بل قد أُرسِل من قبله رُسل كثيرون.

هذه هي البدعة في اللُغة – إخواني وأخواتي -، أما البدعة في الاصطلاح الشرعي (بماذا يُعرِّفها العلماء؟ بماذا يُعرِّفها السادة العلماء والفقهاء؟) فهذا موضوع خلافي، لهم طرائق مُختلِفة وتعريفات مُتباينة ومُتغيِّرة، فمنهم مَن عرَّفها على النحو الآتي، كالإمام العز بن عبد السلام – سُلطان العلماء وإمام الشافعية في وقته، رحمة الله تعالى عليه – في كتابه العظيم قواعد الأحكام في مصالح الأنام عرَّف البدعة بأنها ما أُحدِث مما لم يكن معهوداً – أي معروفاً – في عهده – عليه الصلاة وأفضل السلام -، إذن فعل ما لم يُعهَد في عصر النبي يُعتبَر بدعة عند الإمام العز بن عبد السلام.

لكنه – رحمة الله تعالى عليه – ذهب بعد هذا التعريف مذهباً يجمل بنا أن نقف عليه، وأن نلتفت إليه، وهو تقسيم البدعة، العز بن عبد السلام يرى أن البدعة هي ما فُعِل مما لم يُعهَد في عصر النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فمثلاً جمع القرآن في مُصحَف واحد بدعة، لم تحدث في عهد النبي، هذه بدعة، جمع الناس على إمام واحد في صلاة قيام الليل من رمضان المعروفة بالتراويح بدعة، لم تُعهَد في عهد النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، التأليف في علم أصول الحديث وأصول العقيدة والكلام في علم العقيدة على طريقة المُتكلِّمين التي تعتمد إلى حد ما – خاصة في البدايات والمُقدِّمات والبرهنة – على مسائل عقلية ومنطقية بدعة، التأليف والتصنيف والكلام في علم أصول الفقه بالطريقة التي يعرفها العلماء بدعة، والبدع كثيرة! كزخرفة المساجد، تزيين المساجد، وضع المحاريب، أي وضع هذه المحاريب في المساجد، كل هذه بدع، لم تُفعَل ولم تُعهَد ولم تُعرَف في عهده – عليه الصلاة وأفضل السلام -، المُصافَحة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر – بعض الناس يُصافِح إخاه المُسلِم طبعاً والمُصلي إلى جواره بعد كل صلاة، يمد يده ويقول تقبَّل الله ليُصافِح – بدعة، لم تُعهَد أمام النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

البدع كثيرة جداً، بالألوف! فالعز بن عبد السلام يقول هذه البدع – وهو يُسميها بدعاً، يُوافِق على أنها بدع – تنقسم إلى الأقسام الخمسة، يُريد أقسام الحُكم التكليفي، والحُكم التكليفي – أحبتي في الله – كما تعلمون ينقسم إلى أقسام خمسة: هناك المُحرَّم، ويُقابِله الواجب أو المفروض، وهناك المندوب، ويُقابِله المكروه، ثم بعد ذلك الخامس وهو المُباح، خمسة أقسام! العز بن عبد السلام يرى أن البدعة تنقسم انقساماً خماسياً، فهناك بدعة مفروضة، عجيب! وهناك بدعة تُقابِلها مُحرَّمة، وهناك بدعة مُستحَبة أو مندوبة، وهناك بدعة مكروهة، وهناك بدعة مُباحة، هذه طريقة العز، وسنعود إليها بُعيد قليل.

الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني – صاحب فتح الباري، رحمة الله تعالى عليها – عرَّفها في الفتح بأنها ما فُعِل مما ليس له أصل في الشرع، هذا أكثر تخصيصاً، أكثر دقةً، لم يقل ما فُعِل مما لا يُعهَد في عهد النبي السعيد – عليه السلام -، وإنما قال ما فُعِل مما ليس له أصل في الشرع، أي يدل عليه، بطريق دلالة شرعية، من تلك التي يتحدَّث عنها علماء أصول الفقه، وهذه أشياء فنية، فاعذروني، ولن نخوض فيها.

وهذا التعريف سُبِق إليه الإمام ابن حجر، سَبَقه الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه جامع العلوم والحكم، الذي شرح فيه الأربعين النووية، لكن ربما يظل ويبقى أكثر مَن تكلَّم بإسهاب في موضوع البدع وبتدقيق يُشكَر ويُقدَر هو الإمام أبو إسحاق الشاطبي صاحب المُوافِقات في كتابه الاعتصام، والاعتصام في مُجلَّدين، كتاب يتحدَّث في فقه البدع وتأصيل فقه البدع.

وأبو إسحاق الشاطبي – رحمة الله تعالى عليه – عرَّف البدعة بتعريفين، وأحدهما أضيق من الآخر، في التعريف الأول قال البدعة طريقة في الشرع مُخترَعة، وطبعاً الابتداع هو اختراع كما قلنا لكم، الابتداع هكذا! كل ابتداع من حيث الوضع اللُغوي هو اختراع، هذا هو الابتداع، طريقة في الشرع مُخترَعة، يُقصَد بالسلوك عليها – أي يُقصَد بتعاطيها – مزيد التعبد لله – تبارك وتعالى -، إذن هو لاحظ الجانب ماذا؟ التعبدي، الجانب التعبدي! هذا تعريف ضيق، وهناك تعريف أوسع منه، قال البدعة طريقة في الشرع مُخترَعة، يُقصَد بالسلوك عليها ما يُقصَد بالطريقة الشرعية، وهذا تعريف أوسع بلا شك، على كل حال هما تعريفان، وتتعدَّد التعريفات.

الآن الذين توسَّعوا في معنى البدعة وجعلوها كالتعريف الثاني لأبي إسحاق الشاطبي لهم أدلة، احتجوا بأدلة من سُنة النبي بالذات – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ومن الآثار عن أصحابه الكرام – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم -، فمثلاً احتجوا بالآتي، لأنه بلا شك سيُقال لهم من أين لكم أن البدعة منها المذموم ومنها المحبوب أو المُستحَب المشكور؟ كل بدعة تُذَم! الذين ضيَّقوا قالوا كل بدعة مذمومة، والنبي قال هذا، قال كل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، في حديث خُطبة الحاجة، من حديث جابر في صحيح مُسلِم، فمن أين لكم أن البدعة تنقسم انقساماً خماسياً أو انقساماً ثنائياً عاماً – بدعة مُستقبَحة وبدعة مُستحسَنة كما ذهب إلى ذلك العلّامة أبو شامة الدمشقي، في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث -؟ قالوا لنا أدلة، لنا أدلة ولنا فيها وجوه من النظر، فمثلاً استدلوا بقول النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن سن سُنة حسنة وفي رواية مَن سن في الإسلام سُنة حسنة كان له أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئ، ونقص هنا فعل لازم طبعاً، وفي المُقابِل مَن سن سُنة أو مَن سن في الإسلام سُنة سيئة كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئ.

قالوا هذا الحديث حُجة لنا، أين وجه الاحتجاج به؟ كيف فهمتم من هذا الحديث أن من البدع بدع مُستحسَنة؟ قالوا لأن النبي قال مَن سن في الإسلام سُنة حسنة، إذن يجوز للمُسلِم أن يسن في الإسلام سُنة حسنة، هذه هي البدعة الحسنة، طبعاً الآخرون أجابوا عن هذا، وسوف نرى بماذا أجابوا، ثم بعد ذلك الحُكم لكم، لأنها قضية خلافية، هذه قضية خلافية، ليست من القضايا القطعية.

أيضاً قول النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجز، فجعل للخلفاء الراشدين – رضوان الله تعالى عليهم – سُنناً، بإزاء سُنته، إذن يجوز للخلفاء الراشدين – قالوا بظاهر الحديث يجوز للخلفاء الراشدين هذا – أن يسنوا سُنناً، وهذه مُحدَثات، لأنهم اخترعوها، أشياء اخترعوها – أيها الإخوة والأخوات -، وهي بإزاء سُنة النبي، النبي له سُنة ونحن مأمورون باتباعها، والخلفاء ستكون لهم سُنن – أي الراشدون طبعاً – وأيضاً نحن مدعوون إلى اتباعها، وهذه السُنن هي أشياء مُحدَثة، لكنها مُستحَبة مُستملَحة مشكورة، قالوا هذا دليل لنا.

قول النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، وهذا في رأيي أضعف في الدلالة، أضعف في الدلالة! لماذا؟ لأنه قد يُقال النبي أمرنا أن نقتدي بهما وهما مأموران بأن يقدتيا به وألا يُحدِثا في الإسلام حدثاً وألا يبتدعا بدعةً ولا يُسنا سُنةً، لكن حديث سُنة الراشدين أوضح في الدلالة، حديث مَن سن في الإسلام سُنة حسنة أوضح في الدلالة، من حديث اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر – رضيَ الله تعالى عنهما -.

ونعود إلى العز بن عبد السلام الذي قسَّم البدعة – أحبتي في الله – أقساماً خمسةً، قال الآتي، كيف نعرف إذن؟ كيف نعرف أن هذه البدعة بدعة مُحرَّمة أو بدعة واجبة أو بدعة مُستحَبة أو بدعة مُكروَهة أو بدعة مُباحة؟ قال يُعرَف هذا ويُميَّز بعرضها – بعرض هذه البدعة موضع النزاع وموضع النظر – على قواعد الشرع، يُمكِن أن تدخل في قواعد التحريم فتكون مُحرَّمة، أو قواعد الإيجاب فتكون واجبة، وهلم جرا.

إذن من البدع يا إخواني ما يدخل في قواعد الإيجاب كما يقول العز بن عبد السلام، وتكون بدعة واجبة، عجيب! بدعة وواجبة؟ بدعة واجبة، أي لو تركناها نأثم، ومثَّل لها العز بن عبد السلام بالكلام في والتصنيف والتأليف في علم النحو وعلم أصول الفقه، وعلوم أُخرى كثيرة طبعاً، لماذا إذن علم النحو واجب؟ طبعاً لأنه لا يُمكِن أن يُفهَم الكتاب والسُنة – كلام الشارع الحكيم سُبحانه وتعالى، وكلام المُصطفى عليه الصلاة وأفضل السلام – إلا بهذا العلم، أي علم النحو، وطبعاً في زمان الرسول وزمان الصحابة وفي صدر الإسلام وقبل أن تدخل اللُكنة والرطانة في لسان العرب كان العرب لا يحتاجون إلى علم النحو والصرف، يتكلَّمون بالسليقة، فلا يُخطئون، ولا يلحنون.

وَلَسْتُ بِنَحْوِيّ يَلُوْكُ لِسَانُهُ                                  وَلَكِنْ سَلِيْقِيٌّ أَقُوْلُ فَأُعْرِبُ.

بالسليقة، أي Competence كما يُقال في اللُغات الأجنبية، لكن بعد ذلك للأسف دخلت العُجمة في لسان العرب، ودخلت الأخطاء ووجوه اللحن المُختلِفة، ولم يعودوا حتى يقتدرون على أن يفهموا كلام الله وكلام رسوله على وجهه، تطرَّق إليهم الغلط من وجوه كثيرة، فمست الحاجة إلى تقعيد القواعد، أي قواعد علم النحو والصرف، والتأليف في هذه العلوم وتدريسها، العز يقول هذا من العلوم الواجبة، التصنيف فيها واجب، وطبعاً على الكفاية وليس على الأعيان، أي إن قام به بعض المُسلِمين سقط الإثم عن الباقين، وكذلك في علم العقيدة، كذلك في علم أصول الحديث، كذلك في علم أصول الفقه، وهلم جر! قال هذه بدع، أشياء مُبتدَعة، أي النبي لم يتكلَّم في النحو ولا الصحابة، ولا في أصول الفقه ولا في كذا، وهذا صحيح، ولم يتكلَّم في علم الحديث أو علم أصول الحديث دراية أو علم الحديث دراية، أن هذا حديث صحيح، وهذا حديث حسن، وصحيح لذاته، وصحيح لغيره، وهذان مقبولان، وحديث مردود، وحديث ضعيف، وأقسام الضعيف كثيرة جداً، وهكذا! كل هذه اصطلاحات حادثة في المِلة، مست الحاجة إليها لوضع قواعد، لوضع قواعد يُعرَف بها المقبول من المردود من حدث المُصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً -، قالوا فهذه بدع، لكنها بدع واجبة.

إذن البدع يا إخواني منها ما قد يكون أقل من الواجب، قد تكون بدعاً مُستحَبة، بدع مندوبة، مثل بناء المدارس لتعليم العلوم الشرعية، الناس يُمكِن أن تتعلَّم في الشارع، أن تتعلَّم في البيوت، وأن تتعلَّم في المساجد، لكن بناء مدارس خاصة وبعد ذلك جامعات كالمُستنصرية وغيرها هذا من البدع أيضاً في الدين، لكن مُستحَبة، من البدع المُستحَبة! يقول العز ومنها كل إحسان أو كل خير وإحسان لم يُعهَد ولم يُعرَف في العصر الأول، ولكنه إحسان وخير، فيُعتبَر من البدع المندوبة، يُعتبَر من البدع المندوبة! هل هذا تمام؟ مثل الكلام – مثلاً – في دقائق علم التصوف، التربية النفسية، وتربية الإنسان، فهذه بدعة، ولكنها بدعة مُستحَبة.

وكذلك صلاة التراويح، بمعنى ماذا؟ جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، وتعرفون القصة، والقصة أخرجها الإمام مالك في الموطأ والإمام البخاري في صحيحه – رحمة الله تعالى عليهما -، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال كنت مع عمر بن الخطاب – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – في شهر رمضان، فمررنا بمسجد، فإذا الناس أوزاع مُتفرِّقون يُصلون، الرجل يُصلي وحده، بصلاة نفسه، والرجل يُصلي فيُصلي بصلاة الرهط، أي الجماعة من الناس، فلم يُعجِبه ذلك، يُصلون قيام الليل من رمضان في المسجد، لكن مُتفرِّقين، واحد يُصلي وحده، وواحد يُصلي ومعه خمسة أو ستة أو عشرة أو خمسة عشر، وهكذا! قال ثم مررنا في ليلة أُخرى، قال عمر لو أني جمعتهم على إمام واحد لكان خيراً، عمر في الليلة الأولى قال لو أني جمعتهم على إمام واحد لكان خيراً، لكان أفضل، فأمر أُبي بن كعب – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أن يُصلي إماماً بالناس في صلاة القيام من رمضان، أي التراويح، فهذه بدعة، هذه بدعة! النبي في الحقيقة – وهذا ثابت في الصحيح – صلى بالناس ثلاث ليال، ثم لما رآهم كثروا لم يخرج إليهم، لماذا لم يخرج إليهم؟ ترك، انتهى هذا، ترك أن يؤم بهم في رمضان، أي قيام رمضان، لماذا؟ خشيَ أن تُفرَض عليهم، قال فخشيت أن تُفرَض عليكم، والحديث فيه كلام دقيق وجميل جداً لكبار العلماء على كل حال.

فعمر فعل هذا، فعل هذا! أي عجيب أنه حتى فعل شيئاً النبي تقصَّد أن يتركه، لكن لماذا تقصَّد أن يتركه؟ لعلة سمعتموها،خشية أن يُفرَض عليهم، لكن النبي ارتحل سعيداً حميداً، وهذه الخشية الآن غير موجودة، لأن لا يُوجَد ماذا؟ لا يُوجَد تشريع بعد رسول الله، لا يُوجَد وحي ينزل حتى تُفرَض علينا، فتصرف عمر في الصميم – ما شاء الله -، لكنه ابتدع هذه البدعة.

المُهِم مر في ليلة أُخرى وقد اجتمعوا على أُبي بن كعب، فقال نعمة البدعة هذه، سماها بدعة وأنعم بها! قال نعمت البدعة هذه، هذه بدعة مُمتازة، بدعة جيدة حسنة، نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها خير من التي تقومون، يُريد صلاة آخر الليل، وكانوا يقومون في رمضان من أول الليل، أي كما نفعل نحن الآن، نُصلي العشاء ثم نشرع في التراويح، وهكذا كان يفعل الصحابة – رضوان الله عليهم -، قال صلاة التهجد من آخر الليل لا تزال أفضل من هذه وأنتم تنامون عنها – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -.

فهذه مثَّل بها العلماء ومنهم العز بن عبد السلام للبدعة المندوبة، إحسان وخير ولم يُعهَد في زمان الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام -، ولكن في المُقابِل – إذن بدعة واجبة وبدعة مُستحَبة – قد تدخل البدعة في قواعد الكراهة، فتكون بدعة مكروهة، مثل ماذا؟ مثل زخرفة المساجد، والعجيب أن العلماء جعلوا أيضاً تزيين المصاحف منها، كرَّهوا تزيين المصاحف، وفي القلب من هذا شيئ، ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ۩، وهذا كلام الله، هذا ليس فقط شعائر، هذا كلام الله – تبارك وتعالى -، أعتقد أن تعظيمه والاهتمام به في طباعته وفي خطه وفي تزيين مُصحَفه يُعتبَر من الأعمال الطيبة – إن شاء الله -، فحتى أكون صادقاً معكم في القلب شيئ من اعتبار تزيين المصاحف بدعة مكروهة، لكن زخرفة المساجد الكلام واضح فيها، أما تزيين المصاحف ففي القلب منه شيئ.

لكن مُمكِن البدعة – إخواني وأخواتي – تدخل في قواعد الحُرمة، فتكون بدعة مُحرَّمة، خاصة بدع العقائد، مثل بدعة المُجسِّمة – والعياذ بالله -، الذين صوَّروا الله وسوَّلت لهم أنفسهم ونزغتهم شياطينهم إلى أن يُصوِّروا الله تصويراً – والعياذ بالله – تشبيهياً تجسيمياً، كأن الله خلق من الخلق، له حدود – والعياذ بالله -، وله أعضاء كالأعضاء المحسوسة، المُجسِّمة – والعياذ بالله – فعلوا هذا، بدعة من أقبح البدع على الأطلاق، بدعة المُشبِّهة والمُجسِّمة، أو بدعة المُرجئة، أو بدعة المُجبِرة – أي الجبرية -، كل البدع العقدية بدع مذمومة – والعياذ بالله -، هي بدع مُحرَّمة.

بقيَ الآن أن نُمثِّل بما مثَّل به العز بن عبد السلام للبدع المُباحة، قال من البدع المُباحة التوسع في المآكل والمشارب والمراكب، يتوسَّع الإنسان ويفتن في هذا، وهذه كما تعلمون أمور دنيوية، وواضح أنها أمور دنيوية، ولذلك – كما قلت لكم – هذا يتأتى ويتفرَّع على التعريف المُوسَّع للبدعة، طريقة في الشرع مُخترَعة، يُقصَد بالسلوك عليها ما يُقصَد بالطريقة الشرعية، فعندك الحرام والمفروض والمندوب والمُباح والمكروه، هذا هو! هذا مُوسَّع، وليس فقط يُقصَّد بها مزيد التعبد لله، وإلا هذا أكل وشراب ومراكب – أي سيارات وأشياء ليس فيها معنى العبادة أو معنى التعبد -، فهذا هو كلام العز مُختصَراً.

تابعه عليه جُملة طائلة من كبار العلماء والأئمة، مثل تَلميذه الشهاب القرافي، هذا من عيون أئمة الإسلام، هو إمام مالكي نعم بلا شك، والعز طبعاً شافعي، ولكن القرافي من كبار علماء الإسلام في الفقه والأصول، صاحب الفروق، فتابع شيخه العز بن عبد السلام في الفروق على هذا التقسيم الخماسي، على هذا التقسيم الخماسي للبدعة!

ومنهم الإمام النووي في مواضع من كُتبه، وخاصة في كتابه تهذيب الأسماء واللُغات، ومنهم الإمام الزرقاني المالكي – رحمة الله تعالى عليه -، أيضاً قال بهذا التقسيم الخماسي، ومنهم خاتمة مُحقِّقي السادة الحنفية محمد الأمين بن عابدين، صاحب الحاشية، المعروفة بحاشية ابن عابدين – رحمة الله تعالى عليهم أجمعين -.

الإمام أبو شامة المقدسي – شيخ الإمام النووي – ذهب في كتابه الباعث على إنكار البدعة والحوادث إلى تقسيم ثنائي، فيه نوع من الإجمال، لم يقل بالتقسيم الخماسي، قال البدع منها ما هو مذموم مُستقبَح ومنها ما هو ممدوح مُستحَب، هكذا! تقسيم ثنائي، وطبعاً قد يدخل في المذموم المُحرَّم والمكروه، ويدخل في المُستحَب الواجب، ولكن بصعوبة، أن يُسمى هكذا ويُقال المُستحَب يدخل فيه الواجب هذا صعب، وعلى كل حال هو قال هكذا بتقسيم ثنائي، إلا أن يُريد بالمُستحَب الشيئ الممدوح – أي الذي يُمدَح -، فقد يدخل فيه الواجب.

الإمام البيهقي – أبو بكر البيهقي، رحمة الله تعالى عليه، الفقيه والحافظ الشافعي الكبير – روى في مناقب الإمام الشافعي – رضيَ الله تعالى عنهما – أن الإمام أبا عبد الله الشافعي قال الآتي، الإمام الشافعي الآن له نقل، يُورِده البيهقي، يتحدَّث فيه عن انقسام البدعة انقساماً ثنائياً، يقول المُحدَثات – أي البدع أو المُبتدَعات – ضربان، صنفان أو نوعان! ما أُحدِث مما يُخالِف كتاباً أو سُنةً أو إجماعاً أو أثراً، فهذه بدعة الضلال، أي شيئ أنت تستحدثه وتبتدعه يُخالِف شيئاً مما ذكر – الكتاب أو السُنة أو الإجماع أو الآثار – يكون بدعة الضلال، هذه بدعة الضلال، وهناك ما أُحدِث من الخير مما لا يُخالِف شيئاً مما سبق، هو عمل خير، ولا يُخالِف القرآن ولا السُنة ولا الإجماع، قال هذه بدعة ليست مذمومة، فهذه مُحدَثة، غير مذمومة.

الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسيره يروي عن صاحب رسول الله أبي أُمامة الباهلي – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، أنه قال أحدثم قيام رمضان – يعني الاجتماع عليه، الاجتماع عليه وإلا قيام رمضان ثابت بالسُنة طبعاً، مَن صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وهو يُريد أحدثتم قيام رمضان أي الاجتماع عليه في المساجد، بحيث تُصلونه جماعة، مَن الذي أحدثه بهذه الطريقة؟ عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عليه – ولم يُكتَب عليكم، إنما كُتب عليكم صيام رمضان، فدوموا على القيام إذ فعلتموه، أنتم أحدثتموه فدوموا عليه، لا تتركوه، عجيب! هو يأمرنا بأن ندوم على هذا، ولا تتركوه، فإن أُناساً من بني إسرائيل ابتدعوا بدعاً لم يكتبها الله – تبارك وتعالى – عليهم، ابتغوا بها رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها، فعاتبهم أو فعابهم الله – تبارك وتعالى – بتركها، ثم قرأ أبو أُمامة قول الله – تبارك وتعالى – في آخر الحديد وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۩… الآية! فهذا أيضاً بظاهره يدل على أن من البدع ما يكون بدعاً مُستحَبة، بدعاً غير مذمومة.

كونوا معي أحبتي في الله بعد هذا الفاصل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواتي من جديد.

حسنٌ، قد يسأل أحدكم أو إحداكن كيف أجاب هؤلاء الذين تساهلوا في هذا الأمر وقالوا بهذه التقسيمات للبدعة عن حديث رسول الله الثابت من حديث جابر في صحيح مُسلِم: وشر الأمور مُحدَثاتها، وكل مُحدَثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟ 

أجابوا عنها – أحبتي في الله – بالقول المُراد هنا غالب البدع، غالب البدع هي مُحدَثات – والعياذ بالله – مذمومة، غالبها! فهو من باب العام المخصوص، وقد يقول بعضكم ما هذا؟ ما هذه الطريقة في التلاعب في الفهم وفي تأويل النصوص؟ لا، هذا ليس تلاعباً، هذا باب من أبواب الفهم، وله أُسسه وله قواعده، هم احتجوا لفهمهم هذا بأدلة أُخرى أيضاً من السُنة، إذن هذه من باب العام المخصوص، ليس كل بدعة بالمُطلَق، لا! أكثر البدع مذموم، أكثر البدع مذمومة، لكن منها ما يُمدَح ويُستحَب، بدليل قول النبي في حديث عائشة مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، أي مردود عليه، قالوا النبي قال ما ليس منه، إذن قد تُحدِث شيئاً أنت في الدين وله أصل في الشرع، ولذلك عرَّفه ابن حجر تبعاً ربما لابن رجب الحنبلي بأنه ما أُحدِث في الشرع مما ليس له أصل، إن كان له أصل يدل عليه فأهلاً وسهلاً، فهذا يُعتبَر بدعة جائزة أو بدعة مُستحَبة، وقد يكون بدعة واجبة كما قال العز بن عبد السلام، لكن إن لم يكن أصل وعارض الأصول والقواعد وربما عارض صريح النصوص فهذه بدعة الضلالة، هذه البدعة المذمومة.

وذكرنا لكم أنهم احتجوا بقول النبي مَن سن سُنة حسنة أو مَن سن في الإسلام سُنة حسنة، وبعض الناس يقول لا، المقصود هنا بمَن سن في الإسلام سُنة حسنة أي مَن أحيا سُنة ربما نسيها الناس أو أُميتت، فأعاد إشعاتها في الناس، ولكنها ثابتة عن رسول الله، وهذا غير دقيق، لماذا؟ لأن الحديث نفسه يقول ماذا؟ ومَن سن في الإسلام سُنة سيئة، هل الإسلام فيه سُنن سيئة أُميتت يُمكِن أن يُقال أو حتى يُمكِن أن يُقال أتى بعض الناس وأحياها من جديد؟! الإسلام ليس فيه سُنة سيئة، الله – تبارك وتعالى – والرسول لا يُمكِن أن يكونا شرعا شيئاً من الشر ومن السوء، إذن مَن سن سُنة حسنة ومَن سن سيئة، مُقابَلة سن السُنة الحسنة بسن السُنة السيئة دال – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي – على أن المقصود اخترعها اختراعاً، اخترعها اختراعاً! لم تُعهَد عن رسول الله وربما أصحابه، لم تُعهَد! فهذه سُنة، أي كما قال النبي لا تُقتَل نفس إلا كان على ابن آدم الأول – وهو قابيل – كفل من دمها، لماذا؟ لأنه كان أول مَن سن القتل، النبي يقول هذا، وما معنى سن هنا؟ اخترعه، اخترعه ولم يُسبَق إليه، فبهذا المعنى مَن سن سُنة حسنة.

وهناك حديث رواه الإمام أبو داود وغيره، مُختصَره أن الصحابة كانوا إذا سُبِقوا في الصلاة مع رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام، أي تأخَّروا عن الصلاة قليلاً، يأتي بعضهم بعد ركعة وبعضهم بعد ركعتين، وهلم جر! فماذا يفعل الصحابي؟ – يفعلون الآتي، يسأل الواحد منهم، ربما يسأل في أي ركعة هم؟ فيُقال له هم في الركعة – مثلاً نفترض – الثالثة، فيبدأ يُصلي الصلاة من أولها، أي الركعة الأولى والركعة الثانية، وربما يُدرِكهم في الثالثة في آخرها أو في الرابعة إن كانت رباعية، فكان يكون من الصحابة القائم والراكع والقاعد، ورسول الله يُصلي! فمُعاذ بن جبل رأى هذا في مرة من ذات المرات، وطبعاً هذه الحالة لم تُعجِبه، فقال – رضي الله عنه وأرضاه – لا يكون في حالة إلا كنت عليها، يعني مَن؟ النبي، قال أنا سأكون مُتبِعاً له، أنا سأُتابِعه، إذا كان قائماً فسأكون قائماً، وإذا كان راكعاً فسأكون راكعاً خلفه، وهكذا! لا يكون في حالة إلا كنت معه، أو لا يكون في حالة إلا كنت عليها، فسن هذه السُنة، ما هي هذه السُنة؟ مُعاذ بن جبل هو الذي سن لنا هذه السُنة، إذا أتيت وقد سُبِقت تابع الإمام، أي صل كما يُصلي الإمام، وحين يُسلِّم الإمام – ينصرف من صلاته ويُسلِّم – أنت قُم، وعليك أن تأتي وأن تُعوِّض ما فاتك، مُعاذ بن جبل هو الذي فعل هذا، وأعجب فعله هذا النبي، أعجبه ووقع منه وقعاً حسناً، وقال إن مُعاذاً قد سن لكم سُنة، كذلك فافعلوا، النبي يقول سن لكم، وواضح أن مُعاذاً اخترع هذا، من غير توقيف من النبي، النبي لم يطلب منه هذا، ولا دله على هذا، بعقله عرف هذا، قال هذا يكون أفضل، والنبي أجاز ذلك.

نعرف جميعاً من خلال قراءة السيرة المُطهَّرة المُشرَّفة أن خُبيب بن عدي – الصحابي الجليل الشهيد – قبل أن يُقتَل بالتنعيم وقد قتله كفّار قريش ماذا فعل؟ استأذنهم لكي يُصلي ركعتين، فصارت سُنة لكل مَن يُقتَل صبراً، وطبعاً معنى القتل صبراً أن الإنسان يُمسَك فيُقتَل، لأن من المُمكِن أن يُقتَل في معركة، وهذا ليس صبراً، أو في مُقاتَلة، وهذا ليس صبراً، لكن الإنسان الذي يقع أسيراً أو يُؤخَذ عنوة أو بأي طريقة ويُقدَّم للقتل وهو مأخوذ هذا يُقال قُتِل صبراً، بخلاف الذي يُقتَل في المُقاتَلة أو في المعركة، أي في ساح الوغي، فعلى كل حال الحاصل أن خُبيب بن عدي هو أول مَن سن لنا هذه الصلاة، لمَن يُقتَل في سبيل الله، يُصلي ركعتين قبل أن يُقتَل، هل هذا واضح؟

هناك في المُقابِل الذين تشدَّدوا وضيَّقوا، قالوا لا، لا نقبل بهذه التأويلات، ولا بهذه الفهوم والتخريجات، كل بدعة مذمومة، وهي بدعة ضلالة، كل بدعة! كل بدعة مذمومة، وهي بدعة ضلالة، وأما قول النبي – قالوا وأما قول النبي – مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد فيختلف، قالوا هذه صفة كاشفة، ليست صفة مُؤثِّرة، ليست صفة مُنشئة، وهذا وجه قوي في الحقيقة، هذا الكلام عريق في الكلام.

أُبسِّط لكم – إخواني وأخواتي -، ولا أدري هل هذا مُناسِب أم لا، قد يكون هذا غير مُناسَب أن أذكره، لكن الصفة بشكل عام – إخواني وأخواتي – نوعان: صفة مُؤثِّرة أو مُنشئة، وصفة كاشفة، الصفة الكاشفة هي التي تُذكَر مع موصوفها، وتُلازِمه، لكن لا تُؤثِّر في الحُكم، بمعنى أننا لو حذفناها لا يتأثَّر الحُكم، لا يتأثَّر الحُكم! فقط هي كأنها نوع من زيادة تبيين الموصوف، من كشفه، كما نقول – مثلاً – مَن شرب خمراً مُسكِراً، وكل خمر مُسكِرة، فلماذا تقول مُسكِرة؟ هذا مثلما قال – تبارك وتعالى – وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ۩، وطبعاً هل الطائر يطير بغير جناحين؟ طبعاً لابد أن يطير بجناحين، لو قال ولا طائر يطير لانتهى الأمر، لأن هناك طيوراً لا تطير، كالدواجن، لكنه قال طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ۩، فلماذا الجناحان؟ لماذا ذُكِر الجناحان؟ صفة كاشفة، هل هذا واضح يا إخواني؟

 وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۩، هل هناك جاهلية أُخرى؟ ليس هناك جاهلية أُخرى، هي جاهلية واحدة، التي سبقت الإسلام، التي سبقت الإسلام ونوره! لكن لماذا تسمى الجاهلية الأولى؟ صفة كاشفة، وفي المُقابِل هناك الصفة المُؤثِّرة، الصفة المُؤثِّرة التي إذا حُذِفت يتأثَّر الحُكم، يتأثَّر الحُكم! يُسمونها صفة مُنشئة أو صفة كاشفة، فمثلاً نقول فلان قتل عمداً، فهو قاتل عمد، قاتل عمد أو القتل العمد هذه صفة مُؤثِّرة، لماذا؟ ويترتَّب عليها أحكام، منها القصاص، إلا أن يعفو ولي الدم، لأن قد يكون القتل خطأً، ليس عمداً، وقد يكون شبه عمد، فالقتل منه ما هو خطأ وما هو عمد وما هو شبه عمد عند ما قال بالتقسيم الثلاثي للقتل، فإذا قلنا قتل قتلاً عمداً يختلف الأمر، هذه الصفة مُؤثِّرة، يختلف الحُكم، غير موضوع خمر مُسكِر أو مُسكِرة، والخمر تُذكَّر وتُؤنَّث، كل خمر مُسكِرة، لو حذفت مُسكِرة لن تُوجَد مُشكِلة أبداً، لا يتأثَّر الحُكم.

فالآن اختلف النظر في حديث مَن أحدثنا في أمرنا هذا ما ليس منه، فبعضهم قال – وهم الذين ضيَّقوا – الآتي، قالوا كل مُحدَثة ليست من الدين، هي بطبيعتها هكذا، هذه صفة كاشفة، إذا قلت مُحدَثة فهي ليست من الدين، أما الفريق الأول – وهم الذين تساهلوا وقالوا بانقسام البدعة – فقالوا لا، هذه صفة مُؤثِّرة، ليست صفة كاشفة، صفة مُؤثِّرة! فالبدع منها ما هو من الدين، ومنها ما هو ليس من الدين، ضد الدين، فهذه بدعة الضلالة، على كل حال هناك وجوه من النظر.

يُكثِر أيضاً هؤلاء المُضيِّقون المُشدِّدون في موضوع البدع، يُكثِرون من الاحتجاج بماذا؟ بالقول الآتي، يحتجون بالقول لو كانت هذه البدع التي أحدثتموها واستحستنموها واستسمنتموها – من السِمن – شيئاً خيراً ولو كانت فضلاً لسُبِقتم إليها، لفعلها الرسول أو لفعلها الصحابة، فإذ لم يفعلها رسول الله ولا أصحابه فليست خيراً، لا! هذا وجه ضعيف جداً من وجوه الاحتجاج، هو احتجاج بالترك، النبي ترك أن يفعل هذا ومن ثم انتهى الأمر، إذن هذا الشيئ لابد أن يكون مُحرَّماً، لابد أن يكون محظوراً، لابد أن يكون بدعة ضلالة، وهذا غير صحيح، وكذلك الصحابة.

مسألة الترك مسألة أصولية مُعقَّدة ومُهِمة ولطيفة أيضاً، ولكن أنا أُلخِّص لكم أطرافها ببساطة، ببساطة وبإجمال شديد يا إخواني مُجرَّد ترك النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – لشيئ لا يدل على أن هذا المتروك مُحرَّم أو مكروه أبداً، ترك النبي لشيئ بمُجرَّده – أي الترك بمُجرَّده – لا يدل قطعاً إلا على – بالقطع يدل على – أن الشيئ المتروك مُباح، نحن نتأكَّد أنه مُباح، لكن هذا الشيئ المتروك هل هو مكروه؟ هل هو مُستحَب؟ هل هو غير ذلك؟ هذا يُعرَف بالقرائن، ليس من الترك، ليس من مُجرَّد الترك، من أشياء أُخرى، فمثلاً النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كما تعلمون كان في عموم أحواله يبول قاعداً، وتعرفون أن هذا أفضل لناحية الطهارة، ويُقال لها فوائد صحية أيضاً، لكنه ترك هذا مرةً أو مراتٍ، وبال واقفاً، ورآه بعضهم، أي بعض الصحابة، عند كومة قمامة لبني فلان هكذا بال واقفاً، يُقال لمرض كان بمأبضيه، أي باطن الرُكبة، فهو ترك هذا الشيئ، لماذا؟ لهذه العلة، فماذا عن هذا الترك الآن؟ الشيئ المتروك هل هو وجب؟ أي هل يجب أن نبول من قعود؟ لا، مُستحَب استحباباً مُتأكِّداً، فتركه، لكن للعلة التي سمعتم.

النبي أيضاً ترك أكل لحم الضب، أوتي بالورل هذا – أي الضب – فالنبي لم يحترشه، لم يأكله، لم يأخذه ويأكله، فيا رسول الله هل هو حرام؟ فقال لا، لكنه لم يُعرَف بأرض قومي، فأجدني نفسي تعافه، فاحترشه خالد – رضوان الله عليه -، فأكله، العرب يأكلون الضباب أو أكثرهم يأكلون الضباب، فالآن مُجرَّد ترك النبي لا يدل على أن أكل الضب مُحرَّم، بل هو مُباح وأكله الصحابة، لكن النبي تركه للعلة التي سمعتم.

أتاه أحدهم وهو حلال بلحم، ما معنى حلال؟ غير مُحرِم، تعرفون أن في الإحرام – في الحج أو العُمرة – يقولون لكم هو مُحرِم أو حلال، إذا أحل من إحرامه أو لم يُحرِم أصلاً، أتاه أحدهم ولم يكن مُحرِماً بلحم، لكي يأكل منه، النبي لم يأكل من هذا اللحم، لماذا؟ أهو حرام؟ بيَّن له أنه ليس بحرام، ولكن النبي كان مُحرِماً، ولا يجوز للمُحرِم أن يأكل ما صاده له الحلال، فهذا له علة، وهكذا! فالترك بمُجرَّده لا يدل بالقطع على أكثر من أن المتروك في أدنى شيئ مُباح، لكن قد يكون المتروك مُحرَّماً، انتبهوا! وقد يكون مكروهاً، وقد يكون غير ذلك، فهذا يُعرَف بالقرائن وبالأدلة، ثم كيف نقول إن ترك النبي لشيئ بمُجرَّده يدل على أن هذا الشيئ محظور أو مُحرَّم ولا يجوز والنبي يقول ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك مَن كان قبلكم كثرة مسائلهم أو سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم؟ إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تُضيِّعوها، إلى أن يقول وترك أشياء من غير نسيان، رحمةً بكم، فلا تسألوا عنها، فالترك بمُجرَّده ليس دليلاً، ولذلك يُقال عدم الفعل ليس بدليل، القاعدة أن عدم الفعل ليس بدليل.

على كل حال الآن فيما يتبقى من وقت سأضرب لكم بعض الأمثلة على أشياء ابتدعها الصحابة في زمان رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – والنبي أقرها، قد يقول لي أحدكم لا، هذا من باب السُنة التقريرية، الصحابي يفعل شيئاً والنبي يُقرِه، وأنا أقول لكم ليس هكذا، لا! هذه المسألة فيها شيئ أعمق من هذا، لو كان لا يجوز من حيث الأصل للصحابي أن يبتدع شيئاً في الدين ولو كان كل الصحابة يفهمون أن كل ابتداع في الدين مُحرَّم ومحظور لما فعلوا من أصله، ولنبههم النبي على أنه لا يجوز لكم هذا، لكن كونهم يفعلون والنبي يستحسن مرة وربما يستقبح مرة دل على ماذا؟ دل على أن الأصل في الابتداع الجواز، مُمكِن أن تبتدع، لكن بعد ذلك ننظر فيما ابتدعت، فإن لم يظهر دليل على استقباحه ما تركناه، وكان إما أن يكون مُباحاً أو واجباً أو مُستحَباً.

بلال بن رباح سن سُنةً لنفسه، النبي دعاه ذات صباح، وقال له يا بلال أخبرني بالذي تفعله، أنت يُوجَد عندك عمل صالح هكذا تفعله وأنا لا أعلمه، فبم سبقتني؟ قال له، بم سبقتني في الجنة؟ سمعت خشخشتك أو خشخشة نعليك، خشخش السلاح إذا صوَّت إذا حُرِّك، خشخش السلاح أي صوَّت – خرج له صوت – إذا حُرِّك، هكذا! هذه الخشخشة، صوت على كل حال، وخشخش الثوب إذا كان جديداً، الثوب إذا كان جديداً وحُرِّك هكذا تطلع له خشخشة مثل صوت الورق إذا حككته بعضه ببعض، خشخشة الثوب أيضاً! المُهِم قال له فإني سمعت خشختك في الجنة، قال يا رسول الله ما أحدثت – من الحدث – إلا توضأت، أي تطهَّرت، وما تطهَّرت إلا رأيت أن علىّ لله صلاة ركعتين، قال هو ذاك، هذا الذي جعلك تسبقني إلى الجنة، هذه سُنة، هذه بدعة ابتدعها بلال لنفسه، والنبي استحسنها وشكرها، هل هذا واضح يا إخواني؟

ونحن سمعنا قصة خُبيب بن عدي، صلاة ركعتين لمَن يُقتَل قبل أن يُقتَل، وسمعنا قصة أبي بكر وعمر وجمع القرآن في مُصحَف بعد وفاة رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، عمر أشار على أبي بكر، قال له ماذا؟ إني رأيت القتل قد استحر بالقراء، أي حفاظ كتاب الله، فلو جمعنا القرآن بين دفتين، قال يا عمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله النبي؟ قال له لا، هذا مُستحيل، هذا الشيئ النبي لم يفعله، لو كان خيراً لكان النبي فعله، فقال له عمر إنه خير يا أمير المُؤمِنين، هذا خير، ماذا فيه؟ نحن لا نفعل شيئاً شراً، صحيح أن هذه بدعة وهذا شيئ مُحدَث، ولكنه خير، فظلا يتفاوضان إلى أن شرح الله صدر أبي بكر لما شرح له صدر عمر، لرأي عمر، ثم بعد ذلك اتفقا على أن يُكلِّفا زيد بن ثابت – رضوان الله تعالى عليه، الحافظ الكبير، والفرضي الكبير، عالم بالمواريث -، أي على أن يُكلِّفاه بكتابة جمع المُصحَف بعد دفتين، نفس الشيئ! قال كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟ هو خير يا زيد، فمازلا يُفاوِضانه إلى أن شرح الله صدره لما شرح له صدر الشيخين – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -.

أحد الأنصار كان قارئاً جيداً، وكان رجلاً ورعاً تقياً، يؤم الصحابة، يؤم أصحابه من الصحابة، وهذا الرجل أيضاً سن لنفسه سُنة عجيبة ولطيفة، يقرأ دائماً بعد الفاتحة بسورتين، لابد أن تكون أولاهما سورة الإخلاص، أي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩، دائماً! لا يكتفي بأن يقرأ سورة، إنما لابد أن يقرأ بالإخلاص أولاً، ثم يُتبِعها بسورة أُخرى، يُحِب هذا، فكلَّموه! أي قالوا كأنك أنت لا ترى أنه لا يُجزئك إلا أن تقرأ بهذه السورة، فإما أن تقرأ بها وحدها، وإما أن تجتزئ بالسورة الأُخرى، فقال لا، إن أردتم أن أُصلي بكم فأنا أُصلي على هذا الشرط، دائماً لابد أن أقرأ الإخلاص، ثم بعد ذلك أقرأ بسورة أُخرى، هكذا أنا، هكذا ألزمت نفسي، وإلا ابحثوا لكم عن إمام غيري، وكانوا يُحِبون أن يؤمهم لأنهم كانوا يرونه من أفضلهم، واضح أنه رجل تقي وورع، وهذا سفيرهم إلى الله – تبارك وتعالى -.

فذكروا أمرهم للنبي، فسأله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أي سأله لماذا ألزمت نفسك بهذا الشيئ؟ ولماذا لم تأخذ بقول أصحابك وتدع قراءة هذه السورة قبل كل سورة؟ فقال يا رسول الله إني أحبها، المسألة كلها بكلمة واحدة: إني أحبها، فقال له – عليه الصلاة وأفضل السلام – حُبك إياها – حُبك لسورة الإخلاص، لسورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩ – أدخلك الجنة، وهذا في صحيح البخاري، حديث صحيح! ألا ترون أن هذه بدعة؟ بدعة، الرجل ابتدع بدعةً، لكنها خير – بفضل الله تبارك وتعالى -، لا يُوجَد أي وجه من وجوه الشر.

النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان مرةً في حلقة من حلقاته، ورجل قائم يُصلي، حتى إذا فرغ من صلاته – أي الرجل – قال في دعائه اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنّان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يدعو بدعاء صاغه هذه الصياغة، ولم يسمعه من رسول الله، ألَّفه من عنده، وهو دعاء جميل، أي بشيئ طيب، اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنّان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لقد دعا الله – تبارك وتعالى – باسمه الأعظم، الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، وهذا الحديث رواه أصحاب السُنن، أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

قريب منه أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان مرةً يُصلي بأصحابه، فسمع بعد أن رفع من الركوع وقال سمع الله لمَن حمده، سمع أحد الصحابة قال ربنا ولك الحمد، وزاد: حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه، بعد أن انصرف النبي – أي سلَّم من الصلاة – قال أيكم القائل آنفاً كذا وكذا؟ مَن الذي قال العبارة هذه؟ فقال أنا يا رسول الله، ابتدعها! زاد من عنده أشياء في الصلاة، حين يُقال سمع الله لمَن حمده نقول ربنا ولك الحمد، ولكن هو زاد، قال حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه، فقال النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – لقد ابتدرها – أي أسرع إليها – بضعة وثلاثون ملكاً، قال لقد ابتدرها – أي أسرع إليها – بضعة وثلاثون ملكاً، أيهم يكتبها، مَن يكتبها أولاً؟ والحديث على كل حال له تتمة، وهو في الصحيحين، بعض العلماء عد أحرف هذه الجُملة المُبارَكة، فوجدها خمسة وثلاثين حرفاً، والنبي قال ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً، سُبحان الله! كأن بكل حرف جاء ملك.

سمعتم حديث مُعاذ، إن مُعاذاً قد سن لكم سُنة، كذلك فافعلوا، أبو سعيد الخدري – إخواني وأخواتي، أحبتي في الله – مرة كان في سفر، وسُبحان الله يبدو أنهم جاعوا واحتاجوا إلى الطعام فنزلوا على قوم من الظاهر أنهم كانوا لئاماً، لم يُضيِّفوهم، لم يُعطوهم شيئاً يأكلونه، ثم بعد قليل أتوا إلى أبي سعيد في رُفقته، في جماعة الصحابة، فقالوا لهم يا جماعة أو يا أيها القوم هل لديكم من راقٍ؟ هل فيكم من راقٍ؟ أي هل هناك من شخص يرقي أو يعرف الرقية؟ لماذا؟ فإن سيد الحي سليم، سيد الحي لديغ، لُدِغ، لدغته عقرب، أبو سعيد قال أنا راقٍ، والصحابة تعجَّبوا، هل أنت راقٍ؟ نحن لا نعرف أنك راقٍ، فجاء فرقاه بالفاتحة، أي بسورة الفاتحة، قيل كررها، تلاها سبع مرات، وقيل ثلاث مرات، وفي روايات لم يُحدَّد العدد، على أن يجعلوا لهم جُعلاً، أبو سعيد اشترط عليهم، قال أنا أرقي هذا السيد – أي سيدكم، سيد القبيلة – على أن تجعلوا لي جُعلاً، أي أجراً، فجعلوا له جُعلاً شياه، لا أدري كانت ثلاثين شاة أو عشرة شياه أو كذا، المُهِم كان هناك عددا من الشياه، والصحابة تأثَّموا!

سُبحان الله بعد أن رقاه بالفاتحة، يقول الراوي فقام كأنما نُشِط من عقال، كأنه كان مربوطاً بحبل وقام، فُك! قام ليس به شيئ، لا يشتكي، وعلى كل حال الصحابة تأثَّموا أن يأكلوا من هذا الجُعل، لأن قد يكون هذا حراماً، قد يكون من باب أكل أموال الناس بالباطل، تأثَّموا فلم يأكلوا، حتى عادوا إلى رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وذكروا له، العجيب أن النبي قال لأبي سعيد وما أدراك أنها رُقية؟ كيف عرفت أنها رُقية؟ وكرَّر عليه السؤال، وما أدراك أنها رُقية؟ فقال أبو سعيد ما دريت يا رسول الله، أي أنا ما كنت أعرف أنها رُقية، ولكن شيئ ألقاه الله في قلبي، هكذا الله ألهمني، إلهام إلهي، الله ألهمني أن ارقه بالفاتحة، فسيكون خيراً، وهكذا كان! 

النبي أقره، وقال اضربوا لي بسهم، أي ما فعلته شيئ مشروع وطيب – الحمد لله -، والجُعل الذي أخذته مال حلال زلال كما نقول، واضربوا لي بسهم، أعطوني من هذا الجُعل أيضاً، النبي يقول أنا سآكل منه أيضاً، وواضح أن هذه بدعة، ابتدعها أبو سعيد، يرقي بالفاتحة وبعدد مُعيَّن على ما سمعتم، والنبي لم يُعلِّمه هذا، فإذن هذا جائز، هذا ليس مُحرَّماً – إخواني وأخواتي -.

أيضاً من باب المُقابَلة أن نذكر ونُذكِّر بأن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنكر على بعض أصحابه أشياء ابتدعوها، رآها مُخالِفة لقواعد وأصول الشرع ورحمة الشريعة وتيسيرها، مثل ماذا؟ مر النبي يخطب، فرأى رجلاً واقفاً في الشمس، قائماً! فقال مَن هذا؟ قالوا أبو إسرائيل، ما باله؟ قالوا نذر لله – هذا نذر، أي ألزم نفسه – أن يقوم ولا يقعد، وألا يستظل، وألا يتكلَّم، وأن يصوم، فقال مروه فليقعد وليستظل وليتكلَّم وليُتِم صومه، انظروا إلى النبي وانظروا إلى الإبداع – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أي هو نذر ألا يتكلَّم وألا يقعد وألا يستظل وأن يصوم، نهاه عن ثلاثة وأمره بالرابعة، قال وأن يُتِم صومه، هذا شيئ طيب، أن تصوم، لكن هذه الأشياء ليس فيها فائدة، مُجرَّد تعذيب للنفس، هذه أشياء مُحدَثة مذمومة، لأنه فعلاً لا تلتئم بأصول الشرع.

للأسف أدركنا الوقت، وكان في الكلام بقية كثيرة مُهِمة، لكن إلى أن ألقاكم في حلقة أُخرى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: