مما لا يخفى على كل متابع للساحة الفكرية الإسلامية بشكل خاص أن هناك العديد من الأصوات المنادية بضرورة التّصدي لتنامي ظاهرة العنف والتّطرف في بلادنا والذي لم يعد ربما يخفى على أحد أنه – التّطرف- ترفده لا زالت قراءات ضيّقة وحصريّة لنصوص الشريعة، الأمر الذي جعل التّصدي لهكذا خطر لم يعد ترفا فكريا بل ضرورة تمليها ضمائر الصادقين من أبناء الأمّة حرصا على مستقبلها.
الدكتور عدنان إبراهيم -حفظه الله- ربما اليوم هو الأكثر إثارة للجدل من بين جميع دعاة الإصلاح والتجديد في الخطاب الديني، وهذا ليس غريبا في حد ذاته، الغريب أن الرجل والذي كما نعرفه ينزع منازع التسامح والانفتاح لم يجد فكره ومنهجه قبولا حتى عند طائفة ليست بالقليلة من دعاة التسامح أنفسهم! وليس هذا وحسب، بل تطوّر الأمر إلى هلع شديد وهستيريا غير مفهومة تجاه طرح الدكتور، وهذا يثير العجب ويجعلنا غير مطمئنين من حقيقة دعاواهم المنادية بالتّسامح والانفتاح وقبول الآخر وشجب العنف والإنغلاقية والتّطرف! ربما نحن أمام ازدواجية سوف أبحث أسبابها لاحقا…

أليس غريبا وغير مفهوم أن خطابا متسامحا منفتحا راقيا كالذي يصدح به الدكتور عدنان -حفظه- الله لا يلقى قبولا ولا استحسانا من طرف طائفة من دعاة التسامح أنفسهم؟!
أفهم جيدا موقف شيخ منغلق متشدّد ممن تعرفون من القوم ممن لوّثت عقولهم الحصرية والوثوقية ووهم امتلاك الحقيقة، ولكن لا ينقضي عجبي ممن كنا نعتقد أنهم أكثر انفتاحا وأكثر قبولا للآخر أن يرتعدوا هكذا وبهذه الحمّية والهستيريا كما قلنا لخطاب رجل “غير متخصص لم يدرس على يدي عالم متناقض يقدم عقله القاصر على النصوص ويرد اجماع العلماء” هكذا يصفونه!! ولكن حالهم يكشف حالة من الرّعب تسحقهم فعلا عند مواجه حججه وأطروحاته الأمر الذي يشي بحجم الفارق الفكري والعلمي الهائل بينهم وبين الرجل ولهذا نفهم جيدا أسباب تلك الهستيريا وتلك الفوبيا التي تكتسح الجميع.
أجزم أن غالبية متابعي الدكتور الفاضل كانوا يتوقعون نوع تعاون وتكامل وتواصل بين شيخنا الحبيب وبقية دعاة التسامح لبناء سدود عالية من الأفكار والنظريات والمقاربات الجديدة للحدّ وبشكل فعال من طوفان التّطرف غير أن ما يحدث هو العكس تماما من عدد منهم!!
ما يزعجني ويزعج كل غيور على مستقبل هذه الأجيال وعلى ديننا الحنيف أن دعاة التسامح هؤلاء و الذين كنا نظن أنهم سيكونون سببا في رأب صدع الأمة هاهم اليوم يعملون فيها معاول الهدم وهم بالحريّ الآن يشيّدون أسوارا عالية ومتاريس حصينة أمام دعوات التّسامح والتّغيير التي كانوا بالأمس القريب ينادون بها ويرفعون شعاراتها فتُنتهك هكذا بكل بساطة القيم والمبادئ التي يبدو أنها لم تكن إلا وهْما وسرابا….
كم خاب أملي في أناس كنت أحسبهم على شيء أراهم اليوم لا يجدون أدنى حريجة في وصف الدكتور عدنان حفظه الله (وحاشاه) بـ”المراهق الفكري” حتى صار يكررها كأنها مسلّمة لا مرية فيها!! الرجل لم يحتمل اختلافه مع الدكتور عدنان فأصابته هو الآخر فوبيا عدنان إبراهيم بالحمّى فصار يهذي بما لا يدري منتقصا من قدر شيخنا الفاضل متحينا أتفه الأسباب وأسخفها.
ماذا تريدون؟ أقول لهذا الرجل ولأمثاله، ألستم إلى اليوم لازلتم تنادون بقبول الآخر وضرورة فتح أبواب الحوار والنقاش مع المخالف وكنتم ولازلتم تنكرون الغلو والتشدد….لماذا لما جاءكم رجل منكم دعواه هي دواعكم كفرتم به؟!
حال هؤلاء وموقفهم يجرّك جرّا لتسأل عن صدق نواياهم… نعم، نعم أكرر سؤالي ماذا تريدون بالضبط؟
إذا أحسنّا الظنّ بهم في أنّهم فعلا يريدون التّغيير ونقد التّراث فهم يريدون تغييرا مشروطا على أهوائهم هم وحدهم وبالحدود التي يرسمونها هم، فهذا مقبول وهذا لا تقربه وتوقف هنا واتجه هناك…. وهذا لعمرِ الحق ليس تغييرا ولا نقدا بل استبدال الذي هو سيء بالذي هو أسواء!! استبدال خطاب بالٍ مجوّف بأخر ملفّق يلبس حُلّة التّسامح والتّغيير وهو في حقيقته الجمود بعينه والإنغلاقية بكل بشاعاتها تتقنع قناع الانفتاح والتجديد.
اسمحوا لي أن أعود لصاحب لازمة “المراهقة الفكرية”… قبل كل شيء أجزم أن الرجل يردد ما لا يعي، فالحديث عن الفكر مولانا الفاضل بين يدي الدكتور عدنان أمر خطير ومن الواضح أنك ارتقيت كغيرك مرتقا صعبا ووضعت نفسك في موقف لا تحسد عليه…
المراهقة الفكرية مولانا العلامة لا يوصف بها من قرأ نيتشه وكانط وبرتراند رسل وغوته وجون جاك روسو وفوير باخ وجان بول ساتر، وفولتير وباروخ اسبينوزا وديفد هيوم وتوما الأكويني وسقراط وأفلاطون..
المراهقة الفكرية لا يوصف بها مولانا من قرأ الفارابي وابن رشد والغزّالي وابن سينا والجاحظ…
مولانا الفاضل المراهقة الفكرية لا يوصف بها من قرأ عشرات ألوف الكتب في الفلسفة والمنطق والتاريخ وعلم الاجتماع والأدب والشعر والثقافة والعلم مرورا بكتب الفقه وأصوله والحديث وعلومه والتفسير والقراءات والمسانيد والمعجمات والمدونات وغيرها….
المراهقة الفكرية مولانا الفاضل لا يوصف بها من درَس ودرّس النسبية ومكانيك الكم ونظرية التّطور وناقش هوكنغ ورد على دوكنز ولخّص أصل أنواع دارون وهو شاب…
مولانا الفاضل لا ينبغي أن يكون مراهقا فكريا من خطب خطبة “هل نفكر” وخطبة “التعصب كبنية” وخطبة “طواغيت الفكر” وخطبة “الخرافة في خدمة الطغيان” و”تجريم الكتاب”…
لن أنسى خطبة “ويسألونك فمن خلق الله” ودعني أذكرك برائعة “الحق في الشك” و”بين تسامحين” وكذلك “الله بأي معنى” و”جذر الشرور” و”وعينا المثقوب” و”عالم منسوخ” وخطبة “شكرا” و”اللغز” و”أنا”…..!!
مولانا الفاضل هل تابعت دروس الدكتور عدنان عن الفلسفة وعلم الكلام والفقه والحديث واللغة العربية وسلاسله العلمية عن الغزّالي والتّطور ومطرقة الإلحاد؟
لحظة من فضلك لم أنته بعد… للدكتور حفظه الله أكثر من 400 فيديو على صفحته بين خطبة جمعة ودرس وحلقة علمية فضلا عن عشرات التسجيلات الصوتية المنتشرة على الشبكة.
من الواضح أن مولانا إما لا يعرف معنى المراهقة أو معنى الفكر أو ربما كليهما معا!!

أولئــك أشياخــي فجئنــي بمثلهـــم *** إذا جمعتنــا يــا مولانــا المجامـــع

أنصح مولانا الفاضل وكل متحدٍ أنْ قليلا من التواضع وأن اخلع إزار الكبر ونعلي التعالي وخفّي العجرفة … أنت بين يدي عـالـم!

أعود أخيرا لسبب كل هذه الهجمة على شيخنا الحبيب، ولا أخفيكم سرا أنّ أقرب تفسير يدور في رأسي هو الحسد والنفاسة غير “الشريفة” إذ لا مبرر ممن يحملون –أو هكذا زعموا- نفس الهم والأهداف في الطعن في الدكتور وحتى تكفيره ووصفه بكل قبيحة إلا هذا، فالدكتور موضع حسد وكل العداوة قد ترجى إقالتها إلا عداوة من عاداك عن حسد كما يقولون!
كان يسع هؤلاء إذ اختلفوا مع الدكتور عدنان ألا يتعدى الأمر كونه خلافا فكريا مع مجتهد له وعليه، ولكنهم لم يرضوا إلا بإخراجه عن دائرة العلم طرّا وهذا هضم لحق الرجل الذي لم يزل أعلم منهم مجتمعين وفجور في خصومته وإلى الله المشتكى، أذكر هنا قول الدكتور طارق السويدان حين سُؤل عن الدكتور عدنان فأجاب ” أخي الدكتور عدنان عالمٌ لا يُشق له غبار ولكنني أختلف معه في بعض المسائل” لماذا لم نرَ من هؤلاء المشائخ مثل هذا النوع من التعاطي مع ما يقدم الدكتور؟ لماذا يريدون تحطيمه؟ لماذا يريدون اسكاته؟ لماذا تخلّوا فجأة عن انفتاحهم وخلعوا سريعا جلابيب الورع فوقعوا في الدكتور بأوصاف التكفير والتحقير؟
ليست مشكلة الدكتور عدنان أنكم لستم في مستواه، الرجل تعب على نفسه ولازال ولن يترك ما عنده مما سهر عليه لما عندكم فقط لأنكم تريدون هذا… أعدكم أنّه لن يفعل.
من وصفت ممن يهاجم الدكتور تجدون على صفحته يوميا عشرات المداخلات بالإضافة لمحاضرات ودروس ولقاءات واجتماعات وغيرها فمتى يقرأ هؤلاء ومتى يتعلمون؟!
لن أقارن حالهم هذا بحال الدكتور عدنان فمن علم ليس كمن لم يعلم أسال الله الهداية للجميع وأن يوفق شيخنا الفاضل الدكتور عدنان لكل خير ولما فيه رضاه… آمين
.
أخيرا تذكروا أمثولة صغار الطيور وجبال الهيملايا وستفهمون ما يجري.
للكاتب الاستاذ القاضي خليفه .

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: