شعيب عز الدين حبيلة كاتب وباحث جزائري
شعيب عز الدين حبيلة
كاتب وباحث جزائري

بدا لي أن أقيد كلمات تعقيبا على مقالة صدرت من الدكتور عدنان إبراهيم في إحدى خطبه المنبرية كان قد وسمها سنة 2012 بــ: الرؤى والأحلام، هل هي من مصادر التشريع؟ ذكر فيها كلمة نسبها بعض المؤرخين إلى عبد الحق بن سبعين المتوفى سنة (668 هـ)، وهي: لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله: لا نبي بعدي! وأورد الدكتور عدنان إبراهيم حين ساق هذا القول حقلا دلاليا يصنف في باب: أعطه اسمًا! نذكر منه: قال ابن سبعين الزنديق والعياذ بالله… الملتاث … الخبيث.. المعثر، المختل!

والحق أن الدكتور ذكر ملمحا مهما قبل أن يسوق تلكم العبارة التي نسبت إلى ابن سبعين إذ قال: ثم لا يعنيني أيها الإخوة أن يكون هذا ثبت عنه. اهـ. ووصف صاحب هذا الإيراد بأنه ركب مطية التلون الحربائي ذلك أننا – أي هو – نحاسب الأقوال، تعال وحاسب الأقوال!

وأخذا بما قرره الأولون واستأنس به الدكتور، فلا نقش قبل تثبيت العرش، والمنهج العلمي يحتم على الباحث في شأن أي كاتب أن يستقري آراءه من كتبه أولا ليعلم معتقده في الدين وفلسفته في الحياة، ثم يزن ما نسب إليه في مظان المؤرخين وصحائف التراجم بميزان صاحبه فهو أعلم بنفسه من غيره، وهذا ما فعله أبو الوفا التفتازاني في كتابه: ابن سبعين وفلسفته الصوفية، وعبد الرحمن بدوي في جمعه لرسائل ابن سبعين، هذه الأخيرة التي لم يطلع عليها كثير من الباحثين الذين تكلموا عن ابن سبعين ولعلهم اكتفوا ببُدِّ العارف وبما نقله عنه آخرون.

دعا ابن سبعين إلى علم التحقيق، الذي لا يركن صاحبه إلى قول فقيه أو فيلسوف أو أشعري أو صوفي، إلا إذا وافق مذهب المحقق، وذمه لها ليس على إطلاقه، يقول: وأنت بالجملة إن سمعت مني: تستعين بالفقيه في العمل، وبالأشعري في الحب للشريعة، وبالفيلسوف في الصنائع العلمية والعملية وبالصوفي في الحال الصادق والمكاشفات …اهـ [بد العارف، بإيعاز من: ابن سبعين وفلسفته الصوفية، أبو الوفا التفتازاني، ص 255]. وإنصافا لابن سبعين نرد عنه فرية أشاعها بعض المؤرخين، فالأثريون وإن غاب عنهم تحقيق مذهب القائلين بوحدة الوجود، معذورون من جهة أنهم من أهل الكسب لا العرفان والجذب، لكن لا عذر لهم في افتراء الكذب؛ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116]، وههنا مسائل:

المسألة الأولى في ترجمة ابن سبعين: هو عبد الحق بن إبراهيم بن محمد الأندلسي، شيخ السبعينية وهو عربي ينتهي نسبه إلى عدنان، ولد في النصف الأول من القرن الهجري السابع لأسرة نبيلة بالأندلس، وتوفي سنة 668هـ بمكة، بعد أن ارتحل إلى المغرب ومصر، وتعلم المنقول والمعقول أخذا من المشايخ وتحصيلا من الكتب، ومن خصاله أنه جمع بين الشجاعة والمروءة والجد في الطلب والبعد عن اللهو والترف.

المسألة الثانية: في أن أبا الوفا التفتازاني أتى بنص للمقري يرد بها دعوى إنكار ابن سبعين للنبوة وكونه يرى أنها شيء كسبي، قال شهاب الدين أحمد المقري: وقال بعضهم عند إيراده جملة من رسائله …: إنها تشتمل على ما يشهد له بتعظيم النبوة وإيثار الورع … وقال بعض العلماء الأكابر، عند تعرضه لترجمة الشيخ ابن سبعين المترجم به، ما نصه ببعض اختصار: هو أحد المشايخ المشهورين بسعة العلم، وتعدد المعارف، وكثرة التصانيف، ولد سنة 614، ودرس العربية والأدب في طريقه، وجال في البلاد، وقدم القاهرة، ثم حج واستوطن مكة، وطار صيته، وعظم أمره، وكثر أتباعه، حتى إنه تلمذ له أمير مكة، فبلغ من التعظيم الغاية اهـ [نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، شهاب الدين المقري، تحقيق: إحسان عباس، (2/202) ] .

المسألة الرابعة في إيراد نص التهمتين اللتين قيدهما الشيخ شمس الدين الذهبي في تاريخ الإسلام، قال في الأولى: واشتهر عنه أنّه قال: لقد تحجّر ابن آمنةٍ واسعًا بقوله: لا نبيَّ بعدي. وجاء من وجهٍ آخر عنه أنّه قال: لقد زربَ ابن آمنةٍ حيث قال: لا نبيَّ بعدي. فإنْ كان ابن سبعين قال هذا فقد خرج به من الإسلام، مع أنّ هذا الكلام في الكُفْر دون قوله في ربّ العالمين أنه حقيقة الموجودات، تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا [ تاريخ الإسلام، الذهبي، تحقيق: بشار عوّاد معروف، (15/168) ]، وقال في الثانية – معتمدا في نقله خبر الواحد – :حدَّثني فقيرٌ صالح أنه صحب فقراء من السبعينية فكانوا يهوّنون له ترك الصّلاة وغير ذلك اهـ [ المرجع نفسه، الموضع نفسه ].

المسألة الخامسة في دحض التهمتين: إن الإمام الذهبي ومن تبعه من علماء الإسلام، استشكلوا مقالات ابن الفارض وابن عربي وابن سبعين وأضرابهم من فلاسفة التصوف وعَدُّوهم زنادقةً قائلين بالاتحاد، وكلام الذهبي في ابن سبعين مردود من كلام ابن سبعين نفسه، ونحن نرد التهمتين؛ أما الأولى فأنت تقرأ في رسائله ما ينفيها عنه رأسًا، وانظر مثلا: رسالته في أنوار النبي التي بلغت عنده ثلاثين 30 نورا، إذ يقول: فاعلم أنتَ وأهل الدرجات أن نورَ السموات والأرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مظهره ومشكاة مصباحه… اهـ[رسائل ابن سبعين، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، ص 202 ]، ومن أنوار النبي التي ذكرها ابن سبعين، نور النهاية ! قال: فهو نور الله تعالى الذي ختم به النبوة وانتهى الأمر عندَه، وصور التكميل بالجملة، وهذا أظهر له صلى الله عليه وسلم أنه خير الرسل فإنه نسخ ما ظهر أنه صاحب نهاية الأمور الذي يرجع إليه، والكامل الذي لا يمكن أن يزاد فيه ولا ينقص منه ! اهـ. [ الرسائل، ص 207 ].

وأما تهمة تهوينه لأمر الصلاة، فلا راد لها إلا كلام ابن سبعين نفسه، ووصيته لأصحابه، قال: سلام الله عليكم حفظكم الله! حافظوا على الصلوات وجاهدوا النفوس في اتباع الشهوات، وكونوا عباد الله أوابين توابين، واستعينوا على الخير بمكارم الأخلاق…اهـ [ الرسائل، ص 312 ].

أختم بكلام للإمام الذهبي قال فيه: فيا أخي ويا حبيبي اعطِ القوسَ بارِيها ودعني ومعرفتي بذلك، فإنّني أخاف الله أن يُعذّبني على سكوتي كما أخاف أن يعذّبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجلٍ مسلم: يا كافر، لقد بؤت بالكفر، فكيف لو قلته لرجلٍ صالح أو ولٍّي لله تعالى؟ [ تاريخ الإسلام، (15/168) ].

هذا ما تيسر، والحمد لله رب العالمين.

كتبه: شعيب عز الدين حبيلة، روائي وكاتب مسرحي، باحث في التصوف والمصطلح القرآني، طالب دراسات عليا بكلية الآداب والحضارة الإسلامية، جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية، قسنطينة، الجزائر.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: