أجمع عدد كبير من علماء المدرسة الشرقية شاركوا في مؤتمر”داروين تراث حي” في الإسكندرية الأسبوع الماضي على أن الدين الإسلامي لا يتعارض مع نظرية تطور الكائنات الحية عبر الأزمنة، في وقت عجز فيه العلم عن دراسة كل ما هو غير ملموس او محسوس مثل “الروح”. الا انهم دعوا لضرورة إيجاد حوار بين العلماء المسلمين وعلماء الأحياء لبيان الحقائق المبنية على أسس علمية بأن “الله خالق قوانين الانتقاء الطبيعي”. وبخلاف ما طرحة علماء المدرسة الغربية في المؤتمر “الدارويني” بضرورة “فصل الدين عن العلم” بعد ان حاربتهم الكنيسة عبر القرون الماضية، أيد علماء أردنيون وعرب من المدرسة الشرقية خلال مقابلات منفصلة اجرتها معهم الغد” ربط الدين بالعلم. ورفض هؤلاء العلماء الطروحات التي وردت على لسان احد أحفاد العالم الانجليزي تشارلز داروين راندل كيتر، مؤلف كتاب “الخلق”، عندما طالب بـ”الفصل بين الخطاب الديني العلمي عند قراءة أعمال داروين الذي كان شغوفا بالحقيقة العلمية”. واعتبر باحثون في المؤتمر الذي اختتمت فعالياته موخرا في مكتبة الإسكندرية بتنظيم من مركز الدراسات والبرامج الخاصة فيها والمجلس الثقافي البريطاني وشارك فيه ما يزيد على 120 باحثا من 30 دولة ان الدين الإسلامي يشكل منظومة حياة متكاملة للمسلمين أساسها تشجيع العلم والفكر والبحث والتقصي. ولفتوا الى ان “أول كلمة نزلت في القرآن الكريم هي “اقرأ” فيما حثت أحاديث نبوية شريفه على “طلب العلم من المهد الى اللحد”، واخرى دفعت بالمسلم للسفر بعيدا والاستكشاف والتقصي سعيا وراء المعرفة، “حتى ولو كان الى الصين”. وركز هؤلاء العلماء على “ربط الإعجاز القرآني بالعلوم لخلق جيل مسلم مسلح بالعلم والإيمان”. ومع ذلك، فإن المجتمع الإسلامي في المرحلة الحالية، وبعد مروره بعصورالظلمة، بحاجة إلى “تشجيع الحوار العلمي الديني من دون أي خوف أو تردد في طرح القضايا العلمية الجدلية التي لها علاقة بالدين، وفهم معمق للنظريات العلمية وعدم تبني رأي الغرب من دون إثباتها بإجراء أبحاث علمية خاصة بمجتمعنا الإسلامي ” بحسب قولهم.
ورأى داروين في نظريته أن “المخلوقات لها أصل واحد مشترك انبثقت منه، بحسب ما هو مبين في الشجرة التطورية للكائنات، وبمرور الزمن حصلت لها تغيّرات حتى أصبحت على ما هي عليه الآن، غير أنه لم يفسر كيف ولم تحدث تلك التغيرات. وأن الإنسان ليس منفصلا عن باقي الكائنات إلا انه مميز بصفاته عن المخلوقات الأخرى”. و”ما يزال أمر نشأة الوعي والثقافة الإنسانية أمرا محيرا للباحثين في العديد من المجالات، غير انه أصبح بالإمكان مقارنة التسلسل الجيني الكامل للإنسان والمخلوقات الاكثر شبها به وهي الشمبانزي، مما يوفر بعض ادلة على التغييرات في الحمض النووي كانت ذات تأثير في ظهور الصفات الإنسانية مثل تضخم المخ وانتصاب قامته واستخدامه للغة”، حسب علماء، يرون انها جاءت مع تحولات جينية، مكنته عبر العصور على صناعة الأدوات مما يدل على تطور الإنسان الثقافي ايضا. وتظل حفريات العظام، وفق علماء عنصرا مهما قد يتم استخدامها في اعادة بناء السلالة البشرية وكيف نشأ الإنسان الحديث من أقاربه المنقرضين من الإنسان الاول قبل 7 ملايين سنة. غير ان التحدي يكمن بالجمع بين أدلة الحفريات والحمض النووي لتعطي صورة أكثر وضوحا لكيفية الربط بين الخيوط المتنوعة للتطور معا بنفس الطريقة التي ساعد بها استخدام العقل والأيدي والأدوات للتحول الى مجتمعات إنسانية، وفق علماء. كما شرح داروين التنوع الشديد للكائنات الحية ووصفه في النوع الواحد الذي نتج عن تربية الخيول والحمام او المواشي وربط ظهور واختفاء الأنواع في السجل الموجود في الحفريات الموجودة في الصخور. وبمقارنة الهياكل العظمية والمخططات الجسمانية للفصائل المختلفة التي أظهرت أنها “كانت مرتبطة ببعضها البعض عن طريق أصول مشتركة”.
أشعل داروين نورا أمام العلماء، لكنه احدث انقساما بين صفوفهم ما بين مؤيد ومعارض لنظرياته وسط جدال استمر أكثر من 150 عاما مما دل على “عبقريته” بوجهة نظر العلماء، وبهذا الصدد قال الفيلسوف جون ستيوارت ميل “لقد فتح طريقا للبحث مليئا بالوعود ولا يمكن لأحدنا ان يتنبأ بها” فيما اعتبر الأسقف صموئيل ويلبرفورس ان “أهم ما جاء في كتاب داروين إرساء لقانون الانتخاب الطبيعي، لكننا نختلف معه تماما في حدود تأثيره”. وحتى الآن، لم يتوصل علماء وباحثين من مختلف أنحاء العالم في المؤتمر احتفالا بمرور 200 عام على مولد دارون الانجليزي الاصل، إلى نوع من التوافق في النقاشات لكنهم أعربوا عن أملهم “بإيجاد مزيد من النقاش والجدل حول نظرية النشوء والارتقاء وفي خطوة جادة للبحث عن الحقيقة”، مسلّمين بمقولة العالم إلبرت اينشتاين المشهورة “إن التطور واقع وأصبح حقيقة حتى الآن ضمن العلم الموجود ويمكن ان يتغير، ولا بد من تفسير الطبيعة وليس ما فوق الطبيعة”. واتفق بذلك العلماء المسلمون في المؤتمر ذاته إلى ما ذهب اليه نظراؤهم من علماء الدين المسيحي على ان العلم لا يدرس أو يبحث بأمور غير ملموسة او محسوسة مثل “الروح” باعتبارها من صنع الله خالق الكون. ولم يتردد باحثون سواء من المدرستين الشرِقية او الغربية، بالبحث مليا في مسألة استمرار بقاء نظرية داروين في الوراثة والتنوع والانتخاب الطبيعي حتى عصرنا الحالي. وأوضحوا أن نظرية التطور بواسطة الانتخاب تنقسم الى ثلاث ركائز مهمة. وأولى هذه الركائز الثلاث، بحسب باحثين، عندما يتكاثر الافراد في المجتمع فإن الجيل الجديد يجب ان يشبه جيل الأبوين، وثانيها ان التشابه بين الأجيال يكون متقاربا وليس كاملا، بحيث يكون لكل جيل جديد بعض التنوع في الصفات، وثالثهما انه لا بد من علاقة بين بعض الخصائص الجديدة وزيادة القدرة على البقاء والتكاثر. بيد ان العلم الحديث وفر بعض التفاصيل حول آلية الوراثة للإجابة على اسئلة كثيرة حول تنوع في المخلوقات، من خلال اكتشاف “الخريطة الوراثية” وتعريف كل مخلوق من خلال المعلومات الموجودة في جيناته. ولاسيما وان هناك رسائل مكتوبة في ترتيب الحروف الكيميائية (DNA) الموجوده في الحمض النووي، إذ يتم نسخ الجينات ونقلها لسلالة كل كائن، بحسب العلماء والأكاديميين. لكن، عملية النقل تلك يمكن أن تحدث فيها أخطاء صغيرة ينتج عنها تغيرات عشوائية في المعلومات الخاصة بالحمض النووي وتعد هذه التحولات التي تؤدي الى التنوع في المخلوقات، وفق العلماء الذين اشاروا الى ان “مقارنة الأجنة وهي تنمو أوضحت أن الانواع المختلفة تبدو متشابهة في المراحل الأولى لتكوينها. وسط ذلك، أجمع العلماء من المدرستين الشرقية والغربية ان تفسيرا خاطئا شاب نظرية داروين الذي قام بإجراء البحوث في أصل المخلوقات، موضحين أن داروين “لم يقل إن الإنسان أصله قرد” بل “إن الإنسان والقرد لهما أصل واحد وفقا للتطور الكوني” وثمة فرق كبير بينهما، بحسب الباحثين. وقال البروفسور في الجامعة الأردنية احمد الديسي، مدرس نظرية التطور اكثر من 30 عاما، “اذا كنت مسلما فمن الخطأ ان لا تقبل بنظرية التطور التي تعتبر نوع من انواع العلوم”. واعتبر ان ما يشاع ان الإنسان تحدر من سلالة القرود “خطأ علمي فادح”، لافتا الى ان هناك اصلا مشتركا ما بين الإنسان والقردة العليا الشمبانزي، مبينا ان هذا ما جاء به داروين، وكان مثار نقاش في العالم الاسلامي والغربي حتى الآن. فيما شددت المديرة التنفيذية للمركز القومي للعلم والتعليم بالولايات المتحدة الأميركية البروفيسورة يوجيني سكوت على ضرورة عدم “مناقشة العلم في ظل الدين”، واعتبرته انه “خطأ وخرق للقواعد العلمية المتعارف عليها”. وقالت “نحن لا ندرس انقسام الخلية في سياق ديني مثلا، ولا بد لنا من أن نفسر الظواهر الطبيعية بعيدا تماما عن الدين”. حظي هذا الرأي بموافقة العدد الأكبر من المحاضرين من الغرب وبعض الباحثين الشرقيين، عندما أكد مارتن دافتسون، مدير المركز الثقافي البريطاني في القاهرة، في مؤتمر صحافي عقد خلال المؤتمر “الداويني” حول إمكانية إعادة صياغة النظرية بما يتماشى مع ثقافة المجتمعات الشرقية والإسلامية، قائلا “إنه علينا تحرير النظرية من المعتقدات الدينية؛ فلا يمكن للنظريات العلمية أن تتقولب بحسب المعتقدات”. غير ان البرفسور الديسي أكد لـ”الغد” انه “لا يمكن فصل الدين عن العلم في العالم الإسلامي، فالقرآن الكريم اشار الى حقائق علمية بقوله “وهديناه النجدين” أي الدماغ في الوقت الذي تقف العلوم فيه عاجزة عن تفسير كل ما هو غير محسوس مثل الروح. وقدم الديسي أفضل دليل علمي يؤكد نظرية التطور عبر التاريخ اكتشفت في الأردن، من خلال مستحثات لأضخم الزواحف الطائرة العملاقة المنقرضة في العالم معلق جسمه “البلاستيكي” في قسم العلوم بالجامعة الاردنية لكن المستحثة الحقيقية رحلت الى ألمانيا. واكتشف هذا الزاحف الطائر في مناجم الفوسفات في الرصيفة العام 1943، معتبرا تلك المناجم “كنزا كبيرا” لاحتوائه على مستحثات تثبت التغير والتطور عبر التاريخ ، متسائلا “في ظل هذه الإثباتات العلمية ومن المنطقة العربية كيف نرفض نظرية التطور”. واعتبر الأردن من أهم المناطق في العالم لدراسة التفاعلات الطبيعية ما بين الكائنات التي تحدرت من اصول مختلفة، باعتباره جزءا من حفرة الانهدام التي اكتشف فيها اغلب مستحثات الانسان ويأتي امتدادها من جنوب تركيا مرورا بلبنان والاردن وفلسطين وانتهاء في افريقيا. ويعد وادي رم “جنوب الاردن”، معبرا للحيوانات ما حوله بشكل طبيعي الى مرشح “فلتر” بيولوجي يسمح او لا يسمح بمرور حيوانات غير موجودة على سبيل المثال في صحراء سيناء، بحسب الديسي الذي دلل الى وجود كائنات انقرضت في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وجدت نقوشها الصفوية في رجم بني هاني في البادية الاردنية. وقال إن عملية الانتخاب الطبيعي تعتمد على المادة الوراثية، والتغيرات لا تتوقف مطلقا، وهي جاهزة للعمل لتحسين التكامل والتناسق والتناغم في تلك المادة. اذ كلما زادت التغيرات تعطي مجالا أفضل للتنوع”. وأوضح الديسي ان هذه الاختلافات ناتجة عن تزاوج غير محدود ومن هنا تبرز أهمية النوع في تشكيل الوحدة الرئيسية في عملية التطور، مفسرا ان النوع هو “مجموعة من الأفراد قادرة على التزاوج وإنجاب وافراد قادرين على الانجاب ايضا لضمان بقاء النوع”. وبمقولة أينشتاين “لا يوجد كمية كافية من التجارب تثبت نظرية علمية”، عبر مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين عن رأيه في الجدل المثار حول النظرية، مؤكدا على حقيقة أن فهم نظرية التطور مهم لفهم ومواكبة التطور في العلوم الحيوية، ومنها فهم مقاومة الفيروسات للمضادات الحيوية. وشدد على أن داروين أعظم عظماء القرن العشرين، وأنه قام بتدعيم نظريته بدلائل تثبتها الأيام يوما بعد يوم، مثل جاليليو، ونيوتن، وأينشتاين. ولفت الدكتور سراج الدين النظر إلى نقطة جوهرية حول فهم النظرية في العالم العربي؛ حيث ينبع رفض العديدين للنظرية من عدم الفهم الصحيح لها، فيعتقد الكثيرين أن نظرية دارون تؤكد أن الإنسان أصله قرد، وفي الواقع فالنظرية توضح أن الإنسان والقرد لهما أصل مشترك فقط. فيما أكد سامي زلط، أستاذ التنوع البيولوجي والرئيس السابق لقسم علم الحيوان بجامعة قناة السويس، في كلمته أنه اصطدم بعدم فهم طلبة العلوم في العالم العربي بشكل خاص لنظرية داروين وتفاصيلها. وبحسب أستاذ مساعد البيولوجيا جزئية في الجامعة الهاشمية رنا الدجاني، فإن التكوين الجيني والبروتينات أديا الى اثبات نظرية التطور التي حصلت منذ بلايين السنين، معتبرة ان “التطور أصبح حقيقة ضمن العلوم الموجود حاليا لكنه متغير”. وقالت الدجاني لـ”الغد” لم يكن حضارة إسلامية علمية عندما طرح داروين نظريته في القرن التاسع عشر وذلك نتيجة انغماس علماء المسلمين بمشاكل سياسية واجتماعية فيما حاربت الكنيسة المسيحية العلم والعلماء. و”عندما استيقظ علماؤنا تبنوا مباشرة رأي الكنيسة من دون بحث علمي أو فهم معمق لنظرية داروين فحاربوها”، حسب الدجاني التي اعتبرت أن الحوار ما بين رجال الدين والعلماء “غير موجود” في العالم الإسلامي. ورات “مقومات أي دولة وأساسها يجب ان يقوم على العلم والمعرفة والإيمان”. وأضافت الدجاني “بيد أن رجال الدين يجهلون ما قد يفرزه هذا الحوار من إيجاد علماء تقربوا من “الدين الإسلامي من دون خوف أو قلق من نتائج التفكير العلمي، الذي يجعلهم يبحرون في مجالات العلوم والطب يمكنهم إطلاق الاكتشافات العلمية الحديثة والسيطرة على الأمراض في العالم من خلال نظرية التطور”. وأشارت الدجاني إلى أن علماء عصر الإسلام الذهبي مثل الجاحظ، والفارابي، وابن خلدون، قد توصلوا بالفعل في أبحاثهم إلى مجموعة من النتائج التي يمكن أن تقبل نظرية التطور في ضوء مبادئ الإيمان. وأكدت على أهمية إصلاح نظام التعليم في العالم العربي والإسلامي لتصحيح الخلط القائم بين طبيعة الفلسفة والعلم. ولا يرى الدكتور يعقوب الاشهب من جامعة بوليتكنك فلسطين أي تعارض بين كونه مسلما واعتقاده بصحة النظرية، فالأدلة العلمية تجمع على حدوث التطور، وفيما يعبر الغرب عن القوة التي تقوم بعمل هذا التطور بوصفها “قوة خارقة”، فيما نراها نحن كمسلمين أنها “الله”، وأنه هو سبحانه وتعالى القادر على ضبط ما يسمى في النظرية بـ”البقاء للأصلح”، أو “الانتخاب الطبيعي”. ويجد الأشهب في حديثه الى “الغد” ان المنظومة البحثية في العالم العربي والإسلامي “عقيمة” في ظل ضعف التمويل البحثي واعتماد مبدأ تلقين العلوم للطلبة من دون دفعهم نحو تفسير وتحليل وانتقاد النظريات العلمية. ومن السهل على المسلمين ان يرفضوا أي نظرية او عمل تكنولوجي، لأنهم بحسب الاشهب” لا يبذلون جهدا لإثباته”، لافتا الى ان “الدين الاسلامي الحنيف ناظم الحياة يكرم العلماء ويصلهم بهم الى مرتبة الشهداء”. فيما قال أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بالجامعة الأميركية في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة نضال جيسوم، “في السابق كنت أعتقد أن الإسلام يعارض نظرية التطور، لكني أراه يتماشى معها تماما، فالتطور من صنع الله”. ويعتقد جسوم أن المشكلة الرئيسية في العالم العربي هي عدم تقبل وجود تطور قبل آدم، فهو أبو البشر، وعادة ما يقرأ الناس القرآن حرفيا”، وتعلق الدكتورة رنا على ذات النقطة بتوضيح أن الآية الكريمة تقول “وَلَقَد خَلَقنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ” وهنا في الآية الكريمة إقرار بأن كل الكائنات أصلها من الطين. من جهة اخرى، وفي محاولة من “الغد” للاطلاع على مدى معرفة المواطن الاردني بداروين ونظريته، اجرت على موقعها الإلكتروني استطلاعا غير علمي للرأي، طرحت فيه سؤالا: هل تعرف نظرية داروين؟ حيث شارك فيه منذ طرحه في التاسع عشر من الشهر الحالي 1616 شخصا، اجاب 77% منهم انهم يعرفونها، في حين اجاب 23% منهم بأنهم يجهلونها. علما ان الاستطلاع سيتوقف في الثلاثين من الشهر الحالي.
استغرق تشارلز داروين، في القرن التاسع عشر، نحو أكثر من عشرين عاما لكي يشعر انه مهيأ لنشر افكاره حول التطور، قضاها متنقلا على ظهر سفينة اتش ام بيغل للمسوحات البحرية بين جزر وبلدان (البرازيل، وتاهيتي، وتشيلي وجزر الجالاباجوس) ليحتفظ بصحيفة علمية تقوم بدراسة علوم الأحياء والجيولوجيا وعلم الانسان واحتفظ بها لمدة خمس سنوات بملاحظاته التفصيلية على الحيوانات والطيور والحشرات المتوطنة في رحلته ليحمل “كما لانهائيا من الفضول حول علم الطبيعة وتنوع الحياة”.
ظل داروين في قلب الأبحاث المعاصرة في مجال الاحياء والطب فخلقت افكارا مثيرة للجدل ألقت بظلالها في مؤتمر الاسكندرية الدارويني لتثري شبكة دولية “عنكبوتية” تضم 2000 شخص من 46 دولة يجتمعون حول أفكار نظرية داروين وعلاقته بمبدأ الايمان، بحسب مارتين ديفيسون الرئيس التنفيذي للمجلس البريطاني. داروين في سطور كان تشارلز داروين ابن طبيب غني في مدينة شروبري في مقاطعة شروبشاير الانجليزية التي يغلب عليها الطابع الريفي. وبعد أن فشل في دراسة الطب في ادنبره، تم إرساله إلى جامعة كامبرج لدراسة “اللاهوت” المسيحي. وفي الجامعة التقى داروين بالكثير من علماء الطبيعة، ما مكنه في العام 1831 من الحصول على مقعد على ظهر سفينة اتش ام اس بيجل للمسوحات البحرية التي أقلعت في رحلة حول العالم في خمس سنوات. احتفظ خلال الرحلة بملاحظات جمعها حول الكائنات الحية من الإنسان والطيور والنباتات والحشرات المتوطنه في الأماكن والجزر التي زارها مثل تشيلي وبيرو وتاهيتي ونيوزيلندة. وبعد عودته الى لندن استقر داروين في منزله الجديد في مقاطعة “كنت”، ليبدأ مرحلة التفسير حول تطور الكائنات عن طريق الطفرات وطوّر نظريته الشهيرة في الانتخاب الطبيعي في العام 1838. واستغرقت عملية الفهم والتفسير لدى داروين ما يقارب 20 عاما قبل ان ينشر أفكاره في كتابه “أصول الأنواع” عن “الانتخاب الطبيعي” في العام 1859 ، قبل 150 عاما، والذي على أثره أصبح داروين مشهورا في علم الاحياء. ولم يسافر داروين مرة أخرى بعد رحلة سفينة “بيغل” الا انه اعتمد في حياته على جمع المعلومات عن طريق مراسلة زملائه حول العالم في الهند وأميركا والبرازيل وجامايكا، بهدف توضيح افكاره. وعندما قام بنشر كتابه “اصل الانسان والانتخاب وعلاقته بالجنس” في العام 1871 كان داروين يقوم بكتابة 1500 رسالة في العالم، بالمقابل يجمع الرسائل من العالم للخروج برؤية جديدة للعالم الطبيعي معتمدا على الآخرين مثل زوجته ايما وأبنائه العشرة في بيته واصدقائه وزملائه في انجلترا ومراسليه في العالم وبشكل خاص الفرد والس الذي كان لديه بعض الأفكار المشابهة لداروين وشجعه على نشرها. وفي نهاية حياة داروين كان عضوا في 57 جمعية علمية واحتفظ بتلك العضوية من دون ان يغادر بلده منذ رحلته على سفينة” بيغل “عام 1836. وقد اصبح داروين متقوقعا وغير منتج في منتصف العمر وتوفي العام 1882 لكنه قبل ان يتوفى قضي ثماني سنوات وهو يدرس هدابيات الأرجل القشرية (barnacles)، التي حولته عن دراسة الانواع، ليسجل ملاحظاته في ثلاثة كتب مفصلة. دفن داروين في كاثدرائية وستمنستر آبي في لندن إلى جانب كل من وليم هرتشل وإسحق نيوتن تكريما لتميّزه في العلوم. نظرية داروين حول تطور الكائنات الحية يقول داروين في كتابه أصل الأنواع الفصل الرابع “هل يمكننا الشك في ان الأفراد الذين يولدون بمزايا (صفات)، أيا كانت بسيطة تميزهم عن الآخرين، لديهم فرصة أفضل في البقاء والتكاثر ومن ناحية أخرى، فإننا بالتأكيد سنشعر بأن أي تغيير سلبي سيكون محكوما عليه بالفناء. وهذا الحفاظ على التغييرات الايجابية ونبذ التغييرات السلبية هو ما اسميه الانتخاب الطبيعي”. فيما أشار في الفصل الثالث عشر من كتابه إلى “أن هناك عددا من الحقائق، بأن الأنواع والفصائل وأسر الكائنات الحيوية التي لا حصر لها التي تقطن في هذا العالم تحدرت جميعها كل حسب مجموعته أو شريحته من أم وأب مشتركين وتم تعديلها من جيل إلى جيل”. وعليه فإن النظرية تشير إلى ان الوراثة والتغيير والانتخاب يمكن أن تؤدي إلى تغيير الأنواع ومن الممكن ان يحدث التطور بشرط ان تمر مجموعة من الكيانات الفردية بعدد من الأجيال وفقا لدورة معينة تحدث نتائج مختلفة. ورغم ان داروين وضع العديد من البراهين على صحة نظريته الا ان القصة كانت تحتوي على فجوات اهمها “اصل الحياة” بالإضافة الى انه لم يقدم افكارا مقنعة حول كيفية انتقال الخصائص المتغيرة للأجيال القادمة.
حنان الكسواني-الغد الإسكندرية –

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: