إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ۩ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ۩ وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ۩ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

تأتي هذه الخُطبة استجابةً لطلبٍ لحوح من أكثر من أخت مسلمة ويُمكِن القول حول العالم – من العالم العربي وهنا في أوروبا ومن بلدان أخرى – لأن ظاهرة التعدي على المرأة المسلمة من زوجها يبدو أنها ظاهرة شائعة إلى حدٍ ما، فمازلنا نعتمد ونتوسل ونتكيء على تفسيراتٍ وفتاوى ومفهومات تُلصَق بالدين من وراء وراء وبأساليب لا تُقِّرها القواعد المُعتمَدة في فهم النص الديني، أحد المشايخ يظهر في فضائية معروفة ويزعم أن ضرب الرجل المسلم لامرأته من باب تكريم الشريعة لها، والعنوان مُثير جداً ومستفز فهو يقول الضرب تكريم، كيف يكون تكريماً والنبي يقول ولا تجدون أولائكم خياركم؟ فالذين يضربون ليسوا خيار المسلمين، هم طبقة أدنى، أي طبقة أسفل وأقل، فهم ليسوا كرام المسلمين، ليس الرجل الكريم هو الذي يضرب، وإن كان هذا من باب تكريم النساء لكان أولى الناس بأن يستكثر من هذه الكرامة – صلى الله عليه وسلم – ، لأنه تكريم فلابد أن نُكرِمها، لكن هذا عجيب جداً، كيف فسَّر هذا والنبي ما ضرب امرأةً له قط ولا خادماً ولا شيئاً بيده؟ تقول عائشة – رضوان الله عليها – كما في الصحيح إلا أن يُجاهِد في سبيل الله، فالنبي ما عُرِف عنه أنه ضرب امرأةً أو خادماً أو شيئاً من الأشياء حتى في حال غضبه بيده أبداَ إلا في الجهاد – صلى الله على ذي الخلق الكامل والخلق العظيم – فقط، فكيف يُقال الضرب تكريم؟ كيف يا مولانا تكريم؟ قال لأن الإسلام حين شرَّع ضربها قال لا يُضرَب الوجه ولا يُكسَر العظم ولا يُكسَر السن ولا يُمزَّق اللحم ولا تُسَب ولا تُلعَن فهذا تكريم لها، وهذا شيئ غريب وطريقة عجيبة جداً ولا أدري كيف يتعلمون وأين يتعلمون ومن أي جامعات يتخرجون وما هذا المنطق وكيف تركب الأشياء على بعضها، بدل أن يقول الضرب كان شائعاً وتتعاطاه العرب بالذات مع نسائها وهذا أمر معروف خاصة مع العرب المكيين – نخص العرب المكيين – لأن أهل المدينة يختلفون وسيأتي تفصيل هذا بعد قليل، لكن على كل حال العرب في مكة وغير مكة ليسوا سواء، وأهل المدينة كانوا يختلفون ووضع المرأة كان أعلى عندهم، يقول عمر بن الخطاب – رضوان الله عليه – في أنحاء وتضاعيف الحديث الشهير الطويل الذي يرويه ابن عباس وهو حديث هجر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لنسائه – حديث الهجر وعمر الفاروق رضوان الله عليه ظنه طلاقاً أو تطليقاً – وكنا معشر المُهاجِرين قوماً نغلب نساءنا، فإذا بالأنصارِ قومٌ تغلبهم نساؤهم، فجعل نساء المُهاجِرين – أي المُهاجِرات – يتأدبن بأدب نساء الأنصار، وهذه فوارق اجتماعية وفوارق ثقافية، فالثقافة السائدة في المُجتمَع المدني تختلف عن الثقافة الشائعة في المُجتمَع المكي، في مكة المرأة أقل وأنزل هناك لكن في المدينة أرفع، ولذلك حتى نساء الأنصار ورد فيهن – رضوان الله عنهن جمعاوات – قول عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن لمينعهن الحياة من أن يتفقهن في الدين، فهن لديهن جرأة واستقلالية في الشخصية وثقة بالنفس ونوع من التربية الحرة المُتقدِّمة ولكن أيضاً المُنضبِطة بحدود الشرع، والشرع جاء ليلتئم بهذا ويتساوق معه، فلا تقل لي هذه كرامة لأن هذه ليست كرامة، هذه وسيلة أدنى، هى رخصة فقط، الشرع جاء رخَّص في الحالات الحرجة وسوف ندرسها الآن قرآنياً، فهو رخَّص بها كرخصة وهى إلى الحظر أقرب، فهذا خلاصة الكلام وزبدة الكلام كما قال العلَّامة المُجدِّد محمد رشيد رضا في تفسيره المنار، فهو قال هذه رخصة وهى إلى الحظر أقرب، ولذلك لم يقل أحد أن ضرب النساء مُستحَب أو واجب، بل لم يقل أحد إنه مُباح هكذا بإطلاق، هذه إباحة مكروهة، إباحة تشوبها الكراهة وإباحة مع الكراهة، فهكذا قال العلماء، ولذلك الفقهاء الكبار – وأين أمثالهم؟ انقرضوا إلا مَن رحم ربي وقليلٌ ما هم – قالوا بهذا، وهذا هو الفقه الحقيقي في دين الله، الفقه الذي يحكي نفساً سوية سليمة وطبيعة مُستقيمة وعقلاً مُزهِراً مُتفتِّحاً وفهماً في الدين قاعداً راسخاً، لا نفوس مُلتاثة ومشوبة بشوائب لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى ومن ثم الدين يُصبِح تبريراً وليس بتدبير لشؤون الخلق، وهذا شيئ غريب جداً،

هذا الفقيه الجليل وهو سيد من سادات التابعين ومُفتي الحرمين وصدر الأمر الخلافي – أمر الأمير – بألا يُفتي أحدٌ الحجيج إلا عطاء، وهو كان عبداً وتفقَّه في دين الله فرفعه الفقه إلى أعلى منزلة وإلى أشرف مثابة وهو عطاء بن أبي رباح تلميذ عبد الله بن عباس رضيَ الله تعالى عنهما، ماذا قال عطاء؟ وليختبر أحدكم الآن مع بعض أدعياء العلم أن يتقيل طريقة عطاء وأن يتلبَّس بهذه الفتوى ويدعيها لنفسه فيقول أنا أرى أن المرأة لا تُضرَب، المرأة لا تُضرَب حتى وإن عصت زوجها، الذي سيحدث أنك ستُكفَّر وسيُقال لك الله يقول وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ ۩ وأنت تقول لا تُضرَب فإذن أنت كافر وهكذا، هذا الفقه اليوم ما شاء الله، لدينا اليوم فقهاء من هذا الطرز، وعلى كل حال ماذا قال عطاء؟ قال لا يضربها – الرجل لا يضرب امرأته ولا ينبغي هذا -، وإن أمرها ونهاها فلم تُطِعه لا يضربها – ينهى عن ضربها – وإنما يغضب عليها، أي له أن يغضب عليها ويُظهِر غضبه وحزنه وعتبه لكن لا يضربها!
ماذا قال القاضي ولإمام العلَّامة – ومَن مثله؟ – أبو بكر بن العربي الأندلسي صاحب أحكام القرآن – ليس ابن عربي الصوفي وإنما أبو بكر بن العربي القاضي صاحب أحكام القرآن والذي له كتاب في التفسير لم يصلنا في ثمانين ألف ورقة، فهو في مائة وستين مُجلَّداً وكل مُجلَّد خمسمائة صفحة، ما هذا؟ عجب هذا الكتاب لكنه لم يصلنا ويا ليته وصلنا – رحمة الله عليه؟ هل قال شذ عطاء ويا لها هفوةً من عطاء وبئس القيل قيل عطاء؟ لم يقل هذا أبداً، وإنما قال هذا من فقهه بالشريعة، هذا من حسن فقه عطاء بشريعة الله، فهذا رجل مُتشرِّع ويفهم شرع الله حقاً – قال هذا من حسن فقهه بالشريعة ولم يقل في الشريعة – ووقفه على مظان الاجتهاد، أي أن هذا إمام مُجتهِد، لماذا؟ لأنه رأى الشارع الحكيم رخَّص من جهةٍ في ضرب النساء وندب إلى تركه ونهى عنه نهي كراهة من طريقٍ أخرى وهى ما روُيَ عنه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – من قوله – حديث عبد الله بن زمعة وحديث أيضاً إياس بن عبد الله بن أبي ذُبَاب – لا تضربوا إماء الله، وفي حديث ابن زمعة النبي – هو في الصحيح – يُعجِّب ويستثير عجبنا من الرجل يضرب زوجته ضرب الفحل كما يضرب الفحل من الإبل ضرباً شديداً وبعد ذلك قال ثم لعله يُعانِقها، فالنبي يقول هذه حالة زرية لا أرتضيها لرجال أمتي، لا أرتضيها لرجلٍ كريم، فالآن تضربها كما يُضرَب البعيل كما يُضرَب الفحل وبعد قليل أنت تذل لها وتُريد أن تُعانِقها، وفي روايةٍ أخرى في الصحيحين أيضاً ثم لعله يُضاجِعها، أي يُريد أن يأتي أهله، لماذا؟ أنت لست بهيمة وأنت لست دابة حتى تأتي هذا المأتى وتأخذ هذا المأخذ، هنا تضرب ثم هنا تذل فلماذا؟ لأنك تذل لشهوتك وهذا لا ينبغي، فالحياة الزوجية تقوم على الاحترام المُتبادَل، هى حياة كيانين وحياة شخصيتين مُستقِلتين فكيف إذا كانت مسلمتين – مسلم ومسلمة – أيضاً؟ لابد أن يرعى فيها حرمة الإسلام بعد أن يرعى فيها حرمة الآدمية، فكل آدمي له حرمة وله كرامة، وهذه مسلمة أيضاً تشركك في الدين وتُشارِكك في دينك، قال النبي لا يفرك مُؤمِن مُؤمِنة إن سخط منها خلقاً رضيَ منها آخر، فما أحسن كلام ابن العربي، هو عندي أحسن من كلام عطاء على ما في كلام عطاء من حسن، لماذا؟ لأنه وافق مَن يفهمهم ومُن يتذوقه، وكما قلت لكم لو قال عطاء أو مثل عطاء هذا الكلام في هذا الزمن لكُفِّر، سيُقال هذا يُقدِّم بين يدي الله ورسوله ويرد على الله أمره ويرد على الله شرعه ويتفلسف ويُحكِّم العقل ويُحكِّم الأعراف وهو مغلوب ومُغترِب أو مُتغربِّن والغزو الفكر أثر فيه ومن ثم يُريد أن يرفع المرأة أكثر مما رفعها الله، وهذا غير صحيح، فنحن لا نُعطيها أكثر مما أعطاها الله، افهم ماذا أعطاها الله أولاً، ولذلك علينا أن نُعيد التأمل ودراسة هذا السياق الكريم، فهذه آية عجيبة تقول الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩، وهذه القوامة التي لا يُفلِح أكثرنا في فهمهما أيضاً وتوجيهها من أحسن ما وقفنا عليه في تأويلها قول الفخر الرزاي، الإمام المُفسِّر المُتكلِّم الشهير الجليل في تفسيره مفاتيح الغيب قال معنى قول الله الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩ أن قوَّامون – قوَّام وقيِّم، فعَّال وفيعَّل – من القيام بالشيئ، وأصل القيام بالشيئ هو القيام عليه تدبيراً له واستصلاحاً له، فتقوم بأمر زوجك كما تقوم بأمر صغيرك، تهتم بها وبمعاشها وبرزقها وبكسوتها وبطعمتها أيضاً وبكل ما يتعلق، فأنت المسؤول وهذا معصوبٌ بجبينك – كما تقول العرب – ومطلوبٌ منك، فأنت مسؤولٌ عن هذا ومعصوبٌ بجبينك أنت، والنفقة أنت الذي تسوقها وأنت الذي تُدِّرها والمهر أنت الذي تسوقه أيضاً، ومن هنا قال الله الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩ لماذا؟ قال بِمَا ۩ وهذه باء السببية للتعليل، فالله يقول بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۩، وليس المقصود هنا ذكر وأنثى، فهذا لا غير صحيح، وحتى العقاد هنا لم يُفلِح أن يفهم الآية كما فهمها الفخر الرزاي، وأين العقاد من الفخر؟ الفخر شيخ المُفسِّرين في وقته، هو الإمام البحر والعلم العلَّامة، لكن العقاد قال بتفضيل الفطرة، أي ذكر وأنثى، والعقاد في العموم كان موقفه سالباً أو سلبياً من المرأة، وهذا أمر معروف، فموقفه ليس موقفاً مُتعاطِفاً أو منحازاً إلى المرأة، وعلى كل حال الفخر الرزاي قال اعترض – أي اعترضت – النساء – النساء اعترضن وادّعين هذه الدعوى – على تفضيل الله – تبارك وتعالى – الرجال عليهن في الميراث، لماذا؟ لماذا القاعدة فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ۩؟طبعاً هناك حالات استثنائية كثيرة لكن هذه القاعدة تنتظم أكثر الحالات فيها، فالمرأة عموماً بنتٌ ثم زوجة، وأقل من ذلك حالات أخرى، قد تُساوي الرجل وقد تتفوق عليه، لكن أكثر الحالات أن تكون بنتاً وأن تكون زوجة، فهذه لها النصف وهذه لها النصف، هذه لها النصف من حظ الرجل وتلك أيضاً النصف من حظ الرجل، فكأن لم يُعجِبهن ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩، فقالوا هم الذين يمونون النساء، فهم يقومون على الأسرة وهم الذين يسوقون المهور وهم الذين يدِّرون النفقات، ولذلك تكاليف الرجل أعلى، فمن باب الغُرْمُ بالغُنْم أن الرجل يكون حظه من الميراث أيضاً أعلى، ثم يقول الفخر الرازي في آخر الفقرة فكأن لا فضل، أي كأن لا يُوجَد أي تفضيل في النهاية، فهذه زيادة من هذا الجانب ووافقتها وقابلتها زيادة في ذلك الجانب، ولذا يقول الفخر فكأن لا فضل، أي لا تفضيل إذن فهما مستويان، ولذلك تقول الآية الكريمة وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ ۩، قيل هى درجة القوامة، فهذا مطلوب منه وليس منها احتراماً أيضاً لها وإنعاشاً وإراحةً لها، فلا تُكلَّف بأن تكدح وأن تسعى سحابة النهار أبداً، والمُتعة بينهما مُتبادَلة، لكن هذا يُعصَب بجبين الرجل، فمن باب العدل والإنصاف أن يُزاد في نصيبه في الميراث، وهذه هى القاعدة وهذا سبب النزول وهذا معنى بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۩، في ماذا؟ في الميراث، يفضلها في الميراث فيُنفِق عليها ويسوق لها المهر، ثم قال وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۩، فهذه هى القضية إذن وليس أكثر من هذا!
إذن الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ۩، وللأسف الآن في الفكر الإسلامي أو في الشائع الإسلامي عند العامة بالذات يظنون أن الرجل بما هو مُفضَّل على امرأة، أي كل امرأة بما هى، وهذا شيئ عجيب جداً، وبعض الناس يُريد أن يُمارِس القوامة على امرأة في الشارع، لكن يا أخي هذه ليست زوجتك، أنت قوَّام على زوجك، بمعنى أنك تُنفِق عليها، وليس معنى أنك قوَّام أنك تسحق شخصيتها وتُلغي قرارها وتضربها متى شئت في الأصابح والأماسي وتقول أنا قوَّام، هذا كلام فارغ هذا وهذا ليس من دين الله، دين الله فعلاً دعوة تحررية وتحريرية مُتقدِّمة.

يشهد الله – تبارك وتعالى – حين أقرأ هذه التشريعات الإلهية الثابتة طبعاً في صحيح السُنة والمُتواتِرة في كتاب الله أنني يأخذني يقين ويغلبني يقين أن هذا الشرع من عند الله، وأُقسم بعزة جلال الله :لو كان هذا الشرع من عند محمد ما قدر ولا أفلح ولا استطاع ولا أمكنه – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يشرع عشر بُعيشيره، لماذا؟ لأنه يسير في اتجاه مُضاد للتيار – تيار المُجتمَع – تماماً، فالمُجتمَع العربي كله غير هذا، والمرأة لم يكن لها تلكم المثابة في المُجتمَع العربي، فمَن أين تأتي يا رسول الله وتقول هذا؟ والآن سوف ترون كيف، سوف ترون الخلفية التي عليها نزلت هذه الآية – آية القوامة وآية الضرب – لأن المُجتمَع المسلم كاد أن ينفجر، وكان من المُمكِن أن يحصل تمرد على رسول الله من الصحابة أنفسهم، فيقولوا له هذا كفاية ولا نُريد أكثر من هذا، لأن الرسول سبقهم بمراحل فلكية في تحرير المرأة وهم لا يحتملون هذا، والنساء – كما نقول بالعامية الآن – تمردن قليلاً، فزأرن واجترأن وتجاسرن على الرجال من فرط ما مكنهن، والآن يقولون لك تمكين المرأة Empowerment، هذا هو التمكين، فالنبي مكنهن تمكيناً حقيقياً، والمرأة كان لها حضور سياسي وعسكري أيضاً وشوروي في مجالس الرأي المُختلِفة، وفي قضايا كثيرة كانت المرأة حاضرة باستمرار في مُجتمَع رسول الله المديني أو المدني، والرجال لم يكن هذا ليُعجِبهم كثيراً، فهذا لا يُعجِبهم لأنه مُتحرِّر بشكل زائد عن اللازم كما يرون، ولذلك سوف ترون بالدليل – الدليل الأثري لأن هذه ليست استنباطات عقلية أو انفعالية – هذا.

نعود ونقول إذن الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ – أي غيب الرجل، فهى تحفظه في مشهده وفي مغيبه بالذات – بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ۩، ما هو النشوز؟ الشائع – وهو تفسير وارد وصحيح – أن النشوز هو المعصية، أي عصيان المرأة أمر زوجها ومُخالَفة المرأة لأوامر زوجها، لكن هذا لا تُعطيه اللغة بأصل الوضع، فأصل كلمة النشوز لا يعني العصيان، قال تعالى في المجادلة وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا ۩، فما معنى انشُزُوا ۩؟ ارتفعوا، لماذا؟ حين يكون المجلس ضيقاًكيف نُوسِّعه؟ لابد أن نقف في الأول، نقف ونُعيد ترتيب مجالسنا ومواطننا ثم نعود في المجلس، فالله يقول انشُزُوا ۩ أي قوموا، والنشز والنشاز هو المُرتفِع من الأرض، وحتى في علم الموسيقى والصوتيات يُقال لك نشاز أو نشَّز فلان في الكورس Chorus، ومعنى نشَّز هنا أي ارتفع صوته عن صوت المجموع، فهذا هو الارتفاع إذن، والنشز والنشاز من الأرض هو ما ارتفع منها، فإذن هو الترَّفع والارتفاع، وبالتالي معنى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ۩ أي ترَّفعهن، بمعنى أن المرأة تترفع، وما معنى أن تترفع؟ أن تستكبر على زوجها وتحقره وتزدريه وتُزري عليه، أي أنه لا يملأ عينها كما يُقال، فهذا هو الأصل، وأما تفسير النشوز بالعصيان – وعليه تقريباً جمهور المُفسِّرين لكن ليس كل المُفسِّرين – فأنا أرى أنه – وهو كذلك إن شاء الله – من باب التفسير باللازم، لكن ما معنى التفسير باللازم؟ لأن من لوازم الترفع العصيان، فلا يُمكِن أن المرأة ترى نفسها أرفع من زوجها وأعلى وأكرم وأشرف ثم تُطيعه في كبير الأمر وصغيره، بل سوف تبدأ تعصي أوامره وتقول له مَن أنت؟ لست أنت مَن يصدر لي أوامر ولست أنت مَن يوجهني ولست أنت مَن ينتقدني، فهى لا تراه أصلاً، مثلما ترفعت زينب بنت جحش على مَن؟ على زيد بن حارثة، فهى ترفعت وكانت تراه أنه مُجرَّد عبد، وهو كان عبداً والنبي تبناه، ومن ثم رأت أنها أفضل منه وأنها سيدة بنت سادة وبنت سيدات، فطبعاً لم تستقم العشرة بينهما بسبب ترفع المرأة.

إذن هذا التفسير بأن أصل النشوز هو الارتفاع – نحن نُفسِّره بأصله وبأصل الوضع – أوفق، لكن لم؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن القرآن العظيم ذكر نشوز الرجال أيضاً، فتفسير النشوز على أنه العصيان دائماً لا يُمكِن وإلا ما معنى أن الرجل يعصي أمر زوجته؟ هى ليس عندها صلاحيات أن تُصدِر أوامر على الأقل في الثقافة الشائعة، فكيف تقول لي أن معنى نشوز الرجل أنه يعصي أوامر زوجته؟ هذا غير مقبول عندكم، فغير مقبول لديكم أن يعصي أوامر الزوجة، لكن كيف يُقال هذا؟ قال الله وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً ۩، والبعل هنا هو الذي ينشُز أو ينشِز، فما معنى هذا؟ معنى النشوز الترفع، فمن المُمكِن أن يترفع الرجل على زوجته، فيرى نفسه أفضل منها بحكم السن أو بحكم الجمال أو بحكم المال أو بحكم العلم أو بحكم المثابة الاجتماعية أو بحكم أشياء كثيرة ومن ثم يترفع عليها، وهذا يجعل العشرة تتحرج وتتضيق وتُصبِح المعيشة الزوجية ضيقة وغير مُحبَّبة وغير سلسة وغير سهلة، فتبدأ تتولد المشاكل وتتناتج، مُشكِلة بنت مُشكِلة بنت مُشكِلة بنت مُشكِلة حفيدة مُشكِلة، وهكذا تزداد باستمرار وقد يتفاقم الأمر ربما، وعلى كل حال هذا هو أصل الكلمة، فالمرأة إن ترفعت على زوجها – كما قلنا – تعصيه – وهذا أرجح، فيترجَّح أنها تعصي أوامره وقد لا تُمكِّنه من نفسها، واجتهادي الشخصي – والله تبارك وتعالى عنده العلم والحكم – أن ربما يكون الأرجح في تفسير الآية أن النشوز هنا من باب الكناية عن ماذا؟ عن عدم التمكين وعن عدم الرغبة في المُجامَعة وفي المُضاجَعة وعدم الرغبة في الفراش، فالرجل قد ينشز بمعنى أنه يرتفع ولا يُريد الفراش، وكذلك المرأة قد تنشز بمعنى أنها لا تُريد أيضاً، وبهذا فسَّره شيخ مُفسِّري التابعين مُجاهِد بن جبر، ولم يُلتفَت كثيراً لهذا التفسير على أنه قويٌ جداً ومُلتئم بأصل الكلمة الذي أتى من الترفع، أي الترفع عن هذا الفراش، فالرجل قد لا يُريد ويقوم أو هى قد لا تُريد الفراش، وقال مُجاهِد بن جبر أن معنى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ۩ أي عدم المُطاوَعة منهن في الفراش، فهى لا تُريد الفراش، لا تُريد أن تُمكِّن زوجها وبعلها منها، وهذا هو النشوز، وهذا معناه أن هذه هى الحالة فقط التي ساق القرآن وسائل ثلاثة لمُعالَجتها، فلا تقل لي الضرب أمر شرعي ورخصة شرعية وعلى الحامي وعلى البارد تقول إلى أين ذهبتي وإلى جئتي أو احترق الطبخ أو دراسة الولد سيئة ومن ثم تضربها لأن الله قال وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ ۩، أي دين هذا؟ وأي فقه هذا؟ وأي تلاعب بالدين هذا؟ هذا تلاعب بالدين وهذا يجعل حتى النساء غضباوات، فتغضب المرأة المسلمة من هذا وترى نفسها تُمتهَن بإسم الدين وبإسم المُفسِّرين وبإسم كذا وكذا وهذا لا يجوز، وعلى كل حال النشوز مسالك العلماء في تفسير المراد منه كثيرة، فمنهم مَن قال هذا ومنهم مَن قال ذاك، ومنهم مَن قال البغضة أو البغض، أي أن تبغض – يُقال بغضه وأبغضه، فإذا قيل بغضه يُقال يَبغضه، وإذا قيل أبغضه يُقال يُبغِضه – زوجها، وهناك أشياء أخرى كثيرة

الآية تقول تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ ۩، أي ذكِّروهن بالله وباليوم الآخر وبحدود الشرع وبالعرف – خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ۩ – وبالأخلاق وبما ينبغي أن تكون عليه الحياة الزوجية، فلابد من الموعظة، وهذا معنى قوله فَعِظُوهُنَّ ۩، ثم قال وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ ۩، ولم يقل اهجروا المضاجع وإنما قال وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ۩ لأن يبقى المضجع واحداً، فهو في السرير ينام إلى جانبها ولكنه يوليها ظهره كما قال غير واحد من المُفسِّرين، فلا ينام في غرفة وهى في غرفة، فضلاً عن أن ينام عن صديقه أو في فندق Hotel، هذا لا ينبغي أن يحدث، بل يجب أن تبقى في الدار وفي الغرفة وفي المضجع ذاته ولكن توليها ظهرك، هذا هو القرآن، لكن للأسف العلَّامة وشيخ المُفسِّرين بجدارة ابن جرير الطبري فسَّر الهجر هنا بربطها بحبل، قال اربطها بحبل في الدار حتى لا تخرج مثلما يُربَط من البعير، فهذا من الهِجار، والرجل طبعاً قال هذا من سعة العلم، فأحياناً سعة العلم تقود إلى الخطأ وتغر الإنسان عن ظاهر الأمور، والأمر ظاهر ومن الصعب أن يحتمل هذا، وإلا هذا ابن جرير، وعلى كل حال قال ابن جرير في تفسير وَاهْجُرُوهُنَّ ۩ أن الهجر الذي نعرفه من لغة العرب – ابن جرير الطبري علاَّمة لغوي كبير ومعروف، فخبرته باللغة لا تقل عن خبرته بالروايات لأنه كان أعجوبة رحمة الله تعالى عليه – من المُمكِن أن يكون بمعنى الهذيان، وبمثل هذا لا تُؤدَّب النساء، فالله لم يقل اهذ أمام زوجتك، هذا كلام فارغ، فليس المراد من وَاهْجُرُوهُنَّ ۩ أن يهذي الرجل أمام زوجه، والهجر قد يكون من الهُجُر وهو فحش القول، والله لا يأمر بهذا، قال تعالى وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ۩، فكيف للزوجة والعشيرة وأم الولد وصاحبة السر؟ هذا لا يُمكِن أن يُقبَل، فلم يبق إلا أن يكون من الهِجار، والهِجار هو الحبل الذي يُرتبَط به البعير، فيربطها بحبلٍ، وهذا الذي رجَّحه بعد أن ساق كل الأقول بالأسانيد، فابن جرير يتكلم بالأسانيد ويقول ماذا قال فلان على هذا، وهو لم يستروح إلى واحدٍ منها واستروح لاجتهاده هذا، ومن ثم قال أبو بكر بن العربي – القاضي الذي ذكرته يا لها هفوةً – طبعاً منصوبة على التمييز – من عالم بالكتاب والسُنة، أي أنه قال هذه هفوة كبيرة، وكما يُقال لكل جوادٍ كبوة ولكل سيفٍ نبوة، وهذه من كبوات شيخ المُفسِّرين، فكيف تُربَط المرأة؟ ثم قال أبو بكر بن العربي وما أظنه جرَّأه على هذا – أي على هذا القول والاجتهاد – إلا ما رواه ابن وهب عن مالك أن الزبير بن العوام غضب على امرأتين كانتا تحته فعقد شعر إحداهما بشعر الأخرى وضربهما ضرباً مُبرِّحاً، فالزبير جمع بين أربع نساء وكان ضرَّاباً للنساء لأنه مكي، وأسماء بنت أبي بك الصديق – رضيَ الله تعالى عنهما – تقول كنت رابع أربع نسوةٍ تحت الزبير بن العوام – رضى الله عنه – فكان إذا غضب – هذا أثر آخر وسوف نعود لابن وهب بعدين لكننا نستدل به لأنه كان ضرَّاباً – على إحدانا أو عتب عليها ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها، وما هو المشجب؟ عود أو عصاة ليست غليظة جداً وتُوضَع في الأرض وتُثبَت في الأرض ويُنشَر عليها الغسيل، فهذا هو المشجب، ونحن إلى الآن نقول مشجب الملابس أي علَّاقة الملابس، لكن هذا المشجب للغسيل Waschen، فكان يضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها لأنها كان ضرَّاباً للنساء، وقد طلَّق أسماء بسبب الضرب،ضربها ذات مرة ضرباً مُبرِّحاً فتدخل ابنها عبد الله – هذا الأسد طبعاً، فهو أسد ابن أسد، ابن حواري رسول الله، أبوه الزبير كان أسداً في الحرب وهو عبد الله بن الزبير الذي كان يُقاتِل خمسمائة من الرجال، أي أنه كان شيئاً عجيباً مثل أبيه – لكي يُنقِّذها فغضب أبوه جداً منه وطلَّق أمه، كأنه يقول له هل أنت أتيت لكي تُنقِذها؟ فإذن سأُطلِّقها، وفعلاً طلَّقها إلى أن وافته المنية طبعاً شهيداً – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين وعنهن أيضاً – قبلها، ونعود إلى قول أبي بكر بن العربي، فهو ما جرَّأه على هذا إلا ما رواه ابن وهب عن مالك وهو أن الزبير غضب على امرأتين كانتا تحته، فعقد شعر إحداهما بشعر الأخرى وضربهما ضرباً مُبرِّحاً، أي فيه تبريح، فإذن هو قام بالربط حتى لا يخرجن إلى الشارع ويجلسن وهن مربوطات ومن هنا قال ابن جرير هذا مُمكِن، لكن أنا لا أعتقد أن ابن جرير غره مثل هذا الأثر، وإنما غره الدوران على ظهر كلمة هِجار، فهو ربما قال أن وَاهْجُرُوهُنَّ ۩ مأخوذة من الهِجار، فاللغة هى التي غرته، والله أعلم أي ذلك كان، لكن الصحيح الرجيح والمليح أن معنى وَاهْجُرُوهُنَّ ۩ أي اهجروهن في المضاجع، اهجروا مُضاجَعتهن، ولكن لا تتركوا المضاجع، وابن عباس عنده رواية مروية بأكثر من إسناد قال فيها أن معنى وَاهْجُرُوهُنَّ ۩ أي اهجروهن بالقول – لا تُكلِّمها – وليس بالجماع، فضاجعها ونم معها ولكن من غير كلام، وهذا قول أيضاً في المسألة، لكن أضعفه أكيد الربط.

قال الله فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۩، أتينا إلى الضرب الآن، هذه الآية – وهى الآية الرابعة والثلاثون من سورة النساء – متى نزلت؟ ومتى نزلت سورة النساء أصلاً؟ سورة النساء نزلت حسب تحقيق بعض العلماء على النحو الآتي، فالإمام المودودي – رحمة الله عليه – في ترجمان القرآن أجرى تحقيقاً دقيقاً ودرس هذه السورة من جميع جوانبها ورجَّح أنها نزلت في أواخر أو بين أواخر السنة الثالثة للهجرة وأوائل الخامسة، وفي هذه الفترة اكتمل نزول سورة النساء لأنها نُجِّمَت في هذه الفترة مثل سائر السور، فسورة النساء نجِّمَت في هذه الفترة، أي في سنتين تقريباً، بين أواخر الثالثة والخامسة، إذن هذه سورة النساء والآن جاء القرآن ليقول وَاضْرِبُوهُنَّ ۩، فما هى الخلفية؟ العرب ألم يكونوا يضربون نساءهم؟ بلى كانوا وخاصة – كما قلنا – أهل مكة، والكلام عن مُجتمَع المدينة الآن الذي فيه مُهاجِرون وفيه أنصار، لكن أهل مكة يفعلون هذا، والزبير كما رأينا – يفعل هذا دائماً، وكذلك الحال مع غير الزبير، فهم يفعلون هذا لأنه شيئ طبيعي لديهم، والمرأة المكية تحتمل هذا، لأن هذه ثقافة سائدة لديهم، ولا ترى في هذا إهانة أو إذلالاً أو شيئاً يتجاوز الحد، لكن في مُجتمَعات أخرى كالمدينة – مثلاً – هذا يُعتبَر إهانة، وفي مُجتمَعاتنا الآن هذه إهانة مُؤكَّدة، وخاصة في حق امرأة مُتعلِّمة أو بنت ناس أو ذات هيئة، فما هذا الضرب؟ هذا مُستحيل، والشرع لابد أن يُراعي هذه الأحوال، والأصل أن لا ضرب، فالأصل هو أن الحياة الزوجية مودة ورحمة، قال الله وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩ وقال أيضاً هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۩، والأصل أن سباب المسلم فسوق، فأنت حين تسب أي مسلم هذا يُعَد فسقاً، فهذا فسقٌ بك، ومن ثم كيف الحال مع سب الزوجة؟ كيف الحال مع ضرب الزوجة؟ هذا ليس من أخلاق الرجال، فهذه ليست أخلاق الناس المُحترَمين، ولذلك باستقراء النصوص وإعادة التأمل فيها يضح أن النبي على الأقل حين قدِم المدينة – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – حظر عليهم ضرب النساء، كيف هذا ولا يُوجَد نص يقول هذا؟ يضح هذا باستقراء النصوص، والآن النصوص سوف تنطق بهذا من وراء وراء، فهو حظر عليهم هذا وقال لا ضرب للنساء، فالضرب ممنوع والقرآن لا يُحِب هذا، هذا لا يلتئم بالروح القرآنية ولا يلتئم بمقاصد الشريعة المحمدية المصطفوية، فلا ضرب للمرأة، ويبدو هذا استمر إلى أواخر السنة الثالثة ، وربما أكثر لأنه من شرط الآية هذه نزلت في أواخر السنة الثالثة ورربما نزلت أيه في أول الرابعة أو في مُنتصَف الرابعة، وعلى كل حال نقول كحد أدنى إلى أواخر الثالثة الأمر تحرَّج جداً وصار لديهم ما يُعرَف بالتراكم النفسي وحدث غضب عند الرجال، ولذلك يُروى عن عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أنه قال – بعد أن قال النبي مُؤكِّداً لا تضربوا إماء الله، فضرب النساء ممنوع، والنبي نهى عن هذا وورد عنه هذا، قال لا تضربوا إماء الله، فالضرب ممنوع إذن، وقال الإمام الشافعي يُحتمَل أن يكون قبل نزول الآية، فالظاهر أنه قبل نزول الآية لأنه يقول لا تضربوا والآية قالت وَاضْرِبُوهُنَّ ۩ في حالة مُحدَّدة فإذن هناك تعارض، والظاهر أن الحديث كما رجَّح الإمام الشافعي رضوان الله عليه كان قبل نزول الآية الكريمة من سورة النساء، أي الآية الرابعة والثلاثون، وعلى كل حال النبي يقول لا تضربوا إماء الله – فزأر النساء على أزواجهن – ومعنى زأر أي اجترأن وتجاسرن، لأن لا يُوجَد أي ضرب الآن ففعلن ما يُريدن وأصبحن يتكلَّمن بصوت عالٍ ويعصين أزواجهن وما إلى ذلك، فحدثت مشاكل واحتقن الرجال احتقنوا – فأتيت النبي – عليه السلام – وقلت يا رسول الله زأر النساء على أزواجهن – الوضع لا يُحتمَل – فرخَّص في ضربهن النبي، أي الآن رخَّص، فقال ما دام وصل الأمر لهذه الحالة فليكن هذا ورخَّص في ضربهن، يقول الراوي فأطاف ليلتها – في نفس اليوم، أي في ليلة اليوم الآخر – بآل أو بحجر آل محمد – أي بحجرات أزواج رسول الله، صلى الله على محمد وآل محمد – نساءٌ كثير – أي كثيرات – فقال النبي – يبدو من تاليه، أي اليوم التالي، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – لقد طاف – وبعضهم ضبطها أطاف – الليلة بحجر آل محمد سبعون امرأة يشكين – وبعضهم ضبطها يشكون – أزواجهن وليس أولائكم خياركم أو قال بخياركم، وفي رواية ولا تجدون أولئك خياركم، أي أن هؤلاء ليسوا هم خيار أصحابي، وما الذي يُقابِل كلمة خيار؟ أنتم تعرفوه المُقابِل لكن لا نقوله احتراماً لمقام الصحبة، فإذن أين اللافت هنا؟ اللافت هو طواف سبعين امرأة، وأصلاً المدينة كان فيها كم عائلة؟ قليل جداً، ربما كان فيها ثلاثمائة أو أربعمائة عائلة على الأكثر، فكيف الآن تطوف سبعون امرأة من المسلمين طبعاً والمسلمات؟ ما معنى وجود سبعين امرأة؟ معنى هذا – كما قلت لكم – أن الوضع كان مُتحرِّجاً جداً وحدث نوع من التراكم النفسي الانفعالي عند الرجال، وظلوا يضبطون أعصابهم كثيراً – انظروا إلى المُجتمَع المديني وإلى التعبد لله حقاً – والنبي قال لا تضربوا، فلم يضربوا مع أنهم يشتهون أن يضربوا لكنهم لم يفعلوا وإن كان هناك تجاسر وجرأة ومُجاوَزة للحد، لكن النبي قال لا تضربوا فقالوا لا نضرب والتزاموا، وليس كما يحدث اليوم، وخاصة فيما يتعلق بشأن المرأة، فلا يُوجَد التزام بشرع الله مُطلَقاً إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ ۩، بدليل جرائم الشرف الموجودة في بلادنا العربية، فهى موجودة في بلاد الشام والعراق ومصر وفي كل مكان، بنت صغيرة ابنة ثلاث عشرة سنة قيل وقيل فيها – قيل فقط، فهل يُوجَد شهود أربعة؟ – فتُذبَح مُباشَرةً وتُرمَى للكلاب وتُدفَن في الأرض ولا يعترض أي أحد ولا يخرج خطيب – مثل حالتي الآن – فتنشق عقيرته ويصرخ بأن هذا عدوان وقتل وأن مَن يفعل هذا هو موعود في كتاب الله بأن يُخلَّد في نار جهنم – في سورة النساء نفسها – لأنه قتل بغير وجه حق، فلو ثبت على هذه البُنية جريمة الزنا بشهود أربعة عدول تتواطأ شهاداتهم على أنهم رأوا كذا كذا مثل كذا في كذا فإنها تُعاقَب بمائة جلدة لأنها بكر المسكينة، فكيف تُقتَل من غير أي شيئ؟ ومع ذلك مُباشَرةً تُقتَل وتُضرَب بالرصاص، في ألمانيا قبل أشهر كان هناك عائلة تركية، ومُباشَرةً أمر الوالد أولاده أن يقتلوا أختهم لأن هناك سمعة سيئة عنها وهناك مَن قال كلاماً سيئاً عنها، فقتلوها مُباشَرةً، ومَن فعل هذا شاب صغير دون السن القانونية، فأبوه أمره أن يفعل هذا، لكن الشرطة الألمانية قالت أن أباه هو مَن فعل، وعلى كل حال قضية كبيرة، فأين شرع الله هنا؟ شرع الله غير موجود، هنا تُوجَد العادات والتقاليد ولا مكان لشرع الله ولا يُوجَد تعظيم لشرع الله ومع ذلك يقولون لك هذه مُجتمَعات مسلمة، لكن المُجتمَع المسلم يجب أن ينزل على حدود الله – تبارك وتعالى – وعلى أوامر الله ولا يتجاوزها، ويذهب الناس إلى الجحيم، فلا تُحدِّثني عن السمعة وغير السمعة، ما علاقتي أنا بالسمعة حين أذهب جهنم؟ أنا أُطبِّق شرع الله كما أراده الله، لكن من جهة أُخرى هناك مَن يُقصِّر في تربية أولاده، وأقصد بناته بالذات، فالابن الذكر ليس عنده أي مُشكِلة سواء كان يزني أو لا يزني، فيُقال أنه جدع وأنه شاطر وأنه سبع العائلة، فما هذه الثقافة الحقيرة؟ هذه ثقافة – أقسم بالله – محقورة لأنها ثقافة فواحش، فالذكر يُشجَّع على هذا ويُقال أنه كسر عينهم – أي عين العائلة الثانية – طبعاً، فأعوذ بالله منكم وأعوذ بالله من هذه الثقافة، تباً لهذه الثقافة الوسخة، هذه ثقافة وساخة وثقافة فحش لأنها تُشجِّع الذكر على أن يزني ببنات الناس، أما إذا ابنته حامت حولها شُبهة فإنه مُباشَرةً يقط عنقها ويُقال مسح العار بالدم، أعوذ بالله من هذه الثقافة، ما هذا؟ هذه جرائم الشرف ومع ذلك لا يتكلَّم أي أحد، ولو تكلم حتى مَن كان عالماً وكان كذا وكذا فإنه يُحتقَر ويقولون لك أنه ديوث، فكيف يُقال أنه ديوث؟ هل هو ديوث في حكمكم أم في حكم الله؟ بأي منطق تتحركون؟ لكن – كما قلت لكم – هذا شرع الله، والآن الفتن الطائفية في العالم العربي أكلتنا ودمرتنا ولا تزال، فنحن – علماً بأنني قلت هذا من سنين ومازلت أقوله – معودون بفتن طائفية وحروب أهلية جديدة، وأنا أقول لكم للأسف يبدو أننا مُؤهَّلون لها، فأكثر ما أحزنني وأكثر ما قبض نفسي وغيَّم الأفق أمام ناظري أنني استنبطت أو فهمت – وأظنكم لا تُخالِفوني في هذا، فأنتم فهمتم ما نفهم وهذا واضح الآن – أن هذه الحرية التي أُكرِمنا بها يبدو أننا لا نستحقها الآن، فهى جاءت في غير موعدها، أي أنها جاءت مُبكِّرة، فنحن نفرح بالحرية السياسية فقط وبالحكم السياسي والثورة وما إلى ذلك لكن لا تُوجَد في حرية في الأفكار ولا تُوجَد حرية في الضمير، وحرية الضمير تعني أن أصدر عن ضميري وعن يقيني من غير أن أكون مُرتهِناً لحزب أو طائفة أو مذهب أو مصلحة أو دولار أو يورو أو شرق أو غرب، لكن لا يُوجَد عندنا هذا الكلام ولا تُوجَد عندنا هذه الثقافة، ولذلك أنا أقول لكم أن هذه الحرية تُبرِز الآن أسوأ ما فينا، وهذا أمر طبيعي، فنحن كذا وكذا وكذا مع وقف التنفيذ، وحين جاءت الحرية فكت قيد التنفيذ هذا، فكله الآن صالح التنفيذ في ظل الحرية، ولا يُوجَد اعتبار لأي شيئ، لا لدولة ولا لحكم ولا لحكومة ولا لأحد، الكل في حالة عنفوان وانطلاق، ومن ثم هى تُبرِز أسوأ ما فينا، فهناك مُسارَعة إلى السب وإلى الطعن وإلى التكفير وإلى الذبح وإلى فتاوى القتل، وهذا شيئ مُخيف جداً ومُرعِب، ولذلك أنا أقول لكم أن عيبي الذي يأخذه علىّ كثير من الناس هو أنني لا أدعو إلى فتنة ولا أدعو إلى قتل، وأسأل الله أن يحييني ما أحياني وأن يُمتني وأنا لم أتخوض يوماً بفتوى استحل بها دم امريءٍ واحد سواء كان مسلماً أو غير مسلم إذا كان دمه معصوماً، فأنا لا أُريد هذا، لأن هذا لا يُشرِّفني ولا يُرضيني ولا يُمكِن أن يُريحني في آخرتي، ومن ثم أقول لكم على هذا فاعملوا، وبمثل هذا فاعملوا، فإياك أن تتورط في تكفير مسلم، إياك أن تتورط في استحلال دم إنسان بريء أياً كان هذا الإنسان سواء في الشرق أو في الغرب، إياك أن تفعل هذا لكي تتواءم مع منطق الجماعة والحزب والطائفة والمذهب والمصلحة، إياك يا رجل وإلا – بالله العظيم – ستندم ندامةً لا حد لها، أُقسِم بالله ستخسر خسارةً لا حد لها ولا آخر لها في الدنيا وفي الآخرة، وأنا أقول لك أن في الدنيا سيحدث ما قال عيسى – عليه السلام – فعلاً، فهو قال مَن سل السيف فبالسيف يكون موته، وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين كما تقول العامة وهذا صحيح، ستُقتَل أو يُقتَل أقرب الناس إليك وستذوق ما أذقته للآخرين، وأما في الآخرة فجهنم وَسَاءَتْ مَصِيرًا ۩، ولذلك انتبه لأن لا مجال للعب هنا، ومع ذلك هم يلعبون الآن، وهذا أسهل أسلوب يعتمدونه هو الدين لأنه مُقدَّس، فأنت تتكلم بإسم المُقدَّس وبإسم قال الله وقال الرسول وتقول أفتى مشائخ الإسلام وأجمعت الأمة واتفقت الآمة ثم تضحك على الناس بالكلام هذا وتقول هذا نص في كتاب الله، لكن هل أنت مُجتهِد؟ هل أنت عالم؟ ماذا تفعل أنت يا رجل؟ النبي يقول لأبي ذر يا أبا ذر لا تقبضن أمانة ولا تلين مال مسكين ولا تقضين بين اثنين، وأنت لست قاضياً، فإياك أن تقضي بين اثنين فتقول والله أنت مُحِق وهو مُبطِل، لكن ما شاء الله علينا طبعاً الآن، فنحن نقضي في غيبة الأطراف الأخرى دائماً، إذن ما هذا؟ سوف تذهب إلى جهنم أيضاً وخاصة أنك لست قاضياً، فلماذا تقضي؟ ويا ليت أنه يقضي بين اثنين في مشاكل عادية بل هو يقضي في مسائل الأمة، ويقول الفرقة الفلانية كافرة والفرقة الفلانية زنديقة ومَن قال هذا كفر ومَن قال هذا فقد حل دمه، فماذا تفعل أنت؟ ماذا تفعل بنفسك؟ أُقسِم بالله هناك مَن يُعطي فتاوى هكذا في العموم وفي الإطلاق، والأمة يتسلط بعضها على بعض، فما أنعم بال أعدائنا الآن، والله العظيم – أُقسم بالله على هذا – هم مُرتاحون، فأعداؤنا اليوم مُرتاحون جداً، أعداء هذه الأمة وأعداء محمد وكتاب محمد وأمة محمد مُرتاحون جداً وفي نعيم الآن، لأن أمة محمد شرها منها وبلاؤها فيها وهم لا يحتاجون أكثر من هذا، لا يحتاجون أكثر من هذا التباغض وأكثر من هذا التناحر وأكثر من هذا التكافر والتذابح، ومَن يدعو إلى هذه الأشياء يُعتبَر في نظر أتباعه عالماً مُتحمِّساً، فيُقال هذا هو المُتحمِّس الذي يأخذ الدين بقوة – خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ ۩ – وهذا غير صحيح، فهذا يأخذ الإرهاب بقوة، ومن ثم نسأل الله أن يُصلِحنا وأن يُصلِحهم وأن يجنِّب أمة محمد الفتن ما ظهر منها وما بطن، لأنني أعلم – وقلتها قبل سنوات بصدد العراق – أن إذا ما فتح الله وإذا ما أزال الغشاوة والغمة عن بصائرنا وأبصارنا فإننا لن نفهم هذا الكلام إلا بعد أن يضيع كل شيئ، أي كما يُقال بعد خراب البصرة، ولن يقتصر الأمر على البصرة فقط بل سيشمل البصرة والكوفة وغزة والقدس والقاهرة وتونس الخضراء ودمشق الشام العتيدة وغيرهم، فكله سيخرب وسيُلغَى وسيُدمَّر وسيُحطَّم وسيُجزَّأ، ثم بعد ذلك نبدأ ندّعي الحكمة بأثر رجعي ونقول والله كان الإرهاب كذا وكذا وكان لدينا هذا التفكير المُنفلِت لأن تصدر مَن لا يُحسِن ومَن هو كذا وكذا فوقعت الحروب الطائفية والتكاره والتباغض وكل هذا الكلام الفارغ الذي سوف يأتي متأخراً جداً Too Late‏، فإذن إذا لم تفهم هذا من الآن لن يكون مُهِماً أن تفهمه بعد ذلك، لأنك فيما بعد سوف تفهمه رغماً عنك ولكن بعد أن تكون قد فقدت شيئاً من عائلتك وربما من أولادك وربما من أقربائك وربما فقدت بلدك وربما أيضاً فقدت دينك، علماً بأن من ضمن ما سيُفقَد هو أن الكثير من أبنائنا وبناتنا – أقول هذا وأدق ناقوس الخطر – سوف يفقدون دينهم، وأنا أقول لكم أنهم سيكرهون هذا الدين الذي ما جاءهم إلا بالذبح والقتل وتقسيم الأوطان، فافهموا هذا الآن لأنهم سيكرهون هذا الدين، ليس دين محمد كما أنزله الله على محمد وإنما دين مشايخ اليوم وجماعات اليوم وطوائف اليوم وأحزاب اليوم، فالناس لا يعرفون إلا هذا الدين ولا يعرفون دين محمد كما كان محمد يُدرِّسه، هم لا يعرفون إلا دين المشائخ ودين الفضائيات ومن ثم سيكفرون بهذا الدين، سوف يقولون لك لا نُريد الدين ولا نُريد هذا الكلام الفارغ، اتركوا هذا كله، ماذا استفدنا منه ؟ فضلاً – كما قلت – عن ضياع الأرواح وخراب الأوطان وتقسيم الأوطان، فهل هذا هو الدين؟ ما شاء الله على رسالة هؤلاء المتدينين، اللهم أصلِحهم واكشف الغمة عن قلوبهم وأبصارهم بقدرتك يا قوي يا متين، يا رب العالمين.

نعود إلى موضوعنا وعذراً عن هذه الاستطرادة التي ربما اقتضاها المقام، إذن الضرب جاء رخصةً في كتاب الله – تبارك وتعالى – وفي حالة مُحدَّدة وفي مُجتمَع كان يتعارفه، لكن ما معنى هذا؟ هل لهذا من دلالة؟ العرب كانت تضرب والقرآن قال وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ ۩ فما الدلالة إذن؟ الدلالة أنه جاء لكي يُضيِّقه ولكي يُقيِّده ولكي يقول لك لا يسوغ شرعاً أن تُضرَب المرأة – أي الزوجة – في كل حال، فلا تُضرَب إلا إذا نشزت، والنشوز – كما قلنا – موضوع يتعلَّق بمعصية قد تُهدِّد الحياة الزوجية، وأحياناً المرأة – هذا في بعض النساء – يكون عندها نوع حتى من البرود الجنسي – لابد أن نكون واضحين – ولا تفهم ما تأثير هذا على الزوج، فلا تفهم معنى أنها تمنع زوجها الفراش، لكن هذا من المُمكِن أن يتأدى به إلى الزنا يا بنت الناس ويا أختي في الله، هذه طاقة جبارة عند الإنسان، وهى طاقة مجنونة، وسانت أوغسطين Saint Augustin – القديس أوغسطين Augustin – كان يكتب في اعترافاته هذا، وهو طبعاً كان له مُغامَرات جنسية في شبابه قبل أن يهتدي ويُصبِح يعني قديساً كبيراً، وعلى كل حال القديس أوغسطين Augustin قال هذه أصعب طاقة أودعتها القدرة الإلهية في الإنسان، أي الطاقة الجنسية، فهى طاقة خطيرة جداً ومُخيفة وجبارة، فإذا لم تتنفس بشكل سليم تنفست بشكل مُلتاث مجنون، ولذا تسمعون الآن عن اغتصاب بنات يصل عمر الواحدة منهن إلى ثلاث سنين، فيحدث هذا الاغتصاب وهذا الجنون، لأنه لا يُوجَد أي توفير لفرصة الجواز الشريف السلس للناس، فكل شيئ عنده أصول مُعينة لكن نحن لا نُبرِّر هذا، نعم هذه جرائم مقبوحة ملعونة وملعون مَن فعلها لكن ما هو السبب؟ هذه طاقة جبارة، وهذه المعصية بالذات – النشوز – كما فسرَّها مُجاهِد بأنها تمنعه نفسها هى مسألة غير عادية، فهذه تُهدِّد الأسرة وتُهدِّد شرف الرجل ودين الرجل، وطبعاً من المُمكِن أن تُهدِّد الأسرة بتقويض أركانها فيحدث الطلاق، لأن إذا لم تُمكِّنه من نفسها ما حاجته بها؟ هل يزني الرجل ويطلب المُتعة في الخارج ويتلصص ويسترق المُتعة؟ هذا مُستحيل، وماذا عن الأولاد والبنات؟ ضاعوا طبعاً، فكل طلاق يضيع معه الأولاد والبنات، يحدث ضياع كامل، ومن هنا قال أن في هذه الحالة يُوجَد عندنا وسائل مُعيَّنة، فلا يُسار إلى الثانية إلا بعد أن تُستنفَذ الأولى، ولا يُسار إلى الثالثة إلا بعد ألا تنجح الثانية، فانتبهوا إلى هذا جيداً، ومن هنا قال ابن العربي هذا أحسن ما سمعته في الآية، فلا تقل لي سأبدأ بالضرب لأنك تُريد هذا، هذا ممنوع أن تبدأ به، فيجب أن تبدأ بالموعظة أولاً، إذا أجدت فبها ونعمت – هذا أقصر طريق – وإذا لم تجد فإن الأمر يصير إلى الهجران، أي إلى الهجران في المضجع، فإذا كان هذا لا يجدي أيضاً يُمكِن هنا أن يأتي الضرب، وهو لا يأتي حتى دائماً، وهذا ما يجب أن ننتبه إليه وسوف أقول السبب فيما بعد لأننا سوف نفهم هذا مقاصدياً، فيجب أن نفهم الدين كما تُؤكِّد المقاصد وروح الدين نفسها.

القرآن إذن قيَّد ولم يُطلِق، لكن العرب لم يكونوا كذلك، كانوا يضربون ربما على الحامي وعلى البارد كما يُقال، لكن القرآن أجاز في في حالة مُحدَّدة، وهناك حديث غريب وهو حديث خُطبة حجة الوداع التي تعلمونها جميعاً وربما تتحفظون أشطاراً أو أجزاءاً منها، وهو الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله في صحيح مسلم وعمرو بن الأحوص عند الترمذي وعند غير الترمذي، ورواية عمرو بن الأحوص عجيبة، وقد علَّق عليها الإمام الشوكاني تعليقاً لافتاً جداً، وسنذكره بسرعة لأنه تعليق مُحرِج، يقول عمرو بن الأحوص مُخبِراً عن نفسه أنه سمع النبي عشية عرفة يخطب خطبة حجة الوداع، قال فذكر النساء ووعظ فيهن وأوصى بيهن إلى أن قال إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۩، وكلمة فاحشة مُبيِّنة ماذا تعني؟ أولاً أنا أُرجِّح – والله أعلم – حتى أحكي ضمير أيضاً العلمي أن النبي ما قال هذا، فهذا من تصرف الرواة، ولذلك هذا ليس لفظ جابر، وحتى جابر في صحيح مسلم وهذا عند الترمذي ولكنه هنا قال هكذا، والشوكاني اغتر بهذا وعلَّق عليه تعليقاً لافتاً مُثيراً على قوله إِلا أَن يَأْتِينَ – أي النساء – بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۩، لكن ما هى الفاحشة المُبيِّنة؟ عليها بينة، أي فاحشة واضحة وعليها بينة وشهود، وإذا قيل فاحشة مُبيِّنة فإنها تنصرف هكذا في الأصل للزنا، لكن هذا صعب وهذا بعيد، إذن إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۩ بمعنى إن هن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبرِّح، يقول الإمام محمد بن علي الشوكاني ظاهر حديث الباب – حديث عمرو بن الأحوص – أن الضرب غير المُبرِّح لا يكون إلا بهذا السبب ولا بسببٍ سواه، أي أنه لهذا السبب فقط، ومن ثم قد يقول لي أحدكم وماذا عن الضرب المُبرِّح؟ هذا غير موجود، لا يُوجَد في دين الله ضرب مُبرِّح، فالشوكاني يقول مع الفاحشة المُبيِّنة – في هذه الحالة فقط – يأتي الضرب غير المُبرِّح، أما الضرب المُبرِّح لا يُوجَد بالمرة في دين الله حتى في هذه الحالة، فحتى في هذه الحالة يكون الضرب غير مُبرِّح، لأنها ليست مخلوقة لك وأنت لست ربها، أنت زوجها وهى ليست حتى ابنتك أو بضعة منك، هذه ابنة أبيها وابنة أهلها فلا تظن أن لأنك زوجها يحل لك ضربها بهذه الطريقة، هل أنت اشتريتها لما دفعت لها ألفين يورو أو مائتين يورو مهراً لها؟ هل اشتريتها لك مثل قلة يُمكِن أن تكسرها ويُمكِن أن تبيعها؟ ما هذا الهوس الاجتماعي الذي لدينا؟ هذا هوس غريب، قال تعالى فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ ۩، أي ليس لك أي سبيل عليها بشكل عام بعد ذلك سواء بالطاعة أو بغير ذلك، والإمام الدردير – شيخ المالكية في عصره – ذهب إلى أبعد من هذا، فهل تعرفون ماذا قال؟ قال الشيخ الدردير – هو من أشهر الشراح رحمة الله عليه، وهذا فهم أيضاً للشريعة – ولا يضربها ضرباً مُبرِّحاً وإن علم أن نشوزها لا يزول إلا بها، أي لا يضربها ضرباً مُبرِّحاً حتى وإن كان يعرف أنها ستترك به النشوز، فهذا ممنوع لدينا، ممنوع أن يضربها ضرباً مُبرِّحاً لأن النبي قال الضرب يكون دائماً غير مُبرِّح، ومن هنا قد يقول لي أحدكم وما هو الضرب غير المُبرِّح أو الذي ليس فيه تبريح؟ قال عبد الله بن عباس فيما رواه عنه عطاء وغير عطاء بسواك ونحوه، أي أن تُضرَب بسواك، هذا هو الضرب، أما أن تُضرَب بالزرادية وبالمطرقة – Hammer – وبالأيدي وبالأرجل وأن يُمارَس فيها الكونغ فو Kung Fu فهذا كله ممنوع، فقط بالسواك كنوع من الضرب الرمزي Symbolic، فالمسألة كلها رمزية وليست أكثر من هذا لأنه قال بالسواك ونحوه، فهذا هو حتى في هذه الحالة أيضاً، ففي العصيان والترفع عن الفرش تفعل هذا أو تطلقها، لكن ماذا قال الشيخ الدردير أيضاً؟ قال فإن وقع – أي إن ضربها ضرباً مُبرِّحاً – فلها التطليق ومنه القصاص، الله أكبر، الله أكبر على شرع محمد، هذا هو دين محمد، فهو قال إذا ضربها ضرباً مُبرِّحاً رغم نشوزها يكون لها الحق هنا في أن تطلب التطليق عند القاضي بالإضرار، وهذا معنى قوله فلها التطليق ومنه القصاص أو قال وعليه القصاص، فهى سوف تقتص منه أيضاً، لكن قد يقول أحدكم كيف يقول تقتص ولعلماء قالوا لا يُوجَد قصاص بين الزوجين – أي المرأة من زوجها – أصلاً، لأن لا تقتص المرأة من زوجها إلا في جرحٍ أو قتل، أي شيئ قريب من قتل فيُقتَّص منه أهلها وأولياؤها؟ هذا غير صحيح، قال العلَّامة محمد بن حزم في المُحلى – رحمة الله تعالى عليه – إن ضرب الرجل زوجه في غير سبب – ضرب عدوان – اقتُصَّ منه، قال تعالى وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ ۩، الله أكبر، هذا هو عدل الشريعة، فلا تُفسِّر قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ۩ كما تهوى، فهم قوَّامون بالعدل، وإن تعديت وظلمت وضربتها في غير مُوجِب شرعي – بالشرط الشرعي – ضرباً غير مُبرِّح – في الحالتين الآن لأن عندنا الدردير وعندنا ابن حزم – هل تعرف ماذا سيحدث؟ القصاص، سوف تضربك كما ضربتها وبالهيئة وبالكيفية التي ضربتها بها، ولذلك يُقال في سبب نزول الآية ما رواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن جرير في تفسيره عن الحسن البصري – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – أن امرأةً من الأنصار جاءت تشكو ضرب زوجها لها فقال النبي القصاص، أي تقتص منه، فكما ضربك اضربيه، قال الله وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ ۩، فهذه هى القاعدة وهكذا كان النبي يتعامل كما قلنا، فأنزل الله – تبارك وتعالى – الآية – آية القوامة والضرب – فقال النبي لا قصاص، أردت أمراً وأراد الله أمراً، أي أن الله لا يُريد هذا،
ولكن انتبهوا إلى أن هذا الأثر المُرسَل – هذا مُرسَل طبعاً – لا يُعكِّر على ما قاله الإمام الدردير وابن حزم، فإن ضربها ضرباً فيه تبريح اقتُصَّ منه، وإن ضربها ضرباً غير مُبرِّح أو مُبرِّحاً ظلماً وعدواناً اقتُصَّ منه، فإذن متى يكون الضرب؟ فقط بالمُوجِب الشرعي وبالشرط الشرعي، وهذا نطاق ضيق جداً جداً جداً جداً، إذن هو الضرب، فهو ليس أي ضرب كما نشاء وكما نحسب، وجميل جداً أن الأئمة لفتوا أنظارنا – ولابد أن تُلفَت هذا اللفت – إلى أن ظلم الزوجة ظلمٌ، فهناك مَن يعتقد أن ظلم أولاده أو ظلم زوجته ليس ظلماً وأن الظلم يكون فقط مع الناس كأصدقائه وجيرانه، ويظن أن الفحش على زوجه والفحش على أولاده ليس فحشاً لأن الفحش يكون مع الناس الآخرين فقط، وهذا غير صحيح، بل بالعكس ظلم الأقارب وظلم الزوجة والأولاد أقبح من ظلم غيرهم، لماذا؟ لأنهم في الأصل – كما نقول بالعامية – مسؤولون منك وهم في حمايتك، وإذا كان حاميها حراميها وحاميها جلادها فمَن يحمي هؤلاء؟ ما هذا؟ هذا ظلم شديد جداً، لذلك ورد في الأثر القدسي اشتد غضبي على مَن ظلم مَن لم يجد له ناصراً غيري، لأنه ضعيف ومُستضعَّف، وهذه المرأة ضعيفة وأولادك ضعفاء عندك، فكيف تظلمهم؟ هذا لا يجوز، وسباب المسلم – كما قلنا – فسوق، فمن باب أولى أن يكون سباب الزوجة فسوقاً، فهذه أولى بحنانك ورحمتك، قال الله وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۩، ولا يُوجَد بين الأصدقاء مودة ورحمة فقد تُوجَد مودة وقد تُوجَد رحمة لكن مع الزوجة نجد المودة والرحمة معاً، وكذلك مع الزوج المودة والرحمة، فالمسألة من كل أطرافها الإنسانية معقودة هنا ومُستوثَّق منها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

إذن الضرب رخصة بهذه الشروط وبهذه القيود وفي هذه الحالات المخصوصة التي ذكرها السادة العلماء – روَّح الله أرواحهم ونوَّر ضرائحهم بسحائب رحمته – فقط، ومع ذلك هى رخصة – كما قال محمد رشيد رضا وغيره – أقرب إلى الحظر، وكرام الرجال أو كرماء الرجال لا يتعاطونها، وإنما يقفون عند حد الهجر، فإن انصلح الحال وإلا انتقلوا إلى التحكيم، فإن انصلح وإلا فهو الطلاق، لعل الله أن يجعل لكل منهما سعة من أمره – وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ۩ – ولا يُوجَد ما هو أكثر من هذا، فكرماء الرجال يفعلون هذا ولا يضربون، ولذا القاضي شريح – القاضي المُعمَّر والمشهور بالعدل في القضاء – يروي عنه الشعبي أنه تزوج امرأةً من بني تميم وندم قبل أن يدخل بها حتى كاد أن يسوق إليها مُؤجَّل مهرها وويُطلِّقها إلا أنه عاد، وقد جاءت – هذه امرأة حصان رزان – وقالت قد نزلنا منزلاً لا ندري متى نظعن منه، فيا أبا أمية – تكنيه لأنها امرأة مُحترَمة جزلة – ما كرهت من شيئٍ فاذكره لي كي لا آتيه، هل تكرهون زيارة الأختان؟ قال فقلت لها أنا شيخٌ كبرت سني ولكني أكره إملال الأختان، أي يُمكِن لهم أن يزورونا ولكن لا تكون الزيارة كل يوم، فهذا هو معنى الكلمة، لأن هؤلاء الناس كانوا فصحاء وهذا هو القاضي شريح، وعلى كل حال هو قال لها أنا أكره إملال الأختان، فما معنى الأختان؟ أقرباء الزوجة، أما الأصهار فهم أقرباء الزوج، وهى تتكلم وتتحدث عن طرفها، ثم قال القاضي شريح فما اشترطت عليها شيئاً إلا وفت به، فصحبتها حتى إذا كان بعد سنة أتيتها وهى في الحجلة – الحجلة غرفة تكون في البيت مستورة بستائر وفيها زينة وما إلى ذلك فتخلو المرأة بأمها أو بصديقاتها وبصواحبها – وعندها أنس فقلت لا حول ولا قوة، أي ذهب به الظن، فقالت لا تعجل أبا أمية إنها أمي فألق عليها السلام، قال فألقيت عليها السلام، فقالت إن عصتك في شيئ فأوجع رأسها ضرباً، أي أن أمها تقول له اضربها وليس عندي مُشكِلة في هذا، وبعد ذلك قال فصحبتني سنين ثم ماتت قبلي، فوالله لوددت أني قاسمتها عمري أو مت في يومها، لأنها امرأة مُحترَمة ما شاء الله وسيدة بحق، ومن هنا قال لوددت أني قاسمتها عمري أو أني مت في يومها، أي أن تكون منيتنا في يومٍ واحد فنموت في نفس اليوم، ثم يقول القاضي شريح رأيت رجالاً يضربون نساءهم، فشُلَّت يمني يوم أضرب زينب!

انظروا إلى المرأة التي تُحسِن التبعل وإلى الرجل الذي يُحسِن أيضاً مُكافأة المرأة على حُسن تبعلها وعلى أدبها وعلى شرفها وعلى وفائها بالعقود وبالشروط، ولذا يقول فشُلَّت يميني يوم أضرب زينب، فرضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين.
علَّامة العصر وشيخ الإسلام محمد الطاهر بن عاشور – المُفسِّر التونسي المُجتهِد الكبير – في تفسيره – رضوان الله عليه – ماذا قال؟ قال- ونختم به إن شاء الله وهو مسك الختام – الضرب خطير ضرب النساء موضوع خطير وليس موضوعاً هيناً – وتحديده عسير – أي متى أضرب وكيف وبأي قدر وما إلى ذلك، فالموضوع عسير جداً، وخاصة في جزئية متى، فمتى أضرب أنا؟ فلآن يأتي تحقيق المناط وتنزيل الحكم في الواقعة لأن هذه ليست أحكام نظرية تُقال على المنبر، فمتى يضرب رجل ابتُلِى بزوجة مُعينة؟ – والأصل في شرع الله إلا يُمكَّن المرء من أن يقضي لنفسه، وهذا صحيح طبعاً، فلا يُمكِن لأحد في الشرع أن يقضي لنفسه وأن يُطبِّق الأحكام أيضاً، هذا لا يحدث أبداً، لكن يُوجَد الآن قضاء، فإذا حدثت خصومة مع زوجك اذهب إلى القضاء، ففي هذه الحالة يُوجَد استثناء، فحين يُوجَد الاختصام أو المُنازَعة أو النشوز أنت تُقدِّر الحالة وتقول سنعظ الآن ثم نهجر ثم نضرب وهذا بخلاف الأصل، فهى ليست نعجة – كما قلنا – وليست إبريقاً تفعل به ما تُريد، هذه كيان إنساني كامل وعندها حقوق تامة كاملة لأنها شخص مثلك، وهذا خروج عن الأصل، ثم استتلى الشيخ الإمام – رضوان الله عليه – فقال وإن رأى أولياء الأمر – الحاكم المسلم أو السُلطة التشريعية أو البرلمان أو أي أحد من هؤلاء، المُهِم أولياء الأمر في الأمة المسلمة – أن الرجالَ يشتطون – أو كما قال يعتسفون – في استخدام هذه الرُخصة فلهم أن يضربوا على أيديهم في استعمال هذه الرُخصة – أي بالعقاب، يُشرَّع أن مَن يضرب زوجته يُضرَب، فقد يُضرَب ويُسجَن ويدفع غرامة وتسوء حالته لأن هذا هو التشريع، والإمام قال يجوز شرعاً أن نعمل هذا – حتى لا يتفاقم أمر الإضرار بين الزوجين، لأن أحياناً هذا الضرب يُقوِّض أركان الأسرة، ثم قال الشيخ ابن عاشور وقد قيَّده الجمهور بقيدين، فالضرب مُقيَّد عند جمهور العلماء بقيدين وقد وقع الاتفاق عليهما، القيد الأول ألا يكون فيه إضرارٌ، أي ليس ضرباً مُؤثِّراً، بمعنى أنه ضرب رمزي فقط كما قلنا، والقيد الثاني أن يصدر مِمَن لا يُعد الضرب بينهم إضراراً ولا إهانة، لكن ما معنى كلام الشيخ الأمام؟ هذا ابن عاشور فانتبهوا لأن ليس مُفسِّراً للقرآن فقط بل هو صاحب المقاصد أيضاً، فهو إمام مقاصدي ويفهم الشريعة مقاصدياً كأحسن ما يكون الفهم، ولذا قال – رضوان الله عليه – إذا كان الضرب في بيئة اجتماعية وفي بيئة ثقافية يُنظَر إليه على أنه إهانة للمرأة – حتى لو كان ضرب خفيفاً غير موجِع – فإنه يُمنَع، أي ممنوع الضرب كما قال ابن عاشور، فلا تضرب وإنما تقف عند حد الهجر، والآن السؤال إذ انحلت العقدة هو هل الضرب في مُجتمَعات كثيرة إهانة أم غير إهانة؟ إهانة طبعاً حتى في المُجتمعَات العربية والإسلامية، فإذن نكف عنه ولا تقل لي الله أمرنا به، هذا أمر ترخيص تشوبه كراهة – كما قلنا – والنبي ندبك إلى تركه وقبَّح من يتعاطاه في أكثر من حديث وبأكثر من أسلوب فلا تأخذ بظاهر الآية إذن.

اللهم إنا نسألك أن تُفقِّهنا في الدين وأن تُعلِّمنا التأويل وأن تفتح علينا فتوح العارفين، اهدنا فيمَن هديت وعافنا فيمَن عافيت وتولنا فيمَن توليت، اللهم أصلِح ذات بين المُسلِمين، اللهم جنِّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، وحِّد صفوفهم وجمعهم ولم شملهم وشعثهم، اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، اغفر لنا ولمَن حضر وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

    فيينا (5/4/2013)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

  • كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إضربوهن عندما إشتكاه سيدنا عمر بن الخطاب؟؟ شيء لم يقبله عقلي !! من جهة الإسلام ينهى عن الضرب زمن جهة يبرره!!

%d مدونون معجبون بهذه: