إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ۩ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ۩ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفاضلات:

لماذا كان الإيمان مُبتنىً في مُعظَم وجُل مسائله على التسليم؟ لماذا لم يكن مبنياً على التبرير والتسويغ العلمي والعقلي والمنطقي؟ والجواب ببساطة وبسهولة لأن طبيعته تقتضي ذلك، لا إيمان بغير تسليم، لا معنى للإيمان أن يكون إيماناً إذا لم يكن مبنياً على التسليم، لماذا؟ لأن الإيمان أيضاً ببساطة مرةً أُخرى هو إيمان بغيوب، إيمان بالغيب! يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ۩، والغيب شيئٌ يختلف عن الشهادة، وسيبقى الغيب غيباً في نهاية المطاف، نعم هناك غيوب إضافية وغيوب نسبية تأتي ربما تأويلاتها في قابل الأيام، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ۩، لكن تبقى غيوبٌ لا يأتي تأويلها إلا يوم القيامة، بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۩، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ ۩، أحياناً هناك غيوب لا يأتي تأويلها إلا مع لحظة مُفارَقة الدنيا بالموت، وهكذا – أيها الإخوة والأخوات – يبقى الإيمان في أكثر مسائله مبنياً على التسليم، لا معنى لأن يقول مُؤمِن أو مُدّعٍ للإيمان أنا أُؤمِن بشرط أن يُبرهِن العلم مثلاً، مُستحيل! إذن أنت لا تُؤمِن، أنت في الحقيقة تُؤمِن بالعلم ولا تُؤمِن بالغيب، أنت تُؤمِن بإله العلم ولا تُؤمِن بإله السماوات والأرض، للأسف كثيرٌ من المُسلِمين مِمَن لا تتماسك الأفكار وفق نماذج أو نظريات دقيقة في أذهانهم للأسف يلجون هذه الموالج اللحجة التي تنتهي بخسرانهم في الدنيا والآخرة والعياذ بالله تبارك وتعالى.

هذه مُقدِّمة بسيطة أحببت أن أورِدها بين يدي الحديث الذي وعدت به في الخُطبة السابقة، الآن آية المقام تشترك مع آيات كثيرة جداً جداً، وفي الحق مائة وثنتان وعشرون آية ورد فيها لفظ القلب، وكما قلنا يطول المقام جداً إذا أرادنا أن نستعرض مُجرَّد استعراض الصفات التي أُسنِدت لهذه اللطيفة الإلهية، لهذا العضو الصغير، بحجم قبضة اليد، صفات كثيرة جداً جداً معلومة لكل مَن يُطالِع كتاب الله – تبارك وتعالى – ويتلوه.

ولولا هذه الآية لأمكن حمل جميع الآيات في كتاب الله التي أُسنِد فيها العقل والفقه والتذكر وأمثال هذه اللطائف والمشاعر والأحاسيس والمدارك إلى القلب – لأمكن حمل أولئكم جميعاً – على المجاز، واللُغة تتسع لذلك، لكن لولا هذه الآية التي نصت صراحةً فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ۩، انتهى! هنا الأمر أصبح حقيقةً بل أكثر من حقيقة، الله – عز وجل – يُؤكِّد وبوضوح وبحسم أن هذه اللطيفة – هذا العضو العضلي الشديد التعقيد، الشديد الصغر أيضاً، كما قلنا في حجم قبضة يد، لا يزيد وزنه في المُتوسِّط عن مائتين وخمسين جراماً، رُبع كيلو فقط – هي التي تتمتع بالبصيرة، هذه اللطيفة البسيطة هي التي تتمتع بالبصيرة! إن لها عيناً كعين الوجه أو كعيني الرأس، هنا البصر، أما هناك فالبصيرة، وكما يعمى الإنسان في عيني رأسه يعمى في عين قلبه، الذي يعمى في عيني رأسه يعمى عن أشياء معلومة محسوسة وملموسة، والذي يعمى في عين قلبه – أي في بصيرته – يعمى عن ماذا؟ يعمى عن ماذا؟ 

سؤال أيضاً يثور في هذا المقام، إذا كان الكفّار والجحدة قد ختم الله على قلوبهم – فهي مطبوعٌ عليها، فكأنها غير موجودة، كأنها عضو مادي، لا إحساس فيه، لا نبض، لا حياة! إنها لا تتذكر، إنها لا تتعظ، لا تعتبر، لا تفقه، لا تعي، ولا تعقل، إذن سؤال يثور هنا – فمَن الذي يُجادِل؟ الكفّار دائماً يُجادِلون ويصوغون حججاً قوية ومُتماسِكة على ما يبدو في بعض الأحيان، يُحاجون عن مواقفهم، كيف لا يعقلون؟ إذن مَن الذي يصوغ هذه الحُجج؟ مَن الذي يُحاج؟ مَن الذي يُجادِل؟ هل يُمكِن القول إن هناك مصدراً بديلاً للمعرفة، إن هناك مصدراً بديلاً للإدراك والوعي، أو بالأحرى أن نقول إن هناك مصدراً إضافياً للوعي؟

على كل حال قبل سنلج موالج الجواب عن هذا السؤال الخطير عن هذه القضية التي كانت ولا تزال موضع تندر غير المُتدينين والملاحدة من الوحي الإلهي، من القرآن! يقولون انظروا، قلنا لكم هذا من وضع محمد، من تأليف محمد، يعكس ثقافته ومُستوى عصره ومُعطيات عصره!

طبعاً المُقدِّمة في أول الخُطبة ترد عن هؤلاء مُباشَرةً وبسهولة، المُقدِّمة ترد عن شُبهات وتشغيبات هؤلاء بطريق قصيرة جداً، لكنهم لا يُسلِّمون، لا يُسلِّمون بهذا! يقولون وما أدرانا؟! قد لا يأتي يوم يتبرهن فيه لا بطريق علمي ولا بغير علمي هذا الذي يدّعيه صاحب هذا الكتاب، تماماً نفس الموقف الجاحد القديم، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا ۩، مُجرَّد منقولات تعكس ثقافات حضارات مُعيَّنة وأدوار حضارية مُعيَّنة، لذلك يتجاوزها العلم باستمرار، قالوا هذه مسألة ثابتة وواضحة تماماً، لا دور لهذه المضخة العضلية التي ينحصر دورها في ضخ الدم، استقباله وضخه مره أُخرى، ليس أكثر من هذا، إنها ليست أكثر من مضخة، يُمكِن أن يُستعاض عنها بمضخة صناعية – وتعرفون قصة بارني كلارك Barney Clark المشهورة – أو يُستعاض عنها بمضخة من جنسها – أي عضلية – من إنسان آخر، ولن يتغيَّر، لو أخذناها من كافر هل المنقول إليه هذا العضو والذي هو مُؤمِن سيُصبِح كافراً أو العكس صحيح؟ لو أخذنا هذه المضخة من مُؤمِن وزرعناها في صدر كافر وفي جوانح كافر هل سيُشرِق صدره وينشرح بالإيمان؟ هكذا يقولون مُستهزئين ساخرين!

إذن أين الجواب؟ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ۩، الله يُؤكِّد أنها تُبصِر، وبالتالي يُمكِن إسناد العمى إليها، فهي لا تعمى إلا إذا كانت بصيرة، على كل حال أعتقد أن منشأ هذه الشُبهات – وهي بلا شك شُبهات لها وزن ولها اعتبار – هو بسبب الخلط المنهجي، يوم يعتقد المرء أن مسائل الإيمان يجب أن تكون مُبرَّرة وبشكل واضح وفي كل دورة علمياً لن يُوجَد معنى لهذا الإيمان لكي يكون إيماناً، انتبهوا! لا معنى لهذا الإيمان، لذلك يوم القيامة – مثلاً – هل يبقى واحد أو أحد من الناس كافراً؟ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۩، ما شاء الله! كلهم أكثر ما يكونون سمعاً، أكثر ما يكونون بصراً، وأعظم وأملأ ما يكونون حسرةً، يتحسَّرون! طبعاً لا معنى لأن يُؤمِنوا إذا جاءت حتى في الدنيا آيات الله الكبار، كطلوع الشمس من مغربها، في هذه الساعة أو في هذه اللحظة عند هذه الآية لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۩، لماذا؟ انتهى! لأن الغيب استحال شهادة، الغيب تبرَّر بالحس، أصبح محسوساً مرئياً، الآن لا حاجة إلى الإيمان، انتهى! هذا ليس الإيمان، الإيمان دائماً يكون بالغيب، الإيمان دائماً يكون بالغيوب! الإيمان منشأه التواضع، أن تعرف قدرك أيها الإنسان، لا تدّع الإلهية، الذي يُحيط بكل شيئ وعنده القدرة والصلاحية أيضاً أن يُخبِر أحياناً عن بعض هذا الشيئ المُحاط به من كل شيئ هو رب العالمين، مُستحيل أن نحصره ونقول له ممنوع أن تُخبِر إلا عما يُدرِكه علمنا في كل دورة، ما هذا الإله إذن؟ هذا الإله بالضبط هو الذي يصح أن يُقال فيه إنه صنيعة الإنسان، الإنسان يصنع إلهه في كل دورة تاريخية، أكثر الملاحدة يعتمدون هذه النظريات مدعومة للأسف بأدلة أنثروبولوجية وتاريخية، للأسف! الإنسان يصنع إلهه في كل مرحلة، لكن إذا ثبت أن هذا الإله بوحيه دائماً يأتي سابقاً للإنسان – أحياناً بمئات وأحياناً بآلاف السنين، ليُخبِر عن حقائق الوجود كما هي، والتي على العقل تلكأ او أسرع ان ينتظر أحياناً ألف سنة أو ألفي سنة حتى يرى تأويل ما أخبر عنه الله تبارك وتعالى – سيختلف الأمر، مثل هذا الإله لا يصنعه الإنسان، إنه يصنع مسيرتك، إنه مُهيمن عليها، وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ۩، وهذه مسألة نموذجية.

طبعاً كان أكثر ما بالغوا وأُولِعوا بالتشغيب والمُجادَلة حين تمت عملية نقل القلب البشري من صدر إلى صدر، قالوا ها انظروا، عجيب! لماذا يتسرَّعون؟ هل سألوا هؤلاء المنقولة إليهم الأعضاء؟ هل طرأ عليهم تغير؟ هل أحسوا بشيئ في مواهبهم، في تفضيلاتهم الفنية الأدبية، في قيمهم، في مشاعرهم، في أحاسيسهم، في نظرتهم إلى الحياة، وفي استعادة بعض الذكريات الحيوية كما تُسمى؟ لم يسألوا، ولم يسألوا العلماء هل فعلتم؟ سارعوا مُباشَرةً وافترضوا أن النتيجة محسومة سلفاً، قالوا لم يتغيَّر شيئ، وهذا غير صحيح، تغيَّر وتغيَّر الكثير، والآن في الغرب – وخاصة الغرب الأمريكي – دراسات وأبحاث ومعاهد في مُقدِّمتها معهد هارتمان Hartman بكاليفورنيا California ومونتريال Montreal بكندا Canada أيضاً، تُوجَد معاهد كبيرة جداً مُحترَمة، معاهد طبية على رأسها علماء كبار على مُستوى العالم، مُتخصِّصون في جراحة الأعصاب، في جراحة القلب، في علم المُخ – ما يُسمى بعلم المُخ، وهو تخصصات كثيرة جداً جداً -، في علم النفس، في علم النفس التحليلي، وفي أشياء كثيرة جداً، وهم مشهورون عالمياً، ومن حُسن الحظ أن بعضهم قد وضع كُتباً تُلخِّص مسيرة أكثر من عشرين سنة من الأبحاث والرصد والمُتابَعة لهذه الظاهرة الحسّاسة والمُثيرة والنادرة جداً في نفس الوقت، إنسان يُنقَل إليه قلب إنسان آخر! كان ولا زال الشعراء إلى اليوم يُؤكِّدون أن هذا القلب هو موضع العطف والحُب والرحمة واللين والشفّافية والذوّاقية والإحساس والميل والهوى، القلب وليس العقل.

الإنسان منا – الواحد العادي بالحس المُشترَك، بالــ Common sense، أي بالحس المُشترَك كما يُقال، بالبديهة – يشعر دائماً حين يفرح وحين يحزن أن هذا القلب يتأثَّر، يقول نعم يتأثَّر، طبعاً يتأثَّر! لكن المركز هو المُخ، الذي يُعطي الإشارات هو المُخ، الفاعل هو المُخ، والقلب ينفعل، مثلما تنفعل العضلات والأطراف بإشارات، شيئ طبيعي، لا! شعورنا في الحقيقة أبعد من هذا، نشعر حقيقةً أنه هو الذي يتألَّم، هو الذي يشعر، هو الذي يطير من الفرحة، القلب هذا! نشعر به بين جوانحنا، لذلك القرآن أكَّد على هذه الحيثية الظرفية، وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ۩، أكَّد على ذلك!

وفي رأس هؤلاء العلماء بروفيسور Professor كبير في جراحة الأعصاب وفي علم النفس يُدعى بول بيرسال Paul Pearsall، صاحب كتاب The Heart’s Code، أي قانون القلب، Code معناها القانون – باللفظ القانوني – أو معناها الشيفرة، اسمه The Heart’s Code، أي قانون القلب، وهو كتاب كبير لخَّص فيه التجارب والرصد لأكثر من عشرين سنة، وهذا العالم حين كان ينشر أبحاثه ويُبشِّر بها – وهو عالم على أعلى مُستوى – اتسعت دائرته وشاركه على نفس الخط مجموعة من العلماء الذين يُضاهونه أيضاً علماً ومقدرةً وإمكاناً، مثل غاري شفارتس – أو شوارتس كما يُسمونه بالأمريكية – Gary Schwartz، إذن مثل غاري شوارتس Gary Schwartz، مثل الدكتور أندرو آرمور Andrew Armour بمونتريال Montreal بكندا Canada، ومثل الدكتور مكارتي McCarthy من معهد هارتمان Hartman بكاليفورنيا California، وهناك آخرون دخلوا على نفس الخط، والحقائق عجيبة جداً جداً جداً.

بدأت القصة مع سيدة تُدعى كلير سيلفيا Claire Sylvia التي تم لها قبل عشرين سنة عملية زرع لقلب ورئتين، زرع مُزدوَج في نفس الفترة! في ثالث يوم بعد نجاح العملية المُدهِش والذي اعتُبر إعجازياً حدث شيئ غريب، نجحت العملية، نبض القلب واشتغلت الرئتان، القلب يُمكِن أن يحتفظ بقدرته على النبض لأربع ساعات إذا وُضِع في وسط مُغذٍ، لكن العجيب حين يُؤخَذ ويُزرَع مرة أُخرى بين جوانح إنسان ينتظر الحياة بقلب جديد ومع قلب جديد، كيف يستعيد ذكرى آخر نبضاته وهو مفصول الآن عن الجهاز العصبي برُمته؟ هل عنده دماغ آخر؟ نعم، وهو ما يُسمى بدماغ القلب، نعم! هذه آخر الأبحاث، له عقل خاص به، غير العُقدة العصبية في أعلى الأُذين الأيمن، هذه يعرفها كل الأطباء بعد أن درسوها، لا! هذه أبحاث جديدة جداً، الآن عدد الخلايا العصبية النبيلة – كما يُقال – التي رُصِدت جديداً – أكثر مَن ساهم في هذا الرصد الدكتور آرمور Armour بكندا – أربعون ألف خلية، أربعون ألف خلية تُشكِّل في مجموعها دماغاً للقلب، وهكذا بدأ بعضهم يتحدَّث عن أن القلب دماغ وظفي Functional، ليس تشريحياً طبعاً، تشريحياً هو ليس دماغاً، لكنه من ناحية وظفية – أي وظيفية – هو دماغ أيضاً، يتحدَّثون عن دماغ وظفي وليس عن دماغ تشريحي، هذا الدماغ بلا شك هو دماغ تشريحياً ودماغ وظفياً، لكن ذاك وظفياً دماغ وإن لم يكن تشريحياً كذلك! لأربع ساعات القلب يُمكِن أن يحتفظ بقدرته على النبض، ويتذكَّر آخر نبضاته، ولا يُمكِن أن يعرف بشكل سليم إلا إذا واصل النبضات كما كان يفعل قبل أن يُقتلَع من جوانج صاحبه الواهب، أي الــ Donor، هذا ما حصل!

على كل حال بدأت القصة مع هذه السيدة، بعد ثلاثة أيام يأتيها طاقم من الصحافيين ويسألونها ماذا بعد؟ ما الذي تنتظرينه من الحياة بعدما كل ما أعطتكِ هذه الحياة؟ لقد نجحت العملية بشكل إعجازي، رئتان وقلب جديد! ماذا تُريدين؟ فقالت كل ما أُريده الآن رشفة من الجعة، ثم انتبهت إلى نفسها، إنها لم تشرب الجعة طيلة حياتها، ولم تُحِبها طيلة حياتها، الآن تشعر بدافعية غريبة وبمحبة للجعة، قالت وانتبهت إلى نفسي، ما الذي حدث؟ من أين جاءني هذا التفضيل الجديد؟ البيرة – Beer – هي الجعة، قالت وبعد أيام لاحظت أنني أستخدم الفلفل الأخضر في طعامي، لم أستخدمه في حياتي من قبل قط، لأنني أُبغِضه، أصبحت مُعجَبة جداً جداً به، أُحِبه! وهذه كانت المُلاحَظة الثانية، علماً بأنها هي التي سجَّلت هذه المُلاحَظات لأنها تعيشها، الآن تستأنف حياة جديدة، هي لا تدري أنها تستأنف حياة جديد بقلب قديم، بقلب قديم وليس بقلبها! قالت وفي يوم من الأيام وكنت نباتية أيضاً – كنت نباتية – وجدتني مُنساقة إلى محل يبيع الدجاج المقلي، وأخذت منه كمية كافية وتلذذت بها لأول مرة في حياتي. 

إذن البيرة، الفلفل الأخضر، والدجاج المقلي، لأول مرة! قالت وبعد بضعة شهور رأيت في المنام شاباً، طبعاً هنا بين قوسين أقول (لا يُسمَح في الغرب الأمريكي بل تقريباً في العالم كله كذلك أن يعلم الموهوب له ما يتعلَّق بالواهب، هناك قوانين صارمة جداً جداً للسرية في موضوع نقل الأعضاء، ممنوع أن يعلم الموهوب له ما يتعلَّق بالواهب، ممنوع، لا اسمه ولا أي شيئ، قوانين جداً صارمة للسرية، هكذا!) 

قالت وبعد بضعة أشهر – ولم أكن أعلم أي شيئ عن هذا القلب ومن أين أتى، لأن هذا لا يعنيها، يعنيها أن يضخ وينبض قلب جديد بين جوانحها، يُتمِّم لها ما بقيَ من الحياة، هذا الذي يعنيها، قلب مَن؟ لا تعرف، وهذا ممنوع أصلاً بحسب القوانين – رأيت في المنام شاباً يمشي إلى جواري، أستلطفه وأتكلَّم معه، اسمه تيم Tim، مُختصَر تيموثي Timothy، قالت لما قمت شعرت شعوراً قوياً أن هذا الشاب هو الواهب، هو صاحب القلب الذي بين جوانحي، فرفعت سماعة الهاتف واتصلت بالسيدة المُنسِّقة لعملية زراعة القلب في المُستشفى أو في المشفى في بوسطن Boston الذي أُجريت لي العملية، وسألتها قائلة من فضلك أخبريني هل هذا الشاب يُدعى تيموثي Timothy؟ فصُدِمت ولم تحر جواباً، بعد أن التقطت أنفاسها قالت أنتِ تمزحين، قلت لماذا؟ قالت من أين عرفتِ الاسم؟ قلت هل هو حقاً؟ فقالت لا تمزحي معي، فقلت لها هل هو حقاً؟ فقالت نعم، إنه تيموثي Timothy، تيموثي لاميراند Timothy lamerand، اسمه تيموثي لاميراند Timothy lamerand! 

قالت وبوسائلي استطعت أن أتصل بالعائلة، لأعلم أن آخر لحظاته قبل أن يُقتَل ويفقد حياته في حادث درّاجة بالاصطدام مع سيارة كان في جُعبته كمية من الدجاج المقلي، وكان من الذين يحتسون البيرة، وكان من الذين يُفضِّلون الفلفل الأخضر في أطعمتهم، إنها تستأنف حياته عبر قلبه! مُلاحَظات مُثيرة وغير مُمكِن تصديقها للوهلة الأولى.

البروفيسور Professor بول بيرسال Paul Pearsall التقط هذه الأشياء، وظل يعمل عشرين سنة في هذا الحقل، في هذا الموضوع، إذن هناك شيئ، هناك شيئ غير ما كنا بحسب النموذج العلمي التقليدي الذي يرفض أن ينظر إلى القلب على أنه شيئ أكثر من مضخة، إنه مضخة دم، قوية طبعاً بلا شك ومُمتازة، تضخ في اليوم من ثمانية آلاف إلى اثني عشر ألف لتر، تخيَّل! ملايين اللترات يضخها في عمر الإنسان، ملايين! وينبض في مُتوسِّط عمرك ثمانية بلايين أو بالرقم المعروف هنا مليارات، علماً بأن المليار عشرة أس تسعة، ثمانية مليارات مرة! وهو مُتفرِّد بين قلوب جميع الحيوانات، أكثر القلوب نبضاً بين الكائنات الحية قلب الإنسان، الحيوانات ذوات القلوب في المُتوسِّط ينبض لها أربعة مليارات مرة، أما الإنسان فينبض له ثمانية مليارات مرة، فقلبه مُتفرِّد! وهو أيضاً مُتفرِّد – أي هذا القلب أو هذه الغُدة الصنوبرية، هذا العضو الصنوبري اللطيف – بين الأعضاء نفسها، هو مُستقِل إلى حد بعيد بتسييره الذاتي لنفسه، مُستقِل إلى حد بعيد عن الجهاز العصبي كما أشرنا في أول الخُطبة، تعرفون أن هناك أُذينين عُلويين وبُطينين سُفليين، في أعلى الأُذين الأيمن هناك عُقدة – المعروفة بالعُقدة العصبية – هي التي تُنظِّم موضوع النبضات عصبياً مُستقِلة عن الدماغ نفسه، مُستقِلة! لذلك يُمكِن أن يعيش أربع ساعات بعد أن يُفصَل من بدنه، بفضل أيضاً هذه العُقدة العصبية، مُستقِل! يتصل مع الدماغ بوسائل كثيرة، من أهمها الوسيلة العصبية، مثل باقي الأعضاء! وأيضاً الوسيلة الهرمونية، والأبحاث جارية ومُستمِرة في هذا الميدان.

قبل أكثر من عشر سنوات ناقشني أحد إخواني الأحباء، الأخ إيهاب، أخو رامي، قال لي هذه الآية تُحيرني، وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ۩، فقلت يا إيهاب ما علينا إلا التسليم، والله! مَن يدري؟! وهو حي يُرزَق، مَن يدري؟! لعله يأتي يوم يُثبِت فيه العلم أن القلب حين يضخ يضخ أيضاً هرمونات خاصة به، تُؤثِّر على مِزاجنا وعلى حالتنا النفسية والعاطفية، وهذا الذي ثبت – بحمد الله – هذه السنوات، إن القلب يضخ مع الدم أيضاً هرمونات خاصة، تصل إلى المُخ وتصل أيضاً إلى كل الجسم عبر الدم طبعاً، مثل الغُدد الصماء، أي هذه الــ Endocrine، مثل كل الغُدد الصماء، لكنه ليس غُدة صماء، هو القلب! هرمونات كثيرة الآن الأبحاث جارية عليها، يُوجَد هرمون تقريباً ثبت وجوده، اسمه الــ ANF، أي الهرمون الأُذيني – أتت من الأُذين – الطارد للصوديوم Sodium، الــ ANF هو الهرمون الأُذيني الطارد للصوديوم Sodium، وهكذا يثبت أن القلب أيضاً له دور رئيس وحسّاس في موضوع التوازن، توازن السوائل والأملاح في الجسم! هذا مُهِم، لكن هرمونات أُخرى أيضاً، والأبحاث تجري عليها الآن، مصدرها القلب وليس الغُدد الصُم، في الدماغ وفي غير الدماغ، أي في مواضعها المعروفة، القلب أيضاً عنده هذا، فهو مُتفرِّد، مع أنه عضو عضلي لكن هذه العضلة المُعقَّدة هي من قبيل العضلات المُخطَّطة، والعضلات المُخطَّطة إرادية، نتحكَّم فيها! مثل عضلات الأطراف، لكنها عضلة مُخطَّطة لكن لا إرادية، وهي استثناء في كل جسم الإنسان! العضلات الملساء لا إرادية، كعضلات الأمعاء، لذلك لا نتحكَّم فيها، فإذا استُثيرت شعرنا بالمغص الشديد، هذا يُسبِّب المغص حين تُستثار، لكن عضلة القلب مُخطَّطة وفي نفس الوقت لا إرادية، لماذا؟ حتى يُطوِّل الله – تبارك وتعالى – بحكمته ربما الخط والطريق على الذين يرغبون في الانتحار، لو كان الإنسان يتحكَّم في قلبه بهذه السهولة كما يتحكَّم في عضلة طرف من أطرافه لكانت هذه أسهل طريقة إلى الانتحار، لكن هذا غير مُتاح للإنسان بهذه الطريقة السهلة، المُهِم له تفردات، القلب له تفردات!

المُلاحَظة الثانية للدكتور بيرسال Pearsall كانت عجيبة، سيدة كانت وادعة وهادئة، تكره العنف إلى درجة أنها كانت تُغادِر الغُرفة حين يُتابِع زوجها مُباراة كرة قدم، ترى أن هناك قدراً من العنف لا تحتمله في كرة القدم هذه، لا تُريد! هذه السيدة بعد حين من الدهر صارت تُحِب المُصارَعة والمُلاكَمة وكرة القدم وتحرص عليها أكثر من زوجها وتبدأ وهي تُتابِع تلكم وتضرب بيديها وتسب وتشتم وتلعن، هل تعرفون متى كان هذا الحين من الدهر؟ حين زُرِع لها قلب جديد، وضح أنه كان قلب مُلاكِم، شيئ غريب جداً، هذه حالة مُوثَّقة، وثَّقها صاحب The Heart’s Code، أي قانون القلب أو شريعة القلب، يُمكِن أن يُترجَم هكذا أيضاً! شريعة القلب أو قانون القلب، شيئ غريب ومُثير.

رجل – وهو في الخمسين من عمره، أي في العقد الخامس من عمره – كان يميل إلى الكسل، لا يُحِب أن يُمارِس أي نوع من الرياضة، وإذا مارس فإنه يُمارِس رياضات خفيفة جداً جداً جداً وباقتصاد شديد، بعد أن نُقِل له قلب – لا يعلم قلب مَن هو – صار يُمارِس السباحة وركوب الدرّاجات بشكل مُفرِط، الأطباء الذين نقلوا له القلب قالوا كان من المُستحيل أن نتصوَّر من هذا الشخص بالذات في وزنه وحالته ومُؤشِّراته الحيوية كلها أن يكون رياضياً بهذا المُستوى، مُستحيل! أصبح رياضياً بشكل ملحوظ، يُمارِس الرياضة بشكل مُفرِط، يُحِب ركوبة الدرّاجة والسباحة، بعد ذلك بتقدير الله استطاع أن يصل إلى الواهب الذي كان يعمل بهلواناً في السيرك ويُمارِس الرياضة بشكل دائم ليل نهار، قال أنا أُدرِك أنه يعيش بين جوانحي، لكن سؤالي: متى يتوقَّف هو وأبدأ أنا؟ يشعر أن هناك شخصاً آخر يُملي عليه تفضيلاته، مهارات جديدة، مواهب، وأحاسيس، قال متى يتوقَّف لأبدأ أنا؟ هذه أيضاً من القصص المرصودة العجيبة.

البروفيسور Professor بيرسال Pearsall أيضاً يحكي لنا قصة الرجل ابن السابعة والأربعين والذين كان يتحفَّظ على السود، ليس عنصرياً، لكن لديه تحفظاته على السود، على النيجرو Negro كما يُسمونهم في أمريكا عنصرياً، لكن الرجل ليس عنصرياً، ولكن عنده تحفظات، بعد أن تم له عملية زراعة قلب بدأ هذا الرجل يميل – كان من قبل يُحِب موسيقى الروك Rock، معروفة! موسيقى عصرية وسريعة الإيقاع – إلى حُب الموسيقى التقليدية الهادئة، الدرامية أحياناً، مما أمل زوجته وأسأمها، هي لا تُحِب هذه الموسيقى، هي طراز حديث طبعاً ولا تُحِب هذه الموسيقى، ما الذي حصل؟ يقول البروفيسور Professor غاري شفارتس – أو شوارتس – Gary Schwartz الذي يعمل مع بيرسال Pearsall في نفس الموضوع هذا وفي نفس الحقل، يقول ولكم كانت دهشتنا حين علمنا أن الشاب الأسود الذي كان هو في الحقيقة الواهب لهذا القلب كان قد خرج لتوه من آخر درس – من آخر درس أنعم عليه القدر به – للموسيقى لأنه كان عازف كمان! خرج من المعهد لتضربه سيارة تقضي عليه، لقد كان عازفاً للكمان وموسيقاراً تقليدياً، انتقل هذا التفضيل إلى الشخص الجديد، ما عاد يُحِب الروك Rock، صار يُحِب الكمان والموسيقى التقليدية، شيئ غريب! ما القصة إذن؟ كيف؟ هناك أشياء مُحيّرة كثيرة، تُوجَد عشرات القصص، أحياناً يكون التطابق بشكل مُثير لدهشة العلماء، والآن تُوجَد إسهامات كثيرة.

بالنسبة للبروفيسور Professor بيرسال Pearsall نفسه يقول إذا ثبت هذا فسيتغيَّر كل شيئ، أي بعد ذلك لن نُدرَّس في كُتب العلم المُختلِفة الدور الحصري للدماغ في عمليات الإدراك والفهم والتحليل والاستنباط والتركيب، هذا الــ Exklusive Rolle سينتهي، أي هذا الدور الحصري سينتهي، ليس هناك دوراً حصرياً، له دور أساس – أي الدماغ – بلا شك ورئيس، لكنه ليس حصرياً، وسيثبت أن هناك مصدراً ليس بديلاً ولكنه مصدر إضافي للإدراك والفهم، هذا ما نُريده! لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ العلم يُثبِت هذا، القرآن بكل بساطة يُحدِّثنا عن القلب ويُحدِّثنا عن أجهزة إدراكية أُخرى من بينها الفؤاد، علماً بأن الفؤاد ليس القلب، الفؤاد حين نُدقِّق ليس هو القلب قرآنياً، هو شيئ آخر، إلى الآن في حدسي وفي ظني أنه هو المُخ البدائي، الذي حدَّثناكم عنه في أكثر من مُناسَبة، الأمجديلا Amygdala والهيبوكامبوس Hippocampus وهذه الأشياء، هو هذا الفؤاد! وموضعه في المُخ يأتي تماماً لكي يُبرِز هذه التسمية، على كل حال كلمة فؤاد لها علاقة بالاضطرام، هي من الاضطرام! والعجيب أن آخر الأبحاث التي تتحدَّث عن هذه المشاعر تتحدَّث عنها بطريقة اضطرامية، حتى أن علماء الأعصاب عندهم مقولة – هكذا مقولة مشهورة في علم الأعصاب – تقول الخلايا التي تضطرم معاً تبقى بعد ذلك تُعيد اضطرامها معاً، وهذا الذي يُفسِّر لنا كل التلازمات بين عوامل شرطية وعوامل غير شرطية، هذا موضوع آخر، وهو علمي ومُعقَّد إلى حد ما، لا علينا من هذا.

المُهِم أن القرآن يُؤكِّد هذا، وكما قلت في أول الخُطبة هناك سؤال ثائر الآن، إذا كان مختوماً على قلب هذا الكافر، فمَن الذي يُحاجِج؟ مَن الذي يُجادِلني؟ مَن الذي يصوغ الحُجج المنطقية والفلسفية والأنثروبولوجية والاجتماعية – إلى آخره – ليُحاجِج؟ الدماغ، الدماغ له معرفة، هو أساس ورئيس في المعرفة بلا شك، لكنها معرفة الحساب، معرفة المنطق، معرفة التبرير، معرفة الواقع المادي، ومعرفة هذا العالم الذي نعيش، أما المعرفة الذائقية، المعرفة الحدسية، المعرفة غير الواعية، والمعرفة التي يُمكِن أن نُفسِّر بها العبارة الشهيرة في علم الاتصال Communication، فشأنها مُختلِف، وهناك عبارة مشهورة جداً تقول الإحساس البشري صادق، طبعاً سيهب لي عشرة منكم الآن وربما مائة وربما كلكم لكي تقولوا غير صحيح، غير صحيح! كأين من مرة أحسنت فيها الظن وظننت فيها الوداعة والحلم والصدق والأمانة في شخص لتكشف الأيام أنه غدّار، غير وفي، غير صادق، وغير أمين! والعكس صحيح، كأين من مرة أسأت فيها الظن بشخص وظننته شخصاً لا يستحق الثقة وليس موضعاً للأمانة وإذا بالأيام تُثبِت أنه شخص من أحسن ما يُنتظَر! سأقول لك العبارة صحيحة، الإحساس البشري صادق، عبارة حين يقولها العلماء يعرفون ماذا يقولون، أنت تتحدَّث عن حسابات وهم يتحدَّثون عن إحساس، انتبه! يتحدَّثون عن إحساس مُحايد تماماً، بغير رهبة، وبغير رهبة، مثلاً – طبعاً سأقول لك شيئاً وستضحك منه، لكن هذه هي الوقائع وهذه هي الحقائق – أنت تُحسِن الظن بشخص وتظن أنه حبيب جداً وقريب إلى قلبك وأنه لطيف وأمين ووادع ومن أحسن ما يكون، لأنك على نية أن تُبرِم معه صفقة مُعيَّنة، معنوية أو مادية، صفقة مُعيَّنة! يُوجَد مشروع بينك وبينه، فتراه من أحسن ما يكون، فإذا انقلب عليك وقلب لك ظهر المجن – كما يُقال – تقول أثبتت الأيام سوء إحساسك، لكن في الحقيقة هذا سوء حساباتك، خطأ حساباتك! والعكس أيضاً صحيح، العلماء يتحدَّثون عن شخص ليس بينك وبينه أي عامل يُخرِج عن الموضوعية، يتحدَّثون عن إحساس مُحايد، فلا يُوجَد تنافس مثلاً، لست طالب علم وهو طالب علم، لست عالماً وهو عالم، لا! لا يُوجَد أي تنافس، انتبه! لو كان هناك تنافس قد يكون من أولياء الله وأنت تظن أنه من أولياء الشيطان، تقول يا أخي قلبي لا يرتاح، طبعاً لأنك تُنافِسه، طبعاً! لكن حين يموت ويخرج عن خط المُنافَسة ستذرف عليه الدمع السخين، ستقول ما أحسنه! ما أخلصه! وما أصدقه! كان يخدم، طبعاً لأن المُنافَسة انتهت، والموت حلّال المشاكل كما يقولون، لكنهم يتحدَّثون عن إحساس مُحايد تماماً، شخص تراه وليس بينك وبينه أي عامل يُخرِجك عن الحيادية، كيف تشعر إزاءه؟ هذا الإحساس صادق، وأنا سأقول لك نفس هذا الإحساس مُنعكِس أيضاً في فؤاده، هو أيضاً يشعر إزاءك نفس الإحساس، لذلك الحُب الصادق يعرف الكلام أو يعرف الصمت؟ يعرف الصمت، لست بحاجة ولست مُحتاجاً حين تكون صادقاً في محبتك وصادقاً في نظرتك لأي إنسان أن تُؤكِّد له هذا أكثر من مرة واحدة، مرة واحدة تكفي، مرة واحدة فقط! لأنه قد يكون مُشوَّشاً، قد لا يكون مُتبصِّراً بإحساسه هو وبإنعكاس إحساسه، فبصِّره فقط مرة واحدة، كما قال النبي أخبره، قال هل أخبرته أنك تُحِبه؟ قال لا، قال قم فأخبره، الحق به فأخبره أنك تُحِبه، هذا الكلام مائة في المائة صحيح، الحدس!

هناك حالة الآن في علم الأعصاب مُحيِّرة، ظل علماء الأعصاب أيضاً لسنوات يُنكِرونها، ليس كلهم وإنما أكثرهم، إنها حالة العمى المُبصِر، أي حالة الأعمى البصير، أي حالة البصر اللاواعي، شخص أعمى – مثلاً – في منطقة مُعيَّنة، نقول أعمى – مثلاً – في الجهة اليُمنى، طبعاً الخلل سيكون في الجهة اليُسرى من دماغه، وتعرفون هذا! فهو أعمى في الجهة اليُمنى، الجسم إذا تحرَّك في جهة اليسار فإنه يرى، إذا تحرَّك إلى اليمين فإنه لا يرى، الشخص هذا موجود فعلاً، حقيقي! وهو شخص أصبح مثالاً للتجربة البشرية، اسمه جي. واي G.Y.، هو جراهام Graham في الحقيقة ويُختصَر باسم جي. واي G.Y.، معروف! هذه حالة – Case – مشهورة درسها عالم من بريطانيا – تحديداً من أكسفورد Oxford – اسمه كوي – ألان كوي Alan Cowey – عشرين سنة أيضاً، درسها عشرين سنة! في النهاية أجرى مائة تجربة على هذا الشاب، أي على جي. واي G.Y.، الحالة المُعجِزة! حين يكون الشيئ في جهة اليسار يراه، لكن أيضاً حين يأتي الجسم من جهة اليمين – طبعاً علمياً لا يراه، وواقعياً هو لا يراه – يُقال له ماذا ترى؟ هل يأتي من فوق أو من تحت أو يميناً أو يسراً؟ يقول أصاب في كل الحالات وعلى مدى مائة تجربة مُتواصِلة لسنين، دائماً يُصيب! كوي Cowey – عالم أعصاب عالمي – اندهش، أُسقِط في يده! قال كيف تفعلها؟ قال لا أدري، قال هل ترى؟ قال لا أرى شيئاً، أنا أعمى بالكامل، وأنت تعرف أنني أعمى، في البداية كان يُسبِّب له هذا مشاكل، يقع في بعض الحُفر الصغيرة، يصطدم بالناس ولا يعتذر، يهرب! لكن بعد ذلك تطوَّرت لديه حاسة جديدة، يبدو أنه بدأ يعتمد على الحدس، على البصيرة، على نور آخر غير نور العين ونور الدماغ، نور مُختلِف تماماً وغير مرصود علمياً!

صحيح أن البروفيسور Professor كوي Cowey يقول في بداية القرن العشرين كنا نظن أن الممرات بين العين والدماغ هي مُجرَّد ممر واحد – هذا صحيح، في أوائل القرن العشرين – لكن بعد ذلك وجدناها ممرين، الآن يُؤكِّد العلماء أنها عشر ممرات، قال صحيح أننا لم نفرغ من دراستها، لم نعرف طبيعة العلاقة الكاملة بينها وبين الدماغ، هذا مُمكِن! قال ولكن لست أظن أننا على مقربة من إدراك هذا، الأمر مُعقَّد جداً جداً!

الشخص هذا يُقدِّر، ودائماً تقديراته تكون صائبة، يرى أو كأنه يرى لكنه لا يرى لا بالعين على ما يبدو ولا بالدماغ، يرى ببصيرة أُخرى، تُؤكِّد مقولة الحدسيين ومقولة علماء الاتصال، وهي الإحساس البشري صادق، وأنا أنصح كل مَن أعطاه الله هذه البصيرة القلبية أن يهتم به، وهي تكون أكثر شيئ عند الناس الصادقين، والبعيدين عن النفاق، عن الكذب، عن الشهوات المُحرَّمة، وعن كل ما لا يُرضي الله، فهؤلاء فعلاً تكون لديهم هذه البصيرة.

العلّامة الكبير ألكسيس كاريل Alexis Carrel – صاحب Man, The Unknown، الإنسان ذلك المجهول، والحائز مرتين على جائزة نوبل Nobel، هذا الفرنسي ألكسيس كاريل Alexis Carrel – يقول كل العباقرة والاستثنائيين في نظري أشخاص ذوي بصيرة، أي Insight، كلهم عندهم بصيرة، ليس عندهم دماغ مثلنا فقط، بل عندهم بصيرة أيضاً، قال هذه البصيرة هي التي تُلهِب خيالهم المُبدِع، وهي التي تدلهم على الكنز غير المعروف، وهي التي تُمكِّنهم من إدراك العلاقات خلف الكثرة وخلف الأشياء المُنفصِلة في ظاهر الأمر، يُدرِكون كيف ترتبط وماهية اعتلاقها بشيئ آخر غير عمل المنطق والحساب والرياضيات والعقل، أي عقل الدماغ وعقل المُخ، شيئ آخر! قال إنها البصيرة، قال هذا ما أقوله، وكان يدعو دائماً – أي هذا الرجل – إلى احترام الحدس والبصيرة وتقديرها، لابد أن يُعاد الاعتبار إليها، علماً بأن هذا الحدس وهذه البصيرة تُساعِدنا كل ساعة وكل لحظة دون أن ننتبه إليها، بعض الناس يرى أنها هي التي ما يُبقينا أحياءً وليس العقل الواعي.

أنت تظن – مثلاً – حين أرمي لك بالقلم أنك تراه وتلتقطه، وهذا غير صحيح، بالمرة هذا غير صحيح علمياً! لأن هذا القلم قد يأتي إليك بسرعة من سبعين إلى مائة ميل Mile – أي حوالي مائة وثلاثين أو مائة وأربعين كيلو متر في الساعة – ومن ثم يستحيل علمياً أنك تلتقطه، إذن مَن الذي التقطته؟ مَن الذي وجَّه يدك لكي تلتقطه في النُقطة الصحيحة تماماً؟ هذه لعبة كرة التنس بالذات، كرة التنس! كل العلماء الآن مُتفِقون على اللاواعي، ليس العقل الواعي، العقل الواعي لا يستطيع هنا أن يفعل أي شيئ.

نعود إلى المُهِم، هذا الموضوع مُتشعِّب لكنه لطيف ومُهِم، أعتقد من المُهِم والمُثير أن نُحاوِل أن نفهم أنفسنا قليلاً، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ۩، مُستحيل أن يخلقنا الله وأن نعيش وأن نموت ونحن صناديق جهل، لا نعرف شيئاً عن الكون ولا نعرف شيئاً حتى أنفسنا، كيف نُبصِر؟ كيف نسمع؟ كيف نُفكِّر؟ كيف نحس؟ كيف ننبعث؟ وكيف ننفعل؟ مُهِم جداً! وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ۩، مَن عرف نفسه فقد عرف ربه، الدليل عليه هو مني أنا، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۩.

نعود إلى الدكتور شفارتز Schwartz، أي غاري شفارتز Gary Schwartz، الدكتور أو البروفيسور Professor شفارتز Schwartz الآن يُطوِّر نظرية جديدة جداً – في طور التطوير، أين ستبلغ؟ الله عز وجل أعلم – عن آليات عمل وفعل الذاكرة، طبعاً المُقرَّر إلى الآن أن الذي يستفيد من المعلومات والخبرات والتجارب هو الجهاز العصبي، طبعاً كيف؟ عبر ما يُعرَف بنظام التغذية الراجعة أو التغذية الراجعة الحيوية، أي الــ Biofeedback، وهذا مُصطلَح في الأصل حاسوبي أو سبرناتيكي، فالــ Feeding هو إدخال معلومات إلى الحاسوب مثلاً، تغذية Feeding، أنت تُغذي، بعد ذلك أنت تنتظر ماذا الآن؟ تنتظر نتائج، تُعطيك أي شيئ، هذا اسمه Feedback، أي تغذية راجعة، نفس الشيئ مع النظام العصبي، المُدخَلات تعود مُخرَجات، المُخرَجات ترجع لتكون مُدخَلات، ويتم الاستفادة، ببساطة – بتبسيط شديد جداً جداً – هذا هو الــ Feedback، نظام التغذية الراجعة! وطبعاً هو موجود حتى في الأجهزة الميتة، موجود بطريقة ما، لكنه ليس Feedback حيوي، أي بيولوجي، وإنما Feedback غير حيوي.

البروفيسور Professor شوارتز Schwartz يقول يبدو أن القلب – وسائر الأعضاء أيضاً، لكن الحديث هنا عن القلب بالذات، لأنه مُتميِّز بأشياء ذكرها، المُهِم أن القلب أيضاً هكذا – يُطوِّر مخزناً للذاكرة وللذكريات الحيوية عبر نظام التغذية الراجعة الحيوية، يستفيد من هذا! هو يرى أن كل نظام – System – أو كل مجموعة خلايا في شكل اشتباكي – أي في شكل نظام System – يُمكِن لها أن تستفيد من التغذية الراجعة تماماً كالجُملة العصبية، تماماً! نفس المبدأ، قال ولذلك أنا أعتقد – هو يعمل في هذا الحقل – أن القلب يعمل كمخزن للذكريات حسب هذه الآلية، وإذا ما تم انتزاعه وزرعه بعد ذلك في جوانح إنسان مُستقبِل فسوف يبدأ هذا المُستقبِل يستعيد نفس الذكريات، ولكن سيكون هذا بشكل مُبهَم، لأن الذكريات ليست مزروعة في عضو وفي خلايا واحدة.

الآن النظرية الأكثر مقبوليةً تُفيد بأن الذكريات مُوزَّعة على كل الجهاز العصبي، والآن دخل على الخط القلب أيضاً بخلاياه، القلب بخلاياه! ولك أن تتخيَّل هذا، كما قلنا هناك أربعون ألف خلية عصبية، العجيب أن البروفيسور Professor آرمور Armour الذي اكتشف كثيراً جداً من هذه الخلايا وصوَّرها والصور أدهشت العلماء – هذا لأول مرة، صوَّر هذه الخلايا وسماها دماغ أو عقل القلب، ووافقه على هذا معهد هارتمان Hartman بكاليفورنيا California – يقول لقد وجدنا القلب يُرسِل رسائل إلى الدماغ – يستقبلها الدماغ ويتأثَّر بها – أكثر مما يفعل الدماغ إزاء القلب، عجيب! نحن نعتقد أن المركز الدماغ، ومن ثم هو الذي يُرسِل، والآخرون يستقبلون، ثم يُرسِلون، لكنه قال لا، القلب يُرسِل أكثر مما يستقبل!

الأطباء يعرفون أن مُخطَّط الدماغ الكهربي أضعف من مُخطَّط القلب الكهربي بكم مرة؟ بمائة مرة، عضو نشط وقوي جداً جداً! أما المجال المغناطيسي للقلب فهو أقوى من مجال الدماغ المغناطيسي، هل تعرفون بكم مرة؟ خمسة آلاف مرة، يُمكِن رصد المجال المغناطيسي – الــ Magnetic field – للقلب على بُعد ثلاثة أمتار، علمياً – بالآلات – ثلاثة أمتار! لذلك هو أكبر جهاز وأكثر الأجهزة الكهرطيسية التي تُنتِج المجالات الكهرومغناطيسية في الجسم اتزاناً وقوة، القلب!

لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا ۩، إنه عضو مُتزِن وصُلب وقلب، إنه في القلب لأنه قلب بالذات، هذا العضو مسؤول أيضاً عن ثبات الإنسان أو عن فرط الجبن لدى الإنسان، لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ۩، التثبيت على القلب والربط على القلب! الله يقول هكذا، وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۩، إذن الفؤاد غير القلب، إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا ۩، الله أكبر! لماذا لم يقل لولا أن ربطنا عليه؟ لأنه غير الفؤاد، الفؤاد شيئ آخر، يبدو أن الفؤاد كما قلنا هو هذا المُخ البدائي المُتمثِّل بالذات في اللوزة وفي حصان البحر، أي في الهيبوكامبوس Hippocampus، أما القلب فهو شيئ آخر، هو الذي بين الأضالع، مُتوضِّ بين الرئتين، هو هذا العضو الصنوبري اللطيف.

هناك تجربة فريدة جداً وقعت في معهد هارتمان Hartman، نختم بها والحديث سيتواصل، فهناك بيّنات أُخرى، كل هذا يُشعِرنا بالسكينة، أنا لا أقول لكم إننا نشعر بالنصر، لأنني لا أرى أن هذه المعركة معركة نصر وهزيمة، لا! هذا يُشعِرنا بالسكينة، سكينة الإيمان! بعد ذلك سنتعلَّم التسليم لما قال الله، لما قال الرسول، ولما ثبت في الدين نُسلِّم ونحن واثقون أننا نُسلِّم غير مُغامِرين بعقولنا، بالعكس! نحن نُسلِّم للحقيقة، للحقيقة المُطلَقة، لرب العالمين يا إخواني، قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۩، لا يُمكِن أن يُخطئ، العاقل لا يتناقض قوله مع فعله، فكيف برب العالمين؟ هل يتناقض قوله وهو قرآنه مع خلقه، سواء خلق الإنسان أو الآفاق أو الأكوان؟ يستحيل، يُوجَد تطابق، هذه عقيدة! لكن كل هذا يُعطينا نوع من السكينة، وأنا أشعر بهذا الشيئ، مع أنني مُنفعِل بالحديث أشعر أن هناك سكينة تجتاحني وتجتاحكم، يا لله! إلى هذه الدرجة؟ إلى هذه الدرجة الله – عز وجل – في كلامه دقيق ودقيق جداً، وسابق وسابق جداً؟! طبعاً، لأنه الله تبارك وتعالى، نرتاح هكذا، يقين! هذا يقين، هذا باب من أبواب اليقين.

هذه التجربة الفريدة في معهد هارتمان Hartman كالآتي، هناك شاشة تُعرَض عليها صور، والفاصل الزمني بين كل صورتين لا يزيد عن ست ثوانٍ، ثم يُطلَب بعد ذلك من الإنسان أن يذكر توقعه، يُعبِّر عن توقعه! ما الصورة التالية؟ الآن رأيت – مثلاً – صورة شجرة، فالآن ما التالي؟ هل التالي سمكة؟ ماذا تتوقَّع؟ فالمُخ يُسجِّل إشارة والقلب يُسجِّل إشارة طبعاً، وكما قلنا الآن القلب له موجات نبضية وأنتم تعرفون هذا، سبعون أو ثمانون مرة! لكن له موجات كهرومغناطيسية قوية جداً جداً وصارمة، القلب يُسجِّل والمُخ يُسجِّل! وجدوا أن توقعات القلب دائماً تأتي قبل توقعات المُخ، هذه قوة الحدس، هذه قوة الاستبصار، فتوقعات القلب تأتي قبل توقعات المُخ، القلب يُعطي الإشارة ويتوقَّع قبل الدماغ، وتذهب هذه الإشارة إلى أماكن مُعيَّنة في الدماغ – بالذات في المُخ البدائي – لكي يأخذ الاستعداد، عجيب! إذن أين الدور الحصري للدماغ؟ لذلك يقول البروفيسور Professor بول بيرسال Paul Pearsall بعد ذلك لا يُمكِننا – إن ثبت هذا حقاً – أن نتحدَّث عن أن الدماغ هو كل شيئ، ليس كل شيئ! هو شيئ كبير وكبير جداً، لكنه ليس كل شيئ.

يبدو أن معرفة – كما قلنا – الإيمان، معرفة الهداية، معرفة الحق، تمييز الحق من الباطل، الذوق، والمشاعر الشفّافة اللطيفة والرائقة، كلها أمور من اختصاص القلب، من اختصاص القلب! وإذا عميَ هذا القلب فالأمر سينتهي، لذلك لا تتساءل قائلاً كيف لم يُؤمِن فيلسوف كبير مثل برتراند راسل Bertrand Russell يا أخي؟ لا نقول لماذا لم يُسلِم، فليس شرطاً أن يُسلِم، لكن لماذا لم يهتد إلى الإيمان؟ لماذا عاش ومات مُلحِداً؟ عاش زُهاء مائة سنة! عالم، فيلسوف كبير، منطقي، رياضي، درس علوم كثيرة، وترك أكثر من ثلاثمائة وخمسين مُؤلَّفاً، لكنه عاش ومات Atheist، أي مُلحِداً! طبعاً لأن قلبه ميته، وحقيقية قلبه ميت، هذا تزوَّج أكثر من أربع مرات، وفي كل مرة يُطلِّق أو يخون زوجته، وخان أقرب الناس إليه، وذكرت هذا مرة! خان تَلميذه الوفي المُعجَب جداً به إلى حد الهُيام الشاعر والأديب الأمريكي الكبير توماس ستيرنز إليوت Thomas Stearns Eliot، أي تي. س. إليوت T. S. Eliot، صاحب الأرض اليباب، خانه في زوجته أو في صديقته والعياذ بالله! لا قلب له، عقل كبير بلا شك، معلومات، إنسكلوبيديا Encyclopedia كبيرة، لكن لا قلب، لا يُوجَد قلب، هذا الذي يُميِّز بين بشر وبشر.

أعتقد هذا الذي يجعلك ترتاح إلى شخص ولا ترتاح إلى آخر، أنت ترتاح إلى أصحاب القلوب، القلوب اللطيفة! صدق مولانا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – حين قال ألا وإن في الجسد مُضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب، فنسألك اللهم يا عليّ يا قدير بأسمائك الحُسنى وصفاتك العُلا أن تُصلِح ما فسد من قلوبنا، اللهم قدِّس ضمائرنا ونوِّر سرائرنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                  (الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وقبل أن نُغادِر هذا المقام الكريم أيها الإخوة أُتحِفكم بقصة أيضاً من هذه القصص العجيبة على عجل، إنها قصة جيم كلارك Jim Clark الذي أيضاً زُرِع له قلب جديد، الرجل كان سائق شاحنة، كان شبه أُمي، ترك الدراسة في فترة مُبكِّرة، يكتب بصعوبة، يقول بحمد الله كنت أستطيع أن أتهجى، وبعد أن تمت له زراعة القلب بستة أشهر بدأ يكتب الشعر، صار Poet، أي شاعراً، يكتب شعراً، هو لا يفهم كيف، تقول له زوجته كيف وأنت لا تعرف تتهجى إلا بصعوبة؟ يقول لا أدري، القلم يجري، والشعر ينبض به قلبي، أنا مُنفعِل بكل وجداني، أصبح شاعراً! وحين اللقاء بأهل الواهب وجدوا أنه كان يتعاطى الشعر، والعائلة كلها عندها ملكة الشعر، وحين قارن العلماء بين أشعارهم وأشعار جيم كلارك Jim Clark كان التشابه مُذهِلاً، الله أكبر يا إخواني! شيئ عجيب جداً، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ۩، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ۩، وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ۩.

اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، اللهم أصلِحنا وأصلِح بنا، واهدنا واهد بنا، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.

اللهم إنا نسألك أن تنصر الإسلام وأن تُعِز المُسلِمين، وأن تُعلي بفضلك كلمتي الحق والدين، اللهم اجعلنا تجمعنا هذا تجمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.

ربنا لا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا بائساً ولا يائساً ولا محروماً برحمتك يا أرحم الراحمين، أصلِحنا وأصلِح لنا أولادنا – أبناءنا وبناتنا – وأزواجنا وأهلينا.

اللهم أصلِح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا وأنزل علينا السكينة والإيمان برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ۩، قوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

09/03/2007

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: