خطبة متممة لسابقتها “هل أنت سعيد؟” وهي جولة مع السعداء ومكاسبهم وعلاقتهم بمحيطهم وتأثيرهم الإيجابي أينما حلوا لتميزهم بتفسير الأمور بطريقة إيجابية وتدخل المنظور الثقافي الفردي والجمعي في صنع كل ذلك مع جولة في تناول القرآن الكريم للموضوع ومقابلته للرحمة مع العذاب وللكرم مع البخل وللحب مع الكره ولليأس مع الإحباط.

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ۩ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ۩ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ۩ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ۩ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ۩ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ۩ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ۩ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ۩ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ۩ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

في الآخرة شقيٌ وسعيد – جعلني الله وإياكم وسائر أحبابنا من السعداء – وفي الدنيا أيضاً شقيٌ وسعيد، والحسرة كلها والخسارُ أجمع على مَن جمع الشقاوتين فهو شقي الدنيا وشقي الآخرة، والسعد كله وحُسن الطالع لمَن تيسَّر له السعادتان، أي سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، أسعدني الله وإياكم بمعرفته والتزام شرعه وطريقه وما يرضاه منا وعنا. اللهم آمين.
السعداء في الدنيا ليسوا فقط أُناساً مُبتهِجين فرحين راضين مُرتاحين بل إنهم أُناسٌ فعَّالون مُبدِعون معطاءون، إنهم رحمةٌ وكرم وجودٌ وابتسام.

ذكرت بعض فوائد وعوائد السعادة في الخُطبة السابقة ومنها أن السعداء يكونون  أطول الناس أعماراً، وهذا شيئٌ عجيب، فالسعداء يُعمَّرون، وطبعاً ربما لو فكَّرنا في السعادة من حيث هى هذا بتسليم أننا نعرف جوهرها تماماً لن يضح لنا سر المسألة، لماذا؟ لكن لو اصطنعنا تحويلة – كما يُقال – ارتدادية رجعية وفكَّرنا لم يكون السعداء سعداء لبان لنا وانكشف وجه المسألة، فالسعيد الذي هو أطول الناس عمراً هو إنسانٌ – كما قلت – اجتماعي صاحب علاقات وثيقة، إنسان كريم مُتسامِح غفور معطاء طاهر أبيض قنوعٌ راضٍ، لا يُرهِق نفسه بالمُقارَنات الاجتماعية، لا يقول أبداً هذا ما عندي ولكن هذا ما عندهم وهذا ما تحصَّلت وهذا ما تحصَّلوا، ولذلك هو رحمةٌ وكرم في الدنيا، في المُجتمَع بين الناس، فيكون من أطول الناس أعماراً، والتحديات أمامه تبدو أيسر، المُشكِلات والصعوبات تبدو أقرب إلى الحل، فلا تعوقه ولا تشله ولا تُنهيه ولا تُحطِّمه بخلاف التاعس الشقي، فالتاعس الشقي المُشكِلة الصغيرة قد يجعل منها قُبة عظيمة يهدمها فوق رأسها ويقول هذا سيُحطِّمني وهذا سيُنهيني، فلماذا؟ لن يُنهيك ولن يُحطِّمك، عليك أن تكون أكبر من هذا، فأنت كائن رباني، قال الله وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩.

آه لو أدرك الإنسان حجمه وحجم الاستعداد المذخور فيه وحجم اللياقات المُهيَّأة له، المُمكِنة، آه لو أخرجها من الإمكان إلى الفعل، فهل تعرف ما معنى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩؟ هل تعرف ما معنى أنك مُسخَّر لك السماوات والأراضون؟ بعض المعنى أنك كائنٌ مخلوق لتتسع للوجود كله، أنت أكبر من الشمس والقمر، ولذلك لماذا تسجد للشمس والقمر؟ اسجد لمَن هو أكبر منهما ومنك وأكبر من الجميع، لله وحده فقط، ولكن لا ينبغي أن تبخس نفسك حظها فتسجد لما هو أحقر وأصغر منك، أنت أعظم من هذا كله، والدليل حتى بمنطق غير ديني أن هذا كله مُسخَّر لنا، النجاح المُتواصِل وفتوح العلم المُتتالية التي تطرأ والتي تجعل هذا الكون يوماً فيوماً أكثر مطواعيةً لنا وأكثر خدمةً لنا، ونحن بالتالي أكثر مخدوميةً وأكثر تسيداً في هذا العالم، فبلا شك نحن المخلوقون لكي نتسع لهذا العالم ولكي يتيه فينا هذا العالم ولا نتيه فيه، فالإنسان لا ينبغي أن يتيه في العالم ولكن تتيه فيه الكوائن والعوالم.

قال الله وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، فأنت عبدٌ إلهي، عبدٌ رباني، والله – تبارك وتعالى – هو الأكبر وهو الأوسع – لا إله إلا هو – طبعاً، وبما أنك عبدٌ رباني منفوخٌ فيك من روح الله إذن ينبغي أن تتسع لكل شيئ، لا أوسع منك إلا الله وحده  – لا إله إلا هو – فقط، ماعدا الله كلها أضيق منك وأصغر منك، وتأتي الآن في سياق مُجتمَعي بسيط – في سياق نجاح أو فشل مهني أو دراسي أو اجتماعي عائلي أو أسري – وتقول هذا سيُحطِّمني وهذا سيُنهيني وهذا يُدمِّرني، وهو لن يُدمِّرك ولن يُحطِّمك.

 إذا أعطتك الأقدارُ ليموناً ولم تعطك حلوى – بونبون Bonbon مثلاً – اصنع من الليمون ليمونادا Lemonade، أي عصير ليمون، فهكذا يقول الحكماء، تستطيع أن تُحوِّل كل شيئ إلى فرصة، ولكن الأمر ليس رهن الإرادة – أي أنني أُريد – قبل ذلك – قبل أن يأتي ويبرز دور الإرادة – هناك دور الفكرة وهناك دور الرؤية والعقيدة، فكيف تنظر إلى نفسك؟ ما فرغت للتو من بيانه وتبيانه هو بعض مُكوِّنات الرؤية والعقيدة، لكن كيف تنظر إلى نفسك؟ كيف تنظر إلى حجمك وإلى دورك؟ إذن هناك دور الرؤية والعقيدة والمنظور، وهنا بلا شك لا يُمكِن أن يُساهِم شيئٌ بقدر الإيمان، ولكن الإيمان كما ينبغي أن يُفهَم، لا الإيمان الذي يُمكِن أن يُحيل حياة الناس إلى جحيم في الدنيا قبل الآخرة فانتبهوا، وسنعود ربما في تضاعيف الحديث وأثنائه إلى بعض مُكوِّنات وعناصر هذه الرؤية وهذا المنظور.

إذن السعداء أطول الناس أعماراً، هناك دراسة تُعرَف بدراسة الراهبات Nun Study، ودراسة الراهبات Nun Study هى أيضاً دراسة طويلة الأجل أو المدى على مائة ثمانين وراهبة من اللائي التحقن بمدرسة أخوات نوتردامSisters of Notre Dame، وبعد سنوات من الدراسة ودراسة السير الذاتية التي كتبتها أولئك الراهبات تبيَّن أن الراهبات اللائي استعملن ألفاظاً وتعبيرات أكثر انفتاحاً وأكثر اتساعاً وأكثر تأميلاً وطموحاً – مثل  القدر أسعدني، الله منَّ علىّ، لقد كنت محظوظة جداً حينها ومثل هذه الأشياء  – عشنا في المُتوسِّط أزيد بعشر سنوات، فهو هذا إذن،أما ما يتعلَّق بالهم والنكد والتنغيص ومَن يقول لك أنا أحرق فصحيح هو يحرق ويحترق كالشمعة، فأنت تحترق بالمُقارَنات والهم وتداعي الأفكار السوداء الكئيبة، تحترق ومن ثم ستموت مُبكِّراً، إن لم تمت مُبكِّرا ستشيخ مُبكِّراً وتظهر عليك علامات الشيخوخة بسرعة، وهذا أمر عجيب!

الأبحاث العلمية الإمبريقية التجريبية دلَّتنا وبيَّنت لنا – إخواني وأخواتي – أن نهايات الأصباغ –  فالصبغيات Chromosomes وحاملات الجينات Genes – أو ما يُعرَف بالتلوميرات Telomeres – التلومير Telomere هو النهاية، وهى تحفظ الصبغي وتحفظ المُكوِّنات الداخلية -، وهذه التلوميرات Telomeres أو نهايات الأصباغ حين تقصر وهى بالزمن تقصر بلا شك – سنة فسنة وعقداً فعقداً تقصر – تسبب الشيخوخة، ثم النهاية والموت إن صارت الأمور على نحو عادي طبيعي، وتبيَّن من خلال الدراسات والأبحاث الإمبريقية أن الأشخاص الذين تتآكلهم أحماض الضغوط  – Stresses  – والاكتئاب والقلق والتوتر  فإن التلوميرات Telomeres لديهم في صبغياتهم تقصر بسرعة، أي بوتيرة أسرع من الأشخاص الراضين القانعين الهادئين وبالتالي يشيخون بسرعة.

في دراسة على مجموعة من الأمهات اللائي ابتلاهن القدر برعاية أطفال مرضى بمرضٍ أو بأمراض مُزمِنة – أي Chronic، وهذه مُشكِلة طبعاً، فهى أم وترعى ابنها المريض بمرض مُزمِن لا أمل في الشفاء منه – تبيَّن أن هؤلاء المسكينات البائسات يعشن بمُعدَّل أقصر من تسعة إلى سبعة عشر عاماً أو من تسع إلى سبع عشرة سنة، أي قريب من عقدين، في المُتوسِّط عقد ونصف أو أقل من هذا بقليل، وهذا كثير جداً، لكن هذا بسبب الضغط، وقد تقول لي أن هذه القضايا موضوعية ماذا بوسعنا أن نفعل معها؟ هذه أم وهذا ابنها، فهى ابتُليَت بابنها، فماذا تفعل؟ هنا يأتي دور المنظور، وفي الحديث الصحيح وإن الله – تبارك وتعالى – يبتلي أقواماً فمَن رضيَ فله الرضا ومَن سخط فله السخط، وهذا أمر عجيب، لكن هل هذا في الدنياطبعاً في ؟ الدنيا قبل الآخرة، هذا غير الآخرة لأن هذا حساب الدنيا، فيُمكِن هنا أن يُساهِم المنظور الإيماني والمنظور العقدي في جعلك تتفاعل مع الوقائع الموضوعية الجافة الصلبة، فهذه نعم وقائع وهذا ابني ومريض، لكن ماذا أفعل؟ لا أستطيع أن أتجاوز هذا بالتخيل أنه مُمتاز ووضعه على ما يُرام – هذا مُستحيل – أو أنني يجب أن أكون سعيداً جداً بكارثة ابني، لا تستطيع لأن المسألة ليست هكذا، فهى ليست فانتازيا Fantasy، هذه وقائع صحيح، ولكن كيف تُفسِّر هذه الوقائع؟ كيف تنظر إلى هذه الوقائع؟ كيف تتكيَّف مع هذه الوقائع؟ هنا يأتي الإيمان، والإيمان – كما قلنا – دائماً يأتي أملاً ويأتي عزاءاً ويأتي مصدر من مصادر الرضا العجيبة، ولكن الإيمان شيئ يُعطي شعوراً بالأمل والعزاء والرضا، قال الله رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۩، وقد يقول لي أحدهم هذا كلام دين ومواعظ، وهذا كلام مواعظ فعلاً ولكنه كلام علم نفس وتجارب أيضاً، فما رأيك؟ هذه تجارب علمية!

يُحدِّثنا العلماء الإخصائيون أو المُتخصِّصون في علم السعادة مثل دان جيلبرت Dan Gilbert – حدَّثتكم عنه قبل ربما أربع أو خمس سنوات، وهذا من أكبر العلماء أيضاً المُختَّصين في علم السعادة، وأبحاثه لطيفة جداً وكتاباته من أروع ما يكون – عن مُصطلَح يُسمَّى الآن في علم السعادة Synthesis Of Happiness، أي تركيب أو توليف أو تصنيع السعادة، فهم يقولون لك عنه شيئ أنه Synthetic أي مُصنَّع، ومن هنا أتى مُصطلَح  السعادة المُصنَّعة أو المُولَّفة  Synthetic  Happiness، لكن ما هى السعادة المُولَّفة؟  يظن مُعظمنا أن من المُؤكَّد أن هذه السعادة المُولَّفة أو المُركَّبة ليست كالسعادة الحقيقية، لكن هذا ليس شرطاً بالمرة، فالسعادة الحقيقية هى التي تأتي حين تتحصَّل على ما تُريد أن تتحصَّل عليه، هذه السعادة الحقيقية، فأنا أقول – مثلاً – أُريد أن أفوز في هذه الصفقة وأن أربح عشرة آلاف يورور فإن حصل هذا فأنا أسعد الآن، وهذه سعادة حقيقية، أُريد أن أجتاز هذا الامتحان الجامعي، ثم دخلت الامتحان واجتازته وبالدرجة التي كنت أطمح إليها فهذه سعادة حقيقية، أما السعادة المُولَّفة Synthetic فهى التي تحصل عليها حين لا تحصل على ما تُريد أن تحصل عليه، كأن تُريد الصفقة ولم تأت الصفقة، تُريد النجاح ولم تنجح، لكن السعادة الآن؟ إذا نجحت أن تُولِّف أن تُركِّب أن تُخلِّق هذه السعادة، تقول لنفسك لعل الذي أبطأ عني هو خير لي، قال الله وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۩، ما يُدريني أن هذه الصفقة لو تمت ونجحت وأخذت هذا المبلغ أن هذا المبلغ يكون باباً من أبواب الشر؟ما يُدريني أن هذا المبلغ سأشتري به السيارة التي في بالي سيضيع أو هذه السيارة التي سأركبها قد يتفق لي فيها حادث على الطريق السريع لأن في النية أن أذهب بها الآن إلى ألمانيا على الطرق المفتوحة؟ ما يُدريني؟ ومن ثم ترتاح الآن وتشعر بالراحة، الحمد لله لم يقع معي الحادث ولم يحدث كذا وكذا، لكن قد يقول لي أحدهم ها أنت مجنون؟ هذا تفكير المجانين، وهذا غير صحيح، هذا تفكير علماء النفس الكبار، وهذا ما يُعرَف بجهاز المناعة النفسي  Psychological Immune System، فالله – عز وجل – أعطانا جهاز مناعة نفسياً نُواجِه به المحن والفقد والمآسي والحرمان وأشكال الكوارث والمصائب والافتقارات، فبالعكس هذا من رحمة الله تبارك وتعالى.

يُوجَد شيئ أعجب من هذا وكنت ذكرته لكم في الخُطبة قبل أربع أو خمس سنوات، ولكن للتذكير سأذكره لأنني أنا لا أُحِب أن أُكرِّر نفسي، دان جيلبرت  Dan Gilbert نفسه طرح السؤال – هذا السؤال كما قلت  كلنا سنفشل جميعاً وأنا أولكم في الجواب عنه – الذي يقول مَن تُقدِّر سيكون أعظم سعادة بعد سنة من الآن: شخصٌ فاز بطريقةٍ ما في اليانصيب – هو يقول في الياناصيب ونحن نقول بأي طريقة، فليس شرطاً أن يكون هذا في اليانصيب حتى لا يقول لنا  المشائخ حرام – بثلاثمائة مليون دولار، وشخص آخر اتفق له حادث تركه أشل مُقعَداً في كرسي مُدوّلَب؟ فبعد سنة أيهما أسعد؟ كلنا سنقول وبلا تردد طبعاً الذي حصل على ثلاثمائة مليون وهذا غير صحيح، علمياً غير صحيح، فما رأيك؟ هناك دراسات وتجارب وما إلى ذلك على عشرات ألوف البشر وحول العالم تقول أنه غير صحيح، فإذن أيهما أسعد؟ سيكونان في نفس سوية السعادة إذا اتفقت سائر الشروط الظروف باستثناء هذين الظرفين – أي الإعاقة والثلاثمائة مليون – طبعاً، ومن ثم ستقول لي ما أعدل الله، ما أعدل أقدار الله، يبدو أن الله أرحم بعباده وأعدل مما نظن نحن، فنحن نظن أشياء بطريقتنا غير صحيحة ونقول لم كل هذا العناء؟ لم كل هذا الشر؟ لم كل هذا الألم؟ لم كذا وكذا؟ ونبدأ نعترض على رب العزة كأننا نحن الذين خلقنا والذين سوينا والذين فعلنا كل شيئ، لكن قبل أن نعترض علينا أن نفهم.

العهدُ بجحا قريب، أليس كذلك؟ العهد بجحا مُستفِزاً لوعينا قريب، يدخل جحا مقهىً ذات يوم وإذا برجل مُترهبِن – ناسك مُتصوِّف – يعظ الناس ويقول لهم حدَّثني أستاذي بكذا وكذا، وجحا – خواجة نصر الدين – يسمع، فهذا الرجل يقول حدَّثني أستاذي وقال لن تبلغ درجة العارفين ولن تكون ولياً من أولياء الله – تبارك وتعالى – حتى تغضب ذلك الغضب الشديد الذي تغضبه إن نزلت بك نقمة لكن متى؟ إن لم تنزل بك نقمة، فالعارف عليه أن يغضب أحياناً إذا صارت الأمور كلها رخاءاً بحيث يُصيب كل ما يُريد، فلا يُوجَد امتحان ولا يُوجَد ابتلاء ولم تُصبه نقمة ومن ثم عليه أن يغضب غضباً شديداً لأن النقمة لم تعرف طريقها إليها كذاك الغضب الذي يغضبها الناس حين تحل بهم النقم، فهز الناس رؤوسهم مُعرِبين عن إعجاب شديد بهذه الحكمة العميقة، أما الخواجة نصر الدين فهز رأسه هكذا كالمُستنكِر وكالمُعقِّب وقال أما أنا فعلَّمني أستاذي أنك لن تكون عارفاً أصلاً حتى تُحقِّق وتعلم قبل أن تغضب أو ترضى بصدد النعمة أو النقمة هل هى نقمة أصلاً أم نعمة؟ فلعلها نعمة مُستخفية في ثوب نقمة، وبلا شك كان الدرس الجحاوي وكانت هذه الجحلوية أعمق من درس المُتصوِّف الأول، أليس كذلك؟ ولذلك قال الله وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ۩ كما تعرفون، وقال أيضاً وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۩، فمَن قال لك أن هذا شر؟ ومَن قال لك أن هذا خير؟عليك دائماً أن تستخير الله – تبارك وتعالى – وأن تكون مُتواضِعاً في تقر هذه الأشياء.

على كل حال من ضمن إبداعات علم النفس الإيجابي وعلم النفس السعادة بالذات أبحاث مُطوَّلة ومُسلِّية ولاذة ماتعة شائقة تُفهِمنا وتشرح لنا كيف أننا – ولا أستثني لأننا هكذا في المُطلَق وفي العموم – نُخطيء كثيراً جداً جداً جداً في الحدس بما عساه أن يُسعِدنا وبما عساه أن يُتعِسنا، فنحن لا نعرف هذا، ما رأيكم؟ أحياناً نستثمر أوقاتاً طويلة بل أحياناً نستثمر سنوات في علاقات ثم يضح لنا أن هذه العلاقات فاشلة لم تجر علينا إلا الويلات وإلا الخسار والندم، أليس كذلك؟ نستثمر عشرات ألوف الدولارات أو المئات ثم يندم، بعض الناس يستثمر الملايين في اقتناء وفي الاستحواذ على مُقتنيات مُعيَّنة على أمل أنها ستُعِدنا وتجعلنا راضين مُبتهِجين فرحين وهكذا وهكذا، وهذا غير صحيح، وبعض الناس يقول هذا يتفق لي يومياً تقريباً، أشتري أشياء ثم أندم أو اصطعنع قرارات واجترح قرارات ثم أندم، ودائماً أفعل هذا لأسعد ولكي أكون راضياً – Satisfied – ولكنني لا أشعر بالرضا، فما الذي يحدث؟  هل أنا أحمق؟ لست كذلك لكن هذه حالة عامة تقريباً، فمُعظم الناس يشعرون بهذا، وسأشرح هذا بعد قليل بالتفصيل ولكنني أنا أستطرد، وسأعود فقط إلى جرد بعض فوائد السعادة:

السعداء أطول الناس أعماراً، السعادة أطول الناس زواجاً، فهم لا يُطلِّقون كثيراً وتمتد زيجاتهم طويلاً، وهذا طبعاً لأن الواحد منهم راضٍ، فهو سعيد وغير ساخط، والسعداء أقل الناس أمراضاً – علماً بأن هذا ذكرته – وأسرع الناس إلى النقه والتماثل للشفاء، السعداء أبعد الناس من – بعيد من هو الفصيح وليس بعيد عن – إدمان المُخدِّرات، وبالمُناسَبة حجم تجارة المُخدِّرات حول العالم تقريباً يُوازي صناعة النفط والغاز، زُهاء أربعمائة مليار دولار سنوياً، فما رأيكم؟ وهذا شيئ مُرعِب، فلماذا؟ بحثاً عن السعادة، بسبب البحث الخاطيء عن سعادة موهومة، هم يظنون أن في هذا التعاطي ما يُعطيهم النشوة والابتهاج والإثارة والسعادة، وهذا غير صحيح، فهذا يُدمِّرهم ويُدمِّر مُستقبَلهم، يشطب على حياتهم وعلى مصادر نجاتهم وإسعادهم، لكن يُوجَد أربعمة مليار في المُتوسِّط سنوياً وهذا رقم مُرعِب وهذه التجارات كلها غير مشروعة، وعلى كل حال السعداء أبعد الناس من الإدمان، وهذا ليس فقط في إدمان المُخدِّرات بل وحتى في الدخان، فالواحد منهم يقول لك دخان ماذا؟ هذا كلام فارغ، أنا إذا دَّخنت سوف أُدمِّر رئتي وصحتي وأستجلب السرطان، فلماذا؟ لأنه يُريد أن يسعد، وهذا لا يكون عن طريق الدخان وما إلى ذلك، هذا كلام فارغ، فليست هكذا السعادة ومن ثم عليك أن تنتبه، أنت لا تعرف كيف تُقدِّر مصدر السعادة، أين السعادة؟ ليست في هذا إطلاقاً، فالسعداء غير مُدمِنين.

 مَـلَكْتُ نَفْسِي مُذْ هَجَرْتُ طَبْعِـي                     اليأسُ حُرٌّ والرَّجَاءُ عَبْدُ.

لا يُمكِن أن يستعبدني شيئ وأرهن سعادتي ورضاي به أبداً – ليس هذا بالمرة – مثل فنجان قهوة أو فنجان شاي أو نيكوتين Nicotine ودخان وما إلى ذلك، فالأمر أوسع من هذا بكثير، فالسعادة في العقل كما قلنا وتحدَّثنا عن توليف السعادة، على مخك أن يكون عميقاً وعلى حدسك أن يكون جوهرياً لكي تُولِّف السعادة حتى من باطن المحنة وحتى من براثن الابتلاء فتستخلصها وتعود سعيداً، وهذا أمر عجيب.

السعداء أقل الناس ميلاً إلى ارتكاب الجرائم، هم لا يُجرِمون ولا يقتلون ولا يُخالِفون، ليس لديهم أي جرائم أو جنح لأنهم سعداء، وهذا أمر عجيب.

السعداء مُبدِعون، فما رأيكم؟ شرط من شروط الإبداع السعادة، وهذا ليس معناه أن الذي لا يكون سعيداً لا يُبدِع فهناك طبعاً في ناس تعساء جداً ومُبدِعون، مُبدِعون كبار ماتوا مُنتحِرين، مُبدِعون وخاصة في الأدب والفن لكنهم مجانين، وعلى كل حال هذا موجود والعبقرية قريبة من الجنون، ولكن لما نقول السعداء فهذا معناه في الجُملة وفي المُتوسِّط وجود فريق من السعداء وفريق من التعساء، هكذا لغة العلم فانتبه، وإياك أن تأتي لتُناقِش العلماء بالأمثلة الاستثنائية، فبعض الناس هكذا للأسف الشديد يأتي ويقول لك هذا غير صحيح فأنا عندي منظور مُختلِف للسعادة، لكن يا رجل هذا المنظور غير علمي، هذا المنظور منظور عجائزي، فجدته تُفكِّر على هذا النحو لكن لا يُفكِّرعلى هذا النحو عالم أو أكاديمي أو دارس، فهو يأتي ويقول لك هناك أُناس ليس عندهم شيئ ومُبتَلون وإلى آخره ولكنهم سعداء، وهناك أُناس عندهم كل شيئ ولكنهم تعساء، فإذن الشروط الخارجية كلها لا علاقة لها بالسعادة، وهذا غلط – علمياً غلط تماماً – طبعاً، لماذا؟ لغة العلم ليست لغة الاستثناءات الفردية فلا تأت لي مثال عن جدتك، لغة العلم لغة المُتوسِّطات، هى تقول في المُتوسِّط كذا وكذا، فهكذا يُفكِّرالعلم  في المُتوسِّط، يقول لك كم في المائة؟ فإذا تحدَّثنا عن كم في المائة – أي عن النسبة المئوية – فإن الشروط الخارجية تكون مُهِمة – هذا بمنطق علمي – في السعادة، مع أن السعادة – كما قلنا – لا تعني نفي التعاسة وهى حالة إيجابية، ولكن أيضاً أن تنتفي التعاسة عملياً بانتفاء الفقر والقهر والظلم والإذلال والأمراض وما إلى ذلك، فهذا ضروري لكي نخطو على طريق السعادة، وفي حالات طبعاً مُستثناة لبعض الناس، فانظر إلى  كالكوتا Calcutta بالهند مثلاً، كالكوتا Calcutta بالهند من أفقر المدن في العالم، وبدراسات ميدانية هناك ثبت أن الناس تقريباً تعيش سوية السعادة بمُعدَّل مُتوسِّط، فهم ليسوا تعساء رغم أنهم فقراء جداً ويبيتون في الشوارع بلا ملابس وبلا أكل وبلا شرب، وهذا شيئ رهيب، بعض الباحثين الأجنبيين حين ذهبوا إلى هناك لأول مرة صُدِموا وانخرطوا في نوبات من البكاء وقالوا ما هذا؟ هل يُوجَد بشر يعيشون بهذه الطريقة؟ وانس فقراء مصر الآن فهذا شيئ مُرعِب ومع ذلك هم  في المُتوسِّط سعداء، ومن المُمكِن أن يكونوا أسعد من بعض الناس في دول أحسن حالاً منهم، وهذه حالات استثنائية لكنها تتبع – كما قلت – المنظور والعقيدة والفكر، فكيف أنت تُعيد تفسير أقدارك وتفسير حظوظك وتفسير أوضاعك؟ هذا مُهِم جداً!

يكتب مرة جون ميلتون John Milton – صاحب الفردوس المفقود – قائلاً العقل عالمٌ خاص، وفعلاً العقل هو شيئ رهيب جداً، هو عالم آخر هذا بإزاء العالم، ليس بالضرورة أن يتناقض مع العالم ولا يتطابق مع العالم ولكن من أعظم وظائفه وأكثرها صدارةً هى أنه قادر على أن يُضفي المعنى على العالم، وهذا المعنى إما أن يكون بالسلب وإما أن يكون بالإيجاب، إما أن يكون بالتقبل وإما أن يكون بالرفض، إما أن يكون معنىً وردياً وإما أن يكون معنىً مُظلِماً، معنىً ناطقاً مُتفاعِلاً ومعنىً صامتاً صلداً أصم وأخرس، فهذا هو العقل، ومن هنا يقول ميلتون Milton العقل عالمٌ خاص وهو قادرٌ بنفسه على أن يصنع من الجنة جحيماً ويصنع من الجحيم جنةً، فكيف تُفسِّر الأمور إذن؟ ولذلك يتعرَّض هذا لتحدٍ فيُحطِّمه، ويتعرَّض صاحبه للتحدي ذاته فيرتفع به ويتخذه فرصة، فإذن يختلف الناس في هذا!

هناك تجربة لطيفة جداً سأذكرها حتى لا أنسى وهى لها علاقة بهذا المعنى، حيث أوُتيَ بمجموعة من الشباب وأُصعِدوا إلى تلة – تلة مُرتفِعة قليلاً – وأُريد منهم تقدير درجة انحدار التلة، كم هى مُنحدِرة؟ هل يبلغ الانحدار – أي درجة انحدار التلة – إلى  ثلاثين أو تسع عشرة درجة مثلاً؟ ولكنهم – أي هؤلاء المُختبَرون – وُزِّعوا على مجموعتين، المجموعة الأولى قبل أن يُطلَب منهم الصعود وتقدير درجة انحدار التلة استمعوا إلى موسيقى – قطعة موسيقية – لموتسارت  Mozart النمساوي المُبتهِج، والمجموعة الأخرى استمعوا أو أُسمِعوا لقطعة موسيقية لمالر Mahler المُكتئب، فمالر Mahler معروف عنه عموماً أنه مُكتئب وأن موسيقاه كئيبة، فإذن الاستماع سيكون إلى موسيقى مالر Mahler وموسيقى موتسارت  Mozart، ثم بعد ذلك طُلِبَ منهم تقدير درجة انحدار التلة، فانظروا إلى تأثير السوية النفسية، أي هل أنت سعيد أم كئيب وما إلى ذلك وتأثير هذا على تقدير درجة انحدار التلة، فأما الكئيبون فقدَّروا أنها تنحدر تقريباً بإحدى وثلاثين درجة، أي أعطوا تقديراً مُرتفِعاً، وأما السعداء المُبتهِجون قالوا تسع عشرة درجة فقط، أي أعطوا تقديراً مُنخفِضاً، فمُهمِ جداً حالتك النفسية، فهى تجعلك تنظر إلى العالم بكيفية مُعيَّنة وتُحدِّد لك كيف ترى العالم.
إذن نعود مرة أُخرى ونقول أن السعداء يرون التحديات سهلة وميسورة، السعداء مُبدِعون في الجُملة، السعداء أداؤهم المهني والعملي – أي عمل يُؤدونه – أكثر جودةً، حتى لو كنس الشوارع وطبيب يُجري عملية جراحية وكاتب مقالة في صحيفة وإلى آخره فإن السعداء يُجوِّدون في أعمالهم أكثر بل – كما قلنا قبل قليل – ويُبدِعون أيضاً، فالواحد منهم يُجوِّد العمل ويأتي به على أصوله وأيضاً قد يُضيف إليه، يُضيف إلى النطاق أكثر، فالسعداء ينهمكون في أعمالهم، والعمل ليس تعذيباً يومياً في نظرهم، لكن بعض الناس عنده العمل نوع من العذاب، فيتعذَّب حين يستيقظ للذهاب إلى العمل ويقضي ثمان ساعات في عذاب، لكن السعيد على العكس تماماً، فهو مُنخرِط في العمل وفي حالة تدفق إذا سمعتم بهذا المُصطلَح، فهذه إسمها حالة تدفق – Flow – أو ما  ما يُسميه الرياضيون –  لاعبو كرة السلة وكرة القدم والتنس وما إلى ذلك – In The Zone، أي أن يكون الشخص داخل النطاق In The Zone، لكن ما معنى الـ Flow أو In The Zone؟ يُوجَد عالم نفس إسمه ميهالي تشيكشنتميهاليي Mihaly Csikszentmihalyi، ميهالي تشيكشنتميهاليي Mihaly Csikszentmihalyi ظل يدرس هذه المسألة خلال ثلاثين سنة – أي ثلاثة عقود – لكي يفهمها، وهذا الذي يُعجِبنا في هؤلاء الباحثين، فجزاهم الله خيراً حقيقةً وشكر الله صنيعهم، فهم يُفنون حياتهم لكي نفهم أموراً لعل بعضنا لا يعتني حتى أن يفهمها ولا يُلقي إليها بالاً، ثلاثون سنة وتشيكشنتميهاليي Mihaly Csikszentmihalyi يدرس هذه المسألة، ووجد ميهالي Mihaly أن التحدي الذي يفرضه العمل أو المُهِم –  Task – أياً كان عليك إما أن يكون أكبر من قدراتك بكثير فهذا يُحبِطك – طبعاً هذا مُستحيل لأننا لا تستطيع هذا – وإما أن يكون أقل من لياقاتك بكثير فهذا لا يحفزك – أي لا يُحرِّكك لأن أقل وأضعف كثيراً فستجلس كما أنت ولن تُستفَز – وإما أن يكون Opportune، أي مثالياً تماماً، لكن ما معنى مثالياً؟ أي أن يأتي هذا التحدي مُكافئاً تقريباً لمهاراتك وقدراتك ومن ثم يُحرِّكك، ثم قال مُستتلياً: عبر ثلاثين سنة من الأبحاث والدراسات وجدت أن التحدي المثالي هو الذي يُدخِل البشر في حالة التدفق Flow، ومن ثم تبدأ تستجيب ولكن انتبه الآن، ما دور السعادة هنا؟ إن لم تكن سعيداً ومُبتهِجاً وفي حالة رضا داخلي وكنت قلقاً أو مُتوتِراً أو مُكتئباً مُحطَّماً حتى حين يكون التحدي على قدر المهارات والقدرات فلن تنبعث الحركة لأنها ستكون مشلولة ومن ثم سوف تشلك، ولذلك طبعاًمن الأجزاء المُكمِّلة لفهم السعادة  بلا شك أن نفهم القلق –  Anxiety – والتوتر – Stress – وأن  نفهم الاكتئاب –  Depression – أيضاً، فلابد أن نفهم كل هذه الأشياء حتى نفهم الطريق المُقدَّسة المُعبَّدة إلى السعادة.

إذن السعداء ينهمكون في أعمالهم، هم في حالة إبداع وفي حالة تدفق وحالة عطاء مُستمِر، والسعداء أميل إلى مُساعَدة الآخرين، فالسعيد إيجابي ولذلك يُساعِد، لكن بعض الناس يكون سلبياً فحين تقول له – مثلاً – تبرَّع يقول لك لا أُريد، هل سوف تُحدِث فرقاً العشرة يورو التي سوف أتبرَّع بها؟ لن أتبرَّع، وإذا قلت له أعط الناس شيئاً أو تعال لكي تُساعِدما فأنه يقول لا، لأنه سلبي عدمي ولذلك هو عبء على الحياة، فإذا كنت كذلك فأنت بهذه الطريقة ستكون عبئاً على الآخرين وعبئاً على الحياة ورقماً زائداً في الدنيا، فإياك أن تكون كذلك، وانظر إلى النبي – عليه السلام  – الذي قال وأنا علىّ جمع الحطب، حتى وهو نبي ورسول وقائد الأمة في النطاق السياسي والعسكري يقول أنا علىّ جمع الحطب، فهو يجمع لهم الحطب أيضاً، يا سلام يا رسول الله، هذا الآن سيُفضي بي إلى الحديث عن مسألة من أهم المسائل التي تتعلَّق بالسعادة، فما هى؟ مسألة العمل اليدوي، فمُصيبة أمثالنا من الذين عملهم كله تقريباً هو عمل ذهني فكري أنهم يبخسون العمل اليدوي حظه ونصيبه وهذا يُساهِم في اتعاسهم، وليس شرطاً أن تكون عاملاً بشكل رسمي فمن المُمكِن أن تعمل حتى بشكل تطوعي، اعمل في البيت وساعد زوجتك واعمل في الحديقة إن كان لديك حديقة وساعد الحارة واكنس وتحرَّك، فهذه كلها أعمال يدوية، علماً بأن مُعظم الذين يُمارِسون العمل الذهني حتى رياضياً هم كُسالى، فلا يُحِبون الرياضة ولا يُحِبون الجري والعدو وما إلى ذلك، فقط يجلسون على المكتب ولذلك يترهَّلون ويسمنون وتأتيهم مشاكل في الكوليسترول Cholesterol وقد تحدث لهم جلطة أو ذبحة ويتشوَّه عمودهم الفقري من الجلسة المكتبية وما إلى ذلك، وهذا يتعسهم أيضاً، لماذا؟ لأن أحد مصادر الإمتاع والإسعاد التي لا يتنبَّهون إليها الانفتاح على الطبيعة، وطبعاً العدو والجري وما إلى ذلك يفتح على الطبيعة، على الهواء وعلى الأشجار وعلى السماء وعلى الماء، فيجب أن تتحرَّك ولا تبق في المكان نفسه، هذا مُهِم جداً للإنسان!

برتراند راسل Bertrand Russell حين كتب كتابه العجيب الذي استفدت منه كثيراً وهو كتاب The Conquest of Happiness – أي فتوح السعادة، فكلمة    Conquests تعني فتوح أو غزوات، فيُمكِن أن تفسَّر بغزوات السعادة أو فتوح السعادة – دقَّق كثيراً بعبقريته الفلسفية على أهمية أن تكون قريباً من الطبيعة ومن الأرض، أن تعبث بيديك في الأرض وفي الطين، أن تزرع الورد والنبات وأن تحصدها، أي أن تعمل مثل هذه الأشياء بيديك في الأرض، وأكَّد على أهمية أن تقترب من الهواء البكر ومن البحار ومن الأنهار ومن المُنحدَرات ومن الشواهق، وهذا الاقتراب يطون بشكل مُباشِر وليس من خلال التلفزيون Television أو الأفلام وما إلى ذلك، فتقترب مُباشَرة من الطبيعة، وأنا فكَّرت في هذا عميقاً، فلماذا إذن؟ لأجد – أحبابي أن كل اقتراب من كل ما هو قريب من الله يكون مصدراً للسعادة، فهذه الطبيعة البكر التي فيها الماء والهواء والأرض والنبت والديدان والحشرات والحيوانات وإلى آخره هى طبيعة بكر طاهرة، لا تعرف الإثم ولا تعرف الخطيئة ولا تعرف الكذب ولا تعرف التماكر الإنساني واللؤم، ولا تعرف الصراع البشري المُحتدِم ناباً وظفراً ومخلباً، أعني دبابةً طبعاً وطيِّارةً وهيدروجين Hydrogen وذري، فهى لا تعرف هذا كله، ولذلك أنا أقول لك أن الاقتراب منها هو مصدر من مصادر الإسعاد، تماماً كما الاقتراب من الأطفال، فلماذا الأطفال عموماً مصدر للإسعاد إلا لو أحد مُلتاث ومُعقَّد وغير طبيعي؟ الطفل أياً كان – ليس طفلي وإنما أي طفل حتى ولو في صورة أو في فيلم  Movie – حين تراه وهو يأتي بعفرتته وبحركاته اللطيفة الذكية المُحبَّبة البريئة الجريئة تشعر بنوع من الرضا والسعادة، لأن الطفل قريب من الفطرة، قريب من الله ، هو مولود على الفطرة ولم يبلغ الحنث بلغة النص الديني ولا يعرف الحنث، ولذلك الاقتراب من الأطفال من مصادر السعادة، كما أيضاً الاقتراب من الوادعين الطهراء الذين نعتهم السيد المسيح بأنهم يرثون الملكوت، اللهم اجعلنا منهم، فمَن هم هؤلاء؟الوادعون من الذين يُسمَون بالأولياء والقديسين، الناس الصالحون الطيبون الذين لا ينطوون على غل ولا حقد ولا كره ولا لؤم ولا حسد ولا غش لأحد أبداً، فهم يُحِبون الخير للعالم كله ولذلك ينزعون هذه النزعة الطيبة، ولا يُوجَد ولي لله إلا وهو كذلك، فلا يُمكِن أن يكون ولي الله لئيماً أو حسوداً، هذا مُستحيل وإلا انس أن يكون ولياً، فالولي لابد أن يكون ذلك الطاهر البريء العف بنفسية طفل، قد يكون فيلسوفاً بحجم نصف العالم وعنده عقل ودراسات ولكن قلبه أبيض كالحليب، كقلب طفل ابن أربع سنوات وإن كان عقله يسع العالم، فهو هذا إذن، هذه المُعادَلة العجيبة الصعبة، وهذا بعض مردود الاقتراب من الله تبارك وتعالى، أن تقترب من المصدر المُطلَق للخير والسلام والبر والمحبة والعطاء والجود والكرم – لا إله إلا هو – فتكون هكذا بإذن الله تعالى، وعلى كل حال الاقتراب من هؤلاء دواء، الاقتراب منهم شفاء، الاقتراب منهم سعادة ولذة وشوقٌ ومحبة، بعكس الذين حدَّثتكم عنهم في الخُطبة الفارطة الذين الاقتراب منهم يُسبِّب لك حالة حساسية – Allergie  – حقيقية ومن ثم تدخل قد في مُشكِلة، فالاقتراب من كل ما هو قريب من الله يُسعِد، لذا اقتربوا من الطبيعة.

 ظللت لسنوات في كل مرة أخرج فيها لكي أتريَّض رياضتي المعهودة وهى الجري أشعر دائماً بشعور لم يكن واضحاً لي، ولكن دائماً كان أشبه بشعور ديني إزاء العجائز – العجوز هى المرأة الكبير في السن – والشيوخ – أي كبار السن من الرجال الذكور – هنا الذي هم من أهل هذه البلد، فالشيوخ والعجائز الذين لم أخرج مرةً تقريباً إلا وأصدفهم دائماً ما يتريضون قبلي وبعضهم يتريَّض بين عصوين – عصوي المشي – أيضاً، وقبل أقل من أسبوع رأيت عجوزاً ربما في العقد التاسع من عمرها، فأنا ذهبت وقطعت الشوط وعُدت وإذا هى بين عصوين تمشي الهوينا وتتريَّض، لعلها لم تقطع في نصف ساعة ربما خمسين متراً ولكنها تفعل، وكذلك الشيوخ – أي كبار السن من الرجال – يفعلون هذا، وبعضهم يجري وبعضهم يركب الدرَّاجة طبعاً، ونفس الشعور ينتابني دائماً ولايزال حين أراهم يمتطون الدرَّاجة الهوائية – Fahrrad أو Bicycle – ويذهبون إلى البقالات ويتبضَّعون بأنفسهم، فهم عجائز وشيوخ كبار في التسعين وفي الثمانين ويفعلون هذا، وقبل أسبوع ولأول مرة تقريباً تجلَّى لي هذا الشعور بمعناه ربما الذي أقنعني، شعور ديني وجدت أنه في جوهره مبنيٌ على وقائم على تقديس الحياة وتوقير الحياة، إنهم يُوقِّرون الحياة حقاً، لكن ما معنى توقير الحياة؟ هذه ترجمة أخرى لعبارة دينية وهى عبارة شكر نعمة الحياة، فهى أعظم نعمة ولا أعظم منها بعد الإيمان بالله – تبارك وتعالى – بلا شك، علماً بأننا لا يُقترَح علينا طبعاً ونرفض الاقتراحات التي تطلب منا أن نتحدَّث بلسان الكل، فنحن نتحدَّث بلساننا نحن، فنحن مُؤمِنون ومن ثم لا تطلب منا أن نتحدَّث بلسان مُلحِد وبلسان إنسان لا ديني، نحن مُؤمِنون ونسأل الله أن نعيش وأن نموت على الإيمان، ولدينا طبعاً وعي مُطلَق لدينا بأن مصدر سعادتنا وهنانا واستقرارنا وقوتنا وثقتنا وطمأنينتنا هو هذا الإيمان فاللهم لا تحرمنا منه، هذه حالتنا وهذه تجربتنا، فمَن أحب أن يستمع إليها أهلاً وسهلاً، ومَن لم يُحِب فهو حر بالخيار، نحن نتحدَّث فقط بمنطقنا وهو منطق المُؤمِنين، فلا نعمة أعظم من نعمة الإيمان، ثم تتلوها نعمة الحياة، وهى أن الله أوجدك، ونعمة الحياة بلا إيمان تُوشِك أن تكون شيئاً آخر، وهم يشكرون نعمة الحياة،أن الله أحياهم وأن الله أبدعهم وخلقهم وسوَّاهم وأن الله أعطاهم أوقاتاً جديدة، وكل يوم ينبلج فجره عليك هو هدية جديدة من السماء، من الله، من الغيب، فكيف تستقبل هدية الله أنت هذه؟ كثيرٌ منا – لن أقول مُعظمنا ولكن كثيرٌ منا – يتسقبل هذه الهدية على مُستوى الفعل والاستجابة الفعلية بالإهدار وبالبرم، فهو مُتبرِّم وساخط، يُصبِّح الصباح وهو يشكو شكوى العليل لأن وضعه لا يُعجِبه، الكون لا يُعجِبه وهذا معناه أن هذا اليوم لا يُعجِبه أيضاً، ومعناه أيضاً أنه غير مُعجَب بهدية الله، لكن عليك أن تنتبه أن هذا اليوم لم يأت إليك وحده وإنما جاءك من الله تبارك وتعالى، فالله هو الذي تأذَّن بأن يُعطيك يوماً جديداً، وهذا معنى ما من يومٍ ينشق فجره إلا ويُنادي ملكان  – كما يقول سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني – أي اغتنمني، غانم هذا الوقت الجديد واشكر هذه النعمة وامتن لهذه الهدية الربانية الإلهية – فإني لا أعود إلى يوم القيامة، وهو طبعاً لن يعود، فالزمان لا يدور ولا ينقلب، هو مُتوجِّه في خط واحد، وهذا ما نفهمه الآن على كل حال وهو له علاقة بالحس المُشترَك وليس بأينشتاين Einstein طبعاً وما إلى ذلك، وإنما بالحس المُشترَك Common Sense، وعلى كل حال هؤلاء الناس أنا وجدتهم يُوقِّرن الحياة، أما نحن فكثيرٌ منا يتبرَّم، ولذلك نُهدِر هذه الهدايا ونُلقيها في الزبالة في الحقيقة، صدِّقني لأن الذي يقوم – مثلاً – لكي يُصلي الفجر – هذا إن قام على صلاة الفجر، انظر إلى تنظيم الوقت في الصلاة، ومن الجيد أنه يقوم بل لابد أن يقوم – يعود لكي ينام مرة أُخرى، ثم يستيقظ علي الساعة عشرة أو الساعة الحادية عشرة إذا لم يكن عنده أي وظائف، فيغمِّض في عينيه وينتظر فطوره في الساعة الثانية في الظهر وغداه في الساعة الثانية في الليل، ويجلس أمام التلفزيون Television وأمام الإنترنت Internet ويلعن الشيعة ويلعن السُنة ويلعن أمريكا والعراق وسوريا وما إلى ذلك، ويدَعي أنه يحمل هم العالم على رأسه، فهو شخص كئيب بائس مُحطَّم سلبي مُدمِّر ومُدمَّر، ومع ذلك يظن أنه مسلم وعنده رسالة، وفي الحقيقة هو رجل ضائع،  والله أنت ضائع وضيَّعت نفسك وضيَّعت مَن حولك فما هكذا تُعاش الحياة، يجب أن تستقبل يومك من أوله، فيجب أن تُصلي الفجر في وقته وليس بعد طلوع الشمس ثم لا تنم ابدأ، ابدأ الشغل  وابدأ الإنجاز من فورك،والنبي مر على فاطمة – عليها السلام – ذات مرة فوجدها بعد صلاة الفجر نائمة بعد أن صلت الفجر فركضها برجله – كان يُلاطِفها – وقال لها يا بُنية قومي فإن الملائكة فإن الملائكة تُقسِّم الأرزاق الآن، مَن وجدته نائماً حُرِمَ رزقه، لا رزق المال ولا رزق العقل ولا رزق القلب والهناء والطمأنينة، فما هذا الإهدار للحياة؟ لماذا هذا الإهدار؟ لقد جعلتم الليل نهاراً والنهار ليلاً، فبعض الناس هكذا، جعل الليل والنهار ليلاً، نائم على مدار الأربع والعشرين ساعة ولا يفعل أي شيئ، ولذلك أنا كنت أشعر وأنطوي على مثل هذا الشعور الديني بإزاء هؤلاء الشيوخ والعجائز النمساويين والنمساويات وأحترمهم وأُجلهم جداً، بل – والله – أشعر بالسعادة كلما رأيتهم، أشعر أن هؤلاء أقرب إلى منطق الشكر منا، من الذين يبرمون ويتبرَّمون ويُهدِرون الحياة ويُضيِّعونها، ولذلك يقول الواحد منهم صحيح أنا في الثمانين ومريض ولكنني أُقدِّر الحياة، وقد حدَّثني أحد إخواني عن شاب لا يُقضى العجب من شأنه وحالته، هو شاب مُقعَد لأنه مُصاب بشلل نصفي، لكنه يأتي يومياً إلى الـ Fitness كما قال لي، وله يد واحدة ورجل واحدة ومع ذلك يتدرَّب ويتعرَّق ويأبى أن يُساعِده أحد، فقلت له هؤلاء عرفوا معنى الحياة، هؤلاء شكروا نعمة الله في أن أعطاهم أوقاتاً جديدة، أما نحن نُريد فقط أدنى الذرائع  لكي ننام و لكي نقعد فنقول ما عاد في العمر بقية وتعبنا ومرضنا وشيخنا وكبرنا فعن ماذا تحدِّثنا؟ ما هذا؟ هل سنبدأ من جديد؟  يقول المثل “بعد ما شاب ودوه الكتّاب“، فمثل هذا مُحطَّم لا فائدة منه، لذا ندعو الله أن يبنيا من جديد، فتقوم القيامة علينا من جديد ونخرج بثقافة وفكر جديد، ثم قال لي هذا الأخ الذي حدَّثني عن الشاب المشلول أنه يعرف رجلاً في الثمانين من عمره ولكنه يتدرَّب يومياً، ويحمل – والله – أوزناً كما قال لي، بل ويُقارِن نفسه بالشباب، فيبدأ ينظر إلى الشباب ويُعايرهم بأنه يحمل أكثر منه، فقلت له أنا أُحييه، والله – أُقسِم بالله – هذا يُحيَّا، وهو يفعل هذا وهو في الثمانين فما بالنا مُعطَّلون؟ في كل شيئ مُعطَّلون، وطبعاً ستستمع في المُقابِل أن هناك مَن هى في الثمانين وتحصَّلت على الدكتوراة، فهناك امرأة انجليزية في التسعين وتحضر الدكتوراة من عشرين سنة تقريباً – لا أدري الرقم تحديداً – وقد تحصَّلت عليها وبدرجة مُمتازة، وهذه هى القوة، فالمُؤمِن ينبغي أن يكون هكذا، ولذلك إذا ذكرنا الإيمان والمُؤمِن وأحوال المُؤمِنين وأحوالنا كمُؤِمنين عنوانيين نجد أن الإيمان عندنا عنوان وليس تجربة وليس حياة وليس خبرة وليس عيشاً، لكنني أتساءل ما هو الدين الذي يُساهِم في جعل الحياة سعيدة؟ ومتى يُمكِن أن يُساهِم الدين في جعل الحياة مصدر اتعاس؟ هناك أبحاث علمية عن أهمية الدين في هذا الصدد لكنها ليست مُتعمِّقة كثيراً وحجمها قليل، فهم في الغرب هنا يخافون من كل شيئ إسمه الدين، وهذا من لعنة العلمانية الغربية، فأي شيئ له علاقة بالدين يخافون منه لأن من المُمكِن أن تُصبِح مثل هذه الموضوعات وصمة تُلصَق بجبين الباحث، فيُقال له هل أنت تقوم بعمل دعاية للدين؟ هل رجعنا مرة أُخرى للدين؟ فهم يخافون للأسف ولذا الأبحاث محدودة ولكنها دالة، فهى تعطي مُؤشِّرات وتعطي دلائل في هذا الصدد، وفي هذه الأبحاث المحدودة تبيَّن أن الذين يُغلِّبون في إيمانهم وفي نظامهم العقدي –  The System Of  Belief – الإيمان بالشر وبالشياطين وبجهنم عن الإيمان بالخير وبالرحمة وبالجنة أميل إلى التعاسة، وهذا أكيد طبعاً، فمن المُؤكَّد أنهم تعساء مثل حال بعض المسلمين ولن أقول كثير من المسلمين وهم كثار ولكن على الأقل مثل حال بعض المسلمين.

 باختصار أي نظام اعتقاد أو عقيدة أو رؤية كونية عقدية لكي تكون مُسعِدة ومصدر إسعاد لابد أن يُقارَن فيها الشيطان بالله وهذا خطأ، فانتبهوا إلى هذا علماً بأن عندي بعض الخُطب عن  هذا الموضوع، ففي الفلسفات اليونانية وفي الفكر اللاهوتي الغربي المسيحي الشيطان عدو لله والشيطان مُقابِل الله، وهذا خطأ طبعاً، هذا نوع من الخطأ الفظيع لاهوتياً، لكن بحسب المنظور القرآني الشيطان لا يقدر على أن يكون نداً لله ولا يُقابِل الله، هو مُجرَّد خلق من خلق الله، ولا يملك من أمر نفسه شيئاً، هو ضعيف مثل ضعف أي كائن بشري عادي ومثل ضعف أي دودة، هو لا شيئ أصلاً، علماً بأن القرآن هو الذي أعطاه هذا الحجم، ولم يُعطه سُلطة وسطوة حتى عليك كمُؤمِن، وقال لك انتبه فهذا كل ما يستطيعه هو الكلام والوسوسة والتزيين، فكُن حكيماً وذكياً ولن يستطيع أن ينتصر عليك وينتهى كل شيئ، فإذن في الإيمان هنا الله وليس الشيطان، شيطان ماذا؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ هنا الله وليس الشيطان، وإذا ذُكِر الله ذُكِرت ماذا؟ ذُكِرَت أولوية الرحمة وأولوية المغفرة وأولوية الكرم وأولوية العطاء وأولوية الحنان، وفي الحديث الشريف قبل خلق الدنيا بخمسين ألف سنة كتب الله كتاباً فهو عنده تحت العرش إن رحمتي تسبق غضبي، فلا إله إلا الله، وأيضاً لدينا في الحديث الشريف أن الرحمة مائة جزء، نزل إلى العالم  جزء واحد تتراحم به كل الخلائق وليس البشر فحسب، وتسعة وتسعون جزءاً مُدخَراً للناس لكي يرحم الله به عباده يوم القيامة، ومع ذلك بعض المسلمين مُتأكِّد من أن تسعة وتسعين فاصل تسعة من البشرية في جهنم، فهو مُتأكِّد من هذا ويقول لك كلهم كفار وأولاد كذا وكذا، لكن مَن قال لك هذا؟ وما دخلك في اختصاصات الله أصلاً؟ هل أنت تشتغل عن الله؟ مَن قال لك هذا؟ وما هذا العقل الذي عندك؟ هذا غير صحيح، الله جعل تسعة وتسعين جزءاً لرحمة الخلائق يومة القيامة بإذن الله تعالى، وهذا هو الله تبارك وتعالى. 

ولذلك – أنا أقول لكم – في علم النفس الإيجابي وعلم النفس السعادة وعلم النفس الأسري لابد أن يُعادَل الواحد السلبي بخمسة إيجابي، لابد من هذا، فلا تُوجَد أسرة سعيدة إلا يُقدِّم فيها أحد الشريكين – الزوج أو الزوجة – الإيجابي على السلبي في انتقاداته وفي تعليقاته وفي كلماته وفي أي شيئ  بمُعدَّل خمسة للشيئ الإيجابي وواحد للشيئ السلبي، ومن ثم تكون الأسرة سعيدة، لكن ماذا لو كان بمُعدِّل ثلاثة للسلبي وخمسة للإيجابي؟ لن تكون سعيدة، بل أن هناك العكس تماماً والله العظيم، بعض النكديين المُتطلِّبين الأقصويين لديهم السلبي يصل إلى خمسة عشرة والإيجابي واحد فقط، فهو لا يعجبه العجب ولا الصوم في رجب ويعيش في دور رأس العائلة، وأنا أقول له أنت لعنة هذه العائلة، سواء كان ذكراً أو أنثى أو زوجاً أو زوجة، سوف تُدمِّر كل هذه العائلة، لذلك من أخلاق رسول الله أنه لم يكن كثير التفنيد، فالنبي لا يُعاتِب على كل شيئ، لا يقول كثيراً لماذا ومن أين وما إلى ذلك، فهو يرى الأشياء ويغض الطرف عنها ويتساهل وكأنه لم ير شيئاً، ولكنه يُوجِّه بطريقة ذكية، فتسير الأمور مثل الساعة، لكن وارد أن يحصل أي خلل، والناس نفسها تموت، نحن لا نتحدَّث عن إناء يقع وينكسر وإنما نتحدَّث عن أن الناس نفسها تموت فهل تُريد أكثر من هذا؟ فالبشر يموتون طبعاً وبالتالي من الطبيعي أن يتعطَّل أي جهاز لديك أو أن يقع كوب أو أن يفسد أنبوب ما أو أن ينسد المرحاض، هذا عادي ويحدث كثيراً، فما المُشكِلة، ولذا إذا حصلت مثل هذه الأشياء كان يقول النبي لا تُعنِّفوه، قدَّر الله وما شاء فعل، فهو قال لهم أن الله قدَّر هذا وانتهى الأمر، وهذا هو معنى توليف السعادة، فهو يقول قدَّر الله، وفي هذا إعادة تفسير الأمور بطريقة إيجابية، فالله كتب هذا وإن شاء الله يكون فيه الخير، ومن ثم اتركوا هذه الأشياء، لا تُعنِّفوا هذا الطفل ولا تُعنِّفوا هذا الخادم أو الخادمة.
إذن لابد من خمسة للإيجابي أمام واحد للسلبي، لكن القرآن تجاوز هذا كثيراً، علماً بأنني حدَّثتكم عن هذا أيضاً عشرات المرات، فبدراسة إحصائية بسيطة يُمكِن لكل منا أن يقوم بها لكنها تحتاج إلى معايير خاصة أن يعلم أن الرحمة إزاء العذاب تحظى بنسبة ثنتي عشرة إلى واحد تقريباً، فكل ثنتي عشرة مرة تُذكَر فيها الرحمة ويُعوَّل فيها على الرحمة ويُنبَّه فيها ويُلفَت فيها إلى الرحمة تُقابِلها مرة واحدة يُذكَّر فيها بالعذاب وبالانتقام، فنحن لا نقول الآن  خمسة إلى واحد وإنما ثنتي عشرة إلى واحد، وهذا هو ديننا، فلماذا جعلناه دين تخويف وتحدَّثنا عن شجاع أقرع وعن عذاب بل عن عذابات القبر وعن خمسين ألف هول من أهواله؟ والله لما كنت صغيراً قطع قلبي إمامي – أُقسِم بالله – أبو حامد الغزالي . قدَّس الله سره وعفا الله عني وعنه – ودمَّرني فعلاً وأنا صغير، فكان يتحدَّث لك عن عذاب الموت – علماً بأنني قلت هذا عدة مرات – وأنه لو وُضِعَ ألم شعرة مما يجد الميت – شعرة واحدة فقط وليس ألوف أو مئات ألوف الشعرات – الذي يُنزَع ويُحتضَر على أهل السماوات والأرض لماتوا بإذن الله، وثال أن النبي هو الذي قال هذا، لكن النبي – والله – لم يقل هذا، أُقسِم بالله هذا كذب، مُستحيل أن النبي قال هذا، فالنبي لم يقل هذا وكذلك القرآن لم يقل هذا، فجُنِنت وأنا طفل صغير غض طري، وأرعبني هذا وشلَّني، ثم قال هذا هول واحد من أهوال الموت، وإن من وراء الموت – أمام الموت – خمسين ألف هول الموت أيسرها، فكيف سنسعد إذن؟ سوف  نكون أشقى البشر وسوف نكون مُعقَّدين، ولذا كنت وأنا صغير أُفاجأ دائماً بالبنت الفلانية المُحجَّبة الكذا والكذا قد أصبحت مجنونة، أي أنها جُنَّت، وهناك  أصدقاء لي – والله العظيم – جُنَّوا، لأن هذا الفكر يُجنِّن طبعاً، هذا الفكر إبليسي، وهذه المُقارَبات إبليسية للدين ضد القرآن على طول الخط، فالقرآن قال لك كل ثنتي عشرة مرة تُذكَر فيها الرحمة تُقابِلها مرة واحدة يُذكَّر فيها بالعذاب، وبصراحة الذي يستحق العذاب وعنده هذه المُعادَلة هو فعلاً يستحق – والله – هذا، والنبي قال لا يهلك على الله إلا هالك، فالذي سوف يدخل النار – لابد أن يدخلها ولن نشفق عليه -إزاء هذه الرحمات كلها وإزاء هذه المُعادَلة الغير الطبيعية هو يستحقها بالفعل، هل يُوجَد امتحان يُمكِن أن تدخله وتنجح فيه إذا أصبت مرة واحدة واخطأت ثنتي عشرة مرة؟ هذا الامتحان من أحلى ما يكون، كل البلداء سوف ينجحون فيه، وكذلك الله قال لك هذا، فأنت حين تُخطيء ثنتي عشرة مرة وتصيب مرة فإنك سوف تنجح، لأن هذه هى المُعادَلة الضمنية في القرآن فانتبهوا، وقد تقول لي الآن وماذا عن الموازين؟ هذا يحكم على الموازين، هذه ليست موازيناً للبطاطا، فمثل هذا السائل يعتقد أن الله سوف يضع  حسنة في كفة الميزان وسيئة في الكفة الأخرى وينتهي كل شيئ، لكن ما أدراك كم تزن هذه الحسنة عند الله؟ من المُمكِن أن تزن هذه الحسنة بمليون سيئة من النوع الفلاني، فمَن الذي عرَّفك هذا؟ لا ينبغي أن تُفكِّر بطريقة ميكانيكية على الله، لا تُمكّنِك صورة الله عندك، أي لا تجعلها آلية، فانتبه إلى هذا، لأن الله هو الذي قال لك أن الأمر على هذا النحو، وقد أعطاك مُعادَلة فاذهب وابحث عنها، هو يقول لك كل ثنتي عشرة مرة تُذكَر فيها الرحمة تُقابِلها مرة واحدة يُذكَّر فيها بالعذاب، وهذا الدين أيضاً الأمل فيه يغلب القنوط، في القرآن الكريم قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ۩، وفي الآية الكريمة يقول الله إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ۩، فما هذا يا ربي؟ هل تُريدون ديناً أعظم وأسعد وأبعث على السعادة والبهجة والرضا من دين يجعل اليأس والإحباط وفقدان الأمل كفراً؟ الله قال لك هذا كفر، فالكافر ييأس لكن المُؤمِن لا ييأس، إن الله جعل الروح والفرج في اليقين، وأنا عندي يقين أن الله سيُدبِّل الأمور بإذن الله تعالى، فالدهر قُلَّب والأيام دول ونحن على كوكب دواَّر يتعاقبه الليل والنهار، وكل شيئ يتغير ودوام الحال من المُحال، وبالتالي يُوجَد الأمل، ومع كل صباح يأتي الله ليس بفرج واحد بل بمليون فرج، وهذا يحدث مع كل نفس، وما أحلى كلام الناس العامة فهم يقولون لك “واللي عند الله ما أقرب منه”، أي ليس شيئ أقرب مما عند الله، وهذا هو الأمل، هذا معنى قوله إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ۩، فهذا الدين يُغلِّب الحُب على الكره والكرم على الشُح والبخل والطهارة والعفة والنقاء على اللؤم والخسة والظلام والالتياث، ولذا دين بهذه الطريقة لابد أن يكون بلا شك  في رأس ما يُسعِد البشر ويُفرِح الناس، فإن قلبته ومشيَّته على رأسه وجعلت رجليه فوق كما نفعل الآن أو كما يفعل بعضنا الآن للأسف الشديد صار هذ الدين وآض وعاد ورجع بلاشك مصدراً من مصادر الإنكاس والانتكاس والاتعاس والإشقاء. والعياذ بالله.

أقول قولي هذاوأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:

لماذا نُخطيء في الحدس بمصادر ومثارات إسعادنا وإرضائنا؟ لأسباب كثيرة وكلها ستعود في نهاية المطاف إلى الثقافة وإلى النمط وإلى الأُطر والرؤية التي تحتل دماغك ورأسك، وطبعاً في البداية أود أن أقول لكم أن الثقافات تختلف، وهذا أمر أكيد، واسأل الله أن يعيننا نحن البشر الذين نُسمى بالحديين لأننا نعيش على حدود ثقافتين وحضارتين، فنحن أبناء الحضارة العربية الإسلامية الشرقية ونعيش في هذه الحضارة الغربية المسيحية الحديثة والمُعاصِرة، وهذا طبعاً بلا شك يُخرّبِط ويعمل تشويشاً – Confusion – في منظورنا في أشياء كثيرة لمعايير تقييمنا، وبالتالي لابد أن كون حذرين، وعموماً يُحدِّثنا الخبراء عن نوعين من الثقافة – وهذا التقسيم باعتبار طبعاً – لدينا، فهناك ثقافات فردية وهناك ثقافات جماعية أو مجموعية، الثقافات فردية تُولي الفرد العناية والاهتمام بإزاء الجماعة، فالأولوية والصدارة للفرد وليست للجماعة،ولذا الفرد مُسلَّط في خياراته في المهنة وفي التعليم وفي المسكن وفي الزواج وفي الطلاق وفي تربية أولاده وفي لباسه وفي أكله وفي شربه وفي إمتاعه بدنياً وجنسياً، فهو مُسلَّط في هذا كله، ومن ثم قد يسألني أحدكم الآن قائلاً هل أنت اتحدَّث عن الثقافات الغربية والولايات المُتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا وأوروبا الغربية وما إلى ذلك؟ نعم أتحدَّث عن هذا بالظبط، فكل هذه المُجتمَعات والثقافات ثقافتها ثقافة فردية، وطبعاً في مثل هذه المُجتمَعات تزداد المُعاناة من الأمراض الاجتماعية كالطلاق والتشرد والأطفال غير الشرعيين، وهذه إسمها أمراض اجتماعية، لماذا؟ لأنها مُجتمَعات غير اجتماعية، هى مُجتمَعات فردية وبالتالي لابد أن تدفع ثمن وضريبة هذا، وهذه الضريبة تتمثَّل في زيادة في نسبة الأمراض الاجتماعية كالطلاق والأبناء غير الشرعيين والمُتشرِّدين – Homeless  – والمُتسكِّعين وإلى آخره، فهذا طبيعي ومعقول، ففي الثقافات الفردية يميل الفرد حين يحدس بسعادته وحين يُقدِّر سعادته ويفترض سعادته إلى التعويل على انفعالاته الذاتية هو الإيجابية وليس تقييم الآخرين، فهو لا يهمه تقييم الآخرين ومن ثم يقول لك هذا يُمتعني، لكن كيف يُمتعك وهو ضد الفطرة وضد المُجتمَع؟ يقول لك لا يهمني لا فطرة ولا مُجتمَع، هذا لا كلام فارغ، أنا هذا يُمتعني، فأنا وجدته هكذا ولا يهمني كل هذه الأشياء.

إذن هذه ثقافة فردية وعقلية فردية، وفي الثقافات الفردية الشخص المُتزوِّج ذكراً كان أم أُنثى حين يقع في الحب – يُقال لك وقع في الحب أو سقط في الحب – بمعنى أنه أحبَّ على زوجته أو أحبَّت على زوجها فإن الطلاق يأتي سريعاً وشيكاً، موضوع عمر بن الخطاب لا يصلح هنا، وقد جاءه رجل وقال له أنا أُريد أن أطلِّق امرأتي، فقال له لماذا؟ قال لم أعد أُحبِها، فقال له يا لكع ورفع عليه الدرة بده يضربه، ومعنى أنه قال له يا لكع أنه يقول له يا بائخ أو  يا سمج، ثم قال مُستتلياً وهل تقومُ الحياة على الحب؟ أي أنه يقول له أين التذمم؟ أين العشرة؟ أين الوفاء؟ فهذا منطق اجتماعي مجموعي لكن الغربي لا يفهمه، يقول لك عمر ماذا؟ هذا كلام فارغ، لكن هذا الكلام يفهمه البوذي ويفهمه الكونفوشيوسي والعربي وفي الشرق الأقصى والشرق الأدنى يفهمونه تماماً وقد يُفهَم في إسكتلندا نوعاً ما لكنه لا يُفهَم هنا في هذه الثقافات، ولذلك حين تتكلَّم هنا عليك أن تأخذ المنظور الثقافي بعين الاعتبار، فالمسألة ليست مُجرَّد معلومات، تُوجَد ثقافات هنا تبني المنظور على أنحاء وبصور مُختلِفة، ولذا هنا إذا أحب على  شريكه يأتي مُباشَرةً الطلاق في الأرجح وشيكاً سريعاً، لماذا؟ هو التزامه بسعادته الفردية، لا تُوجَد عنده التزامات في إطار اجتماعي واسع ثابت،الهوية في الثقافات الفردية ثابتة قارة وجامدة، وهذا أمر عجيب، فالغربي هنا – جرِّبوها هذه علماً بأننا كنا نُفسِّرها بشيئ ثانٍ غير واضح لنا لكن هذا هو تفسيرها العلمي – الذي يكون شجاعاً قد يتضح أنه كان – لا مُؤاخَذة فهذا أمر عادي وطبيعي هنا – شاذاً جنسياً، وقد تكون سحاقية وقد يكون أي شيئ وشكله غريب وما إلى ذلك، وقد يتصدَّى للشرطة وأجهزة القمع وهو مُستعِد لأن يموت لآخر لحظة، وهذا لا يقتصر على الشرطة الغربية بل وحتى العربية والإسلامية، ونحن رأينا راشيل كوري – رحمة الله عليها – وكيف تصدَّت للدبابة الإسرائيلية وماتت، فلديها قوة رهيبة وصلابة، فهل تعرفون لماذا؟ مفهوم الهوية في الثقافات الفردية قار وثابت ومُحدَّد، فهذه سمات – Traits – قارة هنا، ولذا يجلس الغربي هذا بالثقافة الفردية أمام التلفاز ويُتابِع فيلماً -Movie – مُضحِكاً  – أي كوميديا – وهو في هذه اللحظة حين لا يُبدي أي دلالة على الشجاعة هو عند نفسه شجاع، لأنه هو بشكل عام شجاع، فهو يقول أنا شجاع والآن شجاع وغداً شجاع ، ومع هذا شجاع  وأمام عشرة شجاع وأمام مليون شجاع وأمام العربي شجاع وأمام الغربي شجاع وهكذا، لكن في الثقافات المجموعية الشرق أدنوية والشرق أقصوية مفهوم الهوية –  Identity Concept  – هو مفهوم مُتحرِّك ومرن، ويلعب فيه الدور – Role – التأثير الأكبر، فالشخص الآن قد تجده مُتحفِّظاً جداً وصارماً ولكنه يكون في سياق آخر مُنفتِحاً ومُتسالِساً ومُتساهِلاً وغير صارم، قد تجده شجاعاً جداً ومُستعِداً للموت وقد تجده جباناً جداً جداً جداً ويتراجع إلى آخر درجة، وهذا لا يتناقض مع ذاك ولا يُشكِّل أيضاً أي عبء نفسي أو أدبي عليه ولا يصمه بأي وصمة في المُجتمَع.

هكذا هى الهوية مُتحرِّكة في الثقافات المجموعية، ويُوجَد فيها أيضاً التزام – Commitment  – حقيقي بالأسرة وبالحارة وبالعائلة وبالأسرة المُوسَّعة وبالبلد وبالوطن، ومن هنا طبعاً الالتزام الرهيب عند اليابانيين وعند غيرهم، ولك أن تتخيَّل هذا، التزام رهيب  حتى في الشراسة، ومن هنا لدينا دروس غير طبيعية في الحرب العالمية وأشياء تتعلَّق بالكاميكازي Kamikaze وما إلى ذلك، فهذا موجود على كل حال.

في الثقافات المجموعية من الصعب على المجموعي أن يتحدَّث ويُعطي تقريراً عن سعادته، فهذا يُعَد عيباً عنده، ولذا كلهم لا يُحِبون هذا السؤال في هذه الثقافة، فإذا قلت لأحدهم هل أنت سعيد؟ فإنه يقول لك ما أبيخك، ما هذا السؤال؟ فأهم شيئ أن يكون الناس سعداء وأن يكون المُجتمَع سعيداً وأن يكونوا هم  سعداء، فحدِّثه عن المُجتمَع ولا تُحدِّثه عن نفسه لأنه لا يُحِب هذا السؤال أبداً وخاصة إذا كان الحديث عن السعادة بالمفهوم الأمريكيوعن أعلى درجات الإثارة والتهيج، لكن الأمريكان يُحِبون هذا ولديهم هذا الـ Maximizing، فهم يُحِبون أن يُعظِّموا أي شيئ ويُريدون آخر شيئ دائماً، وهذا حتى في علم السعادة نوع من من المطلب المُستحيل، فهذا غير صحيح، فلا تُوجَد سعادة أقصوية، وكل سعادة أقصوية تنقلب إلى تعاسة وقلق، ما رأيكم؟ ولذلك يُوجَد مفهوم مُهِم جداً تسمعون عنه إسمه الثمانينات – جمع ثمانية وليس عقد الثمانينيات – السحرية، لكن ما هى هذه الثمانينات Magic Eights؟ الذين يُحقِّقون على مُدرَّج السعادة درجة رضا – أي سعادة – ثمانية من عشرة هم أنجح الناس وأكثر الناس استقراراً، أما الذي يُحصِّلون عشرة فهم غير ناجحين وغير مُستقِرين، لماذا؟ هذه تحتاج إلى موضوع ثانٍ، وعلى كل حال هذا الشرق الأدنوي، والشرق الأقصوي لما يسمع هذا الكلام وما يتعلَّق بأعلى درجات الإثارة بالطريقة الأمريكية فإنه لا ينفر من هذا، علماً بأن هذه ثقافة غربية مسيحية، ففي النصوص المسيحية من قديم – الكلاسيكية – والنصوص الثقافية الغربية ذات الأصول المسيحية  المُعاصِرة بلا شك يُنظَر إلى السعادة على أنها درجة مُتقدِّمة من الإثارة والإبهاج، لكن في الثقافات الشرقية عموماً وخاصة البوذية – مثلاً – يُنظَر إلى السعادة المطلوبة الممدوحة على أنها درجة مُعتدِلة من ضبط الناس والشعور بالرضا، فهم لا يُحِبون الإفراط، ومن ثم قد يقول لي أحدكم الآن –  وهو صادق – أنه يعتقد أن اتجاه رسول الله والقرآن مع هذا، وهذا صحيح وهذه ثقافة شرقية، قال الله لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ۩، وقال أيضاً لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ ۩، قال رسول الله أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، فكل شيئ باقتصاد واعتدال، وهذه هى العقلية الشرقية عموماً سواء دينية أو غير دينية، لكن في الغرب يُحِبون التعظيم، علماً بأن الأشخاص الأقصويين الذين يُحِبون أن يُعظِّموا درجات المُتعة والإثارة دائماً للأسف الشديد ما يُلاحِقون الأمل الهارب والسعادة الهاربة ولا يفوزون في النهاية لا بالرضا ولا بالسعادة، أما الأشخاص الراضون الذين يضعون لأنفسهم معايير كحد أدنى لتُرضيهم فهؤلاء أميل دائماً إلى أن يكونوا سعداء حقيقيين، فما رأيك؟ الراضي يقول لك – مثلاً – أنا لدي سيارة جيدة، نعم هى  (130ps) لكنها مُمتازة وتكفيني، فأنا لدي ولدان وهذا مُمتاز جداً جداً جداً، لكن غير الراضي عنده أحدث موديل Mode وأغلى سيارة، وهى سيارة  Full optios وثمنها يُساوي ثمن عشرة سيارات من التي يمتلكها الأول ومع ذلك يقول لك في نهاية المطاف لقد ندمت على شرائها، فهو يندم ويشعر دائماً بالندم، علماً بأن هذه التجارب كلها معروفة، فهذا المسكين لا يكون راضياً باستمرار لأنه أخطأ في تقدير أن هذا ما سيُسعِده، فليس هذا اللي يُسعِدك، يُوجَد موضوع ثانٍ أنت لم تفهمه.

نرجع إلى الثقافات مرة أُخرى، ففي الثقافة المجموعية يُوجَد – كما قلنا – الالتزام، الالتزام بالمُجتمَع وبالأسرة وإلى آخره، ولذلك في ظل الخلافات الأسرية الحادة وما إلى ذلك لا يقع الطلاق سريعاً، فالمرأة تُضحي والرجل يُضحي، وكأين من مرة – كم وكم – سمعت وخاصة من الأخوات – لحد الآن أكثر مَن يُضحي الأخوات، لكن الرجل يستعجلون قليلاً – العربيات والمسلمات – والله هذا دائماً يُثير عجبي وتقديري وتوقيري لهن – أنها صابرة على زوجها هذا الذي تصفه ببعض الصفات التي هى طبعاً فيه لكن تفعل هذا باحترام حقيقةً، فهى تصبر من عشرين سنة أو من ثمان عشرة سنة أو من خمس عشرة سنة، لكن طبعاً سوف تأتي اللحظة التي يفيض فيها الإناء في النهاية، ووالله عندها الحق في أن يفيض، عشرون سنة وهى صابرة، فإلى متى سيستمر هذا؟ هل سوف تدخل قبرها وهى تعيش في هذا الهم؟ ثم أنها تطلب الطلاق بعد ذلك فيُقال عنها أنها بنت كذا كذا وبنت ستين وسبعين وإلى آخره، وإذا تزوَّجت بآخر فهذه مُصيبة، وقد رأيت ذات مرة عتباً شديداً من أحد أحبابي بسبب هذا الموضوع، وقال كيف تتزوَّج المُجرِمة؟ فقلت له هل هو عنده الحق أنه يتزوَّج سبعة وثمانية وهى ليس لها هذا الحق وتُمنَع منه بعد ثلاثين أو عشرين سنة مُعاناة؟ هذا خطأ!

إذن يُوجَد التزام، في المُجتمَعات ذات العقلية والثقافة المجموعية في نوع من الالتزام بالأسرة وبالشيئ الأكبر، بٌوجَد نوع من الولاء – Loyalty – ونوع من الوفاء، لكن في الغرب لا يُنظَر إلى هذا على أنه ولاء أو وفاء – نختم  بهذا لأن للأسف أدركنا الوقت – أبداً، فالغربي الفردي هنا قد ينتمي إلى فريق رياضي مُعيَّن ويُشجِّعه، وقد يكون من كبير المُشجِّعين بطريقة مُعيَّنة له ويحمل شعاره ويلبس لباسه وإلى آخره،  ولكن هذا الفريق إن أخطأ في المرة الأولى ثم في المرة الثانية والثالثة فإنه يتوقَّف عن رفع شعاره وعن الانتماء إليه ويبحث له عن أي فريق آخر أنجح، فهذا عندهم عادي جداً جداً جداً، وهم يقولون لك نحن مع الناجحين وهذا الفريق لا يصلح، لكن الشرقي ليس كذلك، وهذا معروف حتى على مُستوى السياسة، وأنتم اليوم – مثلاً – تُلاحِظون الثقافة الروسية وهى ليست ثقافة غربية محضة بل بالعكس يثوجَد جزء كبير منها قريب إلى الثقافات الشرقية، فهذه الأمور التي تتعلَّق بالثقافة السلافية وما إلى ذلك معروفة، فحتى على مُستوى السياسة ولك أنت تتخيَّل هذا – هذه سياسة دولة كانت بالأمس القريب إمبراطورية – عندهم نوع من الالتزام، فهم لا يتخلون عن أصدقائهم بسهولة، نعم قد يخسروا في مرات عديدة لكنهم لا يتخلون عنهم، على عكس الأمريكان – حوِّلنا الخُطبة إلى سياسة لكن هذه هى الحقيقة – الذين يتخلون بسرعة شديدة.

على كل حال ثقافتك تُشكِّل منظورك، وكنت أُحِب أن أستغل هذه الفكرة المحورية لكي أقول لكم كيف تتشكَّل المنظورات أو الرؤى العقدية عبر مسائل أخرى غير الثقافة ولكن أدركنا الوقت!

 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 18

اترك رد

  • أسمح لي يا دكتور أن اطرح سؤالا حيرني كثيرا و شاركت من قبل بتعليق علي خطبتكم الفائته بخصوص نفس الموضوع هل أنت سعيد … السؤال / هل أعد الله هذة الدنيا و خلقها لتكون دار سعادة لنا … أم هي دار اختبار و ابتلاء لحين و ساعة يعلمها الخالق الباريء ..؟؟؟؟!!!! و إذا وجدت بها أسباب للسعادة … هل لتذوق طعم السعادة وقت و تنتهي و تزول … أم أن من متع السعادة أن يستمر مذاقاها و متعتها دون انتهاء …. ؟؟؟؟!!!! لأن باعتقادي الشخصي أننا نعيش سعادة مؤقتة … أي أنها مسكنات سعادة … لأنها حياة ميتة .!!!!

    • السلام عليك أخي الفاضل، وليسمح لي الأستاذ الكبير عدنان أن أدلو بردي المتواضع. الجواب البدهي هو أن لا تعارض بين سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة، وإن كانت الأولى سعادة نسبية، ولكنها من عاجل بشرياته في الدنيا والآخرة بدلالة آية سورة النحل مدار الخطبة السابقة عن الحياة الطيبة، وتكون نتيجة ذلك (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) يونس، وفضل الله ورحمته في الدنيا خير ألف مرة من السعادة الوهمية لأصحاب الملايين وذوي الجاه والسلطان؛ وما يكون من بلاء ومحن وفتن في الدنيا هي في الحقيقة منح ربانية إن استشعرها المؤمن وقدم عبوديات لازمة لربه بالصبر والإحتساب وحسن العمل، بدلالة الحديث (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له، ليس ذلك إلا للمؤمن)؛ فيخرج من الإمتحان ناجحا ويفوز بخيري الدنيا والآخرة، بدلالة الآية (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) القصص؛ أي أن من علائم التقوى في الدنيا الأخلاق وتحري الصلاح والإصلاح، فيعيش المؤمن سعيدا ويموت سديدا ويبعث حميدا؛ والله أعلم.

      • لك ودى و شكري علي ما تفضلتم به …. و لكننا نعود لازلية خلق الله لهذة الدنيا … و هي أن مفهوم السعادة ناقص و مبتور و ذلك للفوز بالسعادة الأبدية بالآخرة هناك بعد الحساب … بمعني كيف نكون بسعادة و نحاسب حسابا عسيرا …!!! يا أخي لا سعادة حقيقية بهذة الدنيا علما بأن مفهوم الخير و هو بوابة السعادة أصحابه محاربون و مبعدون و الشر يده أشد و أطول … و أسباب السعادة محاصرة بكل أسباب التعب و الشقاء … فالشعور بالسعادة شعور وقتي و ليس بدائم … لهذا زهد السلف الصالح السابق بالدنيا و طلقها بداية بالرسل و الانبياء … فاعتقادى انلا سعادة بهذة الدنيا .فكلها سعادة مؤقتة .

  • شكرا يا دكتور خطبة جميلة تدفعك لرحلة البحت عن السعادة في الدنيا لتفوز بها في الآخر في إطار تقوى الله و لزوم طاعته و التشبتت بمكارم الأخلاق تتبعا لرسول الله

  • الأخوة عملة صعبة ربما تختبر حقيقة الأنسان أو تحدد مصيره
    من أصعب الكلمات التي حيرتني هي كلمة أخي ليست اسم الله الأعظم اذا دعي به أجاب …هي… ربما لحن يتردد في الفؤاد يبحث عن المعنى الحقيقي للوجود الحياة قصيرة جدا كي نفهم كلمة واحدة أو نحاول عيشها الا أن التشبث بأخ سواء بحبه و تحمله و الصبر على أذاه أو ربما هجره يجعلك ربما تذوق طعم السعادة بالشعور بمفهوم الحياة الواسع و لو لثوان معدودة آخر العمرلأن حياة البشر كلها مجرد لحظة.

  • من وسط الألم ينبثق الأمل و تتولد السعادة و ليس الملك المتواضع المُوطَّأ أكنافاً أشد سحراً و أسراً للنفس من إنسانٍ يحمل بين جوانحه قلبَ طفلٍ تراه أمامك في شخص كبير يسع العالم كدحُهُ في الحياة و همُّهُ أن يعيد هذه العارية اللطيفة [ القلب ] بيضاء سليمة إلى بارئها كما أعطاه إياها في البدء غير مشوبة و لا مَعيبة بأي عيب فعاش سعيداً مُسعِداً مرضِياً ربه و راضٍ عنه { يوم لا ينفع مالٌ و لا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم } … توليف السعادة فن نسأله تعالى أن نكون ممن يُحسِن هذا الفن و هو من أسهل الفنون و أحلاها و أنفعها ثماراً و عوائد بالخير .. ما أكبر حجم الكنوز الكامنة في كل منا تحتاج من يستخرجها ليكتنف بحكمته و تفكيره و حسن مسلكهِ ما يُذهِب الناس البُعداء الكثير و النفيس من المال و الوقت ليبلغوا قسطاً منه … أكثر ما أعجبني : الاقتراب ممن هو قريب من الله يوَلد السعادة لذلك الطبيعة بترابها و أنهارها و أشجارها محببة لدينا .. و كل فقرة أحلى من أختها …. أسعد الله من سهّلَ مسالك السعادة على الناس … أهديكم بهذه المناسبة هذه الأغنية فالربيع جدير بأن نتفاعل معه بكل وجداننا و أحاسيسنا الفياضة بالأمل و النشوة و الحبور و السعادة … https://www.youtube.com/watch?v=-iippBao-Rg

    • السلام عليكم وجزاك الله خيرا. أعتقد أن هذه الخطبة مع مثيلاتها من الخطب السابقة تؤلف رباعية السعادة، وقد كانت الخطب الأولى بعنوان الحق في السعادة والثانية البحث عن السعادة 2010 وهاتان الخطبتان الأخيرتان بعنوان هل أنت سعيد وهذه الأخيرة؛ ويمكن تجميعها في كتاب واحد بعنوان “حقيقة السعادة” أو حتى CD، لتكون مرجعا سريعا لمن يتكاسل عن القراءة، وتعتبر أنجع علاج لأمراض العصر من الإكتئاب والحزن واليأس والبؤس وغيرها بمنهج رباني واضح لمن يريد أن يذكر أو أراد شكورا؛ وفقكم الله جميعا وأسعدكم في الدنيا والآخرة.

  • لم أعد الإستماع للخطبة بل اكتفيت بما استقر من سماعها للوهلة الاولى و لو أنني أفلت منها الكثير
    أشكرك عدنان إبراهيم لأن خطبك قوية تشد انتباهنا الاسبوع كله و تمنحا مساحة واسعة للتفكير مالفت انتباهي في هذه الخطبة هو حظورك فيها بشكل رائع و جميل يلفت الانظار …لم أرغب بإعادة الاستماع لها كي أحتفض بالانطباع الأول ههههه المليئ بالدسم أنت عبد رباني حقيقي، أحمد الله و أشكره لأنه خلقك لولا هذا لكانت حياتي بلا طعم .أستمد منك القوة للهروب أحيانا من أفكاري و أحيانا كثيرة أجدد طاقتي لأن خطبك لا تخاطب الفراغ تخاطب الفرد القاطن على كوكب الارض واقعية و متينة ترفع مستمعها شاء أم أبى فهم أم لا لأن المعاني التي تخاطب اللاوعي أكثر من المعاني التي تحرك الدماغ في الجمجمة .أنت عالم حقيقي …تعرف كيف تحرك الادمغة و تتعاطى مع المجانين بسهولة …أشعر أحيانا أنها فطرتك و طبيعتك و أحيانا تفبرك أفكارك كي تصعق بها الامخاخ …هل أنت مختص في الجنون ؟ ان لم تكن فأنت مختص في علاج المجانين صدقني لو فتحت عيادة ستصبح مشهورا على مستوى عالمي، عالمنا بحاجة الى معالجين مثلك ….أولا أنت خبير في التاريخ و هذا يشكل نقطة مهمة في فهمك مكنزم اابنية البشرية قراءتك للخطاب والحروف و الكلمة دليل على تعمقك في علوم الدماغ و الاعصاب . عندك فلسفة عميقة في الانسان ككل و هناك فواصل كبيرة جدا مدروسة بآتقان تعالج بها هيكل المعظلات …لا تبتئس لعدم منحك حقك كعالم كبير و مصلح رباني صادق ..لا تبتئس …الله سيعوضك في الآخرة كن واثقا . هم لا يعرفون قيمتك هذا كل ما في الامر … عندهم ضجيج في الاعين و لا قدرة لديهم للسمع فكلامك بعيد عنهم بمسافات فلكية ،أنت لبنة ربانية للعلم بك الله سيرحم أجيالا تائهة حيرى ، أشعر بالسعادة حقيقة و أنا أكتب في هذه المساحة على موقعك أشعر و كأني أطير هههه يال الفرح أنا متهجة جدا شكرا لك أنت هو الحياة الحقيقية الجميلة الله يحفظك…و يعينك على الجهال و المجانين .

    • عذرا على تطفلي المتواضع بالجواب عن الأستاذ الفاضل: الصحيح كما يرجح أنها قولة الإمام ابن تيمية “الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر”. أي أنها تقيد انطلاقة روح المؤمن بمنع جسده عن الشهوات والشبهات وما يقع عليه من بلايا ومحن، ولكن الكافر يرتع فيها ويمرح في شهواته بلا قيود من دين ولا رادع من خلق (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) الأعراف.

  • أعلم يا دكتور..أن ما علمتني إياه كافي “بإذن الله” وفضله لأدخالك الجنة..أريد فقط أن اراك قبل أن أموت ولو مرة واحدة..جعلتني أعشق الرسول المحمد..حتى صرت أقترب من رؤيته في منامي..فأرى رجلاً يأخذني الى مكان الى حجرة ويقول لي أن الرسول داخلها..اذهب وادخلها..فأصعق وأخاف وأرفض..لأني اتذكر بعض ذنوبي فأخجل وأتراجع..أحب انك متراحم لا تسب لا تسيئ لا تكفر أحد لا تأخذ دور الله..و غفر الله للمتنطعين عليك..يقولون تب الى الله يا عدنان”بقلة أدب”..ومعهم حق كلنا لازم نتوب..صح مو غلط..طلبي (إبق حياً)..أطال الله عمرك..

    انا ذكر ها..مشان ماتصير خلافات عائلية..:)..أحبك ما معلمي و أخي في الله..

  • جميل دكتور …
    كنت وأنا أنقل ناظري بينن درر الخطبة النفيسة أتساءل عن سر تلك المأساة التي تسود أعلب بلداننا وأهلينا في أنهم يبحثون عن النفائس حيث لا نفائس ولا نفيس.. وينظرون إلى بدائع الدر بأعينهم يستنكرون عليه أن يكون بين الدر.
    طبت وطابت كلماتك وأنفاسك وغلت نفائسك

%d مدونون معجبون بهذه: