محمد ابن الأزرق الأنجري باحث إسلامي مغربي
محمد ابن الأزرق الأنجري
باحث إسلامي مغربي

الدكتور عدنان إبراهيم علامة بحّاثة بامتياز ، ونحن نقدّره ونحترمه ونفيد منه ، وليس من الاحترام أن لا ننتقده فيما يخطئ فيه حسب رؤيتنا ، بل نقدُنا له غيرة وتوكيد لقدره عندنا .

في الحلقة الأولى من برنامج “صحوة” عن الحجاب، أفاد الرجل وأجاد ، وأنا أوافقه فيما قرّره هناك طولا وعرضا إلا في مسألة أراه قد جانبه التحقيق فيها وخانه .
إنها مسألة : ( الأمر بالأمر ليس أمرا ) حين طبّقها على قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ، ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )
مفهوم القاعدة : إذا أمر طرف أولُ طرفا ثانيا أن يأمر طرفا ثالثا بأمر ، فإن الثالث لا يكون مأمورا بالأمر الأول وجوبا بل استحبابا وندبا.
وعليه ، فالله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، فلا يكون ذلك أمرا ملزما من الله لهن ، بل أمر استحباب وندب لأن الأمر بالأمر ليس أمرا ملزما .
واستثنى الدكتور الأوامر التي سبق وأمر الله بها المسلمين ، فإنه إذا أمر النبي أن يأمرنا بها كان أمر الله له أمرا ملزما لنا ، ومثّل لذلك بقوله سبحانه : ( وأمر أهلك بالصلاة ) ، فالأمر له أمر لنا لأن القرآن مليء بالأوامر المباشرة بالصلاة .
واحتج الدكتور بحديث : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع ) ، وغفل عن أن أوامر الله لا تقاس على أوامر الأنبياء ، كما نسي النصوص الدالة على أن الصلاة غير واجبة على الصبي ، فتصرف الأمر من الوجوب إلى الندب .
واستدل كذلك بقوله عليه السلام لسيدنا عمر في قصة طلاق ابنه عبد الله : ( مره فليراجعها ) ، وغفل حفظه الله عما غفل عنه في الحديث السابق ، ونسي أن ابن عمر راجع زوجه ، أي أنه لم يفهم أن أمر الأمر ليس أمرا له .
ونضيف أن الدكتور لم يشر إلى قوة الخلاف بين الأصوليين في المسألة ، فقد ذكرها مقرونة بما يفيد كونها مسلّمة ، وليس كذلك .
وإليكم التحقيق كما نراه :
إن أمر الله لنبيه بأن يأمر غيره بفعل أو ترك هو أمر إلهي ملزم للمأمور ، سواء وجدت آيات تأمر بذلك أم لا ، إلا أن تقوم قرينة صريحة على أن الأمر لا يفيد الوجوب .
وإنما يأمر الله تعالى نبيه عليه السلام بأن يأمرنا لتوكيد نبوته من جهة ، ولترسيخ فريضة طاعته باعتباره إماما حاكما واجب الطاعة إذا أمر ، وتنبيها له على أن أمر أمته بتنفيذ أوامر الله من جملة وظائفه ومسئولياته .
وبخصوص أوامر الرسول لغيره بأن يأمروا غيرهم فإنها تختلف حسب الأمر والصيغة ، فبعضها للوجوب ، وبعضها للندب ، وبعضها للإباحة والإرشاد ، ولن نطيل بالأمثلة لأننا نركز على الأمر بالأمر في كتاب الله .

تطبيقات :

 المثال الأول :

قال الله تعالى لنبيه الكريم : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء ، وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
باستثناء حفظ الفروج المأمور به في آيات عدة ، لا نجد في كتاب الله أوامر مباشرة بغض البصر ، ولا نجد فيه نهيا للنساء عن إبداء الزينة لغير المحارم، ولا أمرا لهن بضرب الخُمُر على الجيوب أي تغطية الصدر والعنق ، ولا نهيا عن الضرب بالأرجل .
فحسب قاعدة الدكتور المحترم : أمرَ الله رسوله أن يأمر وينهى في هذه الآيات ، فلا تكون تلك الأوامر والنواهي ملزمة لأن الله لم يأمر بها ولم ينه عنها في مواضع أُخَرَ من كتابه .
أي أن غض البصر وتغطية الصدر والعنق وإخفاء الزينة ليست واجبات بل مستحبات ، وهو استنباط قرّره الدكتور بخصوص غض البصر دون إكمال باقي الآيات ، ولو فعل لوجد فهمه منقوضا بآخرها حيث قول الله الصريح في عدّ مخالفة تلك الأوامر عصيانا يستوجب التوبة ، وذلك قوله سبحانه : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .

المثال الثاني :

قال الباري تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .
أمر الله نبيه بأن يأمر المسلمين باعتزال جماع النساء أيام الحيض ، وليس في القرآن آية أخرى تنهانا مباشرة عن ذلك ، فعلى فهم الدكتور لا نكون ملزمين بالأمر الوارد في الآية لأن الأمر بالأمر ليس بأمر كما يقول .
ولو ذكّره أحد محبيه بهذا المثال لأعاد النظر وصحح الفهم .
ونجد الآية شبيهة بالأولى ، فهي تشير إلى أن الجماع في الحيض معصية يحب الله التوابين منها .

المثال الثالث :

قال الله سبحانه : ( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) .
يأمر الله نبيه الكريم أن يخبر الأعراب المتخلفين عن الخروج معه لعمرة الحديبية بأنه سيدعوهم للقتال عند رجوعه للمدينة ، وهو ما حصل في غزوة خيبر من غير أن يأمر الله بها في كتابه.
فهل كان الأعراب ملزمين بالاستجابة ؟
حسب قاعدة الدكتور لم يكونوا ملزمين ، لكن تهديد آخر الآية بالعذاب الأليم ينسفها نسفا .
فكان على علاّمتنا عدنان باركه الله ، أن يستقرئ موارد الأمر بالأمر في كتاب الله ، وأن لا يسقط في قياس القرآن على الأحاديث قبل أن يعلن فهمه لآية إدناء الجلابيب ، والذي نراه فهما أملته العجلة .

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • جميل و على مستوى احترام عقل و فطنة المشاهدين و المتابعين! أدب في الحوار يدل على اصحاب علم و قدوة جديرة بالمسلمين! شيء يرفع و ينير الروح

%d مدونون معجبون بهذه: