إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ۩ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ۩ وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ۩ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ۩ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ۩ إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ۩ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ۩ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ۩ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ۩ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين، وابعث نبينا ورسولنا محمداً المقام المحمود الذي وعدته، واجعله شفيعنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
إخواني وأخواتي:

وصلاً لذكره – صلى الله عليه تعالى عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – وبذكره تتعطَّر الأماكن والمجالس بل الأزمنة والأمكنة طراً، فقد كان من هديه – عليه الصلاة وأفضل السلام – توفير حُرمة وكرامة واعتبار أصحابه جميعاً، على اختلاف طبقاتهم، كان يُعامِل صغيرهم برحمة وتحنان غامرين، وكان يتعاطى مع كبيرهم باحترام واعتبار وتقدير وتكرمة، وهو الذي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قلَّدهم أرفع وأعظم وأبذخ النياشين، مَن الذي لقَّب الصدّيق بصدّيق هذه الأمة؟ رسول الله، ويا له من لقب! هي الرُتبة التي تلي رُتبة النبوة على الولي، مُباشَرةً! مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ۩، أبو بكر صدّيق هذه الأمة، ولم يقل لا، لعله يأخذ في نفسه مقلباً – كما نقول بالعامية -، لا نُريد أن نُكبِّره حتى لا يرى نفسه بعد ذلك، لا يُوجَد هذا الكلام الفارغ، النبي – كما قلنا – هو المثال الأكم والأتم للشخصية الخالية البارئة من كل العيوب واللوثات، ليس فيه لوثة! النبي شخصية غير مُلتاثة إطلاقاً، ومن هنا كان المُربي الأكبر والأول، كل مَن لا يُعوِّل عليه في التربية – تربية نفسه، تربية أبنائه – وفي مُعامَلة نفسه ومُعامَلة الخلق لابد أن يقع مرة ومرة ومرات في غلطة وغلطة وغلطات، فهو المُربي الأول والمُربي الأكبر، عليه الصلاة وأفضل السلام.

أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، أيضاً يُبرِز جانباً آخر في شخصية هذا الصدّيق الرحيم العطوف الشفوق، وأشدها في أمر الله عمر بن الخطاب، الفاروق! فاروق هذه الأمة أشدها في أمر الله، لا يتوانى، بل لا ينثني، لا يلين حتى مع نفسه ومع أقرب الأقربين إليه، كان شديداً جداً – أشد ما يكون – على نفسه وعلى أهله، الرسول أعطاه هذا النيشان، أشد هذه الأمة في أمر الله، لا يُوجَد تساهل، خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۩، رجل صادق! وأصدقها حياءً عثمان بن عفان، وهو الذي لقَّبه أيضاً بذي النورين، أصدق هذه الأمة حياءً، يا لها من تكرمة! وأما عليّ فهو أيضاً صدّيق هذه الأمة وهو أخوه في الدنيا والآخرة، قال هذا أخي، أما ترضى أن تكون أخي في الدنيا والآخرة؟ حين آخى بين المُهاجِرين والأنصار وترك عليّاً من غير أخ، فتأثَّر واستعبر، أي عليّ عليه السلام وكرَّم الله وجهه، وهنا جاء دور الإشادة وإظهار المثابة، النبي ما أخَّره عن نسيان ولا عن غفلة أبداً، أخَّره عن قصد وتعمد، لكي يُؤاخيه هو، قال أما ترضى يا عليّ أن تكون أخي في الدنيا والآخرة؟ أنت أخي في الدنيا والآخرة، وجعله صهره ومُستودَع ذريته الطاهرة، عليهم السلام أجمعين، تكرمة! تكرمة عظيمة، لكل أمة أمين، وإن أمين هذه الأمة أبو عُبيدة بن الجرّاح، ما هذا؟ من شأنه عظيم، قال لكل أمة أمين، وهذا أبو عُبيدة، أمين هذه الأمة، أمين! نِعْمَ أمين كما قال عمر، رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين، مُعاذ بن جبل أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام، زيد بن ثابت أفرض أمتي، أعلمها بالفرائض، بالمواريث! أفرض هذه الأمة، عليّ أقضى هذه الأمة، دعا له بأن يُثبِّته الله وأن يهديه في القضاء، قال فما شككت في قضاء بعد، هكذا كان عليه الصلاة وأفضل السلام.

مبلغ علمي البسيط أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان إذا لم يبلغ الغُلام سن التكليف ناداه بيا بُني، يا بُني! كما كان يُنادي أنس بن مالك وعمر بن أبي سلمة – رضوان الله عنهم أجمعين – وغيرهما، يا بُني! أما إذا بلغ الولد سن التكليف – صار مُكلَّفاً، انظروا إلى اتساق رسول الله وانسجامه التامين مع روح الشريعة – فكان يُناديه بيا أخي، عجيب! يُنادي شاباً صغيراً، ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة يُناديه بيا أخي، يُعطيه ثقةً بنفسه واعتباراً.

اليوم كثيرون منا – حتى في الإعلام، في الفضائيات – ينعتون ويتحدَّثون عن آخرين – بعضه له مثابات علمية وبعضه له مثابات سياسية وبعضه له مثابات ومقامات اجتماعية – بالولد، هذا الولد كذا وكذا، ولد ماذا؟ أمة تنتحر، أمة لا تخجل من عارها، هذا عار! أمة فيها مثل هذه القيم ومثل هذا الصغار النفسي والفكري والإعلامي هي أمة صغيرة، أصبحت صغيرة جداً، وطبعاً هذه الأمة هان عليها أن تصف صلاح الدين بأخس شخصية عرفتها الإنسانية، صلاح الدين الأيوبي! والله أوروبا التي عانت من هذا البطل العظيم تحترمه، هذا بطل! بكل المعايير بطل، بطل من أبطال الإنسانية، أوروبا إلى اليوم تحترمه، Salahaddin هذا مُحترَم في أوروبا، طبعاً هذا يعرفه مَن قرأ التاريخ – تاريخ الصليبيات – ومَن قرأ المُجلَّدات الوسيعة، يقرأ ويقف على ما كتب ويكتب الأوربيون عن صلاح الدين، لم يخجلوا مرة ومرات أن يقولوا تعلَّمنا من صلاح الدين أشياء كثيرة، آداب الفروسية الحقة تعلَّمناها من صلاح الدين، جلالة الملكية – كيف يكون الملك والسُلطان سُلطاناً وملكاً؟ – تعلَّمناها من صلاح الدين، صلاح الدين عند أمتنا – ما شاء الله – ليس كذلك، نحن أعلم ما شاء الله! مُثقَّفونا أعلم بتاريخنا منا ومن مُؤرِّخينا العظام ومن مُؤرِّخي العالم من أوروبا والغرب، صلاح الدين أخس شخصية على الإطلاق عرفها التاريخ! ما هذا؟ كيف تنبعث أمة فتسب نفسها بهذه الطريقة؟ ولصالح مَن هذا طبعاً؟ هذا تكحيل، تُكحَّل عيون مَن بسب الرموز العظيمة في هذه الأمة؟ طبعاً هذا غير بعيد وغير غريب وغير مُستنكَر في أمة – كما قلت – تسب نفسها صباح مساء، فقط يختلفون مع هذا أو ذاك من الساسة أو العلماء أو المُفكِّرين – إلى آخره – فيقولون الولد! هذا الولد وهذا الولد، هذا ليس ولداً! كيف هو ولد؟

خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۩، خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ۩، هل تعرفون ما معنى التكليف يا إخواني؟ نعرف ولا نعرف نحن، نسمع ولا نسمع، نُبصِر ولا نُبصِر، أمة تناقض! ما معنى أن الإنسان إذا بلغ سن التكليف صار مُكلَّفاً؟ معناه أن من وراؤه – أي من أمامه – الجنة والنار، هذا الولد – ابن أربع عشرة سنة – يُمكِن بأعماله هذه أن يقتعد مثابة عظيمة في الجنة، ويُمكِن أن يلج النار، ابن أربع عشرة سنة! هذا ليس صغيراً وعيلاً مسكيناً لأنه ابن الرابعة عشرة، مُكلَّف! مُكلَّف مأخوذ عليه في قوله وفعله ونيته، النية عند رب العالمين، القول والفعل عند الملائكة، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ۩، ابن أو بنت أربع عشرة سنة مأخوذ عليهما في كل ما يقولون ويفعلون، هذا معنى أنه مُكلَّف! إذن خُذوا الأمر بجد يا إخواني، طبعاً نحن يبدو أننا لم نفقه مرةً هذه القضية، لذلك نُعامِل هذا – ابن أربع عشرة سنة – على أنه لا يزال طفلاً، عيل صغير هذا! نُعامِله هكذا ثم يستمر الموضوع، ابن أربع عشرة يُصبِح ابن عشرين ثم أربع وعشرين ثم ثلاثين، ولا يزال أيضاً عيلاً صغيراً، وهذا المسكين بهذه التربية المُشوَّهة التي شوَّهته إنسانياً قبل أن تُشوِّهه إسلامياً فعلاً – كما يُقال – أُصيب بهذا الداء العياء تقريباً – أصبح كالداء العياء – ولا يتعاطى مع نفسه بحس من المسئولية، أي لا يحمل نفسه محمل الجد، ما رأيكم؟ ليس عنده ثقة بنفسه، من أين؟ من أين تأتيه هذه الثقة وهو من ذاك اليوم ومن ذاك الزمان البعيد يُعامَل كعيل صغير ويُقال عنه الولد؟ قلنا لهذا الولد كذا وكذا، عشرون سنة عمره وتقول عنه الولد؟ ولد ماذا؟ كيف هو ولد؟ مثله كانوا يفتحون البلاد شرقاً وغرباً كما قلت في الخُطبة السابقة، مثله ملأوا الأرض علماً واكتشافات واختراعات وإبداعات وفلسفات، أبناء عشرين وخمس وعشرين سنة! كيف يُقال ولد؟ ما هذه الأمة المُشوَّهة؟

طبعاً لا يُمكِن أن يصدر عن هذا المنطق إلا شخص مُشوَّه، هو مُشوَّه أصلاً! هو عُومِل بهذه الطريقة وهو ينتقم، ينتقم مِن الثقافة، مِن المُجتمَع، مِن الماضي، مِن الأسرة، ومِمَن داس على كرامته وعلَّمه المهانة، هو ينتقم مِن كل ذلك دون أن يشعر، والمسكين بدل أن يُصلِح يُعيد إنتاج المأساة، يُعيد إنتاج المهانة! إن كنت قد أُهينت لِمَ تحرص على أن يستمر مُسلسَل الإهانة للغير؟ اقطع، قل لا، لن يستمر هذا الذي عانيت منه، ليكن لديك وعي بذاتك، أنني مألوم! أنا أشعر بالألم وبالغضب لأنني أُهينت.

بالمُناسَبة يا إخواني – الله أكبر – هل تعلمون كم كنا سنُوفِّر على أنفسنا، على أجيالنا، وعلى أبنائنا وبناتنا – والله – من مذلات ومرارات ومهانات ولوثات نفسية وسلوكات اجتماعية رديئة جداً وبشعة وشنيعة لو كنا فقط أخذنا بهذه الجُزئية البسيطة وعاملنا الطفل الصغير بهذه الطريقة؟! والنبي قال ليس منا مَن لم يرحم صغيرنا، قال يرحم! الصغير يُعامَل بالرحمة، والكبير يُعامَل بماذا؟ بالتوقير، يُوقِّر الكبير ويعرف لعالمنا حقه، وتحترم أهل الذكر والفكر، لأن أمة لا تصدر في أمورها عن ذكر وفكر ودراسات واستقصاءات وعلم حقيقي أمة مقضي عليها بالخسار، كما تخسر الآن هي، كما تخسر! لابد من رحمة الصغير، احترام الكبير وتوقير الكبير، وأيضاً معرفة قدر العالم، ليس العالم الشرعي فقط، العالم في كل الشؤون، في الفيزياء، الكيمياء، التاريخ، السياسة، الاجتماع، السيكولوجيا Psychology، وفي كل شيئ، هذا العالم! هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ۩، وأنت في كل الشؤون مُحتاج إلى هذا، لا تقل لي يُوجَد باب من أبواب المعرفة أو علم من العلوم لا نحتاج إليه، لا! الأمم لا تنهض ولا تسير ولا تكون إلا بالمعارف جميعاً، كل المعارف تلزمها، حتى الفلسفة التي ترون أنها حذلقة وتقولون هذه فلسفة وهذا يتفلسف مُهِمة جداً، الفلسفة مُهِمة جداً، وبالمُناسَبة الآن تسمعون مَن يقولون فلسفة علم الاجتماع، فلسفة الاقتصاد! لكن هذه ليست الفلسفة الميتافيزيقية بالطريقة الأرسطية والهيجلية والبنائية، لا! الفلسفة بمعنى البُعد أو الذهاب بعيداً وعميقاً في الكشف عن جذور الأشياء، في تحصيل الإطار العام، الصورة العامة للأشياء، الناظم للأشياء المُفرَّقة! وهذه الروح موجودة في العلم نفسه أيضاً، لكنها في الفلسفة أكثر، الفيلسوف يبدأ من حيث ينتهي العالم كما يُقال، فهو لا يزال أكبر تجريداً، الميزة الحقيقية التي ميَّزت الإنسان من القرود – أكرمكم الله – والبهائم والصراصير والديدان والحشرات وكل هذه المخلوقات الدُنيا كما يُقال هي القدرة على التجريد، أن تتجاوز دائماً الجُزئيات والمُتشخِّصات والمُتعيِّنات إلى شيئ أوسع وشيئ أبعد، باستمرار!

دائماً يُؤرِّقني يا إخواني – وأعربت عن هذا غير مرة – شعوري العميق بأن العرب بالذات – أعني الأمة العربية، الأمة الإسلامية فيها أمم أُخرى، لكن أعني الأمة العربية التي أعرفها وأنا منها طبعاً، الأمة العربية والعرب عموماً هكذا – لو نبشت حولهم ستجد أنهم لا يُؤمِنون في العمق – والعمق القريب – بأهمية العلم والفكر وبأهمية النظر وبأهمية الفلسفة، لا يُؤمِنون، كلام! لذلك لا يتعاطون بجد مع هذه الشؤون، ما رأيكم؟ لذلك ليس عندهم وعي، يُصابون بألف مُصيبة وبألف داهية ولا يعرفون بالضبط ما الذي آتاهم، ما الذي دهاهم، وما الذي يدهاهم الآن، ليس عندهم قدرة! لأنهم لا يُؤمِنون بقيمة الفكر والتحليل والتركيب والتجريد في فهم الأشياء، ليس عندهم قدرة! هذه الطريقة لا يعرفونها، وبالمُناسَبة هي غير شائعة في الخطاب، لا الخطاب المنبري ولا الصحافي ولا الإعلامي ولا الفضائي، غير شائعة! بعكس الذي يعيش – مثلاً – في ظل ثقافة أُخرى، خاصة الثقافة الغربية! يجد هذا شائعاً جداً جداً جداً، هذه اللُغة التنقيبية الاستقصائية العلمية التجريدية واضحة، واضحة في مقالات وعلى ألسنة وعلى أسنة أقلام الصحافيين فضلاً عن المُفكِّرين والفلاسفة والمُحلِّلين، واضحة تماماً، حتى في الإنسان العادي إلى حد ما، طبعتهم بالطابع!

مثلاً – بالمثال يتضح المقال كما يُقال – في الولايات المُتحِدة الأمريكية استشعر القلق كثير من علماء الاجتماع، من الطبقة أو من موقف الطبقة الميسورة المُتوسِّطة، هؤلاء المُتوسِّطو الحال – حالهم يسير بشكل جيد – تقريباً لا يُعرِبون عن حس أخلاقي حقيقي إزاء المسحوقين، الولايات المُتحِدة الأمريكية – USA – فيها تقريباً حوالي أربعين مليوناً تحت خط الفقر، فقراء! بلا بيوت، بلا مُرتَّبات، بلا تأمينات اجتماعية، وبلا كذا وكذا، شيئ مُخيف ومُقلِق، المُقلِق أكثر من هذا أن المُتوسِّطي الحال لا يتعاطون مع هذه المسألة وهذه الموضوعة بنوع من الجدية، يقولون ما علاقتنا بهذا؟ عجيب! لا يهتمون أبداً، لماذا؟ ليس لأن الأمر هكذا، لابد وأن نفهم لماذا، لأن هناك قيماً، هناك أفكاراً، وهناك معايير تُسيطر على الناس وتسطو بالناس، تُؤثِّر! انتبه فأنت مهما حاولت أن تتنكر للفكر والمعايير والأخلاق والفلسفة وما إلى ذلك رُغماً عنك أنت تصدر عن فلسفة ما في الحياة، حتى لو كانت فلسفة – أكرمك الله – كلبية أو هيدونية لذائذية أو عدمية نهيلية، تُوجَد فلسفة! يُوجَد موقف فلسفي عندك، وهو الذي ينظم أفكارك وينظم سلوكاتك، يُشكِّل المُنطلَقات الحقيقية لك في الحياة دون أن تدري، موجود! لكن وظيفة العلماء الآن إيجاد المُبرِّرات، هؤلاء علماء اجتماع وليسوا فلاسفة، لكن هذا نوع من الدرس الفلسفي بطريقة ما! قالوا نحن وجدنا مُبرِّراً من ضمن المُبرِّرات، لكن هذا في رأس المُبرِّرات! قالوا في ثقافة الولايات المُتحِدة الأمريكية المُعاصِرة يُوجَد معيار مُتفَق عليه ومُتسالَم عليه تقريباً بين مُعظَم الناس على الإطلاق، وهو أن كل مَن لديه الكفاءة واللياقة العقلية لأن يكون مُنتِجاً ولأن يكون فاعلاً ولأن يُحسِّن من ظروفه وينتهز ويقتنص ويستغل الفُرص المُتاحة لكنه لا يفعل لا يُتعاطَف معه، وهذه بلاد الفُرص! تُسمى هكذا حقيقةً، فعلاً فيها فُرص حتى أوسع من أوروبا، تُوجَد فُرص! تعرف كيف تشتغل وتعرف كيف تنطلق، تُوجَد فُرص! استغل إذن فُرصتك، هي بلاد الفُرص، كل مَن يبحث عن فُرصة حقيقية يذهب ويُسافِر إلى العالم الجديد، ويُحقِّق نفسه إذا أراد، فقالوا ما الذي يفعل؟ هو الملوم، هو المُخطئ في حق نفسه، فليتحمَّل! يكون بلا بيت، بلا تأمين، يموت، ولا يجد ثمن العملية، هو حر! في ستين سلامة كما يُقال، نحن غير مسؤولين، هذا موجود، ولذلك لاحظ علماء الاجتماع وجود شيئ مُعيَّن في الأسفل، في القاع! هؤلاء العلماء وجدوا أن من واجبهم الكشف عنه، البحث عنه والكشف عنه بالتالي.

وجدوا في موقف لا يتناقض مع هذا التقرير العلمي – بالعكس يتسق ويُؤيِّده ويدعمه – أن أبناء الطبقة أو أعضاء الطبقة المُتوسِّطة يدعمون – مثلاً – البرامج الحكومية للعلاجات الداعمة أو المجانية لأمراض مُعيَّنة، مثل عُسر القراءة لدى الصغار، أي الديسلكسيا Dyslexia، قالوا نعم، نحن مع هذا، لأن هذا الشيئ ليس بيده ولا بيد أبيه ولا بيد أمه، ويحتاج إلى دواءات علاجية مُعيَّنة وإلى تدريبات علاجية من نوع مُحدَّد، قالوا نعم، نحن مع دعم هذا، وكذلك مع مرض الزهايمر Alzheimer’s، قالوا نعم، هذا نحن ندعمه، لأن هذا ليس بيده، يُمكِن أن يكون رئيس وزراء ويُصاب به، ريغان Reagan أصابه هذا المرض، أليس كذلك؟ إمبراطور هذا، رئيس أمريكا! ويُمكِن أن يُصيب بروفيسور Professor كبير، عادي! يُمكِن أن يُصيب أي واحد هذا، قالوا نعم، نحن ندعمه، لماذا؟ لأنك غير مسؤول، الشيئ الذي كنت غير مسؤول عنه نحن ندعمه، ندعمه ونُشجِّع البرامج التي تدعمه، الشيئ الذي كنت مسؤولاً عنه تحمَّله على رأسك، هذا موجود! ولذلك لم يقتنع علماء الاجتماع بهذا المُبرِّر، لكن وظيفتهم علمياً أن يكشفوا عنه، هذا العلم الوضعي الآن وليس العلم المعياري، لا يُقال هذا ليس جيداً والمُجتمَع لابد وأن يكون مُتراحَماً، وإلا سندخل في المعيارات، لكن نحن لا نتحدَّث عن المعياريات، لا نُطلِق أحكامة قيمة، نُطلِق أحكاماً وضعية، نقول ما الذي يحدث فقط، لابد وأن نفهم في الأول ما الذي يحدث، وأحكام القيم يأتي دورها بعد ذلك لمَن يُحسِنها، هل هذا واضح؟

عندي هذا القلق، أننا لا نُؤمِن بدور الفكر، بدور النظر حقيقةً في تغيير الأوضاع وفي تغيير الأحوال، ولذلك انظروا إلى وضعنا، نحن نتحدَّث في هذه الخُطبة مثلما تحدَّثنا في الخُطبة السابقة، هي وصل للخُطبة السابقة التي كانت ذات طابع تربوي، في الميدان التربوي بالذات ربما نحن في أواخر الأمم التي تُؤمِن بدور العلم والفكر والدرس في التربية، علماً بأن هذا سبب خيباتنا، نحن أمة خائبة تربوياً، والله العظيم! خائبة جداً جداً جداً، أنت تُصدَم بزعامات وقيادات فكرية وروحية، بالمنطق الذي يصدرون عنه، بالأشياء، وبردود أفعال، شيئ غير لائق بالمرة، ما الذي حصل في هذه الأمة؟ غير لائق! وكما قلت مُقلِق، ومُقلِق جداً، وإذا لم تستشعر القلق فهذا بحد ذاته أحد أعراض المُشكِلة، وأنا أعرف أننا لا نستشعر القلق، لأننا نفعل العكس، نحن نُحِب وننثال انثيالاً على البرامج التي فيها سب وإقذاع وما إلى ذلك، نُحِب هذه الأشياء، تُوجَد مُشكِلة، تُوجَد مُشكِلة كبيرة لم نستشعرها بعد، لم نستشعر أنها مُشكِلة، نحن نُرحِب بانهيارنا، نُبارِك خيباتنا دون أن ندري أو ربما ندري وهذه مُصيبة أعظم، في القضايا التربوية بالذات ليس عندنا إيمان بدور الدرس، مَن الأب والأم العربي الذي يقول لابد أن أعمل لنفسي برنامجاً مُخصَّصاً في الدرس التربوي؟ لماذا؟ لأن الزوجة حامل، سيكون عندي ولد، سأستقبل ولداً! ذكراً كان أو أُنثى، فلابد وأن أعرف كيف أتعامل بطريقة علمية، كلام فارغ! حين تأتي وتعقد حتى مُحاضَرة وما إلى ذلك تجد أن قل مَن يُقبِل عليها، تجد مَن يقول لك هل ستُعلِّمني كيف أُربي أولادي؟ لا يعرف! هو – ما شاء الله – بروفيسور Professor، علّامة كبير هو! لكن هو خائب، أسلوبه في التربية خائب جداً جداً، لكن هو لا يرى أنه خائب، لا يرى أن كل الأشياء التي يدفعها أبناؤه للأسف هي ثمن ما فعل وما يفعل، لا يرى هذا! هو أحسن مُربٍ، لا يُؤمِن بدور العلم، كأن يقرأ كتاباً أو يحضر مُحاضَرةً، لا يُريد هذا للأسف، لكن آن الأوان أن نرفع شعار هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ۩، مع أننا أمة أعط الخبز لخبّازه كما يُقال، لا نعمل بهذا بالمرة، هذا المثل البسيط يُعالِج كل مشاكلنا بالمُناسَبة، لكننا لا نعمل به – والله العظيم – أبداً إلا قليلاً قليلاً قليلاً، وقليلٌ ما هم الذين يعملون به أيضاً، أعط الخبز لخبّازه، كلنا خبّازون بالمُناسَبة، ولذلك خبزنا كله سيء ومحروق ورديء، فآن الأوان أن نعود.

نرجع إلى رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، الشرع علَّمنا يا إخواني – والشرع كان مُتسِقاً مع هذا – أن الفرد ذكراً كان أم أُنثى إذا تكلَّف – بلغ سن التكليف – يجب أن يُحمَل محمل الجد، يجب أن تُعامِله جدياً! يجب أن تُعامِله كناضج مُكلَّف، مثله مثل ابن ستين سنة، انتهى! يجب أن تُعامِله باحترام، يجب أن تُعامِله باحترام بعيداً عن كل هذه الأساليب الظاهرة والخفية في إيصال الإهانة للآخرين، كما قلت في الخُطبة السابقة وربما بعد الخُطبة هناك مَن يقول يا بُني ويدّعي أنه رحيم، وليس عنده أي نوع من الرحمة، هذا كذب، ليس عنده! هو قاسٍ، أصلاً هو إنسان قاسٍ، قاسٍ على أولاده وقاسٍ في كل تعاملاته، ثم يقول لك يا ابني، هي نوع من الاحتقار، ليس أنه يتحبَّب، يقول لي يا ابني، لست ابنك، لست ابناً لك، وهو ليس ابناً لك، لا تقلها! هذا ولد عمره ست عشرة سنة، لا تقل له هذا، قل له يا أخي، يا أخي وليس يا ابني! هكذا أشعره بالاحترام، كما فعل رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام، لابد من الاحترام.

بعد ذلك لابد من التكريم للناس والتقدير، هذا لا يعني أنك تتصدَّق عليهم، كأنك تقول أنا أُريد أن أُكرِّمه، بمعنى الكرمنة، يُوجَد فرق بين التكريم والكرمنة، انظر إلى رب العالمين، الله كرَّم الإنسان وقال وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، هو بعد أن جعلهم من بني آدم انتهى الأمر، تقرَّر أنهم كُرِّموا بهذا، كان يقدر على أن يجعلهم من بني سعدان، لكن هؤلاء غير مُكرَّمين، أليس كذلك؟ أو من بني قردان، لكن هؤلاء غير مُكرَّمين، جعلهم من بني آدم، الإنسان – المُنتصِب هذا، الخالي من الشعر، صاحب العقل، الذي تعلَّم الأسماء، المنفوخ فيه من روح الله – مُكرَّم، انتهى! مُكرَّم هذا، مُسلِماً كان أو كافراً، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، هذه الخلقة، هذه النشأة، هذه النُسخة في الخليقة مُكرَّمة، كل ابن آدم مُكرَّم، هذا القرآن، هذه عظمة ديننا! وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ۩، كيف يكون الأمر حين يكون ابناً لآدم وأخاً لك في الوطن أو في الجماعة أو في البلدة أو في الحي وأخاً لك في الدين أيضاً؟ كيف؟ يجب أن يُكرَّم مثنى وثلاث ورباع، وتُظهِر هذا له.

فالتكريم يا إخواني ليس كرمنة، ما المقصود بكرمنة؟ انزع عليه كرامة هو مُفتقِر إليها، أي غير موجودة عنده، لكن هذا غير صحيح، هو مُكرَّم أصلاً، وما معنى التكريم إذن؟ الاعتراف، الاعتراف بالحقيقة الواقعة، أنه إنسان ذو كرامة، لا أُحاوِل أن أنتقص من هذه الحقيقة، لا أُحاوِل أبداً ولا أسمح لنفسي أن أمس بكرامته وأُلحِق به المهانة، وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۩، الله قال ما يُقابِل الكرامة الإهانة، وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۩، الكرامة والإهانة! إذا مَسَستَ وإذا مَسِستُ بكرامته فقد ألحق به إهانة مُباشَرةً، هذا واضح! فالكرامة أو التكريم ليس كرمنة، مُجرَّد اعتراف، هنا – انتبهوا فهذه فكرة فلسفية – تلتقي القيم وتلتقي الفضيلة بالحقيقة، تلتقي الأخلاق بالمنطق، علماً بأن هذا شيئ جميل.

كان من رأي أفلاطون Plato أن القيم الثلاث الحاكمة على الإنسان وفي الاجتماع الإنساني في الحقيقة دائماً تتفاتح وتتلاقي مع بعضها، ويُمكِن أن تتطابق أيضاً، عجيب! وما القيم؟ ثلاثة أنواع أو ثلاثة دوائر، كل القيم ثلاثة أنواع أو ثلاثة أبواب: الحق، الخير، والجمال، أي قيمة الحق، قيمة الخير، وقيمة الجمال.

قيمة الحق تبحث عنها كل العلوم التي تُريد أن تكشف عن الحقيقة، ليس فقط علم المنطق – الــ Logic – الذي يبحث عنه، قالوا يبحث عنه المنطق، وهذا غير صحيح، ليس المنطق وحده وإنما كل العلوم، حتى الفيزياء والكيمياء وما إلى ذلك، كلها! أي علم يكشف الحقيقة يبحث عن قيمة الحق، مثل كيف تتصرَّف المادة؟ ما هي المادة بالذات؟ كيف تتفاعل العناصر؟ هذه فيزياء وكيمياء، دخلنا في الفيزياء والكيمياء، هذه هي! هذه حقيقة، هذا حق، أما الخير فالخير هو الذي يجعلنا نحكم على أفعال الناس وعلى أفعالنا ويجعلنا ننشط وننبعث في الأفعال ضمن فئات مُعيَّنة، فئتان رئيستان منها: فئة خير وشر، جيد وغير جيد، جيد ورديء، جيد وسيء، أي الإخلاق، الحق والخير، الأخلاق! في النهاية هذه الأخلاق، وكذلك الجمال، جمال وقبيح، أفلاطون Plato كان من رأيه – وأنا مع هذا الرأي من سنوات – أن هذه الدوائر الثلاث تتفاتح وتتعاون وتتعاضد وتلتقي وفي بعض المرات تنطبق على بعضها، أنا أقول لك الآن هل تُريد من شخص مثل رسول الله أرسله الله بالحق وبدين الحق وبالحق أيضاً أُنزِل عليه وشُرِع له أن يتصرَّف تصرّفاً يمس فيه بشيئ من كرامة الناس أو ينقص به أحداً من الناس حقه وفضله؟ مُستحيل، لماذا؟ لأن هذا حق، والنبي رسول الحق، ليس فقط رسول الخير، وبُعِثت لأُتمم مكارم الأخلاق، هو أيضاً رافع لواء الحق، من الحق أن فلاناً قدره كبير وليس صغيراً، إذن فليأخذ هذا القدر الكبير مُباشَرةً، أبو بكر صدّيق الأمة، قالها النبي بالفم الملآن والضرس القاطع، صدّيق هذه الأمة، صدّيق! قالها النبي، ويُمكِن أن يستحق شيئاً آخر، أبو بكر الصدّيق كان لديه حرص كبير على أن يتوسَّع في الخيور والمبرات، ليس في خير واحد وإنما في الخيور، في أبواب البر كان حريصاً على التوسع، يُريد الآخرة، رجل فاهم! لم يأخذ الدين لكي يصيد به الدنيا، لم يفعل هذا أبداً، وظَّف الدنيا لكي يُعلي مقامه عند الله، يمهد لآخرته.

وفي يوم من الأيام – والحديث مُخرَّج في الصحيحين وفي موطأ مالك وغيرهم – يجلس – عليه الصلاة وأفضل السلام، انظروا إلى الحديث العظيم الجميل – ويقول لأصحابه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً – مَن أنفق زوجين في سبيل الله – أي يوم القيامة – نُوديَ من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خيرٌ، ما معنى مَن أنفق زوجين؟ مَن أنفق زوجين، أي اثنين من أي صنف من صنوف المال، أنفق شاتين، بعيرين، بقرتين، دينارين، درهمين، ثوبين، أي شيئين، أنفق زوجين! وبالمُناسَبة هذا معنى الزوجين، الزوجان لا يعنيان أربعة، لا! هذا زوج وهذا زوج، هل هذا واضح؟ الزوج وإليه آخر منه جنسه هما زوجان، أي Pair كما يقولون، هذا معنى Pair بالعربية، هل هذا واضح؟ هذا هو على كل حال، إذن مَن أنفق زوجين في سبيل الله – قيل هو الجهاد وقيل ما هو أعم من الجهاد في سبيل الله – نُوديَ من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خيرٌ، قيل ليست على التفضيل، أي هذا خيرٌ لك هنا مُعَدٌ لك، ليست على التفضيل! وقيل بل هي على التفضيل وهذا أرجح، أنا مرتاح إلى أنها على التفضيل، بمعنى أن كل ملك يقف على باب من أبواب الجنة الثمانية يُناديه يا عبد الله هذا – أي الباب – خيرٌ لك، أي في ظني وفي حسباني! أنا أظن أن هذ الباب – ادخل من هنا – سيكون أفضل لك وأمتع وألذ بإذن الله، أروح عن نفسك هنا، أي ادخل الجنة من هذا الباب، الملك الثاني في الحالة الثانية يقول له لا يا عبد الله، هذا خير، في ظنه هذا! لكن الملائكة لا تكذب، هو يظن أن الجنة من تلقائه ومن بابه ستكون خيراً بإذن الله، وهذا ظاهر الحديث! فهذا يعني أن الإنفاق عظيم جداً، النبي بدأ بالإنفاق، لم يبدأ بالصلاة ولا بالصوم، بالإنفاق! أصعب شيئين بالمُناسَبة إنفاق المال – كما قال الحسن البِصري – وقيام الليل، لذلك قرن الله بينهما في سورة الم السجدة، إنفاق المال وقيام الليل! الكلام – مثل الكلام هذا – أسهل شيئ، الكلام في الدين أسهل شيئ، تأمر الناس بالجهاد في سبيل الله وأن يموتوا في سبيل الله وابنك يتعلَّم في أمريكا وأستراليا لكي يحصل على أعلى الشهادات وأنت تأكل في ماكدونالدز McDonald’s، أسهل شيئ هذا! تتحدَّث عن الجهاد في سبيل الله، كلام! لا تُوجَد ضريبة على الكلام، يا ليت كانت هناك ضريبة والله، يا ليت يقترح أي برلمان ضريبة على الكلام، يزنون كلامك مع أفعالك ثم يقولون لك ادفع لأنك تتحدَّث كثيراً، والله سنُصبِح مُؤدَّبين جداً، الكلام كثير لكن الفعل صعب، الفعل الصحيح أن تُنفِق من المال، إنفاق هذا المال! أعط في سبيل الله، وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۩، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩، حارب الشُح الحاضر في النفس، وَأُحْضِرَتِ ۩، هذا معناها! حاضر وموجود دائماً، نحيزة، غريزة، وجبلة!

ومَن صلى نُوديَ من باب الصلاة، ومَن صام لله نُوديَ من باب الريّان، ومَن تصدَّق بصدقة نُوديَ من باب الصدقة، أبو بكر يسمع الكلام هذا، هل الجنة عندها فعلاً أكثر من باب؟ وأنت غير مُخيَّر، هذا بحسب أعمالك، أنت مُكثِر من الصيام ومن ثم تُدعى من باب الريّان، أنت مُكثِر من الجهاد ومن ثم تُدعى من باب الجهاد، أنت مُكثِر من الصدقة ومن ثم تُدعى من باب الصدقة، فالرجل هذا مُحِب للخير ومُتوسِّع فيه، فقال يا رسول الله هل من ضرورة على مَن دُعيَ من الأبواب كلها؟ أي هل هناك خسارة؟ هل سيخسر؟ هذا معنى الضرورة، الضرورة هي الضرر الآن، الضرورة بمعنى الضرر وليست الــ Necessity، هل من ضرورة على مَن دُعيَ من الأبواب كلها؟ ما من ضروروة على مَن دُعيَ من الأبواب كلها؟ هل يُدعى أحدٌ يا رسول الله من الأبواب كلها؟ قال له أنا مُتشوِّف لهذا الشيئ، أُريد أن أُدعى من هنا ومن هنا ومن هنا ومن هنا ومن هنا، أُحِب كل هذه الأشياء، انظر إلى هذا، شيئ جميل جداً! فقال – صلى الله عليه وسلم – نعم يا أبا بكر، هناك مَن يُدعى من الأبواب ثمانيتها، كلها! وإني لأرجو أن تكون واحداً منهم، أمام الناس! لم يقل هل أنت تتفلسف؟ هل تُعرِّض بنفسك؟ هل تُحاوِل أن تُصدِّر نفسك لنا؟ لم يقل له هذا أبداً، النبي يعرف أن هذه حقيقة أبي بكر الصدّيق، لنُعطه حقيقته، هذه حقيقته!

عمر بن الخطاب وهو خليفة قيل له يا أمير المُؤمِنين تمنى، وكل واحد جعل يتمنى، فقال أتمنى لو أن الله – تبارك وتعالى – رزقنا بيتاً كهذا البيت – بيت كبير! الله أعلم كم مساحته، ربما تصل إلى مائة أو مائتي متر مُربَّع – كله رجال أمثال أبي عُبيدة بن الجرّاح وفلان وفلان، قال أُريد هذا، لأن الأمم تقوم برجالاتها.

كم رجلٍ يُعدُّ بألفِ رجل                                 وكم ألوفٍ تمرُّ بلا عِدادِ!

ملايين لا قيمة لها، همل كهمل النعم، وهناك رجال هم الذين يُحيون أمتهم، يشقون لها طريقاً جديداً، يُبصِّرونها من عمى، يُسمعِونها من صمم، يبعثونها من خمول وسكون وشلل، ويُحيونها من موات! هؤلاء الرجال، وعمر قال أنا أُريد رجالاً مثل هؤلاء، هذا رجل مُهتَم بالأمة، ليس مُهتَماً بنفسه وبطنه وفرجه وأمواله وحسابه في البنك Bank، لا! رجل أمة، فالأمم تتحرَّك بهؤلاء العظام الأماجد، اللهم كثِّرهم في أمتنا، وباركهم يا رب العالمين، أرأيتم كيف؟ فهذا هو.

ولذلك كانوا – كما قلت لكم إخواني وأخواتي – شديدي الاعتداد بأنفسهم، لم يكونوا مُتكبِّرين ولا مُزدَهين، لكن يُوجَد اعتداد، يُوجَد احترام! مثل أبي بكر، عمر، عثمان، عليّ، وغيرهم، يعتدون بأنفسهم، يُوجَد احترام، يُوجَد شعور بهذا! وكما قلنا في الخُطبة السابقة الذي يحترم نفسه حقاً ويعتد بنفسه وحريص على هذا الشيئ يحترم الآخرين، ويُوفِّر كرامتهم، ويغضب إذا ديس على طرف واحد منهم ظلماً وبغياً وعدواناً!

جابر بن عبد الله – أعتقد أنه جابر – في الهجرة سألوه مرة ما أغرب شيئ رأيته يا جابر؟ مع أنه أنصاري، قال أغرب الأشياء التي رأيتها أو سمعت عنها هي أنني سمعت أن في بلاد الحبشة كانت هناك امرأة عجوز تمشي وجاء رجل فارس – على فرس – ووكزها هكذا فوقعت على الأرض، فقالت له ويلٌ لك من الجبّار يوم يضع الميزان، قال هذا شيئ عجيب، يتحسَّسون للظلم، يتحسَّسون للبغي على الضعفاء والمساكين، لم يتعلَّموا هذا الشيئ، على أي أساس فعلت هذا؟ ألأنها امرأة من السوقة ولأنك فارس فعلت هذا؟ هذا يُزعِجهم، النبي رباهم على هذه الطريقة، رباهم على هذه الطريقة وليس على تربية المهانة.

أعجب وأكرم من هذا – والله – ما فعله عليّ بن أبي طالب – عليه السلام – وهو أمير المُؤمِنين، عليّ بن أبي طالب – كرَّم الله وجهه – وهو خليفة يأتيه رجل في حاجة – المسكين يطلب حاجة وهو من فقراء المُسلِمين – فيأمر – أي عليّ بن أبي طالب – غُلامه أن يُطفئ السراج، هذا في الليل! أتى في الليل بعد العشاء، يا غُلام – قال له – أطفئ السراج، فأطفأ السراج، ذهب الغُلام فقال له سل حاجتك يا أخي، فالغُلام استغرب، لماذا؟ لماذا تُطفئ السراج؟ سأل حاجته فلباه، ثم انطلق الرجل راشداً، هناك فضول! فقال له يا أمير المُؤمِنين لِمَ فعلت ما فعلت؟ قال له كرهت أن أرى ذل المسألة في وجهه، يا الله! يا الله على أمة الكرامة، كانت أمة كريمة وكرَّمها الله، لا أُحِب – قال له – هذا، لا أُحِب أن أرى ذل السؤال فيمَن أتى لكي يسألني.

أعرف بعض الناس – والله العظيم – حين يُعطي ما يُعطي لا يُحِب أن يُشكَر، هو يقول هذا وأنا أُصدِّقه، يُقسِم بالله أنه لا يُحِب أن يُشكَر، كأن يرفع له الآخر سماعة – كما يُقال – لكي يشكره على الخدمة أو العطية، لا يُحِب هذا، قلت له لأنك إنسان مُحترَم، أنت مُحترَم! قال أنا لا أُحِب هذا، أشعر بأن فيها نوع من الذل للآخر، كأنه بذل ماء وجهه، كأنه انكسر، لا أُحِب هذا، انتهى! أنا عملت هذا الشيئ بدافع يعلمه الله وانتهى الأمر، هذا هو فقط، اعمل لله – كما يُقال – فقط، هذه أمة كرامة، هذه أخلاق الكرامة، ليست أخلاق المن، اليوم يُوجَد المن على جميع المُستويات يا جماعة، يُوجَد المن، تُوجَد ثقافة المن اليوم، ثقافة المن! أي واحد يُقدِّم خيراً لأحد يأتي ويقول لك لحم أكتافه من خيره، لماذا؟ هل أنت قمت بتربيته؟ ما هذا؟ أنت أعطيته مرة هدية أو ساعدته وما إلى ذلك، فكيف صار لحم أكتافه من خيرك؟ لحم أكتافه من خير أبيه الذي هو من خير رب العالمين، ما هذا المن الوسخ؟ لأن – كما قلت لكم – هذه ثقافة المهانة، ثقافة المهانة وليس ثقافة الكرامة!

يا إخواني علينا أن نُؤسِّس لثقافة جديدة، مع العلم بأن هذه الثقافة الكل – والله – معها رابح، لا أحد يخسر! وبالمُناسَبة لم أُوضِّح بالطريقة التي تشفي نُقطة الحق ونُقطة الخير، كيف يلتقيان في شخص رسول الله وفي إعطاء الناس ما هم عليه من فضل وقدر واعتبار؟ يا إخواني في الحقيقة – كما قلنا – فلان هذا قدره كبير، لذا لابد أن نُعطيه إياه، مع العلم بأن الكرامة والتكريم ليستا للشخص فقط، لمواهبه، لكفاءاته، ولإنجازاته، هل هذا واضح؟ بعض الناس ليس كذلك، يحترمك كشخص فقط، أي طولك وعرضك وما إلى ذلك، لكن كفاءاتك ومواهبك وإنجازاتك لا يُحِب أصلاً أن تُذكَر، ينبض له بها عرق يُؤلِمه في قلبه، هذا شعور بالصغار أيضاً، هذا الشعور بسبب عُقد نقص، لماذا هو ليس أنا؟ ما هذا؟ يا رجل الله قال نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ۩، بالعكس! خل رهانك على شيئ آخر.

يا جماعة انتبهوا، كما قلت الفكر مُؤثِّر جداً في الإنسان، ادرس أفكارك وبواعثك ومُنطلَقاتك ثم عالجها جيداً لكي تصير إنساناً مُمتازاً، وأنا أعتقد أن مُعظَم الناس على الإطلاق – مُعظَم الناس – يُحِبون أن يصيروا أحسن وأفضل وأكمل، أليس كذلك؟ هذا شيئ جبلي في الإنسان بالمُناسَبة، هذه نزعة أخلاقية في الإنسان، وهذه النزعة ليست تطورية كما يُحاوِل الماديون، بالعكس! هذه نزعة إلهية في الإنسان، هذه من أثر وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ۩، يُوجَد حس أخلاقي عند الإنسان، الإنسان بما هو إنسان يُحِب أن يُنسَب إلى الكمال، وإذا أمكن أن يستكمل الفضائل فإنه يُحِب هذا، جيد! ابدأ الآن، لكن الإنسان في الطريق يُريد مَن يلفته ومَن يُذكِّره ومَن يدله، أليس كذلك؟ لذلك تأتي هنا أهمية التعليم أيضاً والدراسة، كيف أعمل إذن؟ من أين أبدأ؟ كما يُقال عادةً ارسم لنفسك صورة، صورتك هذه الآن غير مرضية عندك في جانب من جوانبها، انتبه! لا تُوجَد مُشكِلة، ارسم لنفسك صورة أُخرى مرضية، قل أنا في هذا المُجتمَع – مثلاً – أُريد أن ألعب دور الحكيم، الناصح الحكيم، المُصلِح الحكيم، أُريد أن أكون مُصلِحاً لكي أُصلِح بين الناس، بين الأصدقاء، بين الآباء والأبناء، بين الأزواج، بين الجماعات، بين الفرق، وبين المذاهب، مُصلِح! أنا أُصلِح، أنا لا أُفسِد، لا أُشعِل الحرائق، أنا أطفّئ الحرائق، مثلاً ارسم لنفسك هذا، هل هذا واضح؟ وطبعاً هناك أُناس بالمُناسَبة يعيش الواحد منهم ويموت دون أن يسأل نفسه مرة عن صورته، مَن أنا؟ هو مُشعِل حرائق، لا يهمني أنك باسم الدين – باسم قال الله وقال الرسول – تفعل هذا، مُشكِلتك هذه! لكن أنت مُشعِل حرائق، هذا كل ما فعلته في عشرين سنة، الله أعطاك مكانة تُكلِّم الناس منها وبها يصل صوتك – منبر مُعيَّن مثلاً- لكن كل ما فعلته – والله العظيم – هو أنك أحرقت بلادنا أو ساهمت في إحراقها، أنت مُشعِل حرائق، شيئ تافه جداً وحقير! أليس كذلك؟ محقور جداً، لكن أنت ارسم الصورة المُعاكِسة، أنا زارع ورود، أنا مُوزِّع ابتسامات، سأُعالِج آلام الناس، أنا بلسم لآلام الناس، لمراراتهم، ولعذاباتهم – بإذن الله – أينما كنت، سواء كنت أقدر على فعل هذا بالمال أو بغيره، كما قال النبي إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، حتى لو كنت مليارديراً لن تقدر على أن تُلبي كل حاجات الناس المادية، سوف تذهب أموالك وتنتهي في شهر، المليارات سوف تنتهي في شهر! ولكن ليسعهم منكم حُسن الخُلق، طلاقة الوجه، البسمة، الوجه الجميل، والكلمة الطيبة مثل يا أخي، يا حبيبي، يا أستاذي، يا عمي، يا خالي، يا أبي، يا أمي، ويا خالتي، كُن مُؤدَّباً مع الناس، وحاول أن تُساهِم بالإصلاح، صورة ارسمها لنفسك! صورة الحكيم المُصلِح، إذا كنت تُريد أن تكون حكيماً فلا تتعجَّل، لا تتعجَّل حين تسمع خبراً، وإلا ستكون – كما قال علماؤنا – من أهل البداءات، أي بادي الرأي، حين يسمع خبراً يقول أرأيت مَن يقولون كذا وكذا؟ يا رجل هذا خبر، كلام فارغ! هذا مُجرَّد خبر في النت Net، وأنت من جماعة النت Net، هذا خبر في النت Net وما إلى ذلك فلا تتعجَّل، الحكيم يتريث دائماً.

إذا بلغك شيئ يسوءك – عن صديق لك أو عن جارك أو عن ابنك – فلا تتعجَّل، تمهَّل قليلاً، اهدأ! إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ۩، يُمكِن عم قريب أو قليل أن يتكشَّف لك أن هذا الخبر لا أساس له، أليس كذلك؟ ومن ثم ستقول الحمد لله، على الأقل لم أقع في هذا الإنسان، وفَّرت حُرمته وكرامته، لم أقل كذا وكذا، لم أتهمه ولم أُصفِّر وجهه، لم… لم… ولم…

ارسم لنفسك دوراً والعبه، سهلة! أليس كذلك؟ أقول هذا مثال، أُريد هذا لنفسي، أُريد أن أفعل هذا، لماذا لا؟ المُجتمَع رسم لك دوراً آخر بالمُناسَبة، وهو دور مهين حقير، انسلخ منه! قاوم هذا الدور وقل لا، لست كما ظنني أبي أو أستاذي أو المُجتمَع أو جيراني، لا! لست ذلك الوغد، ذلك الإنسان الكذا والكذا، بالعكس! أنا إنسان نبيل وإنسان كريم، سأكون نفّاعاً بإذن الله تعالى، هل هذا واضح؟

إذن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان فقط وفياً للحقائق، هذا هو! حين يُنزِل الناس منازلهم، يُعطي الناس أقدارهم، ويحترم الناس يكون وفياً مع الحقيقة، وكما قلت لك أنت لا تكون وفياً مع الحقيقة إذا احترمت شخص الإنسان فقط، تحترم شخصه وتحترم شخصيته، هناك الشخص وهناك الشخصية، أليس كذلك؟ هناك الشخص وهناك الشخصية! الشخص يتحدَّد بالأشياء التي تظهر في الهُوية الشخصية، أي في الــ Persönlicher ausweis، كاسمه، أبيه، أمه، طوله، عرض، ولون عيونه، هذا الشخص! هذا صحيح، لكن الشخصية تختلف، ماضٍ، حاضر، مُستقبَل واعد، إنجازات، أعمال، أشياء كثيرة جداً جداً، أفكار، تطلعات، رؤية في الحياة، وتجارب طبعاً بحلوها ومرها، هذه هي الشخصية! فأنا لابد وأن أحترم أيضاً الشخصية، أهم ما في الشخصية كما قلت الكفاءات واللياقات والإنجازات، ومن هنا يأتي مُصطلَح التكريم، المُؤسَّسة كرَّمت، المدرسة كرَّمت، هذا لا يعني كرمنة، هي تُكرِّم مَن أعربوا ومَن برهنوا كرامتهم، هذا هو! هذا حصل على المركز الأول، حصل على تسعة وتسعين فاصل تسعة من مائة، عنده لياقات هذا، ولد مُتفوِّق جداً! يجب أن يُكرَّم، ما معنى يُكرَّم؟ مرة أُخرى ليس يُكرَمن، كأن يُقال هيا نفعل هذا لكي نُشجِّعه، ما معنى أن نُشجِّعه؟ هذا ليس تشجيعاً فقط، هذا لابد وأن تعترف بما لديه، قل له أنت مُتميِّز، أنت الله أعطاك ووهبك أشياء ليست عند الكل، ليست عند أبنائي، ما شاء الله وتبارك الله، أنت فقط تعترف هنا، هل هذا واضح؟ أنت لم تُعطه شيئاً يفتقد إليه.

أين المُشكِلة – كما قلت – لكي نُوفِّر المهانات والعذابات؟ أنك لا تفعل هذا الشيئ، تقول ما معنى حصل على تسعة وتسعين فاصل تسعة من مائة؟ سوف نرى ماذا سوف يصير بعد ذلك في الجامعة، يا ربي على هذا المنطق! هل إلى هذه الدرجة أنت مُر؟ هل إلى هذه الدرجة أنت أصفر وأسود؟ ما معنى أنه حصل على تسعة وتسعين فاصل تسعة من مائة، هناك الكثير من الذين حصلوا على مائة في المائة ثم رسبوا بعد ذلك الجامعة! مريض أنت ومُلتاث، شخص مُعذِّب، مُعذَّب ومُعذِّب، تخلق العذاب للناس! هناك أُناس على هذا النحو بالمُناسَبة وهم كثرة، انتبهوا! هؤلاء خطيرون جداً في الحياة، والله العظيم! هذه خُطبة أو درس اليوم، والله العظيم! أهم شيئ أن يعرف هؤلاء أن هذا الأسلوب غير صحيح، وهذا الأسلوب – هذا ما ذكرته بعد خُطبة الجُمعة السابقة، مُهِم جداً أن نعرف هذا دينياً – مسؤول عنه يوم القيامة والله، ما رأيك؟ والله مسؤول عنه، أنا أحلف لك بالله العظيم وأعرف ماذا أقول، والله لتُسألن عن هذا، لا تظن أنك سوف تُسأل هل زنيت؟ أو هل سرقت؟ فقط، لا تظن أنك سوف تُسأل هل صليت؟ أو هل لم تُصل؟ فقط، لا! ستُسأل هل بهذه الكلمة التي فُهت بها وقذفتها في وجه الإنسان الذي كان مُحتاجاً إلى توفير وتقدير واحترام وتشجيع قصدت الخير أم الشر؟ ماذا كان قصدك؟ والله كان قصدي يا رب العالمين – طبعاً لا يُوجَد كذب على الله – سيئاً لأن ابني كان فاشلاً، ابني كان راسباً، لم يحصل على الماتورا Matura، وهذا حصل على تسعة وتسعين فاصل تسعة من مائة وأبوه كان صعلوكاً وأنا كنت أحسن منه، فأحببت أن أغيظه، لكن هل تعرف أنك بالكلمة هذه ربما ساهمت في تدميره؟ هناك أُناس تُحطَّم، بكلمة منك وكلمة من هنا وكلمة من هنا وكلمة من شخص في مُؤسَّسة غداً حطَّمتم أحدهم، ستُسألون عنه يوم القيامة وتبوءون بإثم تحطيم إنسان، اسمعوا الآن مولاكم رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – ماذا قال في الحديث العظيم الجميل، هذا الحديث لا ينزل عن رُتبة الحسن، بعضهم صحَّحه، رواه الترمذي وابن ماجه، عن أنس بن مالك، قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – إن من الناس ناساً – أي إن ناساً من الناس، أين الخبر؟ – مفاتيحُ للخير، مغاليقُ للشر، ما شاء الله! حين يعرف كلمة خير يقولها، يقول لو قلت الكلمة هذه سأفتح مجالاً أمام هذا الشاب – بإذن الله تعالى – لكي يصير شيئاً كبيراً، ومن ثم سأقولها.

أحد الحكماء الغربيين ماذا قال؟ كلمة ما أجملها! وما أعظمها أيضاً! قال أعرف أُناساً بلغوا ووصلوا إلى أبعد بكثير مما كانوا يُؤمِّلون من أنفسهم أن يصلوا، كان عندهم طموح وكان عندهم برنامج مُعيَّن وخُطة في الحياة، الواحد منهم كان يتوقَّع أن يصل إلى بُعد خمسمائة ياردة مثلاً، فهناك النجاح، لكن هو بلغ ألفاً، أي الضعف! لماذا؟ فقط لأن هناك مَن آمن أنهم يستطيعون، الله يسَّر لك ووضع لك أولاد حلال في طريقك، كان عندهم إيمان بأنك تستطيع أن تصل إلى ما هو أكثر من هذا، يقولون لك هل تظن أنك تستطيع أن تصل إلى خمسمائة فقط؟ هذا غير صحيح، أنت تستطيع أن تصل إلى ما هو أكثر من هذا، فتقول لهم أنا! فيقولون لك نعم، تستطيع أن تصل إلى ما هو أكثر، اعرف قيمة نفسك، قم وتحرَّك، أنت أكثر من هذا يا أخي، وإذا كان صغيراً المُتحدَّث إليه فالواحد منهم يقول له يا ابني، أنت أحسن من هذا يا ابني، سوف تصل إلى ما هو أكثر من هذا بكثير بإذن الله، سوف ترى هذا وسوف تتذكَّر كلام عمك، شيئ حلو هذا، يا الله! ما أحلاهم هؤلاء الناس! فقط لأن أُناساً آمنوا أنهم يستطيعون ذلك.

شجِّع في ابنك ليس فقط أن يتفوَّق بل وأن يُشجِّع المُتفوِّقين أيضاً، قل له اعترف بتفوقهم، وأكرمه على ذلك، ومن ثم سوف تُربيه تربية من أحسن ما يكون! هناك اُناس – أنا عشت مع أُناس على هذا النحو – ترى أن الواحد منهم يعيش مُراً ويموت مُراً وأولاده مرار مثله، لا يعترفون لأحد بشيئ ولا يُحِبون أن يعترفوا، نحن وفقط! يقولون نحن وفقط، لا أحد غيرنا يُمكِن أن يكون كذا وكذا، ما هذا؟ ما المرض هذا؟

جاء أحدهم إلى أمه وقال لها يا أمي لا تعرفين ما حقَّقته اليوم، فقالت له ماذا حقَّقت يا ابني؟ هذا جيمي Jimmy الصغير! قال لها اليوم أنا فزت بأحسن دور في الأداء المسرحي في المدرسة، قالت ما هو؟ قال لها تشجيع المُحسِنين، أخذته وأحضنته وهي تبكي من الفرح، ما هذا الجمال الذي في هذه الشخصية الحلوة؟ هذا الولد قال لم أكن أُؤدي دور البطل ولم أكن حتى أُؤدي دوراً على المسرح، لكنني كنت أُشجِّع المُجوِّدين في التمثيل، أنا أخذت أحسن دور، وفعلاً أحسن دور هذا! هذا ما يجعلك أجمل إنسان، هذا يُسمونه الذكاء العاطفي، الرحمة والجمال في الإنسان!

نرجع إلى رسول الله، وإن من الناس ناساً مفاتيحُ للشر، مغاليقُ للخير، والله العظيم -أُقسِم بالله – ما أحلى الفخر الرزاي حين تحدَّث عن أنواع السحر الثمانية! قال منها – ومن أفسدها وأضرها – سحر الكلمة، يأتي إليك ويفتل لك بين الذروة والغارب، وأنت لا تدري، يا غافل لك الله كما يُقال، يُفهِمك بكلمة أو بأُخرى أن امرأتك هذه لا تليق بك، أو تُفهمِك أن زوجك لا يليق بكِ، تقول لكِ أنتِ سيد سيده يتمنى ظفرك، ومن ثم تطلبين الطلاق، أسبوع والطلاق يقع! أقول لمَن يفعل هذا أنتَ يا إبليس وأنتِ يا شيطانة أمامك جهنم بإذن الله تعالى، وأن من الناس ناساً مفاتيحُ للشر، مغاليقُ للخير، فطوبى لمَن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل – النبي الذي قال هذا، هذا ليس كلامي – لمَن جعل الله مفاتيح الشر على يديه، كَن – هذا التحدي الخاص بك – كما قلنا، ارسم صورة كما قلنا، وقل في هذه الصورة قسمة مُهِمة جداً جداً، أن أكون مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، حتى في حق مَن أساء إلىّ أو أهلي أو أبنائي أو أتباعي، وألا أكون إطلاقاً – بإذن الله تعالى – مفتاحاً للشر، مغلاقاً للخير.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

روى الإمام الطبراني في المُعجَم الكبير من حديث جرير بن عبد الله البجلي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – أن عمر بن الخطاب – ويبدو أنه كان في خلافته، أي هذا الحدث وقع في خلافة عمر رضوان الله تعالى عليه – صلى بالناس – لا ندري الجماعة أو الجُمعة – فخرج من أحدهم ذلك الشيئ، أي الصوت المعروف، المسكين عنده انتفاخ أو عنده مُشكِلة في المراراة أو عنده برد، لا نعرف! خرج ذلك الصوت، وطبعاً لو هذا في مُجتمَع كمُجتمَع اليوم لجعلوا ينظرون وما إلى ذلك، مُجتمَع رسول الله لم يكن كذلك، في الحديث المشهور جداً وُصِف مجلس رسول الله، كيف كان المجلس الخاص به؟ عنده مجلس يومي رسول الله، يومياً يُوجَد مجلس وأُناس تذهب وتروح، قال كان لا تُنثى فلتاته، كان مجلسه لا تُنثى فلتاته! ما معنى تُنثى فلتاته؟ هناك فلتات، رجل يقوم بعمل حركة مُعيَّنة، رجل يخرج منه شيئ، رجل يفقد أعصابه في بعض المرات، يحدث شيئ، تحدث مُهاوَشة بين اثنين، فلتات هذه تحدث في المجالس! هذه تُدفَن في مكانها، لا يخرج أحد ويقول هل رأيتم ما الذي حصل اليوم في مجلس رسول الله يا جماعة؟ آخر الدنيا هذه، القيامة سوف تقوم، في مجلس الرسول سبه وقال له أمك كذا وأبوك كذا، لا يُوجَد الكلام هذا، لا يُوجَد! هؤلاء كبار، وهذا مُهِم جداً جداً، لابد وأن نتربى وأن نُربي تربية فيها نوع من النضوج، لابد وأن نكون كباراً، لابد أن نُشعِر أنفسنا بأننا كبار، نحن لسنا صغاراً، لسنا أولاداً ولسنا خفافاً، هناك رزانة وهناك رصانة، انتهى! غلطت حصلت والأمر انتهى، كأننا لم نر ولم نسمع، الكريم من شأنه ماذا؟ نحن نتحدَّث عن الكرامة اليوم وعن المهانة، من شأن الكريم الإغضاء والتغافل، كأنني لم أسمع وكأنني لم أر، كأنه لم يحدث! هذه تربية الكرامة، هذا كريم.

يُقال عن مُفتي دمشق في وقته – روَّح الله روحه في عليين – قبل زُهاء ستين أو سبعين سنة، أن جاءته امرأة – امرأة مستورة بنقابها جاءت مع جارة لها أو صديقة أو أخت – تسأله في مسألة، قالت له يا سيدي أنا فلانة زوجة فلان وما إلى ذلك، ثم خرج من المسكينة صوت، فصارت في حيص بيص أمام المُفتي وما إلى ذلك، فقال قلتِ ما اسمك يا أختي؟ قالت فلانة يا سيدي، فقال ما اسمكِ؟ ارفعي صوتكِ، لا أسمع يا أختي، فطبعاً سُري عنها، المسكينة كأنما أحياها من موت، افتعل الرجل، كأنه لا يسمع فعلاً، حتى لا يُحرِجها، لو حصل هذا اليوم مع شخص سخيف صغير لقال لها هذا عادي يا أختي، هذا حدث في مجلس رسول الله، أخرج الطبراني كذا وكذا، خرَّب الله بيتك! طبراني ماذا؟ يُريد أن يُعيطها درساً لكي يُفهِمها أنه يفهم وما خرج منك أمر عادي، لا تخافي، يحدث في أحسن العائلات، ما هذا الكلام الفارغ؟ هل أنت أهبل؟ لكن هذا المُفتي قال لها ماذا قلتِ؟ ما اسمكِ؟ فانبسطت المسكينة، بارك الله فيه، هذه ربما تكون أحسن له من عبادة عشرين سنة، والله العظيم! قسماً بالله تصفير الوجوه من أكبر الكبائر، لابد من جبر الخواطر، كريم الذي يجبر الخواطر عند ربه عز وجل، كريم جداً! اجبر خواطر الناس، كلمة مُجامَلة من غير كذب ومن غير تملق لوجه الله، ارفع بها معنويات أحدهم، لا تُحطِّمه! شيئ حلو هذا، وهذا من الدين بالمُناسَبة، هذا من الدين!

على كل حال يقول جرير فخرج من أحدهم ذلك الشيئ، عمر بعد أن سلَّم قال عزمت على مَن خرج منه الصوت إلا قام وتوضأ وأعاد الصلاة، يا أمير المُؤمِنين هذا الرجل المسكين سيذهب في ستين داهية! لماذا هذا؟ لم يقولوا عمر بن الخطاب مُلهَم، هو فاروق الإسلام الذي وافقه القرآن في مواضع وما إلى ذلك، ومن ثم انتهى الأمر، لا! تُوجَد استقلالية في التربية، قال – جرير راوي الحديث – فقمت وقلت له يا أمير المُؤمِنين أو تعزم – قال له أنت هكذا عزمت، أهلاً وسهلاً، لكن هناك خيار آخر – على مَن سمع الصوت إلا قام وتوضأ وأعاد الصلاة، قال نِعِمَّا ما قلت، أي نِعْمَ ما قلت، نِعِمَّا قلت، جزاك الله خيراً، قال له كلامك أحسن من كلامي، مَن سمع؟ عمر سمع ومَن معه، كل مَن سمع سيقوم ويذهب لكي يتوضأ، يا الله! هل تُريد أن يتوضأ سبعين أو ثمانين شخصاً ثم تُريد منهم أن يُعيدوا الصلاة؟ هذا كله من أجل ماذا؟ من أجل كرامة شخص واحد طبعاً، من أجل كرامة شخص واحد! أرأيتم المُجتمَع العظيم؟ أرأيتم كيف كان المُجتمَع كريماً؟ لم يكن كريماً لأنه غزا الغزوات وأتى بالفتوحات وجلب الجواري والعبيد، لم يكن كريماً بهذا السبب، كان كريماً بهذه الأخلاق، بهذا الرقي الإنساني، بهذه المعايير العالية الحاكمة عليه، على رجاله ونسائه وسلوكاته، إذا كنا نُريد الكرامة فهذا الشيئ من سبيل الكرامة.

اللهم أكرمنا ولا تُهِنا، وأعطنا ولا تُحرِمنا، وزِدنا ولا تنقصنا، اللهم إنا نسألك في هذا اليوم الكريم في هذه الساعة المُبارَكة من هذا البيت من بيوتك ألا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا بائساً ولا يائساً ولا محروماً برحمتك يا أرحم الراحمين.

اشف مرضانا، وتولنا في كل أمرنا، وارحم موتانا، ورد غائبنا، وأطلِق أسيرنا، واقض الدين عن مديننا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واقض لنا بالخير، ويسِّر لنا الخير، وأسبِغ علينا النعمة، واجعلنا لك فيها من الشاكرين، ولآلائك على الدوام من الذاكرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩،

_________________

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (6/10/2017)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: