لمياء الشريف كاتبة سعودية
لمياء الشريف
كاتبة سعودية

هل تلتقي السعادة والطمأنينة مع الألم !؟ وهل بالإمكان أن تتصالحا معه !؟ وهل يتصالح النقيضان!؟

كتب كلا من أندرو نيوبرغ ومارك ولدمان في كتابهما الشيق (الكلمات تستطيع ان تغير عقلك) (Words can change your brain) عن دور القيم الانسانية وعلاقتهما المباشرة مع الحالة النفسية للإنسان  ” إن التفكير في القيم الشخصية يمكن أن تُبقي الاستجابات الهرمونية العصبية والنفسية للإجهاد عند مستويات منخفضة “.

فبالإمكان إذاً تخفيف الإجهاد وتهدئة المشاعر السلبية اذ تسامت القيم الانسانية وارتقت الأنفس وتناغمت وتصالحت مع هذه المشاعر القوية والمتنوعة والنقيضة…..بين مشاعر الالم والسعادة…..بين مشاعر الوجع والراحة…. فهل هذا التصالح يُعد مِن تمام الأخلاق أيضاً كما وجه به رسولنا الكريم (ص) قائلاً: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ). كيف نَخلُق هذا التناغم ونغذيه !؟ وهل هو تناغمٌ أم خداع أنفس!؟ هل هو ذلك التناغم الجميل الذي يعترينا عند حسن الظن بالله، وعند الصبر على الشدائد، وهل هو ذلك التناغم الذي نسمو به عند اليقين بفرج الله!؟. نعم هو كذلك، قال تعالى ( وذلك دين القَيِّمة)، دين الاستقامة والقيم.

فلقد أشار كلا من أندرو ومارك في كتابهما أيضاً  ” اننا عندما نتصل ونتصالح مع ما هو أكثر وضوحا واهمية في حياتنا، تقل درجة التشتت الذهني عندنا والتي تحصل من جراء المشكلات التي تحدث ونمر بها على مدار اليوم “.  هل هذا الوضوح في حياتنا هو اليقين؟…. اعتقد ذلك!!

فاليقين! منارةُ ضياءْ…..تنيرُ لنا الطريق وتحدد لنا المسار، حين نميل ونتيه في غَمام الحياة، نلتطم بمتاعبها وبآلامها، فباليقين نرجِع ونستقيم ونرسم الدروب ونقلل الأضرار.

إن الدكتور محمد الغزالي رحمه الله يقول في كتابه “جدد حياتك” ؛ (حياتك من صنع أفكارك؛ سعادة الإنسان أو شقاوته أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه وحدها. إنه هو الذى يعطى الحياة لونها البهيج، كما يتلون السائل بلون الإناء الذى يحتويه، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط ). تأملت كلمات شيخنا الكريم الغزالي ووجدت انها تطابق اوصاف قِلة من الناس ( نعم قلة للأسف الشديد) كانوا قد قضوا يومهم كله في معركة مع الحياة مع خيرها وشرها، مع حلوها ومرها، وهم يعلمون انهم إن احياهم الله بإذنه في اليوم الثاني سيتابعون هذه المعركة، ولكن تراهم يستيقظون وهم طافحون ومتيقنون بأمل السعادة والحب والتصالح مع الجديد القادم والمبهم المجهول……..

هذا هو عين الرضا واليقين.

يقال ضربُ الأمثال يُكمل المقال ؛ فمن الأمثلة الجميلة واللطيفة لتلك الشخوص والتي مازلت أحاول فك طلاسمها، شخصُ (ابن بطوطة الزمان) عزيزنا الدكتور احمد العرفج، بعضكم يتساءل ويقول !!!! مابال هذه السيدة!!!؟  وهي تكرر وتستشهد وتتابع إبن بطوطة العرفج  بذلك الاهتمام والملاحقة…..أرد عليهم قائلة؛ لا والله ليس تملقاً ولاتشدقاً !!!!… ولكن دعوني بالله عليكم أطرح سؤالا عن استحياء، لعله سؤالا استنكارياً بعض الشئ!! … كم من متشائم متخاصم وبائس كئيب (ذاك الانسان السلبي) مر ومازال يمر عليكم في حياتكم!؟ مرور السيل اذا حدر ! يمر من أمامكم وورائكم وعن يمينكم وعن شمالكم!!!؟؟. هم كثر!!! أليس كذلك!؟ …إذاً فإني احسب نفسي محقة بإستشهادي بشخصِ العرفج فانه استشهاد مقبولٌ مطلوبٌ مطلوبْ، فهذه الشخصية تعتبر ظاهرة جميلة أتت في وقتها وزمانها، شخصية تبث السعادة والايجابية والامل، في زمن الحزن و السلبية والالم….هؤلاء هم المتصالحون وهؤلاء هم الايجابيون، فأجعلوهم فيما بينكم وحواليكم. وهاأنا بدأت بدائرتي المقربة وقائمتي الخاصة بي، لايضاف إليها إلا أولئك المتصالحون والإيجابيون، فهي تمتلئ ببطءٍ وتؤدة بفضل الله.

لقد سئمنا ووجلت قلوبنا من أؤلئك المتخاصمون مع كل شي موجود او حتى الغير موجود في هذه الحياة. وياليتهم يعوا!!! ان الحياة ماهي الا كالحلم!!!!، ماأن نستيقظ منه حتى نجد أنفسنا في عالم الحق والحقيقة، وكأنها كانت سويعات فقط .

لنرجع…

حدثني مرة صديق عزيز، يسرد قصته باستغراب شديد مُستغربٌ منه….. إنه عندما كان يودع صديقه على فراش الموت، كان صديقه المريض يتكلم ويردد كلمات الحب والامل والتفاءل والسعادة، لعلمه ويقينه الشديد إنه قد بدأ مشواره وطريقه الى عالم الإله الحبيب والرحيم….ذاك العالم الجميل والسعيد، عالم الحق، منتهيا وخاتما به الى يوم الدين والحساب مع رب رحيم.. إستغرب هذا الصديق الزائر .. بل إستنكر على المريض سعادته !! لانه يعتقد انه من المفروض وكما عهدنا دائما في مجتمعاتنا ان يكون شعور المريض وحاله عكس ذلك….خوفٌ وبكاءُ نحيبْ،….يأسٌ وذِلةُ سليبْ.

عجباً!! بتنا نُلصق بالله جل جلاله صفة المعذب والقاهر والغضيب، وكأننا نحن همُ الكافرون المجرمون العصاة العتاة الذين قد ذكرهم الله في التنزيل الحكيم، وأعدّ لهم أقسى العذاب الأليم !!!

عزيزي الانسان كن واثقا وغنيا بالله وتأكد بأن إلَهك الكريم إلهٌ رحيم، ارحم بك من نفسك! عليك ان تعمل وتسعى لمعرفته اكثر ….ستجد طريق الصراط المستقيم، طريق الخلاص الروحي والعقلي….. حينها حتما بإذن الله ستشعر بتصالحٍ مأمولٍ منشودٍ مع آلامك ومعيشك….

فالإيمان ياعزيزي هو حالة من الهيمنة الكاملة على العقل والروح والوجدان، فهو سكينة المؤمن وثباته وقدرته على احداث التغيير. فبالايمان تنتصر لنفسك وللناس، وهو صلح وإصلاح لنفسك وللناس ايضا. ( هذا مختصر مقتطف بسيط من خطبة د. عدنان ابراهيم اسمها مرآة الله، انصح بها، قال فيها أيضاً؛ إن الإيمان رقية نافعة للآلام والأوجاع ).

ونهاية أقول، لست انا تلك الداعية او المصلحة، ولكني سأفترض انني هي وسأدعوكم من هذا المنبر المتواضع الى محاولة التصالح والمجاهدة مع أنفسكم ومع محيطكم لنتمم هذه القيم الاخلاقية والانسانية التي توارثناها، لعلها تكون الحصن المنيع والحاضن الوسيع في هذه الحياة، والتي هي جنة الله الكريم في الارض؛ فمن أراد بِنَا الفقر والالم، استعذنا منه ومن جنوده شياطين التعاسة والسلبية والكسل. ولنكن أغنياء بالله،منفائلون وايجابيون ولنأخذ بنصيحة ملاك الرحمة والامل والسعادة محمد ابن عبدالله (ص) حين ارشد قائلاً فأروا الله من انفسكم خيرا )،

فهل يلتقي ويتصالح النقيضان!؟.   ‪

‪نعم ، بالإيمان واليقين.

 ‎المرجع لكتاب السيدان أندرو نيوبرغ ومارك ولدمان  Andrew Newberg & Mark Robert Waldman. “Words Can Change Your Brain.” Penguin Group

صحيفة أنحاء

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقان 2

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: