إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ:

وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ۩ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۩ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ۩ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۩ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ۩ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

في الكتاب المقدس في البدء كانت الكلمة، ويبدو أن الحقيقة أن الذي كان في البدء ليس الكلمة وإنما المعلومة، وهذا يدخلنا مباشرةً أو يذهب بنا إلى معضلة أو محارة الدجاجة والبيضة أو البيضة والكتكوت أيهما أولاً؟ وفي الحقيقة لا هذا ولا هذا، المعلومة أولاً، فالذي كان أولاً ليست البيضة وليست الدجاجة وليس هذا ما يهم، إنما المعلومة أو المُخطَط أو الفكرة، ونحن الآن كما ترون وكما تعيشون في الحقيقة وبالأحرى نعيش في عالم المعلومات وفي عصر المعلومات وفي عصر ثورة المعلومات، فالدول السبعة المعروفة بمجموعة السابعة – الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، المانيا، كندا، ايطاليا، واليابان – سبعون في المائة من دخلها يأتي عن طريق المعلومات، أي سبعون في المائة من اقتصاداتها عن طريق المعلومة، فإذن المعلومة تساوي مالاً وتساوي دخلاً، لكنها تساوي أيضاً إبداعاً وإنجازاً وتقنيات وحضارة ومدنية وتغيير لوجه الأرض، فهذه هى المعلومة، هذه المعلومة التي تنفجر الآن، لا نقول تتطور أو تضخم وإنما تقفز قفزات انفجارية أو تنمو نمواً أُسياً، في ألفين قُدِر حجم المعلومات الذي راكمته البشرية في تاريخها الطويل باثني عشر إكسا بايت Exabyte، والإكسا بايت Exabyte الواحد يساوي عشرة أس ثمانية عشر بايت Byte، والإكسا بايت Exabyte الواحد الذي هو عشرة أس ثمانية عشر بايت Byte يساوي خمسين ألف سنة – ليس ساعة وإنما سنة، فاضرب إذن في عدد سنوات وفي عدد الأشهر وفي عدد الساعات يومياً – من الفيديو عالي الجودة High quality، هذا هو الإكسا بايت Exabyte.

كان لدينا في ألفين وثلاثة اثن عشر إكسا بايت Exabyte، في ألفين وعشرة لدينا تسعمائة وثمانية وثمانون إكسا بايت Exabyte، من اثني عشر إلى تقريباً ألف، الألف إكسا بايت Exabyte هو الزيتا بايت Zettabyte، فإذن دخلنا عصر الزيتا بايت Zettabyte وهذا شيئ مذهل ومخيف، فالمعلومات هى التي تغير كل شيئ وهى التي تكشف أيضاً أو تطوق وتهفو إلى أن تكشف عن كل شيئ، وفي نهاية المطاف لن يُكشَف كل شئ، هذا مستحيل طبعاً، نحن في نهاية المطاف بعض شيئ في هذا الكون الذي قد يكون بعضاً من أكوان متتعددة أو متوازية أو متراكبة، فيبقى التراب تراباً ورب الأرباب هو رب الأرباب لا إله إلا هو، لكن هذا هو الطموح الإنساني بسر وفاعلية وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩، فيطوق الإنسانإلى أن يناظر فضلاً عن أن ينازع ولكن في هذا الطوق الإلهي لأن يعرف ولأن يفهم ولأن يكشف، كثير جداً من الأبحاث العلمية والتي تبدأ مُكلِفة جداً كما تبدأ أيضاً غير واعدة بأشياء عملية وأشياء لها عواقب أو توالي أو نتائج عملية إنما لمجرد إشباع الفضول المعرفي عند الإنسان، فنحن نريد أن نعرف أكثر، نريد أن نعرف كيف بدأت الحياة وكيف بدأ الكون وكيف يسير هذا الكون وما مصير هذا الكون، نريد أن نعرف ليس فقط حاضره وليس هذا الجزء من الكوزمولوجيا وإنما ماضي الكون أيضاً السحيق منذ البداية وأيضاً المستقبل البعيد حتى النهاية، فهذا هو البشر وهذا هو الإنسان، وبقدر ما فيك من هذا الطوقان ومن هذا العشق أو التعشق ومن هذه اللهفة المعرفية أنت إنسان، وبقدر ما تفقد أو تضمحل أو تتلاشى فيك هذه القوة اللاهفة والعاشقة تخف وتضمحل إنسانيتك وتفقد أنت الميزة الفارقة التي تميزك من بين سائر العجموات التي توجد لتعيش وتأكل وتتناسل ثم تموت، فهى ليس لديها هذا الطوقان المعرفي البتة، مُنشيء العلوم والأفكار والفلسفات وزارع علامات الاستفهام هو الإنسان وليس الحيوان.

إذن نعود من حيث ابتدأنا، في البدء لم تكن الكلمة وإنما كانت المعلومة، ولعلي حدثتكم من قبل وفي أكثر من مناسبة ربما عن قضية النقل الآني للمادة وليس للطاقة وإنما للمادة Teleportation، وطبعاً هذه الفكرة بتبسيط شديد لأنها ليست موضوع الخطبة تساوي أو خلاصتها أو فحواها أن التصوير المعلوماتي لكل ما يتعلق بجزيء معين أو بجسم معين وقد يكون جسماً كبيراً في حجم قطة وربما في حجم إنسان وربما حتى أكثر من هذا في يوم من الأيام – هذا في علم الله تبارك وتعالى – يعني أن هذا التصوير الدقيق لكل الحقيبة المعلوماتية ولكل حقيبة المعطيات الخاصة بهذا الجسيم يساوي في النهاية إمكانية إعادة إنشائه بعيداً في مكان آخر حين يفنى هو هنا، فإذن المعلومة، ولذلك الموجود – Being – يساوي المعلومة، وفي نهاية المطاف أنت في حقيقتك مجرد معلومات متراكبة ومشتغلة بشكل ما، وكل شيئ في الوجود هكذا من الذرة حتى المجرة، فلابد من المعلومة، العجيب واللافت والمُطرِب المُعجِب على طريقة أدباء العرب الكلاسيكيين – يقولون المُطرِب المُعجِب – أن القرآن الكريم تناول هذه القضية بوضوح تام، والمؤسف المُحزِن أن المسلمين إلى اليوم لم يتنبهوا إلى هذه الحقيقة مع أنهم يعيشون في عصر المعلومات وفي عصر التجارب الأولية الواعدة للـ Teleportation التي تفهمنا بضربة واحدة أن الوجود يساوي معلومات، فأن توجد معناها أنك معلومات، هناك معلومات ما موجودة، طبعاً البداهة والـ Common sense – كما يُقال – والحس السليم عند أي إنسان حتى وإن كان خالياً من التعلم والتهذيب والتثقيف تقضي بأن مصدر المعلومات لابد أن يكون مصدراً ذكياً طبعاً، فالمعلومات التي تشتغل والمعلومات الفاعلة والمعلومات التي تؤدي إلى الإبداع حتماً لابد أن يكون مصدرها دائماً مصدراً ذكياً، هذا هو الأمر بكل بساطة، فالطريقة التي نفسر بها الوجود جعلوها معضلة فلسفية – معضلة للمؤمنين ومعضلة للملحدين – في حين أن هذه الطريقة البسيطة لا يستطيع ولن يستطيع أعتى الملاحدة أن يخرقها وأن يتجاوزها، وسوف أثبت في نهاية أو في أثناء الخطبة هذه المقولة لهذه الطريقة،والقرآن تضمن هذا البرهان في عشرات الآيات، قال الله أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ۩، لكن علينا أن ننتبه إلى أن الحديث هنا ليس عن الإيجاد والاختراع من عدم وليس عن كُنْ فَيَكُونُ ۩ وإنما عن الخلق، وهذا الذي لم يتنبه له المسلمون بالقدر اللائق والكافي، فالحديث عن الخلق هنا، ولكن قد يقول لي أحدكم أن هذا هو الخلق وهذا غير صحيح، فانتبهوا لأن الخلق في أصل الوضع اللغوي وفي آيات كثيرة جداً من كتاب الله ليس هو الإيجاد من عدم، هذا إسمه التكوين، فهذا في القرآن الكريم إسمه التكوين ولذا الله يقول إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ – تُوجَد مهلة هنا – قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۩، فلكي يكون عيسى ويوجد ولكي يكون هذا المنبر ويوجد ولكي تكون تلك المجرة البعيدة وتُوجَد ولكي يكون هذا النجم القريب ويُوجَد وإلى آخره فهذا ناتج عن أمر التكوين – كُنْ فَيَكُونُ ۩ – الآن، لكن هناك شيئ أهم من التكوين وأهم من الانبثاق – Emergence – من العدم، فما هو إذن؟ المعلومة والخلق، لكن ما هو الخلق في اللغة؟ انبتهوا نحن الآن لا نفتأت ولا نتمحل ولا نسقط على كتاب الله معاني نريدها دفاعاً عن الإلوهية أبداً، وإنما نحن نقرأ القرآن بعيون العرب وبمعجمية العرب وبلغة العرب، في لغة القرآن أن الخلق هو التقدير،فالخلق في الأصل ليس الإيجاد وليس الاختراع، وإنما هو التقدير؈A أبي بكر بن العربي المالكي وابن الحَصَّار العالمين الجليلين ال7ذه الخطة الزرقاء الخاصة بالمهندسين – في رأسك تتعلق بالشيئ، ليس فقط بطوله وعرضه وعمقه ومن ثم المساحة والحجم بل بما هو أكثر من هذا وبكل ما يتعلق به، فإذا تعلق الأمر بشيئ يوجد من عدم – مادياً هذا الشئ كان أو عضوياً Organic مثل المتعضية أو الكائن حي – فلابد أن يكون التقدير لكل المعلومات الوافية والكافية إذا تم تشغيلها بأمر التكوين كُنْ ۩ تكون صالحة لكي يوجد هذا المخلوق، فإذن القضية برمتها أين تكمن؟ تكمن في ما قبل أمر التكوين، فأمر التكوين هو الأسهل بالنسبة لنا، عند الله كله سهل – %D سهلة بالنسبة له وإن كانت صعبة على الآخرين، لكن أين هذا التقدير من التقدير الذي أوجد الأشياء وأعطاها %Dز الله ويتعياه – حاشاه لا إله إلا هو – طبعاً، إذن الله يقول إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ – أي قدَّره حيث يُوجَد تقدير هنا – ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۭ9ت بغيبة العقل والدخول في ظلام الجنون – نيتشه Nietzsche كان يصرخ مستغرباً ويقول لماذا لا يت%8ل فضلاً عن النقل أن لا يُمكِن لأي أحد أن يُوجِد شيئاً من عدم، وهذا مبدأ لافوازييه Lavoisier في الكيمياء، لافوازييه Lavoisier الذي أعدمته الثورة الفرنسية لا در درها لأنها أعدمت طائفة من العلماء، فالأشياء لا تفنى ولا تُستحدث، والمادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، لا تُ%كير ويرون فعلاً أنه سدد ضربة قاسمة 9ر أصD9اولى وبعد ذلك تركها لكي تتناسل ذاتياً بآلية الانتخاب الطبيعي.

النمساوي جريجور مندل Gregor Mendel عاش معاصراً لدراوين Darwin في نفس الحقبة، وهذا الراهب النمساوي العبقري له كتابات ودراسات الراهب – هو مؤسس علم الوراثة الحقيقي – وصلت إلى داروين Darwin لكنه في الحقيقة لم يفتحها، فهى موجودة في مكتبته ولم ولا أقول ذكي ولا عاقل حتى لأنه هو مصدر العقل والذكاء أصلاً، فكل ما في الوجود من عقل وذكاء هو فيض مما لديه – لا إله إلا هو – من علم وحكمة، فهذا يفسر إذن، لكن الطبيعة المادية لا تفسر ذاتها ولا تستطيع أن تفسر ذاتها، ولكي تفسر شيئاً لابد من مصدر للمعلومات، والمسألة كما قلنا التي تتعلَّق بظهور الأشكال وظهور الأشياء وظهور الكيانات – Entities – والأشياء الموجودة حية أو غير حية دائماً مسبوقة بالمعلومات، ولذلك لما ذهب الله – عز وجل – يتحدى لم يتحد بالتكوين، فلا تُوجَد آية يتحدى الله فيها البشر بالتكوين مع أنه قدار ولائق أن يتحداهم بالتكوين لكن هم سيترحلون ويقول لك الواحد منهم أنا أكوِّن أيضاً وأنا اخترع، ويُوجَد إبداع فني اليوم وإبداع تقني، ونحن الآن أوجدنا على الأرض أشياء كثيرة لم تكن موجودة من قبل كما قال محمد إقبال رحمة الله تعالى عليه، فهو قال يارب أنت خلقت الدغل وأنا خلقت البستان – البستنة علم إنساني -وأنت خلقت النور وأنا خلقت المصباح، فالمصباح من خلق الإنسان لكن ليس خلقاً إبداعياً كما تعلمون.

نعود الآن ليس إلى مسألة اة قاسية جداً لنظريته، بمعنى أنه سيشكل دعماً واضحاً لنظرية الخلق المباشر Special creation – – التي تقول أن الله هو الذي خلق الأنواع وأن ليست الانواع هى التي طورت نفسها بنفسها عن طريق قفزة عشوائية – Random Mutation – اشتغل عليها انتخاب طبيعي أعمى – Blind – مثلما يروق لتشارلز وإنما تحد بالخلق، قال الله أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ۩، فهو يقول أنا الذي أٌقدِّر، فهل تستطيعون أن تقدِّروا؟ وقد يقول أحدهم أنا أقدِّر وهذا غير صحيح، فأنت تستند باستمرار إلى ما تعلَّمته من المُقدرَات والمكونات المُقدرَات، ولا يمكن أبداً أن تقدِّر شيئاً خارجاً عن حدود ما قُدِر، أنت تستفيد منها وتعمل توليفات وتركيبات -Combination – من هنا إلى هنا وتضع هذا على هذا وطقية هذا على رأس هذا، وهذا كلام فارغ، فليس هذا الذي نُريد، نحن نريد تقديراً حقيقياً يبدأ من نقطة الصفر، وهذا غير قادر عليه إلا الله، فإذن هذا هو التقدير، ومن ثم تقول الآية الكريمة فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ۩، فهى لم تقل أحسن المخترعين ولا أحسن المبدعين، وطبعاً هو أحسنهم لكن ليس هذا هو معنى الآية، معنى الآية هو أحسن المُقدِّرين، فلماذا إذن؟ يجب أن تفسر الآية على هذا النحو لأنه عُلِمَ بالعقل فضلاً عن النقل وفضلاً عن النص الإلهي أنه لا أحد يخترع من عدم إلا الله، وإذا كان لا أحد يخترع من عدم إلا الله فمن أين جاء تسويغ هذا الجمع في قوله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ۩؟ ليس هناك ثمة خالقين، يُوجَد خالق واحد فقط، لكنه قال لك أن الخلق هنا ليس بمعنى الاختراع من عدم وإنما بمعنى التقدير، لكن كما قلنا يُوجَد فرق بين تقدير وتقدير، فالله يقدِّر والإنسان يقدِّر، كل باني لنظرية علمية أو لفرضية و لمُبرَهنة – Theorem – هو يُقَدِّر بلا شك، فكل هؤلاء يُقدِرون، وكل باني لنظرية فلسفية هو يُقِدّر، وحتى في الفعل العادي أنت لكي تحتال على أحد أو تقنع أحداً أنت تُقِدر، لكن كما قلت لكم هذا التقدير لا يبتدئ من نقطة الصفر، هو يستغل قوانين التقدير الموجودة في الكون وفي الوجود سواء الوجود الاجتماعي أو الوجود المادي أو الوجود العضوي، فدائماً هو يستغل هذا، والله مجازاً يعطينا هذه الميزة ويقول لا بأس أنتم خالقون لكن أنتم مُقدِّرون بهذا المعنى وتستندون دائماً إلى تقديري وتمتحون من تقديري، وهذا شيئ عجيب، وهناك آيات كثيرة تدل على هذا والعلماء طبعاً تفطنوا قديماً إليها، فكل المفسرين فسروا آيات كثيرة وقالوا أن الخلق هنا بمعنى التقدير وليس بمعنى الإيجاد والاختراع من عدم، وهذا الإيجاد إسمه التكوين، الله يقول هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ ۩، فانظر إلى الترتيب الدقيق، فالله هو خالق بارئ مُصوِّر، والخلق هنا في رأي جماهير المفسرين هو التقدير وليس الإيجاد، فالله هو الذي قَدَرَ – وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۩ – هنا، فهو وضع إن جاز التعبير – اللهم غفراً – المُخطَّط – Blueprint – لهذا السلطعون – Crab – ولهذا الفيل ولهذا الديناصور ولهذا الإنسان ولهذا الفيرس – Virus – ولهذه البكتيريا، فهو الذي وضع المُخطَط ومن ثم هو خالق، أما بارئ فهى من البراية، لكن ما هى البراية؟ البراية هى الايجاد والاختراع، براه الله أي أوجده واخترعه، فإذن الايجاد والاختراع هو البراية، ونأتي إلى التصوير – الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۩ – الآن بعد أن ذكرنا الخلق والبراية، فالتصوير هو إعطاء الأشكال Morfes، قال الله فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ۩، وقال أيضاً يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ۩ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ۩، الله هنا يقول خَلَقَكَ۩، فما معنى خَلَقَكَ۩ الآن؟ قدَّرك طبعاً، فالمُخطَّط – Blueprint – الخاص بك والمعلومات عند الله لا إله إلا هو، ولذلك في محاضرة شهيرة أشرت إليها ربما أكثر من مرة قلت أن بعض هؤلاء الارتيابيين أو الملاحدة يقفون بين يدي الله ويقولون أنت تخلق ونحن نخلق، فقال كيف؟ قالوا نحن الآن نخلق هذه الكائنات، نستطيع أن نخلق وأن نبدع، فقال ولكنكم تخلقون من الطين الذي خلقته أنا، عليكم أن تأتوا بالطين الخاص بكم، ائتوا بطينكم أنتم، اخلقوا الطين أو اخترعوه، ومن باب الافتراض التخيلي نجحوا في هذا، لكنه قال ليس الأمر على هذا النحو، عليكم أن تخلقوه بقانونكم أنتم، فهو ردهم إلى ماذا؟ إلى التقدير، فلا تستخدم قوانيني التي أودعتها في الكون ومعلوماتي ثم تقول لي أنا أستطيع حتى أن أبدع بها، هذا لا يُمكِن، يجب أن تبدع بقوانينك أنت، فتبدأ من نقطة الصفر لكنك لا تستطيع، فالإنسان لا يستطيع هذا أبداً.

المُتكلِّمون في مسار العلم إلى اليوم – ليس العلم بحد ذاته أبداً وإنما سدنة العلم للأسف الشديد – بلسان العلم وبإسم العلم انتفخوا كثيراً وظنوا أنهم يعاجزون الله – تبارك وتعالى – وظنوا أن رؤوسهم طالت السموات العلى وأنهم كذا وكذا، وهذا شيئ غريب، هذا انتفاخ فلسفي صبياني، فالعلم بحد ذاته متواضع أكثر من هذا بكثير، وهو عالم تماماً بحدوده وحدود المدايات التي يمكن أن يذهب إليها ولا يتعداها، إنها مجرد محاولات متناسخة أو متراكبة أحياناً، لأن أحياناً يُوجَد التناسخ والتزحزح – Shifting – الكامل عن نموذج – Pradigame – التفكير العلمي، فيثبت أنه خاطيء تماماً ومن ثم ندخل في نموذج – Pradigame – مختلف، إذن يحدث تناسخ وأحياناً يحدث تراكم، أي شيئ مبني على شيئ وشيئ يفضي إلى شيئ، لكن دائماً العلم في كل هاته المحاولات المتناسخة والمساعي المتناسخة أو المتراكبة والمتوالية يسعى إلى فهم الوجود وكيف يعمل هذا الوجود، مجرد فهم فليس الموضوع موضوع اختراع أو موضوع تقدير يبدأ من الصفر، لا يُوجَد مطمع أو طماعية هنا أصلاً إلى هذا، فهى غير موجودة، وبمنطق الأشياء لكي تقفز أنت إلى هذه النقطة عليك أن تستوفي التي قبلها وأن تستنفد أغراضك من التي قبلها، وهى نقطة الفهم، فافهم أولاً وبعد ذلك تجاوز، فأنت لم تفهم أصلاً وأنت لم تفرغ من فهم الكون نفسه فكيف تحاول أن تصنع كوناً آخراً؟ افهم الكون الذي عندك في الأول والذي أنت مسجون طبعاً فيه وبين جدرانه الأربعة – البعد الزماني والثلاثة الفضائية – أصلاً، فأنت مسجون ضمنه ومن ثم حاول أن تفهم وبعد ذلك من المُمكِن أن تتجاوز إذا استطعت وهذا محال طبعاً، واضح انه محال نظراً لحجم الإنسان وحجم كرته الأرضية في هذا الكون السحيق والتحديات المتوالية أمام مساعي الفهم، لكن هو يفهم ويحاول أن يفهم وهذا جميل ولابد أن نفعل هذا وسوف نظل نفعل هذا، فنتساءل بصدده وبصدد كل ما وصلنا إليه من نتائج من محاولات الفهم، فنحن نفهم ونتفهم هذا ونقدره ولا نبخسه حقه، وعلى كل حال هو ردهم إلى ماذا إذن؟ إلى نقطة الصفر، فهو يقول لهم أريد قانونكم أنتم، أي أريد معلوماتكم أنتم، فأين المعلومات؟

إذن الله هو خالق وبارئ ومُصوِّر، ولذلك الإمام القرطبي – رحمة الله تعالى عليه – لما ذهب يناقش رأي أبي بكر بن العربي المالكي وابن الحَصَّار العالمين الجليلين المشهورين في معنى قوله تبارك وتعالى وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ ۩ – عن عيسى الذي يخلق من الطين – قال معنى أنه يخلق هو أنه يُقدِّر، فهنا الخلق بمعنى التقدير، ثم يأتي بعد ذلك التصوير والنفخ، وبعضهم قال أن يخلق تعني يُصوِّر لكن بعضهم قال لا لأن المقصود هنا هو التقدير وليس شيئاً آخراً، وعلى كل حال القرطبي قال هو التقدير، لماذا؟ قال لأن التقدير أولاً والتصوير آخراً، وقد أتى بكلام بعد ذلك عن التصوير وعن النفخ وعن إعطاء الكينونة الحية، وهذا كله متأخر، لكن التقدير يأتي أولاً، فهو هذا إذن لكنه تقدير أيضاً لائق بمقام عيسى كبشر مخلوق، ومن ثم هو لا يبدأ من نقطة الصفر، تماماً كما يُقدِر أحدنا صنع تمثال ما لأنه مَثَّال مشهور جداً مثل مايكل أنجلو Michael Angelo، فهو – مثلاً – يُقدِر في ذهنه صنع تمثال للنبي داوود عليه السلام، وهذا التقدير هو تقدير متواضع جداً، مجرد محاكاة بسيطة ومُسطَحة أيضاً للشكل الظاهري – Form – فقط، لكنه ضمن هذا المستوى هو تقدير، فهو يُقدِّر حجم الرأس إلى الجسم وحجم الجزء الأعلى إلى الجزع – مثلاً – والمسافة بين العينين وطول الأنف والبعد عن الأذنين وهكذا، فهذه كلها تقديرات وبسيطة وسطحية وسهلة على أي فنان أو مَثَّال مثل مايكل أنجلوMichael Angelo، فهذه عملية سهلة بالنسبة له وإن كانت صعبة على الآخرين، لكن أين هذا التقدير من التقدير الذي أوجد الأشياء وأعطاها وجوداتها وكياناتها بما فيها الكينونات الحية طبعاً والتي هى أكثر تحدياً لغطرسة الملاحدة وغرور العلماء؟ الفيلسوف الألماني الملحد والمضطرب طبعاً – مضطرب في أرائه وفي حياته، فحياته مجرد حلقات اضطراب انتهت بغيبة العقل والدخول في ظلام الجنون – نيتشه Nietzsche كان يصرخ مستغرباً ويقول لماذا لا يتنبهون؟ لماذا تشارلز داروين Charles Darwin نفسه لم يتنبه؟ لماذا لم يذهب مع نظريته إلى آخر شوطها ويعلن أنه لم تبق بعد حاجة إلى الله وإلى فرضية الله؟ لقد انتهت هذه الفرضية لأن آلية الانتخاب الطبيعي تفسر لنا الاستنواع – ظهور نوع من نوع وتخلق نوع من نوع – وإن كان في عشرات ألوف وأحياناً في ملايين الأجيال وملايين السنين، فلا مُشكِلة في هذا، إذن لم يعد الله موجوداً ولذا لا نحتاجه ولا نحتاج فرضية ووجد إله، فالكون يوجد نفسه بنفسه والكون يطور نفسه من نفسه، وطبعاً الملاحدة إلى اليوم مستمسكون ومستعصمون بشدة ووثاقة وحماس بالغ بهذه الفرضية وبهذا الأسلوب من التفكير ويرون فعلاً أنه سدد ضربة قاسمة للعقيدة الإلهية وللاعتقاد في الرب الخالق الموجد الراعي للكون، فهو قال لك لا يُوجَد له أي داعٍ على الإطلاق، مجرد بداية من خلية وحيدة أنتجت كل هذا، وطبعاً هم لا يسألون كيف بدأت هذه الخلية الوحيدة، فهذه معضلة كبيرة جداً جداً ستعيدهم إلى مربع المعلومات، لأنك تقول لي خلية وحيدة و DNA، فكيف حصل هذا؟ ومن أين حصل؟ إذن دخلنا إلى القانون وإلى المعلومات، ولذلك هم قالوا هذه سوف نتجاوز عنها، وداروين Darwin نفسه كان يقول لك أنا لم أبحث فيها وليس لي علاقة بها، وفي مرات عديدة لأنه شعر بالحرج وبثقل الحرج ،قال أنا لا أنكر وجود الله بل بالعكس أنا مقتنع أن الله موجود وهو الذي أوجد الحياة وأعطى الدفعة الاولى وبعد ذلك تركها لكي تتناسل ذاتياً بآلية الانتخاب الطبيعي.

النمساوي جريجور مندل Gregor Mendel عاش معاصراً لدراوين Darwin في نفس الحقبة، وهذا الراهب النمساوي العبقري له كتابات ودراسات الراهب – هو مؤسس علم الوراثة الحقيقي – وصلت إلى داروين Darwin لكنه في الحقيقة لم يفتحها، فهى موجودة في مكتبته ولم تُفتَح ولم يقرأها، لو قرأها لغير ربما من موقفه قليلاً، لكن الداروينيون المُحدَثون في مطلع القرن العشرين غيروا وأدخلوا تعديلات أخذت بعين الاعتبار دوراً زائداً للطفرة Mutation، بسبب القفزات التي تحصل في الجينوم Genome – جينوم Genome أي كائن – طبعاً، وهذه الطفرات بعد ذلك يعمل عليها الانتخاب الطبيعي – Natural Selection – ويستبقي ما يجعل الكائن أكثر كفاءةً وأكثر صلوحيةً لأن يعيش وأن يزاحم وأن ينجو – To survive – ويستبعد الكائنات غير الصالحة، وتنشأ الأنواع بعد فترات طويلة نسبياً أو بالمطلق، وعلى كل حال هم أ خذوا بهذا وقالوا بهذا، لكن هناك مُشكِلة وقد تنبه لها العالم الجليل تشارلز داروين Charles Darwin، وهو عالم جليل بلا شك، فأنا أحترم هذا الرجل لأنه عالم كبير وعالم واثق وهادئ وغير مستعجل، وقد عمل بجهد جبار طيلة حياته حتى السنة الاخيرة من حياته وبكل تواضع، وكان – والله – يخلو من هذه الغطرسة وهذا الانتفاخ الذي يهرف به الآن لا أقول بعض صغار الدراونة بل بعض من لا يفهمون النظرية أصلاً، فهو كان متواضعاً ومن وضع في فصل – Chapter – كامل كبير :لصعوبات التي تواجه النظرية، وهى صعوبات كثيرة جمة وهو كان واعياً بها، وكان يقول بكل شفافية أن الطبيعة لا تتحرك بطريقة القفز الفجائي، الطبيعة لا تقفز وإنما الطبيعة تتطور بسلاسة عبر الآلية أو الآليات – Mechanisms – التي ذكرتها وفي رأسها وأهمها الانتخاب الطبيعي، فهذه هى الطبيعة، وإن ثبت أن الطبيعة قفزت أو تحدث هذه القفزات فهذا سيشكل ضربة قاسية جداً لنظريته، بمعنى أنه سيشكل دعماً واضحاً لنظرية الخلق المباشر Special creation – – التي تقول أن الله هو الذي خلق الأنواع وأن ليست الانواع هى التي طورت نفسها بنفسها عن طريق قفزة عشوائية – Random Mutation – اشتغل عليها انتخاب طبيعي أعمى – Blind – مثلما يروق لتشارلز دوكنز Dawkins Charles الذي ألَّف كتاباً كبيراً ضمن عدد من الكتب التي ألَّفها بهذا الخصوص إسمه صانع الساعات الأعمى، وهو هذا الانتخاب الطبيعي الأعمى الذي يعمل على طفرات عشوائية Random، ولكم أن تتخيَّلوا أنه يقول أنها تحدث عشوائيا عن طريق الخطأ، بعضها يكون صالحاً لكن أكثرها يكون مُميتاً وغير صالح، والصالح منها يستبقيه الانتخاب الطبيعي الأعمى، لكن ما معنى الأعمى؟ الذي ليس لديه هدف – Purpose – وليس لديه غاية وليس لديه مُخطَط – Blueprint – أو خطة أصلاً، وهذا أمر عجيب، فكيف لا تُوجَد خطة ويُقال أن هذا أعمى وان ذاك عشوائي ويخرج لنا كل هذا؟ لكنهم قالوا هكذا تعمل الأمور، علماً بأن لديهم قدرة اقناعية كبيرة وخاصة إذا تعمقتم النظرية، فهم لديهم قدرة اقناعية كبيرة لكن هناك معضلات علينا أن نواجهها أو بالأحرى عليهم هم أن يواجهوها، وهناك معضلة أخرى أشار إليها داروين Darwin الذي عاصر واطلع على مُعضِلات السجل الأحفوري للعصر الكامبري أو ما سموه بالانفجار الكامبريCambrian explosion، فما قضية الانفجار الكامبري التي سوف نربطها بموضوعنا ثم ندلي بدلو المعلومات والتقدير وننهي هذه الخطبة القصيرة؟ باختصار العصر الكامبري امتد زهاء ستة وخمسين مليون سنة، من قبل خمسمائة وواحد وأربعين إلى أربعمائة وخمسة وثمانين مليون سنة من الوراء، فهذا هو العصر الكامبري، السجل الأحفوري – Fossil Record – يُوجَد فيه كما تعرفون طبعاً بعض الكائنات الحية الصلبة – Hard-bodied – التي عندها أجسام صلبة، وهذه حين تتحلل الأجزاء الرخوة منها تترك الأجزاء الصلبة منها آثارها في في الطبقات -Layers – الجيولوجية مثل الهياكل العظمية للإنسان – مثلاً – وللقرود وإلى آخره، والعصر الكامبري لحسن الحظ ترك لنا أحفورات – Fossils – لألوف الكائنات الحية من ذوات الأبدان الرخوة لم تكن لها أبدان صلبة وإنما كانت Soft-Bodied، فهى بالألوف مثل ثلاثيات المفاصل – Trilobites – التي تُوجَد كما هى وخاصة المُكتشَفة في الصين، فهى موجودة كما هى بنفس اللون في الصخور، وهذه فرصة مناسبة الآن لكي تُشكِّل ضربة قاضية لنظرية تشارلز داروين Charles Darwin، وهو أدرك هذا مبدئياً أيامه لكنه كان على أمل أننا في يوم من الأيام سنتابع وسنكتشف في العصور ما قبل الكامبرية ما يمكن ان يرد على هذا التحدي، لكن ما هو التحدي؟باختصار للتبسيط – إن شاء الله في الوقت القريب وتحديداً ربما من الأسبوع المقبل سألقي سلسلة مُحاضَرات علمية عن نظرية التطور، أبدأها في البداية بمؤيدات النظرية كأنني أنا داروني تماماً، فسوف أقول كل المؤيدات المذكورة وبعد ذلك سوف تأتي سلسلة أخرى للنواقض والمُعارضات علمياً وليس دينياً ولا فلسفياً، وإنما علمياً باللغة العلمية، وهذا المطلوب طبعاً للأمانة – الحاصل هو أن نظرية التطورية الداروينية تتبنى نمط التطور من أدنى إلى أعلى من خلال شجرة الحياة – Life tree – التي تبدأ من خلية وحيدة وتنتهي بالملك وهو الإنسان العاقل – الهومو سابيانس Homo sapiens – الذي يأتي في رأس الشجرة، وبين ذلك يُوجَد عشرات ألوف بل ملايين الأنواع، واليوم عندنا على الأقل عشرة ملايين من الأنواع الحية التي تدب على وجه الأرض الآن كما يقول المختصون، وهذا إسمه نمط التطور من أعلى إلى أسفل Bottom-up pattern، لكن أين وُجه بالتحدي القاضي والصعب جداً؟ هذا التحدي نريد جواباً علمياً عنه لأننا نريد الحقيقة كما قلت لكم، فنحن ليس لدينا مُشكِلة مع نظرية التطور على أن نفهمها أنها تطوير إلهي وأنها أسلوب الله في الخلق، وهذا الأسلوب فعلاً يشتغل ويعمل لكننا سنفصل الفرق بين التطور الصغروي والتطور الكبروي، فهذه مسألة ثانية عل كل حال، لكن هناك تطور على كل حال، وهذا التطور تشهده أنت أحياناً في المعمل، فأي إنسان يشتغل في علم البكتيريا يشهد هذا التطور، والذي يسمع معلومات عن هذا الموضوع يعلم هذا، والمبيدات الحشرية دليل للتطور، لأن طبعاً الكائنات تطور نفسها، لكن هل تتطور بحيث ينسخ نوع نوعاً وينشأ نوع جديد من نوع آخر؟ هذه مسألة ثانية، وهذه المسألة إسمها الـ Micro and Macro Evolution وهى مسألة ثانية على كل حال، فنعود ونقول أن وفقاً للنظرية وفقاً لهذا النمط – نمط التطور من أعلى إلى أسفل – كان ينبغي أن نجد في العهد القبل كامبري أحفورات – Fossils – أو أحافير لكائنات تشكل الأسلاف المُباشِرة للكائنات التي ظهرت في العهد الكامبري، أليس كذلك؟ لكن هذا غير موجود، طبعاً موجود عندنا أعصار سابقة وموجود طبقات جيولوجية لكن كل الموجود فيها كائنات وحيدة الخلية وإسفنجيات وأشياء بدائية تماماً تتكون من خمسة أنواع من الخلايا أو ثلاثة أنوع أو أربعة أنواع وفقط، فما الذي حدث؟ في العصر الكامبري حدث هذا الانفجار المفاجيء Bom، وهذا العصر الكامبري امتد زهاء ستة وخمسين مليون سنة، من قبل خمسمائة وواحد وأربعين إلى أربعمائة وخمسة وثمانين مليون سنة من الوراء، لكن ما تقدير هذا بالنسبة لعمر الأرض وعمر الحياة؟ عمر الأرض ككوكب خمسة ملايير سنة، وعمر الحياة فيه قرابة أربعة ملايير سنة – تحديداً 3,8 مليار سنة لكن لكي نسهلها نقول أربعة ملايير سنة تقريباً – حيث ظهرت الحياة مع أول شكل بدائي نبضت فيه الحياة في شكل خلية وحيدة وكائن وحيد، أحد العلماء المختصين يقول سنضغط هذا ونكثف هذا ونتخيل ونصوِّر الأربعة ملايير على أنها يوم واحد فقط، وهذا أمر عادي جداً يُمكِن أن تفعله دون أي مُشكِلة، وقد تُكثِّف هذا كله في ساعة أيضاً لكن الأسهل أن تُكثِّقه في يوم، أي أن الأربعة ملايير سوف تساوي أربع وعشرين ساعة فقط، فما الذي حدث؟ في أول خمس ساعات لا شيئ، لا تُوجَد أي حياة، في الساعة السادسة ظهرت الكائنات وحيدة الخلية، فالخلية الأولى – مثلاً – في أول ست ساعات، في الساعة العاشرة والثانية عشرة والخامسة عشر لا شيئ جديد، نفس الكائنات دون أي تطور أو أي تعقيد، في الساعة الثامنة عشر وفي الساعة التاسعة عشر وفي الساعة العشرين لا شيئ جديد، في الثمن الأخير – نحن نقول لدينا أربع وعشرون ساعة فإذن سيكون هذا في آخر ثلاث ساعات – مع بداية الساعة الحادية والعشرين في دقيقتين فقط من اليوم الخلقي – أي في دقيقتن من الثمن الأخير من يوم الخلق في الأرض – حدث انفجار – لن نقول ظهرت وإنما انفجرت – في هذه الشُعب الحيوية، انفجار حقيقي لكائنات واضح أن الهوة والمسافة بعيدة جداً جداً جداً بينها من حيث تعقيدها وتركيبها وتخصصها والمخطط الذكي الواضح فيها وبين الكائنات البسيطة جداً جداً التي كانت في العصر السابق، فهناك هوة رهيبة ومع ذلك ظهرت لدينا كل هذه الكائنات، والعجيب أن ما يوجد الآن على الأرض من الشُعب الحيوية المختلفة معظمه على الإطلاق يعود إلى الشُعب التي ظهرت في العهد أو في العصر الكامبري، فهذا مجرد بناء وتنويع على تلك الشُعب – تنويع تماماً – لأن عندك خطة أساسية مثل خطة منبر أو خطة كتاب أو خطة طائرة أو خطة سيارة، فمعروف ما هى السيارة – مثلاً – وما هى الطائرة، وبعد ذلك سوف نلاحظ ألوف التطويرات وألوف الأشكال من السيارات لكن الخطة الأولى واحدة، فما زالت هى واحدة بأربع عجلات ولديها المحور والمقود والمُحرِّك – Motor – وما إلى ذلك، فنفس الخطة موجودة من أول سيارة إلى أرقى سيارة اليوم، وهذا ما حدث في الحياة، والآن هذا – كما قلت لكم – يسدد ضربة قاسية وربما قاسمة لنظرية الاستنواع، أي نشوء النوع من النوع والأنواع من الأنواع، فكيف نستطيع أن نغلق وأن نُجَسَّر هذه الهوة؟ إلى الآن لا يُوجَد جواب ولا يُوجَد أي تجَسير، لكن طبعاً الداروينية الحديثة مع مطلع القرن العشرين تقول لك هذه المسألة بسيطة، فهناك – كما قلنا لكم – طفرات ) في هذه الإسفنجيات وهذه الكائنات وحيدة الخلية، حيث حدثت طفرة ما وهذه الطفرة كانت صالحة، كانت تخصصيية وممتازة وملائمة، فاستبقاها الانتخاب الطبيعي، وهى التي فسرت لنا كل هذه الأنواع وكل هذا الانفجار طبعاً، لكن حتى هذا إن كان صادقاً – وهو غير صادق بالمرة وغير علمي وغير دقيق – قد يفسر لك نشوء نوع واحد فقط ولن يُفسِّر الانفجار الأنواعي – هذا انفجار حقيقي – كله، لكن المسألة لا تزال أعقد من هذا، فلماذا هى أعقد من هذا؟ كما قلت لكم حتى الكائن البسيط يعمل بنظم معلومات، نظام مُكودَد أو نظام مُشفَر، وأنتم تعرفون الفكرة العلمية البسيطة التي تقول أن الخلية فيها بروتينات Proteins، والبروتينات – Proteins – هى مُنتَجات للحامض النووي منزوع الأكسجين الريبوزيDeoxyribonucleic Acid (DNA)، وهذا الـ DNA مكتوب بطريقة مُشفرَة ودقيقة جداً جداً من حروف أربعة – لن نحكي عنها الآن لأن كان عندنا خطبة عن موضوع الخلية وتحدثنا بنوع من التفصيل عنها – هامة، وهذه الحروف الأربعة تتموضع بطريقة مُحدَدة ومُعقَدة أيضاً على كل حال، لكن ما احتمال أن ينشأ لدينا حامض نووي من أحماض أمينية – االأحماض الأمينية عموماً عشرون حمضاً، وهذه الأحماض تتراكب بطرق مختلفة جداً- بطريقة الطفرة؟ هم قالوا هناك طفرة – Mutation – أو قفزة حصلت ومن ثم نحن نسأل عن احتمال أن يكون عندنا هذا الحامض من هذه الأحماض – DNA مثلاً من هذه الأحماض – بطريق الصدفة رياضياً؟ حسب العلماء ذلك فإذا به واحد على عشرة أس أربعة وسبعين، يعني فرصة واحدة أو احتمال واحد من مائة – احسب معي الآن – تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون صدفة، والتريليون هو عشرة أس اثني عشر، فنحن لديه فرصة من مائة تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون فرصة، ومن هنا قد يقول لي أحدكم هل من المُمكِن أن يحدث هذا؟ هذا غير مُمكِن على الإطلاق، هل تعرفون لماذا؟ لأن ضمن مجرتنا Milky way galaxy – المجرة التي طولها مائة ألف سنة ضوئية وفيها قرابة أربعمائة مليار نجم، وانظر أنت كم ذرة تُوجَد في السنتيمتر المكعب الواحد، ملايير الذرات، فكيف الحال في كل هذه الأربعمائة مليار نجم والكواكب التابعة لها على مدى مائة ألف سنة ضوئية – هل تعرفون كم عدد الذرات Atoms؟ عشرة أس أربعة وستين وليس عشرة أس أربعة وسبعين، فمعنى أن يتكون الـ DNA من هذه الاحماض بطريق القفزة أو صدفة أو الطفرة – Mutation – أو عن طريق خطأ طباعي معين في الطباعة كما يقولون أصعب بكثير من أن تبحث أنت الآن وأنت معصوب العينيين عن ذرة واحدة في المجرة، وهذا شيئ لا يتخيله الإنسان، فلا يُمكِن أن تتخيَّل هذا الشيئ، فهو أصعب من البحث عن أبرة في كومة قش، قش ماذا وأبرة ماذا؟ هذه ذرة في المجرة لكن هذا أسهل بكثير، أسهل بمقدار الفرق بين أربعة وستين و أربعة وسبعين، يعني عشر مليارات مرة أسهل، لكن ليس هذا كل ما في الأمر، هناك ما هو أصعب من هذا في الأمر، قال الله أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ۩، وسوف نرى ما هو الأصعب، فهل تعرفون ما هو الأصعب؟ العجيب أنكم سترون أن هذا الأصعب كشفت عنه الآية القرآنية بطريقة صدمتني، فهى فعلت هذا بطريقة مُذهِلة طبعاً، ولم اقرأ إلى الآن ولم أسمع لأحد نبه على هذا وهو شيئ عجيب وأطرحه الآن على المنبر كسابقة، فإذا شاء العلماء وخاصة علماء الأجنة – Embryology – أن يشتغلوا عليه سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين فليشتغلوا لكن أنا أطرحه كسابقة الآن، فما هو؟ طبعاً علماء الأجنة أو علم الجنين – Embryology – يؤكدون أن الإنسان أو الكائن عموماً حتى لو كان كتكوتاً وأي شيئ أكبر من جينومه Genome الوراثي أو بالأحرى أكبر من الـ DNA بالذات، لماذا؟ أنا أقول لكم اجعلوا الدارونة المُحدَثون يقتنعوا ويحاولوا إقناعنا بأن حدثت طفرة في الـ DNA وأنها كانت ملائمة واستبقاها الانتخاب الطبيعي وليس هذا هو المُهِم الآن، فمن المُمكِن أن تحدث طفرات إلى ما لا نهاية – مليون طفرة أو مليار طفرة – ولا تستطيع هذه الطفرات أن تحدث أو تنشيء عضواً جديداً – ليس نوعاً جديداً وإنما عضواً جديداً، فهى لا تستطيع هذا- أصلاً، فهل تعرفون لماذا؟ نأتي إلى سر التخصص، فالذين درسوا علم الأجنة وحتى علم الـ Histology في الجامعات الذين درسوا الطب وما إلى ذلك يعرفون هذا، فهذا أحد المُعضِلات وإن كان هناك طبعاً مُحاوَلات للجواب سأطرحها في سلسلة التطور لكنها فاشلة، فاشلة حقيقياً ومُتمحِلة، أي أنها ضرب رأس بالحائط ونوع من الكبر العلمي، فلا يُوجَد جواب علمي على الإطلاق لحد الآن، وهذا إلى الآن تحدي أقصوي Ultimate، فما هو إذن؟ الآن الـDNA – كما قلنا – فيه معلومات مُشفَرة تعطي أوامر ببناء البروتين Protein، وتتكون لدينا الآن خلايا معينة لكن الـ DNA لا يعطي أمراً وغير واضح لدينا بالمرة وغير موجود إلى الآن، فهو لا يعطي أمراً لإصطفاف الخلايا، وإلا أين تذهبي أنتِ كخلية؟ وطبعاً كل خلية تصطف في حيز معين لكي تخدم نسيجاً – Tissue – معيناً، وهذا النسيج يُريد أن يدخل في عضو معين، وهذا العضو طبعاً يكون له موضع في الجهاز وفي البنية – Structure – الكاملة، لكن الـ DNA لا علاقة له بهذا، فكيف يتم هذا؟ ومن أين يتم هذا؟ طبعاً واضح عند العلماء أن هذا يتم داخل الخلية لكن أين هذا تحديداً يُعَد أمراً غير مفهوم وغير معروف بالمرة، فهذا سر التخصص، ولك أن تتخيَّل هذا الشيئ المُرعِب المُخيف، لكن أين مصدره؟

إذن هناك معلومات، تماماً كالمعلومات التي كان ينبغي أن تُوجَد وأن تُضخ وأن تُدفع على هذا الكوكب الأزرق الجميل لكي ينشأ لدينا الانفجار الأنواعي الفُجائي في العصر الكامبري، فهناك معلومات إذن، لكن ما مصدر هذه المعلومات؟ الأصعب من هذا سر التخصص داخل كل كائن أو كوين صغير، فأين المصدر؟ وأين تكون هذه المعلومات مشفرة؟ فالمسألة ليست في أن تنشأ خلايا أو أن تنشأ حتى نُسج وإنما في كيف تتركب هذه الخلايا بطريقة مُحدَّدة بحيث تعطيك هذا الكائن المُحدَد بنظامه وبوظائفه وبآلياته وفي أين يتم هذا، أي أين يتم إعطاء الأوامر وإصدار الأوامر التي تتم طبعاً يتم وفق معلومات دقيقة جداً جداً هى حقيقة العملية؟ لكن لا أحد يدري.

القرآن الكريم في سورة الزمر ماذا يقول؟ قال الله يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۩، الآن وضح لديكم أن الخلق في الأصل هو ماذا؟ التقدير والمعلومات والخطة، والله يقول يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ۩، ولكي أوضح لمَن لم يلتقط الإشارة التي وضحت الآن أقول أن الله يقول يخلقكم في الأرحام خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ ۩، وكأنه كالتحدي إن صح فهمي الآن وهو مجرد مُحاوَلة واجتهاد وقد أكون مُخطئاً، فإن صح هذا الفهم كأن الآية تقول لك أنك لن تحصل على الجواب ولن تعرف أنت الجواب، نعم من المُمكِن أن تُعيد تمثيل العملية لكن لن تعرف كيف تتم العملية، هل تعرف لماذا؟ لأن منذ البداية – أنت لديك الزيجوت Zygote أو النطفة المشيجة في بداية هذا الكائن أو الكوين – كان المُخطَط غير كامل الآن، فهناك مُخطَط يعمل مرحلياً، وفي مرحلة أخرى يأتي تقدير آخر، فإذن هذا التقدير الثاني وهو الخلق الثاني – خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ ۩ – لم يكن موجوداً ولم يكن واضحاً في مُخطَط الأول، يُوجَد خلق ثانٍ وخلق ثالث وخلق رابع وكل مرة تأتي أوامر جديدة لكي ترتقي بهذا الكائن المتنامي إلى مستوى جديدة من الظهور والانبثاق إلى أن يتم كما أراده المُقدِر – لا إله إلا هو – الذي هو عنده المعلومات وعنده الخطة، وهى خطة هادفة لأنه مُقدِّر وعالم وهادف لا إله إلا هو.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين امنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

قبل أن أغادر هذا المنبر أُريد أن أقول أن من المُؤكَّد أن بعض الإخوة يدرسون علوم الأحياء وعلوم وظائف الأعضاء وعلوم الطب وربما علوم التاريخ الحيوي والأشياء التي مثل هذه، فمَن شاء أن يتوسع في هذه النقطة بشكل علمي وعبر زهاء ستمائة صفحة فليقرأ كتاب العالم البريطاني الشهير ستيفن س ماير Stephen C. Meyer، فهو عنده كتاب إسمه Darwin’s Doubt، أي شك أو ارتياب داروين Darwin، وهو في زهاء خمسمائة وستين صفحة، وهو عنده كتب أخرى طبعاً لكن هذا الكتاب يناقش هذه الموضوعات بطريقة علمية بالمعلومات والقواعد وبمنهج التفكير المعياري العلمي، فهو مُهِم لكي تتوسع في هذه النقاط.

خطبة اليوم هى رسالة، وهذه الرسالة ربما تكون موجهة أكثر لغير المؤمنين منها إلى المؤمنين، وهى لا تقول لهم عليكم أن تؤمنوا وإنما تقول فقط لهم عليكم أن تتئدوا وأن تتريثوا قبل أن تستخفوا أو تعلنوا باستخفاف أنكم لم تعودوا مؤمنين فتخسروا خسارة كبرى، وهذه الخسارة ليست حتى على المستوي الأخروي والمصيري وإنما حتى على المستوي العلمي والعقلي والفهمي ومن ثم تدخلون بعد خمسين سنة أو مائة سنة مع طائفة الاجهلاء أو المُستخِفين، حيث يُوجَد أناس مُستخَفين وأناس جهلاء جزموا الموضوع بسرعة لأنهم مُستخِفون، فلا تستخفوا لأن الموضوع أعقد بكثير من أن يُجزَم بنظريات تعاني من متاعب، وهذه النظريات النشوئية تعاني من متاعب حقيقية وأمامها تحديات كبرى، وكما قلت لكم هى مُتسلِحة أيضاً بأدلة وقرائن جميلة وقوية وعندها قدرة تفسيرية لكن إلى حين وبمقدار معين، فهى ليست مطلقة وليست نهائية.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليقان 2

اترك رد

  • ما معنى قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]
    وقوله تعالى {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس: 19]
    ألم تبين هاتين الآيتين أن الخلق أولاً والتقدير يصاحب الخلق ثانيا وقد يكون التقدير ضرب من ضروب الخلق أي الإيجاد من العدم؟
    فالخلق والله أعلى وأعلم له صورتان متلازمتان معا إيجاد الشيء وجعله مقدر الظهور في الواقع في زمن معين فكل شيء مخلوق وكان له وجود في اللوح المحفوظ ومقدر ظهوره في ظروف معينة وأزمان معينة في أرض الواقع الذي نعيشه

  • بديهية عقلية قاطعة : قبول التطور بمعني ظهور اصول الانواع متطورة مما قبلها يلزم منه الكفر بالخالق لزوما بديهيا فما من قابل للتطور الا هو كافر ملحد لان التطور معناه الحقيقي
    ظهور اصول الانواع بلا خلق الهي مباشر اي ان الله ليس خالق كل شئ بل تشترك معه الطبيعة فهذا هو الكفر الاكبر والشرك الاعظم مهما جادل مخبولوا التطور وعاندوا .

%d مدونون معجبون بهذه: