لا بدّ أنّ الكثيرَ منّا قدْ سمعَ بهذا الإسم مؤخراً عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، والقنوات الفضائية المختصّةِ بالشأن الديني ، أو حتى تلك الغير مختصّة ، والتي تجتزيءُ بعضاً من أوقاتها لتسليط الضوءِ على بعض القضايا التي تثير الجدل في واقعنا العربي والإسلامي ، وعلى رأسها تلك المتعلقة بالشأن الديني ، الّذي يمثل العامود الفقري لثقافة هذه الأمة .

ولا بدّ أنّ كثيراً منّا قدْ سمع آراءاً متضاربةً حول الرجل ، الّذي تحوّل في السنوات الأخيرة الماضيةِ ، إلى القضية الأولى والشغل الشاغل للردّ والجدل والإنتقاد … بل والشتم والقذف والتكفير !!! من أتباع بعض المدارس الدينيةِ التقليدية في منطقتنا العربية ، والتي ذهبتْ الى إظهاره على صورة الشيطان الّذي جاء لكي يفتن الناس ويخرجهم من ملّةِ آباءهم وأجدادهم !!!! ….

في حين إنهالَ أتباعهُ ومُريدوهُ في الجبهةِ المضادة ، بسيلٍ عارمٍ من المديحِ والثناءِ ، والهجوم على منتقديه ، ووصفهم بأقذع العبارات ، التي تلصقهم بالتخلفِ والرجعيةِ ، والتغوّل على سلطة الدين ، وإدعاءِ الوصايةِ السماويةِ عليه ، بل ذهب بعضهم الى تصويرهِ العالمَ الأوحدَ ، الذي جاء لكي يجدد في الأمةِ شأن دينها ، ويخرجها من حالة الجمود التي تعاني منها ، في ظلّ مدارسَ تقليديةِ قديمة ، لمْ تنجح رغم مرور أكثرَ من قرنٍ على وجودها ، في قيادة الأمةِ وإنقاذها من جحيم السقوط والتهافت في وحلِ الجهلِ والتخلفِ والطائفية التي ساهم هؤلاء من ” وجهة نظرهم ” في تعزيزها والتمكين لها ، مما جعل منها أمةً في ذيل الأمم .

فهل هو هذا … أم ذاك ؟؟

من هو عدنان إبراهيم ؟؟

لقد بدأتُ التعرف على الرجل من خلال خصومه ، على أنه شرٌ محضٌ ، يتعدى على ثوابت الدين وينال من رموزه التاريخية ، وخاصةً أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها ، كما أنه يتجاوز في القول على كبار الصحابة ، ولاسيما الخليفة الأموي الأول ” معاوية بن أبي سفيان ” إذْ يقف موقفاً متشنجاً ، منه ومن خصومته مع الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وأمور أخرى لا تقل أهميةً عمّا سلف ، ” على حدّ زعمهم ” كالتشكيك بالأحاديث النبوية ، التي جاءتْ في الصّحاح ، وإنكار الشخصيةِ ” المهدوية ” ونزول المسيح بن مريم عليه السلام في آخر الزمان ، وعذاب القبر ، وفتنة الدجّال ، وغيرها ….

حينها لم أجد نفسي إلّا مشدوداً للذهاب الى دروس الرجل المصورة عبر يوتيوب كاملةً والإستماع ” لوسوسات الشيطان !!! ” من الشيطان نفسه دون نقلٍ أو إجتزاء .

وما إنْ بدأتُ بمشاهدةِ دروسهِ ومحاضراتهِ ، حتى إجتاحتني رغبةٌ عارمةٌ بأن أستزيد …

فما وجدته إلا مظلوماً مفترى عليهِ في جلّ ما تناقلته وسائل الإعلام التابعةِ للجبهةِ المضادة .

حيثُ أنّ الرجل يبذل جهوداً كبيرةً جداً ، في محاولةِ التوفيق بين ” العقلِ والنقل ” ، وفي تقديم أطروحاتٍ جميلةٍ متماسكة ، للعالم الإسلامي وغير الإسلامي على حدٍ سواء ، تضحدُ أيّ شبهةٍ عن عقيدة المسلمين وتمكن لها في العقول قبل النفوس .

كما أنّ له صولاتٌ وجولاتٌ في نقاشِ الملاحدةِ والردّ على شبهاتهم عبر سلسلةٍ رائعة ، أطلق عليها إسم ” مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد ” ، والتي يقدم لها ثمّ يخوض في تفاصيلها بطريقةٍ عقليةٍ منطقيةٍ علميةٍ منظّمة ، لايستطيع المستمع إليها إلا التفاعل معها بمزيدٍ من الإحترام والتقدير للجهود المبذولة والموفقة في الردّ على شبهةٍ خطيرة … بل هي الأخطر في عصرنا هذا ، ألا وهي ” شبهة الإلحاد ” .

هذه الشبهة التي بدأتْ واستشرت في الغرب المسيحي كرد فعلٍ على هيمنة رجال الدين هناكَ على مقاليد الحياة ، مما تسبب بإدخال أوروبا حينها في ما يسمى اليوم بعصر الظلام ، إذْ حملَ التعصب الأعمى والجشع ، رجالات الكنيسة وقتها ، على محاربة كلّ مخالفٍ لا يتماشى مع معتقداتهم الكنسيّة ، وعلى رأس هؤلاء ” العلماء والمفكرون ” الّذين إعتبرتهم الكنيسة ” مهرطقةً ” كفرة ، يستحقون القتل والتنكيل من خلال السلطة التي أعطيت لهم من قِبَلِ الرب !!!! وبواسطة السلطة السياسية الحاكمة ، التي كانت مرتبطةً بالسلطة الدينية ، عبر عقد زواجٍ كَنَسيٍ لا طلاق فيه !! .

فما كان من الشعوب الأوروبية إلّا أنْ ثارتْ على هيمنة الكنيسة ، ثم رفضتْ كلّ تعاليمها مروراً بإنكارها ، وصولاً الى إنكار وجود الخالق المستحق للعبادةِ عند شرائح واسعةٍ في مجتمعاتهم التي تحولتْ فيما بعد الى مجتمعاتٍ ماديةٍ علمانيةٍ منكرةٍ لخطاب السماء في طابعها العام .

وهنا لا بدّ لنا من وقفةٍ كي نتسآئل …. ألا ينذرنا هذا بشيء ؟

خاصةً بعد أنْ شهدنا اليوم ظاهرة ما يسمى ” بملاحدة العرب ” ، الّذين ينشطون عبر مواقع التواصل الإجتماعي جاهدين في جمع الشباب التائهِ والمحبط من واقِعِهِ حولهم ، في حين ينشغل رجالات الدين من كل اتجاهٍ ومذهبٍ بإظهار أنفسهم على أنّهم هم الطائفة الباقية ، والفرقة الناجية ، وبأنّ سائر مذاهب المسلمين المتبقيّة سواهم ، زائلةٌ هالكة !!!!

أما بالعودة الى ” عدنان إبراهيم ” فقدْ وجدتُ نفسي منساقاً خلفه من موضوعٍ الى موضوع ماراً على تلك الموضوعات التي قيل بأنه قدْ أساء فيها وتجاوز ، واحداً تلو الآخر .

فوجدته مكبراً مجلاً لشخص الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه كما ينبغي لرفعةِ مقامه ، غيورا على سيرته ، وما ينسب إليه صلى الله عليه وسلم …

داعياً إلى إعادة النظر في بعض ما ورد في كتب الحديث النبوي ، وما نسب الى النبي الكريم من أحاديث لا تتوافق مع السياق القرآني ، أو تلك التي جائتْ الحقائق العلمية مخالفةً لها مما يسبب إحراجاً للمسلمين في نقاشاتهم الدينية حول الإسلام مع الأمم الأخرى ، فهذه الأحاديث كما يقول “عدنان إبراهيم ” مكذوبةٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا مكان لها من الصحة ، ومن المحال أن يكون النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قدْ قالها ، وهو الّذي لا ينطق عن الهوى ، حتى لو جائتْ هذه الروايات في ” صحيح البخاري أو في صحيح مسلم ” أو أي صحيحٍ كان .

مع إكباره واحترامه لما قام به جمّاعُ الحديث النبوي ، إلّا أنهم في النهايةِ رجال يصيبون ويخطئون .

وأنْ نقول بأنّ رجلاً أخطأ مهما كانتْ مكانته واحترامه ، خيرٌ من أنْ نُلصِقَ حديثاً مكذوباً …. بانَ خطأهُ وقامتْ الحجةُ على بطلانهِ بشخصِ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .

أما فيما يتعلق بأمهات المؤمنين والصحابة الكرام ، ممن إتفقتْ في شأنهم جموع الأمة من أهل السنة والجماعة ، فما سمعتُ منه الّا دفاعاً عن أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن ، ولا سيما أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها ، في خطبةٍ مطوّلةٍ أطلق عليها ” إستنكاراً وتعجباً ” إسم “عائشة في النار !! ” وقد جاءت رداً على أحد الّذين تعرضوا لها رضوان الله عليها ، من أتباع أحد المذاهب المنحرفة ، والّذي زعم والعياذ بالله بأنّ مصير أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها في النار !!!!!

وقدْ ردّ عليه ” عدنان ابراهيم ” كما أسلفت بخطبته الشهيرة السالف ذكرها

هذا وما كان موقفه من الصحابة بِمُستَغرَبٍ أو مستهجن ، حيث أنه ينزلهم ما إستحقته أيديهم من مكانة السَبقِ والصحبةِ وخاصةً الأوائل منهم ، ممن شهدوا بدراً وأحداً وبذلوا لنصرةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودين الله كلّ غالٍ ونفيس .

أما قوله في شأن الفتنة ، وما وقع بين الإمام علي كرم الله وجهه ، ومعاوية بن أبي سفيان أول ملوك الإسلام فإنه يذهب الى ما ذهبت اليه أغلب الأمة في أحقيّة وأفضلية الإمام علي كرم الله وجهه ، إلّا أنّه يذهب بالمسألة أبعد من ذالك ، منتقدا موقف شريحةٍ عريضةٍ من أبناءِ مذهبه “أهل السنة والجماعة ” بتغاضيهم عن القول الصريح في تجريم شخص ” معاوية بن أبي سفيان ” في خروجه على إمام زمانه وفي إنهاءه لنظام الخلافة الراشدة وتحويله الحُكم الى مُلكٍ يرثه ابنه من بعده الى أنْ آل الأمر الى بني أمية يتوارثونه دون وجه حقٍ ، حسب قوله …

وبأنّ دفعاً متعمداً ، وفقهاً مأجوراً كُتِبَ عبرَ العقود الأولى لحكمهم ساهم في إزدواجية العقل العربي مما جعله يساوي بين الضحية والجلاد …

مستطرداً الى إظهار غضبه الشديد … وحزنه المرير على حادثة قتل الحسين عليه السلام على يد يزيد بن معاوية وأعوانه .

ومسائل خلافيةٍ كانت محل اجتهادٍ وأخذٍ ورد عند المسلمين على مر العصور عن حقيقة ظهور ” مهدي آخر الزمان ” أو عدم ظهوره ،

وهل شخصية الأعور الدجال حقيقة أم خيال؟؟ ، وهل نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان ، مسلّمٌ به واقعٌ أم ماذا ؟؟

كلّ هذه المسائل الفرعية التي لا تدخل المعتقد بها الجنة ، كما أنّها لا تورد منكرها النار ، قَدَمَ عليها الرجلُ أدلةً تُثبتُ بطلانها ” كما يرى ” أو عدم ثبوتها بشكل صريحٍ في الكتاب والسنة الصحيحة على الأقل ، وأمور أخرى أقلّ أهمية آثرتُ أنْ لا أتعرض لها .

وأخيراً … الى خُصومهِ ومُحبيهِ على حدٍ سواء أريد أن اسجل إحترامي للجميع دون تميز أو تحيّز …

إذْ لم تكن مقالتي هذه إلّا محض قرأةٍ ذاتية ورؤيةٍ شخصية … قمتم جميعكم ” مخالفون ومؤيدون ” بدعوتي إليها لأجد نفسي وقد تبوئتُ مقعداً على مائدةٍ دسمة شهية كان قد أعدها الدكتور ” عدنان ابراهيم ” مسبقاً لضيوفه ومريديه ، لم أتمالك نفسي من التنقل بين صنوفها وتذوق ما لذّ منها وما قُمتُ عن مائدته إلّا وأنا من الشاكرين … ولكن دون أن أجردّ نفسي من حق العاقل بأنْ يرفض أو يقبل .

ابا القاسم الجزائري