إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه سبحانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۩ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۩ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ۩ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۩ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ۩ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.

إخواني وأخواتي:

دعوة مفتوحة طويلة عريضة وغنية لتقديس الحياة وصيانتها وحياطتها وضمانها، قال الله مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۩، أن تطوع لك نفسك أن تقتل امرأً واحداً تعلم براءته وأنه غير مُستحَق للقتل يعادل تماماً قتلك للناس جميعاً وقتلك للملايين، لكن ليست القضية أن تجترم القتل بيديك وأن تسفح وتسفك الدم بيديك بل أن تفتي أيضاً بقتل مَن لا يستحق القتل، فأنت تفتي بقتل الناس جميعاً، انتبه أنت قاتل بل أنت – كما قلت غير مرة – شر مِن الذي يقتل بيديه لأن الذي يقتل بيديه لديه قدرة محدودة على القتل، قد يقتل ألفاً أو ألفين أو ثلاثة آلاف إن كان طاغية من العتاة المُتنمِرين المُسلَطين على عباد الله بغير حق وقد يقتل الملايين لكن حين تفتي أنت تُعطي رخصة مفتوحة للقتل بلا نهاية لكل الذين أفتيت بقتلهم، لكل هؤلاء من ذوي الصفات والسمات المُحدَدة في فتواك أيها القاتل، وأيضاً أن تشهد على أحد وتعلم أنه برئ فأنت قاتل وكأنما قتلت الناس جميعاً، قاتل الذي يشهد شهادة ولا تكون لله وإنما تكون شهادة ظالمة مائنة، فأنت قاتل كأنما قتلت الناس جميعاً.

في آخر Judgment at Nuremberg المُتعلِّق بمُحاكَمات Nuremberg – أي Nürnberger بالألمانية – طلب القاضي النازي السابق والذي كان أحد رموز العدالة وأحد كبار القانونيين في النطاق الجيرماني أو الألماني جاننج Janning – إرنست جاننج Ernst Janning وهو Character على كل حال – أن يلتقي في زنزانته قاضيه وهو قيد الاعتقال في انتظار حكم الإعدام الذي أصدره القاضي هايوود Haywood بحقه، فلباه القاضي في أخر ساعات له في ألمانيا، سلَّمه ملف القضايا الكبير – Cases – التي ترافع فيها، وقال له أريد منك – ولهذا السبب دعوتك – أن تُصدِّقني، أرجوك صدِّقني، في البداية لم أكن أعلم أن الأمر سيؤول إلى ما آل إليه، لم أكن أُقدِّر بتاتاً أن المجنون هتلر Hitler سيقتل الملايين وسيذبح الملايين، لم أكن أُقدِّر هذ، ظننت أنني أخدم بلدي عبر هذا الطريق وعبر هذا الحزب، فرد عليه القاضي هايوود Haywood بقوله يا سيد فلان اعلم أنك من اللحظة الأولى التي حكمت فيها على رجل كنت تعلم براءته أن الأمر قد بلغ ما تذكر، أي أنت تقول لم أكن أعلم أن الأمر سيبلغ ما بلغه وأنه سيُذبَح الملايين فاعلم أنك من تلك اللحظة – من اللحظة الأولى – التي أصدرت حكمك على أحد بالإعدام – حكم بالقتل – وأنت تعلم براءته أن الأمر قد بلغ ما تذكر، كأنما هذا القاضي المُسمى هايوود Haywood – وأيضاً هو Character – يتلوا قول الله تعالى فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۩، حكم باطل على شخص واحد بالقتل هو حكم على البشرية بالإعدام، شهادة على شخص واحد بالباطل استحق بها القتل هى شهادة بالقتل على كل البشر، وفي المقابل قال الله وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، فما أخصب وما أغنى هذه الآية، ما أوسع هذه الآية التي تقول وَمَنْ أَحْيَاهَا ۩، كيف يُحييها؟ بالعفو عن ذي دم، أحدهم أصاب منك دماً – قتل لك أباً أو اخاً أو ابناً، أي أحد أوليائك – ومن ثم يستحق القتل، لكن العفو مُفضَل ومُقدَم، الله ندب إليه وحث عليه تبارك وتعالى، إذا عفوت عن ذي دم فأنت أحييت الناس جميعاً، وهذا كان أولاً.

ثانياً قاض يقضي ويبرّيء متهماً يستحق في حال ثبتت عليه الجريمة عقوبة الإعدام لكنه يبرّئه بالعدالة التي يقف في محرابها مع أن السلطة الرسمية وربما الغوغاء من الجمهور والشعب يُريدون إعدامه، أي يريدونه ضحية، فالناس دائماً تبحث عن قرابين وتبحث عن أضاحي، هم يحبون هذا ويرتاحون إليه، فحتى الجماهير والغوغاء من الناس يُحِبون هذا، لكن القاضي وقف ضد السلطة أو ضد الجمهور أو ضد الاثنين معاً وبرّأه لأن الأدلة غير وافية وغير كافية، فهذا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، والمحامي أيضاً – محامي الدفاع – الذي نجح في تبرئته وأقنع هيئة المُحلَفين والقضاة ببرائته أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، والشاهد الذي أدلى بشهادته على غير هوى السلطة وعلى غير هوى الدهماء أو ذوي المصالح المُتنفذين – وربما سيُكِّلفه هذا كثيراً أو قليلاً – أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، فالشاهد أيضاً كذلك فانتبهوا، الذي يُصلح بين فئتين من الناس – بين شعبين أو بين بلدين أو بين جماعتين أو بين اثنين – كان في حال نشبت الحرب ستسيل دماء كثيرة أو قليلة لكن هذا جاء وأطفأ هذه الشرارة وأصلح فهذا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، حتى لو أطفاً نار نزاع كان سيسيل فيها دم فرد واحد مُفرَد هذا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، فكيف لو أصلح بين فئتين عظيمتين من الناس وبين قبيلين من الناس – بين دولتين أو بين شعبين – مثلاً؟ هذا أجر عظيم جداً، ولذا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، العالم قد يُحيي الناس جميعاً، وقد قلت لكم في الخطبة السابقة ولم أُفسِّر أنني حسدت لويس باستير Louis Pasteur مُنشيء ومُؤسِّس علم الميكروبيولوجي Microbiology الحديث بالمعنى العلمي، هذا الرجل لا يدري إلا الدارسون طبعاً والدارون أنه من يومه إلى يوم يُطوى بساط هذا المعمور وهذه الدنيا كان سبباً وسبباً فاعلاً كبيراً في إحياء ملايير الحيوات من البشر والحيوان وحتى النبات أيضاً، هذا الرجل لا يعرف غير المتخصِص وغير الدارس حجم اليد البيضاء التي أسداها إلى البشرية في علم الأمراض والجراثيم وأسباب الأمراض وبالتالي علاج الأمراض وعلاج مُسبِباتها، وهذه العملية كلها تتوقف على جهد لويس باستير Louis Pasteur، وهذا شيئ عجيب، فهذا الرجل لم يحي الناس جميعاً فقط بل أحيا بشريات وأحيا دُنى وأحيا عوالم إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها، لذلك نحسده لأنه إنسان، وطبعاً في المنظور المانوي أسود وأبيض، في المنظور الاستقطابي والمنظور المواعظي كافر من أهل النار ومن ثم يذهب إلى جهنم هذا بكل بساطة، الحمد لله فمُحال أن الله يخضع لتصنيفاتك الساذجة، مُحال أن الله – تبارك وتعالى يَصدُر- في معاملته لعباده عن مثل هذا المنطق التافه الذي يتسلَّح به هؤلاء السطحيون من أعداء الحياة أيضاً والذين يفشلون أن يُقدِّموا للحياة أي شيئ تغتذي وتنمو وتتخصَّب وتغتني به الحياة، لكن فقط من عليائهم بهذا المنطق المانوي الاختزالي التسطيحي والساذج يجدون لذة ومُتعة خاصة نرجسية يغازلون بها أنفسهم العليلة في إصدار الأحكام على البشر والبشر العظام الكبار الذين تدين لهم الملايير – كما قلت لكم – من الأعداد من بني الإنسان وأيضاً في عالم الحيوان، فباستير   Pasteur بلا شك أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، قريبٌ منه وشأنه دانٍ من شأنه كل أيضاً مَن ساهم في تركيب دواء يُنقِذ حيوات الناس ويُطيل أعمارهم ويشفيهم شفاءً ناجعاً ودواءً شافياً من أوجاعهم وتباريحهم وأمراضهم، فهذا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، الصيدلي الذي يُركِّب هذه الأدوية فضلاً عن الذي أكتشفها أصلاً أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، الطبيب الذي يصفها بحذق ومهارة لأنه تعب وسهر ودرس دراسة حقيقية وأصبح طبيباً ماهراً ناجحاً وخبيراً فيُجري الله البركة والشفاء على يديه يُحيي النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، والعلماء الذين يعملون في كل المخابر بهذا الصدد وبهذا الخصوص مِمَن يُحيون النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، وكذلك الحال مع الفلاسفة والقانونيين والمُفكِّرين والأدباء والشعراء والفنانين والدعاة أيضاً والوعاظ وعلماء الدين واللاهوت الذين يبثون الفكر الإنساني وأفكار التواصل وأفكار التراحم وأفكار المحبة والتقارب وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ۩، قال الله إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ ۩، فليس فقط أن أصل أرحامي أو أهل بلدي أو أهل محلتي أو أهل ديني بل أن أصل البشرية وإخواني في الإنسانية، فهؤلاء المُفكِّرون والفلاسفة والقانونيون والأدباء والفنانون والشعراء والوعاظ والدعاة كأنما يُحيون النَّاسَ جَمِيْعًا ۩، لأنهم يمنعون كوارث وكوارث وكوارث كانت أيضاً ستذهب ألوف وربما ملايين الأرواح والأنفُس في حال وقعت وكرثت الناس، لكنهم كانوا حاجزاً ضد طوفان الشر بأفكارهم وفلسفاتهم وإنسانيتهم الغنية الواسعة وإنسانيتهم المُتفتِحة.

للأسف ونحن نتحدَّث حديثاً هو صلة أو وصل لحديث كارهي الحياة، وكما وعدتكم سنتحدَّث اليوم عن سمات وصفات ومُحدِّدات كارهي الحياة هؤلاء، أُحِب أن أسلف بين يدي الحديث شيئاً أوحت به الآيات العجيبة، فآية وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ ۩ – كما سمعتم – من سورة المائدة وجاءت تذييلاً على قصة ابني آدم التي قصها الله بالحق وتلاها بالحق، قال الله فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِيْنَ ۩ وبعدها مُباشَرةً قال مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا ۩، وهذا شيئ عجيب ويجذب ويسحر ويدهش، في الخطبة السابقة ذكرت لكم أن هؤلاء السطحيين وهؤلاء الاستقطابيين الاختزاليين من فقراء الإنسانية وفقراء المعنى لا يبالون بمثل هذه الآية العظيمة، وهى آية صارخة بالمعنى الأخلاقي، فالله يقول مَن قَتَلَ نَفْسًا ۩، ولا تستمع إلى بعض المُفسِّرين حتى من السلف الذين يقولون لك للأسف أن المقصود نبياً، هل الله قال نبياً؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ هل الله قال نبياً؟ الله قال مَن قَتَلَ نَفْسًا ۩، والقاعدة أن النكرة في سياق الشرط تَعُم، فهذه تَعُم كل نفس، هل كان يعجز الله أن يقول من قتل نبياً؟ هذا شيئ غريب يا أخي، لا يستطيعون أن يستوعبوا المنظور الإنساني الأكثر خصباً للقرآن الكريم، يقولون لك المقصود مَن قتل نبياً فكأنما قتل الناس جميعاً، وهذا غير صحيح، الله قال مَن قَتَلَ نَفْسًا ۩، وهنا تتساوى نفس الملك مع نفس خادمه ومع نفس الصعلوك، تتساوى نفس العالم الكبيرالنحرير مع نفس أجهل الجهلاء، لو قتل هذا ذاك يُقتَل به، لو قتل الملك خادمه عبده يُقتَل به، ولو قتل أكبر عالم يحمل جوائز نوبل Nobel وغير نوبل Nobel خادمه أو بوابه يُقتَل به، هذا القرآن وهذه التوراة، قال الله كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ ۩ وقال أيضاً قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا – أي من التوراة والقرآن، فالله يقول التوراة أيضاً كتاب هداية – أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩، ومن ثم تحك لحيتك الآن وتحتار، هذا عجيب فعلاً، هذه الآية كأني لأول مرة أسمعها، الله يقول أَهْدَىٰ مِنْهُمَا ۩، فهل القرآن يُؤكِّد أن التوراة كتاب هداية؟ طبعاً كتاب هداية، والأديان رسالات هداية بعيداً عن تدخلات وتحريفات البشر، قال الله إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۩، وهنا يقول أَهْدَىٰ مِنْهُمَا ۩، أي القرآن والتوراة، فالله يقول في القصص أين ما هو أهدى من التوراة والقرآن أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩؟ وهذا شيئ عجيب، لكن هذا هو الدين وهذا المنظور الواسع، ومع ذلك لا يبالون بهذا وينظرون باستخفاف متوارين خلف قاعدة شرع من قبلنا، ومن ثم ليس دائماً هو شرع لنا، وهذا غير صحيح، وهم – كما قلت لكم – يُضيِّعون فرصة غير طبيعية وفرصة مناداة من السماء، فلماذا قص الله علينا هذا؟ لماذا أورد الله هذه الآية؟ لكي يُدخِلنا في تحدٍ أخلاقي، ويقول التحدي أمامكم أن تُثبِتوا أنكم أكثر أخلاقية من بني اسرائيل، افعلوها وإلا عار عليكم أن يكونوا هم أكثر أخلاقية منكم لأنكم أنتم مُتأخِرون، وشرعيتكم لاحقة فيجب أن تكون أكثر استيعاباً، لماذا تنقص عن شريعة أخلاقية لبني اسرائيل؟ المهم ليس ما ذكرته اللافت، لكن اللافت العجيب الذي يسَّره الله – تبارك وتعالى – بفضله أن الله أتى بهذه الآية – وهذا شيئ الآن سيهزكم ويهز أعطافكم – عقب آية الغراب، كأن الله يقول الإنسان يجب أن يتعلَّم حين يجد ما يتعلَّمه ولو من دابة، ولا تُحدِّثني عن مسلم أو يهودي أو مسيحي أو هندوسي وإنما حدِّثني عن الإنسان الآن، أي الإنسان بما هو إنسان، وإذا تحدَّثنا عن الإنسان وعن الإنسانية فإننا نتحدَّث عن الأرضية – Ground -الآن، هل تعرفون ما هى الأرضية؟ الأرضية هى التي يُشاد عليها كل بناء بما فيه البناء الديني من عقيدة وشريعية، فهذا يُبنى على الأرضية، وبلا الأرضية لن يُوجَد أي شيئ، ولذلك القاعدة الأولى والأساس الأول إنسانيتك، وبعد ذلك يأتي الدين والثقافة والفكر والاجتماع، فلابد من الإنسانية، هى قدر مُشترَك بين البشر جميعاً ولذا هى الأرضية، والمُخاطَب بالتكليف مَن هو؟ الإنسان، والأنبياء يُرسلون إلى مَن؟ إلى بني الإنسان، فهنا يُوجَد قدر مُشترَك، والنبي حين يُبعَث في قومه يخاطب ماذا وبأي منطق؟ النبي يحتكم إلى شيئ مُشترَك بينه وبينهم فما هو؟ الإنسانية، يُوجَد شيئ وقدر مُشترَك بين النبي وبين قومه، سواء آمنوا أو كفروا به يُوجَد شيئ مُشترك، سواء ظلموه أو وفوه حقه هو شيئ آخر، سواء أذعنوا أو استكبروا هذه مسألة أخرى، ولذلك القرآن يتحدَّث عن الإنسان، هذا الإنسان المُكرَم والمُسخَر له مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ۩ والمُستخلَف من قبل الله تبارك وتعالى لا ينبغي بل يجب أن يتعلَّم حين يجد ما يتعلَّمه حتى من دابة وحتى من طير، تقول الآية الكريمة فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا ۩، فابن آدم الأول تعلَّم من غراب، إذن لماذا نستكبر عن تراث أخلاقي وُجِدَ في شرع بني اسرائيل المُوحَى إليهم من السماء ونتجاوزه بحجة أن شرعهم الآن ليس شرعاً لنا؟ لماذا؟ لأنك تريد أن يستحيل شرعك إلى شرع لا أخلاقي ولا إنساني، ومن ثم يُفرِّق بين البشر بحسب خلفياتهم المعتقدية والدينية، وهذا غير صحيح، الحياة هى الحياة والإنسان هو الإنسان والإنسانية هى الإنسانية، وهذا ما يُعطيه القرآن في عشرات الآيات.

إذن القرآن حسم المسألة، فالغراب قدوة لك، الغراب سابق عليك، إذن لا تُوجَد مشكلة في أن أتعلَّم من بني اسرائيل وأن أتعلَّم من شرع بني اسرائيل وخاصة أن هذا الشرع قصه الله وحكاه الله علينا، فهو يقول خذوه بقوة وتجاوزوه إن استطعتم، لكن كيف أتجاوز؟ كيف أتجاوز هذا الشرع؟ أتجاوزه بأن أمعن في حياطة الحياة وفي ضمان الحياة وفي تقديس الحياة وفي تكريم وتمجيد الحياة و في إجلال الحياة، ونحن الآن تقريباً ما عُدنا نعرف هذا لأننا لم نُعلَّم كيف نُجِل الحياة وكيف نوقرها، والدليل على ذلك أننا لا نجل الموت، والموت جليل جداً، فالحديث عن الجميل والجليل، الموت جليل وجليل جداً، فهو مهيب إذن، ومن ثم حين ترى شخصاً يُهدِّد بالانتحار – أي بنحر نفسه طبعاً، فهو سينتحر – تشعر بالروع – أنت تُراع – وتُداخلك هيبة كبيرة جداً من مجرد الحديث رغم أنه يتلاعب بالحديث ويُهدِّد أنه سينتحر – ربما سينتحر – فلماذا إذن؟ أسارع لأقول بكلمة واحدة لأنه يلعب بشيئ جليل وهو الحياة، فالحياة شيئ جليل جداً جداً، هذه الحياة هبة الله العظمى لنا، ما أوجدنا من عَدم ولا أمدنا من عُدم ولا أعدنا وخلقنا فسوانا فَعَدَلَنا في أي صورةٍ ما شاء ركبنا حتى نُهدِر هذه النعمة باستخفاف ولا نباليها بالاً، هذه نعمة عظمى، وتماماً انُراع ونَوجِل أيضاً حين يُلعَب ويُستخَف بالله عز وجل، فالحديث هنا عن الله، ولذا حديث الزنادقة والملاحدة نَوجل منه، فهو يروعنا ويهزنا – شفقاً طبعاً وليس إعجاباً – شفقاً وإنكاراً وارتياعاً، وكذلك نفس الشيئ مع الذين ينالون من الأنبياء، إذن كل جليل يُمَس جانبه تُداخِلنا من هذا المسيس روعة وتهيب، وبهذا المعنى نحن نشعر بهذا الارتياع وبهذا التهيب حين يتحدَّث أحد عن نيته في الانتحار، لكن نحن ما زلنا في البداية فلم نفقه جيداً ولم نتعمق المعنى، لماذا؟ لأن هذا حين يعبث بهذا المُقدَس وبهذا الشيئ الجليل وبهذا الشيئ الوقور والثقيل جداً وهو الحياة وإن تكن حياته كأنه يرسل إلينا رسالة يقول فيها أنا بعد أستخف بكل ما تُقدِّسون وما تُوقِّرون، كأنه يقول في مستوى أعمق وأنا بعد على أتم الاستعداد أن أجترم وأن أقترف أي جريمة، مثل أن أقتل أبي وأمي وإخواني وشيخي وأستاذي والبرءاء من الناس والكبار والصغار والأطفال، فأي شيئ يمكن أن أفعله، أنا مُستخِف بحياتي كيف لا أستخف بحياة أي أحد؟ وليس بالضرورة أن يفعل هذا هو أصلاً ولا أن يُهدِّد به لكن هذا هو معنى أن يُهدِّد بإنهاء حياته، فهو يعبث هنا، ولذلك أنا أقول لكم أن الموت في كتاب الله ليس شيئاً خفيفاً، الموت في الحس البشري – كما يُقال – والمنطق السليم والحس العام – Common Sense – ومنطق البداهة هو شيئ – كما قلت لكم – وقور وجليل ومُريع وفظيع وكبير جداً، وجرت العادة عبر التاريخ الإنساني ولا تزال جارية بالتلويح به في ردع مَن؟ في ردع العُتاة والطُغاة والمُجرمين الكبار، أليس كذلك؟ فيُقال للواحد منهم أنت ربما تتعرَّض لعقوبة الإعدام، وبهذا تقريباً يُمكِن ردع كثير من هؤلاء إذا علم فعلاً أن الموت بانتظاره، فالموت مهيب ومُخيف، هذا هو العقاب الأقصوي، ولا يُوجَد بعده عقاب، لكن إن وجدت مُجرِماً عاتياً يستخف حتى بهذه العقوبة فاعلم أنه لا سبيل، ماذا تفعل معه؟ هذا حسبه جهنم سيصلاها غداً، كيف تردع هذا وهو يستخف بالموت؟ فهذا المُجرِم الذي لا علاج له يخيف حقاً، لكن ما عسى ولماذا يستخف هؤلاء الذين تعلمونهم بالموت ويُقبِلون عليه بابتسام ويُبشِّرون به ويُمجِّدونه وكأنه شيئ مٌقدَس وجميل؟ هم يُروجِّون للموت كأنه جميل وليس جليلاً فانتبهوا، لكن الموت جليل وليس جميلاً، الموت لا يكون جميلاً أبداً، ماذا قال الله؟ قال فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ۩، فالله سماه مُصيبة، ولذا الموت مُصيبة حقيقة، والله يا إخواني كان الموت إلى وقت قريب يحتفظ بوقاره، وأنتم تعلمون هذا لأنكم عشتم هذا، إلى ما قبل ثلاثين سنة تقريباً ونحن كنا شباباً يافعين أو صغاراً كان الموت لا يزال يحتفظ بوقاره، حين تسمع بموت أحد في الحارة الكبرى أو في الحي أو في المُعسكَر أو في المدينة الصغيرة مباشرةً تجري شؤون العين وتجري الدموع ويرين الصمت على الناس ويُقال إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، ويتساءلون كيف مات؟ هل مات ميتة طبيعية أم مات بمرض؟ ثم تُقَص الحكاية والدموع تجري وتتغير السحن والابتهالات والضراعة، مشهد الجنائز كيف كان يكون؟ كيف كان مشهد التأبين؟ الموت كان له وقار، لكن الآن الموت مجاني ليس له وقار، فتسمع عن قتل مئات الآلوف والعشرات بشكل عادي، بل ويضحكون وهم يقتلون، يقتلون ويُقتَلون وهم يضحكون ويلعبون ويلهون، وهذا شيئ مخيف، فلماذا؟ السؤال لماذا أيضاً؟ لأنهم مُحِبون للموت ومُحِبون للفناء، لا يُحِبون الحياة ولا يُوقِّرونها.

إذن – حتى لا يتفلت منا الوقت – ما هى سمات وشيات وصفات وعلائم هؤلاء كارهي الحياة ومحبي الموت من النيكروفيليين – Necrophilist – والشخصيات النيكروفيلية؟ انتبهوا إلى أنني لا أبتدع شيئاً من عندي حتى نكون واضحين مع أنفسنا، أنا أذكر لكم الكلام الذي انتهى إليه العلماء الإخصائيون – المُتخصِّصون -فقط، مثل كبار علماء التحليل النفسي وكبار علماء النفس، فهم قالوا هذا بدراسات وتحقيقات، ولا أقوم بعملية تطبيقية، فليس لدي أي نماذج معينة أنكرها – منكورة – وآتى فأُلَبِّس عليها أو أستنبط وأنتزع منها سمات معينة، لا أفعل هذا أبداً، فهذا كلام غير علمي وبالتالي إن فعلت هذا فأنا أخدعكم، هذا غش في الكلام، لكن أنا أحكي لكم حديثاً علمياً، وهذا الحديث موجود في الكتب من عشرات السنين وليس من اليوم، فهذا لم يُوجَد اليوم من أجل بعض الناس الجماعات الإرهابية والجماعات الكارهة وإنما هو موجود في الكتب وينطبق على أفراد كما ينطبق على جماعات، فهناك أفراد نيكروفيليون، وهم الذين يؤجِّجون الحروب ويُسعِّرون نيران الحروب لأنهم يُحِبون الحروب، هم يُحِبونها ويُمجِّدونها ومن ثم هؤلاء نيكروفيليون سواء أكانوا قادة سياسيين أو قادة عسكريين أو قادة روحيين دينيين أو أياً كانوا، فالذين يحبون الحروب هم نيكروفيليون، لكن محمد لم يكن يحب الحروب حتى في سبيل نصرة دينه، فما رأيكم؟ الحرب غير محبوبة، كأن لسان حاله يقول ليت الله أو ليت القدر يُقيض نصراً وتمكيناً لهذا الدين بلا قطرة دم واحدة وبلا حرب وبلا نزاع، يا ليت هذا، والله يقول أنا أُحِب هذا وأُريد منكم أن تُفكِّروا وفق هذا المنطق، فالله هو الذي يقول في الفتح وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ۩، أي أنه يمتن عليهم بمنع الحرب، ويقول أيضاً وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ ۩ وهذا نفس الشيئ أيضاً، ويقول كذلك وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ ۩، فهو في الأحزاب يقول وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ ۩- انتبهوا إلى أن الله يقول الْقِتَالَ ۩ وليس شر القتال كما تقول العامة – بمعنى أنه يمتن عليهم بأنه كف عنهم القتال فالحمد لله على هذا، قال الله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ ۩، هنا الله يُخاطِب مَن؟ يُخاطِب أصحاب محمد وهم أطهر الناس، هؤلاء أطهر جيل، أليس كذلك؟ كأن الله يقول لهم أنا أعلم هذا ولذا عذركم معكم، فأنتم بشر ومن ثم أنتم مُحِبون للحياة.

مَيستر إكهَرت Meister Eckhart – المُعلِّم إكهَرت Eckhart‏ هنا في اللاهوت الغربي معروف جداً وهو أشهر المُعلِّمين – في القرن الثالث عشر يُحاوِر نفسه ويقول أنت تحب الحق فلماذا؟ قال لا أدري لكنني أُحِبه، ثم قال أنت تحب العيش والحياة فلماذا؟ قال وعزة ربي لا أدري إلا أنني أُحِبها، وهذا هو الإنسان الطبيعي، المُعلِّم إكهَرت Eckhart‏ يتكلَّم بإسم الإنسان الطبيعي، كل إنسان طبيعي مُتشبِث جداً بالحياة، وأبو العلاء المعري لفت نظرنا إلى أن تسريحك لبرغوث وقع في كفك خير من درهم تعطيه مسكيناً، لماذا؟ قال هذا المسكين مُتشبِث بالحياة وهذا البرغوث مُتشبِث بالحياة، فالله أعطى هذه الهبة العظيمة، هذه أعظم هبة للأحياء وهى تُقدِّرها إلا هؤلاء يُشكِّلون استثناءً، ومن ثم هؤلاء يعملون ضد منطق الله، فما رأيكم؟ هؤلاء ضد منطق الحياة طبعاً وضد منطق الله وضد إرادة الله، الله يُريد أن يُوفِّر الحياة وأن يحوطها وهو القائل فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ۩،وهذا شيئ مخيف، فالقرآن رسالته واضحة، تقريباً القرآن يقول لك ايأس من رحمة الله حين تقتل ظلماً، لا أمل لك في رحمة الله ومن ثم أنت انتهيت، فلا تقل لي غير هذا لأن هذه أعظم جريمة، وأنت تقترف أعظم جريمة وتتعدى على أعظم حق، فما الفائدة فيك؟ ما الخير الذي يبقى فيك يا أخي؟ أنت تُهدِر الحياة فهل يُمكِن أن ننتظر منك خيراً؟ لا والله لا نتنظر منك خيراً، لا خير فيك أصلاً لأنك تُهدِر الحياة، أنت موعود بالنار والعياذ بالله تبارك وتعالى.

المُسعِرون للحروب – كما قلت كلم – يعملون ضد منطق الله وضد منطق السماء وضد منطق الشرائع وضد منطق الأنبياء والرسل، والصحابة كانوا يفهمون هذا، وقد حدَّثتكم مرة عن في لغز – وقد تم حله بفضل الله وتم تفكيكه – كان يُحيرني إلى حدٍ ما عن هؤلاء الذين يقتلون بلا مبالاة ويُقتَلون بلا مبالاة، فأسهل شيئ عندهم الواحد منهم أن يُفجِّر نفسه في الأبرياء فانتبهوا، نحن نتكلَّم عن الأبرياء، لكن الصحابة لم يكونوا كذلك، الصحابة لم يتوفَّروا على مثل هذه الشجاعة كما يُقال، لكن هل هذه شجاعة؟ هذه ليست شجاعة، هذه نيكروفيليا Necrophilia، هذا مرض واختلال في الشخصية، لكن الصحابة لم يكونوا هكذا، وقد حدَّثتكم مرة من على هذا المنبر عن حديث حذيفة بن اليمان حين قال له كوفي والله يا صاحب رسول الله لو كنا نحن مع رسول الله ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على الأعناق، أي أنه يستقل علاقة أصحاب رسول الله برسول الله، فهو يراها قليلة ويقول لو كنا نحن – وهو من التابعين – مكانكم لخدمناه أكثر، وهذا معنى أنه يقول لو كنا نحن مع رسول الله ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على الأعناق، فقال له حذيفة بن اليمان لا تقل هذا يا ابن أخي فوالله لقد كنا مع رسول الله عليه الصلاة وأفضل السلام – يُريد في الخندق – فقام يُصلي حتى صلى هوياً من الليل – أي قطعةً من الليل – فلما انصرف من صلاته قال مَن رجلٌ يقوم إلى القوم فينظر ماذا يصنعون ثم يرجع – يقول يشترط عليه الرجعة – ادعوا الله أن يكون رفيقي في الجنة؟ فما لباه منا أحد مع شدة الخوف ومع شدة الجوع ومع شدة البرد، فهم لديهم خوف شديد من الأحزاب – تسعة آلاف بعد الخندق – وجوع شديد وبرد شديد، فلم يلبه ألف صحابي ولا عشرة ولا واحد، قال فوالله ما لباه منا أحد، فأعادها النبي وهكذا إلى آخر ما تعلمون، فهم يُحِبون الحياة، هذا ليس جبناً وليس شُحاً وليس ضعف إيمان وإنما إنسانية، وهذا هو الإنسان، فالإنسان يحب الحياة، الإنسان السوي وليس المُختَل وليس المُضطرِب وليس المجنون لا يُمكِن أن يُضحي حياته إلا في سبيل ما يخدم الحياة وبما هو أعظم من حياته كفرد، فما رأيكم؟ هذه فلسفة التضحية فقط، فلا يمكن أن أضحي حياتي إلا في سبيل ما يجعل الحياة -حياة أهلي وذوي وربعي وعشيرتي وحياة الإنسانية – أكثر بركة وأكثر طيبة ويجعل العالم مكاناً أكثر صلاحيةً وأكثر طيباً للعيش، ففي هذه الحالة على رغمي إذا أضطررت أن أضحي حياتي سأضحيها ولن أتأخر، بمعنى أنك تضحي حياتك من أجل كرامة أو من أجل حق أو من أجل نصرة العدالة أو من أجل المُستضعَفين المُضطهَدين، فأهلاً وسهلاً بهذا، وتأمل كتاب الله من أوله إلى آخره وسوف تجد أن هذه مُبرِّرات أن تُقاتِل في سبيله فقط وليس أن تعتدي على الناس وليس أن تُعطي حياتك بالمجان لأنك تريد أن تصل للآخرة، لا والله هذا غير صحيح، وخذوا إليكم هذه النُقطة يا أحبتي في الله:

هذا العالم الكبير الوسيع المُمتد السحيق بث الله ونثر فيه من آياته بعدد ما أبدع فيه من مصنوعاته:

وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آية ٌ                                     تَدُلّ على أنّهُ الواحِدُ.

كم بث الله من آية؟ بقدر ما أبدع من مصنوعات ومخلوقات، آيات لا عدد لها فلا يحصيها إلا الذي أوجدها وأبدعها، فهذه كلها آيات وهذا العالم بهذه الصفة مَن يفشل في أن يتواصل مع الله عبره وبه وفي أن يعرف الله عبره وفي أن يُذكِّره هذا العالم بالله هو – وأقسم بالله على هذا – أفشل من أن يصل إلى الله بمجرد الموت، الله حين خلقك وأعطاك نُهزة وأعطاك عمراً – يصل إلى خمسين أو ستين أو سبعين أو مائة سنة – في هذا العالم الذي استخلفك فيه وجعلك منه في الذروة أرادك – وهذا هو معنى الابتلاء، فهذا ابتلاؤه – أن تتعرف إليه – لا إله إلا هو – وعليه وأن تتذكره فلا تنساه وأن تصل حبلك بحبله وأن تزدلف إليه كل يوم قربة جديدة وأن تكدح إليه كدحاً، فتكون أدنى إليه اليوم منك بالأمس وغداً منك اليوم عبر هذا العالم حتى تلقى الله، ولذلك أنا أقول لكم المؤمن الحق وخليفة الله الحق لا يُحِب الموت إلا بمبررات ضئيلة جداً جداً جداً، ويُحِب أن يُمَد له في حبل الحياة لكي يزداد قرباً من الله تبارك وتعالى، أنت لا تبلغ الله إلا عبر هذا العالم ولا تبلغ الآخرة وما أعد الله لك فيها إلا عبر طي مراحل هذا الوجود الدنيوي المعاشي ولا تصل إلى المعاد إلا عبر المعاش، هذه نُقطة أيضاً أخرى خذوها إليكم:

أنت لا تصل إلى المعاد عبر المعاش بالسطح أو بالسطوح أو بالقشور فقط، وكان هذا يتعبني حقيقةً، فأنا لم ارتح روحياً إلا بعد أن اكتشفت هذا الشيئ، بمعنى أننا كنا نقرأ دائماً مثل الذين قرأوا كتب التصوف والتربية الروحية وإحياء علوم الدين للغزالي وغيره، وحين تقرأ هذه الكتب يرين عليك بل يتلبسك اعتقاد ويقين جازم غير مُتردِد أنك ينبغي أن تستغل كل لحظة في ذكر باللسان أو في صلوات أو في قراءة قرآن أو في عمل خيري عبادي بالشكل الطقوسي دائماً، وطبعاً تقرأ قصص عن إبراهيم التيمي وغيره وما قيل مثل ولو نُفِخ الآن في الصور ما قدرت على أن أزيد في عبادتي فتنزعج، هذا مُزعِج للإنسان لأن الإنسان لا يستطيع هذا، والنبي طبعاً هديه لم يكن كذلك بالمرة، ويقولون لك هذا يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة وهذا تسعمائة وهذا خمسمائة، لكن النبي لم يكن كذلك، والنبي حتى في قيام ليله كما تقول عائشة في الحديث الصحيح لم يكن يزيد على ثماني ركعات، فلا تسأل عن طولهن وحسنهن، يُصلي ثماني ركعات فقط، الحكاية ليست بالعدد فانتبه، يُرهِقك ويُتعِبك جداً أن تعمل ليل نهار ومع كل نَفَس – قال لك حاسب نفسك على الأنفاس، فكل نَفَس لا بد أن يخرج مع تسبيحة أو مع تحميدة أو مع تهليلة أو مع ركعة أو مع صدقة – وإلا تخسر، لا يا رجل، أنا أقول لك هذا المنطق السريع – منطق السرعة – منطق ميكانيكي ومنطق آلي تفشل معه وبه أن تصل إلى الله وأن تتعرف على الله، تُصبِح مجرد آلة مفجوعة في نفسها ومبتوتة الصلة بعمقها بل لا عمق لها، لكن أنا أريد أن أعيش وبهدوء، هذا دين ليس فيه حرج وليس في اعنات، أريد أن أعيش لالتقط الرسالة ولأصل إلى عمق رسالة الله – رسالة السماء- لأن في كل شيئ له رسالة عز وجل، أريد أن أفهم العمق بالذات فيما يختص بي أنا كبشر، ليس كبشر فرد وإنما كنوع وكإنسان وكبني آدم، أُحِب أن أفهم هذا جيداً لذلك يأتي تواصلي مع إخواني من البشر، فأتواصل مع البشر وأُحاوِل أن أفهم البشر وأتفهم البشر، فأصبح خبيراً في هؤلاء البشرالآدميين، وهذه طريق قصيرة جداً إلى الله وعميقة، فهى عميقة فعلاً، أعماقها مُتراكِبة، فإذا تحدَّثنا عن هذا العمق حذاري من أن تأتيني بالواعظ، لا تأتني بالواعظ، إياك أن تأتيني بالواعظ، لكن ائتني بالفنان وائتني بالروائي، وأنا أقول لك أنك سترى الإنسان، أنت ستبدأ خبرة معرفة البشر ومعرفة الإنسان، سل نفسك الآن وسلوا أنفسكم وأنفسكن هل أنتم مُغرمون بالدراما Drama أم مُغرمون بالأكشن Action؟ معظم الناس مُغرمون بالأكشن Action، وذلك لأنهم سطحيون، هؤلاء لم يعرفوا كيف يغتنون بالأدب وبالفن، هؤلاء لم يطرحوا سؤالاً لكي يسمعوا الجواب، لماذا الطفل لن أقول يفشل وإنما لا يُقبِل أصلاُ على الدراما Drama؟ مستحيل أن ابنك وهو ابن سبع سنوات أو تسع سنوات أو حتى عشر سنوات أو أربع عشرة سنة يُقبِل على هذا، يرفض أن تقول له تعال نجلس لنقرأ رواية لأديب عالمي عظيم أو لخبير بالنفس الإنسانية لكي نرى النماذج البشرية في هذه الرواية ولكي نرى العالم وهذه الكينونات الفذة العجيبة ذات الفرادة، فكل شخصية ذات فرادة، أنا مُتفرِّد جداً وأنت مُتفرِّد جداً وهى مُتفرِّدة جداً، كل واحد منا عالم بحياله بل كون كبير، لكنه للأسف مُغلَق على نفسه، وهذا غير صحيح، الخبرة الإنسانية في عمقها خبرة دينية روحية، وكما قلت لا تصل إلى الله إلا عبر هذه الخبرة تماماً، كالخبرة مع زوجتك كما قلنا، الخبرة مع الزوجة ومع الجنس الآخر ومع النفس الآخر لا تأتي إلا كذلك، وأنت لا تصل إلى الله إلا عبر هذا، ولذلك انتبهوا إلى التفكير المقاصدي، لماذا كان مَن قتل نفساً خطأً يجب أن يدفع كفارة؟ ما هى الكفارة؟ عتق رقبة، وما كفارة الظهار؟ عتق رقبة، الكفارات العظمى فيها عتق رقبة، فما علاقة عتق الرقبة بالكفارة   لكي تكون كفارة؟ إذن ما هى فلسفة الكفارة؟ فلسفة الكفارة بكلمتين: الحدود الشرعية والأوامر الشرعية والعبادات الشرعية مجعولة أساساً من أجل أن تتواصل بها مع إخوانك البشر الآدميين، ولذك إذا انتهكت هذه الحدود وكسَّرت هذه الأوامر عليك أن تدفع كفارة، وهى كفارة مُكلِفة، فهذا ثمن كبير – عتق رقبة – لكن عليك أن تدفع الكفارة، وهذه الكفارة خدمة للإخوة في الإنسانية، فتحُرِّر البشر، لأنك كنت عبداً لنزوة وربما لرغبة – والرغبة نصف مصيبة أما النزورة مصيبة كاملة، والفرق بينهما موضوع ثانٍ – فهنا كنت إنساناً ضعيفاً، لست ذلك الإنسان المُتدين القوي، أين تظهر قوتك؟ في التعاطي مع الآخرين باحترام إنسانيتهم واحترام حقوقهم، يوم خضعت للنزوة والرغبة ضَعُفت فأصبحت خطيراً على المجتمع، عليك أن تُعدِّل المسار وعليك أن تُرقِّع هذا الفتق وهذا الخرق بخدمة الإنسانية، هذه فلسفة الكفارة وهذا هو الدين عموماً، هذا هو الدين أصلاً لكي نتواصل مع البشر.

إذن فعلىَ بالروائي، أبعدني من الواعظ، الروائي يُعيد إليك إنسانيتك السليبة دون أن تدري، فما رأيك؟ أنا أعتبره أكبر ساحر، ويلذ لي جداً أن أتخيَّل ربي – لا إله إلا هو وأن أُفكِّر في ربي – لا إله إلا هو – على أنه مُستودَع الروايات كلها، يسحرني هذا الفكر دائماً، كيف؟ بمعنى ماذا؟ كل واحد فينا بحد ذاته هو قصة وحكاية، أليس كذلك؟ كل واحد هو رواية، ولا نحتاج إلى تولستويTolstoy أو ديكنز Dickens أو هوجو Hugo أو شتاينبك Steinbeck أوغير هؤلاء لكي يحكي لنا روايات مُتخيَلة، كلنا روايات، كلنا دراما Drama، كل واحد فينا بطل عالمه، هذه الحكايات أو هذه الحكايا وهذه الروايات كلها عند مَن؟ عند رب العالمين، هو الذي يعلمها بكل تفاصيلها وبكل تضاريسها الدقيقة جداً جداً، فهو مستودع كل هذه الحكايات، لذلك تقول الآية الكريمة أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ۩، هو أكبر عالم ودارٍ – لا إله إلا هو – بالبشر وببني آدم، وهو أكبر حكم عدل في حقهم، أليس كذلك؟ كيف تُعيد إليك الدراما Drama ما قلنا؟ لكن طبعاً لم نجب عن سؤال الطفل ابن خمس سنوات أو ابن حتى خمسة عشر سنة، فمن الصعب أن تُجلِسه لكي يقرأ معك دراما Drama أو لكي يتابع فيلماً -Movie – عن الدراما Drama، سوف يقول ما هذا؟ أي فيلم – Movie – عن الدراما Drama كله حديث وكله كلام وأحياناً دموع وأحياناً ابتسامات، ما هذا؟ هو يُريد أكشن Action ويُريد Rambo، لماذا؟ طبعاً أنا أفهم الطفل هذا واتفهمه، لأن الطفل في هذه الدراما Drama مرئية أو مكتوبة يتعرض لجواب عن سؤال لم يطرحه، هو لم يطرح هذا السؤال ولا يُريده، المُصيبة فيك حين تكون كبيراً وحين تكون ناضجاً إن نضجت أو راشداً ولا تستطيع أن تتواصل مع البشر عبر الدراما Drama، فلا تُحِب الدراما Drama وإنما تُحِب الأكشن Action، وهذه مُصيبة تعني أنك لم تطرح حتى السؤال، أنت لم تصل حتى إلى حد أن تطرح السؤال، لذا أنت كائن خطير، ومُمكِن بسهولة أن تتحوَّل إلى إرهابي على كل حال، قليل من الضغط عليك والضغط على ظروفك – سواء مادي أو معنوي هذا الضغط – وسوف تتحوَّل إلى إرهابي لأنك غير مُتواصِل، أنت كائن غير اتصالي مع البشر.

في علم النفس التحليلي صنفان من الناس يفشلون في أن يتواصلوا مع الناس، مَن هم؟ الأطفال حديثو الولادة والمجانين، في علم التحليل النفسي الطفل حديث الولادة لا يستطيع أن يتواصل، طفل ابن يومه ولا يُدرِك حتى أمه، يُدرِك فقط جزءً من الثدي الذي يتناوله، وبعد ذلك يبدأ الإدراك لكن إدراكاً تشيئياً آلياً وليس وظفياً أو عضوياً، هذا إدراك ميت ينتمي إلى الموت ليس إلى الحياة، فهذا طفل الآن، ثم يبدأ يزداد شيئاً فشيئاً حتى يبلغ مرحلة النضج الحقيقي وزايلته الغرارة، أي لم يعد غريراً ساذجاً، والسذاجة أخت التفاهة، فالشيئ التافه يقولون عنه Trivial، من التفاهة Triviality، هل تعرفون ما هى التفاهة؟ السطحية، إنك لا تنفذ إلى الجوهر ولا تنفذ إلى العمق وتبقى مع السطوح – مع سطوح البشر ومع سطوح النص ومع سطوح الأحداث ومع سطوح المعنى – فقط، وهذه إسمها تفاهة، والتفاهة دائماً والسطحية واحدية بمعنى أنك تلمح من الظاهرة أياً تكن هذه الظاهرة حتى لو مُعقدَة ومُركَبة وجهاً واحداً فقط ومن زاوية صغيرة جداً، هذه واحدية وتفاهة وسطحية، ماذا يُقابِلها؟ الحكمة، هل تسمعون بالحكمة والإنسان الحكيم؟ أنا أعُرِّف الحكمة بأنها توصيل أقطاب وإضعاف الاستقطاب، وهذا عكس الواحدية وعكس السذاجة والتفاهة Triviality، فالحكمة توصيل أقطاب، هناك دنيا وآخرة نصل بينهما، هناك وحدة عضوية، لكن يُوجَد أُناس لا تُؤمِن إلا بالآخرة وتكره الدنيا، ولذا هم نيكروفيليون قتلة، ويُوجَد أُناس لا تؤمن إلا بالدنيا، والواحد منهم مُنكِر وكافر بالآخرة، أي أنه مادي مسحوق، فيعيش المسكين ويموت مُبتئِساً مطحوناً وينتهي في النهاية إلى خواء، ولا تُحدِّثنى عن هذا المعنى على لسان شاب، فالشاب لا يعرف هذا، الشاب الآن يقول لك الحياة لها معنى عندي، ويُحدِّثك عن الإنجاز، واسأله بعد أربعين سنة حين يكون أوفى على الغاية في كل انجازاته ما معنى الحياة؟ وسوف يقول لك لا شيئ، في عناقيد الغضب – Grapes of Wrath – ماذا يقول الواعظ السابق كاسي Casy حين سأله توم جود Tom Joad أي طريق تسلك إلى بيتك؟ قال في الحقيقة لا أدري، منذ فقدت روحي غدت كل الطرق مُتشابِهة، إذا فقدت الروح وإذا فقدت الإيمات وإذا فقدت التوجه إلى الله فأنا أقول لك كل شيئ يُساوي كل شيئ في النهاية، لكن هذا ليس وأنت شاب، وإنما وأنت شيخ، وسوف تتحسر لكن لا موضع الآن للحسرة، انتهى كل شيئ، هذا هو خزّان المعنى الحقيقي للأيمان.

المعاني كلها مُتداعية، يدعو بعضها إلى بعض ويستدعي بعضها بعضاً، إذن الحكمة هى توصيل الأقطاب، أي دنيا وآخرة، وعقل وعاطفة، لست عقلاً وحده ولست عاطفة جياشة وحدها، أنا عقل وعاطفة، أنا روح وجسدن لست روحاً هائمة ملائكية فقط ولست جسداً ترابي طيني أو حيواني، أنا روح وجسد، وعقل وعاطفة، ودنيا وأخرة، وفرد وجماعة، فنصل بين الأقطاب ونُخفِّف حدة الاستقطاب، هذه هى الحكمة وهذه هى التعددية، وهذا ما يُنقِذنا، فما رأيكم؟ هذا يُنقِذنا حتى من الخرف وحتى من الجنون فضلاً عن أنه يُنقِذنا من الجريمة والإرهاب والقتل و الإلغاء للآخرين، خذوا هذه البُشرى العجيبة جداً:

في علم الدماغ والأعصاب يُوجَد مُصطلَح جديد جداً عمره سنوات يسيرة إسمه الخزين او الإحتياطي العقلي أو الإدراكي Cognitive Reserve، ما هو هذا الاحتياط الإدراكي؟ هذا مُصطلَح سأشرحه لكم الآن وطبقوه أنتم، أشخاص بعد أن ماتوا وقضوا تم تشريح أدمغتهم فهال الطبيب المُشرِح أن هذه الأدمغة كان ينبغي أن يعيش أصحابها في ظلام طامس دامس لأن أكلها الزهايمر Alzheimer’s تماماً، فهى منخورة نخراً تاماً لكن العجيب والمثير جداً أن عائلات هؤلاء وأصدقاء هؤلاء والحياة العامة لهؤلاء كلها تُؤكِّد أنهم حتى آخر لحظة عاشوا أسوياء تماماً ولم يعانوا لا من الخرف ولا من النسيان ولا من الإظلام، يعيش الواحد منهم بشكل عادي مثل أي شخص آخر، فكيف؟ هذا جنن العلماء وقالوا هذا مستحيل، ما الذي حصل؟ هذا الذي أوحى بهذا المُصطلَح الجديد الذي يُعرَف بالاحتياط الإدراكي Cognitive Reserve، لكن ما معناه؟ طبعاً تم وضع دراسة ونظريات جديدة ونماذج للتحليل جديدة وتبيَّن أن هؤلاء كانوا دائماً يُشغِّلون عقولهم وفي قضايا مُختِلفة، فيهتم الواحد منهم بالسياسة ويهتم بالأدب ويهتم بجيرانه ويهتم بالناس ويقرأ الكتب ويُواصِل ويتواصل، فهو لا يعيش حياة بسيطة واحدية ومن ثم تغلَّب حتى على الزهايمر Alzheimer’s، مع أن الزهايمر Alzheimer’s دمر مخه – الدماغ مُدمَر مأكول – لكنه حتى آخر لحظة عاش عاقلاً سوياً مُتماسِكاً على قدميه.

لماذا ذكرت هذا؟ ليس من أجل هذه المعلومة العلمية أو الطبية، لكن لأن حين تُدرك الوجود دائماً بمناظير مُركَبة وحين تتعاطى مع البشر دائماً بمناظير مُركَبة وليس بمناظير مانوية – أسود وأبيض ومسلم وكافر وصالح وطالح ويستحق الحياة ولا يستحق الحياة، نعود إلى خُطب المشروطيات أبداً، ينبغي أن تُدرِك البشر في مشروطياتهم من خلال مناظير مُركَبة جداً جداً، فتقول ماذا لو كنت مكانه وماذا لو كان مكاني وماذا وماذا باستمرار – هذا ينقذك حتى من الجنون، ليس فقط من الجريمة وليس من خطيئة أن تحكم على الآخرين وأن تُخطيء الآخرين وإنما من الجنون أيضاً، هل تعرفون مثلها مثل ماذا؟ مثل شخص يتوجَّه دائماً من بيته إلى عمله وفي طريق العودة من عمله إلى بيت عبر طريق أو طريقين فقط، وفي يوم من الأيام قُطِعَ الطريق لداعٍ من الدواع، فماذا يفعل هذا؟ قُطِعَ يه، سيظل ينتظر المسكين، قد ينتظر يوماً أو يومين أو شهراً أو شهرين لأن ليس عنده أي وسيلة، وطبعاً هذا في عهد ليس فيه Navigator ومن ثم لا يُمكِن أن يتعاطى مع هذه الأشياء، لكن يُوجَد شخص آخر خريت دائماً يُفضِّل أن يذهب وأن يعود من أكثر من طريق، مثل أن يذهب وأن يعود من خمسة أو ستة أوعشرة طرق، فما الذي يحصل؟ إذا سُدَ طريق يُوجَد طريق آخر، وإذا سُد الآخر يُوجَد طريق ثالث ورابع وإلى آخره، وهكذا التفكير أيضاً وهكذا التعاطي مع الدين ومع النص ومع البشر ومع الحياة ومع الوجود ومع نفسي ومع كل شيئ، فهذا يحدث أيضاً مع قدري، سُد طريق يأتي طريق، سُد باب يفتح الله – كما يقول العوام – ألف باب، أليس كذلك؟ يجب أن تبني دائماً مناظير مُركَبة في التعاطي مع كل شيئ، هذا يُنقِذك من الجنون ومن الهبل ومن الظلام ومن الجريمة.

نعود إلى كارهي الحياة أصحاب المنطق النيكروفيلي من مُسعِّري الحروب، لعلكم تذكرون أنني مرة ذكرت لكم قصة الفيلسوف الإسباني ميجل ديه أونامونو Miguel de Unamuno مع الجنرال الدموي الذي كان أحد أتباع الجنرال فرانكو Franco، هذا الجنرال الأعرج جاء إلى جامعة سلامنكا Salamanca التي عميدها الفيلسوف الكبير أونامونو Unamuno والذي فاز بسخط أربع حكومات مُتتالية لنقده السياسي اللاذع والمُلتزِم بمصلحة الجمهور طبعاً، فأربع حكومات لعنت أونامونو Unamuno بسبب هذا، وجاء هذا الجنرال الدموي الأعرج يخطب في الجامعة وجعل أتباعه يهتفون (يحيا الموت، يحيا الموت)، أي viva la muerte بالإسباني، والفيلسوف عميد الجامعة سمع هذا وقال ما هذا؟ كيف يُقال يحيا الموت؟ كيف لأُناس أن تهتف للموت؟ فقام وقال مُعلِّقاً سمعت اليوم نعيقاً نيكروفيلياً أحمقاً، وأنتم الآن فهمتم ما هى النيكروفيليا Necrophilia؟ تمجيد الموت وحب الموت في كل مظاهره وفي كل تداعياته، ولذا قال سمعت اليوم نعيقاً نيكروفيلياً أحمقاً، ثم قال مُستتلياً أستطيع أن أفهم وأن أقول بلا أدنى نبرة استخفاف إن الجنرال – يتحدَّث عن الجنرال الدموي – أعرج مَعوق – وكان أعرج فعلاُ – بسبب الحروب، فلا بأس وكذلك كان ميغيل دي ثيرفانتس Miguel de Cervantes أبو دون كيشوت Don Quixote، وثيرفانتس Cervantes هو أديب اسبانيا العظيم، فهو قال   ثيرفانتس Cervantes كان أعرج وأنت أيضاً أعرج فلا بأس، وطبعاً هذا كان في أول أسابيع الحرب الأهلية التي امتدت من سنة ست وثلاثين إلى سنة تسع وثلاثين طبعاً بين القوميين والجمهوريين – القوميين فرانكو Franco وجماعته، والجمهوريين الشيوعيين اليساريين والفوضييون وإلى آخره – وعلى كل حال قال إسبانيا الآن فيها عُرجان كثيرون وهى موعودة بمزيد من العُرجان إن استمرت هذه الحرب الملعونة، واسمعوا الآن العبارة العجيبة جداً وتذكَّروا مُصطلَح العنف التعويضي الذي ذكرته لكم في الخطبة السابقة، والعنف التعويضي هو الذي يأتي كتعويض عن فشل في عيش الحياة وعن فشل في الإنجاز وفي الإبداع، أي في أن أعيش حياتي بسوية أنسانية، ومن ثم يأتي العنف التعويضي، وهو في جوهره سادي، ولكن السادية لا بمعنى الالتذاذ بإيلام الأخرين، هذا مظهر السادية، لكن عمق السادية تحويل الإنساني إلى آلي ميكانيكي، تحويل الإنساني إلى شيئ، إخضاع الإنسان لهيمنتي كشيئ من الأشياء بلا روح وبلا استقلال وبلا عنفوان وبلا جموح، فهذه هى السادية، والسادية جوهر العنف التعويضي وسببها ما تعلمون، وعلى كل حال قال عبارة عجيبة جداً لأنه فيلسوف ولديه عشرات الكتب له وثلاثة آلاف مقالة، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، فهو فيلسوف هائل، قال لكن إن أعرج – عن الجنرال طبعاً – يفشل في أن يعيش حياته كما ينبغي وأن يُعوِّض عن فشله يميل مباشرةً إلى تسكين مشؤوم، تسكين ماذا؟ تسكين ألمه الباطني وتسكين شعوره بالنقص inferiority، فهو يُسكِّن هذا، لكن كيف يُسكِّنه؟ من خلال التعويض، قال يميل إلى تسكين مشؤوم عبر تشويه كل ما حوله، وأعظم تشويه ما هو؟ الحرب والموت والدمار، فلما سمع الجنرال هذه الكلمة جُنَّ جنونه وقام يصرخ بعرجته قائلاً (يسقط العقل)، لأنه فيلسوف قال له يسقط العقل، وقام أتباعه يهتفون (يحيا الموت، يحيا الموت)، فقال لهم لا بأس تستطيعون أن تنتصروا عليّ ويُمكِن حتى أن تنتصروا في هذه الحرب – وقد انتصروا فيها – ولكن لا يُمكِن أن تُفحِموني، هذا معبد العقل – يُحدِّثهم عن الجامعة – وأنا كاهنها الأكبر، لكي تُفحِموني يجب أن تُقنِعوني، ولكي تُقنِعوني أنتم تفتقرون إلى ما يمكن أن تُقنِعون به العقل، عبثٌ أن أُحاوِل مرة أخرى فقد فعلت هذا مرات أن أنصحكم بأن تفكروا في إسبانيا، أنتم لا تُفكِّرون في بلدكم، وهذا الآن لمَن نقوله؟ للقتلة والإرهابيين والطائفيين والمُنفلِتين في بلاد العرب والإسلام، نقول لهم يبدو أنه من العبث أن نُذكِّركم فكِّروا في أوطانكم وفكِّروا في دينكم وفكِّروا في أمتكم، قد فعلنا ولكن لا حياة لمن تنادي، من العبث أن تُخاطَبوا لأنكم تفتقرون إلى العقل وإلى الحد الأدنى من العقل.

للأسف يدركنا الوقت، بقيَ لدينا أقل من عشر دقائق يا أحبتي في الله، النيكروفيلي مُغرَمٌ بالموت وبكل ما يُذكِّر بالموت، ومُحِبٌ للبراز – أكرمكم الله – وللقذارة وللظلام وللكهوف، مُحِبٌ للجثث ومُحِبٌ للقبور ومُحِبٌ للموت وللجنازات، مُحِبٌ للبكاء والدموع وليس للضحك، كل ما يُذكِّر بالمو النيكروفيلي مُتطبِّع به، النيكروفولي أيضاً مُحِبٌ للقوة ومُتطبِّع بالعنف – بعنف القوة وبالعنف غير العادل – ولا يتطبَّع لا بالعقل ولا بالمحبة وإنما بالقوة والعنف، مبهورٌ بالقتلة ومُحتقِرٌ للمقتولين، وأنتم ترون كيف يُقتلون أحياناً ويحرقونهم حتى لا يتم التعرّف عليهم، فهو يقول أنه يحرق رفيقه في الدرب ورفيقه في الجهاد ويقول احرقه وارمه، لأنه يحتقر المقتولين، وهو مبهور بالقتلة من أمثاله، النيكروفيلي مهووس بالنظام، وهذا عكس ربما ما تظنون، وهو مهووس بالقانون، وهو شخص حرفي لا يُدرِك المشروطيات، ليس عنده أي مجال للحكمة العملية التي تحدَّث عنها أرسطو Aristotle وقد حدثتكم عنها، وليس عنده هذه المهارة والقدرة وهذا الكلام أبداً، مهووس بالقانون لأن القانون تحديد ولأن القانون تذكير بشيئ عكس الحياة، الحياة فيها جموح وفيها عنوان وفيها انطلاق وفيها استقلال، لكن القانون تحديد، علماً بأن كل الحكومات الفاشلة عبر التاريخ لا تهتم بالأحياء ماداموا أحياء لكن شخص واحد يموت قتلاً تقوم الدنيا ولا تقعد، لماذا إذن؟ هل أنتم مُهتَمون بحياتنا؟ أنتم غير مهتمين بالناس الذين لا يجدون ما ياكلون ولا ما يشربون ولا ما يسترون به عوراتهم، لماذا اهتممتم بواحد قُتِل؟ ليس من أجل الحياة وإنما احتفاءً بالموت الذي يُذكِّر بوجود السلطة، كأنهم يقولون أننا هنا فتذكَّروا، أننا نضبط الأمور والأمور قيد السيطرة، وكذلك النيكروفيليون أيضاً، فهم مُعجَبون ومهجوسون بالقانون وبالنظام، وهم حرفيون جامدون، حين تنظر إلى بشرة أحدهم – أي إلى وجهه – كأنما شم ريحاً كريهة، من الصعب أن ترى شخصاً نيكروفيلياً يضحك ضحكة إنسانية، والله العظيم بعض الأشخاص يضحك ضحكة – أقسم بالله – أنا أخاف منها، ضحكة كريهة جداً تُذكِّر بأشياء مخيفة، ويُوجَد بشر حين يضحك أنت تضحك معه، وعلى كل حال النيكروفيليون لا يُحِبون أن يضحكوا، فهم – كما قلت لكم – يكرهون الضحك ويُحِبون الحزن والبكاء والألم في الآخرين بالذات وفي أنفسهم أيضاً، لأنهم لا يُحِبون الضحك، لماذا؟ الضحك يُحرِّر كما في آخر إسم الوردة لأمبرتو إكو Umberto Eco‎، وطبعاً هذه قصة طويلة فاقرأوها، وهى قصة مشهورة في العالم كله الآن، هى من أشهر روايات الأدب العالمي على الإطلاق الآن، وكل القصة مبنية على إخفاء أمين المكتبة خورخي Jorge للكوميديا لأرسطو Aristotle، أي لكتاب الكوميديا، لماذا؟ الضحك ممنوع، وقتل في سبيل ذلك سبعة من الكهان – سبعة من الرهبان – وقال في النهاية للقاضي المُحقِق الفرنسيسكاني طبعاً لأن الضحك يُزيل الخوف من الشيطان، الضحك يُزيل الاخوف من الله، الضحك يُزيل الخوف من القانون، والقانون المفروض بقوة الخوف، والضحك يُذكِّر بالحياة، ولذا هو مكروه عند هؤلاء، فهم لا يُحِبونه وإنما يُحِبون البكاء والشعور بالذنب، لا يُحِبون الضحك والإقبال على الحياة.

للأسف أدركنا الوقت، لعلنا نُكمِل – لا أدري – في فرصة أخرى، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسلمياً كثيراً.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

الشخص الكاره للحياة والمُحِب للموت يجد نفسه في الماضي لا في المستقبل، لا يعنيه المستقبل، انتبهوا إلى أنه لا يفكر في المستقبل، كل تفكيره دائماً في الماضي، حتى شخصيته تتحدَّد بالذكريات وبما حصل وليس بما يُمكِن أن يحصل، هذا الشخص النيكروفيلي فانتبهوا، وهذه سمات عجيبة تجدونها فعلاً في شخصيات موجودة في الساحة الآن للأسف وهى تُمزِّق عالمنا.

يتعاطى مع الحياة والأحياء بهذه الطريقة، وبالكاد طبعاً يقع الأحياء – أعني البشر طبعاً بالأحياء – في مجال رؤيته، فهو لا يشعر بهم، هو فاشل في التواصل مع البشر أصلاً، هو لا يستطيع أن يتواصل مع البشر، وهو فاشل في التواصل مع نفسه ومع الزمان والعصر ومع الآخرين من البشر، لذا هو شخص مُخيف مُرعِب.

النيكروفيلي – كما قلت لكم – يُفكِّر في الماضي وليس في المستقبل، ولا يتواصل مع البشر أصلاً إلا عبر إرادة الهيمنة والإخضاع والقوننة باستمرار، لابد من الإخضاع والقوننة بإسم ما يريد، وطبعاً حين يُسعِفه النص بأن يتسطَّح مزيد تسطّح وأن يفتقر فلسفلياً وأدبياً وفنياً وإنسانياً يكون هذا منتهى المراد، هذا ما يُريده تماماً بإسم النص، النص يُفقِر هؤلاء قبل أن يُحوِّلهم إلى قتلة، لكن الذنب ليس في النص ولكن في موقفهم الكاره للحياة، و من المُؤكَّد أن النص مُنفتِح على الحياة وفق قراءات أخرى كثيرة وهى القراءات السوية، وإنما يحدث هذا بسبب موقفهم هم من النصوص وخاصة النصوص الإلهية المُقدَسة.

النيكروفيلي يُحِب أيضاً أن يُحوِّل – كما قلت لكم – كل ما هو حيوي إلى لا حيوي، ويُحوِّل العضوي إلى لا عضوي، فهو يُميته ويُحنِّطه، ولذلك يتعامل مع البشر بهذا المنطق اللاعضوي، منطقه آلي ميكانيكي لا وظيفي، وهو يُدرِك الأجزاء ولا يُدرِك البُنى – Structure – أبداً، فهو لا يدرك البنية ويفشل تماماً في التقاطها لأنه لا يُحِبها، وهو – كما قلت لكم – فقير الخيال أيضاً ومن ثم لا يُحِب المجاز – Metaphor – ولا يُحِب أن يذهب بعيداً معه، لا يُحِب هذا بالمرة.

هذا هو النيكروفيلي، وعكسه تماماً هو الـ Biophilist، وهو الشخص المُحب للحياة والمُوقِّر للحياة، نحتاج – وأختم بهذا – إلى قراءة جديدة للدين وإلى تأسيس وبعث ثقافة دينية جديدة الآن تكون ثقافة مُحِبة للحياة وللأحياء وبارئة من حب الموت وحب مُحِبي الموت.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، اللهم أصلِحنا وأصلِح بنا، اهدنا واهد بنا، اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر برحمتك يا أرحم الراحمين.

نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحُب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من أفضاله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: