إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ۩ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ۩ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ۩ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ۩ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ ۩ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ۩ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ۩ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ۩ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ۩ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ۩ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۩ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ۩ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ۩ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين .
إخواني وأخواتي:

هذا السياق الألوهي الجليل المُنخرِط في الحجاج والدفاع عن إلاهية الإله الواحد – لا إله إلا هو – وعن المدى اللا مُتناهي الذي تعمل فيه قدرته وتظهر فيه حكمته سياقٌ له نظائر في كتاب الله – تبارك وتعالى – إلا أن النبرة فيه قوية ومُؤثِّرة وفاعلة فضلاً عن أنه يختزن صنوفاً من الأدلة عجيبة في عمقها، ليست بالغامضة إلا أنها عميقة غائرة، فإذا أدرنا أن نجتزئ مثلاً – والمقام لا يسمح إلا بالإجتزاء – بقوله جل من قائل”أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ۩ سنجد أن هاته أدلة، فدليلان أو أكثر يُمكِن أن ينحل منهما أكثر من دليل ولكن في الظاهر هما دليلان رئيسان ” فتق الرتق وإخراج الكائنات الحية وإبداعها من الماء، جعلها من الماء”، دليلان رئيسان يدعوان إلى الإيمان مُباشَرةً، ولن نتكلَّم عن قضية الفتق والرتق فهذا الموضوع يحتاج إلى كلام طويل الذيول وضافٍ كما تعلمون جميعاً، والموضوع حرج علمياً، حسَّاس ومُعقَّد وصعب علمياً، وأيضاً له حراجته الدينية على الأقل من منظورات مُعيَّنة.

العالم الشهير ستيفن هوكينج Stephen Hawking يُحدِّثنا عن أنه سنة ألف وتسعمائة وخمس وثمانين في مُؤتمَر لعلماء الفلك والكونيات – الكوزمولوجي Cosmology – في الفاتيكان Vatican التقوا بالبابا يوحنا بول الثاني John Paul II أو بولس الثاني Boulosl II، يقول هوكينج Hawking” الذي نصح لنا بالقول: إنه من المسموح، من المأذون الذي لا بأس به أن تدرسوا طريقة عمل الكون أي كيفية عمله واشتغاله حالياً، أما مسألة كيف وُجِد الكون ومصدر الكون فكفوا عنها، لا تبحثوا فيها” فالبابا يوحنا بول الثاني John Paul II ينهاهم بالمنطق الوصائي فطبعاً لا يزالون يُمارِسون الوصاية أو الوهم الجميل بالوصاية على البشر، على العلماء الكبار من أمثال هوكينج Hawking، ومن هنا يقول هوكينج Hawking ” وكان من حُسن حظي أنني لم استمع إلى نصيحته في جزئها الثاني،
أما في الجزء الأول فالعلماء أصلاً يشتغلون، يعملون لكي يعرفوا كيف يعمل الكون أوصاهم أم لم يُوصهم، أما الجزء الثاني – كفوا عن البحث في مصدر الكون – فلم استمع إلي نصحيته فيه”، ولكن نُريد تعليل فلماذا علينا أن نكف عن البحث في مصدر الكون ؟!

قال لهم البابا الراحل” لأن هذا من عمل الرب” وكأن عمل الكون الآن أيضاً ليس من عمل الرب، فيبدو أنهم أذعنوا وسلَّموا بالمزاج العلمي والمنطق العلمي الصارم – بين الغالط من وجهة نظرنا كمُؤمِنين، كلاهوتيين بل والغالط جداً، ويبدو أن الكنيسة تورَّطت في هذا لتجعله خطأً مُركَّباً، فهو خطأ مُركَّب لأنهم في البداية رفضوا حتى فكرة القوانين، فالبابا جون John أو يوحنا الحادي والعشرين في القرن الثالث عشر اعتبر كل مَن يقول ويُنادي بفكرة أن هناك قوانين تعمل في الوجود – في علم النبات، في الحيوان، في الأجرام السماوية، في أي شيئ، القوانين كالقوانين العلمية الطبيعية – مُهرطِقاً ، فهو اعتبره وعدّه مُهرِطقاً بقوله”هذه هرطقة Heresy” أي بدعة في العقيدة، فالبدعة في العقيدة تُسمى هرطقة هنا Heresy، أم الـ Heretic فهوالمُهرطِق، المُبتدِع في العقيدة، الزنديق، أي أن في السياق الإسلامي لدينا هذا تقريباً يُعادِل الزنديق من أكثر من وجه، ولأنه من أكثر من وجه يُعادِل الزنديق يُمكِن أن نُترّجِم الـ Heresy بالزندقة، البدعة العقدية المُكفِّرة المُخرِجة من الملة.

وهوكينج Hawking نفسه في موضع آخر يتندَّر على البابا جون John أو يوحنا الحادي والعشرين فيقول” من سوء حظه أن القوانين ظلت تعمل – أي سواء كنت تعترف بها أو تُنكِرها فالقوانين موجودة وتعمل، فهناك قوانين حاكمة على الكون، تحكم الكون، سلوك الموجودات -، ومن سوء حظه أنه بعد بضعة أشهر سقط سقف القصر عليه ليقضي” ، فلماذ قضى – مات – الرجل ؟!
“قانون الجاذبية، فالجاذبية تعمل، فلو لم يكن هناك قانون للجاذبية وتشقَّق هذا السقف لما وقع، حتى لو انفضلت قطعة كبيرة منه لبقيت مُعلَّقة في الهواء لأن ليس ثمة جاذبية، ولكنها تقع لأن قانون الجاذبية يعمل، فهو لا يزال يعمل رغم إنكار البابا”

إذن هوكينج Hawking يسخر منه، ولكن بعد ذلك خاصة ضمن مُحاَولات اللاهوت الطبيعي ذات الصبغة الدينية طبعاً والعلمية المُزدوَجة أو المزيجة تم الاعتراف بأن هناك قوانين، ولكن للأسف الشديد يبدو أنهم بشكلٍ أو بآخر يظنون أن هذه القوانين تعمل وحدها وبمعزل عن الله، لا يتدَّخل الله إلا – كما قال أيزك Isaac أوإسحاق نيوتن Isaac Newton مرات معدودة – لكي يُعدِّل حين تظهر بعض الشذوذات غير الانتظامية، حين تُؤخِّر الساعة فيضطر الله أن يتدخَّل الله لكي يُعدِّل كما أنه تدخَّل حين يُريد أن يُحدِّث مُعجِزة، يُبرِز مُعجِزة – المعاجز Wunder Miracles, كمعاجز الأنبياء وحتى والقديسين والأولياء عندهم – ، إذن فالبابا بهذا المنطق – وهذا المنطق عبر قرون تراكم بهذه الطريقة – يعترف أنه لا بأس أن تبحثوا في القوانين التي تُسيِّر الكون ولكن لا تبحثوا عن أصل الكون، لا تبحثوا عن كيف وُجِد وانبثق – الانبثاق Emergence – ونشأ، لا تبحثوا في هذا مُبرِّراً ذلك بقوله “لأن هذا من عمل الله”، تماماً كما يذهب الآن بعض سُذج علماء ديننا من المشائخ – وطبعاً قلة قليلة بفضل الله ونادرة جداً جداً جداً، فهؤلاء تقليديون تماماً علماً بأن حتى التقليديون لم يكونوا يمنعون من هذا حقيقةً – أخذاً بظاهر قوله مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ۩ إلى حُرمانية البحث في هاته الموضوعات بقولهم” ممنوع إذن أن تبحثوا لا في نشوء الكون ولا في نشوء الإنسان، إذن التطوّر غلط مُنذ البداية أصلاً، فالكلام في هذه القضية غلط مُنذ البداية”، فهكذا هم يُفكِّرون

والكلام أيضاً في نظرية الكوزمولوجيا Cosmology يتعلَّق بكيف نشأ الكون وكيف يعمل وكيف يستمر، أي عن مثاره ومساره ومصيره، وهذه هى الكوزمولوجيا Cosmology، فمثاره – يعني نشأة الكون – ومساره ومصيره هم مُلخَّص مباحث الكوزمولوجي Cosmology الرئيسة الكُبرى الثلاث، ومع ذلك قال لهم البابا لا ممنوع هذا لأن هذا من عمل الله، أما هوكينج Hawking فيرى أنه من حُسن حظه أنه لم يستمع إلى هذه النصيحة وواصل العمل ليصل في النهاية إلى أن الكون أوجد نفسه بنفسه وأنه لم تعد ثمة حاجة إلى الله فاختفت فكرة الله عنده في حاق ذهنه، في حيز دماغه بالكامل، ويدّعي أنه سعيد بهذه النتيجة، وطبعاً هو يخلط خلطاً شنيعاً بين العلم الذي يُحسِنه وبين الفلسفة، الفلسفة العقلية التي لا يُحسِنها مثله مثل ريتشارد دوكنز Richard Dawkins ومثل العشرات من هؤلاء العلماء الذين هم حُجج قوية في مجالاتهم العلمية بلا شك – حُجَّج مُحترَمة ولهم وزن وثقل كبير- إلا أنهم إذا تكلَّموا في الفلسفة – وهم يتكلَّمون، يفعلون – يأتون بالعجائب، فالمبادئ البسيطة لا يُحسِنونها، لا يُدرِكونها، وطبعاً يعرف هذا الفلاسفة ويتندَّرون عليهم لأنهم يخلطون خلطاً بشعاً بين هذا وهذا، وذلك لأن لديهم قضية يُريدون أن يُبشِّروا بها وهى قضية الإلحاد، فهم يُريدون أن يُقنِعوك أن الله غير موجود، علماً بأن العلم وحده لا يُمكِن أن يُقنِعك بأن الله موجود أو بأن الله غير موجود، فما رأيك ؟!

فليس هناك ثمة علاقة إطلاقاً، أي أن أي مُقدِّمة علمية بحد ذاتها – وذكرت أنا هذا في مُحاضَراتي في المطرقة وفي كتابي مطرقة البرهان فهذه ناحية فلسفية هامة – لا علاقة لها بقضية الألوهية لا من قريب ولا من بعيد، بحد ذاتها هى هكذاولكن إذا جعلتها مُقدِّمة في قياس، في استدلال منطقي هنا يصلح أن تكون مُقدِّمة ومُقدِّمة مُفيدة جداً ومُثمِرة، ولكن هذا القياس كله في نهاية المطاف يخضع لقوانين عقلية، أي عمل عقلي، فليست القضية علمية – Scientific -، وهذا الشيئ مُهِم وينبغي أن نُنبِّه عليه لأن هذه الأشياء من بسائط ما يعرفه دارس الفلسفة – A B C فلسفة – ودارس المنطق، ولكن وهؤلاء لا يعرفون هذا ولذلك يقعون في الخلط دون أن يدروا أنهم يخلطون وأنهم يُشوِّهون الحقائق بمثل هذه الطريقة.

وعلى كل حال ما قاله وحذَّر منه في معرض السخرية الإنجليزي أنتوني كينيAnthony Kenny هو أن الملاحدة يرضون لعقولهم أن تُسلِّم بأن الكون وُجِد من لا شيئ، وكذلك كيفية وجوده كانت بواسطة لا شيئ أيضاً -From Nothing By Nothing – أي أن لا شيئ من لا شيئ أوجد الشيئ، علماً بأنه قال هذا ساخراً طبعاً، وهذا شيئ، ويبدو أن هذا أصعب بكثير أن تُسلِّم به إذا كنت تحترم عقلك من أن تُسلِّم بوجود الإله الذي يُوصَف بقوة عاقلة حكيمة مُدبِّرة قوّنَنت أو قنَّنت القوانين وأوجدت كل شيئ من عدم وما إلى ذلك، فهذا أسهل بكثير من أن تقول اللا شيئ أوجد الشيئ، وكأن اللاشيئ شيئ وشيئ حكيم ودقيق وذكي، فأنت تدّعي أن اللا شيئ من اللا شيئ أوجد الشيئ، أوجد الكون وأوجدني لكي أتكلَّم هنا بهذا المنطق وأوجدكم لكي تستمعوا وتُفكِّروا وتسخروا أيضاً وتضحكوا وتتبسَّموا، وهذا غير صحيح، فما هذا؟!

هذا منطق الآن علماء كبار عندهم قضية يُدافِعون عنها وهى قضية الإلحاد، ولكن وهل كل العلماء كذلك؟!

لا لا لا لا لا، اللهم لا، هناك علماء كبار جداً أيضاً وحاملون لنوبل Nobel مُؤمِنون، عميقو الإيمان بالله، ويرون أو ينظرون إلى أمثال هؤلاء الملاحدة على أنهم يتورَّطون في مُناقَضات منطقية وعقلية بشعة، علماً بأنني لخَّصت المسألة قبل سنين بالقول بأنه لكي تُلحِد عليك أولاً أن تنتحر عقلياً، وأعلم أن هذه العبارة عميقة وغير مفهومة، فليس من السهل أن يضح معنى هذه العبارة لكل أحد، ما معنى أن أنتحر عقلياً ؟!

ومن هنا خُطبة اليوم مُحاوَلة لفك هذه العبارة، لتفكيك هذه العبارة، فكيف؟!

لماذا علىّ أن أنتحر عقلاً إذا أردت أن أُلحِد؟!

ولماذا المُلحِد بالتالي مُنتحِر عقلياً مع أنه حامل نوبل Nobel في الفيزياء، في البيولوجي، في الفسيولوجي Physiology، في الطب، في التاريخ، في الفلسفة – أعتقد لا يُوجَد نوبل Nobel في التاريخ ولا في الفلسفة طبعاً -، أو في أي مجال آخر فهو عالم كبير وحُجة على مُستوى العصر؟!

ولكن طبعاً يُوجَد حُجج على مُستوى العصر والعصور مُؤمِنون وجيدون جداً مثلما يُوجَد حُجج ملاحدة، إذن القضية ليست في حُجة السُلطة، ومن هنا لا تُفكِّروا بهذه طريقة لأن هذه مُغالَطة – مُغالَطة السُلطة -، فلا تقل يا أخي هذا علَّامة وهل أنت مثله لكي ترد عليه، لأن هذا كلام فارغ بدليل أن هناك علَّامة ثانٍ مثله وأكبر منه ولكنه مُؤمِن، إذن سنأخذ الإيمان قضية مُسلَّمة دون أن نبحث لأنه هناك علَّامة كبير قال بهذا، فأرسطو Aristotle كان مُؤمِناً بالله وتحدَّث عن المُحرِّك الذي لا يتحرَّك أو المُحرِّك الرئيس – Prime Mover -، أي المُحرِّك الرئيس الأوحد الكبير، فهو تحدَّث عن الــ Unmoved Mover وعن الـ Prime Mover، وهذ أرسطو Aristotle نفسه، ومَن هو هوكينج Hawking ومَن أينشتاين Einstein ومَن كذا إذا قُورِنوا بأرسطو Aristotle العقل الجبَّار الذي قلَّ نظيره؟!
شيئ مُذهِل مُخيف طبعاً، ولكن لا تُقارِن بين فيزياء أينشتاين Einstein – الفيزياء الذكية المُتطوِّرة جداً – وبين فيزياء أرسطو Aristotle طبعاً ، فأنا هنا أتحدَّث كعقل، كشخصية، كإباداع، كقدرة لذا هنا أرسطو Aristotle مُذهِل بل أكثر من مُذهِل، فهو شيئ مُخيف حقيقةً ومُرعِب، ومن هنا قلَّ أن يتكرَّر هذا الرجل، قلَّ أن يتكرَّر مثل هذا العقل، وهذا رجل مُؤمِن بالله وعنده براهينه العقلية التي من الصعب أن تنقدها أو تردها، من الصعب جداً حتى تنتحر عقلياً، حتى ترفض كل المنطق العقلي وكل طبعاً القياسات المنطقية المُعترَف بها والتي يشغب عليها بعضهم هنا وهناك ومرةً ومرة.

فما القضية إذن؟!

القضية قضية نشأة الكون، ونعود إلى الآية الكريمة علماً بأنني لن أتحدَّث عن الفتق والرتق لأن القضية قضية نشأة الكون ومن هنا جاء استطرادي، ولكن باختصار ما هو الرتق؟!

الله قال كَانَتَا رَتْقًا ۩ولم يقل كانتا مرتوقتين، علماً بأن الرتق مصدراً ومن ثم هذا وصفٌ بالمصدر، فإذا وجدَت المُتكلِّم يصف شيئاً بالمصدر فاعلم أنه يُبالِغ – يُريد أن يُبالِغ -، وبالتالي المُبالَغة هنا تُعبِّر عن شدة الالتصاق والانضمام – سبحان الله – كأنها إشارة إلى تلك المُتفرِّدة التي يتحدَّثون عنها – Singularity – التي كانت فيها القوى الكونية الأربعة – وهى الجاذبية والنووية القوية والنووية الضعيفة والكهرومغناطيسية – مُلتحِمة في شيئ واحد غير مُتميِّز، شيئ لا نظير له إطلاقاً، والله فالله يقول كَانَتَا رَتْقًا ۩ ولم يقل كانتا مرتوقتين، علماً بأن الرتق والفتق مصدران – رتق يرتق رتقاً، وفتق يفتق فتقاً -، فهو يصف بالمصدر، فأنت إذا قلت ” فلانٌ عادل ” هذا يُعَد أمراً عادياً لأنك تصف بالمُشتَق الآن بقولك” فلان عادل “، ولكن تقول حينما ” فلانٌ عدل ” هذا أبلغ بكثير، وكذلك الحال عندما تصف بالصفة المُشبَّهة وتقول ” فلان رحيم ” أمراً عادياً ولكن حينما تقول” فلان رحمة ” هذا أبلغ بكثير، وكذل الحال مع ” فلان حبَّاب، مُحِب” و”فلان حبٌ”، أليس كذلك؟!

ومن هنا المسيحي يقول “الله محبة”ن ونحن نقول “الله رحمة”، والله محبة أيضاً وحبٌ ورحمةٌ، والشاعر اللطيف من قديم كان يقول:

أفيضوا على عزابكم من بناتكم                 فما في كتاب الله أن يُمنَع الفضلُ

إذا لديكم بنات زائدة فزوِّجوا عزابكم يا عرب الآن!

وفيهن فضلٌ قد علمن به                             وهن به جودٌ وأنتم به بخلُ

“وهن به جودٌ” وصف بالمصدر، فلم يقل أيه جائدات أو جوّادت، وإنما قال جودٌ، وهن به جودٌ، وكذل الحال في “وأنتم به بخلُ “، فلم يقل بخلٌ ولا بخلاء، وإنما قال بخلُ، وأنتم به بخلُ ، أي وصف بالمصدر.

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَارَتْقًا ۩، إذن الرتق ما هو؟!

الالتصاق والتضمام، فهو يعني لغةً التصاق وتضمام أجزاء الشيئ، علماً بأنني لست من مدرسة الإعجاز العلمي في القرآن والسُنة، لست منه وأنا مُخالِف لهذا الاتجاه عموماً، ولكن أنا أتكلَّم عن المُعجَم، فهذا هو المُعجَم، هذه لغة العرب قبل البيج بانج Big Bang و الـ Steady State Theory وقبل كل هذا الكلام، فهكذا هى اللغة العربية، فهذا هو الرتق، وعكسه الفتق أي التفريق، المُباعَدة بين أجزاء الشيئ وأبعاضه، ولكن السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقًا ۩ على الجُملة أم على التوزيع؟!

الاحتمال قائم، مُمكِن على الجُملة ومُمكِن على التوزيع، بمعنى أن السماوات والأرض معاً كَانَتَا رَتْقًا ۩ يعني مرتقوتين معاً إذن على الجُملة، ومُمكِن على التوزيع لغةً، فاللغة تُعطي هذا حسب علم البلاغة، أي أن السماوات كانت رتقاً وحدها، بحد ذاتها، والأرض بحد ذاتها كانت رتقاً، والفتق أيضاً يتبع الاحتمالين، فالفتق إما أن يأتي على الإجمال – فتق المُجمَل – أو فتق المُوزَّع، أي فتق هذه بحيالها وفتق هذه بحيالها، فكل هذا تُعطيه اللغة، وسنكتفي بهذا لأنني – كما قلت – لن أخوض في هذا الموضوع -نشأة الكون -، إذن الله يقول كَانَتَا رَتْقًا۩، ولكن سيقول لي أحدهم ولكن الله يقول أَوَلَمْ يَرَ ۩ فما معنى هذا؟!

هذه رؤية علمية – انتبهوا -، فإذا كان الموضوع يتحدَّث عن شيئ لا تراه بالعين، ولا يُعرَف إلا بالتفكّر والتأمّل وإعمال الذهن والفكر فالرؤية تكون علمية، كولادة النبي في عام الفيل، ومع ذلك الله يقول له أيش أَلَمْ تَرَى۩ مع أنه وُلِد في هذا العام، ولكن الرؤية هنا علمية، فهو سمع وأدرك هذا ويُسلِّم به لأنه مُتواتِر، قومه يروونه بالتواتر، ينقلونه تواتراً طبقياً، إذن هذه الرؤية علمية، أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ۩ ، هذه رؤية علمية وليست رؤية بصرية طبعاً حتى لا يقول لي أحدهم أن القرآن مُتناقِض، وهذه هى المُشكِلة فلا يُوجَد تأسيس بالمرة، لا لغة، لا بلاغة، لا نحو، ولا أي شيئ ومع ذلك يقول لك القرآن مُتناقِض، ويأتي يتكلَّم ويُلحِد ويكفر بكتابه ودينه ونبيه ويُضيِّع فرصة سعادة الأبد، فنسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا وأن يعصمنا من كل هذه النزغات ومن كل غرور الكلام بغير علم ، فعدم وجود العلم هو الذي يُعطي الإنسان غروراً.

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۩ ، من ابتدائية في الظاهر، جعلنا كل شيئٍ حي من الماء، جعلناه وانتهى الأمر، وجعلناه هنا تُشير إلى أن الجعل فعل لازم أم مُتعدٍ؟!

لازم، فهو هنا ليس بمعنى حوَّل وصيَّر، علماً بأن الجعل الأصل فيه التحويل والتصيير فيقتضي مفعولين كجعل العنب خمراً والخمر خلاً، فهذا الجعل التحويلي التصيري يقتضي مفعولين، فجعل الخمر خلاً: الخمر مفعول أول وخلاً مفعول ثانٍ!

قال – تبارك وتعالى – وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ۩ أي خلق فقط فجعل هنا بمعنى خلق لأنها أخذت مفعولاً واحداً، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ۩ فقط ولم يقل وجعل الظلمات والنور آيةً لكم، ولو قال ذلك لأصبح الجعل تحويلي وهذاموضوع ثانٍ يتعلَّق بالمفعول لأجله وهذا موضوع آخر، وعلى كل حال هنا في ” آية الأنعام ” وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ۩ الجعل بمعنى الخلق ويقتضي مفعولاً واحداً وليس مفعولين، وكذا الحال في وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ۩ ، وطبعاً واضح هذه الرؤية علمية، فنحن لم نركيف يُجعَل كل شيئ حي وكل دابة من ماء كما أخبر وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ ۩ فمنهم ومنهم ومنهم، لم نر هذا بالعينين ولكن بالعقل وبالدراسات أيضاً العلمية اتضح هذا بشكل أقوى وأكثر وثاقةً، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ۩ ، فما العلاقة هنا؟!

فقد يقول لي أحدهم: كيف نعرف هذ ؟!

الذي نعرفه أن الأرض موجودة كما القمر موجود والماء موجود فهذه المخلوقات موجودة وصحيح أن الماء داخل في تكوينها، ولكنمن أين لنا أن الله هو الذي فعل هذا؟!

لماذا ينبغي أن يكون الله هو الذي فعل هذا؟!

وهذا السؤال فيه شيئ من الذكاء طبعاً، يعني ينبغي أن يُسأل فلماذا لا يُسأل؟!

وهذا الدليل – أن الله جعل مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۩ – ليس كما تظنون بتلك البساطة، والآن العلماء يتكلَّمون عن هكذا دليل في مئات الصفحات، لأن هذا الشيئ مُذهِل، مُحيِّر ومُخيف، ويتحدَّثون عن ما يُعرَف بمُلاءمة الماء الفريدة -Unique Fitness Of Water -، ولكن ما هى المُلاءمة الفريدة للماء؟!

هذه المُلاءمة -Fitness – لماذا؟!

للحياة، لنمط الحياة الكربوني، علماً بأن المُتعضيات – Organisms – طبعاً – الكائنات الحية على هذا الكوكب بشكل عام – حياتها من نمط الحياة الكربونية، ومن هنا الكيماء الحيوية، الكيمياء العضوية كلها تُسمى كيمياء الكربون Carbon Chemistry، فالكربون Carbon هذا مُذهِل جداً جداً جداً – سبحان الله – وعنده قدرة على خلق صداقات وعلاقات ومعارف – روابط طبعاً ومُركَّبات -، فهو شيئ عجيب وغريب، وإلى الآن العلماء عرفوا زُهاء أو أكثر من خمس وستين مليون مُركَّب داخل فيه الكربون Carbon، لك أن تتخيَّل هذا العدد – خمس وستين مليون -، فالكربون Carbon عنصر كيمياوي يدخل في خمس وستين مليون مُركَّب، علماً بأن الكربون Carbon لا مكان له لكي يُنشئ هذه المُركَّبات الكربونية العضوية الحيوية في غير بيئتنا هذه، لأن كل الظروف مُلائمة له هنا وبالذات النطاق الحراري فهو مثالي تماماً هنا – بالألمانية يقولون Ideal أو Optimal -، أما في الزهرة انس أن يحدث هذا لأن الحرارة مُرتفِعة جداً على الكوكب هذا، وكذلك انس هذا في أورانوس Uranus لأن الحرارة مُنخفِضة جداً ومن ثم لا مكان للمُركَّبات ولا لنمط حياة كربوني أصلاً، أما في الأرض فالأمر مُناسِب، وكذلك الأمر مع الماء، وطبعاً أنا خُطبتي اليوم ليست عن مُلاءمة الماء فهذا يحتاج إلى خُطب بل يحتاج إلى مُحاضَرة في الحقيقة، مُحاضَرة من بضع ساعات لكي نتحدَّث ونُلخِّص كلام العلماء المُتخصِّصين في مُلاءمة الماء للحياة وللمُتعضيات لأن هذا شيئ مُذهِل ومُحيِّر، وتُوجَد قوانين عدة كالقوانين الرياضية في اللزوجة وفي الضغط ، وغيرها من الأشياء التي لا تكاد تُصدَّق والتي إذا لم تقف عليها سيكون من المُستحيل أن تتخيَّلها ولكنها موجودة ومع ذلك أنت تظن أن المسألة عادية وبسيطة، وفي الحقيقة لا يُوجَد شيئاً بسيطاً، فالله يقول وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ۩ ، وطبعاً من المبادئ التي نعرفها عن هذه المُلاءمة وهذه التكيفية – أشياء بسيطة يعرفها حتى الصغار – أن الكائنات الحية على نسب هائلة من الماء ، فالنباتات والخضراوات – بالذات كالخس والـ Onion مثلاً والبطيخ والخيار – تحتوي على من خمسة وتسعين إلى ثمانية وتسعين في المائة من ماء، فهذا هو الحال في الحياة النباتية، وكذلك الأمر نفسه مع الحيوانات التي تحتوي على كميات هائلة من الماء، أما الإنسان فزُهاء ثلاثة وسبعين في المائة منه ماء – عجيب – علماً بأن الطفل الصغير يحتوي على نسبة أكثر من هذا تصل إلى زُهاء تسعين في المائة وأحياناً أكثر، فالطفل الصغير الرضيع أكثر من تسعين في المائة منه ماء، ولكن الراشد حوالي سبعين في المائة فقط لأن هناك عظام ومشاكل ما لديه أكثر من الطفل، ولك أن تتخيَّل هذا في سائر الدواب والمُتعضيات التي تحتوي على الماء بوفرة، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۩ ، فماذا بعد إذن؟!
أول شيئ كون هذا الماء سائلاً يُعَد مسألة مُهِمة جداً جداً جداً فضلاً عن أنه ليس كأي سائل بل هو سائل بكل ما ستسمعون من المواصفات علماً بأنها بعض المواصفات والخصائص وليست كلها، فلو كان غازاً ما صلُحَ وكذلك الحال لو كان مادة صلبة -Solid – لن يصلح، ولكن لماذا الغاز غاز؟!

لماذا يتغيَّز الغاز؟!

لأن الذرات فيه حرة الحركة – داشرة كما يُقال – بلا ضابط وبلا رابط، فهى تتحرَّك كيفما تُريد، إذن لا يُمكِن من الغاز أن يخلق أو يُركِّب أو تنشأ منه مُركَّبات مُستقِرة ، هذا مُستحيل، وكذلك لا يُمكِن أن يكون هناك مُركَّبات ميكروسكوبية – مثلاً – مثل الخلية ومُكوِّناتها، عليك أن تنسى هذا،وهذا ما يحدث أيضاً في حالة الشيئ الصلب، فالشيئ الصلب الحركة فيه محدودة جداً جداً ومُقيَّدة على عكس الغاز، وبالتالي هذا لا يصلح للعمليات البيوكيميائية، وطبعاً كل الحياة تحتاج إلى العمليات البيوكيمياوية، علماً بأن هذه العمليات كثيرة جداً جداً جداً وأيضاً مُذهِلة ومُعقَّدة فتحتاج إلى حركة، وهذه الحركة نشطة تُسمى التفاعلات، حيث يُوجَد تفاعل – Activity – بل تفاعلات – Activities – كثيرة جداً، فكل الاستقلاب هو عملية تفاعلات لهذه المُستقَلبات، فيُوجَد تفاعلات وصعود وهبوط وانتشار – Diffusion – وامتصاص وأشياء عجيبة غريبة، ومن هنا كان السائل مُناسِباً، ولكن ليس أي سائل بل لابد أن يكون السائل بمُواصفَات مُعيَّنة، ولا أعرف ماذا أقول الآن فالمُحاضَرة اليوم ليست عن الماء، وكانت أُريد أن أتحدَّث عن الماء لأنه حديث جميل ومُلهِم ومُدهِش ويُحرِّك ملكة التفكّر في عظمة الله، في بديع صنع الله، في آيات الله ، فهذا هو التفكير الآيوي، ولكننا سنتحدَّث عن بعض الأشياء البسيطة كاللزوجة – Viscosity -، فما هى اللزجة – لزوجة الماء – أصلاً؟!

اللزوجة بشكل عام هى عملية احتكاك بين جزئيات المادة، وكلما كانت هذه العملية كبيرة وعالية كلما كانت اللزوجة مُرتفِعة، والعكس صحيح، هذه هى اللزوجة، والماء سائل مُتدني اللزوجة ، يكاد يكون أو يكاد يبلغ الحد الأدنى، نعم في سوائل أخرى أكثر لزوجةً منه كالأثير Ether فهو أكثر لزوجة منه بأربع مرات وقيل أكثر من هذا، ولكن عموماً هو في الحدود الدُنيا وهذا مُناسِب جداً، أما القطران فلزوجته عشرة مليار أكثر من الماء، ولك أن تخيَّل معنىعشرة مليار مرة أكثر من الماء علماً بأنه يصعب جداً على العلماء المُتخصِّصين أن يتخيَّلوا هذا، علماً بأنه صعب جداً على أحد أن يتخيَّل أصلاً أن العسل الأسود المصري – عسل قصب السكر أو النخل، النخيل يضخ – مثلاً – في الأوردة والشُعيرات الدموية، فهذا مُستحيل طبعاً فهو لزج بل وأكثر لزوجة من الماء بمراحل، فكيف يحدث هذا وهذه الأنابيب ضيقة ثلاثة ميكرون Micron – هذه الشُعيرات ثلاثة ميكرون Micron – ، والميكرون Micron واحد على مليون من المتر، ولك أن تتخيَّل معنى واحد على مليون من المتر، أي خُذ المتر وقسِّمه مليون قسم، قسم واحد من المليون إسمه ميكرون Micron، وهذه الشُعيرات التي لديك ثلاثة ميكرون Micron فقط، فكيف ستضخ فيها الدبس؟!

هذا مُستحيل، لن تمر، لأن في مُقاوَمة هنا وفي علاقات رياضية لن أتحدَّث عنها ولكنها علاقات مُعقَّدة جداً ، وإن شاء الله في مُحاضَرة أُخرى يُمكِن أن أتحدَّث عن هذا – إن شاء الله – إذا يسَّر الله تبارك وتعالى.

إذن الماء لزوجته مُناسِبة جداً لكي يُضَخ هذا السائل اللا مُتجانِس Non-Newtonian Liquid ، علماً بأن الدم سائل غير نيوتني، ولكنك ستقول لي ما معنى غير مُتجانِس؟!

السوائل إما أن تكون مُتجانِسة وإما أن تكون غير مُتجانِسة، فالماء مُتجانِس، لكن الكاتشب Ketchup – مثلاً – غير مُتجانِس، الدم غير مُتجانِس وهو سائل فيه عوالق مُعيَّنة أهمها كُريات الدم الحمراء، وهذا السائل يُسمى البلازما Plasma ، والآن طبعاً هناك أُناس – وتعرفون هذا – يتبرّعون فقط بالبلازما Plasma ويحتفظون بكُريات الدم الحمراء، وهناك أُناس بيتبرّعوا بالدم كله، ولكن على كل حال هذا السائل غير مُتجانِس، ومُهِم جداً أن يكون الدم سائلاً وأن يكون غير مُتجانِس، فهو مُهِم لأن في لحظات الإجهاد تحتاج العضلات إلى تروية زائدة كأن يقوم أحدهم بتمينات كالجري – مثلاً -، أي جُهد مُعيَّن فتحتاج الآن عضلات الرجلين أو أي عضلات أُخرى إلى تروية زائدة، وهنا تختلف اللزوجة – عجيب – ، فالسائل غير النيوتني هو الذي لا ثابت لزوجة له، ولذلك لا يُمكِن أن تُقدِّر لزوجته اعتماداً على ثابت لزوجته، ليس لديه لأنه مرة هكذا ومرة هكذا وهذا مُهِم فأنت في لحظات الإجهاد مُمكِن يزداد لديك التروية بالدم عشر مرات أو أكثر، وهذه العملية شبه أيضاً مُحيِّرة، لأنه سائل غير نيوتني، أرأيت هذا؟!

سيقول لي أحدهم الأن” وهذه هى الحكمة الإلهية” على الرغم من أن هذا شيئ بسيط، ويُوجَد ألوف الأشياء أعقد وأدخل في باب الإدهاش من هذه الأشياء ومع ذلك المُلحِد يتلقاها بكل بساطة ويقول لك أن لا دليل فيها وليس لها علاقة لا بالله ولا بالحكمة ولا بالقرآن، ومن هنا سوف نرى لكي نفهم هل هؤلاء ينتحرون عقلياً أو لا ينتحرون وكيف في ظل وجود عباقرة من أمثال دوكنز Dawkins وهوكينج Hawking وفريد هويل Fred Hoyle فهؤلاء الناس ليسوا بسطاء بالمرة بل هم أذكياء جداً ، ومن هنا سيقول لك أحدهم:

كيف أنت تتعجرَّف وتتورَّط وتُجازِف وتحكم بأنهم ينتحرون عقلياً؟!

مَن أنت؟!

وكيف تقول هذا؟!

سوف نرى – انتبهوا – علماً بأن المسألة عميقة إلى حدٍ ما كما قلت – عميقة فعلاً -، ومَن أنكر عنده الحق أن يُنكِر ولكن في البداية قبلاً ينبغي أن يُحاوِل أن يفهم أيضاً وأن يُناقِش وأن يُحاجِج.

وعلى كل حال الماء لزوجته مُناسِبة جداً لهذه العمليات الحيوية، كما أن لدينا الانتشار – Diffusion – أيضاً، فما هو هذا الانتشار؟!

الانتشار هو عبارة عن تداخل جزئيات سائل أو غاز في بعضها البعض، وهذا ما يسمونه ببساطة الانتشار- Diffusion – الحيوي، علماً بأن لو لزوجة الماء أكثر من هذا سيُصبِح الانتشارعملية صعبة جداً وقد تستحيل أصلاً ولكنها جاءت مُناسِبة تماماً، وهناك أشياء طبعاً أكثر تعقيداً ولكن نتركها – إن شاء الله – للمُحاضَرة ونأتي إلى السعة الحرارية للماء أو ما يُسمونها بالحرارة النوعية، فالماء عنده سعة حرارية مُرتفِعة جداً – Very Very High – فالماء من أكثر السوائل سعة حرارية ، ولكن ما هى السعة الحرارية أولاً؟!

ما هى الحرارة النوعية؟!

وطبعاً هذه الأشياء كلها درسناها في الثانوية – أولى ثانوي وثانية ثانوي – ولكنها نُسيَت، ومن هنا فقط سنُذكِّر بها فهى ليست أشياء مُعقَّدة بل أشياء سهلة وبسيطة، وأنا الآن أتحدَّث عن السعة الحرارية للسوائل بما فيها الماء ، فالسعة الحرارية باختصار هى كمية الحرارة التي يحتاجها واحد جرام من الماء لترتفع حراراته واحد درجة مئوية، يعني درجة مئوية سلسيوس Celsius واحدة، هذه هى السعة الحرارية أو الحرارة النوعي وهى مُرتفِعة، أي أن الماء لكي يُسخَّن يقوم بشفط كمية حرارة كبيرة كالبلوعة فيأخذ الكثير منها، ومن هنا ستقول لي لذلك في اليوم القائظ شديد الحرارة من الصعب جداً أن أسير على بلاط الحرم المكي وإلا ستُصاب القدمان بالحروق، علماً بأنه بلاط إيطالي ويُحدِث تبريد كما يقولون ولكن الأمر صعب في ظل الحرارة المُرتفِعة الوافدة من الشمس والتي تصل إلى أربعين وخمس وأربعين درجة، ولكنك لو وضعت قدميك في مسبح ماء – Pool – ستشعر بأنك مُنتعِش والجو لطيف رغم وجود نفس الشمس ونفس البيئة – في مكة – فضلاً عن أن الحرارة والأشعة تأتي بنفس المقدار، لأن البلاط، الرمل، التراب، الجلد أو أي شيئ آخر السعة الحرارية عنده مُنخفِضة – Low – وسعة الماء الحرارية عالية، كأنه يقول للشمس أُريد المزيد فأنا لا أزال بارداً، أنا لدي صبر واسع وقلبي كبير – عجيب -، وهذا الشيئ مُهِم جداً، ومُهِم بالذات لنا نحن الثدييات أو الحيوانات التي تُسمى بذوات الدم الحار، فهذا الأمر مُهِم وحيوي وضروري لها لتبقى حرارة أبدانها مُستقِرة، أليس كذلك؟!

ومن هنا تجد أحدهم يقول لك بخوف شديد” ابني ارتفعت حرارته إلى أربعين درجة” على الرغم من أن حرارته في العموم ليست أقل من سبع وثلاثين، أي أن الفارق هو ثلاث درجات، ولكن هذا الشيئ قاتل –   – Fatal وقد يُؤدي إلى الوفاة، ففقط ثلاث أو أربع درجات يُعّد أمراً خطيراً بل وخطيراً جداً، فلا ينبغي أن ترتفع أو تنخفض وإنما لابد وأن تكون مُستقِرة Stable ، وفي رأس قائمة العناصر التي تجعل حرارة أبداننا مُستقِرة السعة الحرارية للماء، فنحن من ماء في نهاية المطاف، سبعون في المائة من أجسادنا من الماء، والماء سعته الحرارية مُرتفِعة جداً Very High، فطبعاً الجو تزداد سخونته ونحن لا نزداد سخونة معه وإلا نموت، فإذا ارتفعت حرارته إلى عشر درجات لا ترتفع حرارتنا وإلا نموت، أليس كذلك؟!

وهو ما حدث في النمسا هنا قبل سنة الحرارة عندما وصلت درجة الحرارة إلى أربعين درجة في حين أن حرارة أجسادنا لا تزيد على سبع وثلاثين أو سبع وثلاثين درجة ونصف.

وهو الأمر نفسه إذا قمنا بمجهودات وأشغال مُتعِبة كالحركة السريعة والجري ورفع الأثقال، فهناك مَن يذهب إلى ماراثون Marathon عشرة ميل Mile، حوالي ثمانية عشر كيلو متر، وهناك أُناس يجرون إلى مسافة أربعين كيلو متر، أي يقومون بمجهودات رهيبة فلك أن تتخيَّل إنسانوزنه مائة كيلو جرام ويجري في ساعة عشرة ميل Mile، أي حوالي يعني سبعة وعشر ونصف كيلو متر تقريباً أو سبعة عشر كيلو متر، هل تعرف كم يُنتِج هذا من الحرارة، من الطاقة؟!
ما يقرب من ألف كيلو Calorie، والكيلو Calorie ألف Calorie، أي مليون، إذن ستقول لي ولكننا نذهب إلى محلات الرياضة ونفقد ثلاثمائة ، أربعمائة، خمسمائة ألف أوألفين Calorie، وهذا صحيح ولكنك تنتج مليوناً، ومع ذلك حرارة بدنك ترتفع درجة أو درجة ونصف أو درجتين، أليس كذلك ؟!

سيقول لي أحدهم: وماذا عن العرق؟!

دخلنا في قضية أخرى، فالماء هو سائل مثالي بخصوص حرارته الكامنة عند التبخّر، ال Latent Temperature، ولكن ما هى الحرارة الكامنة هذه؟!

هذه قصة أُخرى فلن نشرحها وندخل في دروس الفيزياء ولكن فقط باختصار نقول لمَن لم يسمع بالحرارة الكامنة – وسبق وأن درسناها كلنا في الثانوية – هناك حرارة للذوبان – Melting – أو للانصهار، حرارة كامنة للتجمد، حرارة كامنة للغليان والتبخّر، وهذا الشيئ عجيب فلو أنت عندك وعاء فيه – نفترض مثلاً – كيلو أو نصف كيلو من الثلج – مُكعّبات ثلج صنعتها في ثلاجة المنزل – وتُريد أن تُذيب هذا الثلج – تعمل له إذابة – Melting – صهر، فماذا ستفعل في هذه المُكعّبات؟!

ستُعرِّضها للحرارة كأن تضعها على نار مُشتعِلة، ثم تُحضِر ترمومتر Thermometer وتضعه في الوعاء هذا وسوف ترى شيئ عجيب جداً جداً جداً، علماً بأن الثلج قد تكون حرارته صفر أو أقل – أي بالـ Minus -، فمن المُمكِن أن يكون ناقص خمس عشرة ، ناقص ثمان عشرة، وهناك ثلاجات قد تجعل حرارته تصل إلى ناقص عشرين، فالماء يتجمَّد عند صفر ثم تنخفض حرارته أقل فأقل فأقل فأقل وهكذا، فهو يُصبِح بال Minus، لأنه يفقد حرارته دائماً مثلما يحدث لديك Minus في البنك لأنك تفقد، فإذا افترضنا أن هذا الماء حرارته صفر ستضع الثلج وستجدها صفراً، ستُشعِل الحرارة وستظل درجة حرارته صفر ومن هنا ستستغرب، لأنك ستقول إن لم تسمع بالكلام هذا ولم تُجرِّب هذه التجربة ” رأسي وستين سيف من عشرة آلاف يورو إلى عشرة آلاف يورو أنه عندما أضع الحرارة أسفل الماء – النار – وهى قوية الترمومتر Thermometer سيرتفع بالعقل”، ضع ما تُريد ووالله لن يرتفع ، سيبقى Zero، لماذا؟!

بسبب الحرارة الكامنة، فهذه هى الحرارة الكامنة، وهذا هو معنى مبدأ الحرارة الكامنة !

فالثلج سيكتسب حرارة ولكنه سيمتصها ويدسها ولن تظهر لنا بالترمومتر Thermometer وبعدما يذوب كامل الثلج الموجود تبدأ ترتفع الحرارة كما أنه لن يغلي – والله – على الرغم من أنه يكتسب الحرارة حتى ولو ارتفعت الحرارة إلى تسع وتسعين درجة ولكن عند الوصول إلى مائة بالضبط يبدأ في الغليان – Boiling – ثم بعد ذلك يبدأ في التبخر، وهذه هى الحرارة الكامنة، فأنت إن أردت أن تُصهِره أو تُبخِّره سيمتص الحرارة – كما رأيت – ويحبسها حتى تتم العملية، ومن هنا يقولون لك “عند ثبات درجة الحرارة”، وهذه الحرارة المُمتَصة تُطلَق في اتجاه عكسي في العملية العكوسة إذا أردنا أن نُكثِّف هذا الماء الذي تبخّر، فنُجرِي له تكثيفاً ومن ثم لابد وأن يفقد الحرارة التي اكتسبها ثم يعود إلى التكثيف ويُصبِح قطرات ماء، أي يعود لشكل الماء السائل مرة أُخرى، فهذه هى الحرارة الكامنة، علماً بأن الحرارة الكامنة لتجمّد للماء لا يفوقها أي سائل آخر ما عدا الأمونيا Ammonia – النشادر فقط – وهذا طبعاً عند الظروف المعيارية – Standard – من درجات الحرارة والضغط وما إلى ذلك، فهو أكثر سائل عنده حرارة كامنة للتبخّر.

ستقول لي: لقد أصبتنا بالدوار، ما دخل هذا بأنني قمت بالجري لمسافة سبعة عشر كيلو؟!

كل الدخل، عنده كل الدخالة.

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا۩

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ۩

فإذا كانت الحرارة الكامنة للتبخّر للماء عالية جداً فهذا يعني أن كل لتر واحد تبخّره – أي تعرقه – يُخفِض لك الحرارة عشر درجات، وطبعاً أنت ليس لديك حرارة زائدة تصل إلى عشر درجات وإنما لديك فقط درجة ونصف درجة وهذا بعد جهود جبَّارة ، وخاصة أنك كائن أجرد، أي ليس لديك شعر، فنحن لسنا قروداً – والحمد لله -،أليس كذلك ؟!

نحن لسنا شِمْبانزِي Chimpanzee، لسنا غوريلا Gorilla ، لسنا القرد الأحمر هذا – الأورانجوتان Orangutan -، نحن جُرد بفضل الله ، ومن هنا يُسمون الإنسان الكائن الأجرد العاري، وهذا يُساعِدنا أكثر وأكثر في قضية التعرق وفقدان الحرارة، وإلا لو كانت الحرارة الكامنة للتبخّر للماء ليست هى الأعلى من بين السوائل : لا رتفعت درجة حرارتك إلى ست أو سبع درجات من أقل مجهود تُجريه في أقل من ربع ساعة ومن ثم تسقط مُنتهياً مُباشَرةً، علماً بأنك ستسغرب من هذه الأشياء الجميلة، المُعقَّدة والمدسوسة علينا وتقول:هل هذه الأشياء كلها في الماء؟!

كلها في الماء ويُوجَد ما هو أعجب منها – والله – كثيراً جداً، ولكنني سأختم فقط بخصيصة أخرى أو خصيصتين من خصائص الماء من أعجب ما يكون، فقد يسألني أحدهم: كيف الدم يسير لدينا في جهازالدوران الخاص بنا وأنت تقول أن القطر ثلاثة ميكرون Micron؟!

في خاصية مُهِمة جداً في الماء – وهى تتواجد بنسبة عالية جداً في الماء – تُسمى خاصية المط السطحي – Surface Tension -، علماً بأن Tension تعني المط أو الانتشار ، ولكي نُبسِّط هذه الخاصية سنتساءل:

ما هو المط السطحي أو التوتر الشد السطحي؟!

هذه الخاصية ناتجة عن حقيقة أن جزيئات المادة أو السائل – وهو في هذه الحالة الماء – عند السطح تكون كثيرة الاقتراب والتلاصق ببعضها البعض على عكس العمق، وتعلمون أنتم H2O، أليس كذلك؟!

ذرة أكسجين Oxygen وذرتين هيروجين Hydrogen، أليس كذلك؟!

أي سالب وموجب، فالهيدروجين Hydrogen موجب، والأكسجين Oxygen سالب.

وكل هذا مُرتبِط ببعضه البعض، علماً بأنها أكثر التصاقاً وتماسكاً مع بعضها منها مع الهواء، وهذا ما يجعل سطح الماءأشبه بطبقة قصدير خفيفة أو – للتسهيل – أشبه بورقة، ومن هنا قد تُدرِك لأول مرة سبب نزول قطرة الماء على هيئة قطرة أي ستتساءل لأول مرة قائلاً: لماذا تتقطَّر القطرة عندما يكون الصنبور غير مفتوح بقوة؟!
فهنا تُوجَد قوى القص Shearing Forces – دخلنا في الفيزياء اليوم – وهذه القوى أقوى بكثير من قوة المط السطحي وبالتالي ستمزعه كله، وبمُناسَبة ذكر قوى القص – Shearing Forces – مُهِم جداً أن نقول أن لزوجة الماء المُتدنية – موجودة ولكنها ليست مثل الهيدروجين Hydrogen السائل وليست مثل الأثير Ether – مُناسِبة لإجراء عمليات حيوية أُخرى ومُناسَبة أيضاً لمُقاوَمة قوى القص موجودة فلولا هذه اللزوجة المُناسِبة للماء ما تكوَّنت هذه البُنى الميكروسكوبية الخلوية عندنا، علماً بأن قوى القص – باختصار – هى القوى التي تظهر عند مُمارَسة قوة خارجية ضغطها لتغيير شكل الشيئ، شكل البنية ، فتنتج قوى قص، ومن هنا تشوِّه البنية أو تفقدها شكلها بتمزّيعها يعني فتُسمى قوى القص، إذن اللزوجة مُهِمة هنا في هذه الحدود بحيث تسمح بتدفق الدم والأشياء هذه والانتشار وما إلى ذلك، وكل هذه الأشياء يقولون عنها مُولَّفة، وأنا أُترجمها بمضبوطة، كالضبط الذي يُجريه أحدهم للريسفير Receiver من خلال التوليف بين أكثر من عامل ، حيث يكون هناك أكثر من عامل – Factor – يُجرى عليهم التوليف، وهو ما يُسمى بلغة العلم الآن التوليف أو الضبط الدقيق   Fine-tuning، فيقولون لك أن كل هذه الأشياء مُولَّفة بطريقة دقيقة – Final Tuned – لكي تُنتِج كذا وكذا وتسمح بكذا وبكذا، وهذه حقيقة فعلاً ومع ذلك تجد من الملاحدة مَن يُنكِر ذلك ويسخر من الـ Fine-tuning، ومِن هنا سنرى مَن منا الأقرب إلى العقل وإلى احترام الحقائق والوقائع الصلبة والتي من الصعب جداً أن تتجاوزها وتقفز عليها حتى تنتحر عقلياً، فإذا قفزت عليها وانتحرت عقلياً ستراها سخيفة ولن تجد أي شيئ له دلالة، وطبعاً لابد أن تُنكِر مفهوم الحكمة والدقة والجمال والانضباط والتوليف والتعادل ، فكل شيئ لابد أن تُنكِره، ومن هنا عليك لأن تنتبه فإياك أن تفعل هذا لأن العملية مُعقَّدة جداً وصعبة فليس سهلاً أن تُلحِد، وأنا أُبشِّرك بهذا، ليس سهلاً أن تُلحِد حتى وان قلت لي عكس هذا وأنت تُشير إلى جارك الذي ألحد اليوم فهو أيضاً ألحد لأنه غبي ولا يفقه شيئاً، فهذا سهل أن يُؤمِن وسهل أن يكفر، علماً بأن الإيمان عملية أسهل من الإلحاد كثيراً وسوف نرى كيف، ولكن المُهِم الآن أن نرجع إلى قضية المط أو التوتر السطحي Surface Tension، وبالتالي ستفهم أنت لأول مرة لماذا تتقطَّر القطرة وتأخذ الشكل الجميل هذا الذي يُحِبه المُصوِّرون ويُصوِّرونه فهو شيئ من أحلى ما يكون، وكأن فعلاً سطح الماء هنا رقاقة من القصدير أو الورق تحمل بقية الجزيئات في داخلها، علماً بأن قطرة الماء طبعاً فيها ألوف الجزيئات من الماء – انتبهوا -، ولكن كل جزيء فيه كم ذرة؟!

فيه ثلاثة: واحد أكسجين Oxygen واثنين هيدروجين Hydrogen.

ومن هنا ستفهم أيضاً لماذا البعوضة والكائنات الدقيقة تمشي على الماء فهذا الأمر تراه التلفزيون Television في الوثائقيات فتجدها تسير على الماء دون أن تغرق، وهذا لوجود سطح أو ورقة، وهذا هو ما يُعرَف بالتوتر السطحي، وهذا التوتر السطحي هو الذي يسمح مع عوامل أخرى كاللزوجة والضغط وأشياء أُخرى للدم أن يسير في العروق ويعود من أسفل إلى أعلى وهكذا، ولكنك ستتساءل عن سر السير من أسفل إلى أعلى لأنك تعلم أن من أعلى إلى أسفل بسبب الجاذبية، فماذا عن السير من أسفل إلى أعلى إذن كالشجرة التي تحتوي تُربتها على مُغذيات ذائبة في التربة فكيف تصعد هذه المُغذيات إلى أعلى؟!

ابحث عن المفتاح وهو الماء، فالسر هو الماء Water، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۩، فهذا السائل خطير – سائل مُتفرِّد تماماً – ومن هنا يعمل على خاصية التوتر السطحي فيجذب المُغذيات وتأخذها الجذورالقريبة منها وتتغذَّى بها، أي أن كيف هذه العصارات والمُغذِّيات تصعد إلى الأغصان والأوراق بفضل التوتر السطحي.

وهو ما كان يحدث في التجارب التي أجروها لنا ونحن صغار عندما كانوا يأتون لنا بأنبوب دقيق ويضعونه في الماء ثم يصعد إلى أعلى عكس الجاذبية بسبب خاصية التوتر السطحي، علماً بأن خواص الماء كثيرة جداً وهى التي تجعل الحياة مُمكِنة مُوَّلفة، فهناك أشياء أخرى لا تقل روعةً وإدهاشاً ولكنها كثيرة جداً، ولكن باختصار من خمسين سنة – على مبعدة خمسين سنة في الماضي من الآن – إلى وقت قريب جداً تم اكتشاف زُهاء عشرين ثابتة في عالم الطبيعة، مثلاً مثل شحنة الإلكترون Electron، مثل وزن البروتون Proton، مثل قوة الجاذبية، القوى النووية القوية، القوى النووية الضعيفة الكهرومغناطيسية، ومثل هذه الأشياء زُهاء عشرين، وكل هذه الثوابت العشرين مُولَّفة بطريقة دقيقة جداً جداً جداً بحيث لا يُمكِن أن نستغني عن بعضها أو عن البعض منها ثم نتخيَّل أن الكون موجود وأن الحياة موجودة، فهذا مُستحيل لأن كلها لابد أن تكون موجودة ومُولَّفة بالطريقة التي هى عليها وبالمقادير ذاتها دون زيادة أو نُقصان:

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ۩

وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا۩

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ۩

ومع ذلك تجد أحدهم يتحدَّث عن الله بطريقة غير لائقة دون أن يعلم أنه يفعل كل شيئ بقدر وليس هو مَن يقترح عليه ما ينبغي أن يفعله، وهنا العلماء بدأوا في الفهم – الحمد لله – فهم علماء عباقرة ومن ثم اكتشفوا عشرين ثابتة عجيبة غريبة، وهى دقيقة جداً فلو حدثت نسبة اختلاف بمقدار واحد من مليار أو واحد من مليون مليار سيختفي الكون، فهذه الأشياء دقيقة وعجيبة، ولنتحدَّث الآن عن كثافة الكون – كثافة المادة في الكوزموس Cosmos,Universe – وهى كثافة مُعيَّرة ومضبوطة على معيار عشرة أس سالب ستين، أي واحد على عشرة أس ستين، ولك أن تتخيَّل هذا علماً بأن كل اثنا عشر صفر يُطلَق عليه تريليون، أي مليون مليون، فتخيَّل أنت هذا الرقم الضخم واحسب كم تريليون موجود، فضلاً عن أن كثافة الكون – كثافة المادة في الكون أو كثافة الكون عموماً – من رُتبة واحد على عشرة أس ستين وهى غير قابلة للتلاعب، فإذا زادت واحد على عشرة أس ستين أي جزء من تريليون تريليون تريليون تريليون جزء لن يُوجَد الكون هذا وستختلف الأوضاع كلها ومن ثم ستكون النتائج كارثية، وكذلك إذا حدث أي نقصان – يا ربي – وهذا ليس كلاماً للمشائخ لأن دخل لهم بهذه الأمور فهم لا يفهمون حتى معنى الأس ولا علاقة لهم بهذه المسائل، وإنما هذا كلام العلماء المُتخصِّصين في هذه القضايا، فالعلماء هم مَن قالوا لك أنها من هذه الرُتبة دون زيادة أو نقصان، وهكذا الحال مع بقية الأشياء، فهناك أشياء كثيرة أُخرى كالثابت الكوني – Cosmological Constant – وهو باختصار شيئ يعمل عكساً للجاذبية، ضداً للجاذبية، علماً بأن قوة الجاذبية لدينا ضعيفة جداً ولكن Universal فهى سارية في الوجود كله فمع كونها ضعيفة جداً هى مُهِمة جداً، فالثابتة الكونية هذه تعمل مُعاكِسة لها، ولكن قبل أن نعلم حدود توليفها لكي نعلم إمكانية التلاعب بالثابت الكوني علينا أن نتساءل عن عدد الذرات التي تتوقَّعون أن يحتوي عليها الكون، فكم ذرة تُوجَد إذن علماً بأن رأس الدبوس يحتوي على ملايين الذرات؟!

(ملحوظة: الـ Atom تُنطَق الأتم بالإنجليزية والأتوم بالألمانية)

وقبل أن نُحضَر حاسبة – Calculator – لنعلم عدد الذرات في الكون علينا أن نتساءل عن حجم سعة الكون وما هو قطره، كم كيلو متر أو كم متر؟!

لا مجال للكيلو ولا للمتر هنا، فكل هذه الوحدات تسقط هنا، وإنما نستعمل السنة الضويئة، علماً بأن الآن طبعاً في السنوات الأخيرة قُطر الكون ترجَّح لدى العلماء الكونيين أنه ثلاثة وتسعين مليار سنة ضوئية، لكي نعلم المسافة التي يقطعها الضوء ويستطيع أن يتنقل فيها، فلو الكون بدأ من طرف الكون سيره سيحتاج كم ليصل إلى طارف الآخر مع افتراض أن الكون توقَّف عن التوسع على الرغم من أن هذا غير صحيح فهو يتوسَّع؟!

الآن واحد إبريل أي يوم الكذب طبعاً ولكننا لن نكذب عليكم، ولكن الضوء أكثر من أن يُوصَف بالسريع فأنت عندما تقول ” الله ” يكون لف الأرض – الأرض كلها – ثمان مرات، ولك أن تخيَّل ثمان مرات في كل لفة فقط عندما تقول ” الله ” – لا إله إلا الله -، فماذا لو سار في الكون لمدة ساعة – ستين دقيقة – أو سنة أو ألف سنة أو مليون سنة أو ألف مليون سنة؟!

لقد أتعبني رأسي وكدت أُجَن – والله – من هذا وأنا صغير، أُقسِم بالله كدت أُجَن مرة وجلست في الشارع لأنني كنت قرأت أشياء مثل هذه عن سرعة الضوء وأنا صغير في الإعدادية، وهذا هو العلم وليس الدين -انتبهوا – ، فهذه حقائق علمية والملاحدة هم مَن قالوا بها وليس لهم أي علاقة بالدين، فإذن لكي يصل إلى طرف الكون الآخر مع ثبات الكون يحتاج إلى ثلاثة وتسعين ألف مليون سنة، إذن قد يتساءل أحدهم: يا الله، وهل من المُمكِن أن يكون الكون كله هذا هو السماء الدُنيا فقط؟!

مُمكِن جداً، فالله أخبر عن سبع سماوات وعن أكوان أخرى وعوالم و جنة و نار وفي عرش وما إلى ذلك!

يا الله!
فما أنت يا الله إذن؟!

ما أعظمك؟!

ما أجلك؟!

ما أقدرك؟!

يا الله ما عبدناك حق عبادتك – والله – ولا خشيناك حق خشيتك ولا وقَّرناك، فنحن حين نرتكب الذنوب ونتجرأ على الحلف كذباً بإسمك لم نعرفك لأننا حقاً جهلة بك!
يا الله!

هذا الكون كوننا – Unser Kosmos – يحتاج فيه الضوء إلى ثلاثة وتسعين مليار سنة ضوئية – ثلاثة وتسعين ألف مليون سنة – حتى يصل إلى آخره، والآن بعدما أخذتم فكرة عن سعة الكون وعلمتم أن رأس الدبوس فيه ملايين الذرات فماذا عن عدد الذرات في هذا هذا الكون كله؟!

ستقول لي ” انس هذا الأمر فهو مُستحيل وعليك أن تقول عشرة أس كذا كذا كذا إلى الحد الذي تُريده” ، وهذا غير صحيح، فالعلماء أنفسهم قالوا أن الكون يتراوح عدد الذرات فيه من عشرة أس ثمانية وسبعين إلى عشرة أس اثنين وثمانين فقط، وهو ما يعني أن رقم عشرة أس ثمانين شيئ مُخيف، فعندما تسمع عشرة أس ثمانين عليك أن تأخذ الأمور بجدية فهذا ليس لعباً، علماً بأن المليون هو واحد وأمامه ستة أصفار ، والمليار واحد وأمامه تسعة أصفار، أما التريليون فهو مليون مليون أي عشرة أس اثنا عشر، فضلاً عن أن كل صفر زائد يُعَد شيئاً مُخيفاً، فتخيَّل إذا أعطاك أحدهم مليون كهدية، ستُقبِّل يده ووجهه بل وقفاه، ثم يأتي ثانٍ ويقول لك أنه يُريد أن يزيدك صفراً، أي أنه أعطاك الآن تسعة مليون فالواحد أصبح عشرة لأنه مُخيف، ثم جاء ثالث وقال لك ” أُريد أن أُعطيك صفراً يا سيدي” وأنت كان لديك عشرة أي أنه أعطاك تسعين مليوناً، ثم أعطاك رابع صفراً على التسعين، أي أنك أصبح مليارديراً، فالصفر هذا شيئ مُخيف جداً ومن ثم هناك فرق كبير جداً بين عشرة أس ثمانين وعشرة أس اثنين وثمانين، فرق كبير أكثر مما تتخيَّل طبعاً لأن التريليون الواحد الصفر يُضاعِفه عشر مرات، فيُصبِح عشرة تريليون ، وبالصفرين يُصبِح مائة تريليون، فعندما يقول لك الـ Cosmological Constant مُولَّف على عشرة أس مائة وعشرين – بالسالب طبعاً – يعني أنه ممنوع التلاعب فيه – في الثابت الكوني – ولو بمقدار واحد وأمامه مائة وعشرين صفر، علماً بأن الجوجل Google هو عشرة أس مائة، ولكن وهذا عشرة أس مائة وعشرين فلتنس الجوجل Google هذا إذن لأننا نتحدَّث عن عشرة أس مائة وعشرين، علماً بأن ليس هناك شيئ في الكون هكذا، فالذرات – Atoms – في الكون من عشرة أس ثمانية وسبعين إلى عشرة أس اثنين وثمانين، وهذا الرقم سهل أي تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون، والتريليون عشرة أس اثنا عشر، أما هذا فعشرة أس مائة وعشرين، أي اضرب في عشر مرات – عشر مرات تريليون -، فممنوع هذا الثابت الكوني ينقص أو يزيد ولو بنسبة واحد على تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون – عشر مرات تريليون -، أف، الله أكبر، شيئ غير معقول، وسيقولون عني الآن لأنني انفعلت بالصفير كيف لشيخ أن يفعل هذا على المنبر، ولكن لا بأس فلابد من أن أُصفِّر بل وأشد شعري – والله العظيم – فأنا هكذا أنا أُحِب حرية التعبير الانفعالي لأن هذا شيئ غير معقول، ولو كنت وحدي في البيت لكان وضعي أحسن كثيراً صراحة لأنني كنت سأتفاعل بحريتي مع هذه الحقائق، فسبحانك ما عبدناك حق عبادتك – لا إله إلا هو -، وهذا الأمير جيد ولازال لدينا الكثير جداً فهناك كتب أُلِّفَت في الشيئ هذا، كتب كاملة عن الموضوعات هذه – عن العشرين ثابتة وما الذي يُمكِن أن يحدث في حالة التلاعب بالزيادة والنقصان -، فهذا الشيئ رهيب ومن أروع ما يكون، رئيس الجمعية الملكية للفلكيين مارتن ريس Martin Rees ألَّف كتاباً علمياً جميلاً – يُشبِه أن يكون كُتيباً مُتوسِّطاً الحجم – أدعوكم إلى قرائته لأنه مفهوم ولغته واضحة لأنه لعالم كبير إسمه Just Six Numbers أي فقط ستة أرقام، فهذا العالم عظيم – رئيس الجمعية الملكية للفلكيين مارتن ريس Martin Rees – قال لك فقط ستة أرقام وأوضح أنه لا مجال للتلاعب في هذه الثوابت فهذا الأمر غير مسموح به – يا الله – ففعلاً ليس في الإمكان أبدع مما كان، لأن كل شيئ مضبوط ودقيق.

كل هذا الآن ضعوه في كفة ثم استحضروه بعد قليل لأننا سنأتي الآن إلى إخواننا الملاحدة لنرى كيف يتفاعلون مع هذه المسائل، فبرتراند راسل Bertrand Russell في لقاء إذاعي عندما سألوه عن الكون والله وكل هذه القضايا رد وهو يضحك – كانت روحه خفيفة ومرحة – قائلاً “القضية وكل ما هنالك أننا موجود والكون موجود، وهذا كل شيئ، فلا تقل لي ” الله”، هذه هى القضية كلها”، علماً بأن الرجل ليس غبياً، ولا يستطيع شخص أن يكون سخيفاً – يتساخف – فيقول برتراند راسل Bertrand Russell غبي، فهو ليس غبياً بل من أذكى أذكياء البشر فهو فيلسوف، عالم في المنطق، وله كتبه عدة في الدراسات الفكرية والفلسفية والتربوية وما إلى ذلك فله زُهاء ثلاثمائة كتاب فضلاً عن أن الرجل داعية سلام رهيب ومن ثم فهو رهيب جداً ومن أذكياء القرن، وعُمِّر زُهاء مائة سنة – قريب من مائة سنة – ولكم أن تخيَّلوا هذا ومن هنا عندما يقول برتراند راسل Bertrand Russell
أن كل ما في القضية أن الكون موجود وأنا موجود وأنت موجود وانتهى كل شيئ بعيداً عن البحث في قضية الله فهذا لايعني أنه غبي بل هو يتحدَّث بكلام فيه شيئ من الذكاء وإن لم يكن مُنتهى الذكاء لأن هذا الكلام فيه غلط كثير مثلما فيه ذكاء ولكن احتراماً له كعقل جبَّار لن نقول فيه غباء وإن كان فعلاً هو شيئ من الغباء وإنما احتراماً له سنقول فيه غلط ومُغالَطة، ولكن الذكاء في هذا الكلام هو ما يُردِّده كل العلماء الملاحدة الكبار الرافضين لكل هذه البراهين الآيوية وما يُعرَف الآن ببرهان التصميم والتصميم الذكي، فهم يرفضون كل هذا وبسخرية مُرة يقولون “جماعة التصميم وجماعة الإيمان واللاهوتيين قلبوا القضية”، فكيف قلبناها؟!

ومَن الذي قلبها أصلاً؟!

قالوا لنا أنتوا من قلبتم المسألة وعليكم الآن أن تنتبهوا وتستيقظوا، فكفوا عن هذه السخافات أيها مُؤمِنون، لأن المسألة المعدولة هى كالتالي:

البيج بانج Big Bang حصل وانفجر – المُتفرِّدة انفجرت – ونتج ما نتج، أحد نواتج هذه العملية طويلة الأمد عبر مليارات السنين الإنسان بهذا العقل، بهذا الوعي، علماً بأنها كانت نتيجة غير محسوبة، غير مُقدَّرة، غير مُرادة، غير مرسومة، غير مُخطَّطة بالمرة، ولكن جاء الإنسان هذا بالوعي كنتيجة تصادفية غير مُرادة بالمرة.

وهذا غير صحيح فكل شيئ مضبوط لكي يُنتِج الحياة ويُنتِجني أنا ويُنتِج الذكاء وأكون هنا وأُعلِّق – الله أكبر – فلابد من وجود الله !
فصل كامل يتحدَّث لك عن توليفات دقيقة مُدهِشة لو كانت الجاذبية أقل أيش هيصير :

لو كانت أيه ؟!

أكثر بقليل أيش هيصير ، لو كانت الشمس أبعد قليلاً ، أقرب قليلا

 

وسوف تشعرون بالمُفاجأة حينما تعلمون أن ستيفن هوكينج Stephen Hawking في كتابه الأخير The Grand Design التصميم العظيم لديه فصل في الفصول الأخيرة – فصل كامل لعله يكون السابع، لا أدري تحديداً فقد قرأت الكتاب قبل حوالي أربع سنوات – يتحدَّث لك فيه عن توليفات دقيقة مُدهِشة حول ما كان سيحدث لو كانت الجاذبية أقل قليلاً أو أكثر قليلاً وكذلك الحال مع الشمس لو كانت أبعد قليلاً أو أقرب قليلا.

وبين قوسين أُريد أن أقول شيئاً عن هارون يحيى Harun Yahya لأن هذا ساءني وآلمني كثيراً – والله العظيم – وأتعبني أنا شخصياً، كلما قرأت شيئاً ووجدت في النهاية أن مصدره هارون يحيى Harun Yahya كاقتباس لعالم فيزيائي كبير من ناسا NASA – اقتباس مثلاً يُؤكِّد الإيمان – أعود لأحضر الكتاب من الأمازون Amazon وقد يُكلِّفني عشرين أو ثلاثين يورو وهناك كتب بالإنجليزية بخمسين يورو ثم أكتشف أن العالم مُلحِداً وأن هارون يحيى Harun Yahya يجتزئ كلامه علماً بأنه أستاذ في هذا، وسأقول هذا على منبري وأجري على الله لأنني لا أُريد أن أُحرِج المُؤمِنين، لا أُريد أن أُحرِج موقف الإيمان والزادة والمُدافِعين عن الإيمان، فلسنا في حاجة إلى أن نكذب على العلماء وعلى الكتب لكي نُدافِع عن الله وعن ديننا، فلا تفعلوا هذا، وأُحذِّركم تماماً – والله العظيم – بالضرس القاطع وبالفم الملآن أن تفعلوا كما يفعل أخونا هارون يحيى Harun Yahya فبئس ما فعل ويفعل – والله العظيم -، فهو يقتبس كلاماً من علماء ملاحدة أو Agnostics لا أدريين ويُفهِمك أن هذا العالم مُؤمِن جداً جداً جداً وعميق الإيمان وعندما تصل إلى أصل الكتاب تجد العكس تماماً، لأنه فقط اجتزأ قطعة من هنا وقطعة من هنا ثم أتى بأشياء مُقتبَسة من هذا العالم أتت معرض الدحض والسخرية ومع ذلك نسبها له، ولا يُوجَد في باحث مُحترَم يفعل هذا ومع ذلك هارون يحيى Harun Yahya كتبه غاصة بهذه الطريقة وهذا الشيئ سيء جداً، ولا أدري ماذا وراء هذا الشيئ لأنه هذا الشيئ سيجعلنا مسخرة بين العلماء، فإياك أن تفعل هذا وإياك أن تعتمد على كتب هارون يحيى Harun Yahya وأنت تُناقِش التطوّر أو الإيمان والإلحاد، إياك لأن لو فعلت هذا – والله – أنا أضمن لك وأحلف بالله ستُصبِح مسخرة عند الناس الدارسين والعارفين أما الناس الجهلة التي لا تعرف شيئاً حتماً ستُدهِشهم وسيقولون عنك أنك فظيع ومُثقَّف على الرغم من أنك لا شيئ لا هو ولا أنت، فإذن هذا الشيئ سيء جداً، وهذا ساءني جداً لأنه أتعبني وحصل عدة مرات معي ودائماً يكون غلطاً، فما هذا؟!

لا حول ولا قوة إلا بالله!
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا۩ ، فالمُلحِد سنأتي بأمانة إلحاده كما هى، والمُؤمِن سنُعرِض أمانة إيمانه كما هى، فلن نكذب ولن نتحيِّف على أي أحد بإذن الله تبارك وتعالى.

إذن لدى ستيفن هوكينج Stephen Hawking فصل كامل يتحدَّث لك فيه عن توليفات دقيقة مُدهِشة حول ما كان سيحدث لو كانت الجاذبية أقل قليلاً أو أكثر قليلاً وكذلك الحال مع الشمس لو كانت أبعد قليلاً أو أقرب قليلا، فلا تقل لي أن ستيفن هوكينج Stephen Hawking مُؤمِن بدليل أنه أتى بأدلة على التصميم وعلى التوليف الدقيق من أجمل ما يكون، لأنه أتى بها لينقدها، ليُعيد تفسيرها.

وطبعاً لابد أن أنتهي في خمس دقائق لأنني أتعبتكم وصدَّعتكم وصدَّعت نفسي، ولكننا سنأتي الآن إلى ما يقوله ريتشارد دوكنز Richard Dawkins – التطوّري الكبير وعالم البيولوجيا Biology المُحترَم الكبير جداً – الذي أخذ موقفاً من هذه البراهين الآيوية، من هذه التوليفات الدقيقة، فقال يُوجَد أو ثمة ثلاثة تفسيرات لها وهو يتبني التفسير الثالث – وهو حُر ويسعدني أن أسمع موقفه -،

فالتفسير الأول أو الموقف الأول هو موقف المُؤمِنين الذين يرون أن الله هو الذي فعل هذا، الله اختار أن يخلق هذا مع هذا، يُولِّف هذا مع هذا مع هذا ، وهذا كله في النهاية يسمح بنشوء الكون، تطوّر الحياة، تطوّر الإنسان، لكي نبحث هذه المسائل، نكتب فيها، نتكلَّم فيها ونُؤمِن بالله، فالله هو الذي فعل هذا، وهنا يعترض ريتشارد دوكنز Richard Dawkins قائلاً”هذا بالنسبة لي ليس تفسيراً فهو لا يُضيف شيئاً بل يُعيدنا خُطوة إلى الوراء”، علماً بأنني لن أُناقِش كلامه الآن لأن هذا موقفه كمُلحِد، أما الموقف الثاني قال هو موقف بعض الفيزيائيين المُحترَمين، وبعضهم حامل جائزة نوبل Nobel في الفيزياء النظرية أو الفلكية أو غيرها مثل ستيفن واينبرج Steven Weinberg، فما هو موقف واينبرج Steven Weinberg علماً بأن واين Wein مُلحِد – Atheist – ولا يزال فنسأل الله أن يهديه – يا رب – ويهدي كل الملاحدة إلى الحق؟!

موقفه أننا لا نتوَّفر على نظرية فيزيائية كاملة – Perfect Theory – مثل النظرية المُوحِّدة ، النظرية التي يُسمونها نظرية كل شيئ، فنحن لم نصل بعد إلى هذه النظرية- نظرية كل شيئ -، إلى هذه المُعادَلة، وحين نصل إليها سنفهم بالضبط ما يحصل وسنعرف أنه كل التوليفات الدقيقة هذه ليس لها علاقة بالله فلا يُوجَد إله، ومن هنا يسخر دوكنز Dawkins من إله الفجوات ومن فرضية الإله – وسنُسميها فرضية الآن من باب التنزل والاعتباط – على الرغم من أن فرضية الإله تفسِّر أشياء كثيرة، فدوكنز Dawkins يقول” أنتم يا معشر المُؤمِنين أي شيئ يعجز العلم عن شرحه وتفسيره تقولون أنه هكذا لأنه من صنع الله، الله اختاره، الله فعله، إذن فهو إله الفجوات” على الرغم من أنه الآن يُؤمِن تماماً بإله الفجوات ولكن ليس بهذا الإله المُفارِق المُتعالي وإنما بإله آخر إسمه العلم – Science -، فالعلم عنده إله فهو إله فجوات لأنه يعتقد أن العلم يُفسِّر كل شيئ وما يعجز عن تفسيره اليوم لقلة توافر العلم ونقصانه سيأتي يوم من الأيام يحدث لنا فيه تكاملاً علمياً وسنفهم كل شيئ بعيداًعن قضية الله، وهذا طبعاً منطق سخيف جداً جداً جداً، فلا قيمة لإله الفجوات العلمي، ولكن من سوء حظ دوكنز Dawkins – من سوء حظه فعلاً المسكين – أنه ذهب مرة لمُقابَلة ستيفن واينبرج Steven Weinberg واعتذر عن أنه نسب إليه أشياء لم يكن فيها دقيقاً وحينها قال له واينبرج Weinberg   أن هذا الكلام غلط لأنه لم يقله فهو نوع من الغباء الذي لا يُمكِن لستيفن واينبرج Steven Weinberg يقع فيه، فهو حاصل على جائزة نوبل Nobel مع أحمد عبد السلام الباكستاني، ومن ثم لا يُمكِن لعالم مُحترَم أو فيلسوف مُحترَم أن يقول الله غير موجود وأن التوليفات والثوابت الدقيقة هذه كلها ليس لها دلالة لأن علمنا غير كامل اليوم وحينما يتكامل سنعلم، فلا يقل هذا إلا مَن يُريد أن ينتحر علمياً، ومن هنا قال له واينبرج Weinberg “Oh, Oh، أنا لم أقل هذا”، فرد دوكنز Dawkins “إذن أعتذر، أنا أخطأت في نسبتي لهذا الكلام إليك وسأسحب كلامي”، علماً بأن هذا مُسجَّل وموجود على اليوتيوب YouTube بالإنجليزية فهو سحب كلامه واعتذر لأنه تورَّط أكثر ومن هنا يتحدَّث بتواضع شديد فعلاً – وأنا أحترم هذا في الغربيين – فهو نعم عالم بيولوجي Biology كبير جداً ولكنه يجلس أمام فيزيائي ضخم، فهو صفر في الفيزياء بالنسبة لستيفن واينبرج Steven Weinberg ومن هنا يتكلَّم فعلاً بتواضع وتهذيب شديد فعلاً، فقال دوكنز Dawkins ” لدي وجهة نظر مُختلِفة وهى الأكوان المُتعدِّدة Multiverse Theory ” وهى نظرية من أغرب ما يكون فهى قمة الانتحار – فعلاً – العقلي، وساهم فيها طبعاً هوكينج Hawking مُساهَمات كبيرة ولا يزال ومن هنا قال دوكنز Dawkins “أنا أن نظرية الأكوان المُتعدِّدة هى البديل”، ولك أن تتخيَّل أن يُقال هذا الكلام أمام واينبرج   Weinberg فهو ابن بجدتها وفارس حلبتها وهو ما ورَّط دوكنز Dawkins في توريطة من أحلى ما يكون – والله العظيم – حتى لأنني شعرت لأول مرة أن واينبرج   Weinberg رجل يبحث عن الحقيقة وفعلاً مُشكِلته مع الله – ووضَّحها في فيديو ثانٍ – ليست علمية وإنما فلسفية، مُشكِلة نفسية سيكولوجية، فهو يقول “أنا أرفض إله الأديان الغضوب المُنتقِم الجبَّار الذي يُغرِق، الذي يحرق، الذي يُدمِّر، الذي يتوعدنا بنار جهنم أبد الآبدين، فلا أستطيع أن أُؤمِن به وهو يفعل كل هذه الأفاعيل على الرغم من أنك تقول عنه إله ورحيم ومُحِب، لا أستطيع أن أُؤمِن بهذا”، إذن مُشكِلته نفسية، فليس لديه مُشكِلة مع الله كخالق كلي القدرة والعلم، لأن لديه كلام جميل جداً في الرد على الملاحدة بخصوص نظرية الأكوان المُتعدِّدة Multiverse Theory .

باختصار يقول :

فالعلماء الملاحدة الذين لا يقولون بوجود الله كل هذه التوليفات الدقيقة هى فعلاً بالنسبة لهم مُزعِجة وهو ما قاله واينبرج   Weinberg حينما صرَّح بأن هذه التوليفات مُزعِجة للملاحدة، وهى كذلك لمَن يحترم عقله، أما مَن لا يحترم عقله لا تُزعِجه هذه المسائل، وهذا غير صحيح وإلا لن يكون هناك معنى للكلام عن حكمة ولاعن دقة ولاعن توليف ولاعن قانون رياضي ولا عن جمال ولا عن غيره، فعليك أن تنسى كل هذه الأشياء مع أنك لا تزال تتحدَّث عنها، فلماذا تتحدَّث عنها إذن وكل شيئ يختفي ويذوب ويتلاشى؟!

فنظرية الأكوان المُتعدِّدة تقول باختصار أن هذا الكون الذي نحن فيه والذي نحن أحد مُنتَجاته ومُخرَجاته كان كذلك لأنه ليس الكون الوحيد، فهناك عدد هائل من الأكوان، عدد هائل وليس مُجرَّد سبعة أو سبعون أو سبعة آلاف أو سبعمائة مليون أو مليار وإنما عدد هائل يُوشِك أن يكون لا مُتناهي من الأكوان، وهذه هى شراسة الإلحاد وغباء الإلحاد، ومن هنا قال سون بيرن Sun Bayern – الفيلسوف الأكسفوردي الشهير – أن نظرية الأكوان المُتعدِّدة تُمثِّل قمة اللا معقولية، فهم يرفضون الإيمان بنظرية بسيطة وأنيقة- وهى الإيمان بالله – لكي يُؤمِنوا بالأكوان المُتعدِّدة، فلا يُؤمِنون بإله واحد حكيم وعاقل وفاهم ومن ثم أبدع وفعل كل هذا، في حين أنك تجد أن عقل المُلحِد لديه استعداد أن يُؤمِن بمائة مليار ومائة تريليون كون بل وأكثر من هذا أيضاً، وكل هذه الأكوان ليس فيها حياة أو عقل أو توليف فقط وإنما فقط بالصدفة خرج هذا الكون من بين تريليونات الأكوان وبالتالي عادي أن يكون عجيب غريب هذا الكون، ولكن هل هذا هو العلم؟!

هل هذه النظرية فلسفية أم علمية، خيال وافتراض أم علم حقيقي؟!

هل هذه النظرية قابلة للفحص؟!

مُستحيل، حتى هوكينج Hawking إذا سألته هل النظرية هذه قابلة للفحص سيقول لك لأ، غير قابلة للفحص على الأقل في المدى المنظور، أي أنه يتخيَّل وتفترض افتراضات ليس لها حتى طابع علمي، لأن الفرضية العلمية لا تكون هكذا بالمرة، ومع ذلك يرى أن أعداد الأكوان التي خرج من هذا الكون الذكي المُولَّف وبه حياة ضحم جداً، علماً بأن دوكنز حينما وافق هوكينج Hawking على نظرية الأكوان المُتعدِّدة وقال أنها من وجهة نظره أحسن فرضية فهى تحل محل الله قال له واينبرج   Weinberg ” حتى هذا ليس من السهل التسليم به، فنحن في ورطة – والله العظيم كلام جميل ويقشعر منه البدن – يا ريتشارد Richard وعلينا أن نُسلِّم بأننا في ورطة”، كأنه يقول له نحن العلماء الملاحدة مُتورِّطون في ورطة كبيرة فلا تُفكِّر أن المسألة سهلة وتضرب رأسك في الحائط كما قال هيجل Hegel، فالمسألة ليست كذلك، فهناك سؤال صعب جداً جداً، علماً بأنه أصعب سؤال على الأطلاق وهو يحتاجإلى خُطبة ثانية – إن شاء الله – وهو ما لم يستطع ستيفن هوكينج Stephen Hawking في كتابه The Grand Design وفي الوثائقي الذي فرَّغ فيه كتابه في ثلاث حلقات في شكل عمل مرئي أن يتصدَّى له، وهو سؤال:

مَن قوّنَن القوانين؟!

مَن جعل القانون قانوناً؟!
مَن أعطى القانون قانونيته مُنذ البداية؟!

إذن في البداية كان الذكاء، كانت الإرادة، كانت الحكمة، فعليك إذن أن تسكت يا رجل لأن ما تقوله يُعَد كلاماً فارغاً، فهذه هى إرادة الإلحاد كما سماها باسكال Pascal – بليز باسكال Blaise Pascal – فهم يُلحِدون لأنهم يُريدون ذلك لأن لديهم مُشكِلة مع الله، وبالنسبة لهوكينج Hawking مُشكِلته واضحة جداً جداً – وأنا أرثي له والله العظيم – لأنه في بداية الوثائقي وفي نهايته أثبت أن عنده مُشكِلة نفسية لأنه مُعاق، وهو مَن صرَّح بهذا في البداية وفي النهاية، فمُشكِلته أنه رافض أن يُسلِّم أن هناك إله رحيم ومُحِب ومع ذلك خلقه مُعاق، فالأسهل أن لا إله، ولكن هل هذا فعلاً الأسهل أم أنه يُريد أن ينتقم؟!

من مُمكِن أن يكون السبب رغبته في الانتقام، فهذا موجود من الناحية السيكولوجية، كأنه يقول أُريد أن أرد لك الصفعة – أستغفر الله العظيم -، فأنا عالم مرموق ومسموع الكلمة وسأخوض حرب ضدك لأردها لك، إذن هناك جانب نفسي في الموضوع فليس من المعقول أن يقول في أول الوثائقي الخاص به أن الناس قديماً حينما كانوا جهلة وكانوا بدائيين : كانوا بيظنوا أن يشخص معاق مثلي – ويقول مُعاق مثلي – حالته هكذا بسبب أن هناك آلهة وقوىغيبية – Paranormal – فعلت به هذا بعد أن أحلت به اللعنة، وهذا الكلام فارغ طبعاً لأن الآن العلم يفسِّر كل هذه الأشياء، فهذه أمراض عصبية تُفسَّر علمياً، علماً بأنه في آخر الوثائقيء – الجزء الثالث والأخير – ختم بقوله أنه سعيد بهذا، وهذا غير صحيح فهو ليس سعيداً علماً بأن الوثائقي هذا موجود على اليوتيوب YouTube مجاناً وعليكم أن تروه لتعلموا ماذا قال في بدايته ونهايته، فهو يرى أن السؤال أصلاً عن وجود الله سؤال سخيف لا مُبرِّر له – وأثبت لك هذا طبعاً بطريقة لن نُعلِّق عليها الآن لأنها تحتاج مُحاضَرة كاملة -، ثم قال” وبالتالي فالناس المُعاقون من أمثالي ليس لديهم ما لهمش مُشكِلة مع إله ولا مع غيره”، فهوكينج Hawking إذن مسكين وأنا أعجبتني براءته فهو بريء جداً هنا وأنا أرثي له وأسأل الله له الشفاء بمُعجِزة إلهية، لأن كونه يحكي هذا الكلام في البداية ثم يحكي هذا في النهاية ويُسلِّم رقبته لأمثالنا – لأي فيلسوف، لأي لاهوتي، لأي مُحلِّل نفسي قد يقول عنهأنه أحد مصاديق الحالة النفسية للمُلحِدين فهو مصداق واضح وصارخ، ومهما كابرنا ومهما تواضعنا هذه حقيقة – يدل على وجود براءة، فالمُهِم واينبرج Weinberg يقول لدوكنز Dawkins ” نحن في ورطة، فليس من السهل أن نُجيب عن سؤال مَن الذي جعل القوانين على ما هى عليه الآن، فحتى يا ريتشارد Richard حين تُحوِّل القوانين إلى صيغ رياضية هذا لا يجعلها مفهومة”، ومن ثم لا تعتقد أنك حين تقول لي مُعادَلة E=MC2 الخاصة بأينشتاين Einstein أنك فهمت كيف تُعادِل المادة الطاقة وما إلى هنالك فأنت لم تفهم شيئاً،ومن هنا قال واينبرج Weinberg أن هذه المسألة ورطة كبيرة، وهذا يدل على أنه رجل ذكي، فضلاً عن أنه قال له لدوكنز Dawkins أن لديه اعتراض على فرضية الأكوان المُتعدِّدة، فهى تقترح عدد عشرة أس ستة وخمسين، وكل هذه الأكوان لا نعلم من أين جاءت، ثم قال له وإن كان لديك فكرة يا ريتشارد Richard عن الترددات في النطق الضيقة – وهو يعلم أن ليس لديه فكرة ولا حتى أنا لدي فكرة فهذه أمور فيزيائية مُعقَّدة جداً – فالعدد يرتفع إلى عشرة أس مائة وعشرين، وهذا العدد قابلناها أكثر من مرة اليوم ونحن نتحدَّث عن الثابتة الكونية المُولَّفة وعدد الأكوان في ال Multiverse Theory ، فعشرة أس مائة وعشرين يعني عشر مرات تريليون كون، ومن هنا سأسألكم – وأختم الخُطبة – بالله عليكم وعليكن أليست هذه الفرضية أصعب مليون مرة لكي تُفهَم وتُفسَّر من فرضية وجود إله واحد حكيم عالم مُقتدِر بديع أوجد الكون الواحد ؟!

فإذا كان يا ريتشارد دوكنز Richard Dawkins الإيمان بالله كالخالق مُبدِع يُرجِعنا خُطوة إلى الوراء ففرضية الأكوان المُتعدِّدة تُرجِعك مليون خُطوة،بل تُرجِعك عشرة أس مائة وعشرين خُطوة إلى الوراء بصراحة، لأن كل كون من هذه الأكوان لابد أن يخضع للسؤال الذي لم تُجِب عنه – – وهو مَن الذي خلقه وكيف وُجِد ؟!
وخُذ الكلام هذا الذي هو أهم شيئ في خُطبة اليوم فهو الحين جاءني – خُلاصة رهيبة إن شاء الله -، وهو أن الكون هذا المُولَّف والدقيق والبديع والعجيب والذي أنتجك لديك مُشكِلة معه في أن تُسلِّم أن الله خلقه رغم كل الحكمة والدقة التي فيه، ولكي تُفسِّر كل هذه الدقة والحكمة افترضت عشرة أس مائة وعشرين كون غير دقيق وغير جميل وغير حكيم أتى بالصدفة ولكن السؤال الآن:

كل كون من هذه الأكوان مَن الذي خلقه وكيف وُجِد؟!
من أين جاء هذا الكون العشوائي الغبي الكذا والكذا Chaotic Universe ؟!

والثاني هذا من أين جاء أيضاً؟!

ومن أين جاءت المادة الخاصة به؟!

وكيف حصل له هذا؟!

أم أن هناك بيج بانج Big Bang ثانٍ؟!

هذا شيئ صعب جداً، فمرة أُخرى صعب جداً جداً جداً أن تُلحِد، ومن هنا نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يفتح أعين بصائرنا وأن يشرح صدورنا للحق ولنوره العلوي وأن يملأ أجواءنا وأبصارنا وبصائرنا يقيناً به، إحساساً وشعوراً وإيماناً نعيش ونموت ونلقاه – لا إله إلا هو – عليه. اللهم آمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد إخواني :

طبعاً لم يضح إلى الآن بشكل نهائي لماذا الإلحاد انتحار عقلي ووضح فقط جزء في الكلام ولكن – إن شاء الله – في مُناسَبات أخرى سنُوضِّح هذا بطريقة أكثر هدوءً،فالموضوع استفزني والحمد لله أن الدرجة الكامنة لتبخر الماء مُمتازة جداً وإلا كنت فقعت.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

 

 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 16

اترك رد

  • كما لا يمكن ان نصل الى الله عن طريق الدين. فكل الاديان ومنه الاسلام فسرت الكتب السماوية واعمال الرسل تفسيرات انسانية ابعدتنا عن فهم الله بحقيقته.

    • بالنسبة لي لا يهمني ان ألحد العالم أوآمن لسبب بسيط وهو انه لا يمكن أن نعرف من الملحد و من هو المؤمن ….لا يهم ان صرح ستيفن هوكينغ بلسانه أو بشر بالالحاد بصراحة قلبي مليئ بالمشاعر المتداخلة فيما بينها ولاأستطيع الا أن أقول أن الملحدين الحقيقيين هم نحن آسفة على هذا الأسلوب و لكن الاسلام في قوته وتحديه ليس أحيانا يبدو متجسدا في ستيفن هوكينغ الله سبحانه لا يتعاطى مع لغة الخشب و ان صرح الملحد بلسانه وبشر به …لا تهتز فيا شعرة واحدة من ما يبشربه الملاحدة جميعهم مثلما أرتعد من كلمات المؤمنين….. الخطبة كلها عميقة و جميلة لكن دعائك مع ستيفن هوكينغ خطبة بحد ذاته أرجوأن لا يفهم كلامي على أنني أحب الألحاد الا أن الملحد يستقرء الواقع و ينطلق مما يرى و هذا لا يبدو لي مشكلة بل بالعكس هم يخدمون الدين بآنتقاد المنافقين و المجانين و أعتبرهم دعاة للايمان لكن من طريق آخر ربما أكون على خطأ لا أدري لكن هم كجهاز المناعة للمجتمعات ….و لا أعتقد أنهم أغبياء لكن باحثين حقيقيين عن الحق ……
      …………………………..

      • أسترجع بآستمرار أزمنتي الغابرة لأربطها ربطا مباشرا مع كلامك فأبعث الى زمن جديد مختلف تماما أنت عبقري بكل ما للكلمة من قوة و هذه حقيقة (….) ربما سأتمكن يوما ما من ربط أزمنتي ببعضها لأعثر على كلمة ……..ضاعت مني قبل أزمان … طعمها لا زال في فمي, أحيانا أشعر بها قربي و أحيانا كثيرا أراها متفرقة في ملكوت الله ……. شكرا لسعة صدرك وايمانك العميق و تفانيك في ارشاد البشرية ..اخلاصك و أخلاقك الجميلة دواء لو مزجت بعقاقير الجنون لما بقي على وجه الارض مجنون واحد. بوركت و بوركت روحك الملائكية ..أنت عالم جميل فيه تعيش الكائنات بسلام أسأل الله أن يحفك ويرعاك بعينه التي لا تنام …أكرر شكري و امتناني. لا أملك الا دمعاتي التي لا تغادرني طوال الوقت لأنني لم أعد أجيد فعل شيء سوى قراءة الكتب و نسيت العالم من حولي و ان استمريت على هذا المنوال سأجد نفسي في الشارع هههههه دعواتي الخالصة يا أجمل عدنان في الكون .

  • خطبة مفككه جداً للاسف يادكتور , ولم تصب صلب الموضوع , ولم تجب على السؤال من خلق الكون , وايضاً لم تشرح كيف أن الالحاد انتحار عقلي , ولكن خذها مني أنت والعلماء الملحدين كذلك , والله لو تقفوا جميعاً 10 اس 120 سنه ضوئية على المنابر لكي تجيبو على سؤال من خلق الكون لن تجيبوا جواباً شافياً وكافياً , يبدو أننا خلقنا لنبقى في حيرة وشك حتى نلقى الحق جهاراً نهاراً , أو أن نكون ذرات يخلق بعضها بعضاً الى مالا نهايه , الموضوع متعب ومرهق ومحير اتعبني جداً ,, في حفظ الله يا دكتور وشكرا لمجهوداتك

  • { أولم ير الذين كفروا أن السماوات و الأرض كانتا رتقاً ففتقناهما و جعلنا من الماء كلَ شيئٍ حي }
    أحدنا يتساءل : ما علاقة الفتق و الرتق بجعل من الماء كل شيءٍ حي ؟ … ماذا يريد إفهامنا عز و جل ؟ …
    كأنه سبحانه يقول : أنتَ أيها الإنسان انطوت فيك السماوات و الأرض و لقد شطرنا سماواتك عن أرضك و فتقنا بعضهما عن بعض فإن أردتَ جمعيتهما و رتقهما من جديد فليكن الماء الذي كان عرش الرحمن عليه يوماً ما { و كان عرشه على الماء } وسيلتك لهذه السعادة و النعيم المُعجَّل في الدنيا قبل الآخرة ، هذه الآية رمز تشير إلى شدة القرب بين الله [ ذي العرش المجيد ] و الماء فمن أراد التقرب إليه سبحانه فليتعامل بإحسان مع هذا القريب منه جداً فهو خير وسيلة إليه { و ابتغوا إليه الوسيلة } و ذلك بالوضوء بهذا الماء المبارك للوقوف بين يديه سبحانه و لذلك قال النبي [ الطهور شطر الإيمان ] ثم مراعاة الحال و هو الاعتراف بحاجتك وضعفك و ضآلتك أمام العظَمة المطلقة و القدرة اللا متناهية متفكراً في ملكوت ربك و أنتَ تتلو آياته التي هي بمثابة ماء معنوي يحيي النفس و يجعلها ترتقي لتعانق الروح لتحيا حياةً حقيقية ترى فيها كل ما مرّ من زمانك ضاع سبهللا فتستدرك ما بقي من العمر بعون ربٍ كريم يبارك في من أعمل عقله و فؤاده و عرف قدْرَه فأسلمه نفسه ووجّه وجهه إليه و ألجأ ظهره إليه و فوضَ أمره إليه لأنه أهلٌ لهذا التوجه و هذا التفويض و هذا التوكل و إلا فأنتَ منفتق الداخل تنتحر عقلياً أمضيتَ عمرك في دوران حول الذات مُخلِداً مُثّاقلاً إلى الأرض مُقلداً فقط نصفَ حركتها حيث أن الأرض بالإضافة إلى دورانها حول نفسها الذي ينشأ عنه الليل و النهار تدور بنفس الوقت حول الشمس التي هي بدورها أيضاً تجري لمستقرٍ لها تقدير العزيز العليم فمن أراد الشرف و السؤدد عليه بالدوران الأعلى و هو إعمال الفكر و العقل في كافة العلوم المقربة و الدالة عليه سبحانه فالعلم درب العزة و بذلك تتكامل الحركة و تنشأ الفصول و يزدهر ربيع حياتك ( كل أبريل و أنتم أحياء حياة الأبرار الأخيار ) …

  • سمعت كثيرين يتكلمون في الإعجاز العلمي لكن ما يتميز به كلام الدكتور عدنان أنه يربط هذا الموضوع بالتقوى التي هي محور المحاور فينشأ عن حديثه تحسين الحالة المعنوية الروحية لدى المستمع و ليس كلامه هكذا مجرد سرد للمعاجز الإلهية إنه يحفّز المسلتمع على معرفة المزيد و المزيد ليتقرب أكثر من ربه العظيم ذي العرش المجيد رب كل شيءٍ و مليكه …

%d مدونون معجبون بهذه: