إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه سبحانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ۩ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ۩ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

أودُ في البداية بين يدي خُطبتي أن أُهنّيء نفسي وأُهنّئكم والأمة الإسلامية جمعاء بهذا الفوز المُشرِّف والمُدوّي الذي يسَّره الله – تبارك وتعالى – لشعبنا المسلم العربي الأبي الثائر في تونس، فوزٌ أكَّد المقولة المُقرَّرة بنفسها أن هذه الأمة لا تختارُ إلا الإسلام كما قلنا في الخُطبة السابقة ويتحاورون عن المُستقبَل، لماذا تتحاورون؟ المُستقبَل لأي تيار؟ واضح أنه للتيار الإسلامي، وسبحان مُقلِّب الأيام والليالي والدول، سبحان مَن نقل إخوتنا المسلمين في تونس من المهاجر والسجون والزنازين إلى سُدة الحكم مرةً واحدة بفضل الله – تبارك وتعالى – فهو مالك المُلك، يؤتي المُلك مَن يشاء.

هناك مسألةٌ أخرى عن الحدث الجميل الذي تمَّم الله – سبحانه وتعالى – به ثورتنا في تونس، نسأل الله أن يُتِم لنا ثورتنا في مصر وليبيا وأن يُنجِح سائر ثوراتنا في سوريا واليمن، فالآن بدأت تتم هذه الثورة والآن بدأنا نقطف ثمار هذه الثورة المُبارَكة – ثورة الشعب التونسي العظيم – ولكن وفق أي آلية؟ وفق آلية الديمقراطية، هذه هى حسنات الديمقراطية، الآن بلا دماء وبلا اقتتال وبلا احتراب الصناديق هى التي تحكم، هذا وفيه وفاء لإردات الناس، فالناس تُريد هذا، الشعب التونسي هو الذي قرَّر هذا، هذه ترّجَمة أمينة لإرادة الشعب، لا أحسب مَن يحترم نفسه أو يحترم عقول الآخرين يُمكِن أن يُشكِّك في جدوى وفاعلية ونجاعة الديمقراطية من هذه الحيثية، علماً بأنني أتحدَّث عن الديمقراطية كأيدولوجية – وهى ليست أيدولوجية أصلاً – ولا أتحدَّث عن الخلفيات الفلسفية لها – هذا موضوع آخر – وإنما أتحدَّث عنها كآلية سلمية لتداول السُلطة والاحتكام إلى إرادات الشعب، وهذا شيئٌ جميلٌ جداً ورائع، في أيام تنتهي المُشكِلة، لكن بغير هذه الآلية كان وما زال علينا كأمة أن ننتظر ألف وأربعمائة سنة لكي ندفع فاتورة مُعاوية – أنا حاكم الآن وبالقوة ويأتي ابني ويحكم بالقوة وبالسيف – وظللنا هكذا كما قال الإمام أبو الأعلى المودودي – رحمة الله تعالى عليه – بعد مُعاوية إلى انتهاء الخلافة علي يد المُعثَّر البائس كمال أتاتورك، ظللنا هكذا تتناوب الحُكم فينا وعلينا أُسر، أربع أو خمس أو ست أُسر من بني أُمية وبني العباس وبني عثمان والآن بني هيان وبيان، لكن بالديمقراطية الأمر حُسِم في أيام، ومن هنا يُمكِن أن يضح لنا وأن يستبين بل يُمكِن أن نكشف النقاب عن وجه هذه المُؤامَرة المسعورة على الديمقراطية في جُملة من الخطاب الإسلامي المُعاصِر، الخطاب الذي تدرونه وتعرفونه، الخطاب المُتشنِّج الذي لا يُحسِن إلا التكفير والتشريك والتبديع والإقصاء والشطب والإلغاء حتى وقر في أذهان أتباعهم من المساكين المسحورين بهذا الخطاب على أنه لا سحر فيه ولا جاذبية أنك كلما كنت أكثر تشدّداً وأكثر تعنتاً وأكثر تكفيراً وأكثر نبذاً وإلغاءاً وشطباً للآخرين وأكثر تصنيفاً – هذا سُني وهذا مُبتدِع وهذا زيدي وهذا إمامي وهذا مُعتزِلي وهذا عقلاني وهذا زنديق وهذا هرطيق وإلى آخره – كنت أكثر ديناً، فوقر في أذهان أتباعهم أن الدين هو هذا، أي أن تتشدَّد أكثر وأن تكون لعنة على الناس، فأنت مُتدين إذن، ولكن طبعاً هذا يحتاج إلى بهارات وزخارف، كأن تُطيل لحيتك وأن تحمل السواك دائماً لتشوص به فاك الذي لا يُحسِن إلا التكفير وأن تُقصِّر جلبابك، فأنت الآن – ما شاء الله – صورة من محمد كما يفهمونه – عليه الصلاة وأفضل السلام – والعياذ بالله، العياذ بالله من هذا الفهم ومن هذه الصورة، فهذا شيئ مُخيف، لكنهم يُكفِّرون الديمقراطية – تكفير – ومن ثم مَن قال بالديمقراطية أو احتكم إليها أو كذا فهو كافر،عن أي ديمقراطية تتحدَّثون؟ هل تتحدَّثون عن الديمقراطية التي أنصفت الإسلاميين الآن وأنصفت الشعوب وأنصفت المُضطهَدين والمظلومين ووصلت بهم إلى سُدة الحكم في أيام؟ هذا شيئ غريب، لكن معروف لماذا، لأن هؤلاء يُريدون أن يستبقوا أصحاب السُلطان في سُلطانهم إلى يوم يرث الله الأرض ومَن عليها، ولذلك في الوقت الذي يُكفِّرون فيه الديمقراطية ومَن قال بها لا يُكفِّرون الحاكم الذي أحياناً يظهر كفره بواحاً، أي يسكتون عنه، فماذا لو كفر وصرَّح بكفره؟ ألَّفوا كتباً – وتحدَّثت عنه الآن أكثر من ثلاث مرات – أنه لا يجوز الخروج على الحاكم وإن كفر، فدفعوا في صدر حديث رسول الله منه والأعجاز، النبي يقول يأمر بالسمع والطاعة ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان، لكن هم قالوا وإن كفر، اسكت يا رسول الله، اسكت يا محمد الآن، نحن نتكلَّم لأن الحاكم يُريد هذا الحديث، انتبهوا إلى أن كلما غلّغلتم النظر وعمَّقتم الفكر في الخلفية الحقيقية لهذه المسالك المُريبة وجدتم أنها مسالك تدفعها السياسة فقط وترسمها السياسة وأنا واثق من هذا، فالآن أنا واثق من هذا وإلا غير معقول في بلاد العرب والمسلمين أن الناس يُلحِدون، الآن التيار الإلحادي – كما أقول دائماً وعليكم أن تستوثقوا من هذا – للأسف الشديد يستشري في الأمة العربية الآن والإسلامية، والشباب الذكي هو الذي يُلحِد للأسف الشديد، شباب مُثقَّفون جامعيون أذكياء!

بعد خُطبة “التعصب كبنية” يتصلون بي من مصر في نصف ساعة أكثر من عشرين مرة ويقولون استغاثة، تقول لي السيدة هناك رجل مُثقَّف مُفكِّر لديه ذكاء خطير لكنه مُلحِد من سبع سنوات وقال لم أجد أحد أصلاً يُمكِن أن أتكلَّم معه في هذا الموضوع، لا يفقهون شيئاً إلى أن قدَّر الله له أن يستمع إلى خُطبة “التعصب كبنية”، فقال هذا الإنسان الوحيد الذي يُمكِن أن يُخرِجني مما أنا فيه إن كان عنده الحل، فهو من مصر ويقول هو الوحيد لأن لا يُوجَد مثله لا في مصر ولا في غيرها، إذن المسألة مُقلِقة لأن الأذكياء هم الذي يُلحِدون ولا يجدون جواباً، ونحن نسكت عنهم وكأنهم يقولون هؤلاء ليسوا معركة حقيقية فلا تُكبِّروا من شأنهم، غداً نصل إلى الحُكم ونذبحهم ذبح المُرتَدين، فنحن نعرفهم ما في جُعبتهم ونعرف ماذا يدخرون للناس، كأنهم يقولون غداً نصل إلى الحُكم ونعمل فيهم حكم الله ونذبحهم وينتهى كل شيئ، لأنهم الآن يتوعَّدون بذبح ليس الملاحدة بل بذبح المُخالِفين لهم في الطائفة والمذهب، وقد استمعت إلى أحد هؤلاء ويُمكِن أن تستمعوا إليه في اليوتيوب YouTube وهو يتحدَّث حديثاً غريباً، ذاك الذي لا يُمكِن أن تروه إلا وهو يُقسِم بالله مُثلَّثاً، فيقول أُقسِم بالله ثلاث مرات، وهو دائماً يُقسِم ويُقّلقِل القسم، وهذا شيئ مُقرِف، فأنا أقول هكذا هذا شيئ مُقرِف وهذا يُزعِجهم جداً، الواحد منهم يُقسِم بالله، ويتحسَّر هذا المُقسِم بالله على أن الأمر ليس بيده ويقول بالحرف بطريقته طبعاً المُستفِزة – هذه طريقة مُستفِزة ولا أقول أكثر من هذا – لو كان الأمر إلىّ لطهَّرت مصر – والله – من هؤلاء، فانتبهوا إلى أنه يقول لطهَّرت، إنهم يتحدَّثون بمُصطلَح تطهير، في حين أن ما عاد اليوم أي أحد يتحدَّث عن تطهير ولا الصهاينة، لكنه يتحدَّث عن التطهير فيُذكِّرنا بالقذَّافي وبزنقة زنقة، مُباشَرةً يُذكِّرنا بالقذَّافي الطاغية، طاغوت العصر الذي الآن بدأت دموع الأغبياء تنذرف عليه، فهم يسبون الشعب الليبي العظيم الثائر ويقولون لماذا قتلوه هذه القتلة؟ وأنا تحدَّث في الخُطبة السابقة عن أشياء ثم شاهدت أشياء لم أُشاهِدها حين خطبت الخُطبة السابقة لكنني أقول والله الذي لا إله إلا هو – ولست مُبالِغاً وأقول هذا وأنا على منبر رسول الله – إنك أيها الشعب الليبي لشعبٌ عظيم وكريم ورحيم، وأنا أُريد فقط أن أسأل كل مَن يذرف الدموع الكاذبة والدموع الحمقاء – هذه الدموع الحمقاء – على الطاغية القذَّافي سؤالاً، وليعذرني الإخوة في هذا لأن من الصعب علىّ أن أقول هذا، سنفترض شخصاً خيالياً وسأسأل هذا الشخص سؤالاً وأقول له – هذا صعب علىّ، ماذا أقول؟ – لو أن الأم أو الأخت أو الجدة هى التي أُغتصِبَت أمام عينيك وأمام أبيك وأمام إخوانك وصُوِّرَت بالسليفون Cellphone أو بالموبايل Mobile كما فعلوا في مئات إن لم يكن في ألوف من بناتنا وأخواتنا هل كنت ستذرف الدموع أيها الرحيم؟ هؤلاء لا يرحمون شعباً كاملاً يا أخي يُقتَل في ثمانية أشهر ويُداس بالحذاء من أربعين سنة ويلعنونه الآن ويلعنون ثوَّاره من أجل ذلك القذَّافي، أما يخشون أن يحشرهم الله مع القذَّافي؟ أما يخشى أحد هؤلاء أن يُقيِّض الله له في يوم من الأيام مَن ينتهك عِرضه ويستذل كرامته كما فُعِلَ بالإخوة الليبيين؟ يا أخي اتقوا الله، أنا أعجب وأحياناً أشعر أنه يُخامِرني يأس من هذه الحالة، ولكن الحمد لله ونسأل الله أن يكون هؤلاء قلة وهم قلة بإذن الله، يُخامِرني يأس وأقول هل هذا جيل يُمكِن أن يُعتمَد عليه؟ هل هذا عقل يُمكِن أن يبني حضارة وأن يبني أمة؟

نحن تكلَّمنا عن القذَّافي ولم نلعنه في الخُطبة السابقة بعد أن ذهب إلى لعنة الله، لم نلعنه ولم نُرِد أن نلعنه وتعالينا على ذلك، الشعب الليبي لم يُسطِّره ولم يُبتِّره ولم يُقطِّعه إرباً وهذا بعض حقه – هذا بعض حق الليبيين – طبعاً، أنا لا أدري كيف استطاع الثوَّار أن يضبطوا أعصابهم وألا يُقطِّعوه بعد كل الذي فعل؟ هذا شيئ لا يُصدَّق، والرجل شره وضره لم يقتصر ولم ينحصر في ليبيا الأبية العزيزة – ليبيا الثورة، ليبيا الأبطال الأشاوس الكماة الحماة – بل امتد إلى بلدان أُخرى، وكان شره سيكون عظيماً على السودان المُقسَّمة الآن، السودان الذي يأتمر به الشرق والغرب بما فيهم العُرب، هناك خُطة رهيبة له لتمزيق السودان وتدميره، والقذَّافي دفع فيها الملايير ودفع فيها بأطنان من الأسلحة، فماذا تعرفون عن القذَّافي؟ كيف تبكون عليه؟ كما قلت لكم هذه – والله العظيم – ليست رحمة وليست إنسانية في مَن يبكي، ليست هكذا – والله – أبداً، إنها بقايا عبادة الطواغيت، فمَن يبكي أقول له أنت – والله العظيم – تبكي على طاغوتك، كما يقول إخواننا في سوريا – نصرهم الله على طاغية سوريا وعلى عُصبته من المُجرِمين – القط لا يُحِب إلا خنَّاقه، أصبحنا أمماً من القطط والهررة فنُحِب مَن يخنقنا، وإذا مات هذا الخنَّاق بكينا عليه وتيتَّمنا – نشعر باليتم – فأفٍ وتُف لهذه المشاعر السافلة المُخنَّثة، هذه ليست مشاعر رحمة، مشاعر الرحمة تظهر الآن في أن ترحم نفسك وأمتك وإخوانك وأن تتسع جنابات نفسك لإخوانك ولأهل ملتك ولأهل دينك وألا تُوزِّع التكفير بالمجان على شيعةٍ وسُنةٍ وإباضيةٍ وزيديةٍ وصوفيةٍ وأشعريةٍ ووهابيةٍ، لا تُكفِّر بالمجان، هذه هى الرحمة، فأرني أين رحمتك الآن، هل فعلاً تُفكِّر في أمتك برحمة بجد؟ كُن مُقتصِداً وكُن مُنصِفاً وكُن مُقسِطاً وكُن عادلاً واخش الله تبارك وتعالى، لكن أن تكون غبياً الأبعد أو أن تكون ذكياً فهذا ليس يهم كثيراً في هذا المقام، المُهِم كُن صاحب نية سلمية وقصدٍ مُستقيم.

قد يقولون أنت الآن أفسحت لنا ونفَّست عنا، إذا أردت أن تُحاكمِ إلى النية فالكل يزعم أن نيته سليمة، وهذا غير صحيح يا حبيبي، لا يا أخي ليس كذلك، البواطن والنوايا عليها علائم وأمارات، حين أجد مَن يتكلَّم في شأن الدين وشأن الأمة وشأن مُستقبَل الأمة ويكذب على الآخرين ويفتري عليهم الكذب ويبهتهم ويُقوِّلهم ما لا يقولون وما لم يقولوا أعلم أن نيته ليست سليمة، فنحن سوف يُؤاخِذنا – أُقسِم بالله على هذا وقد قلتها مرة – إن لم نُنصِف أعداءنا وأعداءه، ألسنا قد تلونا اليوم وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ ۩؟

اعْدِلُواْ ۩ في الكفّار، أي في أبي لهب وفي أبي جهل وفي أبي سفيان وفي غيرهم، اعْدِلُواْ ۩ في ماركس Marx ونيتشه Nietzsche والقذَّافي، اعْدِلُواْ ۩ في الكفّار والطواغيت أين كانوا ومَن كانوا، اعْدِلُواْ ۩ وقولوا الحق، ولذلك أنا مرةً لم استطع وأنا في حُمية الانفعال بالثورة وبالحركة الكريمة الأبية العزيزة لشعب مصر العظيم وذكرت قصة الإمام الغزالي – الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه وقدَّس الله روحه الكريمة – مع حُسني مُبارَك وكيف انتهت القصة بأن مُبارَك خرج معه وشيَّعه إلى السيارة وفتح له الباب بيده وقال له أُحِبك يا شيخ محمد، والله أُحِبك، ادع لي.

تأثرت وشعرت أن هذه تدل على بقية خير في حُسني مُبارَك، لم نر مثل هذا الخير في القذَّافي، لم نسمع عنه ولم نره أبداً، حُسني مُبارَك فيه بقية خير ذكرتها على المنبر والخُطبة في لعنه ولعن نظامه وحزبه، فهذا إنصاف لأنني شعر بهذا وبالتالي لابد أن أقوله، وقلت لكم سأحكي ضميري، وهذه في موازين حسنات مُبارَك بغض النظر عن أي شيئ وأنا في قمة الانفعال، فلابد أن نكون مُنصِفين ولابد أن نحكي ضميرنا، فالآن قد أعتقد كفرك ولعنتك ولكن إذا استشعرت بشيئ لابد أن أقوله، لابد أن أقول أنني أشعر أن عنده وأن فيه، لكننا لم نتعلَّم على هذا، نحن لم نتعلَّم الإنصاف وإنما تعلَّمنا الشطب والإلغاء والكذب والبهت، فهم يستحلون الكذب لنُصرة مذاهبهم وطوائفهم وأفكارهم، ومن هنا يتحدَّث الشيخ محمد الفلاني بصيغة التطهير، وطبعاً لفظة التطهير يعرفها كل مُمرِّض وكل طبيب لأنها تُذكِّر بالجراثيم، مَن أنتم يا جُرذان، يا جراثيم؟ فهذا تطهير، والقذَّافي مارس سياسة التطهير – Genocide – طبعاً، تطهير كامل ومسح لكل مَن يقول (لا) أو يُفكِّر أن يقول (لا)، ومولانا الشيخ وهو قذَّافي في مسلاخ شيخ يُريد هذا فانتبهوا، أنا فكَّرت كثيراً في الفرق بين هذا الشيخ وبين هذا الحاكم، فهذا الشيخ هو طاغوت من الطواغيت، هو طاغوت لأنه يقول لو كان الأمر بيدي لطهَّرت مصر من هؤلاء، مَن هم؟ المُتشيِّعون، فهو يتحدَّث عن المُتشيِّعين، أي مصريون تشيَّعوا وهم ربما بضع مئات أو بضعة آلاف يا سيدي، علماً بأن في المغرب العربي – وهذا خبر لا يسر – ألوف تشيَّعوا، وسألت المغاربة فقالوا نعم فعل هذا عشرات الألوف، والمملكة هناك تئن وتقول عشرات الألوف صاروا شيعة، فهل يسرني هذا؟ لا يسرني، وأنا لست مُتعصِّباً ولا تعنيني العناوين – مثل سُنة وشيعة – وإنما تعنيني الحقيقة ويعنيني رضاء الله تبارك وتعالى، ولكن لماذا لا يسرني هذا؟ لماذا لا يسرني أن يتشيَّع السُنة؟ هل تعرفون لماذا؟ وبنفس القدر لا يسرني أن يتسنَّن الشيعة أيضاً، يسرني أن نتسامح وأن نتصافح وأن نفتح عقولنا وتنداح نفوسنا، فهذا الذي يسرني، لا أُحِب لشيعي أن يتسنَّن ولا لسُني أن يتشيَّع، هل تعرفون لماذا؟ لأن السُني هذا إذا تشيَّع على طريقة الشيعة الآن المُعاصِرين انتقل إلى الطرف النقيض وأصبح يحترق تعصباً ويتحدَّث بلغة التطهير ويتمنى لو أن الأمور صارت ليفعل كذا وكذا، فانتبهوا إذن إلى هذا، هناك درس خطير، لكن للأسف المشائخ ليسوا مُتخصِّصين في هذا ولا يعرفون هذا لكي يقولونه على المنابر للناس، درسٌ خطير يُعلِّمه تاريخ الحركات الدينية والدعوات الملية والإصلاحية في العالم وأقرب العوالم إلينا ثقافياً العالم الغربي ومن ثم نعرفه تماماً لأنه فرض نفسه أصلاً بقوته في المجالات المُتعدِّدة، كان هناك الكاثوليك مُستبِدين بالساحة تماماً وجامعين السيفين، أي نظرية السيفين أو السُلطتين: السُلطة الزمنية والسُلطة الروحية، فالسُلطة الزمنية هى المدنية والسُلطة الروحية هى الدينية، فهم كانوا يجمعون هذا، وطبعاً ضجَّ الناس من مظالمهم ومن انحرافاتهم ومن تدجيلهم بإسم الدين ومن أكلهم أموال الناس بإسم الدين وبإسم يسوع وبإسم الرب وبإسم الكتاب المُقدَّس، وضجوا من خمسين ألف شيئ، وبرز مارتن لوثر Martin Luther الذي كتب عريضة من خمسة وتسعين شيئاً يعترض فيها على البابا وعلى كنيسة روما، وكانت حركة الاعتراض البروتستانت، فالبروتستانت تعني المُعترِضين وهى كانت حركة إصلاح، ومارتن لوثر Martin Luther هو أبو هذه الحركة، ويأتي بعد ذلك كالفن Calvin وزْوينگـْلي أو زفنجلى Zwingli وأمثال هؤلاء، لكن مارتن لوثر Martin Luther هو الرأس الكُبرى أو الرأس الأكبر!
مارتن لوثر Martin Luther في البداية كان مع التسامح ومع البرهان والدليل ومع النقاش بالتي هى أحسن ومع حرية ما أسماه هو حرية الضمير، علماً بأن هذه أول مرة يُصَك فيها هذا المُصطلَح، فهذا المُصطلَح لمارتن لوثر Martin Luther، والآن تجد بنود حقوق الإنسان في الأمم المُتحدة والمادة التاسعة وشروح المادة التاسعة في هذا الباب وفي حرية الضمير، لكن أول مَن ابتدع وصكَّ هذا المُصطلَح هو مارتن لوثر Martin Luther، تحدَّث عن حرية الضمير وتكلَّم كلاماً من أروع ما يكون، قال ليست الهرطقة – أي Heresy، التجديف وإنكار بعض العقائد الدينية الراسخة في منظورهم، فهذه إسمها هرطقة Heresy – شأناً مادياً يُمكِن أن يُقمَع بالحديد أو يُحرَق بالنار أو يُغرَق في الماء، إنها شأن فكر وشأن معنوي لا يُمكِن أن يتصدَّى لها إلا البرهان وبآيات الكتاب، وهذا كلام جميل جداً، أنت تستطيع أن تُمزِّقني وتستطيع أن تأخذ مني مليون إقرار بسخافاتك التي تقولها ولكن قلبي لن يخضع لحظة لما تقول، أليس كذلك؟

أيها الإخوة:

ألم يُفكِّر هؤلاء الناس المُنغلِقون أصحاب منطق التطهير – لو كان الأمر إليهم – في سر أن الله ذكر الله في كتابه العزيز نبياً وأبوه كافر – الله ذكر إبراهيم وفي الظاهر أن أباه هو آزر، فهذا هذا ظاهر الآيات – وذكر نبياً وابنه كافر – نوح – وذكر نبياً وزوجته كافرة – نوح ولوط، ذكر الاثنين – وذكر نبياً وعمه كافر – نبينا ورسولنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى أبد الآبدين – وهلم جرا؟ لماذا؟ ما الدرس؟ إنه درس إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ۩، الدرس هو حرية الإنسان، الله يقول لنا من خلال هذه الوقائع و من خلال هذه الحقائق التي تقول أشياء أساسية أن الشيئ الأساسي الأول هو أن الإنسان حر، هكذا خلقه الله، لا يستطيع النبي أن يغتال حريته ولا الرسول، فهو حر يا أخي، يُريد أن يعيش كافراً وقد اختار هذا فينتهى الأمر ويُصبِح كافراً، في النهاية له النار والعياذ بالله، في ستين داهية ولكنه حر، الله لم يسلبه هذه الحرية، كان الله يستطيع أن يسلبه – كما قلنا دائماً – هذا، قال الله إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ۩، لكن الله يقول لا أُريد هذا، ولذلك ما أجمل ما قال الشاعر المُلحِد بيرسي شيلي Percy Shelley وهو يُدافِع عن توماس بين Thomas Paine من أجل مُحاكَمة الناشر لتوماس بين Thomas Paine حيث يقول إن كان الأمر كذلك فإبليس الأبالسة أقل همجيةً وبربرية من رب هذا المُجتمَع المُتحضِّر، أستغفر الله، فهو قال – وصدق – إذا كان هذا هو ربكم – الرب والإله المُقدَّس – وأنتم تنصبون التفتيش والمحارق والخوازيق لقتل المُفكِّرين وتُريدون أن تُوحِّدوا الناس على رأي واحد وجُملة واحدة رغماً عنهم قسراً وقصراً وإكراهاً فإبليس إذن خيرٌ من ربكم، إذا ربكم يرضى بهذا ويأمر بهذا فإبليس أحسن، وفعلاً إبليس أحسن من هذا الرب، لماذا؟ لأن هذا الرب الكاذب الذي ابتدعوه هم يفعل هذا في حين أن نحن نقول إبليس لا يملك إلا التزيين والوسوسة وليس له سُلطان على أحد، مُستحيل يوم القيامة أن تُفلِج حُجة غاوٍ أو غوي مُبين يقول يا رب غُلِبت على أمري وفقدت حرية إرادتي إزاء إبليس، هذا مُستحيل وهو سوف يقول وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ ۩، فهذه مسألة نقاش، أنا ألقيت بالشُبهة وأنتم تأثَّرتم وابتلعتموها فاذهبوا إلى ستين داهية، اتفضلوا على جهنم من أول طريق على الشمال وانتهينا، أي ليس بالقوة، لكن الرب الإله المُقدَّس – رب الـ Bibel أو الـ Bible – يقول اذبحهم، غرِّقهم، خوزِّقهم.

كتب مونتين Montaigne في القرن السادس عشر – صاحب قصة الشك الكبيرة التي أراد أن يُقابِلها ديكارت Descartes بقصة يقين عظيمة – يقول أما زعم هؤلاء أنهم يذبحون الناس من أجل خلاصهم فيا لها من عقيدة جميلة، يقول ما هذه العقيدة الحلوة؟ ما هذه الأفكار العظيمة؟ أنت تذبحني من أجل أن تُخلِّصني، ما شاء الله عليك، أي طريقة تُفكِّرون بها؟ طريقة التطهير، ونعود إلى مارتن لوثر Martin Luther والدرس الصعب فركِّزوا معي، من سنوات ونحن نقول ونُبديء ونُعيد في أن مَن قرأ سياق تطوّر الفكر الديني وغير الديني في الغرب هنا يرى – والله – أشياء تُستنسَخ الآن بحذافيرها تقريباً في العالم العربي والإسلامي وتتكرَّر كما هى، أشياء كنا نعلمها ونسخر منا – وطبعاً هى محط ومحل سخرية – وتتكرَّر الآن، ونحن صغار في المساجد عُلِّمنا أن نسخر من الحرمان – Excommunication – وقرارات الحرمان وصكوك الغفران، أي الحرم باللغة اليهودية والحرمان باللغة النصرانية، فما هذا؟ يقول لك أنت خارج الكنيسة – Eglise – أو الجماعة، علماً بأن لا يُراد بالكنيسة المبنى – Church – وإنما الجماعة، أي جماعة المسيحيين فانتبهوا، ورأس هذه الجماعة هو عيسى عندهم، ولكن هذا المبنى هو تعبير مادي، فيُراد بالكنيسة – Eglise – ليس المبنى – Church – وإنما الجماعة، لأن جماعة المُؤمِنين بيسوع إسمهم الكنيسة، ومن هنا قد يُقال لك نحن نحرمك ونطردك من الكنيسة، والآن يُقال أنت قلت هذا فلست من الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، بل أنت لست شيعياً وانتهى الأمر، فيطردونه من التشيّع، يُطرَد المسكين من عضو الشيعة مثل عليّ شريعتي وأمثال عليّ شريعتي ومثل حسين فضل الله رحمة الله عليه، لماذا؟ لأنه خالف في معصومية الزهراء وفي مظلومية الزهراء، فقالوا هذا زنديق وانتهينا، وكذلك يُقال أنت من عضو نادي أهل السُنة والجماعة والآن صرت خارجها، لماذا طُرِد؟ طردوه – إنه الحرمان Excommunication – لأنه يتكلَّم في مُعاوية، ما معنى أنه تكلَّم في مُعاوية؟ هل مُعاوية من أسس أهل السُنة والجماعة؟ هل مُعاوية من أسس الاعتقاد في مذهب أهل السُنة والجماعة؟ هل هذا دين مُعاوية؟ هذا هو الحرمان Excommunication، فهم كهنوت إذن، نفس الكهنوت الغربي، ثم أنهم يحكمون على الدين وعلى الإيمان ويقولون أحياناً هذه بدعة وأحياناً هذا شرك وكفر بل وأحياناً يُقسِمون أنك في النار!

بمحض التقدير الإلهي قبل ليلتين – سنذكر هذا ثم نعود إلى لوثر Luther – استمعت إلى أحد هؤلاء وهو عالم شيعي – هدانا الله وإياه – يقول شيئ لا يُصدَّق، فلم أكد أُصدِّق ما أسمع، الرجل باهل – أي جعل لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين – سُنياً على أن أبا بكر وعمر وعثمان في النار، وأسأل لهذا العالم الشيعي الله له الهداية، لن أقول كما قال الإخوة هناك السُنة نسأل الله أن يموت على هذه العقيدة وأن يُصليه ناراً، حاشا لله أن أقول هذا، لماذا؟ نحن نتمنى الهداية حتى لماركس Marx وحتى لنيتشه Nietzsche وحتى للملاحدة، فنحن لسنا كذلك، بل أن النبي تمناها لمَن أرادوا قتله وذبحه في أُحد، ولما طُلِبَ إليه أن يدعو عليهم قال إني لم أُبعِث لعنةً إنما بُعِثت رحمة، وأنت تدعو على رجل مُسلِم مُوحِّد يُؤمِن بالكتاب ويُؤمِن برسول الله وبالنبيين عنده اعتقاد جد سيء وجد مرذول في الخلفاء عدا الإمام عليّ في الصحابة الأجلاء وفي مشائخ المسلمين وفي أم المُؤمِنين عائشة – رضوان الله عليها – وفي عِرض رسول الله، فهذا أعتقاد من أسوأ ما يكون، وهو لديه مُحاضَرة استمعت إليها – قلت سأستمع لأنني أُريد أن أرى كيف سيُثبِت هذا العالم الشيعي أن عائشة في النار – إسمها عائشة في النار، فادخلوا عليها واسمعوها، تصل مدتها إلى خمس وخمسين دقيقة وهى موجودة على اليوتيوب YouTube، وقد استمعت إليها من أولها إلى آخرها لأنني أُريد أن أرى كيف سيُثبِت هذا العالم الشيعي أن عائشة في النار وليس لأنني سُني – لا والله الذي لا إله إلا هو – لأن كما قلت لكم هذا لا يعنيني، وكوني لست سُنياً في نظرك هو أمر لا يعنيني أيضاً، في الحقيقة إذا أردت تصنيفي: أنا سُني شيعي ماركسي رأسمالي مُلحِد فيلسوف مُؤمِن كافر – كله مع بعضه – لأن هكذا ستراني إذا أردت أن تُصنِّفني من خلال جزئية واحدة تأخذها مني، فأنا كل هؤلاء لأن من الصعب تصنيف الإنسان الحر، فمَن يُفكِّر بحرية ويتكلَّم بحرية من الصعب أن تُصنِّفه، لكن أسهل تصنيف هو تصنيف الجمادات، إذا ذهبت تُصنِّف النباتات فسوف تجد أن هذا أصعب في التصنيف، وإذا ذهبت تُصنِّف الحيوانات مثلما فعل السويدي لينيوس Linnaeus فسوف تجد هذا أصعب وأصعب، أما أن تُصنِّف البشر وتتحدَّث عن ميادين إنسانية واجتماعية وفكرية فهذا من أصعب ما يكون، لأنني ولأنكَ ولأنكِ ولأننا ولأنهن ولأننا كبشر عوالم وبرازخ تتقاطع لديها معاني الكمال والنقص ومعاني التكامل ومعاني الثبات، أي التغيّر والتطوّر والمصلحة والمعرفة والأفكار والرغائب، فكل هذا يتقاطع في الإنسان وبالتالي من الصعب جداً التصنيف، ولا أشهد لنفسي ومن الصعب أن يشهد أحدٌ مُنصِفٌ لنفسه أنه ينطلق دائماً بلا تحيزات، هذا صعب جداً ومُستحيل، الإنسان هو عالم مُشتبِك من الموضوعية والتحيّز Prejudice، فهذا شيئ صعب جداً جداً جداً جداً، ولذلك ما أجمل ما كتب فولتير Voltaire في هذا الصدد، علماً بأنني لا أحرم نفسي ولا أحرمكم – بحمد الله – ولا أحرم المُستمِعين من أن نتمتع – أنا أتمتَّع حقيقةً -وأنتشي نشوة من أعظم ما يُنتشى به – بروائع حكمة العقول العظيمة في الشرق والغرب حتى وإن كانوا في نظرنا ملاحدة أو غير مُؤمِنين، فهذا لا يعنيني لأن الحكمة ضالة المُؤمِن، لكن هؤلاء يحرمون أنفسهم من أن يتمتَّعوا بروائع حكمة إخوانهم إن خالفوهم بقيد واحد ملليمتر فقط، ينتهي كل شيئ ويشطبوا عليك ولا يُنتفَع منك بشيئ، وهذا غير معقول، لكن أنا أنتفع بنيتشه Nietzsche وبماركس Marx وبفوكو Fuku وبمارتن لوثر Martin Luther وبكل هؤلاء وليس عندي مُشكِلة في هذا طبعاً، وعلى كل حالماذا يقول فولتير Voltaire؟ يقول فولتير Voltaire إذا أردت أن تدرس المسيحية حقاً أنصح لك أن تدرسها كأنك تستمعُ وكأنك ترى وتقرأ لأول مرة، حاول أن تُمثِّل دور مَن لا يعرف شيئاً عن المسيحية لا بالسراء ولا بالضراء ولا بالخير ولا بالشر، لماذا؟ لكي تتخفَّف من أوهاق وسطوة العقل الجمعي ومن أبهاظ التقليد والتكرار والتلقين، فنحن هكذا ضحية بمعنى ما كما يُقرِّر علماء النفس لانطباعتنا الأولى، فللأسف حين ينشأ هذا في مُجتمَع شيعي يكون أول انطباع عنده عن الصحابة – أي في ما يخص الصحابة – أن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وحفصة وعائشة والعياذ بالله منهم أبالسة في شكل بشري، فهذا أول انطباع عنده لأن هكذا يُعلَّم، لأنهم ساهموا في ملحمة أهل البيت وفي مظلمتهم وفي تعذيبهم وفي تهجيرهم وفي وفي وفي وفي وفي، فمن الصعب جداً على هذا المسكين الشيعي – وهو مسكين ومن الصعب جداً عليه هذا والله – أن يُدرِك الحقيقة، فإذا أردنا أن نُنقِذه من هذا علينا أن نُدمِن إعطاء دروس مثل هذه الدروس – دروس لكي لا نُخدّع، دروس في المنهجية واختبار المنهجية واختبار الجدية في معرفة الحقيقة – لأن المسألة صعبة جداً جداً جداً، والسُني المسكين الآخر – نحن مساكين أيضاً وعلى باب الله – الذي نشأ وأول انطباع عنده أن كل الصحابة ما شاء الله عليهم هم أحسن ناس وأعظم أمة بعد رسول الله ولا يُمكِن لأحد أن يُصبِح مثلهم وأن عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس العظيم الصالح الولي لا يُقارَن بالغبار الذي دخل أنف فرس مُعاوية لا يُدرِك الحقيقة، مُعاوية الذي سوَّى وسوَّى وسوَّى والذي سوف نتحدَّث – إن شاء الله – عنه في حلقات والتي من المُمكِن أن تأتي في عشرين ساعة على الأقل، فسوف نأتي بالأدلة الصحيحة القوية لكي تردوا عن مُعاوية بعد ذلك، لأنكم سوف تفهمون مَن مُعاوية، لكنهم يقولون هذا الكلام عن مُعاوية، وهذا أمر عجيب يا أخي، ماذا عن بُسْر بن أرطأة؟ يقولون رضيَ الله عنه، أليس صحابياً؟ إذن رضيَ الله عنه، لقد ذبح الأطفال ومع ذلك يقولون رضيَ الله عنه، سبى المسلمات في همدان – مسلمات حرائر مثل أمي وأمك وأختي وأختك – وباعهن في الأسواق ويُقال رضيَ الله عنه، كانت تُباع الحرة المسلمة على عظم ساقها، كلما كانت ساقها عظيمة بيعت بثمنٍ أزيد وأبهظ، وقال العلماء والمُؤرِّخون كابن الأثير – المُؤرِّخ السُني في الكامل – فكن أول مسلمات يجري عليهن السبي في الإسلام، ورُغم هذا يُقال رضيَ الله عنه وأرضاه، فما هذا يا أخي؟

أُحِب أن أقول حتى لا أنسى – الأفكار تتلاحق فاعذروني – أن من أسباب انتشار الإلحاد في الغرب شيئٌ مثل هذا تماماً، كيف هذا؟ هناك شخصية إسمها ديفيد David – كينج ديفيد King David أو الملك داود – وهو عندنا نبي لكن عندهم ملك، وإسمه في الكتاب المُقدَّس حبيب الله، فهذا هو لقبه – يُلقَّب بحبيب الله – لديهم،وفولتير Voltaire ألَّف المسرحية الشهيرة Saul and David عن حبيب الله وأبرزه ما شاء الله في صورته الحقيقية المُفزِعة الفظيعة، فقال داود رجل غدَّار، يقتل ضباطه ويسطو على نسائهم، داود بأمر من الله وبوحي علوي إذا تمكَّن من قوم يُحرِّمهم جميعاً، يقتل كبارهم وصغارهم وذكورهم وإناثهم وبريئهم ومُجرِمهم ولا يطرف له جفن، فداود آية من آيات الدموية والبربرية في الكتاب المُقدَّس، فانتبه إلى أن هذا هو حبيب الله، فهل تُريد أن تتقبَّله كما هو أم تكون هرطيقاً؟ أنت هرطوقي وزنديق وتُقتَل عند المسيحيين إذا رفضت هذا، فجنَّ جنون الناس لأن كيف تفرض علىّ هذا؟ ومن هنا كتب أحدهم يقول تتبدى أعلى درجات القداسة والنزاهة في شخصيات الكتاب المُقدَّس الأكثر قسوةً والأبعد عن الرحمة، أجمل وألطف الفضائل في نظر مُفسِّري الكتاب المُقدَّس أبعدها عن مُراد الله، فالله يُحِب هذا، على قدر استطاعتك كُن مُجرِماً وكُن ذبَّاحاً سفَّاكاً بإسم الحق، أي – كما قلنا في الخُطبة السابقة – اقتل الشر يحيا الخير، اقتل الباطل بل طهِّر – بلغة الشيخ في مصر – بالكامل واذبح من عند الآخر ولا تذر منهم دياراً وسوف يحيا الخير ويحيا مذهب أهل السُنة والجماعة، والشيخ الشيعي – هو من شيوخ الشيعة ولأنني لم أذكر إسم السُني فلن أذكر إسم الشيعي – ينطبق عليه نفس الشيئ، يتمنى لو أنه يستطيع أن يُخلي الأرض من كل سُني ناصبي، وهذه كارثة طبعاً، فنحن نقع في كارثة حقيقية، ولذا أنا أقول لكم أن الآن تُلغَّم أرض العرب والمسلمين الآن كما لُغِّمَت العراق قبل أن يأتي الأمريكان، وأنا صرخت من على منبر رسول الله في الهداية بسبب هذا، وإخواني وطلَّابي يعرفون هذا، أليس كذلك؟ كنت أصرخ وأقول إنهم يُلغِّمون أرض العراق، فقالوا هذا غير صحيح، كان السُني يقول الشيعة جُبناء، أي لنا أن نُكفِّرهم ولنا أن نُفتي بذبحهم، وعلى كل حال مهما حصل هم جُبناء ولا يستطيعون أن يردوا علينا، فقلت هلكت العراق وانتهى كل شيئ لأن الأمور واضحة لدي، فبهذا المنطق كنا نتحرَّك وقلنا هلكت العراق، ونحن – والله – لا نُعطي فتوى لا بقتل شيوعي ولا بقتل علماني ولا بقتل لا ديني، وإنما نُعطي فتوى واحدة تقول ناقش، هذا فقط الذي عندنا، نقول ناقش ولا تلجأ إلى السلاح، دائماً الاحتكام للنقاش وللدليل يا حبيبي، وسوف نرى بعد ذلك مَن الذي يكسب وينتهي كل شيئ، أليس كذلك؟ هو هذا كما كان يقول مارتن لوثر Martin Luther، وعلى كل حال هذا داود حبيب الله، يكتب أحد هؤلاء الملاحدة الغربيين في القرن الثامن عشر قائلاً كيف يُمكِن أن أتقبَّل هذه الشخصيات على أنها مُقدَّسة ومُنزَّهة وإليشع Elisha – هذه شخصية إلهية، هذا النبي كان يصرخ في البراري – لمُجرَّد أن صبية برءاء – هل يُوجَد مَن هو أبرأ من الصبي أو الطفل الصغير؟ نادوه يا أصلع الرأس – في الكتاب المُقدَّس فعلاً قالوا له يا أصلع الرأس، أي يا صاحب الـ Glatze – غضب غضباَ شديداً واستعدى عليهم السماء وأنزل عليهم أبشع اللعائن؟ فإليشع Elisha لعنهم – أي لعن الصبية – لأنهم قالوا له يا أصلع الرأس، واليوم من المُمكِن أن تقول لأحدهم يا مُتعصِّب أو يا مُنغلِق أو يا استئصالي أو يا تطهيري، فيُقال لك أنت ملعون، أنت لست خارج النادي الخاص بنا – نادي أهل السُنة – فحسب بل أنت ملعون، وقطعاً كل مَن يستمع إليك ملعون ومَن يغتر بك ملعون، ويُقال لنا أيضاً أنتم في جهنم جميعاً، فعائشة في جهنم وفلان في جهنم، فكل شيعي يُدخِل الناس في جهنم، وأنا أسأل ماذا بقيَ لله؟ أسأل بصراحة والله: ماذا بقيَ لله إذا أعطيتم أنفسكم فرصة أن تحكموا في الناس الآن بأنهم مُؤمِنون وكافرون على أهوائكم؟

طبعاً بعضكم يُحرِّكه الفضول ويقول لي بالله عليك حدِّثني في دقيقة عن حُجة هذا الشيعي الذي أدخل أم المُؤمِنين عائشة – زوجة رسول الله والصديقة بنت الصديق – في جهنم وباهل على أنها وأباها في جهنم، فلماذا؟ هل تعرفون كيف؟ قال قصة واحدة فقط وآية واحدة، واسمعوا هذا وهو على اليوتيوب YouTube حتى لا يُقال عدنان يفتري عليه، فهو قال آية واحدة: وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ۩، وهذه آية كريمة وجليلة طبعاً من سورة النساء عقَّب الله بها على آيات قسم المواريث، قال الله وَمَن يُطِعِ اللَّهَ ۩ وقال وَمَن يَعْصِ اللَّهَ ۩ وانتهينا، فقال لك هذا هو، لكن ما علاقة عائشة بهذه القصة؟ فهو تحدَّث عن أن عائشة جاءها رجل إسمه مُرة – صاحب نهر مُرة – وذكر قصة رواها ابن سعد في الطبقات وإسنادها فيه كلام وراجعته بنفسي، وقال ابن سعد من أوثق الأئمة عندهم، وابن سعد ثقة – كاتب الواقدي – ولكنه ليس من أوثق الأئمة، لكنه جعله كأنه ما شاء الله مع البخاري ومسلم لأنه يُدلِّس على جمهوره، وقال ابن سعد رواه، لكن ما حكاية السند؟ لا يُحِب أن يبحث في هذا، فأنت ليس علاقة بالسند وكأن هذا صحيح بنسبة مائة في المائة، ومن هنا يقول لك ابن سعد رواه، وعلى كل حال قال مُرة ذهب إلى عبد الرحمن بن أبي بكر وقال له اكتب لي كتاباً إلى زياد بن أبيه، أي إلى زياد الملعون أبو الملعون والعياذ بالله، ابن الزنا الذي تسبَّب هو وابنه في قتل أهل بيت رسول الله، فلعنة الله عليهم، والآن سوف تُفتَح علىّ النار وسوف يُقال أعوذ بالله، كيف تقول هذا عن زياد؟ هذا صحابي جليل فرضيَ الله عنه، لكن هذا صحابي انحرف انحرافاً رهيباً وأصبح من أكبر أعداء أهل البيت وفعل الأفاعيل، فعليه من الله ما يستحق إلى يوم الدين، وابنه عُبيد الله بن زياد قاتل الحُسين لعنة الله عليه إلى أبد الآبدين، المُهِم مُرة ذهب إلى عبد الرحمن بن أبي بكر وقال له اكتب لي كتاباً إلى زياد، وطبعاً زياد كان استلحقه مُعاوية وقال أبي البعيد – أبو سفيان – زنا في أمي سُمية في الجاهلية – ثبت الزنا – وسوف تُصبِح ابن أبي، وغضب الصحابة كلهم بما فيهم عائشة، لكن الشيعي يكذب على عائشة الآن أو بالأحرى يغض الطرف لأنه وليس مُنصِفاً كأن عائشة أخذت موقفاً واحداً، وهذا لم يثبت عن عائشة، فالذي ثبت عن عائشة العكس تماماً، وهذا الذي يقوله مُعظم علمائنا في كتبهم ويأثرونه، حيث بعث إليها زياد بن أبيه الذي صار زياد بن أبي سُفيان بقدرة مُعاوية طبعاً وليس بقدرة أي أحد آخر وإنما بقدرة وإرادة مُعاوية فأغضب جداً الصحابة جميعاً هذا الاستلحاق بما فيهم عائشة، وكتب إليها من زياد بن أبي سُفيان إلى أم المُؤمِنين عائشة برجاء أن تكتب له من أم المُؤمِنين لابنها زياد بن أبي سُفيان فيحتج بهذا ويقول حتى عائشة وافقت على استلحاقي فتنقطع الألسنة وتقطع عائشة جهيزة كل خطيب لكن هذا لم يحدث، عائشة ذكية – رضوان الله عليها – وهى أحد رواة الحديث الصحيح الذي كاد أن يكون مُتواتِراً معنوياً عند الفرق الإسلامية كلها الذي يقول الولد للفراش وللعاهر الحجر، وذلك في قصة وليدة زمعة وابن وليدة زمعة وإلى آخره، فعائشة- رضوان الله عليها – إحدى الراويات ومن ثم كيف تُخالِف هذا الكلام؟ هى روته أصلاً، فلو أرادت أن تُخالِفه ما روته ولدسته، وعلى كل حال قال من المُمكِن أنها روته قبل ذلك لكن ليس لنا علاقة بهذا، وعائشة كتبت إلى زياد من عائشة بنت أبي بكر إلى ابنها زياد فقط، ولم تكتب ابن أبي سُفيان، فخاب سهمه أو طاش سهمه كما يُقال، هذا هو موقف أم المُؤمِنين، ونقول لهذا الشيخ الشيعي: يا شيخ كيف تُباهِل أنت وقد أتيت إلى رواية لم تُحقِّق إسنادها وقطعت ولم تذكر الرواية التي ذكرتها الآن وجعلت عائشة بسبب هذه المُخالَفة في النار؟ خمس وخمسون دقيقة من أجل أن يُثبِت أن عائشة في النار، وفقط هذا كل ما عنده، ومن ثم سوف تقول لي هذا عجيب، لكن هذا -والله – هذا كل ما عنده واسمعوا إليه، خمس وخمسون دقيقة وهذا كل ما عنده، ذكر حديث ابن سعد في الطبقات وأن الله قال وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ۩، وأنا سأقول له الآن – إن شاء الله ينتفع بقولي إذا كان يستمع لي، وأنا ما قصدي إلا الخير والحق بإذن الله تعالى له ولغيره – قل لي بالله ربك رافع السماوات بغير عمد مَن مِن الأفراق أو الفرق الإسلامية قالت بظاهر الآية كما هى دونما مدخلية تأويلٍ ما؟ كل الفرق لم تذهب إلى هذا بما فيها الخوارج، فحتى الخوارج الفضلية الذين كفَّروا الأنبياء لم يذهبوا إلى هذا، فما رأيكم؟ يُوجَد من الخوارج فئة وطائفة قالت بجواز كفر النبي، فالنبي من المُمكِن أن يكفر عندهم ويموت وهو كافر ويدخل جهنم، فانظروا إلى هذا الجنون، وهذا في كل مكان وموجود من قديم هذا العبث، علماً بأن أحد التكفيريين في دولة عربية كُبرى حين أحرجه الدليل وهو يُكفِّر كل مَن عصى الله بالكبائر وبالصغائر قيل له أين أنت من قول الله وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ۩؟ فقال كافر، أي أنه كفَّر النبي، كفَّر أول الأنبياء وكفَّر أبا البشر جميعاً، فنحن نسل الكافر إذن، وهذا شيئ لا يُصدَّق، نعوذ بالله من الهوى ونعوذ بالله من الغرض،والله العظيم أحياناً يأتيني بعض إخواني وأحياناً يُهاتِفونني – ووالله بعضهم علماء من أهل العلم – ويقولون يا شيخنا نقول – والله – من حرصنا عليك وإبقاءاً عليك ورغبةً أن ينفع الله بك الأمة ألا ترى أن الأفضل أن تُؤجِّل بعض هذه المباحث إلى ما بعد؟ فقلت لهم لا أستطيع لأن هذا ليس من طبعي، إذا ضمنت لي أن أعيش إلى غد سأُؤجِّل، هذا يا أخي حق، والحق سأقوله لو كان دونه قطع الرأس يا جماعة، أبو ذر – رضوان الله تعالى عليه – كان في مكة يُحدِّث الناس بحديث وبعد ذلك قيل له أتُحدِّث بهذه الأحاديث؟ أما بلغك النهي؟ أي نحن نهيناك أن تُفتي وأن تُحدِّث، فقال لهم والله الذي لا إله إلا هو لو قام أحدكم على رأسي ووضع صمصامته على رقبتي – السيف – وعندي حديثٌ عن رسول الله ظننت أني أُنفِذه – أي أُحدِّث وأقوله للناس – قبل أن يُجهِز علىّ لأنفذته، أي سوف أقول ما عندي ثم اقطع لي رأسي بعد ذلك لكنني سوف أقوله في آخر لحظة، هذا هو الدين، لن أُدلِّس على الناس ولن أكذب ولن أُجامِل ولن أُراوِغ، هكذا يجب أن نتعلَّم، يرضى مَن يرضى ويسخط مَن يسخط، وكفى بالله راضياً لا إله إلا هو، فنحن لا يعنينا البشر.

فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ                           وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ.

على كل حال أنا أقول لهذا الشيخ الشيعي بالله ربك ورب العالمين أي فرقة من الفرق قالت بظاهر الآية كما هى وكما هو دونما مدخلية تأويلٍ ما؟ أنا أُشهِد الله ما من فرقة ذهبت إلى هذا ولا الخوارج، فما رأيكم؟ انتبهوا لأنه الآية تقول وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ ۩ وهذا يعم الكبائر والصغائر، فمعناها لو عصيت الله بصغيرة فأنت في نار جهنم، أي ليس فقط عائشة أم المُؤمِنين وحرم رسول الله – رضيَ الله عنه وأرضاها – بل وأنت أيضاً بصغيرة من الصغائر، بعد ذلك هل الآية فيها تقييد المعصية بالعمد أو بالسهو؟ ليس فيها هذا أبداً، هى مُطلَقة عن القيد، معناها مَن عصى الله في كبيرة أو صغيرة عمداً أو سهواً – أي عمداً أو خطأً – فهو في نار جهنم، فهل أحد يقول بالآية على وجهها هكذا؟ لم يقل هذا أي أحد، لا تُوجَد فرقة تقول بهذا، علماً بأن إخواننا الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ومنهم هذا الشيخ لا يُكفِّرون بالمعاصي، فهم ليسوا خوارج، بالعكس هم لهم أجوبة كأجوبة أهل السُنة وهى من أمتن وأجمل وأقوى ما يُقال رداً على الخوارج، ولكي نستفيد أقول تُوجَد فائدة كُبرى بعض الناس يحقرها وهى من أعظم الفوائد والعوائد في قراءة المذاهب المُختلِفة وأدلتها، فهل تعرفون ما هى؟ وطبعاً قبل أن أقول ما هى أقول أن في كل مذهب من سُنة وشيعة ومُعتزِلة وإباضية يأتيك العالم في البداية سواء في مُحاضَرة أو في كتاب ورسالة ويُسهِب في الحديث عن احترام العقل واحترام الدليل واعتبار الدليل والبُعد عن الهوى والبُعد عن الغرض ولابد ولابد، وهذا كلام جميل، وكل الفرق كلامهم جميل، لكن بعد ذلك اترك المُقدِّمة واقرأ الكتاب وسوف ترى الكتاب كراً من أوله إلى آخره لا يُخالِف في مذهبه ولا طائفته في مسألة واحدة، فكل كلام الشيعة سوف يكون صحيحاً وكل شيئ خالف فيه السُنة الشيعة سوف يكون خطأً، أو سوف يكون كل كلام السُنة صحيحاً – أي كل كلامنا سيكون صحيحاً – وكل شيئ خالفنا فيه الشيعة حتماً سوف يكون خطأً، وهكذا مع الإباضية والزيدية وإلى آخره، وهذا غير معقول يا أخي، هذا كذب لأنك لو استخدمت عقلك أيها المُؤلِّف قطعاً كنت ستُخالِف مذهبك في مسائل وترى أن أدلة مذهبك ضعيفة في هذه المسائل وأن الحق حالف غيرك في هذه المسائل، لكن للأسف لا نرى أمثال هؤلاء إلا ما ندر، ههذا هو التعصب والتدجيل على الناس بإسم احترام العقل والدليل وكله يُعَتبَر كلاماً فارغاً، فلماذا لا يُحترَم؟ هذا الكلام لا يُصدَر عنه، ولكن مع ذلك تبقى فائدة، فهل تعرفون ما هى الفائدة؟ أنك تستفيد من كلٍ منهم بيان وجوه ضعف أو بعض وجوه ضعف قول الآخر ورأي الآخر، ومن ثم سوف تتعلَّم كيف يكون النقاش، وهنا قد تسألني هل هذا ينطبق حتى على التكفير بالمعاصي؟ وأنا أقول لك إذا انطلقت كعامي – وأضمن لك هذا تماماً – عليك أن تقرأ حُجج الخوارج مثلاً، وهناك مَن يُعرِب عنها إلى اليوم في تكفير صاحب المعصية حتى الصغيرة، وسوف تراها مُقنِعة تماماً – كعامي – وقوية، وهم يستدلون بالكتاب والسُنة وبالعقل – بالعقل وبالنقل – ولكن متى يبدو لك عوارها وضعفها وفقرها وضحولتها؟ متى سوف تعلم أنها ضحلة؟ متى يبدو لك التغريض – من الغرض – في الاستدلال؟ متى ستعلم أن الغرض مرض وأن هذا الكلام فيه تغريض؟ حين تقرأ للآخرين وتعرف كيف كشفوها، فضروري لمَن أراد أن يتحرَّر أن يقرأ للجميع، لا تقرأ لطائفة وحدها بل اقرأ للجميع، اقرأ هنا وهنا وهنا، لا تُحرِّم على نفسك أن تقرأ لطائفة بحُجة أنهم مُبتدِعة وأنهم كذا وكذا، لكن بعض هؤلاء لا يُحرِّم فقط هذا بل مُنذ البداية يقول لك هذا القول مَن قال به؟هذا القول ليس لأهل السُنة أو ليس للإمامية، فالإمامي يقول هذا ليس للإمامية والسُني يقول هذا ليس للسُنة لأن هذا قول الإمامية، فإذن مَن يقول به هذا إمامي أو زيدي أو مُعتزِلي أو خارجي، لكن يا سيدي دعنا من هذا التراشق السخيف، الذي يُناقِشك إمامي – عالم إمامي حقيقي وهو يفتخر أنه إمامي – ومن ثم الكلام يبدأ من هنا وليس قبل ما هنا،فناقشه الآن، هو هذا فقط، هو يقول لك أنا إمامي – وتِلْكَ شَكَاة ظَاهِر عَنْك عَارهَا – ولا يستعر أنه إمامي أو زيدي أو سُني أو وهابي أو صوف أو أشعري، ويقول لك أنا كذلك ومن ثم ابدأ وناقشني، ما العلاقة أنك تصمني بأنني إمامي أو زيدي أو وهابي؟هذا لا مُدخَلية له في النقاش العلمي، أنا إمامي يا سيدي أو أنا سُني أو أنا أشعري أو أنا وهابي فناقشني، الآن يبدأ الجد والآن يبدأ اختبار الحقائق.

على كل حال وعدتكم أن نعود إلى مارتن لوثر Martin Luther، مارتن لوثر Martin Luther قال الاحتكام إلى الكتاب وإلى العقل وإلى الدليل، أي لابد من الحرية وخاصة حرية الضمير، لكن هل تعرفون لماذا قال هذا؟ لأنه كان مُستضعَفاً، لم يقو عوده ولم يتقوَّ ولم يتعزَّز بكثرة الناصرين والمُشايعين، جوزيف لوكلير Joseph Locklear في كتابه العظيم – كتاب من ألف وثلاثمائة صفحة ولكن قراءته مُتعة حقيقةً – تاريخ التسامح في عصر الإصلاح كان يتحدَّث فيه كله عن التسامح – Toleration أو Tolerance – في عصر الإصلاح الديني، وهذا كتاب عجيب من ألف وثلاثمائة صفحة يتحدَّث عن هذه الموضوعة فقط، ويقول باختصار – أنا أُلخِّص لكم عشرات الصفحات – الفرنسي جوزيف لوكلير Joseph Locklear في كتابه العظيم والمُهِم في بابه عن مارتن لوثر Martin Luther بعد أن اشتدّ عوده وكثرت شيعته بدأ التحوّل في موقفه، علماً بأنه بالأمس كان يستدل لآرائه بآراء الآباء – الآباء اللاتين بالذات كان يستدل بهم، آباء الكنيسة الغربية – وكان يستدل بيسوع في إنجيل متى لأمثولة القمح والزؤان، فقال اتركوا الزؤان لكي لا نأخذ القمح معه، اتركوه كله مع بعضه، ثم ذهب الزؤان وذهب القمح، وقال هذا للوعّاظ، فالمثل الذي ضربه يسوع ضربه للوعّاظ وليس للحكّام، ونحن نعرف طبعاً أن الكنيسة البروتستانتية لم تستحوذ على السُلطة الزمنية ولكنها شايعت السُلطان الزمني مثشايَعة مُطلَقة تقريباً، ولوثر Luther وأمثال هؤلاء أعطوا السُلطان الزمني كل سُلطة، لكن شريطة أن يُطبِّق الكتاب المُقدَّس لأنه عمدتهم، قالوا له ينبغي أن تأخذ بأقوالنا وأن تُطبِّقها وأنت لك كل التصرف، عكس الكنيسة الكاثوليكية، فلذلك لم يتسن لهم سُلطة زمنية حقيقية، لكن كالفن Calvin في جنيف Geneva جمع السُلطتين، ويا ويل الناس مِما فعل كالفن Calvin، هذا شيئ مُخيف، فذكَّر الناس بفظائع الكاثوليك وعمل مثل محاكم التفتيش للناس وأعمل فيهم الذبح والحرق والخوزقة، فكالفن Calvin كان مُجرِماً، وقد التجأ إليه العالم الجيولوجي والطبيب المُشرِّح واللاهوتي الإسباني المسكين سيرفته Servet أو سيرفيتوس Servetus فغدر به، هو التجأ إليه لأنه كان في فرنسا هارباً بعد أن طلبوا رأسه لأن الرجل كان مُوحِّداً، فهو قال لا يُوجَد ثالوث، والصحيح هو لا إله إلا الله، ويُقال أن سيرفته Serveto أو سيرفيتوس Servetus تأثَّر بالإسلام، وقد كان علَّامة كبيراً ورجلاً موسوعياً، فبدأ يُراسِل كالفن Calvin ويقول له ما هى أدلته، وألَّف كتاباً في أكثر من ألف صفحة ليقول الله واحد لا شريك له، وأن الـTrinität مُجرَّد كلام فارغ وغير صحيح، لكن بعد ذلك غدره كالفن Calvin وكتب لزفنجلي Zwingli قائلاً أنا سأستدرك هذا الزنديق الهرطوقي هنا ويوم يقع يدي وعزة ربي لن أرحمه، والرجل سلَّمه المقادة ووثق به وذهب إليه بعد أن شُغِبَ عليه في فرنسا فهرب إلى جنيف Geneva، فأخذه وحاكمه في ألف وخمسمائة وثلاث وخمسين وأحرقه بالنار حياً، ميلينجتون Millington كان بروتستانتياً على طريقة كالفن Calvin فماذا كتب يقول؟ كتب يقول هذا عمل مجيد عمله كالفن Calvin وعلمناه نحن معه لكي يكون تذكرةً وعبرة جيدة للأجيال القادمة، فهو قال هذا درس مُمتاز، لكن هذه الأجيال القادمة شعرت بالعار وبالشنار – Shame – من هذا التصرّف المحقور وأبت في مطلع القرن العشرين – في ألف تسعمائة وثلاثة – في جنيف إلا أن تقيم نُصباً تذكرياً لسيرفيتوس Servetus، فهم أقاموا له نصب، لأنهم يعتذرون منه ومن هذه الحقارة الفكرية والدينية!

الدرس الذي أحببت أن أُنبِّه عليه في أول الخُطبة درس يُقرِّره كل مُؤرِّخي هذه المسائل، فهم يقولون للأسف الشديد ما مِن دين في حد ذاته وفي حد ذوات نصوصه يدعو إلى الاستئصال وإلى الذبح والتطهير، كل الأديان فيها قدر من الدعوة إلى الرحمة والتسامح والدليل والحُجة والسُلطان، ولكن درس التاريخ يقول ما من دين معصوم مِن أن يُساء تأويله وتوظيفه – توظيف نصه – لذبح الناس وحرقهم والتفتيش عن عقائدهم وخوزقتهم أحياء، ما من دين إلا وهو كذلك حتى الإسلام، فهذا حصل في الإسلام ولكن بفضل الله بدرجة أقل بكثير مما حصل في المسيحية مثلاً، وماذا يقول الدرس أيضاً؟ يقول كل المُتدينين مُؤهَّلون – هكذا من حيث الأصل هم مُؤهَّلون – أن يُمارِسوا العنف وأن يُقيموا المذبحة – فهذا مُمكِن لأي مُتدين – لكن لابد من توافر شرطين – هذا جوهر الدرس – هامين، الشرط الأول لابد من سُلطة زمنية، أي لابد أن يكون في يدهم قوة، سُلطة زمنية حقيقية كأن يحكموا هم – مثل مارتن لوثر Martin Luther وجماعته – ويُطيعهم الحاكم، فالحاكم يأخذ بفتواهم ويأخذ بكلامهم، ولذلك ما لم يكن لهم هذه السُلطة وهذه المُشايَعة سوف يظلون دائماً يكتفون بالانتقام بالغيبة والنميمة، أي سوف يقولون هذا كافر أو زنديق أو ملعون فافصلوه من النادي، سواء من نادي الشيعة ومن نادي السُنة، فهم ينتقمون بالنميمة وبالغيبة وبالتشويه وبالبهت وبالكذب، ويوم تصير إليهم السُلطة سيفعلون الأفاعيل، مثلما يتحسِّر مولانا الشيخ في مصر الذي قال كان الأمر لي لطهَّرت الأرض من هؤلاء، فهو يتحدَّث بلغة زنقة زنقة وبلغة التطهير وهى لغة القذَّافي الهالك، فهو يدعو إلى تطهير البشر وكأنه يتحدَّث عن جراثيم، وهذا شيئ مُخيف، أما الشرط الثاني يكون في بروز عقول نشطة مُتلهِّبة فوَّارة تتحدَّى القوالب والأنماط والأفكار التقليدية، وهؤلاء يُسمونهم هراطقة وزنادقة، فما لم يظهر هذا الزنديق الذي يُغامِر بحياته وبرقبته لن تحدث مذبحة، ولكن أنا أقول لكم المُشكِلة في أن الزنادقة حاضرون، وهنا قد تقولون لي كيف هذا؟ لكن أنتم تعرفون كيف، فزنادقة السُني مَن هم؟ الشيعة، وزنادقة الشيعي مَن هم؟ الوهابية، وزنادقة الوهابية مَن هم؟ الصوفية والشيعة، وهكذا إلى آخره، فهم موجودون، أي ليس ضرورياً أن يبرز لدينا مارتن لوثر Martin Luther أو زفنجلى Zwingli أو كالفن Calvin أو أي أحد لكي نقول هذا زنديق أو ظهرت الزندقة، فالزندقة حاضرة من ألف وثلاثمائة سنة، يبقى فقط أن تأتي الفرصة.

قد تسألون لماذا أطرح هاته الموضوعات الآن؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن ثوراتنا انتصرت ولأنني أشعر – وهو تحقَّق بفضل الله هذا الأسبوع ولله الحمد والمنّة – أنهم الأقرب إلى أن يتسلَّموا السُلطة، فأقول لهم يا إخواني ويا أحبابي ويا أهلنا ويا أيها المسلمون ويا أيها الإسلاميون اتقوا الله في الدين واتقوا الله في الجيل، وهذه الرسالة الآن نُوجِّهها إلى إخواننا في النهضة ومَن تحالف معهم في تونس الخضراء – وإن شاء الله تبقى خضراء على أبد الدهر إن شاء الله – ونقول لهم النجاح الذي أصبتموه والذي حظيتم به بفضل الله – نُهنّيء ونُبارِك ونُبارِك للأمة الإسلامية كلها هذا – شيئ عظيم ولكن أعظم منه وبه يبدأ اختبار النجاعة حين تحكمون، ومبدئياً نحن لدينا قناعة غالبة أن الإخوة في النهضة سيُترّجِمون عن نموذج مُشرِّف جداً – بإذن الله – لأننا نعرفهم ونعرف شيخهم الفاضل الشيخ راشد حفظه الله، فالرجل مُتفتِّح جداً، وأنا سأحكي لكم حكاية شخصية عنه، فقبل بضع عشرة سنة في فولدا Fulda – هذا في فولدا Fulda تحديداً لكي أُوثِّق كلامي – ألقيت مُحاضَرة وكان يُوجَد الشيخ الزمزمي ومنير شفيق والشيخ راشد الغنوشي حفظهم الله جميعاً، فألقيت مُحاضَرة وكنت جريئاً جداً فيها وخالفت فيها في أشياء تقريباً مُتفَق عليها، والشيخ راشد يسمع ويكتب ويهز رأسه، وبعد ذلك في مسألة واحدة قال لي هذه المسألة أنا لا أستطيع أن أُشايعك عليها ولا أستطيع أن أقول لك إن عندي ما يدحض قولك، ولكن أنا أتحفَّظ عليها، فهذه المسألة جريئة جداً جداً، فهل تعرفون ماذا آنست؟ آنست شيئاً عجيباً علماً بأنني ذكرت هذا أكثر من مرة، مُعظَم تلميذاته وتلاميذه عارضوه وأيدوني وقالوا له لا يا شيخ راش ، هذا غير صحيح، وكلام الأستاذ صحيح مُمتاز وقوي، وهو يتبسَّم لهم، فقلت هل هكذا يتعاطى مع تلاميذه؟ هل هكذا تعلَّموا على يديه؟ هؤلاء ناس مُفلِحون بإذن الله تعالى، لا يُوجَد تعصب ولا تأليه ولا انغلاق ولا تكفير، وإنما يُوجَد قدر من المرونة عجيب، فبإذن الله النهضة في تونس ستُترّجِم – إن شاء الله – عن شيئ سيُذكِّر بنموذج أردوغان إن لم يفقه، وطبعاً سوف يقول لي أحدكم الآن لقد أسأت يا شيخ لأن أردوغان كفَّروه، فهم لم يُكفِّروه بالاسم وإنما كفَّروا النموذج الخاص به، كفَّروا سعيه وكفَّروا مسعاه في التلفزيون Television، وهذا شيئ رهيب لكن لا علينا من هذا، وأنا أسأل الله – تبارك وتعالى – من منبر رسول الله أن يقي أمتنا السوء والضر والشر وأن يفتح عقولهم وقلوبهم وأن يُصلِح ذات بينهم وأن يُؤلِّف بين قلوبهم وأن يُجنِّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أتمِم لنا ثوراتنا، اللهم تفضَّل علينا ومكِّن لهذا الدين تمكيناً حميداً مجيداً نُحمَد به في العالمين بين المسلمين وبين غير المسلمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

وانتهى لوثر Luther إلى القول بأن الهراطقة يُمكِن أن يُحرَقوا وأن يُذبَحوا – يتحدَّث عن اللامعمدانيون Anabaptists – أيضاً، في البداية تردد لكنه في النهاية قال نعم أُوافِق على حرقهم، فانتبهوا إلى أن مَن قال هذا هو مارتن لوثر Martin Luther، فمارتن لوثر Martin Luther الـ Reformer العظيم وافق على حرق اللامعمدانيين Anabaptists، لماذا؟ لأنه استشعر القوة واستشعر التمكين الآن، فموقفه من العلم والفلسفة والفكر ليس أحسن إن لم يكن أسوأ من موقف الكاثوليك، فهذا ينطبق عليه نفس الشيئ ومن ثم هو موقف سيئ جداً!

أختم بتذكير عن السُنة والشيعة والإباضية الآن في عُمان والزيدية في اليمن وأقول أن هؤلاء أعمارهم زُهاء ألف ومائتين أو ألف وثلاثمائة سنة، كم حاول السُنة في أشخاص خلفائهم كالمُتوكِّل وأمثال المُتوكِّل أن يجتثوا خضراء الشيعة أو يجتثوا الشيعة من خضرائهم؟ ذبحوا أئمتهم وذبحوا أبناء رسول الله في السجون وسمَّموهم ولم يفن الشيعة، أليس كذلك؟ والآن الشيعة يزدادون، وأنا أقول لكم أنهم يزدادون تحت هذا الضغط، تحت ضغط الحقد والتكفير والتأليب الذي من ورائه وبشكل واضح الغرب، حيث يُراد الآن – كما قلت لكم – أن تُلغَّم أرضنا وأن تنفجر فينا جميعاً سُنةً وشيعة، ولذلك سأقولها كلمة وأُغامِر بها وإن شاء الله أرجو أن تُفهَم في موضعها: هناك الآن حملة مُنظَّمة رهيبة – وأنا والله أرى نفسي وأقل من هذا، لماذا كل هذه الحملة؟ حملة أتت في فضائيات كثيرة، وهذا شيئ لا يُصدَّق – ويُعلَن عنها لستة أشهر ضد عدنان إبراهيم، فلماذا؟ ماذا أفعل أنا؟ ماذا أطلب؟ لن أقول حسبي الله – حسبي الله دائماً – ولكن ما المُراد؟ مَن وراء هذه الحملة؟ مَن الذي يدعمها؟ مَن الذي يُحرِّكها؟ هذا شيئ – والله العظيم – يُثير الريبة، في البداية لم أفطن إلى هذا وظننته اختلاف رأي، والآن تُوجَد حملة مُنظَّمة لأن الخطاب الذي أفوه به – أي خطابي هذا – لا يُرضي أعداء الأمة ولا يُرضي مَن يمكر بأمة يبدو أن طائفة منها أو طوائف أو جانباً – لا أدري عظيماً أو غير عظيم ولا أدري كبيراً أو غير كبير – مغلوب على عقله وعلى وعيه بإسم أنه يُحِب الحق.

من أكبر دُعاة السلام هنا في أوروبا كانوا وما زالوا المُفكِّرون اليهود، فالمُفكِّرون اليهود من أكبر دُعاة السلام ومن أذكاهم لأنهم يدعون بطريقة فلسفية مُمتازة، وطبعاً يُوجَد غير اليهود، ولكن لماذا اليهود بالذات؟ هذا طبيعي ومسلك ذكي، حين تشعر نفسك بأنك مُهدَّد وتحس بهذا التهديد تنزع إلى مُبارَكة السلام فكراً ومسلكاً، أليس كذلك؟ تفعل هذا لأنك مُهدَّد، والآن أنا أقول لك مَن المُهدَّد؟ كلنا – والله العظيم – سُنة وشيعة، أُقسِم بالله على أن الأمة كلها مُهدَّدة، والله العظيم الأمة كلها – أمة محمد، أمة لا إله إلا الله – مُهدَّدة اليوم، ووالله لن يُستثنى منها أحد، فلماذا لا نشعر نحن بهذا التهديد؟ أنا لا أتحدَّث عن نفسي وأنا شاعر به تماماً وهو الذي يجعلني أصيح هذا الصياح وأصرخ هذا الصراخ وإنما أعني هؤلاء وأولئك وأولئكم، لماذا لا يشعرون بالتهديد؟ لماذا لا يُمارِسون الأسلوب الناعم الرقيق المُسالِم الودود المُنفتِح مُبادَرةً للطوفان بسد من التسامح يبنونه؟ لماذا لا يفعلون هذا؟ سأختم بالجواب وأقول لأنهم أنانيون، هل تعرفون ما معنى أنهم أنانيون؟ الواحد منهم لا يُفكِّر في نفسه كذات جمعية – أي كسُني – أو يفكَّر في السُنة، هذا كذب لأن هذا – والله – لا يعنيه، والشيعي لا يُفكِّر في نفسه كذات جمعية – كأن يقول نحن الشيعة – أيضاً، وإنما يُفكِّر في نفسه كذات فردية، يقول أنا الآن الذي أظهر على التلفزيون Television وعلى الفضائيات وأُسوّي مسلّسَلات وحلقات والفلوس مثل النهر الذي يصب علىّ وعلى أهلي وعلى ذويي ولذا أستجيب لسياسة البلد وسياسة الحاكم وسياسة المُتنفِّذ ولما يُريد، فإذا كان يُرضيه هذا سوف أستجيب له لكي يرضوا عني ويقفون معي، فأنا الكاسب في النهاية، أنا الآن كشخص لا أرى أن هناك ما يضرني أو يضيرني في هذا، لن أُستأصَل كشخص ولن تلحقني النار، أما أنها ستلحق إخواني في بلد آخر فهذا لا يعنيني، لا يعنيني أنها ستلحق أجيال من أبنائي وأحفادي أو أبنائنا وأحفادنا في هذا البلد في زمنٍ تالٍ، فإذن ماذا يعنيه؟ يعنيه نفسه فقط فانتبهوا، نحن نُفكِّر – بفضل الله والمنّة ولا نقول هذا تبجحاً – على نحو مُعاكِس تماماً، نحن يعنينا الدين والإسلام وأمانة رسول الله التي بين أيدينا وأمانة هذا الكتاب الخاتم العظيم المُؤهَّل والمُرشَّح أن يقود الدنيا ويُعلِّم البشرية والله العظيم، ولكن – هيهات هيهات – أين؟ هؤلاء إذا تكاثروا – هيهات هيهات – سيكون هذا كله لعنةً علينا، سيكون أدوات لذبحنا وتمزيقنا وتشظيتنا، وهذا كله من أجل ماذا؟ لا أدري، من أجل أنانيتنا الصغيرة، فكل منا يُفكِّر في نفسه فقط، وإلا – مثلاً – مِن مصلحة مَن أن تطرد عالماً سُنياً مِن عضوية نادي أهل السُنة والجماعة وهو عالم له بعض تأثير مثلاً؟ هذا مِن مصلحة مَن؟ لماذا تفعل هذا؟ يفعل هذا لأن لا يعنيه الحق ولا تعنيه السُنة ولا الجماعة ولا الدين، يعنيه هو فقط، أن يبرز أنه – ما شاء الله – حامي الحمى وأنه هو المُتكلِّم الفاتق الناطق كما يقول التوانسة، فهوالفاتق الناطق فقط وليذهب البقية إلى الجحيم بما فيهم السُنة وبما فيهم الدين، فكفانا كذباً إذن، نحن نُريد شرف الضمير – أُقسِم بالله على أننا نُريد شرف الضمير – فقط، نحن نُريد ضميراً حياً يُمكِن لصاحبه أن يقول حين أضع رأسي غداً ألقى الله وليس هناك ما يُؤرِّقني، فاللهم اجعل حسابك وجزاءك لنا مقصودنا لا محصولنا، وهذا ما أقوله دائماً، سل أي داعية وسل أي عالم وقل له أقسم لي على كتاب الله أنك لا تطلب من الله إلا أن يُؤاخِذك بمقصودك لا بمحصولك وقل لي ماذا سوف يقول لك، لكن ما معنى مقصودي لا محصولي؟ مقصودي هو نيتي، فما هى نيتكَ؟ ما هى نيتها؟ ما هى نيتي؟ أما محصولي فهو اجتهادي وآرائي، وليس منا نبيٌ، كلنا نُخطيء ونُصيب لأننا لسنا معصومين، نحن فقط بشر ضعاف، فأهم شيئ هو النية، وكما قلت لكم كُن غبياً أو كُن ذكياً فهذا ليس يهم كثيراً في هذا المقام، ولكن كُن صادق النية وحسن القصد، والآن أقول لك أصب الرأي أو أخطيء الرأي والاجتهاد فهذا ليس يهم كثيراً، ولكن كُن صادق النية خالص القصد، لأن إذا صحَّت النية وضح السبيل، ومَن يهد الله يستهده، قال الله وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ۩ وقال أيضاً فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ ۩ فضلاً عن أنه قال سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ۩.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُبارِكنا ويُبارِك أمتنا، اللهم بارك فينا ولنا وعلينا وحوالينا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم وحِّد صفنا، اللهم قِنا واصرف عنا نزغات الأنفس والهوى والغرض ووساوس الشياطين، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ۩ يا رحمن يا رحيم يا رب العالمين.

يا مولانا الطف بنا ولا تُؤاخِذنا بما فعل السفهاء منا، ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم أبرم لهذه الأمة المُحمَّدية أمر رشدٍ تُعِز فيه أولياءك وتُذِل فيه أنوف أعدائك ويُعمَل فيه بكتابك وتُتبَع فيه سُنة نبيك – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – ويُتآمر فيه بالمعروف ويُتناهى فيه عن المُنكَر وتأمن فيه سُبل المُؤمِنين. اللهم آمين .

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (28/10/2011)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: