بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، ربنا افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين.

أنكر علىّ فضيلة الشيخ عثمان الخميس – بارك الله فيه – قولي عائشة رَجُلَة، كيف يُقال عائشة رَجُلَة؟ الرجل يُقال له رجل، والمرأة يُقال لها رَجُلَة، في اللُغة الفُصحى يجوز أن يقول للمرأة رَجُلَة.

في الصحاح للجوهري – تعرفون الصحاح – ويُقال للمرأة رَجُلَة، قال الشاعر:

كلُّ جار ظَلَّ مُغْتَبِطاً                                    غيرَ جيران بني جَبَله.

مَزِّقوا جَيْبَ فَتاتِهمُ                                   لم يُبالوا حُرْمَةَ الرَجْلَهْ.

كنَى بالجيب عن الفرج، العامة تقول كنَّى والصحيح كنَى، كنَى يَكني وليس كنَّى يُكنّي، كنَى عن الفرج بالجيب، قال:

مَزِّقوا جَيْبَ فَتاتِهمُ                                   لم يُبالوا حُرْمَةَ الرَجْلَهْ.

المرأة تُسمى ماذا؟ رَجُلَة، هو رَجُل وهي رَجُلَة، ما المُشكِلة؟ قال الجوهري في الصحاح ويُقال كانت عائشة رَجُلَة الرأي، ليس عدنان الذي قال، هذا الكلام مذكور في الكتب، موجود في كتب الحديث، وفي تاج العروس للزبيدي – تاج العروس للعمُرتضى الزبيدي، العلّامة الكبير في القرن الثالث عشر، شارح القاموس للفيروزآبادي – قال وقيَّده الراغب – مَن الراغب؟ الأصفهاني، صاحب مُفرَدات القرآن – فقال ويُقال للمرأة رَجُلَة إذا كانت مُتشبِّهة بالرجل في بعض أحوالها، قلت – أي الزبيدي – ويُؤيِّده حديث إن عائشة كانت رَجُلَة الرأي، قال هذا حديث، عائشة كانت رَجُلَة، أي كان رأيها رأي الرجال، في عون المعبود شرح سُنن أبي داود أن لعن الله المُترجِّلات من النساء، قال أي المُتشبِّهات بهم زياً وهيئةً ومشيةً ورفع صوتٍ لا رأياً وعلماً، فإنه التشبه بهم محمود في الرأي والعلم، كما رُويَ أن عائشة رضيَ الله عنها كانت رَجُلَة الرأي, أي رأيها كرأي الرجال على مافي النهاية، وفي فيض القدير للمناوي – رحمة الله تعالى عليه – الآتي، أين هو؟ هذا فيض القدير للعلّامة المناوي رحمة الله تعالى عليه، المُجلَّد الخامس، في صحيفة مائتين وتسع وستين عند حديث لعن الله الرَجُلَة من النساء قال أي المُترجِّلة التي تتشبَّه بالرجال في زيهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك، أما في العلم والرأي فمحمود، ويُقال كانت عائشة رَجُلَة الرأي.

ليس عدنان الذي قال أنها رَجُلَة، العلماء هم الذين قالوا، لماذا شنَّعتم علىّ وما إلى ذلك؟ كأنني آتي بهذا من كيسي وأؤلِّف، يقول عن عائشة رَجُلَة! هي رَجُلَة، نحن إلى اليوم في بلاد الشام على الأقل – وربما يكون هذا حتى في العراق ومصر – إذا أردنا أن نمدح امرأة لشرفها وقوتها وسداد رأيها وحزمها وثباتها نقول رَجُلَة أو رَجْلة أو أخت الرجال، مدح هذا يا أخي، وفي حديث أم معبد عند البيهقي وأبي نُعيم في دلائل النبوة كما أذكره: وكانت امرأةً برزةً، أي امرأة قوية تضع عليها ثيابها وتستقبل الرجل وتتكلَّم، امرأة قوية ليس عندها مُشكِلة، أي أخت الرجال، يُعتمَد عليها، هذا هو، هذا ليس عيباً، هذا تُمدَح به المرأة، تحدَّثوا وكأنني أردت أن أقول تتشبَّه بالرجال في لباسها! لكن عائشة لم تفعل هذا مرة أصلاً في لباسها وما إلى ذلك، غير صحيح!

ولذلك أبو حيان التوحيدي – تعرفون هذا الأديب والمُفكِّر الكبير – وصف عائشة بأنها رَجُلَة العرب، قال هي رَجُلَة العرب، لماذا؟ لما ثبت عنها من اتصافها بالقوة والحزم والثبات، امرأة تقود جيشاً فيه طلحة والزُبير وعبد الله بن الزُبير، هي القائدة ويصدرون عن رأيها، هناك أُناس كما سنقرأ – سوف يُقال أرأيتم عدنان؟ ماذا أفعل؟ هذا التاريخ – أمرت بكبسهم وما إلى ذلك وأمرت بقتل بعضهم، قالت اقتلوه، أمرت بقتل صحابي وهو عثمان بن حنيف، قالت اقتلوه، قالوا لا وكذا وكذا، فقالت لا تقتلوه، كانت تُعطي أوامر، هذا يُقتَل وهذا كذا وكذا، تُعطي أوامر، فهي رَجُلَة الرأي، رَجُلَة هي، رَجُلَة! وهذا لا يعني أنها تتشبَّه بلباس الرجال وما إلى ذلك، غير صحيح، هي امرأة قوية، وكما قلت ضرس قاطع، امراة يُحسَب لها ألف حساب، امرأة تقود جيشاً – كما قلت – فيه طلحة والزُبير، كيف تقول أن هذه ليست ليست رَجُلَة؟ على كل حال هذا هو.

ثم أظهروا النكير علىّ في قولي إن مُعاوية أرسل إليها مائة ألف ومرة أُخرى بعث إليها بقلادة فباعتها بمائة ألف ثم وزَّعتها، ويعلم الله والمُستمِعون لحلقتي أنني ذكرت هذا بالذات وبهذا الخصوص مدحاً لها، وأما من جهة مُعاوية الطاغية الخبيث فذكرته لكي أُثبِت أنه يرشي، ولعن الله الراشي والمُرتشي والرائش بينهما، هو من جهته كان يُريد أن يرشوها، يشتري سكوتها، قلت لأنها فعلاً خطيرة وضرس قاطع وتُخيف، هكذا قلت، نعم قلت هذا وما زلت أقوله، وقد حرَّكت الرجال، ويعلم مُعاوية وغير مُعاوية ماذا فعلت في الجمل، قلت وقبل الجمل، وأنا أعرف ماذا أقول حتى وأنا مُنفعِل، ماذا فعلت قبل الجمل؟ ألَّبت على عثمان، من كبار وعيون المُؤلِّبين على عثمان الذين أوغروا الصدور على عثمان بن عفان عائشة بنت أبي بكر رضيَ الله عنهما، سيأتي هذا في وقته – في هذه الحلقات إن شاء الله – بالدليل الصحيح، عائشة عند كل المُؤرِّخين في مُقدِّمة مَن ألَّب على عثمان، وليس هذا فحسب، وطلحة والزُبير، وأيضاً أنكروا هذا علىّ وهم يُنكِرون الحق، هذا الحق الثابت في كل الكُتب والتواريخ وبالأدلة الصحيحة كما سأتلوها عليكم بأسانيدها – إن شاء الله – في وقته، الكلام إما أن يكون بعلم وإلا فالصمت، لا نتكلَّم، لماذا أنكرتم؟

على كل حال أنا أُعجِبت بكرم عائشة وكنت ولا زلت مُعجَباً بإنفاقها وكرمها، امرأة كانت كثيرة العطاء – هذا معروف – والصدقات، وكانت تسرد الصوم عائشة، تصوم يومياً إلا الأيام المكروهة المُحرَّمة، وسُئلت لماذا؟ لماذا تصومين؟ تقول لأن النبي قال لي أديمي يا عائش قرع أبواب الجنة بكثرة الصيام، فكانت تصوم يومياً، جاءها مرة مائة ألف من ابن أختها – ابن الزُبير – وكانت صائمة، مولاتها قالت والله ما أمسينا وعندنا منه شيئ، وزَّعت المائة ألف، ولذلك أنا قلت لكم أنا أترضى عليها – وهذا لا يُعجِب بعض إخواننا – وأرجو لها المغفرة على أنني لا أقطع لها بالمغفرة، وسأقول هذا وأدلتي عليه، وهذا من أهم المباحث اليوم، لماذا لا أقطع لها بالمغفرة؟ أسأل الله أن يغفر لها وأن يغفر للمُؤمِنين والمُؤمِنات عموماً، أسأل الله ذلك، بما أنها زوجة النبي في الجنة فالنبي يُرضيه هذا ويُحِبه، لكن ما أدلتي؟ ما وجهة نظري؟ كيف أُرتِّب؟ سوف ترون هذا – إن شاء الله – بعد قليل، بعد قليل مُباشَرةً بإذن الله تعالى، كما قلت لكم الكلام يكون بعلم، ليس بتهور، ليس بهوى، وليس بغرض عن مرض أبداً، أنا أُعجِبت بكرمها العميم وبعطائها ولكن أنا أردت أن أغمز مُعاوية بل أن أُصرِّح، لا أغمز، لماذا أغمز؟ أنا أُصرِّح أن الرجل راشٍ، يشتري الذمم بأموال الأمة، يمنعها الفقراء والمُحتاجين ويُعطيها لمَن يخافهم، يشتري بها سكوتهم، هذا فعل الطُغاة والرجل طاغية، لا أعود عن هذا، هل هذا واضح؟

فإن أنكروا ان عائشة كانت فعلاً خطيرة وقوية وضرساً قاطعاً فهم يُنكِرون ما لا يُنكَر، عائشة كانت كذلك، تاريخها يقول هذا، ليس أنا مَن يصفها وإنما تاريخها يقول أنها امرأة خطيرة ذات شأن، ذات تأثير، مُستحيل أن يُقال غير هذا، لم تفعل أي واحدة من أمهات المُؤمِنين ما فعلت عائشة ولا تتجرأ عليه، هي فعلت هذا، شخصية قوية هي، هي شخصية قوية وواضح أنها قوية، هذا لا يُنكَر وهذا ليس سباً، أما إن سألتني وماذا تقول في خروجها إلى البصرة؟ أقول لك بغيٌ، خروجها بغيٌ على الإمام عليّ عليه السلام، إمام زمانها وإمامها، بغيٌ وخطأٌ، وجماهير أهل السُنة والجماعة – كما تلوت عليكم من كُتب أهل السُنة والجماعة وأتيت به اليوم وإن شئتم تلوته مرة أُخرى – على أن خروج طلحة والزُبير وعائشة خطأٌ وبغيٌ، هكذا وصفوه، بغيٌ! فعائشة كانت باغية على أمير المُؤمِنين، انتبهوا فهذا ليس قول عدنان إبراهيم، قول أئمة أهل السُنة والجماعة، يا جماعة افهموا العلم، عودوا إلى الكتب المُوثَّقة، ماذا نفعل؟ نُقرِّر الحقائق، لا نتكلَّم كلام فضائيات ومُسلسَلات فارغة وهمية وهوائية، نتكلَّم علماً بالأدلة المُسنَدة إلى قائليها من كُتبهم، خطأ وبغي على الإمام، الآن تأوَّلوا فيه أو لم يتأوَّلوا؟ نحن يغلب علينا أنهم تأوَّلوا فيه وأرادوا الخير والإصلاح لكن بلغ الأمر إلى حيث لم يكونوا يحسبون، هذا هو، وفرقٌ كبيرٌ بين طلحة والزُبير وعائشة وبين مُعاوية الخبيث الطاغية، والله فرقٌ كما بين السماء والأرض، وسأُعرِب عن هذا في وقته، هذا لا يُنكَر، أما إن أنكرتم أن مُعاوية راشٍ ويرشو فلا، عشرات الوقائع تُؤكِّد أن مُعاوية راشٍ، يشتري الذمم بالأموال، سآتي الآن – لأن اليوم أُنكِر علىّ كلمات بخصوص الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضيَ الله تعالى عنهما – فقط بواقعة واحدة تخص ابن عمر، روى العلّامة ابن سعد – محمد بن سعد – في الطبقات والعلّامة الذهبي في سير النُبلاء – المُجلَّد الثالث، صحيفة مائتين وخمس وعشرين، وقال الشيخ الأرنؤوط إسناده صحيح – عن نافع أن مُعاوية بعث إلى عبد الله بن عمر مائة ألف – أي درهم، في رواية أُخرى مُصرَّح أنه درهم عند الإسماعيلي، أعني أبا بكر الإسماعيلي صاحب المُستخرَج على ما أذكر – فلما أراد أن يُبايع ليزيد – وأنتم تعرفون كيف فعل هذا مُعاوية، مُعاوية أخذ البيعة لابنه في حياته، ما هذه البيعة؟ هل تفهمون ما المقصد؟ البيعة متى تكون؟ يموت خليفة فيُقال للناس نُرشِّح مَن؟ نُبايع لمَن؟ لكن لا وأنا حي، أي عيني عينك كما يُقال، مثلما أخذ عبد الملك بن مروان البيعة لمَن؟ لأربعة من أولاده وهو حي، ارتهن تقريباً ثمانية أجيال ربما من الأمة مائة سنة، دعونا نقول حتى أربعة أجيال يا سيدي، ما هذا؟ لفلان، فإذا مات ففلان، وإذا مات ففلان، ما هذا القطيع؟ أتتصرَّف في قطيع أنت؟ أول مَن فعل هذه السياسة القطيعية مُعاوية بن أبي سُفيان الطليق ابن الطليق، هو الذي عبث بالأمة ولا يزال يُعبَث بها على أيدي فقهاء مُعاوية إلى اليوم، انتبهوا لكي تعرفوا الحقائق، المُهِم أنه بعث له مائة ألف، أعطاه مائة ألف – قال عبد الله بن عمر أرى ذاك أراد – الآن فهمت لماذا بعث لي مائة ألف، لكي يرشوني، لكي أُوافِق على البيعة لابنه يزيد، الآن فهمت قال، ليست لله هذه -، إن ديني عندي إذا لرخيص.

لا تعتبوا على عدنان لأنه يقول مُعاوية راشٍ، على مَن اعتبوا؟ على ابن عمر، يقول إن ديني عندي إذا لرخيص، يُريد مني أن أبيع ديني، يُريد أن يشتري لديني، لماذا يشتري دينك يا أخي؟ واضح أنها رشوة، ابن عمر يقول رشوة، رشوة في باطل هذه!

في فتح الباري للحافظ ابن حجر، المُجلَّد الثالث عشر، صفحة ستين: ووقع عند الإسماعيلي عن نافع أن مُعاوية أراد ابن عمر على أن يُبايع فأبى وقال لا أُبايع لأميرين – كيف في نفس الحياة نُبايع لأميرين؟ لا يُمكِن – فأرسل إليه مُعاوية بمائة ألف درهم فأخذها، فدس إليه رجلاً فقال له ما يمنعك أن تُبايع؟ – مُعاوية دس إليه أحد جواسيسه، قال له لماذا لا تُبايع؟ الآن ابن عمر استفاق – فقال إن ذاك لذاك – أي أن المائة الألف من أجل موضوع البيعة، الآن فهمت – – يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المُبايَعة “يقول ابن حجر” – إن ديني عندي إذا لرخيص.

مُعاوية راشٍ أو غير راشٍ؟ وبالسند الصحيح والبيّنة، وعشرات مثل هذه القصة، عشرات!

الشيخ عثمان الخميس – حفظه الله – زعم أنني قلت في الحلقة التاسعة عشرة عن أم المُؤمِنين أنها على باطل ومُبطِلة، في الحقيقة أنا استمعت إلى الحلقة ولم أجد أنني قلت هذا، فإن كنت قلته – لعلي لم أسمع، أنا استمعت إليها بطولها – فلابد أن يكون سياق قوله أنها على باطل في خروجها أو على خطأ ومُبطِلة فيما فعلت، على كل حال أم المُؤمِنين ندمت ندامة أكيدة على ما فعلت، يقول ابن عبد البر والحافظ الذهبي: وكانت تبكي حتى تبل حجرها، وتلوم على مَن لم ينهها عن الخروج، قالت إذا مر عبد الله بن عمر فأخبروني به، قالوا ها هو ذا يا أم المُؤمِنين، فقالت له يا بُني ما الذي منعك أن تنهاني عن الخروج؟ قال أردت أن أنهاكِ ولكن غلبني عليكِ رجلٌ، يعني مَن؟ عبد الله بن الزُبير، ابن أختك قال لها، ابن أختك هو الذي غلب عليكِ، غلب عليكِ هذا الرجل.

نأتي الآن إلى المسألة الخطيرة، أكيد في نظر المُسلِمين العاديين الطيبين والمُسلِمات أنها مسألة خطيرة، عدنان إبراهيم يقول لا أدري ما يفعل الله بعائشة، لا أقول إنها في الجنة حتماً، طبعاً انتبهوا، أنا سُني، وبالمُناسَبة مذهب إخواننا الإمامية كمذهب السُنة هنا، كل مُوحِّد مات على التوحيد مصيره في النهاية أين؟ الجنة، خلافاً للخوارج والمُعتزِلة وللأسف أيضاً الإباضية والزيود، لكن مذهب الإمامية هنا كمذهب أهل السُنة، فأنا كسُني أقطع بأن كل مُوحِّد مات على التوحيد في النهاية مآله أين؟ الجنة، لكن لا أقول إنه في الجنة مرة واحدة دون سبق حساب أو عذاب، قد يُعذَّب في جهنم ساعات أو لحظات وقد لا يُعذَّب، الله أعلم، الآن في قضية خطأ أم المُؤمِنين ما القول؟ أنا أعلم أنها أخطأت رضوان الله عليها في الخروج، كيف لا أقول أنها أخطأت والعلماء يُخطّئونها ويصفون خروجها بالبغي وهي خطّأت نفسها وكانت تبكي حتى تبل حجرها؟ وليس هذا فحسب، كانت تشتهي وتهوى أن تُدفَن في حُجرتها إلى جانب زوجها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبيها – أبي بكر – والفاروق عمر، وكانت له مُعظِّمة ومُجِلّة، لكنها هي التي قالت فلا تدفنوني إلى جانبه فقد أحدثت بعده حدثاً، انظر إلى هذا، عندها ورع، قالت لعلي لا أستحق هذا المقام – أن أُدفَن إلى جانب رسول الله – لأنني أحدثت شيئاً، وهذا الشيئ ليس سهلاً، شيئ كبير، تسبَّبت في قتل من ثمانية آلاف قيل وعشرة آلاف من البشر فضلاً عن ألوف الأيدي التي قُطِعَت، كارثة من كوارث الأمة، مع أن النبي صحَّ عنه أنه حذَّر سواء لها أو لغيرها فكانت هي: أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب، احذري أن تكونيها، والحديث صحيح، صحَّحه ابن حبان كما قال الحافظ في فتح الباري وصحَّحه الحاكم كما قال الحافظ ووافقه الذهبي في التلخيص، ومن أواخر مَن صحَّحه الشيخ العلّامة الألباني رحمة الله عليه، وأكَّد أن الحديث صحيح رُغم أن أبا بكر بن العربي في العواصم من القواصم أنكر وجود الحديث أصلاً، قال غير موجود، أين هذا الحديث؟ أين؟ مُخرَّج في أكثر من كتاب، خرَّجه الإمام البزّار، خرَّجه الإمام الحاكم، خرَّجه الإمام ابن حبان، خرَّجه الإمام أحمد بن حنبل في مُسنَده، كيف يُقال أين هذا الحديث يا ابن العربي؟ طبعاً ابن العربي – رحمة الله عليه – ليس مُحيطاً بكل العلوم، يعلم أشياء – وهو علّامة كبير وإمام جليل – وأشياء تغيب عنه، وقال الحافظ العلّامة أبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير: وأبدى للعلماء بإنكار هذا الحديث عن غباوة وجهل، هكذا قال! قال كان غبياً وجاهلاً هنا، أتُنكِر حديث مثل هذا؟ العلماء الكبار والصغار يعرفون حديث الحوأب، لأنه حديث مُهِم ولافت – حديث الحوأب – لأن النبي كان فيه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، ولك أن تتخيَّل هذا، قبل وفاته يقول أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب، احذري أن تكونيها يا عائشة، وكانت هي عائشة، يُوجَد خطأ هنا حدث، كيف لا يكون خطأً؟ وأنا أقول لكم والله العظيم كل مَن أحب أم المُؤمِنين وأحب الرسول من قبل – والله العظيم – إذا أحب أن يُسدي إليها جميلاً فليستغفر لها الله كثيراً، ليقل اللهم اغفر لأمنا، ولا تستمع إلى مثل ابن حجر الهيتمي – أحد أئمتي هذا، أحد أئمة الشافعية – هنا، ولا أدري كيف سوَّلت له نفسه أن يُطلِق هذه الأحكام، وهذا لم أُراجِعه أيضاً وقرأته أيضاً من قبل خمس وعشرين أو ثلاثين سنة – الذي قال إن في الاستغفار للصحابة – والعياذ بالله – شُبهة كفر، لا تقل عن الصحابة غفر الله لهم، إياك أن تقول غفر الله لهم، إذن ماذا أقول يا ابن حجر؟ قل رضيَ الله عنهم، لأنك حين تقول غفر الله لهم كأنك تغمز قناتهم، أسألك يا مولانا: هل الصحابة عندك معصومون؟ هل الصحابة لا أخطاء لهم ولا آثام عندهم؟ يا ابن حجر الهيتمي – رضيَ الله عنك – أنا أقنع بكلامك أم بكلام رب العالمين؟ سوف تقول لي لا، بالغت يا عدنان، ما علاق هذا بذاك؟ الله قال هذا، الله قال وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ۩، بإجماع المُفسِّرين المُرادون بقوله وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ۩ هم المُهاجِرون والأنصار أصحاب الدار، الله يقول نستغفر لهم، وابن حجر يقول لي إياك أن تستغفر، لو استغفرت يُمكِن أن تكون كافراً، ما الفقه هذا؟ أي علم هذا؟ أي فقه يا جماعة هذا؟ أرأيتم الحاصل حين يكون الفقه قرآنياً؟ وأرأيتم الحاصل حين يكون الفقه رجالياً؟ قال ابن حجر وقال ابن تيمية وقال الطبراني وقال الطبري، على العين والرأس، أئتمنا ومنهم نتعلَّم لكنهم ليسوا معصومين، إذا أخطأوا وخالفوا صريح الدليل نقول لهم لا، عذراً، لن نُتابِعكم، ولذلك الحافظ ابن عبد البر – رحمة الله عليه – في التمهيد أو في الاستذكار – والله الآن نسيت – قال الموقف من الصحابة و و و و و و و وأن نستغفر لهم، هذا يفهم، هذا صحيح، هكذا قال! تستغفر لهم، أتُحِب الرسول وتُحِب أم المُؤمِنين؟ قل اللهم اغفر لها، اللهم تجاوز عنها، اللهم اغفر لها ذنبها وخطأها وخروجها على الإمام عليّ، على إمام زمان، اللهم اغفر لها، اللهم اغفر لها، تكون – والله العظيم – خدمتها، أُقسِم بالله، حين تُحاوِل أن تجعلها معصومة كأنها لم تُخطيء وتقول قطعت الله لسانك وكيف تقول أخطأت وما أخطأت – والله – تضرها، أُقسِم لك بالله، لأنك تمنع عنها استغفاراً كثيراً أنا مُتأكِّد سينفعها، دعاء المُؤمِن لأخيه المُؤمِن بظهر الغيب ينفعه، عائشة في خطئها أحوج ما تكون إلى الاستغفار، وهذا لا ينقص من مقامها يا جماعة، ما المُشكِلة لكن لا أعرف لماذا عقليتنا ليست قرآنية، عقلية تقديسية تأليهية، نُؤلِّه البشر، نُحوِّله إلى آلهة وأنصاف آلهة، فنضرهم ونضر أنفسنا ونضر عقيدتنا وديننا، هذا هو على كل حال.

الآن هم هوَّلوا – كما قلت لكم – وأثاروا عجاجة لأنني قلت لا أستطيع أن أقطع أنا بمصير عائشة، أي هل هي مغفور – إن شاء الله – مرة واحدة وتدخل الجنة بغير حساب أم لا؟ طبعاً انتبهوا، أما أنها ستصير إلى الجنة في أضعف الإيمان قطعاً هذا لكل مُؤمِن فكيف بأم المُؤمِنين وزوجة الرسول؟ لكن هل تدخل الجنة بغير حساب وبغير سابقة عذاب؟ نرجو ذلك، بحق محمد – سوف يُقال إنه يتوسل، أتوسَل بمحمد أنا، عندي التوسل حلو – وآل محمد أن يغفر الله لها وأن يُدخِلها الجنة بغير حساب وأن يقر بها عين رسول الله، أُحِب هذا، لكن لا أقطع بهذا، وسوف ترون مذهبي هو الحق أو مذهب المشايخ الفضلاء؟ مذهبي هو مذهب أهل السُنة والجماعة بالأدلة، الآن سيأتيكم هذا.

إذن أولاً – لكي نُرتِّب النقاش – هم لا يُنكِرون ما أطبق عليه مُعظَم علماء الأمة من تخطئتها في خروجها، وتلوت عليكم هذا في حلقة سابقة، وآخر مَن خطّأها الشيخ الألباني في تخريجه لحديث الحوأب، الشيخ الألباني قطع بتخطئتها، وأنا أتيت به، إن أردتم أتلوه عليكم، لكن أعتقد أنكم لا تحتاجون لأنه موجود، في السلسلة الصحيحة أيها الإخوة اقرأوا تخريج الألباني لحديث الحوأب، جزم فيه بتخطئة عائشة في خروجها – رضيَ الله تعالى عنها – وأرضاها، مطبوع عندي هنا، إذا أردتم اقرأوه، ثانياً هم لا يُنكِرون ولا ينبغي أن يُنكِروا أو تراهم يُنكِرون اعترافها بخطئها وندامتها الأكيدة وبكاءها – أي لا ينبغي أن يُنكِرون بكاءها – حتى تبل حجرها، لا ينبغي أن يُنكَر هذا.

روى ابن سعد في الطبقات والحاكم وصحَّحه في المُستدرَك ووافقه الإمام الذهبي ونقله في النُبلاء في ترجمة عائشة: قالت عائشة وكانت تُحدِّث نفسها أن تُدفَن في بيتها فقالت إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثاً، ادفنوني مع أزواجه فدُفِنَت بالبقيع رضيَ الله عنها، وهذا يُؤكِّد لكم أن عائشة ليست امرأة جريئة على الله ولا تهمها آخرتها وما إلى ذلك، ليست كذلك أبداً، بالعكس لكن ليست معصومة، أخطأت، وهذا الخطأ ليس يسيراً، خطأ كلَّف الأمة ألوفاً من الضحايا يا جماعة، هذه مسألة عدل عند الله، قال الذهبي قلت تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل – هذا الحدث، وأنتم تعرفون ما معنى كلمة حدث؟ شيئ فظيع، يقول لك أحدث في الإسلام حدثاً، شيئ فظيع، شيئ فظيع جداً، وورد فيه نهيٌ مُخيف بل ورد فيه ما هو أشد من ذلك، أعني الإحداث في الإسلام – فإنها ندمت ندامة كُلية وتابت من ذلك.

يقول تابت، التوبة تكون من الخطأ والإثم أم من الاجتهاد المأجور؟ من الخطأ والإثم فافهموا، تعرفون هذا مثل ماذا؟ مثلما أفاد الشيخ حسن بن فرحان المالكي، وفي الحقيقة هو موجود في بعض كُتب الإمامية في التفسير، أنا قرأته من قبل، البغي لا أجر فيه، لا تقل لي اجتهد في بغيه وهو مأجور بأجر واحد، أنت ضد القرآن، لماذا؟ قال تعالى غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ ۩، هذا يعني أن مَن بغى أو اعتدى مأثوم أم غير مأثوم؟ بنص كتاب الله مأثوم، هل فهمتم أم أعيد؟ لا تقولوا لي بغى وله أجر، افهموا! أنا أعرف أن هذا الكلام سوف يهز أُناساً كثيرين أسأل الله أن يُفيدوا منه وأن يتعلَّموا وأن يعرفوا على الأقل أن ينظروا إلى المسائل من زوايا جديدة قرآنية، لابد من إعمال العقل وتفتيح الدماغ.

قال لك بغت عائشة وبغى طلحة وبغى الزُبير وبغى مُعاوية، قتل سبعين ألفاً، تسبَّب في قتل سبعين ألفاً وهو مأجور بأجر واحد، اجتهد فأخطأ، هل في البغي اجتهاد؟ لو كان في البغي اجتهادٌ لكان الباغي المُجتهِد مأجوراً بأجرٍ واحد كما قالوا، أليس كذلك؟ والله يقول غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ ۩، فكل مَن بغى واعتدى مأثومٌ بنص الآية، هل فهمتم؟ وضحت الحُجة، لذلك يقول الذهبي تابت، والتوبة لا تكون من اجتهادٍ يُؤجَر فيه صاحبه، تابت! يقول فإنها ندمت ندامة كُلية – والندم توبة – وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك – وهذا من تناقضه رضوان الله عليه ولا نُوافِقه – إلا مُتأوِّلة قاصدة للخير.

هذا كلام ينقض نفسه بنفسه، غير صحيح، غير دقيق، غير دقيق قرآنياً، ثم روى الذهبي: قالت عائشة إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر بها قيل لها هذا ابن عمر – تلوته قبل قليل من حفظي، هو نفسه! – فقالت يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ – أي إلى البصرة – قال : رأيت رجلاً قد غلب عليك – يعني ابن الزبير. يقول الذهبي.

وفي النبلاء: ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كُلية على مسيرها إلى البصرة – هذا في موضع آخر – وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ، فعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة: إذا قرأت – أي كانت إذا قرأت – وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ۩ بكت حتى تبل خمارها.

ما الذي أخرجني من بيتي وجعلني أفعل هذه الفعلة؟ لماذا؟!
ثم ساق الذهبي حديث الحوأب الذي عند احمد وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجوه: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب. وذكرت لكم مَن صحَّحه، ابن حبان والحاكم والذهبي ووافقه…… إلى آخره، وفي البخاري أن عمّاراً حين بعثه عليّ – عليه السلام – إلى الكوفة ليستنفر الناس قال: إنا لنعلم إنها لزوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتتبعونه أو إياها.

هي زوجة نبيكم، هل ستتبعون النبي أم ستتبعون عائشة؟ طريق النبي في هذه المسألة غير طريق عائشة، حتى طريق القرآن غير طريق عائشة، هناك سؤال، قد يقول لي أحدكم يا أخد عدنان الشيخ عثمان الخميس – حفظه الله – قال كيف يشك في مصيرها وثبت عن النبي – هذا عن عمّار بن ياسر – أنها زوجته في الآخرة؟ أنا أقول هذا، أنا أُصدِّق هذه الأحاديث، لكن بالله عليكم هل معنى أنها زوجته أنها تدخل الجنة بغير حساب؟ مَن قال هذا؟ ستدخل الجنة – بإذن الله تعالى – وإن شاء الله بغير حساب لكن – لا قدَّر الله ولا سمح – قد يكون مصيرها إلى الجنة زوجةً لزوجها – إن شاء الله – الأوحد – ما لها من زوج سواه – لكن بعد سابقة عذاب لا قدَّر الله ولا سمح، لا يُوجَد في كلمة أنها زوجته أي دليل على دخولها الجنة بغير حساب، هذا يستحيل، أنا دارس للأصول، لو أردت أن تُثبِت هذا أصولياً – أصول الفقه – ستجد أنه مُستحيل، لو استظهرت بالإنس والجن لن تستطيع ذلك، وسوف ترى هذا، ومذهبي هنا هو مذهب أهل السُنة والجماعة، الآن سيأتيكم بالدليل إن شاء الله، ولذلك العامة للأسف حين تُخاطَب بهذه الأشياء لا تفهم، يقولون لك فعلاً يا أخي كيف تكون زوجة النبي ولا يعرف مصيرها؟ هل هذا كلام؟ أهكذا يكون العلم؟ العلم ليس هكذا!

الآن عقيدة أهل السُنة والجماعة في هذه المسألة، نأتي إلى العقيدة الطحاوية، نسبة إلى الإمام أبو جعفر الطحاوي، ولن آتي بشرح أناس أشاعرة لها، عندنا شروح كثيرة أشعرية لها قديمة ومُعاصِرة، أُريد شرح ابن أبي العز، هذه طبعة سلفية وتحقيق سلفي، الشيخ التركي – وزير الأوقاف – والأرناؤوط، المُجلَّد الثاني، طبعة التركي والأرناؤوط، هل هذا واضح؟ مُؤسِّسة الرسالة، هناك مُجلَّدان، الألباني أيضاً طبعها وحقَّقها في مُجلَّد واحد، في صفحة أو صحيفة خمسمائة وسبع وثلاثين قوله – الطحاوي ماذا يقول؟ – ولا نُنزِل أحداً منهم جنةً ولا ناراً.

أي من أمة محمد، نشهد لهم بالخير وما إلى ذلك لكن لا نقدر على أن نقول هذا في الجنة وهذا في النار، الله أعلم، مصائر الناس عند الله تبارك وتعالى، هذه كلمة في العقيدة، احفظها هكذا، انظر إلى الشرح الآن: يريد أنا لا نقول عن أحد مُعيَّن من أهل القبلة – هكذا! عائشة أو فلان – إنه من أهل الجنة أو من أهل النار، إلا مَن أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة كالعشرة رضيَ الله عنهم. وإن كنا نقول إنه لا بد أن يدخل النار مِن أهل الكبائر مَن يشاء الله إدخاله النار – من أهل الكبائر ولك أن تتخيَّل هذا – ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين – هذا يعني أن مصيره إلى الجنة وهذا قولي – ولكنا نقف في الشخص المُعيَّن – نتحدَّث هكذا في الجُملة وفي العموم – فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم، لأن حقيقته باطنة، وما مات عليه لا نحيط به، لكن نرجو للمُحسِن ونخاف على المُسيء.

يقول نرجو للمُحسِن – نقول إن شاء الله يغلب على ظننا أن الله يرحمه ويُدخِله الجنة إن شاء الله، هذا اسمه الرجاء – ونخاف على المُسيء.

انتبهوا الآن إلى مذاهب السلف في مسألة إنزال المُؤمِنين الجنة والنار، ثلاثة مذاهب فيها، سوف نرى مذهب أهل السُنة والجماعة، يقول: وللسلف – أي للسلف الصالح – في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال – وسوف ترون أن عدنان إبراهيم لم يخرج عن طريقة السلف -: أحدها أن لا يشهد لأحد إلا للأنبياء – هل هذا واضح؟ لا يُشهَد لأبي بكر ولا لعمر ولا لعائشة ولا لأي أحد، ولا فاطمة ولا عليّ، هذا مذهب -، وهذا يُنقَل عن محمد بن الحنفية – ابن الإمام عليّ عليهما السلام – والأوزاعي – إمام أهل الشام وإمام أهل الأندلس إلى القرن الثالث الهجري، إذن هذا مذهب سُني، قال لك تفضَّل، هذا الأول -. والثاني أنه يُشهَد بالجنة لكل مُؤمِن جاء فيه النص، وهذا قول كثير من العلماء وأهل الحديث، والثالث أنه يُشهَد بالجنة لهؤلاء ولمَن شهد – هذا أوسع المذاهب، انظر إلى هذا، أضيق ثم أوسع ثم الأوسع – له المُؤمِنون – أي لا يُشهَد لأحد إلا الأنبياء وهذا الأول، الثاني يُشهَد لمَن شهد له النص، الثالث يُشهَد لمَن شهد له النص وشهد له جماعة المُؤمِنين لحديث أنتم شهداء الله في الأرض، تعرفون حديث وجبت وجبت -، كما في الصحيحين أنه مر بجَنازة – أو بجِنازة – فأثنوا عليها بخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت ومر بأخرى فأثني عليها بشر، فقال وجبت. وفي رواية كرر وجبت ثلاث مرات، فقال عمر يا رسول الله ما وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض. وقال صلى الله عليه وسلم تُوشِكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا بم يا رسول الله؟ قال بالثناء الحسن والثناء السيئ. فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار.

إذن أهل السُنة بل السلف الصالح لهم ثلاثة أقوال، فمَن أخذ بقولٍ منها فقد أصاب قولاً للسلف الصالح، لم يأت بنُكر ولا ببدعة حتى يُهوَّل عليه!

نأتي الآن إلى شرح أصول اعتقاد أهل السُنة والجماعة من الكتاب والسُنة وإجماع الصحابة، كتاب يقع في ست مُجلَّدات للإمام اللالكائي، هذا المُجلَّد الأول، الجُزء الثاني، صحيفة مائة وسبعين: سياق ما رُويَ من المأثور عن السلف في جُمل اعتقاد أهل السُنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً بعد قرن – بدأ باعتقاد أبي سُفيان الثوري – اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري رضي الله عنه. من أئمة أهل السُنة الكبار، هذا يعتبرونه الإمام الخامس، هل هذا واضح؟ سوف نرى ما يتعلَّق بمسألتنا هذه، اللهم صل على سيدنا محمد، قال: يا شعيب بن حرب – هذا أحد تَلامذة مَن؟ سُفيان الثوري، يقول له جُمل اعتقاده في مسائل مُعيَّنة في العقيدة، هذا موجود هنا في أربع صحائف – لا ينفعك ما كتبت لك حتى لا تشهد لأحد بجنة ولا نار إلا للعشرة الذين شهد لهم رسول الله وكلهم من قريش.

هل أودع معهم أحداً آخر؟ أبداً، سُفيان الثوري فقط يستثني مَن؟ العشرة المُبشَّرين، قال فيما سوى ذلك ممنوع أن تشهد لأي أحد بأنه في الجنة، هذا اعتقاد سُفيان مَن؟ الثوري، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا؟ أليس هذا تحجيراً لرحمة الله؟ أليس هذا كذا وكذا؟ سوف نرى!

الآن عندي تحقيق خاص في هذه المسألة: مسألة الجنة والنار والشهادة والنصوص، قلت باستعراض النصوص في هذا الباب يُخلَص إلى أن ما ثبت لبعض الأصحاب – رضوان الله عليهم – من الوعد والبُشرى مُقيَّدٌ بـ ومشروطٌ بدوام الاستقامة وعدم التبديل والتغيير وحُسن الخاتمة، هكذا أنا أفهم النصوص، وهكذا النصوص – كما قلت لكم – تتساعد وتتصادق في ذهني وإلا تتناقض وتتناكد، تتشاكس!

لدينا نصوص صحيحة في تبشير طائفة من الصحابة بالجنة، ولدينا نصوص صحيحة في أن النبي لا يدري ماذا يُحدِث أصحابه مِن بعده وأن مصير بعض مَن أحدث النار والعياذ بالله، إلى النار والله في الصحيحين، إلى النار والله، والنبي يدعو عليهم يوم القيامة، وأشياء مثل هذه، الآن إما أن نرد هذه ونُبقي على هذه أو نرد هذه ونُبقي على تلك وهذا مسلك غير مرضي، لماذا؟ لأن كلا طائفتين النصوص صحيح، لك أن تقول صحيحة ولك أن تقول صحيحتان أيضاً في النحو، هل هذا واضح؟ هذا صحيح وهذا صحيح، المسلك الأصولي الصحيح هنا: ماذا تفعل؟ التأويل، تُؤوِّل حتى تُبقي على تصديق النصين أو الطائفتين من النصوص، التأويل! وهذا ما عمدنا إليه، اسمعوا الآن:

في صحيح البخاري عن خارجة بن زيد – هذا أحد فقهاء المدينة السبعة، يقولون لك خارجة، سابع هؤلاء خارجة، اسمه خارجة بن زيد، مَن زيد هذا؟ زيد بن ثابت، ففي صحيح البخاري عن خارجة بن زيد وهو ابن ثابت الصحابي الفقيه الفرضي وكاتب المُصحَف – عن أم العلاء – طبعاً لم يُوضِّح البخاري مَن هي أم العلاء، أم خارجة، هذه أم العلاء، مَن قرأ ترجمتها يعلم أنها إحدى نساء زيد بن ثابت وهي أم خارجة بالذات، خارجة هذا ابنها، لم يقل عن أمه وقال عن أم العلاء، هي أمه – وهي امرأة من نسائهم – هكذا عرَّفها البخاري، بل هي زوج زيد بن ثابت وهي أم خارجة الفقيه المدني الشهير – قالت: طار لنا عثمان بن مظعون في السُكنى حين اقترعت الأنصار على سُكنى المُهاجِرين – ما معنى طار؟ قاموا بعمل قُرعة، حين وفد المُهاجِرون إلى المدينة المُنوَّرة على مُنوِّرها ألف ومليون تحية وسلام أراد الأنصار أن يقتسموا المُهاجِرين: أنت تعال عندي وأنت تعال عندي وأنت كذا، قاموا بعمل قرعة، فتقول طار لنا بمعنى كان من حظنا مَن؟ عثمان بن مظعون رضوان الله تعالى عليه، الصحابي الراهب الناسك – فاشتكى – مرض واعتل – فمرَّضناه حتى تُوفي – تُوفيَ في بيت مَن؟ أم العلاء – ثم جعلناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – فقلت – أم العلاء تقول وتحكي عن نفسها – رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك – أي لك لقد أكرمك الله – أنت ناجٍ ومن أهل الجنة، هذا هو المعنى، في رواية هنيئاً لك الجنةُ -، فقال عليه الصلاة وأفضل السلام وما يُدريكِ؟ – كيف عرفتِ؟ طبعاً موقف النبي بالذات من عثمان بن مظعون معروف، النبي بكى عليه وسماه أخاه، قال رحم الله أخي عثمان، خرج من الدنيا لم يُصِب منها ولم تُصِب منها، ومهَّد قبره بيديه الشريفتين ودفنه وتعلَّم قبره بحجر عند رأسه، قال أتعلَّم به قبر أخي وأدفنوا إليه مَن مات مِن أهلي، كل هذه الأشياء تعني أنه ما شاء الله رجل عظيم المثابة، كريم المنزلة عند رسول الله ولديه، هذا صحيح، فهي شهدت له، الني قال وما يُدرِيكِ؟ – قلت والله ما أدري يا رسول الله – أنا قلت كلمة هكذا، ليس عندي دليل، كيف أعرف؟ هل أنا أطلع على الغيب؟ -، قال – عليه السلام – أما هو فقد جاءه اليقين من ربه – حتى تعرفوا يا إخواني أن المسألة جد، المسألة ليست لعباً، هناك مَن يظن أن الدين لعب، نُدخِل مَن نشاء ونُخرِج مَن نشاء، نحن بإذن الله أكيد في الجنة إن شاء الله وبعون الله والله سوف يغفر لنا رُغم ذنوبنا، لكن المسألة ليست هكذا، المسألة جد يا إخواني، جد على الجميع حتى على الصحابة، نحن الذين نهزل، نأخذ الدين بلعب هكذا، علماؤنا يفعلون هذا إلا مَن رحم الله، لا يجوز هذا، وهذا الذي أضعف الحاسة الدينية الورعية التقوائية عند المُسلِمين للأسف الشديد إلا مَن رحم الله أيضاً، شخصيات مُتناقِضة لدينا اليوم – وإني لأرجو له الخير من الله – أرأيت؟ مثلما قال شارح الطحاوي نرجو، لا نقطع ولكن نرجو، نقول يا رب لعله إن شاء الله كذا وكذا، هذا الترجي! نقول لعله، يُوجَد فرق بين الترجي والتمني، التمني للشيئ المُستبعَد جداً جداً جداً، لكن الرجاء بلعل للشيئ القريب، أليس كذلك؟ لشيئ قريب، هذا الترجي، نرجو إن شاء الله، لعل الله يغفر الله، لعل الله يكون أكرمه، إن شاء الله، ندعو له -، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعَل بي ولا بكم.

هل سمعتم؟ حديث في البخاري، والله – النبي يقول – ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعَل بي ولا بكم، ويُريدون منا أن نقطع بأن عائشة غفر الله لها وأدخلها الجنة؟ يا ليت ونرجو هذا والله، لكن لا نقطع، لا نكذب على الله، لا نُؤلِّف من عندنا، أعوذ بالله يا أخي، هذا دين، بالعكس نحن قلنا لكي نستغفر لها الله – تبارك وتعالى – فتنتفع بهذا منفعة عظيمة إن شاء الله.

قالت أم العلاء فوالله لا أُزكي أحداً بعده، قالت ورأيت لعثمان في النوم عيناً تجري – رأيت بعد ذلك رؤيا، عين تجري لعثمان قالوا هذه – فجئت الرسول عليه الصلاة وأفضل السلام فذكرت له ذلك فقال ذاك عمله يجري له. بُشرى والحمد لله، وهذا كان أولاً.

ثانياً في مُوطأ الإمام مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عُبيد الله أنه بلغه – فالحديث بلاغ، مُنقطِع – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال لشهداء أُحد هؤلاء أشهد عليهم – لما قالت أم العلاء أشهد عليه، أي أشهد له – فقال أبو بكر الصديق – رضوان الله – ألسنا يا رسول الله بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى ولكن لا أدري ما تُحدثِون بعدي، قال فبكى أبو بكر وقال أئنا لكائنون بعدك؟

هذا الذي أبكاه، عرف أن النبي يموت قبلهم، هو فرطهم، بكى أبو بكر، لكن انظر إلى النبي هنا، أبى أن يشهد لمَن؟ لأبي بكر، مع أنه بشَّره على ما نعتقد بأنه من العشرة، ففهمنا بمُقارَنة النصين ماذا؟ ماذا فهمنا؟ أن البُشرى مُقيَّدة بالاستقامة، على مثل الذي وجب بمثلها لدى التبشير، هكذا النصوص لابد أن تُفهَم تماماً وإلا لن ينفع.

قال العلّامة الإمام أبو عمر بن عبد البر في التمهيد لما في المُوطأ من المعاني والأسانيد: هذا الحديث مُرسَلٌ هكذا منقطعٌ عند جميع الرواة للمُوطأ ولكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة.

أحاديث صحاح كثيرة تتحدَّث عن ماذا؟ لا أدري ماذا تُحدِثون بعدي، كثيرة! وحديث الحوض، فلا يُوجَد سبيل لإنكارها، مُستفيضة! بل أحاديث الحوض مُتواتِرة عن أربعة عشر صاحباً وصاحبة، منهن أسماء وعائشة، هما ثنتان فقط، واثني عشر صحابياً، مُتواتِر حديث الحوض!

قال ابن عبد البر: وفيه من الفقه دليل على أن شهداء أُحد ومَن مات مِن أصحاب رسول الله قبله أفضل مِن الذين تخلَّفهم الرسول بعده والله أعلم – قال يُوجَد دليل في الجُملة، ثم ماذا قال؟ -، وهذا عندي في الجُملة المُحتمِلة للتخصيص – لأن أكيد هناك أُناس ماتوا بعد النبي وسوف يكونون إن شاء الله أفضل من شهداء أُحد، قال هذا مُمكِن -; لأن مِن أصحابه مَن أصاب من الدنيا بعده وأصابت منه – رجع إلى المعنى الأصلي، المعنى الجُملي، قال لماذا شهداء أُحد يكونون أحسن، وعموماً كل الصحابة الذين شهد لهم النبي هم الذين ماتوا قبله، لأنهم ماتوا ولم يُصيبوا أجرهم، أيام النبي لم تكن هناك دنيا، أنا أقول لكم حتى أيام سيدنا أبي بكر الصديق لم تكن هناك دنيا كثيرة، هل كانت هناك دنيا؟ حروب ردة وذبح وموت وما إلى ذلك، هل تعرفون متى الدنيا أقبلت على الناس؟ أيام سيدنا عمر، عطاء وأفياء وشيئ عجيب ما شاء الله، لذلك قال مُعاوية أما أبو بكر فلم يُرِد الدنيا ولم تُرِده، أي لم تكن هناك دنيا، مَن الذي يحكي هذا؟ مُعاوية، وأصاب فيه، صدقك وهو كذوب، قال أما أبو بكر فلم يُرِد الدنيا ولم تُرِده، وأما عمر فلم يُرِد الدنيا وأرادته الدنيا، كانت هناك دنيا أيام عمر لكن عمر عاش ومات فقيراً مُتزهِّداً ولبس مُرقَّعة، جُبة فيها ست عشرة رقعة أو خمس عشرة رقعة أو سبع عشرة، رضوان الله تعالى عليه، قال مُعاوية وأما نحن فتمرغنا في الدنيا ظهراً لبطن، هو يعترف بهذا ولا يقدر على أن يقول غير هذا طبعاً، نحن رأينا والتاريخ يا حبيبي ماذا فعلت يا مُعاوية، يقول تمرغنا في الدنيا ظهراً لبطن، لم نترك شيئاً، وهذا ما حدث فعلاً، هل هذا واضح؟ ولذلك يقول ابن عبد البر هؤلاء افضل في الجُملة، لأنهم لم يُصيبوا أجورهم، هناك أُناس يعيشون ويأخذون كل شيئ، أموال وقناطير مُقنطَرة من الذهب والفضة طبعاً يا حبيبي، النبي قال إذا عاد المُجاهِد في سبيل بالغنيمة فقد تعجل نصف أجره عند الله، ولك أن تتخيَّل هذا، هذا هو طبعاً، يُوجَد فرق بين اثنين ذهبوا لكي يُجاهِدوا النبي يقول، أحدهم يموت شهيداً وهذا أجره بعون الله إن قبله الله شهيداً موفور كامل، وآخر ذهب لكي يُجاهِد ونجا وعاد بالغنيمة فذهب نصف أجره، أتُريد غنيمة وأجراً؟ لا يُمكِن، عدل! أرأيتم العدل الرباني؟ هذا مُهِم لكي تعرفوا العدل وكيف نفهم الدين، أنا شخصياً كيف أفهم الدين؟ هكذا الدين فهَّمني أن أفهمه، رأيتم معركة مؤتة التي استُشهِد فيها جعفر وزيد وعبد الله بن رواحة، عبد الله بن رواحة تردَّد قليلاً: أتقدَّم أو لا أتقدَّم؟ بعد ذلك تقدَّم، يا نفسُ…. الشعر المعروف، فالنبي أُريهم سُبحان الله، ليس في المنام وإنما في اليقظة، وأخبر عن ثلاثتهم، وأخبر أن مقام ابن رواحة أنزل قليلاً من صاحبيه لأنه تردَّد، يا الله! يا الله! لذلك أقول لكم لا أقدر على أن أقطع لعائشة بالمغفرة ودخول الجنة من غير حساب يا جماعة، يا جماعة دين هذا، نحن لا نتحدَّث عن حاكم كحكّام الأرض، أستغفر الله العظيم، هذا رب العالمين، عدل عنده، لا تقل لي هذه أم المُؤمِنين وهذا صحابي أو غير صحابي، يُوجَد عدل مُطلَق عند الله ينطبق على الجميع، بالله عليكم أخبروني كيف تقبلون أن النبي صحَّ عنه وثبت عنه أنه ليس له ضمانة وعصمة أن يظلم أحداً من عباد الله ثم لا يُؤاخذ به يوم القيامة؟ قال لا، هذا غير مُمكِن، سأُسال عنه، إذا كان هذا النبي فلماذا عائشة تكون استثناء؟ لماذا فلان وفلان وفلان يكونون استثناء؟ لا يكونون استثناء، الاستثناء عندك أنت وليس في الدين، هل فهمتم؟ تردَّد قليلاً فمقامه أصبح أقل، افهموا الدين، خذوه كما هو تُصلَح أحوالكم والله العظيم، يُصبَح لديكم حتى نموذج تربوي مُختلِف دائماً، أنا مُتأكِّد مُسلِم يسمع كلامي هذا ويقنع به والله العظيم سلوكه سيتغيَّر في التعامل مع الله ومع الناس بعد ذلك، أليس كذلك؟ يعرف أن الأمر جد، ليس لعباً، تلعب وتلعب وتلعب ثم تضمن الجنة! من أين أتيت بهذا؟ من مثل هذه الأفكار التي سُمِّم بها اعتقاد المُسلِمين يا جماعة، خطأ! هذا يُولِّد نموذجاً تربوياً شائهاً ومُشوِّهاً للشخصية، يذبح الضمير، يذبح الذمة ويُخرِّقها، على كل حال ماذا قال؟ -، وأما الخصوص والتعيين فلا سبيل إليه إلا بتوقيف يجب التسليم له.

وأما أصحابه الذين تخلَّفهم بعده فأفضلهم أبو بكر وعمر، على هذا جماعة علماء المسلمين إلا مَن شذ، وقد قالت طائفة كثيرة من أهل العلم: إن أفضل أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبو بكر وعمر لم يستثنوا مَن مات قبله مِمَن مات بعده. انتهى.

وقال في الاستذكار: وقد رُويَ معناه – معنى حديث لا أدري ما تُحدِثون بعدي، لأبي بكر النبي يقول – مُسنَداً مُتصِلاً من وجوه من حديث عقبة بن عامر وحديث جابر وحديث أنس وغيره.

ثم أتى ابن عبد البر ببعض الروايات إلى أن قال: من معنى قوله – صلى الله عليه وسلم – لا أدري ما تحدثون بعدي ما ذكره البخاري عن سهل بن سعد، قال النبي – صلى الله وعليه وسلم – إني فرطكم على الحوض – أي أسبقكم، أنا قبلكم – مَن مر على – اللهم اجعل منهم – شرب، ومَن شرب لم يظمأ أبداً، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، قال: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته، وهو يزيد فيها – ابن أبي عياش يقول – فأقول – النبي يقول فأقول – إنهم مني! فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سُحقاً سُحقاً لمَن غيَّر بعدي.

وذكرت لكم قُبيل قليل أن أحاديث الحوض هذه مروية عن زُهاء أربعة عشر أو خمسة عشر من الصحابة وأمهات المُؤمِنين، مِن هؤلاء: عمر، ابن مسعود، ابن عباس، أنس، أبي هُريرة، سهل بن سعد، أبي الدرداء، حُذيفة بن اليمان، سمرة بن جندب، أبي بكر نُفيع بن الحارث، عائشة، وأسماء رضوان الله تعالى عليهم، فهو حديثٌ مُتواتِر، لذا أورده الكتاني في نظمه “نظم المُتناثِر من الحديث المُتواتِر”، حديث مُتواتِر!

وفي بعض رواياته: يرد على قوم مِمَن كانوا معي، مِمَن صحبني ورآني، مِمَن صاحبني، حتى لا يأتيني بعض المشايخ اليوم – يأخذون حرفاً ويتركون مُجلَّداً – ويقول لا، في بعض الأحاديث من أُمتي، من أُمتي! كلمة أُمتي يدخل فيها الصحابي ويدخل فيها نحن، فإذا وجدنا في روايات صحيحة مِمَن صاحبني ومِمَن صحبني ومِمَن كان معي فهمنا أن المقصود الصحابة، لا تلعبوا بالدين، هذا حديث مُتواتِر، لا لعب بالدين.

ثالثاً من المعروف أن سيدنا عمر الفاروق – رضوان الله تعالى عليه – من العشرة المُبشَّرين ومن أهل بدر ومن أهل بيعة الرضوان، والعشرة هم العشرة، وأهل بدر لا يدخلون النار، النبي صح عنه ذلك، وأهل الرضوان النبي أخبر عنهم في حديث رواه الترمذي عن جابر لكن بصيغتين، في رواية ليدخلن الجنة كل مَن بايع إلا صاحب الجمل الأحمر، أي الجد بن قيس وهذا معروف، وفي رواية أُخرى لن يدخل النار أحدٌ مِمَن بايع، عندنا روايتان الآن، عندنا روايتان: ليدخلن الجنة ولن يدخل، وواضح أن الأرجح ليدخلن الجنة، لن يدخل النار ليست راجحة، تعرفون لماذا؟ أنا أقول كاجتهاد مني ببساطة لأن مِمَن بايع تحت الشجرة – بيعة الرضوان – وكانوا ألف وخمسمائة أبو الغادية، يسار بن سبع – أبو الغادية الجُهني – الصحابي الرضواني الذي ثبت أنه قتل عمّار بن ياسر في صفين، وبالإزاء ثبت عن رسول الله وصحَّ أنه قال قاتل عمّارٍ وسالبه في النار، هل فهمتم؟ هذا أولاً، ثانياً الله – تبارك وتعالى – يقول فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ ۩، بايع بيعة الرضوان ونكث البيعة بعد ذلك بأفعاله القبيحة فلا يدخل في الوعد، الوعد مُقيَّد أم مُطلَق من القيد؟ (ملحوظة: قال بعض الحضور مُقيَّد)، فالوعد مُقيَّدٌ لا مُطلَقٌ من القيد، افهموا هذا، هذا تفكير أصولي، لابد من فهم النصوص بطرق أصولية واضحة، فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ ۩، والعجيب أن من المُبايعين بيعة الرضوان كما تذكر ذلك كُتب السير لابن سعد وغيره عبد الله بن أُبي بن سلول، طبعاً كان معهم وبايعهم، وكان له مأثرة، بعثت إليه قريش وقالت تعال يا عبد الله – نسمح لك أنت بالذات، يُحِبونه لأنه مُنافِق -، ادخل مكة وطُف بالبيت، نسمح لك بهذا، لا لمحمد ولأصحابه لكن نعم لك، فقيل له إياك أن تفعل هذا، ابنه قال له إياك، لا تُسوِّد وجوهنا، تطوف قبل رسول الله؟ قال والله لا أفعل، فبلغت النبي فأعجبه صنيعه، أي جيد أنه فعل هذا، جيد أن هذا خرج منه، عمل لي هذه المرة حساباً، هذا جيد منه، لكنه عمل مُصيبة أيضاً، مُنافِق والعياذ بالله من النفاق، ما المُصيبة؟ لما كانوا بالحُديبية – لكي تعرفوا أنه كان من المُبايعين، هذا مُهِم لكي تفهم ولا تنسى، لن تنس هذا أبداً، عبد الله كان من المُبايعين كما في كُتب السيرة – الماء معهم قليل وعندهم بئر يُحاوِلون استنباط ماءها فما تملأ قعباً صغيراً، لا يُوجَد ماء، يُحاوِلون أن يُخرِجوا الماء ولا يستطيعون، لا يُوجَد ماء، فشكوا قلة الماء إلى رسول الله، فأعطى النبي أحد الصحابة سهماً أخذه من كنانته ودلواً كان تمضمض فيها ثم مج، انظر إلى البركة المُحمَّدية المُصطفوية، دلو تمضمض ثم مج فيها، قال له خُذها مع السهم وأفرغها في البئر، فما هو إلا أن أفرغها حتى فاضت بالرشاء والرواء، ماء عجيب يصعد إلى أعلى، آية من آيات الله، في الحُديبية هذا! فقيل له يا عبد الله أرأيت؟ أبعد هذا من شيئ؟ أي أرأيت أنه نبي؟ أرأيت أن هذا الرجل مُبارَك؟ غير طبيعي يا أخي، غير طبيعي، واضح أنه نبي، قال قد رأينا مثل هذا كثيراً، والعياذ بالله قال رأينا هذا من قبل، أين رأيت هذا يا قرد؟ لا تقل لي يا شيخ عثمان سامحك الله – أعرف أن هذا سيعجبك – كيف تقول عن صحابي أنه قرد؟ والله قرد القرود هذا يا أخي، والله قرد وعفريت هذا، قال قد رأينا مثل هذا من قبل، أين رأيت هذا يا بابا؟ أين رأيت هذا يا ابن سلول؟ فبلغت النبي فقال له النبي ما رأيك؟ قال ما رأينا كاليوم، عجيب يا محمد قال له، قال له فلماذا قلت ما قلت؟ خبيث مُنافِق، يلعب بالبيضة والحجر، قال له النبي ما رأيك فيما رأيت اليوم؟ قال له ما رأينا كاليوم، عجيب قال له، مُعجِزة هذه، يا سلام، قال له فلماذا قلت ما قلت؟ فقال له ابنه يا رسول الله استغفر له الله، فاستغفر له، النبي قال اذهب يغفر الله لك، النبي يعرفه ويأخذه على قد عقله، مُخه تعبان، لماذا؟ أتعرف ما سر نفاق عبد الله بن أُبي؟ الحسد، حسد النبي، لما النبي هاجر إلى المدينة كان هو الرجل الذي أعدوا له التاج، سوف يكون ملك المدينة، جاء النبي وخرَّب عليه القصة كلها، لا يُمكِن هذا، لا يُمكِن أن يُصبِح أحد ملكاً على النبي، النبي أعلى سُلطة سيصير، فظل يحقد على النبي، يحقد على رسول الله! لم يغفر له هذه المسألة – سُبحان الله – وكأنها باختيار الرسول.

على كل حال انتهينا من هذا إن شاء الله، نأتي الآن – كما قلنا إلى الفاروق، إذن الفاروق كان من العشرة، كان من أهل بدر، كان من أهل بيعة الرضوان، وتحدَّثنا عن بيعة الرضوان، جميل!

لو جاء رجل عادي ظاهري سوف يقول لك أنا أقطع للفاروق بأنه من أهل الجنة، وهذا أيضاً مذهب طائفة من أهل السُنة، أليس كذلك؟ نحن قلنا عندنا ثلاثة مذاهب، المذهب الأول فقط للأنبياء، لا يشمل غير الأنبياء، لا تقل لي عشرة أو غير عشرة، عجيب! أُناس قالوا العشرة أو مَن شهدت لهم النصوص، سُفيان الثوري قال العشرة فقط، أنا أقول لك لو سألت عمر بما صحَّ عنه بأي المذاهب يأخذ؟ واضح أنه يأخذ بالأول، ولا يرى لكونه بدرياً أو رضوانياً أو من المُبشَّرين أنه يدخل الجنة بغير حساب قطعاً، لأن عمر شبه مُستفيض عنه أنه كان لا يأمن مكر الله، وكان يقول لو أني قدمي اليُمنى في الجنة واليُسرى في النار ما أمنت مكر الله، وكان يقول لو أن لي ما في الدنيا ومثله معه لافتديت به من هول المُطلَع، ما معنى هول المُطلَع؟ اللحظة التي تخرج فيها نفس العبد فيطلع على مصيره الأُخروي، شيئ مُخيف قال، قال إلا اللحظة هذه، يخاف! كما رُويَ حُذيفة واستحلفه: هل أنا من المُنافِقين؟ وهذا ضعيف فانتبهوا، لم يثبت بسند صحيح عن سيدنا عمر أنه سأل حُذيفة مع أنه مشهور جداً، أما الذي ثبت عنه بسند صحيح فهو ما أخرجه الإمام أحمد في مُسنَده – ذكرته اليوم – عن مسروق – أبي عائشة الهمداني الكوفي – عن أم سلمة رضيَ الله تعالى عنهما، قال قالت – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً – إن مِن أصحابي مَن لا يراني ولا أراه بعد أن أموت أبداً، قال فأتى عمر أم سلمة يشتد أو قال يُسرِع شك شاذان فاستحلفها هل أنا منهم يا أماه؟ قالت له لست منهم ولا أُزكي أحداً بعدك، صحَّحه الشيخ شُعيب الأرنؤوط، قال حديثٌ صحيح، إسناده صحيح، فإذا صحَّ هذا عن عمر وصحَّ أنه طبعاً بدري – وهو كذلك بلا شك – وأنه رضواني وأنه من العشرة كيف نُوفِّق بين النصوص؟ نُوفِّق بينها بالطريقة التي ألمعنا إليها، وهي أن عمر كان يعتقد أيها الإخوة ويرى أن الوعد والبُشرى مُقيَّدة بالدوام واستدامة حُسن السيرة والموت على حُسن الخاتمة، يعلم هذا عمر، يعرف هذا! وهذا معنى دقيق جداً جداً يغيب عن كثير من العامة، ما هو المعنى إخواني وأخواتي؟ النبي قبل يوم بدر بيوم واحد وقف وأشار إلى مصارع الكفار، أليس كذلك؟ هنا مصرع فلان وهنا مصرع فلان وهنا مصرع فلان وهنا مصرع فلان وهكذا، يقول الراوي فوالله ما جاوز أحدٌ منهم ما ذكره رسول الله أو عيَّنه أو خطَّه، هذا صحيح، لكن ثبت وصحَّ أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – خرج من العريش الذي بُنيَ له ورداؤه على عاتقه الشريف وجعل يدعو ربه ويُناشِده: اللهم نصرك، اللهم وعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تُعبَد بعد اليوم في الأرض أو كما قال، وظل يُناشِد ربه ويستنجزه وعده حتى سقط رداؤه الشريف عن عاتقه، فأشفق عليه الصديق: يا رسول الله اربع على نفسك، أشفق يا رسول الله، إن الله مُنجِزك ما وعدك، قال السادة العلماء: وكان مقام رسول الله أعلى وأعظم من مقام أبي بكر، طبعاً في هذه المسألة، تفهَّموا هذا يا إخواني، المسألة دقيقة جداً جداً، لماذا؟ أبو بكر نظر فقط وتلمَّح ماذا؟ ظاهر الوعد، الله وعد النبي أن ينصره في بدر، والنبي لا يشك ولا يمتري، لكن دائرة علم النبي وعرفانه بالله وفقهه عن الله في عطائه ومنعه وفي وعده ووعيده وفي قوله وفعله أعمق – هو الأعمق – من أبي بكر، لماذا؟ من أين يأمن النبي أن ذاكم الوعد الذي وعده الله – تبارك وتعالى – صادقٌ ناجزٌ مُقيَّدٌ مشروطٌ بشرطٍ وقيدٍ لم يُطلِعه عليه مما قد يُعلَم مثله من جُملة نصوص سابقة؟ معروف أن النصر حاصل والنصر آتٍ لكن بشرط الأخذ بجُملة أسباب، لماذا – الله يقول – على أن أذكرها في كل مرة؟ معروفة لكم، إن فرَّطتم فيها وكععتم عنها لن يحصل النصر، أنتم الذين أخلفتم، أليس كذلك؟ أرأيتم؟ النبي يفهم هذا المعنى، وهذا ما قاله بعض العلماء وهو قول دقيق جداً جداً جداً، قرأته قبل سنين بعيدة وفعلاً نفعني الله به كثيراً، النبي يفهم هذا، الآن الفاروق وأبو بكر وكل الصحابة الأجلاء كانوا يفهمون هذا، نعم لدينا وعد وبُشرى ولكن كل هذا مشروط ومُقيَّد، لذلك النبي أشار إلى مشروطيته ومُقيدته بشكل واضح بقوله لا أدري ما تُحدِثون بعدي وأحاديث الحوض المُتواتِرة، هل فهمت؟ فلا تقل لي هذا نص وهذا نص، انتبه وخُذ الدين في جُملته وفي تفاريقه وتفاصيله إن شاء الله تعالى، هذا واضح.

الآن نأتي إلى ما أخرجه البخاري وذكرته اليوم عن البراء بن عازب، الإمام البخاري في صحيحه يروي عن العلاء بن المُسيَّب – التابعي الجليل – عن أبيه أنه قال للبراء بن عازب طُوبى لك، صحبت النبي – صلى الله عليه وسلم – وبايعته تحت الشجرة، فقال يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثناه بعده، الحديث مُخرَّج أين؟ في صحيح البخاري، وفي حق صحابي جليل مِمَن شهد بيعة الرضوان، لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ۩، علماً بأن الآية لا تحتاج إلى طويل كلام، رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ ۩: ساعة بايعوك، في تلك الساعة رضيَ، هل هو رضا مُطلَق أم رضا مُقيَّد؟ واضح أنه رضا مُقيَّد لما سبق، فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ ۩، واضح وذكرنا لكم حديثي الترمذي رحمة الله تعالى عليه، جميل!

عبد الله بن عمر رضواني أو غير رضواني؟ رضواني، معروف! لم يشهد بدر ومعروف قضية بدر وما إلى ذلك، عمره كان أربع عشرة سنة وإلى آخره، وبعد ذلك في أُحد ما تعلمون، لكن هو رضواني وقد قال سعيد بن المُسيَّب لو شهدت لأحدٍ أنه من أهل الجنة لشهدت عبد الله بن عمر، لكن لا أشهد، لماذا لا يشهد؟ لا يستطيع، فهم سعيد بن المُسيَّب – أحد فقهاء المدينة السبعة – مع أنه قرأ الآيات وقرأ حديث جابر أو يعرف حديث جابر في غالب الأمر يعلم أن هذا في الجُملة لا في التعيين والتخصيص وأنه من الصعب إن لم يكن من المُستحيل أن تحكم لأحد بعينه أنه في الجنة، هل هذا واضح؟ مع أن في الترمذي – كما قلت لكم – عن جابر ليدخلن مَن بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر، وهو الجد بن قيس، وابن المُسيَّب يفهم هذا لكن يعرف أن هناك تقييدات وهناك شروط وهناك أشياء، تمام جداً!

إما احتجاجهم إخواني وأخواتي بكون أم المُؤمِنين في الجنة حتماً لأن قال وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۩ ففيه كلام، أكيد سمعتم إخواني المشايخ قالوا هذا، أليس كذلك؟ الشيخ الخميس وإخوانه – بارك الله فيهم – قالوا هذا، قالوا كيف عدنان إبراهيم يمتري أن عائشة في الجنة حتماً؟ أي من غير سبق حساب أو عذاب، قطعاً في الجنة لأن الله قال وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۩، وأعتقد الشيخ السالم – بارك الله فيه – تقريباً شبه سأل سؤالاً استنكارياً، أن هذا شيئ فظيع، لا أدري ماذا قال بالضبط، شيئ فظيع جداً جداً أن يشك بعد هذه الآية، هكذا الفهم يا مشايخ في القرآن؟ هذا قصارى فهمكم لتفسير الآية؟ فاسمعوا ما عندي، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۩، أنا شخصياً لا أدري ما وجه الاستدلال بكون عائشة من أمهات المُؤمِنين على أنها في الجنة حتماً، لا أدري، لا أفهم! قد يكون تقصير في عقلي وفي فهمي هو الذي أوجب ذلك، هذا اسم كان، أولاً لو سلَّمنا كونهن – رضوان الله تعالى عنهن جمعاوات – على إطلاقه من غير تقييد وليس كذلك – هو مُقيَّد وسوف أقول لكم مُقيَّد كيف – لما عنى بمُجرَّده أنهن في الجنة، لو عاملناهن على أنهن حتى أمهات حقيقيات – أي مثل أمك التي ولدتك، أمك أمك – لما عنى هذا بوجه من الوجوه أنهن في الجنة، لماذا؟ لما عُلِم أن من أمهات المُؤمِنين الحقيقيات مَن كُن كوافر وهن في النار، أليس كذلك؟ مثل أم سعد بن أبي وقاص التي قال لها والله لو كان لكِ يا أم ستون نفساً وخرجت نفساً بعد نفس ما تركت هذا الدين، فكُلي أو اشربي أنتِ وشأنك، إذا كان هناك رجل مُؤمِن وعنده أم كافرة هذا ينفع؟ ينفع، هذا موجود كثيراً، مُؤمِن أمه كافرة هل ستدخل الجنة؟ لا، ليس لها علاقة، مثل مُصعَب بن عُمير، مُؤمِن وشهيد وأمه كافرة، أليس كذلك؟ هذا أولاً.

ثانياً هل كون هؤلاء النساء الماجدات أمهات للمُؤمِنين يعني عصمتهن أو محفوظيتهن، أي أن الواحدة تكون محفوظة من الذنوب، من الخطأ، من الكبائر، ومن الجرائم؟ كيف وقد قال تعالى مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ۩؟ هنا قد يقول لي أحدكم انتبه، أنت الذي علَّمتنا أن هذه قضية شرطية، والقضية الشرطية صادقة بغض النظر عن وقوع شرطها، صح وهذا اعتراض وجيه، وأنا أُحِب الحق والحقيقة وأُحِب النقاش العلمي القوي، لكن في سورة التحريم أيها الإخوة ما يُعكِّر، لقد أخطأت عائشة وحفصة خطأً واضحاً أوجب تثريباً عظيماً ودمدمة من رب العزة، إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ۩، التوبة تكون من بر أم من أثم؟ من إثم، لقد ارتكبا إثماً في حق رسول الله وفي حق نفسيهما، إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ ۩ – ما معنى قوله صَغَتْ ۩؟ مالت وانحرفت عن السواء – وَإِن تَظَاهَرَا – وفي قراءة تَظَّاهَرَا – عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ۩ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ۩، أي يُمكِن أن تتعرَّض أم المُؤمِنين للتطليق، فلا تغدو بعد ولا تعود بعد أماً للمُؤمِنين وقد تدخل جهنم أيضاً الله قال، لا تُوجَد مُشكِلة، بحسب عملها! سؤال الآن في البين: هل ثبت أن النبي طلَّق أو لم يُطلِّق؟ طلَّق الجونية قبل أن يدخل عليها، قبل أن يدخل عليها طلَّقها، وهم أن يُطلِّق سودة بنت زمعة لأنها كانت امرأة كبيرة في السن ولا حاجة له بها وخشيَ أن يظلمها في حقها، فتنازلت عن ليلتها لعائشة فتركها، هل هذا واضح؟ فيُمكِن أن تُطلَّق أم المُؤمِنين فلا تعود بعد أماً للمُؤمِنين وقد يجري عليها ما يجري على كل إنسان، قال عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ۩، ثم تطرَّق النص الجليل إلى الآتي: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ۩، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۩، ما معنى هذين الأمثلة أو هذه الأمثال؟ ما معنى أن يبدأ ويضرب الله مثلاً بزوجتين كافرتين لنبيين؟ بالله عليكم ما معنى هذا؟ هذا القرآن يا جماعة، مَن أحب أن يتعلَّم منهجية ويأخذ العقيدة يقرأ كتاب الله، يقرأ قراءة مُحترَمة، الله يقول لا يعني كون المرأة زوجاً لنبي أنها معصومة أو محفوظة بل قد تكون كافرة بدينه أصلاً وتدخل النار، قال فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ۩، مثل مضروب! أقول لكم هذا المثل مَن المقصود به بدرجة أولية لأن يستفيد منه ويتعلَّم؟ مَن هو؟ عائشة وحفصة، الله يقول لهما افتحا أعينكما بشكل جيد، لا تقل لي هذه زوجة النبي، قال لها قبلك زوجات لأنبياء وذهبن إلى جهنم، إياكِ تغلطي وتُجاوِزي الحد فتذهبين بعد ذلك إلى غضب الله، هل فهمتم القرآن؟ القرآن لا يلعب، إذن ما معنى أن يضرب مثلاً بامرأة صالحة جنانية – من أهل الجنة – وهي زوجة لعدو الله وهو فرعون لعنة الله عليه؟ معنى الأمثال كلها بضربة واحدة أن الأمر تبعٌ لـ ورهنٌ بماذا؟ بالعمل والسلوك والسيرة، لا بكونك زوجة لنبي ولا بكونك زوجة لفرعون اللعين، ما عملك؟ ما سلوكك؟ هل فهمتم القرآن؟ هذا القرآن لا يكاد يفقهه هؤلاء، لا يُحِبوننا أن نفهمه كما هو، أرأيتم كيف؟ قرآن كريم.

عندي شيئ أخطر هذا في الصحاح، في صحيح البخاري لما أُفِكَت عائشة الصدّيقة المُبرأة من فوق سبع سماوات ظُلماً وبُهتاناً ماذا قال لها النبي؟ يا عائشةُ إن كنت ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله، وفي رواية توبي إلى الله واستغفريه، سؤال خطير جداً جداً، ما معنى مُجرَّد طرح هذا السؤال؟ أنها غير معصومة من الخطأ وغير محفوظة من الخطأ، عجيب! هذا إذا صحَّحنا الحديث، إخواننا الإمامية – مثلاً – لهم رأي مُختلِف، انتبهوا، إلى الآن يُقال الشيعة الإمامية الروافض يرمون عائشة بسبب ياسر الحبيب، ياسر الحبيب يكاد تقريباً مُعظَم شيعة الدنيا يتبرأون منه، تعرفون لماذا؟ مذهب الشيعة شديد جداً جداً، أشد من مذهبنا، مذهبهم يحملهم على أن يقولوا هذا الحديث في البخاري كذب ومُحال أن النبي قال لها إن كنت ألممتِ بذنبٍ، لأن هذا بنصه يعني أن النبي يرى في حيز الاحتمال أن تكون ألمت بذاكم الذنب، الإمامية يُنكِرون هذا، يقولون مُستحيل، ويسندون إلى الإمام عليّ – عليه السلام – أنه قال كيف لا يُطهِّر الله عِرضك وقد طهَّر نعلك؟ مُستحيل قالوا، نحن عندنا هذا الحديث، وفي نفس الوقت نُدرِّس – وهذا التدريس صحيح، أنا أُوافِق عليه، أوافِق على هذا، هذا مذهبي واعتقادي – أن أزواج الأنبياء نعم معصومات محفوظات من الزنا، لسن معصومات ولسن محفوظات من الكفر، فضلاً عن أن يكن معصومات محفوظات من الإثم دون الكفر، تغلط وتُخربِط، هذا عادي ومُمكِن، لكن الزنا لا، حاشاهن، لا يُمكِن، ولا امرأة نوح ولا امرأة لوط، هل فهمتم كيف؟ ولذلك هذا يطرح الآن مُشكِلة على حديث البخاري هذا، لماذا؟ لو كانت هذه العقيدة صحيحة وهي صحيحة ينبغي أن يكون هذا الجُزء من الحديث ليس صحيحاً، مُستحيل أنك تعلم العقيدة الصحيحة والنبي لا يعلمها، لا يعرف فنقول له انتيه يا رسول الله، كيف تقول هذا؟ ألا تعرف أن زوجات الأنبياء مُستحيل أن يزنين؟ كيف تسأل زوجتك هذا السؤال؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ هذا يعني وجود شك حول هذه الجُملة من هذا الحديث، وهذا طبيعي، حديث يُدوَّن بعد عشرات السنين، واحد عن واحد عن واحد، كيف سأُصدِّق أنا؟ كيف سأُصدِّق أن هذا الحديث ما شاء الله حُفِظ بنصه وفصه من أيام ما قاله النبي إلى أيام ما دُوِّن عند البخاري وعند أحمد وما إلى ذلك؟ كلام فارغ، مُستحيل، يا أخي تلتفظ الألفاظ وتختلف حتى المعاني أحياناً ويُدخِلون هذا في هذا، أشياء كثيرة! فهذا الجُزء من هذا الحديث أصولياً ينبغي أن يُرَد، هل هذا واضح – إن شاء الله – يا إخواني؟

هل انتهى الوقت؟ نكتفي إذن لكن سأعود – إن شاء الله – في الحلقة المُقبِلة لكي أستكمل الحديث عن موضوع مصير أمنا عائشة رضوان الله تعالى عليها، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: