نظرية التطور 

السلسلة الأولى: الأدلة والمؤيدات

الحلقة التاسعة والعشرون

تطور الإنسان – الجزء الأول

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المُرسَلين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً.

أما بعد، أحبابي في الله، إخواني وأخواتي: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، ومع الحلقة التاسعة والعشرين من سلسلة التطور، أستكمل معكم في صدر هذه الحلقة ما انقطع من الحديث عن جينات الهوكس Hox Genes، هناك عالم كبير سيحظى بعد ذلك بجائزة نوبل Nobel في الطب ووظائف الأعضاء يُدعَى إدوارد دي لويس Edward De Louis، فإدوارد دي لويس Edward De Louis اشتغل على مدى ثلاثين سنة على هذه المسألة، لذلك المسار الذي اكتمل به ملف جينات الهوكس Hox Genes بهذه الطريقة استمر على مدى مائة سنة ولم يكن مُمكِناً قبل انقضاء قرن أن نفهم هذه الحقيقة، وطبعاً هذا أحد أو هذه إحدى القسمات الجميلة في العلم، أعني كونه نشاطاً تراكمياً وأيضاً نشاطاً جماعياً، فيبدأ العالم فيه من حيث انتهى غيره وهكذا، واشتغل الدكتور لويس Louis – كما قلت – عبر ثلاثين سنة على المُزاوَجة أو الزواج الهجين – Crossbreeding – لآلاف وآلاف ذبابات الفاكهة – الدروسوفيلا Drosophila – ثم اقترح الرجل بعد هذا الشغل الطويل مُقترَحاً شديد البساطة لكنه شديد الغرابة، أي أول مرة، فكيف خطر على باله هذا؟ هذا شئ عجيب، وحين خطر على باله لم يكن بالإمكان في ذلكم الوقت عزل الجينات Genes لاختبار هذا الاقتراح، ففي ذلك الوقت كان هذا الاقتراح العلمي المُثير الذي سيفوز بنوبل Nobel بعد ذلك لم يكن قابلاً للاختبار، لكن من خلال التجارب الكثيرة جداً والمُتتابِعة أدرك الرجل أن في الذبابة – ذبابة الفاكهة – مجموعة جينات Genes بسيطة ضئيلة العدد، وكل جين Gene منها مسؤول عن قسم من أقسام الذبابة، فهناك جين Gene يُوجِّه – نفترض – منطقة الرأس، ويتعلق – كما قلت لكم – عمل هذا الجين Gene بمتى ينشأ العضو وأين يتموقع أو يتموضع، أي متى وأين، وهناك عند منطقة الصدر جين Gene آخر وهكذا.

اقتراح بسيط وسهل لكن – كما قلنا – شديد الغرابة، فالعلماء لم يكونوا يتوقعون وربما لم يكونوا مُهيأين لقول أو تقبل فكرة أن جيناً Gene مُفرَداً – A Single Gene – أي جيناً Gene واحداً بسيطاً من ألوف الجينات Genes – يتحكم في منطقة كاملة، فيتحكم في أكثر من عضو، أي في الأعضاء ومتى تنشأ وأين تتموقع، لكن كيف يتم هذا؟ ما القصة؟ هنا يُوجَد سؤال لابد أن أتعرض له بالتفصيل في نقد التطور طبعاً عن مصدر هذه المعلومات ومصدر هذا الاقتدار الهائل وراء هذه المعلومات، والخلق كله ما هو؟ كما قلت في خطبة عنى الخلق قريباً أن الخلق معلومات، هو هذا ولذلك الخطير والمُثير ليس التكوين – كُنْ فَيَكُونُ ۩ – لأنه أسهل بكثير، فهو يكون بعد الخلق، أي بعد أن تخلق، لكن ما معنى تخلق؟ تُقدِّر، والتقدير معلومات، أي تضع المعلومات وهذا أخطر شيئ، فالآن دول ربما لم تُساهِم في العلم كثيراً تصنع الدبابة والطائرة والصاروخ والمدفع وكذا، لماذا؟ المعلومة موجودة ومن ثم التكوين سهل، فأنت عندك الوصفة – Recipe – التي سوف تُطبِّق عليها، لذا أخطر شيئ الخلق وبعد ذلك يأتي التكوين – خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ۩ – طبعاً، فالخلق هو الخطير، الخلق هو المعلومات، الخلق هو هذه البرمجة.

هنا لم يكن العلماء مُهيأين لاستيعاب فكرة أن جيناً Gene واحداً يُمكِن أن يكون قادراً على توجيه ماذا؟ منطقة كاملة وقسم كامل في الحيوان ومتى وأين هذا، لكن على كل حال هذا ما طرحه هذا الرجل، وطبعاً تعلمون أن من عشرينيات القرن العشرين المُنصرِم إلى سبعينياته لم يكن بإمكان العلماء أن يعزلوا جيناً Gene مُفرَداً، لم يكن هذا لأن التقنيات لم تكن مُتوفِّرة، أي أن نُحاوِل أن نحدد جيناً Gene مُعيناً ونعزله كأنه غير موجود ثم نختبر بعد ذلك الأثر وما الذي يحدث في الكائن، فكان من غير المُمكِن أن نعزله، لأن لم يكن لدينا آليات نعزل بها الجين Gene، لكن بعد ذلك نجح عالمان أمريكيان هما الدكتور مايكل ليفين Michael S. Levine من جامعة كاليفورنيا بيركلي California, Berkeley وزميله ويليام ماك جينيس William McGinnis أيضاً من كاليفورنيا سان دييغو California, San Diego – تابع أيضاً لجامعة كاليفورنيا California – في هذا، حيث نجح كلاهما لأول مرة في تاريخ علم الوراثة في عزل جين Gene مُفرَد من ذبابة الفاكهة، والعملية استمرت بضعة أشهر وكانت مُضنية جداً جداً ومُغامَرة لكن كان يحدوهما الأمل أن تنجح ونجحت فعلاً، وحين تُطالِع القصة بالتفاصيل تجد شيئاً جميلاً جداً، فهناك ملحمة وذكاء – سبحان الله – وإصرار، لكل مُجتهدٍ نصيب، وعلى كل حال هذا الجين Gene الذي عُزِلَ من ذبابة الفاكهة إسمه Antennapedia، علماً بأن كلمة Pedia تعني باللاتينية ساقاً Leg أو Tetrapod   رباعي الأطراف أو مثل هذا، وكلمة Antenna تعني الاستشعار، فإذن Antennapedia تعني ساق الاستشعار، أو Antenna Leg باللغة العادية.

فالزميلان – أي الدكتور ليفين Levine وماك جينيس McGinnis – يعتقدان أن هذا الجين Gene هو المسؤول عن نمو الأرجل في ذبابة الفاكهة، فلو نحيناه لن تنمو لها أرجل وهذا صحيح، ولو عبثنا بهذا الجين Gene سينجم عن هذا مُشكِلة في نمو الأرجل، وقد تنموان في غير مكانيهما، فبدل أن تنموا في منطقة الصدر – تحديداً في أولها – يُمكِن أن تنموا في الرأس مثل قرون الاستشعار وهذا ما حصل، وهذا معناه أن هذا الجين Gene فعلاً هو المسؤول عن نمو السيقان، إذن هذا الجين Gene كما وصفناه يعمل كمفتاح Switch، فحين يشتغل فيكون مسؤولاً عن منطقة الصدر، وإذا عُبِثّ به تنجم مُشكِلات، وإذا لم يشتغل لا تخرج الأعضاء التي هو مسؤول عن تكوينها وعن موقعتها، وهذا ثبت في الدروسوفيلا Drosophila، لكن ماذا عن الحيوانات الأخرى؟ماذا عن الكائنات الأخرى؟

ينتهي هنا عمل الدكتور مايكل ليفين Michael S. Levine وزميله ماك جينيس McGinnis وتأتينا الإجابة في هذه المرة من جامعة بازل Basel بسويسرا على يد العالم السويسري والتر جيرنج Walter Gehring، فسوف تأتينا الإجابة من السويسرا هذه المرة لأن هذا الرجل – والتر جي جيرنج Walter J. Gehring – اشتغل فترة على الجين Gene المسؤول عن المرض الذي ذكرناه لكم وهو Eyeless الذي يجعل ذبابة الفاكهة بلا عيون – أي لا تخرج لها عيون – طبعاً، والدكتور جيرنج Gehring استوعب من خلال العمل السابق خاصة عمل البروفيسورين – Two Professors – ليفين Levine وماك جينيس McGinnis أن هذا العطب وهذا المرض لابد أن يكون مُسبَّباً عن ماذا؟ عن خلال في جين Gene، أي الجين Gene المسؤول عن الأعضاء، لكن أين هذا الجين Gene؟ وما قصة هذا الجين Gene؟ سوف نبدأ نتحرك الآن، وتوصل الدكتور جيرنج Gehring إلى أن الجين Gene المُسبِّب لهذا المرض موجود أيضاً في الفئران، فهو وجد نفس الشيئ!
نعمل اختبار الآن ونأتي بهذا الجين Gene من الفأر – جين Gene شغال و Active – ونزرعه في ماذا؟ في ذبابة فاكهة تنتمي إلى أجيال مُصابة بهذا المرض بطريقة قطعية طبعاً، فلابد نعرف أن هذه الذبابة قطعاً كذلك، وأنتم تعرفون مدى الوراثة الآن والسائد والمُتنحي وكل هذه القصة المعروفة، فهل يُمكِن أن يشتغل – كما قلت لكم – جين Gene الفأر الآن الذي يُكوِّن العيون للفأر في تكوين عيون للذبابة؟ تجربة جريئة جداً وطموحة، وقد قام الدكتور جيرنج Gehring بهذه التجربة ونجحت، وكم كان سروره وكم كان مُتفاجئاً بها، فجين Gene من الفأر أو من الجُـرَذ – Rat – يشتغل في الذبابة ويُكوِّن لها عيوناً كعيون الذبابة وليس عيوناً كعيون الفأر،وهذه هى الأعجوبة، وهنا يُوجَد سر طبعاً وتُوجَد منطقة الآن مخفية، حيث يُوجَد شيئ خطير جداً هنا وهو غير مفهوم أصلاً ولم يزعم أحد أنه فهمه بشكل واضح، فما هو هذا؟ أنت تقول لي أن هذا الجين Gene الواحد – هو نفسه – إذا شغلناه في فأر يُعطيه عيون فأر، وإذا شغلناه في ذبابة يُعطي عيون ذبابة، إذن هنا تُوجَد حلقة مفقودة، وهذا ما سنتعرض لها أيضاً في سلسلة نقد التطور، فهذه حلقة مُهِمة جداً وتطرح سؤالاً – أقول لكم – أخطر بكثير من هذا وهو يُدخِّلنا في لغز أكبر بكثير من لغز جينات هوكس Hox Genes أصلاً، وهذا واضح طبعاً، فأي إنسان يُفكِّر فيما يُلقى إليه وفيما يقرأ ويسمع سوف يجد أن هناك سؤال يطرح نفسه مُباشَرةً، فما الذي يحدث؟ ولماذا هنا تكون عيون ذبابة وهنا عيون ضفدعة وهنا عيون فأر بجين Gene هو الجين Gene ذاته؟ ما الذي يحصل؟ كيف تتم هذه العملية؟

إذن باختصار نقول أن ذبابة الفاكهة فهمت الرسالة المُشفَّرة المُكودَّنة الآتية من جين Gene الفأر، فهى فهمتها ولبتها وأنتجت عيوناً وانتهت مُشكِلة الـ Eyeless عند هذه الذبابة.

في سنة ألف وتسعمائة وخمس وتسعين فاز الدكتور إدوارد دي لويس Edward De Louis – الذي ذكرته لكم قُبيل قليل وهو صاحب المُقترَح البسيط والغريب الذي يقول أن جينات Genes مُعينة بسيطة هى المسؤولة عن أقسام البدن وأعضاء البدن ومتى وأين هذا، وهذا مُقترَح عجيب كما قلت وكان غير قابل في وقته للاختبار – مع آخرين بجائزة نوبل Nobel للطب ووظائف الأعضاء لمُساهَمتهم وعملهم في وعلى اكتشاف مجموعة الجينات Genes العالمية التي هى الـ Hox Genes، فهذه تُسمى الجينات Genes العالمية طبعاً.

يُوجَد عندنا أيضاً مثال خطر لى الآن أن أذكره، وهو مثال من المُمكِن ألا في السياق لكنه يتعلَّق بالالميوجلوبين Myoglobin، فأنت تُحرِّك الآن يدك أو رجلك أو أي عضلة، وهذه العضلات تتحرك بفضل خزين الأكسجين فيها، لكن كيف يُخزَّن الأكسجين في العضلات حتى يُمكنها أن تتحرك؟ يُوجَد بروتين Protein مُعيَّن إسمه ميوجلوبين Myoglobin، فهذا هو الذي يقوم بهذه العملية، أي عملية تخزين الأكسجين في العضلات – Muscles – اللازمة للحركة، وهذا البروتين Protein – أي الميوجلوبين Myoglobin – يتكون من زُهاء مائة وخمسين حمضاً أمينياً Amino Acid، وبيننا كبشر أو كنوع بشري وبين – مثلاً – الفئران وما شاكل خلافات في عدد من الأحماض الأمينية، وذلك في مجموعة كبيرة نسبياً وهذا أمر طبيعي، فالهوة التطورية هائلة بيننا وبين الفئران، لكن بيننا وبين الأورانجوتان Orangutan يُوجَد فرق في بضعة أحماض أمينية، ومرة أخرى يعمل التطور الآن، لماذا؟ لأن يُوجَد الميوجلوبين Myoglobin نفسه، ففي الفأر يُوجَد ميوجلوبين Myoglobin وفي الأورانجوتان Orangutan أو إنسان الغابة وفي القرد الأسيوي على هيئة مجموعة أو عدد بسيط، لكن بيننا وبين الـ Chimp – أي الشِمْبانزِي Chimpanzee – يُوجَد فارق في حمض أميني واحد، وهذا أمر عجيب، فلماذا إذن؟ لأنه الأقرب إلينا ولذا هذا أمر طبيعي، فهو الأقرب إلينا في سُلَّم التطور، من بين مائة وخمسين أو مائة وواحد وخمسين حمض أميني هى المسؤولة عن تركيب وتكوين بروتين Protein الميوجلوبين Myoglobin وفقط يتحدد الفرق بحمض واحد بين الإنسان وبين الـ Chimp، وهذه دلالة عجيبة!
كنت ذكرت لكم مرة في حلقة سابقة شيئاً آخراً أيضاً لكن الآن لابد أن أذكره لنختم به هذا الجزء من السلسلة لندخل في تطور الإنسان لأنه الملف الأكثر إثارة وحسماً وإزعاجاً وإقلاقاً طبعاً، فهو ملف مُقلِق بطبيعة الحال، لكن بماذا سأختم؟ بالحديث عن مجموعة الصبغيات أو الكروموسومات Chromosomes في الرئيسات.

معروف أن الغوريلا Gorilla والأورانجوتان Orangutan والـ Chimp والبونوبو Bonobo لديها ثمانية وأربعون صبغياً، أي لديها كلها أربعةٌ وعشرون زوجاً من الكروموسومات Chromosomes، والآن من المفروض أن الإنسان وهو رأس هذه الرئيسات يتطابق معها في العدد نفسه وخاصة مع الـ Chimp، وهو عنده أيضاً ثمانية وأربعون، أي نفس الشيئ، إلا أن الإنسان – كما تعلمون وتعلمن جميعاً – لا يتوفر إلا على ثلاثةٍ وعشرين زوجاً، أي على ستةٍ وأربعين صبغياً، وهذه ضربة للتطور، وفعلاً سُدِّد بهذه الحقيقة نقد شديد إلى التطور، والتطوريون ردوا الضربة – Back Strike – وقالوا نحن الآن سنُطلِق أيضاً تنبؤاً، لأننا موقِنون أن الإنسان رأس الرئيسات وينحدر معها من أصول مُشترَكة دون أي كلام، وينبغي أن يكون نفس المجموع من الصبغيات ومن الكروموسومات Chromosomes، فما هو هذا التنبؤ إذن؟ التنبؤ هو أن هذان الزوجان المفقودان أو الكروموسومان المفقودان – كما قلت في المرة السابقة باللغة العربية الفُصحى هما زوجان، فكروموسومان يعني زوجان، وكل واحد منهما هو زوج – لابد أن يكونا مُلتحِمين ومُندمِجين في كروموسومين آخرين، فهذه نبؤة إذن ومن ثم هيا نبحث، وأنتم تعلمون أننا لو افترضنا أن هذا القلم هو الكروموسوم Chromosome سوف نجد في نهايته من هنا – النهاية الطرفية – تيلوميراً Telomere أو ما يُعرَف بالتيلومير Telomere، وسوف نجد من النهاية الطرفية الأخرى تيلوميراً Telomere، وفي الوسط هناك المشطر الذي يشطره إلى نصفين وهو السنترومير Centromere، فإذن كل كروموسوم Chromosome فيه تيلومير Telomere في النهاية الطرفية وتيلومير Telomere في النهاية الطرفية الأخرى، وفي الوسط مشطر – سنترومير Centromere – واحد، ولو الآن تخيلنا أن فعلاً كروموسومين قد التحما ببعضهما ماذا سيحصل؟ سيحصل أن نجد في النهاية الطرفية تيلوميراً Telomere، وفي النهاية الطرفية الأخرى تيلوميراً Telomere، وفوق النهاية الطرفية الأولى تيلوميراً Telomere مُضاعفاً مُدبَّلاً – نسبة إلى Double – ثخيناً، ثم سوف نجد Two Centromeres، حيث نجد في الوسط سنتروميراً Centromere، وفي الوسط أيضاً سنتروميراً Centromere، فإذا قلت لي حدث التحام وأصبح مُندمِجاً ومُنصهِراً – Fused – في بعضه لابد أن يكون على هذا النحو، وهذه عملية سهلة يُمكِن أن تُرى بميكروسكوبات Microscopes إلكترونية دقيقة مُرقمَنة، وهم وجدوا هذا وهو الكروموسوم Chromosome رقم اثنين، وفعلاً هو كروموسوم Chromosome طويل ومُتميّز، فيه في النهاية الطرفية تيلومير Telomere مُدبَّل – نسبةً إلى Double – طبعاً، فيه تيلومير Telomere فوق النهاية الطرفية الأولى وتيلومير Telomere تحت النهاية الطرفية الأخرى، وسنترومير Centromere في الوسط وسنترومير Centromere في الوسط أيضاً، وقد حدثت طفرة مُعينة – كما يقولون – في الماضي الغابر للإنسان هى التي تسببت في التحام Two Chromosomes مع بعضهما البعض، وهذا شيئ عجيب، ففي نهاية المطاف المسألة مُثبَتة، فأنت من هذه الكائنات وهى منك، هى عندها ثمانية وأربعون وأنت عندك ثمانية وأربعون، ولا تقل لي عندي ستة وأربعون وإنما قل ثمانية وأربعون، لوجود هذا المُلتحِم المُخبأ.

طبعاً هذا كان من أقوى حُجج التطوريين، فبدل أن يكون ضربة قاضية وضربة قاسمة كان بالعكس مُؤيِداً جديداً من مُؤيِدات نظرية التطور، وطبعاً بهذه الطريقة نحن لم نفرغ من أدلة التطو ، لكننا – كما قلت لكم – زهقنا ومللنا، والناس طبعاً يعني يستعجلون، فهناك أيضاً الكثير مما يُمكِن أن يُقال كتدعيم وأدلة وشواهد على التطور، وخاصة ما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للكائنات والنموذج التفسيري له، وكنت أُحِب أن أتكلم عن هذا لكن هذا أيضاً كان سيتقضانا بضع حلقات، فأنا رأيت أن أكتفي إذن بهذا القدر وأن أفتح الملف الأخير في أدلة التطور وهو ملف مُزعِج ومُقلِق لجهتين، الجهة الأولى أنه لا يتعلق بالسلطعونات ولا بالضفادع ولا – أكرمكم الله – بالخنازير وإنما يتعلق بنا نحن، وطبعاً هنا تأتي مركزية الإنسان وأنانية الإنسان، فهو يقول إنه يتعلَّق بي أنا، والإنسان المُتدين يقول إنه يتعلَّق بي أنا كخليفة الله في الأرض وسيد الكائنات ورأس هرم الوجود وليس رأس السلسلة الغذائية فقط بل كرأس هرم الوجود أيضاً، فأنا السيد المُسخَّر له كل شئ في الوجود وأنا مركز العناية الإلهية وموضع النظر الإلهي في هذا الوجود في كل شيئ، فأن أُحدَّث عن أنني مُترقٍ من دودة ومن زاحف وما إلى ذلك هذا شيئ مُزعِج، ومن هنا هم ينزعجون، لذلك كما قال أحد العلماء الكبار وهو مُكتشِف لوسي Lucy – علماً بأنني سأُحدثكم طبعاً عن قضية اكتشافه للوسي Lucy بالتفصيل أو أسترالوبيثكس أفارنسيس Australopithecus afarensis – في سنة ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين وهو دونالد جوهانسون Donald Johanson نظرية التطور أقل ما يُقال فيها إنها مُقلِقة وأكثر ما يُقال فيها إنها إلحادية، وذلك في كتابه الذي استفدت منه كثيراً وأنصح لمَن يعرف الإنجليزية أن يعود إليه وهو كتاب From Lucy to Language من لوسي إلى اللغة، علماً بأن هذا الكتاب في أربعمائة صفحة، وهو مُوثَّق ودقيق ومُصوَّر، والصور فيه بحجمها الطبيعي دائماً، وخاصة فيما يتعلَّق بالجمجمة – Skull – ومثل هذه الأشياء، فهى تُوجَد بالحجم الطبيعي، وعلى كل حال هو كتاب عجيب للذي اكتشف لوسي Lucy، وتقريباً هو أعظم اكتشاف في الحفريات البشرية، على الأقل إلى وقت قريب هو أعظم اكتشاف وذلك في تل عفار بأثيوبيا، فالمُهِم هو أن دونالد Donald جوهانسون Johanson يقول “نظرية التطور أقل ما يُقال فيها إنها مُقلِقة – خاصة أنها تتعلق أيضاً بتطور الإنسان – وأكثر ما يُقال فيها إنها إلحادية”، فهى نظرية كفور، تُكفِّر الناس بالله وتصد الناس عن الإيمان بالله وتعمل مشاكل كثيرة، فهى ليست كأي كلام وهى ليست نظرية عادية أو مُحايدة، لذلك هى حساسة، وأكثر مواضع النظرية حساسيةً ملف الإنسان وتطور الإنسان، إذن هذه الجهة الأولى التي تتعلَّق بأنها مُقلِقة ومُزعِجة، الجهة الثانية هى – يعرف هذا مَن قرأ النظرية ومَن يقرأ فيها – أن هذا الملف بالذات هو الأكثر اشتباهاً والتباساً وإربكاً، فهو مُزعِج جداً ومُتداخِل وغير واضح، ليس لكونه مُعقَّداً في ذاته فقط ولكن لأن العلماء أنفسهم – علماء التطور وعلماء الإحاثة وحتى علماء الأنثروبولوجيا Anthropology – لايزالون يختلفون في توصيف الحفريات الخاصة بأشباه الإنسان الأول وفي تصنيفها، فيختلف الواحد منهم مع الآخر في تصنيف ما يراه، فقد يقول أحدهم هذا أقرب إلى أن يكون قردياً منه إلى أن يكون هومانياً – نسبةً إلى هومو Homo – إنسانياً، وقد يرد الثاني قائلاً بالعكس أنا أرى أن هذا أقرب إلى أن يكون إنسانياً، وهذا أمر غريب، ألهذه الدرجة يحدث هذا؟ لذلك سوف ترى بعض الأشياء يُقال فيه كلاماً مُختلِفاً، فمثلاً قد يقول لك أحدهم أنا أُصنِّف هذا على أنه أسترالوبيثكس هابيليس Australopithecus habilis، فهذا هو الأسترالوبيثكس هابيليس Australopithecus habilis، أي القرد الجنوبي الصانع، لكن قد يقول الثاني هذا غير صحيح، لأن هذا هومو هابيليس Homo habilis، وطبعاً كلكم تسمعون كلمة هومو هابيليس Homo habilis، وهى تعني الإنسان الصانع، علماً بأن هومو Homo هى جنس الإنسان، أما أسترالوبيثكس Australopithecus هى جنس القرد الجنوبي، وهو ليس من أستراليا Australia وليس له علاقة بأستراليا Australia، فكلمة أوس Aus تعني جنوب، وأستراليا Australia معناها الجنوبية، أي البلدة الجنوبية أو القارة الجنوبية، لكن هذه النسبة ليست لأستراليا Australia، وهذه الحفرية غير موجودة في أستراليا Australia وإنما في أفريقيا، لكن المُهِم هو أن قد يقول أحدهم على حفرية ما أنها أسترالوبيثكس هابيليس Australopithecus habilis، في حين يقول آخر هذا ليس أسترالوبيثكس Australopithecus وإنما هو هومو هابيليس Homo habilis، أف، هذا فرق كبير طبعاً، وقد تقول لي ما هو الهومو Homo؟ سوف أعمل جاهداً على تبسيط هذه المسألة التي عانيت منها شخصياً، وكما قلت هذا من الجهتين، فهناك مُصطلَحات كثيرة وحفريات كثيرة وتسميات كثيرة وتوصيفات كثيرة وتصنيفات مُتضارِّبة، وهذا شيئ مُزعِج، لذلك لكي نفهم هذا الملف لابد أن نسير على خُطة، فنُبسِّط ونُوضِّح بحيث نكون – كما قلت لكم – مُسترشِدين بخُطة نحملها معنا دائماً، ومن ثم حين نسمع بعد ذلك أي مُصطلَح نعرف الدلالة المبدئية له وعلى ماذا يدل، فهناك تصنيفات ومُصطلَحات – كما قلت لكم – كثيرة، لكن لابد أن نعرف أهمها وأن نُموضِّعها – كما قلت لكم – في موضعها، فحتى زمنياً – أي في الخط الزمني – لابد أن نعرف أين يجب أن يكون هذا، بمعنى أننا إذا فهمنا – مثلاً – أن جنس الهومو Homo ظهر فقط في آخر اثنين مليون ونصف إلى ثلاثة مليون سنة سوف يكون الأمر محسوماً لدينا لوجود هذه الخارطة لدينا في الدماغ، ففي آخر ثلث من فوق يُوجَد هذا الهومو Homo، ومن ثم سوف تسمع كلمات فيها هومو Homo، مثل هومو هابيليس Homo habilis وهومو إريكتوس Homo erectus وهومو إرجاستر Homo ergaster – علماً بأن الإرجستر Ergaster هو العامل – وهومو ساپيانس Homo sapiens وهو نحن، أي الإنسان العاقل، فحين نسمع هذا نعرف أن هذا لابد أن يكون في آخر ثلاثة ملايين سنة وليس قبل ذلك، فإذن حتى زمنياً سوف تفهم من أين أتى مثل هذا الكائن، لكن ماذا عن الهومو هايدلبيرغينيسيس Homo heidelbergensis؟ الهومو هايدلبيرغينيسيس Homo heidelbergensis هو إنسان هايدلبيرغ Heidelberg، وبما أننا قلنا هومو Homo فإذن هو في آخر ثلاثة مليون، لكن أين بالضبط هذا؟ هذه مسألة الدراسة التي تعرف من خلالها بعد ذلك أين هو بالضبط ومتى نشأ هذاالهومو إريكتوس Homo erectus بالضبط، وكذلك الحال مع الهومو ساپيانس Homo sapiens والهومو نياندرتال نيسيس Homo neanderthalensis، والنياندرتال Neanderthal هو الخاص بألمانيا ووادي نياندر Neander Valley، وهو إسمه الهومو نياندرتال نيسيس Homo neanderthalensis، إذن تُوجَد كلمة هومو Homo، والعكس صحيح طبعاً، فحين تسمع أسترالوبيثكس Australopithecus – أسترالو Australo تعني جنوبي وبيثكس Pithecus تعني الالقرد، أي القرد الجنوبي – تعلم أنه يُوجَد دائماً في الأسفل، أقل من ثلاثة مليون سنة، لكن إلى كم؟ هذه المسافة دائماً ما تتسع المسافة، ودائماً هذا الـ Ancestor القديم يُوغِل في القِدم، فأول حفرية وجدوها في البداية – كما ستسمعون الليلة أو في الحلقات المُقبِلة إن شاء الله – هى النياندرتال Neanderthal، واعتقدوا أن هذا هوالسلف الخاص بنا وانتهى كل شيئ، وهذا غير صحيح، فمتى جاء هذا؟ هذا حديث جداً جداً جداً كأنه ابن أمس، هذا عاش مع الساپيانس Sapiens، أي أنه عاش معنا، فنحن الساپيانس Sapiens وهو النياندرتال Neanderthal كنا نُوجَد معاً، وبالتالي هذا لا يصلح أن يكون كذلك ومن ثم نحتاج إلى أن ننزل قليلاً، فيُوجَد الجافا مان Java Man، والجافا مان Java Man هو إنسان جاوة Jawa، وهو أكثر قليلاً، فهو من ثمانمائة إلى مليون، لكن بعضهم يقول لك أنه من نصف مليون إلى مليون، وسوف نقول على كل حال أنه في حدود مليون سنة، فهو أقدم بمرات – ماشاء الله – من النياندرتال Neanderthal، لكنه لا يصلح أيضاً، ومن ثم وبدأوا ينزلوا أكثر ويجدوا حفريات أكثر، وهكذا ظللنا ننزل، وكان أكثر شيئ بلغناه تقريباً هو حوالي سبعة ملايين سنة.

إذن عندما تسمع كلمة أسترالوبيثكس Australopithecus تعلم أن الحكاية تبدأ من ثلاثة مليون ثم تنزل حتى سبعة مليوم وليس إلى أكثر من هذا حتى الآن، فهذا هو المُقرَّر الآن لكن ما سيحدث غداً الله أعلم به، يفعل الله ما يشاء.

إذن لابد أن يكون عندك خُطة عامة تتحرك فيها لكي تفهم وتعرف ما هى القصة،وسواء كان الأمر يتعلَّق بالهومو Homo أو بالأسترالوبيثكس Australopithecus فإن كل هذا يدخل تحت إسم واحد وهو أشباه الإنسان الأولى، فهم يُسمونها بأشباه الإنسان الأولى، وسوف تفهم لماذا تُسمى هذه الكائنات بأشباه الإنسان الأولى، فنحن سوف نحتاج هذه الخُطة لكي نفهمها، وحتى لا نُطوِّل لابد أن ندخل فيها إن شاء الله تبارك وتعالى.
ذكرت لكم غير مرة أن العالم تشارلز داروين Charles Darwin لما نشر كتابه عن أصل الأنواع أو حول أصل الأنواع بالانتخاب الطبيعي سنة ألف وثمانمائة وتسع وخمسين لم يتطرق إلى قضية تطور الإنسان بأزيد من سطر واحد فقط في آخر الصفحة وذلك في كتاب من زُهاء سبعمائة صفحة، حيث قال “سيُلقَى ضوءٌ على أصل الإنسان وتاريخه”، وفي طبعة لاحقة قال “سيُلقى ضوءٌ كثير – Much light will be thrown on – على أصل الإنسان وتاريخه”، أي أنه زاد كلمة Much قبل Light، فهو قال هذا فقط وهذا شيئ عجيب، فكيف يكتفي بهذا وهو يتكلَّم عن التطور وأهم ملف فيه هو هذا الملف؟ وأنتم طبعاً تعلمون الأسباب التي جعلت الرجل يُحجِم ولا يتعجل فيُغامِر بإلقاء بعض ما عنده – وهو عنده طبعاً ما يُلقيه في هذا الباب – لأسباب ذكرناها عندما تحدثنا عن تاريخ النظرية، وهذا كان في ألف وثمانمائة وتسع وخمسين كما قلنا لكم، وطبعاً سينشر كتابه في عام ألف وثمانمائة وإحدى وسبعين عن نشأة الإنسان أو تحدّر، وهو كتاب The Descent of Man، فكلمة The Descent تعني تحدّر أوإنحدار، وتُترجَم كذلك بالنشأة، وأيضاً مرة أخرى رغم أن الكتاب كبير الحجم ويقع في أجزاء ثلاثة كبيرة لا يُستهان بها إلا أنه اقتصر عند الكلام على تطور الإنسان على جزء واحد فقط منها، بينما خص الجزئين الآخرين – كلهما بطولهما – للحديث عن الانتخاب الجنسي – Sexual Selection – وخاصة عند الطيور، فلماذا إذن؟ الآن أنت تكلمت في هذا الملف والكتاب إسمه نشأة الإنسان وتحدّر الإنسان ومن ثم لماذا فعلت هذا؟ لأنالسجل الحفري لم يكن يحظى بشيئ فيما يتعلق بحفريات الإنسان القديم، باستثناء جمجمتين أو حتى غطاء جمجمتين – Skull Cap – لإنسان النياندرتال Neanderthal، وهذا طبعاً تم اكتشافه – كما قلنا – في ألمانيا، فقبل نشر أصل الأنواع بثلاث سنين فقط – أي في ألف وثمانمائة وستة وخمسين – تم اكتشاف هذه الحفرية العائدة لإنسان النياندرتال Neanderthal، فليس أمام داروين Darwin ما يتحرك به ويستند إليه في الحديث عن تطور الإنسان بالأدلة الأحفورية، أي الأدلة الخاصة بالحفريات Fossils، فلا يُوجَد أي شيئ من هذا، ولذلك كان الحديث إلى حدٍ ما مُقتضَباً، لكن قبل هذا بمُدة في ألف وثمانمائة تقريباً وثلاث وستين – أي بعد أصل الأنواع بأربع سنوات، علماً بأنني ذكرت هذا أيضاً في تاريخ النظرية – سينشر تلميذه وحواريه المُتحمِّس المُفعَم بالحماس للنظرية والجرئ توماس هنري هكسلي Thomas Henry Huxley كتابه مكان الإنسان في الطبيعة Man’s Place in Nature، ومكان الإنسان في الطبيعة أتى في مائة وتسع وخمسين صحيفة فقط، فهو كتاب صغير أو مُتوسِط لكنه جرئ، وتجاسر أن يقول فيه ما كان داروين Darwin مُحجِباً أن يقوله، لكنه كان فاهماً شيئاً أساسياً – Essential – في النظرية وصرَّح به بشكل واضح، فهو ماذا إذن؟ هو أن الإنسان ليس مُتحدِّراً من القرود، فهذا الفهم ليس صحيحاً، ولذلك تُوجَد قصة توماس هكسلي Thomas Huxley التي اقتصصتها عليكم مع راعي الكنيسة في أُكْسَفُورَد فوربس Oxford’s forbes حين قال أن جدك أنت قد يكون مُتحدِّراً من قرد لكن جدي ليس كذلك، إلى آخر هذه القصة المشهورة، وطبعاً هو أكد في كتابه المُخصَّص للمسألة أن هذا يُعَد خطأ شائعاً Common، فالإنسان ليس مُتحدِّراً من القرود، ولكن الإنسان والقرود قد تحدروا جميعاً من سلفٍ مُشترَّك، فقط هو هذا، وهذه هى النظرية إلى الآن، فلا يُمكِن لأحد أن يقول أن الإنسان أصله من القرد، لكن إلى اليوم هناك مَن يُسيء الفهم، في حين من أيام هكسلي Huxley وأيام داروين Darwin إلى اليوم في ألفين وخمسة عشر جرت في نهر العلم ونهر الحفريات مياهٌ كثيرة جداً، وكما قلت قُبيل قليل أصبح هذا الملف مُزعِجاً لكثرة ما يحتوي من عينات لحفريات يحتار العلماء المُتخصِصون في توصيفها وتصنيفها، فهم لا يدرون ما هى وماذا يرون وأين يُصنِّفونه، لكن طبعاً يُعرَف التصنيف من خلال بعد ذلك الإسم، وسوف نفهم فيما بعد أن هذا الكائن هو إنسان أو قرد، وسوف نعرف من أي نوع، لكن طبعاً – للمُلاحَظة فقط – حين نقرأ في الكتب العلمية المُتخصِصة والعامة وحين تُكتَّب هذه الأشياء سنجد أن لها أسماء شائعة وأن لها أسماء علمية، فالإسم العلمي يُكتَب دائماً باللاتينية ويُكتَب بأحرف مائلة، علماً بأن العرب قل أن يحصل هذا في كتبهم وهذا خطأ ، لكن كل الكتب الأجنبية على الإطلاق – الإيطالية أو الألمانية أو الإنجليزية مثلاً- يكتبون هذه الأسماء بالحرف المائل، فهذا تقليد علمي مُتبَع، لابد أن تُكتَب بالحرف المائل، ثم بعد ذلك يبدأون بالجنس، أي بإسم الجنس، وإسم الجنس يبدأ باللاتينية بالـ Capital، ففي اللاتيني طبعاً تبدأ أول كلمة بالـ Capital، وبعد ذلك تأتي الثانية والثالثة بحرف Small، فهذا لابد أن يُكتَب على هذا النحو، فهم – مثلاً – يبدأون بإسم الجنس مثل هومو Homo، فيكون حرف الـ H في هومو Homo بطريقة الحرف الـ Capital، ثم يتلوه مُباشَرةً إسم النوع لكنه يكون Small، فنكتب – مثلاً – هومو هابيليس habilis Homo وتكون كلها مائلة، وطبعاً قد يأتي نوع فرعي ويُصبِح الإسم ثلاثياً، فيتكرَّر نفس الشيئ، حيث نبدأ بحرف Small أيضاً ويكون بخط مائل، وهذه الأشياء من المُهِم أن نعرفها لكي نفهم المكتوب حين نقرأ، فالاسم الأول هو إسم الجنس والإسم الثاني هو إسم النوع، فمثلاً أسترالوبيثكس أفارنسيس Australopithecus afarensis يكون فيها أسترالوبيثكس Australopithecus هو إسم الجنس، وأفارنسيس afarensis هو إسم النوع “العفاري”، فكلمة أسترالوبيثكس أفارنسيس Australopithecus afarensis تعني القرد الجنوبي العفاري، فهذا هو إسمه، وهو المُسمى بلوسي Lucy، وكان ذلك قبل ثلاثة مليون ومائتين ألف سنة، وهنا قد تقول لي أنت قلت لنا أن من اثنين ونصف لثلاثة كأكثر شيئ يُوجَد الهومو Homo طبعاً لكن ماذا يجب أن يكون قبل ذلك؟ القرد الجنوبي، ولوسي Lucy قرد جنوبي وليست هومو Homo،   وأنت تقول لي أن هذا في ثلاثة مليون ومائتين ألف، وفي تقديرات ثلاثة مليون وأربعمائة ألف سنة، فإذن هذا قرد جنوبي مُباشَرةً وانتهى كل شيئ، وهذه هى الخُطة التي سوف نمشي عليها، وهى خُطة – كما قلت – مدخلية تمهيدية، والآن سنبدأ في التمهيد، فنُعرِّف هذه الأشياء بمُصطلَحاتها وماذا يندرج تحتها وأشهر ما يندرج تحت هذه الأشياء، وفي الحقيقة كل ما يندرج تحت القرد الجنوبي وتحت الهومو Homo تقريباً سبعة أنواع، فيُوجَد سبعة أنواع تحت القرد الجنوبي وسبعة أنواع تحت الهومو Homo، ومن ثم سوف نتحرك على هذه الخُطة الهادية بإذن الله تعالى, وبعد ذلك أنا لن أتلو عليكم معلومات جامدة هكذا تتعلَّق بأن هذا هو الجنس وهذا هو النوع وما إلى ذلك، لكنني اختطت خُطة سردية، فسوف أسرد عليكم مُتتبِعاً الخط الزمني للاكتشاف وليس للحفرية، وهذا ما يجب أن ننتبه إليه، فلن نبدأ بالضرورة بالقرد الجنوبي، بل سنبدأ في الحقيقة بالنياندرتال Neanderthal، لكن لماذا هذا؟ لأن أول حفرية اكتُشِفَت هى النياندرتال Neanderthal، فسنبدأ بها مع أنها قريبة جداً جداً، فمتى انقرض النياندرتال Neanderthal؟ قبل زُهاء أربعين ألف سنة فقط، فهو حديث جداً، أي أنه ابن أمس ولذلك سوف نبدأ به، لأن أول ما اكتُشِفَ كان النياندرتال Neanderthal، فسوف نبدأ لكي نعرف القصة كلها، مثل مَن الذي اكتشفه وكيف اكتشفه وما هى المشاكل التي واجهته وما هى ردود الأفعال، فسوف نعرف كل هذا لأن هذا من شأنه أن يُثبِّت المعلومة، وبعد النياندرتال Neanderthal – مثلاً – يُوجَد إنسان جاوة Jawa أو جافا مان Java Man كما يُعرَف – أي إنسان جزيرة جاوة Jawa الإندونيسية – طبعاً، فسوف نحكي عن قصته وعن فضيحة بلتداون Piltdown بعد ذلك وكيف كانت الفضيحة وما إلى هذا، كما أننا سوف نأتي إلى لوسي Lucy وسوف نأتي إلى غير لوسي Lucy، وهكذا سوف نحفظ، فهذا يُسهِّل كثيراً، وفي ظل هذه الخُطة الهادية التي سنظل نُذكِّر بها مرة أخرى سوف تُصبِح الأمور واضحة – بإذن الله تعالى – وثابتة في أذهاننا.

إذن نبدأ بالتمييز، فنحن البشر نوع، أي نوع تحت جنس، وهذا النوع إسمه الإنسان العاقل، فجنسه إنسان – هومو Homo – ونوعه عاقل، وهذا إسمه الهومو ساپيانس Homo sapiens، فكل البشر الآن الذين يعمرون هذا الكوكب – قربوا الآن على ثمانية مليار أو ثمانية ملايير – هم هومو ساپيانس Homo sapiens، فلا يُوجَد أي نوع آخر الآن، لكن لماذا نحكي مثل هذا الكلام البدهي؟ لأن في يوم من الأيام –
وهذا سيكتشفه علماء الأحافير والتطور مُتأخِراً جداً وسيصدمهم – وتحديداً في الخمسينات والستينيات بالذات سيكتشفون على يد العالم الأحفوري الكبير ليكي Leakey وزوجته ماري Mary وابنه ريتشارد Richard أن في زمن واحد كان يعيش أكثر من نوع وأكثر من فرع من أشباه الإنسان، وهذا الشيئ كان مُقلِقاً ولم يكن واضحاً، طبعاً لأن النموذج التطوري الذي كان سائداً قبل البروفيسور Professor / ليكي Leakey هو الخط المُستقيم، فهذا خط مُستقيم سهل وهذا هو السلف المُشترَك الأول وحدث تطور وانتهينا بالإنسان، فهذه عملية سهلة، لذلك كان – كما قلت لكم – يُسيطر عليهم هوس الحلقة المفقودة، والحلقة المفقودة هى حلقة هندسية لأن يجب أن تكون في المُنتصَف – مُنتصَف الخط المُستقيم التطوري – بحيث تكون نصفها قردياً ونصفها إنسانياً وينتهي كل شيئ، وهذا وهم طبعاً، لكن جاء مع ليكي Leakey عكس هذا، علماً بأننا سنحكي قصة ليكي Leakey وزوجته، فهناك
قصص كثيرة، وبشكل قصص سنتعلم ملف تطور الإنسان إن شاء الله، فقد رأيت أن هذا أجمل أسلوب وأحسن أسلوب حتى لا تُعانوا مثلما عانيت، فهناك مُعاناة وإزعاج شديد جداً جداً في قراءة هذه الكتب وهذه المُصطلَحات والأشياء.

على كل حال نحن كلنا من الهومو ساپيانس Homo sapiens، ونحن ننفرد الآن باستعمار الكوكب فقط ولا يُوجَد غيرنا، فهذا هو النوع وهذا هو الجنس، ونحن من رُتبة Order – أنتم تعرفون الرُتبة طبعاً في علم التصنيف Taxonomy -الرئيسات، علماً بأنني نبهت قبل ذلك على ضرورة ألا نقول رئيسيات لأن هذا ليس صحيحاً من الناحية الصرفية، فالنسبة إلى رئيس وبالتالي لا ينبغي أن نقول رئيسي وإنما يجب أن نقول رئيس، وأنت – مثلاً – لا تقول كبيري ولا تقول صغيري، فلماذا تقول رئيسي؟ قل رئيس، وعلى كل حال نحن نحن من رُتبة الرئيسات Primates، لكن ما هى هذه الرئيسات Primates؟ هى رُتبة مُتفرِعة من طائفة، والطائفة إسمها الثدييات Mammals، وقد عرَّفنا الثدييات وأقسامها الثلاثة، حيث تَوجد ثدييات مشيمية وثدييات جرابية كيسية ووثدييات وحيدة المسلك كما قلنا، فنحن إذن من طائفة الثدييات، وطبعاً بعد الطائفة تأتي الشعبة، فنحن من شعبة الحبليات، حيث يُوجَد الحبل الظهري الفوقي والحبل العصبي وإلى آخره.

تضم رُتبة الرئيسات Primates – كما ذكرت في حلقة سابقة – زُهاء مائة وثمانين نوعاً من القردة الدُنيا، علماً بأن يُوجَد لدينا قردة عُليا ويُوجَد لدينا قرد دُنيا، فالليمور Lemur الصغير – العرب يقولون لليمور والليامير، أي أنها هذه الكلمة تُجمَّع على ليامير – والتارسس Tarsus من القردة الدُنيا، وتَوجَد السعادين وهى أيضاً صغيرة وبذيول، أي أنها مُذيِّلة، وهناك القردة العُليا التي ليس لها ذيول، وهى الغوريلا Gorilla والأورانجوتان Orangutan – يعيش في آسيا طبعاً – والـ Chimp‏ – الشِمْبانزِي Chimpanzee – وما إلى ذلك، أي كل هذه الشِمْبانزِيات، فهى من القردة العُليا، ويُوجَد أيضاً البونوبو Bonobo، فالبونوبو Bonobo أقرب إلى الشِمْبانزِي Chimpanzee من الغوريلا Gorilla، وطبعاً أقرب من الأورانجوتان Orangutan، لكنها كلها على كل حال قردة عُليا، إذن لدينا الأورانجوتان Orangutan والغوريلا Gorilla والبونوبو Bonobo والشِمْبانزِي Chimpanzee والإنسان، وسوف نرى كتطوريين أيضاً أن الأبعد بالنسبة لنا هو الأورانجوتان Orangutan، والأقرب قليلاً الغوريلا Gorilla، والأقرب من الغوريلا Gorilla هو البونوبو Bonobo، والأقرب من البونوبو Bonobo هو الشِمْبانزِي Chimpanzee، ثم يأتي آخر شيئ وهو الإنسان.

فإذن هذه هى الرئيسات، فالرئيسات هى قردة دُنيا وقردة عُليا والإنسان، وكل هذه الانواع بتفاصيلها تصل إلى مائة وثمانين نوع، والرئيسات – يا أحبابي – تتميز بميزات كثيرة، لكن نحن نُريد أخص مزاياها التي لها علاقة بموضوعنا، فالرئيسات طبعاً لها مزايا كثيرة خاصة إذا تحدثنا عن الثدييات كثدييات، فهى لها مزايا كثيرة، لكن نحن نُريد الثدييات التي تختص بموضوعنا، فهى عندها النظر الثنائي، ومحجر العين محمي جيداً، فالمحدر أو المُوق – يُسمى بالفُصحى المُوق – محفور في الجمجمة هكذا ومحمي جيداً لكي يكون حماية أووقاية للعين نفسها، والأصابع في اليدين وفي القدمين مُتحرِّكة – هذا مُهِم جداً – وليست ثابتة أو جامدة وإنما تتحرك، ويختلف طبعاً نوع عن نوع في مرونة هذه الحركة وفي وضعية الأصابع، فإذا لاحظت – مثلاً – الشِمْبانزِي Chimpanzee ستجد أن أصابعه في قدميه كأصابعه تقريباً في يديه، فهو يُوجَد لديه نفس الشيئ هنا وهناك، لكن لماذا هذا؟ لأنه يستخدم الأربعة في التسلق، فهو يتسلق برجليه ويتسلق بيديه، ولذلك إبهام قدم الشِمْبانزِي Chimpanzee لا يقع مع سائر الأصابع على خط مُستقيم كما عند الإنسان، فعند الإنسان يقع إبهام الرجل على خط مُستقيم مع سائر الأصابع، ولذلك حركته محدودة جداً جداً جداً وغير مرنة، فإبهامنا لا نستطيع أن نقبض به على الأشياء كما يقبض الشِمْبانزِي Chimpanzee، فأين إبهام القدم لدينا من إبهام اليد؟ إبهام اليد عندنا لايقع على خط مُستقيم مع الأصابع، وتخيَّل ماذا كان سيحدث لو كان الإبهام مثل الخنصر أو البنصر أو الوسطى أو السبابة يقع على خط مُستقيم، أف، لما استطعنا أن نكتب ولا أن نصنع الأدوات ولا أن نقبض على تفاحة – مثلاً – لنقضمها، وإلا كيف تقبض عليها؟ هذا صعب جداً، لكن إبهام الشِمْبانزِي Chimpanzee لأنه بعيد وقصير وغير سميك كإبهام الإنسان لا يُمكِّنه من أن يلتقي بسائر الأصابع، وهذا الالتقاء – التقاء إبهام اليد بسائر الأصابع عند الإنسان – من أخص مزايا اليد الإنسانية، أي من أخص مزايا الإنسان كإنسان، فيُقال هذه الحركة – التقاء إبهام اليد بسائر الأصابع عند الإنسان – هى التي صنعت الحضارة، وطبعاً هذه الكلمات رومانسية قليلاً وهى كلمات كبيرة مُفخَّمة، فمرة يقولون لك أن الطبخ صنع الحضارة ومرة يقولون هذا الإبهام هو الذي فعل هذا، وسوف نرى في التطور كيف صنع الطبيخ فعلاً الحضارة وكيف نمّى أدمغتنا طبعاً، وهو وفر لك الطاقة، فأنت لا تأكل لمدة ثلاث ساعات -مثلاً – ثم تأخذ في نهاية المطاف مائتين سُعراً حرارياً أو خمسمائة، لكنك تأكل الآن في ربع ساعة شيئاً مطبوخاً – أي ليس نيئاً – فيعطيك نفس الطاقة، أي أنك وفرت وقتك واستخدمته في أشياء أخرى، وعلى كل حال هناك قصص ونماذج للتفسير فظيعة عند العلماء وخاصة من المنظور التطوري، ومن ثم يقولون لك الطبخ صنع الحضارة، ويقول آخرون الإبهام صنع الحضارة، فضلاً عن أن هناك مَن يقول أن الذي صنع الحضارة في الحقيقة لا هذا ولا هذا وإنما الانتصاب، أي أن تقف على رجلتين وتمشي مشياً ثنائياً – Bipedal Walking – على ثنين، فهذا صنع الحضارة ونمّى المخ لدينا طبعاً، وسوف نرى كيف نمّى المشي على رجلتين المخ عندنا وضَخَّمَ الدماغ، فهذه قصة كبيرة لكن لا يُمترى فعلاً في أن هذه الحركة للإبهام لها مُدخلية هائلة في تطور الإنسان وتطور مهارته وتطور دماغه، وإذا وُجِدَ عندنا بعض الوقت سوف نشرح لكم كيف هذا بالتفصيل لأنه شيئ عجيب!
على كل حال الأصابع المُتحرِّكة ميزة كبيرة، والمُتحرِّكة على هذا النحو – أي على نحو التقاء إبهام اليد بسائر الأصابع عند الإنسان – ميزة أكبر، وهى ليست مُتوفِّرة إلا في اليد الإنسانية، وبقدر ما اليد الإنسانية ماهرة وصناع ومرنة – Flexible – بقدر ما الرجل جامدة، فلماذا إذن؟ لأن – كما قلت لكم – الإبهام يقع على خط واحد مع سائر الأصابع، فأصبح إبهام القدم عاجزاَ، لكنه ليس كذلك عند الشِمْبانزِي Chimpanzee، فهو يقع على خط واحد، ويكون في اليد كما في الرجل تقريباً.

الوسطى هو أكثر أصابعناً ارتباطاً بالأخريات وبالتالي هو أضعفها مرونة، فمن الصعب جداً أن تحرك الوسطى لأنه مُرتبِط بقوة، والذي درس التشريح يعرف هذا، لكن الأخريات ارتباطها أضعف وبالتالي حركتها أكثر مرونة، في حين أن هذا الوسطى أقل مرونة، لماذا؟ لأنه أكثر ارتباطاً وتوشجاً.

نرجع للرئيسات الآن، فكل أصابع الرئيسات لا تنتهي بمخالب مُدبَّبة بل تنتهي بأظافر مُسطَّحة، فهذا الظفر ليس مخلباً كمخلب العقاب والنسر، وأنتم تعرفون كيف تكون المخالب، لكن هذا أظفر، وكل الرئيسات عندها أظافر، فحتى الليماير Lemurs والتارسس Tarsus لديها هذا، كل الرئيسات وليس الثدييات – أي كل رُتبة الرئيسات Primates – تنتهي أصابعها ليس بمخالب مُدبَّبة وإنما بأظافر مُسطَّحة، وهذه ميزة كل ما ذكرنا من الرئيسات.

انظر بعد ذلك إلى الأنامل، فهذه الأنامل هى أطراف الأصابع – البنان باللغة القرآنية هو طرف الأصبع – طبعاً، قال الله بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ۩، فالله يقول هناك سر كبير فيها ولذا هى مُهِمة جداً، ومن ميزات الرئيسات أن كل أصابعها تنتهي بالبنان المُبطَّن ببطانة حساسة، فهناك حساسية طبعاً، لأن هذا يشعر ويحس، أي أنه هذا غير فاقد للإحساس، وهذه ميزة للرئيسات فقط وليست لغير الرئيسات.

يأتي الأنف بعد ذلك، والأنف عموماً في الرئيسات يكون قصيراً، لكن حاسة الشم ضعيفة طبعاً، والأنف القصير هو أنف غير مُتطوِّر جداً، لأن كبر الأنف وعظمه يُعطي إشارة إلى أنه مُتخصِص ومُهِم مثل النياندرتال Neanderthal، فالنياندرتال Neanderthal بحسب الأحافير يدل على هذا، علماً بأن الأمر طبعاً لا يقتصر على حفريات وادي النياندر – Neander Valley – بألمانيا وحدها، بل يُوجَد في الغرب الأوروبي وحتى في الشرق زُهاء ثلاثمائة عينة وبعضها شبه مُكتمِل، لكن أكثر حفرية وُجِدَ لها عينات هى النياندرتال Neanderthal، فيُوجَد زُهاء ثلاثمائة على الأقل، ولك أن تتخيَّل هذا، وهى مبثوثة في مناطق مُختلِفة، لذلك عندنا معلومات شبه وافية – ليست وافية ولكن شبه وافية – عن النياندرتال Neanderthal وعن أشياء كثيرة تتعلَّق به، فنحن لدينا هذه المعلومات إذن.

النياندرتال Neanderthal كان له أنف ضخم وكبير جداً، وهذا يدل على أنه كان ذا حاسة شم قوية، ما يُؤشِّر على أنه كان صياداً، فهو كان يعيش في العراء والكهوف طبعاً – أي أنه يعيش في خطر – لأنه لم يبن البيوت ولم يسد الأبواب، فمازال يعيش أشبه بالحيوان في الأحراش وما إلى ذلك، وكان يأوي إلى الكهوف في الليل ويُطارِد فرائسه، فإذن يحتاج إلى حاسة شم قوية، وفعلاً كان عند النياندرتال Neanderthal هذا الأنف الضخم، لكن نحن عندنا أنف أصغر، فهو يتصاغر دائماً ما يدل على أننا تغلبنا عليه بشيئ آخر سوف نراه، فسوف كيف قضى الهومو ساپيانس Homo sapiens على إنسان النياندرتال Neanderthal بعد ذلك.

بالنسبة للرئيسات يُوجَد عموماً دماغ كبير بالنسبةً إلى حجم الجسم، وطبعاً يُوجَد معيار رياضي وضعه العالم والطبيب والحفرياتي الهاوي يوجين ديبوا Eugène Dubois، وهو مُكتشِف إنسان إنسان جاوة Jawa – جافا مان Java Man – طبعاً كما سيأتيكم في حلقة مُقبِلة إن شاء الله، وقد وضع معياراً مُعيناً يُمكِن أن ترجعوا للكتب المُتخصِصة لمعرفته لكن ثبت أنه غير صحيح، وهذا المعيار رياضي يُحدِّد لك حجم الدماغ بالقياس إلى الجسم أو إلى حجم البنية الجسمية، لكن للأسف اتضح فيما بعد أنه غير صحيح، فهو يشتغل على بعض الحيوانات، لكنه لا يشتغل على حيوانات أخرى كثيرة، وعموماً من غير دخول في تفاصيل يُعتبَر حجم الدماغ في الرئيسات إلى الجسم كبيراً، خلافاً لما في الحيوانات الأخرى من غير الرئيسات، فمن المُمكِن أن يكون الجسم كبيراً وأن يكون الدماغ صغيراً، أي أنه غير مُتناسِب مع حجم الحيوان، لأنه ليست من الرئيسات، وهذا طبعاً – نختم به – بحد ذاته إشارة إلى أن الرئيسات هى الأكثر تطوراً في المملكة الحيوانية، فعندما تقول لي ما هى أكثر الحيوانات تطوراً؟ سوف أقول لك بلا تردد هى الرئيسات، ورأس الرئيسات طبعاً نحن، أي الإنسان.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، إلى أن ألقاكم في حلقة مُقبِلة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

(تمت المُحاضَرة بحمد الله)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليقات 3

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: