طليعة التبيان (طليعة مُفصَّل البيان في حال ابن أبي سفيان)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نظير له ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفوته من خلقه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، واهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مِن تشاءُ إلى صراطٍ مُستقيم.

إخواني حتى لا نُطيل بتقديم مُقدِّمات قد يكون موضوعنا – إن شاء الله – في أعطاف أو تضاعيف أو أعقاب هذه الحلقات التي نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يفتح علينا فيها بما يعلم أنه الحق والصواب وأن يُجنِّبنا الخطأ والزلل والغرض والهوى إنه ولي ذلك والقادر عليه، نصل في هذه الحلقة – إن شاء الله تعالى – ما انقطع من الكلام في العلماء والأئمة الذين سبقوا إلى الكلام في مُعاويةَ بن أبي سُفيان، وأول ما نبدأ به في حلقتنا في يومنا هذا أيها الإخوة أن أتلو عليكم شيئاً مما شهد به حفيد مُعاوية، حفيده – ابن ابنه – الرجل الصالح – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – مُعاوية بن يزيد، ابن السكّير الخمّير الفاسق المُجاهِر الفاجر، فسُبحان مَن يُخرِج الحي من الميت، فرضيَ الله عن مُعاوية الثاني ابن يزيد، وسأتلو عليكم شهادته في جده وفي أبيه وكيف أنصف منهما من كتابٍ لا يُتهَم وهو كتاب الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي – رحمه الله تعالى – المُتوفى سنة أربع وسبعين وتسعمائة للهجرة المعروف بالصواعق المُحرِقة في الرد على أهل البدع والزندقة، وهذا الكتاب حمل نفراً غير قليل من العلماء على أن يتهموه بالنصب ومُعاداة أهل البيت، لأنه شديد الهوى في بني أُمية، يعتذر عن مُعظَم بوائقهم، وخاصة فيما يتعلَّق بمُعاوية، وأتبعه طبعاً الناشر بكتابٍ آخر – وهو في الحقيقة كُتيب – اسمه تطهير الجنان واللسان، وقفه ابن حجر الهيتمي على قضية الدفاع والذب عن مُعاوية وتبرير فواقره وبوائقه وعظائمه، لم يُبق له شيئاً إلا حاول أن يُبرِّره لكن بحُجج طالب العلم فضلاً عن العالم يعرف مقامها ومكانها، من أجل ذلك قال بعض العلماء وهو أبو الفيض الغُماري حين عرفت أن هذا الكتاب له سقط من عيني بالمرة ولم أعد أُقيم له وزناً، أي لابن حجر الهيتمي، لأن عالماً كبيراً لا يكتب مثل هذا الكلام، الكلام مُتهافِت جداً، إذن هو غير مُتهَم على بني أُمية، هواه أُموي ابن حجر الهيتمي، يقول في الصواعق المُحرِقة في الصحيفة الرابعة والعشرين من بعد المائتين – أي في مائتين وأربع وعشرين، علماً بأن هذه الطبعة التي يدي في يدي هي الطبعة التي حقَّقها العالم الأزهري الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف رحمة الله تعالى عليه، وهذا الكتاب مطبوع في القاهرة، الطبعة الثانية، سنة ألف وتسعمائة وخمس ستين – ومات عن إحدى وعشرين سنة وقيل عشرين – عن مُعاوية الثاني -، ومن صلاحه الظاهر أنّه لمّا وُليَ – أي الخلافة بعد أبيه يزيد عليه من الله ما يستحق، أعني يزيد – صعد المنبر فقال: إن هذه الخلافة حبل الله وأن جدّي مُعاوية نازع الأمر أهله – قال إن هذه الخلافة حبل الله وأن جدّي مُعاوية نازع الأمر أهله، لم يقل اجتهد وأخطأ وأراد أن يُطالِب بدم عثمان، تكلَّم بالبينة وتكلَّم بالحق الصراح عن رجل له طمع أو طماعية في المُلك حملته على أن يُنازِع الأمر أهله وهو الإمام أبو الحسن عليه السلام – ومَن هو أحقّ به منه عليّ – أو عليَّ بالفتح – بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون – أي أوردكم الموارد، مما في ذلك الحروب التي كادت تستأصلهم – حتى أتته منيته فصار في قبره رهيناً بذنوبه – لم يذكر شيئاً عن حسناته، لأن الرجل احتقب من الذنب ما لا يعلمه إلا الله، أعني مُعاوية، وهذه شهادة حفيده، أي ابن ابنه -، ثم قلّد أبي الأمر – قُلِّد وربما قلَّد، أي جده، فإن جده هو الذي قلَّد يزيد الأمر، الأُمة لم تُقلِّده، فلماذا نبنيها لغير الفاعل؟ فهو قال ثم قلَّد أبي الأمر أو ربما قُلِّد أبي الأمر – وكان غير أهلٍ له – اليوم الحمد لله مِمَن يدّعون العلم ويترسمون برسوم العلماء يدّعون أن يزيد أهل وخليفة مُمتاز وكان فتى قُريش وكان وكان وأن بيعته شرعية، “وَلَيسَ يَصِحّ في الأذهان شيءٌ, إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ” – ونازع ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقصف عمره – هكذا يصف أباه، الله قصف عمره، مات يزيد وهو في نحو الثالثة والثلاثين إلى غير رحمة الله، لعنه الله -، وانبتر عقبه، وصار في قبره – كما قال في جده – رهيناً بذنوبه – ولكم أن تتخيَّلوا هذا، نعت الاثنين بنفس النعت، قال جدي مُعاوية صار رهيناً بذنوبه، وأبي صار رهيناً بذنوبه – ، ثم بكى – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، سُبحان الله رجل صالح، شيئ عجيب من الله – وقال: إن مِن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم – قال الذي يُبكيني أنني أعرف أن أبي ذهب إلى غير رحمة الله، كيف يذهب إلى رحمة الله وقد قتل أهل بيت رسول الله وفعل بهم ما فعل؟ -، وأباح الخمر وخرّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة – يقول لم أذق حلاوة الخلافة – فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم أمركم، والله لئن كانت الدُّنيا خيراً فقد نلنا منها حظّاً – أي بني عبد شمس -، ولئن كانت شرّاً فكفى ذرّية أبي سُفيان ما أصابوا منها، ثمّ تغيّب في منزله حتّى مات بعد أربعين يوماً على ما مر فرحمه الله أنصف من أبيه – كان ينبغي على ابن حجر أن يقول ومن جده، لكنه لا يقول في مُعاوية شيئاً، مُعاوية عند ابن حجر من الكملة، يصفه بإنه من الكملة، شيئ غريب، شيئ لا يكاد يُصدَّق، هو عنده من الكملة – وعرف الأمر لأهله. فرحمة الله على مُعاوية بن يزيد ومغفرته ورضوانه على إنصافه وعلى تقواه وورعه، وقد استأثر الله به سريعاً، لقيَ الله ولم يتسخ ولم يتقذَّر بشيئ من متاع هذا الأمر العظيم!

نأتي الآن إلى ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال الذي بنى عليه ابن حجر كتابه الكبير لسان الميزان، إذن ميزان الاعتدال أيها الإخوة، المُجلَّد الثاني، طبعة دار الفكر ببيروت وليس بدمشق، تحقيق الأستاذ عليّ محمد البيجاوي المصري، هي في الأصل طبعاً مصرية، وهنا لم يُذكَر تاريخ هذه الطبعة لكن معي الآن طبعة دار الفكر البيروتية، المُجلَّد الثاني، في ترجمة الإمام شريك بن عبد الله النخعي، أبو عبد الله الكوفي القاضي الحافظ الصادق، أحد الأئمة، في صحيفة مائتين وثلاث وسبعين وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدَّثنا عليّ بن حكيم، حدَّثنا عليّ بن قادم، قال: جاء عتاب وآخر إلى شريك، فقال له الناس: يقولون: إنك شاك – أي تشك، في ماذا؟ في الخلاف بين عليّ وبين أهل الشام وخاصة مُعاوية، قالوا أنك تشك، أي لا تعرف مع مَن كان الحق، كأنك مُتوقِّف، فهناك مَن توقَّف وقال لا أدري الحق مع عليّ أو مع مُعاوية، فهم قالوا أنك تشك -! قال: يا أحمق كيف أكون شاكاً – شريك يقول هذا -! لوددت إني كنت مع عليّ فخضبت يدى بسيفي من دمائهم.

قال له كيف أشك؟ يا ليتني كنت مع عليّ وأصبت من دمائهم، هذه دماء أباحها الله، قال الله فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ۩، عليّ كان – كما قلت في الخُطبة أمس – مُصيباً في كل حروبه، وسيأتيكم نبأ هذا بالتفصيل!

ثم في الصحيفة الرابعة والسبعين بعد المائتين قال الإمام الذهبي ورُويَ أن قوماً ذكروا مُعاوية عند شريك، فقيل: كان حليماً. فقال شريك: ليس بحليم مَن سفه الحق وقاتل عليّاً. وأنا أقول لكم هذا من أفرى الكذب، أن يُقال مُعاوية كان حليماً، كيف يكون حليماً مَن نازع الأمر أهله؟ كيف يكون حليماً مَن قتل أصحاب رسول الله؟ كيف يكون حليماً مَن أرسل على الناس والعياذ بالله بُسر بن أبي أرطأة ففعل الأفاعيل؟ كيف يكون حليماً مَن جعل الأمر من بعده لابنه يزيد وقال له وإن لك من أهل المدينة يوماً فإن هم خرجوا عليك أو يتنازعوك فارمهم بمُسلِم بن عُقبة المُري؟ ومُسرِف بن عُقبة فعل الأفاعيل بأهل مدينة رسول الله، فكيف يكون حليماً؟ أين الحلم؟ كيف يكون حليماً مَن قتل حُجر بن عدي وسبعة من أصحابه صبراً وأمر بآخرين أن يُقتَلوا شر قتلة على أنهم استسمحوه فلم يسمح ولم يغفر وقتلهم؟ لذلك قالت له أم المُؤمِنين عائشة رضوان الله عليها أين ذهب عنك حلم أبي سُفيان يا مُعاوية حين قتلت حُجراً؟ قال لم يحضرني من قومي رشيد، أين حلمه؟ هذه أكذوبة، هل تعرفون مَن الحليم بعد رسول الله مِن هؤلاء المُتنازِعين؟ الإمام عليّ، الإمام عليّ كان مشهوراً بالحلم يا إخواني، هذا كأنه غاب، عليّ فقط فارس وبطل وذو الفقار وما إلى ذلك، عليّ هو الذي كان يقول وأعوذ بالله أن يكون ذنبٌ أعظم من حلمي، لا يُوجَد ذنب يتعاظمني أن أغفره، هذا الإمام عليّ، وقد سُب كثيراً في مسجد الكوفة وفي قصر الرحبة مِمَن هم في ولايته وتحت إمرته، وكان قادراً على أن يسطو بهم وأن يفعل بهم ما يشاء، لكن لم يكن ليفعل أبداً، لم يكن حتى ليسب بعض هؤلاء، سبه أحدهم مرة سباً ذريعاً فصعد المنبر، حمد الله وصلى على رسول الله وآله وتكلَّم، قال وإن شئت تكلَّمت، فقال العفو يا أمير المُؤمِنين، اعفوا واصفحوا، قال قد عفوت وصفحت، فسُئل بعد ذلك أحد تلامذته ماذا أراد أن يقول أمير المُؤمِنين عليّ عليه السلام؟ قال أن ينسبه، يعلم نسبه، يعلم ابن مَن هو، الله أعلم، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، حتى هذا لم يفه به، قال تسبني وتسب آل محمد! تسب رئيس ومُقدَّم وزعيم آل محمد الإمام عليّ عليه السلام، أفضل عباد الله في وقته على الإطلاق، كيف تسبه؟ هذا الحليم، ليس مَن يقتل أصحاب محمد ثم نُدرَّس كذباً وزوراً أنه كان حليماً، يقولون مُعاوية حليم، الإمام شريك بن عبد الله النخعي لم يقبل هذه الأكذوبة، ولذلك ذكروا مُعاوية عند شريك فقيل كان حليماً فقال شريك ليس بحليم مَن سفه الحق وقاتل عليّاً، رحم الله شريكاً، هذا الحق، هؤلاء أُناس لا يُستغفَلون، كلام نرضعه مع لبن الأُمهات ثم نأخذ في ترديده دون وعي، يقولون حليم ومشهور بالحلم، لا أدري من أين أتى بهذا الحلم وقد فعل ما فعل، ليس حليماً، فهذا شريك!

نأتي الآن إلى عليّ بن الجعد، تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني، المُجلَّد السابع، أيضاً طبعة دار الفكر البيروتية، الطبعة الأولى، سنة ألف وتسعمائة وأربع وثمانين، المُجلَّد السابع، صحيفة مائتين وست وخمسين، ترجمة عليّ بن الجعد، هذا أخرج له البخاري وأبو داود، عليّ بن الجعد بن عُبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي… مُتوفى سنة ثلاثين ومائتين رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، طبعاً طعن فيه هنا في آخر الصحيفة، وقال الجوزجاني مُتشبِّث بغير بدعة، زائغ عن الحق، وهذا طبعاً لأن الجوزجاني ناصبيٌ غالٍ شديد فانتبهوا، الجوزجاني أحد رجال الجرح والتعديل لدينا نحن أهل السُنة وله كتاب مشهور في هذا، كان ناصبياً، يتديَّن ببغض أهل البيت ومُعاداة مَن يُحِبهم ويُواليهم، ولذلك لا يُمكِن أن يمر من تحت يديه رجل يُحِب أهل البيت، مُباشَرةً يُجرِّحه، فعلى الجوزجاني من الله ما يستحق، في الصحيفة مائتين وسبع وخمسين وقال أحمد بن إبراهيم الدورقي قلت لعليّ بن الجعد – من رجل البخاري كما قلنا، عليّ بن الجعد أخرج له البخاري وأبو داود، إذن جاوز القنطرة ويذهب كلام الجوزجاني حيث شاء وحيث ألقت – بلغني أنك قلت ابن عمر ذاك الصبي قال لم أقل ولكن مُعاوية ما أكره أن يُعذِّبه الله – أن ما قلت ابن عمر ذاك الصبي لكن مُعاوية ما أكره أن يُعذِّبه الله، صرَّح بها عليّ بن الجعد – وقال الآجري عن أبي داود – الإمام الآجري صاحب السؤالات عن أبي داود – عمرو بن مرزوق أعلى من عليّ بن الجعد ويُتهم بمُتهَم – أي بتُهمة – سوء قال ما يسوءني أن يعذب الله مُعاوية.

ثابت عنه هذا وهذا واضح، إذن هذا عليّ بن الجعد، وهو من رجال البخاري، اليوم بالعلم الجديد وبالعلم الواسع فقط حين تنتقد مُعاوية ولا تقول فيه حتى مثل هذا الكلام يُهَدم كل شيئ عليك، علم جديد – ما شاء الله – هذا، علم جرح وتعديل في القرن الحادي والعشرين!

كتاب روض المناظر في علم الأوائل والأواخر للإمام ابن الشِّحْنَة المُتوفى سنة ثمانمائة وخمس عشرة للهجرة، من المُؤكَّد أنه طبعة دار الكتب العلمية في بيروت، الطبعة الأولى، سنة ألف وتسعمائة وسبع وتسعين، في الصحيفة مائة وتسع عشرة قال السُلطان عماد الدين رحمه الله رُويَ عن الشافعي رحمه الله أنه أسر إلى الربيع – الربيع بن سليمان المُرادي، هذا من خواص الإمام الشافعي – أن أربعةً من الصحابة لا تُقبَل لهم شهادة – لكنه قال له هذا بيني وبينك، هذا لا يُقال في المجمع، لا يُقال في الملاء ولكن يُقال في الخلاء لمَن نثق بهم -، مُعاوية وعمرو بن العاص والمُغيرة بن شُعبة وزياد ابن أبيه!

هذا الربيع الذي قال له مرة أحدهم يا إمام يُقال أنك تتشيع، أنت من مُحِبي أهل البيت وتكتم هذا، ما القصة؟ هل تتشيع أنت؟ قال فأجابني شعراً:

وَمَا زَالَ كِتْمَانِيكِ حَتَّى كَأَنَّنِي                بِردِ جَوابِ السَّائِلِي عَنْكَ أَعْجَمُ.

لأسِلْم مِنْ قَوْلِ الْوُشَاةِ وَتَسْلَمِي           سَلِمْتَ وَهَلْ حَيٌّ مِن النَّاسِ يَسْلَمُ؟

رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، قال طبعاً، كيف لا؟ قال أنا أُحِب أهل البيت وأكتم حُبهم في قلبي، يستشهد بمَن؟ بنصيب، هذا شعر نصيب، هذا ليس للشافعي، وهو من طبقة عالية جداً، يقول وَمَا زَالَ كِتْمَانِيكِ، مع أنه يُروى مع التحقيق وَمَا زَالَ كِتْمَانِيكَ، لكننا سنقول وَمَا زَالَ كِتْمَانِيكِ ليكون مُتسِقاً، يقول:

وَمَا زَالَ كِتْمَانِيكِ حَتَّى كَأَنَّنِي                                 بِردِ – في رواية أُخرى برَجْعِ – جَوابِ – وفي رواية أُخرى سُؤَالِ – السَّائِلِي عَنْكَ أَعْجَمُ.

لأسِلْم مِنْ قَوْلِ الْوُشَاةِ – أي العُزّال كما نقول أو العُزل – وَتَسْلَمِي               سَلِمْتَ وَهَلْ حَيٌّ مِن النَّاسِ – في رواية أُخرى عَلَى النَّاسِ – يَسْلَمُ؟

قال هذا مذهبي، قال:

لو شُقّ عن قلبي لبدا وسطُه                         سطران قد خُطّا بلا كاتبِ.

قال لو شقوا عن قلبي – يقول الشافعي، أبو عبد الله رضوان الله تعالى عليه – لبدا – لظهر – في وسط قلبي سطران قد خُطّا بلا – بغير – كاتبِ.

الشرع والتوحيد في جانب                     وحبُّ أهلُ البيت – آل محمد – في جانبِ.

إن كنتُ فيما قلته كاذباً                                           فلعنة الله على الكاذبِ.

الله أكبر، رضيَ الله عن الشافعي وأرضاه، لذلك غير بعيد أن يقول مثل هذا، هؤلاء أهل بيت محمد أيها الإخوة، التنشئة لها أثر، مما يُبكي – وأعتقد هذا للإمام عز الدين بن هبة الدين بن أبي الحديد رحمه الله شارح النهج، هذا كلام يُبكي – قالعن الإمام عليّ – عليه السلام – وأهل بيته لولا فعلاً ما ورد واستفاض وكثر كثرة غير عادية وغير مُعتادة وتواتر من فضائهلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناقبهم لاستحال أن يبقى منها شيئ، الذي يقرأ التاريخ وماذا فعل بنو أُمية لكي يطمسوا ذكرى عليّ وفضل عليّ وابتدعوا أشياء ووضعوا أشياء وألَّفوا أحاديث وحكايات، أشياء غريبة جداً، وقتَّلوا وطاردوا ونكَّلوا وعذَّبوا وأسكتوا كل لسان ينطق بفضل عليّ أو بشيئٍ من فضله وفضل أهل بيته، ورغم ذلك بفضل الله – تبارك وتعالى – الأحاديث الصحيحة والحسنة الجيدة التي بلغتنا عن مناقبه وفضائله وفواضله وممادحه بالمئين، ليست فقط بالعشرات، حتى صنَّف فيها الإمام أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السُنن الكتاب الشهير ومُختصَره خصائص أمير المُؤمِنين عليه السلام، مُجلَّد كبير فقط في خصائص عليّ، لذلك كما قال الأئمة – إسحاق وغيره – لم يُؤثَر ولم يُعرَف لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما أُثِر للإمام عليّ، أكثر رجل – رقم واحد – الأحاديث الصحيحة تتحدَّث عن فضله، وهذا بعد ماذا؟ بعد كل تلكم الحروب والتنكيل والمُطارَدة، فلولا أن الله – تبارك وتعالى – أراد فعلاً أن يحفظ مقامهم – وبالذات الإمام عليّ – ومزيتهم ومثابتهم وأن يدل الناس عليهم لانمحى هذا من أساسه أصلاً، فسُبحان مَن أبقى، سُبحان مَن أبقاه على القرون، هذا الذي وصلنا، فكيف بالذي غاب وغُيِّب أيها الإخوة؟ مُستحيل، هذا شأن الله تبارك وتعالى.

سُب على المنابر أيها الإخوة عقوداً فلم ينس الناس ذكره، وما زاده ذلك – بفضل الله – إلا رفعةً في قلوب المُؤمِنين الصالحين الصادقين – اللهم اجعلنا منهم – هو وأهل بيته، آل محمد هؤلاء يا أخي، لا يُمكِن أن يعيش ذكر أبي سُفيان – رئيس الأحزاب وكهف النفاق – ويُطمَس ذكر آل محمد، هذا عجيب يا أخي، معاذ الله وحاشا لله أن يسمح بهذاولم يسمح به، لم يسمح به تبارك وتعالى!

نأتي الآن إلى الإمام الأعمش والإمام ابن المُبارَك والإمام مسروق، ماذا قالوا؟ هذا كتاب أنساب الأشراف للإمام البلاذري المُتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين للهجرة، هذه طبعة دار الفكر أيضاً البيروتية، تحقيق الدكتور المُؤرِّخ السوري سُهيل ذكّار، الطبعة الأولى، سنة ألف وتسعمائة وست وتسعين، المُجلَّد الخامس، صفحة مائة وسبع وثلاثين: وحدَّثني عبد الله بن صالح العجلي عن عُبيد الله بن موسى – شيخ البخاري العبسي الكوفي، تحدَّثنا عنه في الحلقة السابقة وهو من رجال البخاري بل من الرجال الستة – قال ذُكِرَ مُعاويةُ عند الأعمش – سُليمان بن مهران الإمام الجليل الثقة الحُجة – فقالوا كان حليماً – مثل شريك – فقال الأعمش كيف يكون حليماً وقد قاتل عليّاً – مُعاوية ابن هند آكلة الأكباد وابن أبي سُفيان رأس النفاق وكهف المُنافِقين ومُحزِّب الأحزاب يُقاتِل عليّ بن أبي طالب، شيئ لا يُصدَّق – وطلب زعم – يقول وطلب زعم، يعرف أن هذه أُخدوعة، هذه مزعمة وأخدوعة لا تنطلي ولا تروج إلا على مَن أراد أن تنطلي عليه – بدم عثمان مَن لم يقتله؟ وما هو ودم عثمان – عثمان ترك خمسة من الذكور، هم أولياء الدم يا أخي، ليس مُعاوية، كان على أبنائه أن يتقدَّموا إلى الإمام عليّ ويُطالِبوا بدم أبيهم، على أن الصحيح أن مَن تولى وباشر قتل عثمان رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه اثنان، وقد قُتِلا في صحن الدار، قتلهم عبيد عثمان وانتهى كل شيئ، قال تعالى وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ۩، وأي إسراف أعظم من أن تُطالِب بتسليم المئين أو الآلاف لتقتاد منهم؟ ولم يقتلوا، هم ألَّبوا وظاهروا، ومَن مِن الصحابة الكبار لم يُؤلِّب مِمَن لهم ذكرٌ في هذه الواقعة؟ طلحة ألَّب، أليس كذلك؟ عائشة ألَّبت كثيراً، قالت أنا تمنيت كل شيئ في عثمان إلا أن يُقتَل، لكن ألَّبت عليه، طلحة ألَّب كثيراً، طلحة كان يرى أنه أتى ذنباً في حق عثمان لا يُكفِّره إلا أن يُسفَك دمه في سبيل الثأر لعثمان، لأنه ألَّب عليه كثيراً، وهؤلاء من مصر والبَصرة والكوفة بالألوف كما قيل وقد ألَّبوا، ألَّبوا وظاهروا على عثمان، أما الذين باشروا قتله فبعض العلماء المُحقِّقين يرى أن الصحيح الرجيح أنهما اثنان وقد قُتِلا في صحن الدار، قتلهم عبيد عثمان وانتهى الأمر، لماذا نقتل الآخرين؟ أُناس ألَّبت ولم تقتل، لم تُباشِر القتل بيدها، انتهى كل شيئ، لذلك يقول الأعش زعم، يقول يدّعي مُعاوية أنه يُطالِب بدم عثمان، وما هو ودم عثمان، قال ما علاقته بالقضية؟ أبناء عثمان خمسة ذكور موجودون، عمرو وسعيد والوليد وأبان وغيرهم، يُقال هناك وليد آخر لعثمان أيضاً، الله أعلم، خمسة موجودون -، وغيره كان أولى بعثمان منه.

يُشير إلى مَن؟ إلى أبناء عثمان رضيَ الله تعالى عنه!
وحدَّثَني الْحُسين بن عليّ بن الأَسودِ عن يحيى عن عبد الله بن المُبارَك – هذا مُهِم، هذا نُصدِّقه، لا القصة التي لا معنى لها، حكاية بلا معنى عن ابن المُبارَك وقد سُئل عن مُعاوية وأيهما أفضل: عمر بن عبد العزيز أو مُعاوية بن أبي سُفيان؟ فقال للغبار الذي دخل في أنف فرس مُعاوية وهو يُقاتِل مع رسول الله خيرٌ من ابن عبد العزيز كذا وكذا مرة، كلام فارغ كما قلنا وقد زيَّفناه، هذا كلام زائف، ولا يُفضَّل غبار أحد على ابن آدم الذي خلقه الله وكرَّمه، فكيف على عمر بن عبد العزيز؟ هذا الكلام لا يقوله عاقل، وبعيدٌ جداً نقطع أن يقوله مثل الإمام الجليل وشيخ المُحدِّثين وشيخ الإسلام عبد الله بن المُبارَك، لكن اسمعوا ماذا قال ابن المُبارَك هنا بالسند البلاذري – قال: هاهنا قوم يسألون عن فضائل مُعاوية، وبحسب مُعاوية أن يُترك كفافاً.

كما قال النسائي أما يرضى مُعاوية رأساً برأس حتى يُفضَّل؟ أي يحمد الله ويحمد الله المُعاويون – الذين هواهم أُموي أو مُعاوي – أننا نسكت عن مُعاوية، مُجرَّد السكوت عليه غنيمة لكم وله، ابن المُبارَك قال فضائل! قال وبحسب مُعاوية أن يُترك كفافاً، أي لا نتكلَّم عليه ولا نذمه، لكن كيف نتحدَّث عن فضائله؟ أي فضائل؟ فمثل هذا الرجل – رضوان الله عليه – لا يُمكِن أن يقول إن الغبار الذي كذا وكذا، الكلام الفارغ الذي لا معنى له!

ثم روى بعد ذلك أيها الإخوة: وحدثنا يوسف وإسحاق قالا حدَّثنا جرير – ابن عبد الحميد، الإمام الثقة الكبير – عن الأعمش عن أبي وائل قال: كنت مع مسروق بالسلسلة – مكان – فمرت به سفائن – سُفن – فيها أصنام من صفر – نُحاس – تماثيل الرجال – تماثيل للبوذيين والهندوس وما إلى ذلك -، فسألهم عنها فقالوا: بعث بها مُعاوية إلى أرض السند والهند تُباع له، فقال مسروق – مَن هو مسروق؟ التابعي الجليل أبو عائشة مسروق بن الأجدع الهمداني -: لو أعلم أنهم يقتلونني لغرّقتها – لو هذا جزائي لغرّقتها لكنهم لا يكتفون بهذا لأنهم جبابرة ظلمة -، ولكني أخاف أن يُعذِّبوني ثم يفتنوني – وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ ۩، قال لا أصبر -، واللَّه ما أدري أي الرجلين مُعاوية – قال ما هذا الإنسان؟ ما هذا البشر؟ -، أرجل قد يئس من الآخرة – هل هو كافر بالآخرة ولا يُؤمِن بها؟ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ۩، قال أرجل قد يئس من الآخرة، لم يقل رجل كافر لكن واضح المعنى – فهو يتمتع من الدنيا أم رجل زُيَّن له سوء عمله.

قال هو واحد من اثنين وليس من أكثر هذا، هذا البلاذري في أنساب الأشراف، وهذا مسروق رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه!

الإمام الذهبي – الحافظ الذهبي – عنده تاريخ الإسلام، أوسع تاريخ أُلِّف هذا، هذا يُؤرِّخ فيه إلى وقته، إلى حوالي سبعمائة وأربعين، مُتوفى سنة ثماني وأربعين وسبعمائة الإمام الذهبي رحمة الله تعالى عليه، وهذا كتاب يقع في اثنين وخمسين مُجلَّداً، ألَّفه في البداية تقريباً، أول نُسخة فرغ منها سنة ثلاث عشرة وسبعمائة رحمة الله عليه، أي قبل وفاته بأكثر من ثلاثين سنة، كتاب عجيب على كل حال، في هذا المُجلَّد الذي يُؤرِّخ إلى أحداث سنة ستين هجرية – من غير ترقيم لكن هذا بالسنوات -، طبعة دار الكتاب العربي طبعاً، بيروت، الطبعة التي حققها الدكتور تدمري، أي عبد السلام تدمري، الطبعة الثانية، سنة ألف وتسعمائة وثلاث وتسعين، المُجلَّد الذي يُؤرِّخ من واحد وأربعين – من إحدى وأربعين – إلى ستين هجرية، يقول في صحيفة ثلاثمائة وأربع عشرة – هذا الحديث سيمر معنا لكننا سنتلوه وإن كان ليس هو موضع الشاهد – محمد بن مصفى: حدَّثنا بقية عن بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان، قال – إذن خالد بن معدان قال -: وفد المقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود ورجل من الأُسد – الأَسد بالفتح، لكن هو كتب الأُسد بالضم وهذا غير صحيح، الصحيح هو الأَسد، قبيلة الأَسد – له صُحبة إلى مُعاوية. فقال مُعاوية للمقدام: تُوفيَ الحسن – في الحقيقة الحسن لم يُتوف فقط وإنما غُدِر به، سُمَّ الحسن، قُتِلَ الحسن، اُغتيَلَ الحسن بالسُم -، فاسترجع – مَن؟ المقدام قال إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، طبعاً حزن على ابن بنت رسول الله، على السيد الجليل وسيد شباب أهل الجنة حزن فاسترجع -. فقال – انظر إلى الذهبي، مَن الذي قال؟ انتبهوا إلى أن هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مُسنَده وأبو داود في سُننه، أبو داود رواه فقال رجل أتراها مُصيبة؟ مَن الرجل؟ هناك مُصطلَح أنا صككته قبل أسابيع فاحفظوه عني، وإن شاء الله سأعقد بحثاً حين يفرغ لي بعض الوقت حول هذا الموضوع، أسميت هذه العملية التفلين، هذا مُصطلَح لم أُسبَق إليه اسمه التفلين، هل تعرفون ما هو التفلين؟ فقال فلان، فطلع فلان، فأتى فلان، مَن فلان؟ يهمنا أن نعرف مَن هذا الفلان، اتركوا هذا التفلين، فجيد وجميل وبديع لو أن باحثاً يبدأ يبحث في التفلينات، أين فُلِّن في موضع ثم أين كُشِف التفلين ويُوضَع هذا في بحث، جيد هذا، عمل علمي مُمتاز، لأن في الأحاديث النبوية يُوجَد تفلين كثير، هناك تفلين كثير، وهناك أحياناً تفلين بصيغة مُختلِفة، هنا الذهبي قال فقال، مَن الذي قال؟ واضح أنه مُعاوية، لكن لم يُرِدها، فأبو داود رواها فقال رجل، الإمام أحمد في المُسنَد صرَّح بها قائلاً فقال مُعاوية، وهذا هو الصحيح، إذن احفظوا هذا، فقال مُعاوية، هنا فاسترجع فقال -: أتراها مُصيبة؟ قال: ولم لا؟ – المقدام يقول ولم لا؟ – وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: هذا مني وحسينٌ من عليّ. فقال للأسدي: ما تقول أنت؟ – مُعاوية قال للأَسدي وأنت ما رأيك؟ مات الحسن! – قال: جمرة أُطفئت – وفي رواية أطفأها الله، فلعنة الله على المُنافِقين في كل زمان، الحسن جمرة! حسبنا الله ونعم الوكيل، الحسن الذي تنازل عن حقه في الخلافة وقد بُويَع بها من بعد أبيه، بُويَع بها وكان هو الخليفة الرسمي الشرعي، وبه تكمل خلافة النبوة ثلاثين عاماً تماماً، النبي يقول الخلافة بعدي ثلاثون ثم تكون مُلكاً عاضاً، كما يعض الكلب على عظمة، هذا التكالب على السُلطة، انظروا إلى التعبير، يقول ثم تكون مُلكاً عاضاً، كما يعض كلب على عظمة، المُلك العاض هذا، فبالسنة الأشهر التي استُخلِف فيها الحسن أبو محمد عليه السلام تكمل المُدة ثلاثين سنة كما قال ابن عبد البر رحمة الله عليه في الاستيعاب، بالستة الأشهر تكمل! فهو تنازل، تنازل عن حقه وهو الخليفة الشرعي يا مُعاوية ويا أَسدي، هذا الرجل المُنافِق قال جمرة أُطفئت، الحسن جمرة! والله ما أشعل النار ولا أججها ولا أرثها إلا مُعاوية ومُنافِقو مُعاوية، والآن يتكلَّمون عن الحسن الذي تنازل عن الخلافة، هو الذي تنازل وكان قادراً أن يُقاتِل، عنده مئات الألوف، يُقال كان في جيشه زُهاء مئتا ألف، بمائتي ألف يستطيع أن يُقاتِل أهل الشام دون أن تكون عنده أي مُشكِلة، لكنه قال لن تنتصر فرقة حتى تُفني مثلها، يُقتَل من هنا أربعون أو خمسون أو سبعون ألفاً ومن الفرقة الثانية سبعون ألفاً، هذه جريمة يا أخي، من أجل ماذا؟ خُذها يا مُعاوية بشروط، على أن يكون لي الأمر من بعدك، ولذلك انظر إلى قدر الله العجيب، سُبحان الله القدر يخدم مُعاوية دائماً، دائماً يخدم مُعاوية القدر، سُبحان الله، مات الحسن مسموماً ومُعاوية لا علاقة له، مات الأشتر النخعي مسموماً ومُعاوية لا علاقة له، مات عبد الرحمن بن خالد في الشام مسموماً لأن أهل الشام أرادوا أن يكون هو بعد مُعاوية ومُعاوية لا علاقة له، يقولون لك أين؟ أين هذا بسند صحيح؟ هل مُعاوية اعترف؟ نحن لا عقل لنا ما شاء الله، التاريخ الإسلامي لدى المُفكِّر المُسلِم ما شاء الله ولدى العلماء المُسلِمين هل تعرفون ما هو؟ كومة صماء عمياء سوداء طخياء من البيانات إن لم تتكلَّم بلسان صريح قاطع لا يقبل التأويل لا نفهم منها شيئاً، أي تاريخ هذا؟ وأي فكر يا أخي؟ ما هذه الأمة؟ أنا أستغرب، أستغرب من أُمتنا وكيف تُفكِّر، ما شاء الله قالوا نُريد سنداً صحيحاً، سند صحيح يعترف فيه مُعاوية ويقول نعم أنا فعلت كذا وكذا ويُقسِم بالله، ثم يتأوَّلونه له في النهاية كما فعل ابن تيمية، ولا يكاد يُصدَّق هذا، وسيأتيكم حين نُحاكِم قضية تسليم مُعاوية لبعض رجالات الإسلام في وقته، هل ابن تيمية تعرفون ماذا قال؟ والله أنا لم أكد أُصدِّق هذا، والله العظيم يا إخواني، والحق أحق أن يُتبَع، في منهاج السنة قال بمعنى الكلام بفرض أن مُعاوية سمه أو دس إليه مَن سمه فهو مُجتهِد في هذا، والله العظيم قال هذا في منهاج السُنة، شيئ لا يُصدَّق، ويُقال ابن تيمية يُحِب آل البيت ويترضى عليهم، وطبعاً هو يترضى ويُبرِّر كل ما يحدث لهم، قال نفترض أن مُعاوية سمه، هذا نوع من الاجتهاد، كما اجتهد بعضهم في قتال بعض، انظر إلى العقل التيمي، ما شاء الله ما أضخمه! ابن تيمية هنا فيلسوف كبير، حين تقع معركة بين فريقين طبعاً يقتتلان، مثل طائفتين من المُؤمِنين تقتلان، قال يحدث اجتهاد، وهذا معقول إلى حدٍ ما في الجُملة، لكن كيف يدس إنسان إلى إنسان في أمان الله يعيش سماً؟ وقد سالمك وتنازل عن الخلافة، يا أخي أين الفتك؟ شيئ عجيب، لماذا لم يستذكر ابن تيمية الأثر الشهير حين أتى مُعاوية إلى المدينة وكان قد قتل برجاله وليس بيده طبعاً أخا عائشة محمد بن أبي بكر؟ قتله مُعاوية بن خُديج أو عمرو بن العاص في مصر، رجال مُعاوية، ثم وضعوه في جوف حمار وأحرقوه، وصُعِقَت عائشة على أخيها، أخوها عبد الرحمن الثاني أبى على مُعاوية تولية يزيد وقال له لا، لمَن؟ لمروان بن الحكم، قال له لا، وفي رواية كذبت، إنما أردتم أن تجعلوها كسروية وهرقلية، كلما هلك كسرى أتى كسرى، وكلما هلك هرقل قام هرقل، أو كلما هلك قيصر أتى قيصر، مات فجأة ما شاء الله، عبد الرحمن وجدوه هكذا في جبل فجأة، وعائشة أطلقت كلاماً تتهم به وتُعرِب عن شكلها في موت أخيها الآخر، لذلك سآتيكم بمبحث لطيف لعلي لم أُسبَق إليه وهو كره وبِغضة بني أُمية لعائشة، شيئ لم يُتنبَّه له، تقريباً مُعظَم مَن تكلَّم إن لم يكن الكل لم يتنبَّه لهذا، أنا استللته من خلال مُطالَعاتي الكثيرة، عائشة لم تكن مرضية عند بني أُمية، وكانت تُسَب أيضاً في مجالسهم ومحافلهم، كانوا يسبونها، وأنا جمعت الحمد لله قدراً طيباً وسأوافيكم به إن شاء الله في وقته، لكن هو عندي مزبور، سطرته وزبرته بفضل الله، لماذا؟ لماذا يكره بنو أُمية عائشة على أنها أقرت ببيعة مُعاوية وكانت تأخذ منه العطاء ولم تكن تُعامَل على أنها عدوة له؟ لماذا؟ سوف نفهم، طبعاً كانت دائماً تُشير إلى أخويها اللذين ذهبا هكذا، الأول ذهب ضحية واضحة والآخر مشكوك في يد أُموية في اغتياله، أعني عبد الرحمن بن أبي بكر، رضيَ الله تعالى عنهم لأن أباهم معهم، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، على كل حال قالت له يا مُعاوية أما خشيت أن أدس لك رجلاً يقتلك كما قتلت أخي؟ هذا ما فعلتم بمحمد أخي! ابن أبي بكر هكذا فعلتم به! أما خشيت أنت أن أدس لك رجلاً؟ ونقدر، كل إنسان يقدر على ذلك، أي على هذا الغدر والطعن، قالت أما خشيت أن أدس لك رجلاً فيقتُلكَ؟ هذه فاء السببية طبعاً، قالت له يا مُعاوية أما خشيت أن أدس لك رجلاً فيقتلك كما قتلت أخي محمداً؟ فقال لها يا أُماه الإيمان قيد الفتك، المُؤمِن لا يفتك، فلم فتكت أنت؟ هذا كما قلت لكم التغافل، هذا يُزعِجني ويُزعِج كل إنسان يهوى الحق، تغافل الطواغيت أو الطُغاة في كل زمان، ما شاء الله يروي الأحاديث ويُخالِفها، ويُريد من الناس أن يسيروا عليها وأن يخضعوا لها، هذا المنطق الطاغوتي، علماً بأن هذا منطق الناس الذين انحرفت فطرتهم وشاهت مسالكهم، يُريد منك أن تكون أميناً ويقول لك أسألك بالله عاملني بأمانة وشرف وما هو فيستحل لنفسه أن يُعامِلك بغدر وفجور، شيئ لا يُصدَّق، ويقول لك أنت إنسان صادق، ما أعظم صدقك! ما أحسنك! ابق صادقاً يا أخي، فتبقى أنت ويستغفلك ويُخادِعك بالأخاديع والأفائك والاستغلال والاستغفال، ما هذا؟ مُعاوية كان هكذا، مُعاوية هو هذا الرجل، يقول لها المُؤمِن لا يفتك، المُؤمِن لا يغدر، المُؤمِن ليس غدّاراً، أما أنت ما شاء الله عليك لا تغدر، حياتك كلها مبنية على الغدر والفتك، الله أكبر يا أخي، شيئ غير طبيعي، ابن تيمية نسيَ هذا، نسيَ أن من خصائص المُؤمِن وخصال الإيمان أنه لا يغدر، فرق كبير بين أن نتقاتل ثم نتأوَّل بمعنى أن تقول لي نحن تأوَّلنا وبين أن أدس إلى إنسان مُسالِم على فراشة في بيته بين أهله مَن يقتله ثم أقول هذا اجتهاد، مُعاوية اجتهد في قتلهو تأوَّل، ويخرج على طريقة ابن تيمية وأمثاله له أجر دائماً، تسبَّب في قتل سبعين ألفاً وله أجر، إن صح أنه سم الحسن أو دس مَن يسمه له أجر بسم الحسن، لأنه اجتهد فأخطأ، شيئ لا يُصدَّق، إذا بعض الناس يرضون بهذه الطريقة نحن والذي سمك السماء لا نرضى بها ولن نرضى بها، هل تعرفون لماذا؟ ليس فقط لأننا نهوى الحق ونتجاسر على أن نُصرِّح بها وإنما لأننا نحترم عقولنا، نحن بشر، لن نكون أشباهاً للبشر، نحن بشر، أقول لكم حقيقةً أنني أشعر حتى بلذة أو بنوع من لذة غير عادية حين أفهم الحقائق وتصفو أمامي ويزول الغبش، شعور الذي كان مُوثَقاً مغلولاً مقيَّداً مأسوراً ثم تحرَّر، لا أُريد لعقلي أن يكون في بيضة أبداً، أُريد أن أكون مُستقِلاً وحراً وأفهم الحقائق، ولا يعنيني خالفت مَن ووافقت مَن، هذا آخر شيئ أُفكِّر فيه، ولا يعنيني مَن يستفيد من حقائقي هذه ومَن لا يستفيد، هذا لا يعنيني ولا يهمني، الحقيقة تستفيد، يستفيد ناصبي أو يستفيد شيعي أو يستفيد مُعتزِلي أو يستفيد شيوعي وإلى آخره: لا يعنيني، تعنيني الحقيقة، الحق أحق أن يُتبَع، فنسأل الله أن يُتِم علينا عقلنا وديننا وأن يحفظ علينا رُشدنا وإيماننا وألا يُغوينا وألا يُسلِمنا إلى أنفسنا، لا إله إلا هو، جل وعز -. فقال المقدام: أنشدك الله – يُقال أنشدك الله وأنشدك بالله -! هل سمعت – طبعاً في رواية عند أبي داود وأحمد قال أما أنا فلن أبرح اليوم حتى أغيظك أو حتى أُسمِعكَ ما يغيظك، يقول هذا لمُعاوية، قال بما أن الأمر كذلك سأُسمِعكم الحقيقة الآن، ولذا قال أنشدك الله لمُعاوية – رسول الله صلى الله عليه وسلم – ينهى عن لُبس – اسمه لُبس وليس لَبساً، أي بالضم وليس بالفتح، اللبس يعني الالتباس، لكن اللُبس معناه مُختلِف – الذهب والحرير وعن جلود السباع والركوب عليها؟ – هذه من المناهي ومن المناكر – قال – أي قال مُعاوية، وغير مكتوب حتى مَن القائل لكن هذا واضح رغم مُحاوَلاتهم، السياق واضح والحمد لله -: نعم. قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك – كتب في بنيك وهذا من خطأ المُحقِّق، الصحيح هو في بيتك، في قصر مُعاوية كل المُحرَّمات، لُبس الحرير ولُبس الذهب وجلود السباع، مُعاوية يفعل كل هذا، ليس عنده أي مُشكِلة، وهو يعرف هذا، استحلفه بالله هل تعرف هذا؟ فقال له أعرفه، قال له هذا كله تفعله أنت، ما شاء الله عليك، قال له أين الالتزام؟ أين التقوى؟ أين حفظ حُرمات الدين؟ -. فقال مُعاوية: عرفت أني لا – هنا كتب لا لكن الصحيح لن، والرواية التي فيها لا موجودة أيضاً، هنا كتب عرفت أني لا – أنجو منك.

موضع الشاهد الآن – هذا مُهِم جداً جداً جداً – عن الإمام مالك، أحد السابقين إلى الطعن في مُعاوية ويا له من طعن الإمام مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبد الله صاحب المذهب المشهور إلى اليوم في العالمين، الإمام مالك صاحب الموطأ والمُدوَنة عنه، لكن نُكمِل – إن شاء الله – في الحلقة التالية، وبارك الله فيكم.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

  • السلا م عليكم
    امر المسلمين شورى بينهم من فضلكم اليس انفراد اهل البيت بالخلافة لوحدهم توريث ايضا و ملك.الجواب من فضلكم و شكرا

%d مدونون معجبون بهذه: