الأخبار والآثار 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً، واهدِنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مُستقيم.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

أُحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في الحقيقة ستكون هذه الحلقة أو الحلقات مُميَّزة على ما أظن وأحسب، لأنها ستدور حول حديث محوري ومفتاحي، وفي نظري هذا الحديث يُشبِه أن يكون قاطعاً لمَن طلب الهُدى وأراد الدليل والبُرهان أيها الإخوة، لكن مَن دار أمره على التمحلات والتعسفات ومُتابَعة الهوى والنزول على الغرض لن يُفيده هذا، إنه حديث الفئة الباغية، الحديث الذي تواتر عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه ومَن والاه، ولندخل في موضوعنا عامدين.

أخرج الإمام أحمد والشيخان – البخاري ومُسلِم – والترمذي والحاكم وكثيرون غيرهم – رحمة الله عليهم أجمعين، واللفظ سأسوقه عن الإمام البخاري، أي لفظ الإمام البخاري – عن عكرمة – مولى ابن عباس – قال: قال لي عبد الله بن عباس ولابنه عليّ – عليّ بن عبد الله بن عباس – انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه – يقول انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه بشكل عام، أي تعلَّما من هذا الصحابي الجليل، عنده علم وعنده رواية -، قال فانطلقنا فإذا هو في حائطٍ له – الحائط هو البُستان يكون محوطاً بحائط، ولذلك يُقال له بُستان، لأن البُستان قد يكون غير محوط فلا يُسمى حائطاً، يُسمى حائطاً إذا كان محوطاً أو مُحوَّطاً كما نقول بالعامية لكن لا يُوجَد مُحوَّط في اللغة العربية الفُصحى، يُوجَد محوط، يحوطه وليس يُحيِّطه أو يُحوِّطه، حاطه يحوطه فهو محوطٌ، إذا كان محوطاً فهو الحائط وإلا يُسمى بُستاناً – يُصلِحه فأخذ رداءه فاحتبى – جمع بين أعلاه وأسفله، هذه هي الحبوة أيها الإخوة، تُعقَد عند الساقين، أي في مُنتصَف الساقين وتُحَل، في حديث ابن عمر الذي ربما يأتي اليوم فحللت حُبوتي أو حَبوتي – ثم أنشأ يُحدِّثنا – شرع يُحدِّثنا – حتى أتى ذكر بناء المسجد – بناء المسجد النبوي الشريف – فقال كنا – أي معاشر الصحابة – نحمل لبنة لبنة – طوبة طوبة، كل وحد منا كان يحمل طوبة طوبة – وعمّار لبنتين لبنتين – عمّار يحمل لبنتين لبنتين – فجعل صلى الله عليه وسلم إذ رآه – النبي رآه – ينفض التراب عنه بيده – انظر إلى الرحمة النبوية، وانظر إلى الإعزاز، أي الإعزاز لهذا الصاحب الجليل عمّار رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ويقول ويح عمّارٍ تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار.

قال يدعوهم إلى الجنة ويدعونه – أي الفئة الباغية – إلى النار، إذن هم دُعاة إلى أين؟ إلى نار جهنم، دُعاة النار!

هذا الحديث – إخواني وأخواتي – عده الإمام الجلال السيوطي في الأزهار المُتناثِرة – عنده كتاب مشهور في الأحاديث المُتواتِرة سماه الأزهار المُتناثِرة – من المُتواتِر – من الأحاديث المُتواتِرة – وعزاه للشيخين عن أبي سعيد – الشيخان روياه عن أبي سعيد – ولمُسلِم عن أبي قتادة وأم سلمة وأبي يعلى ولأحمد عن عمّار وابنه وعمرو بن حزم وخُزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وللطبراني عن عثمان وأنس وأبي هُريرة وللحاكم عن حُذيفة وابن مسعود وللرفاعي عن أبي رافع ولابن عساكر عن جابر وجابر بن سمرة وابن عباس ومُعاوية – إذن هذا يُثبِت أن مُعاوية كان عارفاً بهذا لأنه من رواته، هو أحد رواته، وهذا مُهِم جداً في المقام – وزيد بن أبي أوفى الأسلمي وأبي اليسر – كعب بن عمرو – وزياد وكعب بن مالك وأبي أُمامة وعائشة ولابن أبي شيبة – أي عزاه السيوطي لابن أبي شيبة – عن عمرو بن العاص وابنه عبد الله، قال فهؤلاء سبعةُ وعشرون صحابياً فيهم خُزيمة بن ثابت كصحابيين، رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين، لماذا؟ لأنه ذو الشهادتين، ومَن شهد له خُزيمة فحسبه، النبي قال مَن شهد له خُزيمة فحسبه، لأن شهادته تعدل وتقوم مقام شهادتين اثنتين.

هذا الحديث أيضاً ذكره الإمام أبو الخطّاب بن دحية المعروف بذي النسبين، لذلك إذا قرأتم كتابه هذا – أعلام النصر المُبين في المُفاضَلة بين أهلي أو أهلَي صفين – سوف تجدون أنه يُكثِر أن يقول قال ذو النسبين، وهو يعني نفسه وليس شيئاً آخر، أبو الخطّاب بن دحية – رحمة الله عليه – المُتوفى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة للهجرة هو ذو النسبين، له كتاب لطيف يُقرأ في جلسة اسمه أعلام النصر المُبين في المُفاضَلة بين أهلي وأهلَي صفين، يجوز الاثنان، قال أبو الخطّاب إن الطبراني في الكبير أسنده عن مُعاوية نفسه وعن عمرو وابنه وجماعة من الصحابة غيرهم، إذن الطبراني أسنده عن مُعاوية ومر معنا أن ابن عساكر عنده السيوطي أسنده أيضاً عن مُعاوية وهذا مُهِم، من أهالي القرن الرابع عشر الهجري، أي أنه ليس من المُتقدِّمين، عنده كتاب لطيف اسمه نظم المُتناثِر من الحديث المُتواتِر وتساهل فيه، في مواضع عدة تساهل فيه ادّعاء التواتر، لكنه كتاب جامع، أجمع كتاب لما قيل إنه مُتواتِر أو للمعدود في جُملة المُتواتِر هو نظم المُتناثِر للإمام الكتاني، أي محمد بن جعفر الكتاني، قال بعد أن ذكر مُلخَّصاً لما ذكر الحافظ السيوطي: ثم أورد أسماء صحابة آخرين… لن نُطوِّل بذكرهم، إلى أن قال فصاروا واحداً وثلاثين، إذن هذا الحديث مروي عن واحد وثلاثين صحابياً، ليس فقط عن سبعة وعشرين وإنما عن واحد وثلاثين، فزاد الإمام الكتاني هؤلاء، ثم قال: ومِمَن صرَّح بتواتره السيوطي في الخصائص الكُبرى.

طبعاً ذكره في الخصائص وذكره في الأزهار، هذا واضح جداً، لأن الكتاب موقوف على المُتواتِر، كتاب الأزهار موقوف أصلاً على المُتواتِر!
قال الإمام أبو عمرو بن عبد البر – رحمة الله تعالى عليه صاحب الاستيعاب -: تواترت الأخبار – إذن هذا إمام جليل آخر، ابن عبد البر يقطع بتواتر ماذا؟ حديث الفئة الباغية، حديث مُتواتِر، ليس حديث آحاد يخفى عن فلان أو علان أو يخفى على مُعاوية، لا يخفى، معروف للجميع ومُعاوية من رواته – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تقتل عمّاراً الفئة الباغية، وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته صلى الله عليه وسلم – من أعلام نبوة المُصطفى صلى الله عليه وسلم أنه أخبر وهكذا وقع، شيئ عجيب يا أخي، هذا من أعلام نبوته – وهو من أصح الأحاديث، العلّامة الإمام النووي – رضوان الله تعالى عليه – في شرحه على مُسلِم قال هذا الحديث فيه فاضلة ظاهرة لعمّار وفيه مُعجِزة لرسول الله، فيه مُعجِزة للرسول وفيه أيضاً فضيلة لمَن؟ لعمّار.

هذا الحديث يرويه الترمذي أبشر عمّار تقتلك الفئة الباغية، قال له أبشر، ولم أر مَن عرَّج على وجه التبشير في الحديث، سوف أُعرِّج عليه اليوم إن شاء الله تعالى وبحول الله وعونه، قال له أبشر، فيه كرامة لعمّار وفيه بُشرى، لماذا؟ أين موضع البُشرى وقد قُتِل بأيدي مُسلِمين في فتنة؟ سوف نرى، وينبغي أن نتعلَّم مُنذ الآن أن نكون حريصين ودقيقين جداً مع رسول الله وألا نُقدِّم بين يديه، نحن نتعلَّم منه لا نُعلِّمه، ونصمت حين يتكلَّم هو، أنتم سترون كيف يُسكِّتوت الرسول، الرسول يُسكَّت أيها الإخوة لأجل فقط أن تكتحل عيون بني أُمية، شيئ لا يكاد يُصدَّق، نعوذ بالله من الغرض والمرض والهوى والشقى، وقال ابن دحية – أبو الخطّاب بن دحية – في كتابه السابق – أعلام النصر المُبين -: وقد تواتر الحديث، الحديث مُتواتِر، ومن لطائف كتاب ابن دحية أنه في آخره لا يرى في كتب مُعاوية للوحي فضيلة له أصلاً، يرد هذا ابن دحية – رحمة الله تعالى عليه – وهو من كبار أئمة السُنة، ثم قال أيضاً: وكيف يكون في هذا الحديث اختلافٌ وقد رأينا مُعاوية نفسه حين لم يقدر على إنكاره – حديث ثابت وإلا لو قدر مُعاوية على إنكاره لطعن فيه، لقال لا كما قال لعدة من الصحابة ما أحاديث تُحدِّثون بها، قال ما أحاديث تُحدِّثون بها، لم نسمع هذا، لكن هذا لم يستطع أن يُنكِره فاضطُر إلى ماذا؟ إلى أن يتمحَّل بالتأويل الباطل والتعلل الكاسد الفاسد الذي لم يخف على أحد من الصحابة، لكن خفيَ على مُعظَم أهل الشام، غرَّهم مرةً أُخرى بهذا التأويل، شيئ غريب يا أخي، شيئ غريب جداً – قال: إنما قتله مَن أخرجه. وسنعود إلى هذا!

الآن أيها الإخوة بعض الناس لا يزال يشغب ويُسفسِط – سفسطة – باسم العلم، يضحكون على الناس، أنا أستغرب حقيقةً، لماذا؟ لمصلحة مَن؟ نكذب على المُسلِمين وعلى المُسلِمات وعلى الكتب والمراجع والحقائق وعلى أنفسنا لمصلحة مَن؟ أليس الحق أحق أن يُتبَع؟ نحن نُريد الحق يا أخي، إذا لاح الحق وظهر ببرهانه نبخع له ونخشع وانتهى كل شيئ، ولا تصلح الأمور بالحق وليس بالباطل والتزوير، ذهبوا يقولون لا، هذه زيادة غير صحيحة، أي زيادة تعنون؟ قالوا زيادة “يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”، هي زيادة خطيرة، خطيرة جداً جداً، هذه الزيادة خطيرة، غير عادية، وأصلاً قوله تقتله الفئة الباغية شيئ عظيم، فكيف إذا انضم إليه “يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”؟ وليس في كتاب الله أيها الإخوة من داعٍ إلى النار إلا أن يكون إبليس أو المُشرِكون الكفرة والعياذ بالله، شيئ خطير التعبير هذا، دُعاة النار، يدعو إلى جهنم، طريق جهنم، تكون معه وتسير في طريقه فتذهب إلى جهنم، أخشى أن يصدق هذا إلى اليوم، مَن يدعو بدعوة مُعاوية ويتمحَّل لمُعاوية ويدفع عن مُعاوية ويُستطار أيها الإخوة وربما تشقق شققاً – كما يُقال – من أجل مُعاوية قد يكون هذا المسكين من الذين يسلكون سبيلهم إلى النار، نسأل الله العفو لنا وللمُسلِمين جميعاً والمُسلِمات، اللهم عفوك يا رب.

المُهِم ذهبوا يطعنون في الزيادة، يُلبِّسون على العوام، ودراسات في الإنترنت Internet والدكتور فلان والشيخ فلان، لأن العوام الذين لا خبرة لهم بالأسانيد والمتون وكتب التخريج لا يعرفون، يقولون لك مطعون فيها، زيادة مطعون فيها، هل قرأت يا عدنان أنت الرد هذا؟ على كل حال أنا سأحكي لكم قصة هذه الزيادة وقصة هذه السفسطة والتشغيب ثم تحكمون بأنفسكم إن شاء الله، في الجمع بين الصحيحين للإمام الحُميدي – هناك حُميديان طبعاً، أبو بكر الحُميدي المُتوفى في أول القرن الثالث الهجري، قبل أحمد وقبل البخاري على ما أذكر سنة ثماني عشرة ومائتين، هذا صاحب المُسنَد، أعني مُسنَد الحُميدي، وهناك الإمام محمد بن فتوح الحُميدي، هذا مُتوفى في القرن الخامس الهجري، تحديداً في أربعمائة وثماني وثمانين، عنده كتاب عظيم مُهِم جداً اسمه الجمع بين الصحيحين – في المُجلَّد الثاني، صحيفة ثلاثمائة وست وأربعين، رقم ألف وسبعمائة وأربعة وتسعين، قال: في هذا الحديث زيادة مشهورة – ليست زيادة منكورة وغير معروفة وإنما مشهورة معروفة وثابتة عند العلماء، وطبعاً سوف ترون طرق ثبوتها – لم يذكرها البخاري أصلاً في طريقي هذا الحديث – طبعاً الآن في النُسخ التي عندنا للبخاري مذكورة هذه الزيادة، في بعض الطبعات غير موجودة، أعتقد في طبعة بولاق ألف وثلاثمائة هجرية كما ذكر هؤلاء غير موجودة، نحن لا يهمنا الطبعات هذه، الطبعات فيها تصرف هذه، لكن الطرق بالأسانيد المحفوظة عند الأئمة والحفّاظ – ولعلها لم تقع إليه فيهما – أي لعله لم يسمع هذه الزيادة حتى يرويها ويتحفَّظها ثم يُثبِتها – أو وقعت فحذفها لغرضٍ قصده في ذلك – وهذا الذي رجَّحه ابن حجر كما سأتلو عليكم بُعيد قليل، ابن حجر في الفتح رجَّح أن هذه الزيادة وقعت للبخاري والبخاري يعرفها لكنه لم يُثبِتها في صحيحه لغرضٍ أو لمقصدٍ يدل على عمق تعمقه، على عمقة في العلم، أي على مدى تعمقه في العلم، سوف نرى هذا بعد قليل، المُهِم أنه يقول ولعلها لم تقع إليه فيهما أو وقعت فحذفها لغرضٍ قصده في ذلك – وأخرجها – هذه الزيادة – أبو بكر البُرْقاني، وأبو بكر الإسماعيلي قبله، وفي هذا الحديث عندهما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، قال أبو مسعود الدمشقي – أيضاً له كتاب في الجمع بين الصحيحين رحمة الله عليه وهو إمام جليل، الحُميدي الآن يأخذ من أبي مسعود – في كتابه: لم يذكر البخاري هذه الزيادة – الآن انتبهوا إلى كلام أبي مسعود -، وهي في حديث عبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله الواسطي، ويزيد ابن زريع، ومحبوب بن الحسين، وشُعبة، كلهم عن خالد الحذّاء – طبعاً الحديث في الصحيحين وفي غيرهما عن خالد الحذّاء أيضاً، لكن في كلا طريقي البخاري أصلاً قال لم ترو هذه الزيادة، لكن هؤلاء كلهم تلاميذ خالد الحذّاء، وأثبتهم في خالد مَن؟ هذه صيغة لدى العلماء الحديثين، يقولون أثبتهم في فلان أو فلان أثبت الناس في فلان، أي أحسنهم وأوثقهم روايةً عنه وتحملاً، أثبت هؤلاء في خالد مَن؟ أثبت تلاميذ خالد في خالد شُعبة بن الحجّاج الإمام الجليل ومُؤسِّس علم المُصطلَح تقريباً، شُعبة يروي هذا، هذه الزيادة حتى يرويها شُعبة وهو أثبت الناس في خالد، يرويها خمسة، لأنها زيادة قوية جداً جداً، كون البخاري لم يذكرها لعلة أو لغيره هذا شأنه، لكن لا نرد هذه الزيادة ونُوهِم الناس أنها ضعيفة أو لا أصل لها أو منكورة، لماذا هذا التدليس والكذب في العلم؟ عيب، إِنَّا لِلّهِ ۩ – عن عكرمة، ورواه إسحاق عن عبد الوهّاب، هكذا. وأما حديث عبد الوهّاب الذي أخرجه البخاري دون هذه الزيادة، فلم يقع إلينا من غير حديث البخاري – وهذا عجيب، الكل أخرجه من هذه الطرق الخمسة عن خالد بالزيادة، إذن أين أصبح الاستثناء؟ طريق البخاري، أرأيتم؟ قالوا لا، هذه مطعون فيها، هل قرأت ماذا كتب العلماء؟ أنتم عليكم أن تقرأوا وأن تُراجِعوا، للأسف الشديد هناك قاعدة في العلم أيها الإخوة عمرها مئات السنين لم تعد صالحة، العلماء مأمونون على ما نقلوا مبحوثٌ معهم فيما قالوا، للأسف يبدو أن هذه القاعدة لم تعد صالحة، انتهت صلوحيتها في هذا العصر الأغبر، نسأل الله أن يُبدِّل الحال بخير منه، أي أن يُبدِّل الحال بخير من هذا الحال، هذا عيب، عيب على العالم أن يُدلِّس وأن يكذب وأن يقطع وأن يأتي بالحق يُبرِزه في صورة الباطل، يُدلِّس على الناس، غير معقول، لكن الحمد لله نحن في عصر الإنرنت Internet والكتب موجودة لكل إنسان، ليس شرطاً أن يكون لديك كتب ورقية، تدخل على الشبكة وتنزِّل الكتب مُصوَّرة بي دي إف PDF وتقرأ كل شيئ وتعرف كل الحقيقة، لا تُسلِّم عُنقك ولا تُسلِّم عقلك لهؤلاء، للأسف الشديد لأنهم ليسوا ذوي صدق، وهذا مُؤسِف جداً أن يُقال، مُؤسِف جداً، المفروض العالم أن يكون دقيقاً جداً وصادقاً ولو على نفسه، لا تُوجَد مُشكِلة، هذه الحقيقة، يقول فلم يقع إلينا من غير حديث البخاري الإمام الحُميدي -، هذا آخر ما قاله أبو مسعود الدمشقي.

قلت أنا فوضح من كلام أبي مسعود أن هؤلاء الخمسة جميعاً رووها عن خالد الحذّاء وهو يروي عن مَن؟ عن عكرمة، الذي يروي عن مَن؟ عن أبي سعيد كما رأيتم، عكرمة وعليّ بن عبد الله بن عباس يرويان عن مَن؟ عن أبي سعيد الخدري كما قلنا لكم!
ومن هنا قال الإمام الجليل والرجل الصالح محمد أنور شاه الكشميري – رضوان الله تعالى عليه – ما قاله، أيضاً هذا من علماء القرن الرابع عشر الهجري، إمام جليل في القارة الهندية، له شرح لطيف ووسيط، ليس بسيطاً مُسهَباً وليس وجيزاً، اسمه فيض الباري على صحيح البخاري، وله فيه تحقيقات ماتعة، له في بعض المواضع تحقيقات ماتعة وقوية مُستجادة، رضوان الله تعالى عليه، ماذا قال الإمام الكشميري في كتابه فيض الباري على صحيح البخاري؟ المُجلَّد الأول، صحيفتا اثنتين وسبعين وثلاث وسبعين، دار الكتب العلمية، طبعة سنة ألفين وخمس: وأجاب عنه الحافظ رحمه الله – يعني ابن حجر – بنحوٍ آخر، قال إن هذه الزيادة الحُميدي في الجمع – أي بين الصحيحين، في كتاب الجمع بين الصحيحين – وقال إن البخاري لم يذكرها أصلاً، ثم ذكر ما ظهر له في وجه حذف هذه القطعة – أي الزيادة -، قلت – الكشميري يقول قلت – فإن لم تكن تلك الزيادة ثابتة في هذا الطريق فإنها ثابتة في الخارج بطرق قوية.

بخمس طرق على الأقل، فما يضر أنها ليست ثابتة من هذا الطريق؟ ثابتة من خمس طرق، “الطريق” مُؤنَّث ومُذكَّر، هي طريق وهو طريق، فهي ثابتة من خمس أو خمسة طرق، يقول الإمام الكشميري هذا ليس جواباً، إذا أردت أن تتعلَّل بأن هذه الزيادة لم يذكرها البخاري – هذه مسألة أُخرى في المعنى وفي فقه المعنى – فإن هذه الزيادة ثابتة، ليست ثابتة في الطريق هذا لكنها ثابتة من طرق أُخرى قوية، فما ضرها أنها ليست ثابتة هنا؟ فالجواب الجواب والنقد النقد، نفس الشيئ أيضاً، نعود نسألك نفس السؤال، هل هذا واضح؟

وعن يزيد بن زريع – نحن قلنا عن فلان وفلان وفلان وفيهم رجل اسمه يزيد بن زريع، وهذا يروي عن مَن؟ – عن خالد الحذّاء عن عكرمة عن أبي سعيد، أخرجه ابن حبان، إذن من طريق يزيد بن زريع أخرجه مَن؟ ابن حبان بسندٍ صحيح وفيه الزيادة بسند على شرط البخاري، رجاله رجال الشيخين غير عكرمة، انفرد به مَن ؟ البخاري، لا يروي عنه مُسلِم، فهو من رجال البخاري، سائر رجاله رجال الشيخين، رواه ابن حبان في الأنواع والتقاسيم المعروف بصحيح ابن حبان برقم سبعة آلاف وثماني وسبعين بهذه الزيادة، ورجع مرة أُخرى بعده مُباشَرةً ورواه برقم سبعة آلاف وتسع وسبعين عن طريق مَن؟ خالد بن عبد الله الواسطي، إذن عن طريق ابن زريع وعن طريق خالد الواسطي بهذه الزيادة، وإسناد رواية خالد الواسطي صحيح على شرط أيضاً الصحيح، فيه وهب بن بقية وهذا من رجال مُسلِم، وعكرمة من رجال البخاري، وباقي الرجال على شرطهما، انتهى فالحديث صحيح!
نُريد الآن أن نقرأ ماذا قال الحافظ ابن حجر، لماذا اختار البخاري أن يحذف هذه الزيادة؟ لماذا اختار ألا يُثبِتها؟ الذي رجَّحه الحافظ ابن حجر أن هذه الزيادة حتماً وقعت للبخاري، لا تخفى على البخاري، لكنه آثر ألا يُثبِتها، في نُسخ للصحيح مُثبَتة، النُسخة التي وصلتنا هذه مُثبَتة، أعتقد نُسخة الشيخة كريمة مُثبَتة فيها، سوف نرى، هو أتى بكلام أبي مسعود عن طريق الحُميدي ثم قال الحافظ – رحمة الله عليه – قلت – هذا فتح الباري، المُجلَّد الأول، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، في ألف وتسعمائة وسبع وتسعين، المُجلَّد الأول، صحيفة سبعمائة وأربع عشرة – ويظهر لي أن البخاري حذفها عمداً – إذن لا يُقال لم تقع له كما ظن الحُميدي، قال لا، قال ويظهر لي أن البخاري حذفها عمداً – وذلك لنُكتةٍ خفية، وهي أن أبا سعيد الخُدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم – سمعها من صحابي آخر، لكن لم يسمعها مُباشَرةً من النبي – فدل على أنها في هذه الرواية مُدرَجة، والرواية التي بيَّنت ذلك ليست على شرط البخاري – وهذا صحيح، التي بيَّنت أن أبا سعيد اعترف بعدم سماعه هذه الزيادة من رسول الله مُباشَرةً ليست على شرط البخاري -، وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد “فحدَّثني أصحابي – يقول حدَّثني أصحابي – ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية”.

هنا الكلام حدث فيه اختلاط حتى علىّ، حدث اختلاط ويبدو حتى فيه اشتباه على الحافظ ابن حجر، هنا جعل الزيادة ليست يدعوهم ويدعونه، الزيادة “تقتله الفئة الباغية”، هذا مُصرَّح به هنا، إذن ينبغي أن نتنبَّه، انتبهوا إلى هذا، طبعاً هؤلاء علماء أجلاء لكن لكثرهم أشغالهم واشتغالهم بعشرات المُصنَّفات والدروس في اليوم تصل إلى خمس أو عشر أو خمسة عشر درساً طبعاً قد يذهلون، الإنسان يذهل بحيث يحكي أشياء غير دقيقة، هنا يُوجَد اشتباه واضح، ولذلك بعض العلماء تجرأ وقال لم يصح عنه رسول الله في قتل عمّار حديث، أنكروا المُتواتِر، موضوع أن عمّاراً تقتله الفئة الباغية قالوا ما صح عن رسول الله، لكن هذا مُتواتِر، إنكاره مُجازَفة عظيمة، ولذلك ابن حجر هنا اشتبه عليه، المُهِم هذه النُكتة التي أشار إليها ابن حجر إذن والموضوع غير مُوفَّق، على كل حال بغض النظر وعلى كل الاحتمالات هذه الزيادة ثابتة من طرق خمسة، وأما هذه الطرق شُعبة عن خالد الحذّاء، فهي كما قال العلّامة الكشميري وكما قال كل هؤلاء الأجلاء ثابتة وصحيحة ومشهورة، لا مجال للطعن فيها ولا سبيل إلى إنكارها، لماذا يُنكِرونها؟ لأنها لا تُساعِدهم، هذه تدمغ مُعاوية، تدمغه دمغاً قوياً ومَن سار في طريقه، تدمغه دمغاً مُخيفاً، أعني زيادة يدعوهم ويدعونه!
ومن طريق محبوب بن الحسن – إذن قلنا ابن زريع وخالد الواسطي وهنا من طريق محبوب بن الحسن – أخرجه الإمام أحمد في مُسنَده بهذه الزيادة، برقم أحد عشر ألفاً وثمانمائة وتسع وسبعين، مَن أحب أن يرجع إلى مُسنَد الإمام أحمد الحديث رقم أحد عشر ألفاً وثمانمائة وتسع وسبعين، من طريق محبوب بن الحسن بهذه الزيادة، قال مُحقِّق المُسنَد الشيخ شُعيب الأرنؤوط – رحمة الله تعالى عليه – صحيح، بهذه الزيادة كله صحيح، هذه كلها طرق صحيحة، فلا مجال لإنكار هذه الزيادة، وهكذا سقط ما شغب ويشغب به هؤلاء من أجل أن يدفعوا عن مُعاوية شيئاً نبَّأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمّار – رضوان الله تعالى عليه – كان مُوقِناً أنه لن يموت على فراشه، لن يموت ميتة طبيعية، كان مُوقِناً أنه سيُقتَل على يد فئة باغية والعياذ بالله تبارك وتعالى، كان مُوقِناً بهذا، ولذلك ذات مرة اعتل فأُغميَ عليه ثم استفاق وإذا بأهله يبكون فقال ماذا؟ هل ظننتم أنني أموت أو مت؟ قالوا نعم، قال لا، لا أموت ميتة طبيعية، أخبرني خليلي – صلى الله عليه وسلم – أو كما قال بأنني أُقتَل ولا أموت، وآخر شربة من الدنيا ضياح من لبن، قال لهم هو قال لي حتى هذا، قال لي آخر شيئ قبل أن تُقتَل تشرب ضياحاً من لبن، ما معنى ضياح من لبن؟ اللبن الرائب، اللبن الرائب اسمه الضياح، قال له وآخر شربة من الدنيا ضياح من لبن وهذا عجيب، سُبحان الله العظيم، لا إله إلا الله، صدق رسول الله، يا ليت نتأدَّب معه ونُحاوِل أن نستفيد فعلاً منه – عليه الصلاة والسلام – لكي نتعلَّم، نأخذ ديننا وحكمنا على كل شيئ من رسول الله، الذي أخبر بهذه الأشياء أيها الإخوة جدير أن يُستمَع إليه وهو نبي ورسول يُفرِغ عن الوحي، نبي ورسول وليس مُجتهِداً، ليس فيلسوفاً وليس رواياً للأحاديث وإنما نبي ورسول يتكلَّم عن الوحي وينظر إلى الغيب من ستر رقيق، وفعلاً شرب عمّار – رضوان الله عليه – ضياحاً من لبن، سبحان الله بعدها بقليل جاءته الضربة على يد الشقي أبي الغادية الجُهني، وهذا صحابي ويُقال حضر بيعة الرضوان، وصح عن رسول الله قاتل عمّار وسالبه في النار، لم يقل هذا صحابي، لم يقل من أصحابي والله سوف يغفر الله، قال في النار، وهذا صحابي ويُحكى أنه حضر بيعة الرضوان، لكن – كما قلت لكم – كل عموم له استثناءات يا إخواني، لابد أن يُخصَّص، أليس كذلك؟ ما المُشكِلة؟ وإنما الأعمال بالنيات والأعمال بالخواتيم ولا يُشهَد لأحد حتى يُعلَم على ماذا مات، هكذا كان الصحابة، الصحابة كان منطقهم هكذا، يقولون لا نشهد لأحد، لا نستطيع أن نقطع لأحد بشيئ حتى نعلم على ماذا مات، كيف تولى؟ هو هذا، النبي يقول هؤلاء أشهد لهم، ونحن يا رسول الله؟ قال لا أدري ماذا تُحدِثون بعدي، لا أعرف، لكن هناك مَن يُؤلِّف قواعد غريبة جداً جداً جداً، لكونه صحابياً ورأيت الرسول وأنت مُؤمِن به اعمل ما تشاء، افعل ما تشاء، تسبَّب يا مُعاوية في قتل سبعين ألفاً وسوف تدخل الجنة، نقطع لك بالجنة، غريب جداً هذا، من أين هذا الدين؟ لا أدري، لا أدري بأي عقل يُقال هذا، هذه عقلية أُمية، هذه عقلية آل أبي سُفيان وكوَّنوا بها ديناً، لماذا؟ لتفريغ الدين من مضامينه من الداخل، ونعود الآن ما كنا فيه.

إذن هذه الزيادة ثابتة، الحديث مُتواتِر وفيه هذه الزيادة أيضاً، كيف أجابوا عنه؟ ماذا فعلوا؟ هذا مُشكِل جداً جداً جداً بالنسبة إليهم، أليس كذلك؟ هذه محنة، يقولون مُعاوية محنة، هذه المحنة، المحنة رسول الله يا حبيبي، قالوا مُعاوية محنة نمتحن به، هذا غير صحيح، نحن نمتحنكم ونمتحن مُعاويتكم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، نمتحنكم بالمُتواتِر عن رسول الله، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، والسؤال: مَن هو إمام الفئة الباغية؟ مَن هو الذي عبَّأها وجيَّشها وسيَّرها واختدعها وخادعها وضحك عليها؟ مَن هو؟ مُعاوية بن أبي سُفيان، إمام الفئة الباغية، إذن هو إمام الفئة الباغية وإمام الداعين إلى النار بنص حديث رسول الله المُتواتِر، هذا هال العلماء الذين يعظم ظنهم ويحسن في مُعاوية، فنذهب الآن لكي نرى الإمام الجليل سراج الدين بن المُلقِّن المُتوفى سنة أربع وثمانمائة، أي ثمانمائة وأربعة في أول القرن التاسع، هذا قبل ابن حجر مُتوفى، ابن حجر مُتوفى ثمانمائة واثنين وخمسين، العيني المُتوفى ثمانمائة وخمس وخمسين صاحب عُمدة القاري، هؤلاء شرّاح للبخاري، ابن المُلقِّن له شرح مُوسَّع وعظيم على البخاري طُبِعَ قبل سنوات يسيرة، أعتقد في ألفين وسبعة في قطر عن طريق وزارة الأوقاف في ستة وثلاثين مُجلَّداً، شرح البخاري لابن المُلقِّن، اسمه التوضيح لشرح الجامع الصحيح، كيف سينفصل ابن المُلقِّن من هذا الحديث؟ لا أقول شُبهة، حاشا لله أن أصف كلام رسول الله بشُبهة، هذا ليس شُبهة، هذا حديث مُتواتِر وواضح بيّن مُنير، حديث مُنير!

قال ابن المُلقِّن قوله يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار إنما يصح ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم عليّ بن أبي طالب عمّاراً. لك أن تضع مائة علامة استفهام وألف علامة تعجب وأنت تعرف لماذا، لأن عمّاراً بإجماع الأمة استُشهِد في صفين قبل أن يكون هناك رفع المصاحف وقبل أن يكون هناك تحكيم وقبل أن ينبغ الخوارج، هذا بالإجماع، لا يُوجَد خوارج ولا بعث ولا ما يحزنون، هذا أكبر درس يا إخواني لي ولكم ولكل المُستمِعين من الإخوة والأخوات، لا تتبعوا الرجال على أسمائهم، لا تقل لي هذا إمام عظيم شرح ستة وثلاثين مُجلَّداً، هل تعرف أحسن منه؟ هذا ليس له علاقة بالمسألة، هذه مسائل علمية وهؤلاء بشر يا جماعة، لا أكذبكم أنا عظيم وكثير التوقير للعلماء، من أربعين سنة في العلم، أنا من صغري في العلم بفضل الله، طيلة حياتي في الكتب وأُحِب العلماء جداً وأُوقِّرهم، لكن الذي يظهر لي مع تقدم السن شيئاً فشيئاً أنهم فعلاً ليس كما كنا نتخيَّل، بشر عاديون وأحياناً أيها الإخوة قريبون جداً جداً جداً منا، بعضنا لو اجتهد اجتهادهم لكان خيراً منهم وأدق منهم وأحسن منهم في العلم، لكن هم كانوا أهل صبر واجتهاد ودأب، نحن أهل كسل فانتبهوا، هذه هي المُشكِلة!
لكِنْ مِنَ التَّطْوِيِل كَلَّتِ الْهِمَمْ                   فَصَارَ فِيـهِ الاِخْتِصَـارُ مُلْتَـزَمْ.

الهمم كليلة، لكن هم لم يكونوا مثلنا، مثل هذا الجواب يُبرِز لك أن هذا العالم لا يستحضر أشياء كثيرة، لا يستحضر التواريخ ولا حتى ترتيب الأحداث، يحكي كلاماً كالنائم، رحمة الله عليه رحمة واسعة، يُمكِن لأي عالم أن يحدث هذا، هو بشر، هل هو ملك؟ ما معنى أنه عالم؟ عند الناس كأنه مثل الصحابة أو كأنه ملك، لكن هو بشر، بشر يُخطيء، يُخطيء في الفهم ويُخطيء في السلوك ويُخطيء في أشياء كثيرة، قال هذا لا يصح، مُستحيل في حق الصحابة هذا، مُستحيل في حق مُعاوية، لماذا؟ واضح جداً، النبي يقول تقتله الفئة الباغية وقتلته جماعة مُعاوية فانتهى الأمر، قال لا، قال إنما يصح ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم عليّ بن أبي طالب عمّاراً، الحديث الآن مَن الذين قتلوا عمّاراً يا ابن المُلقِّن رحمة الله عليك؟ هل الخوارج هم الذين قتلوه أم جماعة الشام في صفين؟ سوف يقول نعم، هذا – والله – مضبوط، جماعة الشام فعلوا هذا لكن حدث لبس عندي، كل كلامك فيه لبس، كلام عجيب ككلام النائم، غير معقول، لا يقوله إنسان يعرف ماذا يكتب، ماذا تقول أنت؟ لا بعثه ولا قتلوه، عمّار لا بُعِثَ إلى الخوارج ولا قتله الخوارج، هل هذا واضح؟ لم يكن هناك خوارج حينها، الخوارج فيما بعد، أي بعد التحكيم، والتحكيم متى؟ عمّار في آخر ليلة – وهي ليلة الهرير – قُتِلَ، قُتِل في ليلة الهرير، في صباح ليلة الهرير – سوف أحكي لكم هذا لكي أُعطيكم فكرة فيما بعد عن صفين وما إلى ذلك لكننا سنتحدَّث في الأول عن المُدخَل الحديثي – رُفِعَت المصاحف، حدثت الهُدنة فتوقَّفوا، تواعدوا للتحكيم، التحكيم يكون متى؟ يكون في شهر رمضان، هم الآن في صفر، أي بعد سبعة أشهر، في الحقيقة التحكيم صار في أول ثماني وثلاثين حتى وليس في سبع وثلاثين، أي أنه قريب من سنة، إذن حكاية الخوارج تحتاج إلى سنة، ومن ثم سوف يكون عمّار في جنات النعيم من سنة كاملة بفضل الله، قال لا، بعثه للخوارج وبعد ذلك هم الذين قتلوه، ما هذا الكلام؟ من أجل ماذا؟ غير قادر على تحمل وجود حديث مُتواتِر يدمغ مُعاوية، أنا أقول لكم هذه الحلقة أخطر حلقة، أخطر حلقة على الإطلاق هذه، مَن أراد الحق سيقضي بالحق تماماً في مُعاوية وشيعته بسبب هذا الحديث بإذن الله تعالى، إن شاء الله.

المُهِم ماذا قال؟ قوله يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار إنما يصح ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم علىّ عمارًا ليدعوهم إلى الجماعة، وليس يصح في أحد من الصحابة – قال هذا الحديث لا يصح، لا ينطبق على الصحابة قال -؛ لأنه لا يجوز لأحد من المُسلِمين أن يتأوَّل عليهم إلا أفضل التأويل.

لابد أن نقول دائماً مهما فعلوا اجتهدوا بحُسن نية وأرادوا الحق، أرادوا الدار الآخرة ووجه الله وأخطأوا، أكثر شيئ نقدر على قوله أخطأوا، ونقول هذا على صعوبة، بصعوبة نقول أخطأ الصحابة ثم نقول رضيَ الله عنهم وعندهم أجر، دائماً هم مأجورون ونقطع لهم بالجنة كما قال ابن حزم، غير معقول، يا رجل من أين أتيت بهذه القاعدة؟ أنت الآن – مثلاً – بإزاء حديث مُتواتِر، سوف نفترض هذا لكن طبعاً هناك مئات الأحاديث وعشرات الآيات ضد هذه القاعدة، قاعدة أن الصحابة دائماً نُؤوِّل لهم أحسن تأويلاً، هذا كلام فارغ ضد القرآن وضد السُنة المُتواتِرة، أنت عندك حديث مُتواتِر كيف ترده بقاعدة غير مُعقَّدة لا دليل يشهد لها ولا عليها؟ لا دليل أصلاً، لا دليل، عمومات فقط، يضحكون على الناس بعمومات، لا أُريد أن أُعيد كلامي الذي حكيته في عشرات الحلقات السابقة يا إخواني، بالأمس وصلني مقطع وقالوا لي أنهم يردون علىّ فقلت سوف أسمع، الإنترنت Internet سبحان الله العظيم ظل يقطع باستمرار ولم أسمع، كان من المُستحيل أن أسمع، الله قال لي لن تسمع هذا، لم يُقدَّر لي أن أسمع هذا ليلة البارحة لكن سمعت أول ثلاث دقائق تقريباً من كلام هذا الشيخ الذي يرد علىّ، بدأ بقول الله مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ ۩، قلت يا الله، تُخاطِب مَن أنت؟ أحجاراً صلدات، غير معقول يا رجل، يا رجل اتق الله، قلنا مائة مرة وينبغي أن يعرف هذا هو وأمثاله أن هذه الآية نزلت عقيب الحُديبية وليس عقيب فتح مكة، وهي نزلت في مَن؟ نزلت في الصحابة الذين كانوا مع النبي، على كل حال هناك معية في قول الله مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ ۩، الذين اسم موصول من ألفاظ العموم، قال الله وَالَّذِينَ مَعَهُ ۩ فينبغي أن يعم الاسم الموصول، لكن يعم مَن؟ الذين معه، هذه المعية مُطلَقة لكن هل يعم كل مَن رأى النبي في أي وقت؟ مُستحيل، لماذا؟ لأن هذه المعية مُقيَّدة أيها الإخوة بمَن كان معه وقت نزول الآية، والذين كانوا معه وقت نزول الآية هم الصحابة الذين وصفهم الله بأنهم أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ۩ الذين كان فيهم مُعاوية وأبوه أبو سُفيان، هذه الآية ضد مُعاوية، لا يُمكِن أن تشهد لمُعاوية، جعلوها تشهد لمُعاوية، لا أدري كيف ينطقون، أستغفر الله العظيم، كأنهم يقولون لله يا رب لا ينبغي أن تتحدَّث هكذا، نحن سنلعب بكلامك، لا نستطيع أن نُحرِّفه لكن سنُحرِّف التأويل، سنُحرِّف تأويله ونضحك على العامة، أنت تأتيني بآية منطوقها تمدح الصحابة لشدتهم على قوم فيهم بل رأسهم أبو سُفيان ثم آل أبي سُفيان وأمثال هؤلاء، وعُتبة طبعاً ويزيد ومُعاوية وإلى آخره، أولاد أبي سُفيان كانوا في الكفر والشرك، والقرآن يمدح الصحابة بأنهم أشداء على أمثال هؤلاء الناس، قالوا هذه الآية تتحدَّث عن أبي سُفيان وعن مُعاوية، غير معقول، يا أخي أي علم هذا؟ اتقوا الله، وحين نأتي بفضيلة للإمام عليّ – عليه السلام – وأهل بيته يقوم لك ابن تيمية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية هذه السورة مكية، وعليّ تزوَّج فاطمة في المدينة، كيف تُنزِّلون هذه الآية مكية – إذا صح هذا الكلام طبعاً في مُناسَبة مُعيَّنة، فهذه آية مكية – على شيئ سيأتي بعد ذلك في المدينة؟ غير معقول، حين نزلت لم يكن هناك زواج من فاطمة ولا ما يحزنون، عن أهل البيت ما شاء الله عندكم دقة منهجية، لكن مع مُعاوية وجماعة مُعاوية لا، ينتهي المنهج ويبدأ العبط والضحك على الناس، يتم الضحك على الذقون، أرأيتم؟ شيئ غريب، أنا وجدت من هذا الشيئ الكثير الذي أحزنني حقيقةً، هذا كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله وعفا الله عنه وسامحه – الصارم المسلول على شاتم الرسول، فقط كمثال – أحببت أن أقف بكم على مثال واحد والأمثلة كثيرة جداً – اسمعوا، يقول: فروى ابن وهبٍ: أخبرني سفيان بن عُيينة عن عمر بن سعيد أخي سُفيان بن سعيد الثوري عن أبيه عن عباية قال: ذُكِر قتل ابن الأشرف – مَن ابن الأشرف؟ كعب بن الأشرف، طبعاً كتب عن قتل ابن الأشراف وقصته، الذين كان يهجو النبي ويأمر بهجائه، كان يتكلَّم في العرض، لعنة الله على هذا اليهودي المُلحِد – عند مُعاوية فقال ابن يامين: كان قتله غدراً – أستغفر الله العظيم، أستغفر الله العظيم، غُدِّر مَن هنا؟ الرسول، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ ۩، غُدِّر الرسول، في مجلس مَن؟ الطاغية مُعاوية، أنا أعرف هذا الطاغية، وسوف ترون أنه طاغية، في مجلس الطاغية مُعاوية غُدِّر الرسول، أقول في مجلس الطاغية مُعاوية ولا أقول فيه أقل من هذه الكلمة، قال كان قتله غدراً، أستغفر الله العظيم، أيُغدَّر الرسول؟ مُعاوية كان ساكتاً هادئاً، لم لا؟ أغدر هذه الأمة في وقته مُعاوية بن أبي سُفيان بشهادة أبي إسحاق السبيعي، قال كان والله غدّاراً، الإمام أبو إسحاق السبيعي قال في مُعاوية كان والله غدّاراً، خاطب أهل الكوفة قائلاً وكل شرط شرطته للحسن بن عليّ تحت قدماي هاتين ولا أفي به، قالوا لك صح وما صح لكن أنا أقول لك حتى لو لم يصح ما فعله يُؤكِّد أنه لم يف للحسن تقريباً بشيئ أبداً، فقال أبو إسحاق السبيعي كان والله غدّاراً، وقال شريك بن عبد الله القاضي هذا والله هو التهتك، قال هذا عن مُعاوية، قال هذا الرجل مُتهتِك، هذا لا يتمسَّك بأي أذيال من الدين، رجل مُتهتِك، وسوف نرى هذا، علماً بأنكم في كل حلقة سوف تُصدَمون بأشياء أشد وأشد أشد، اسمعوا الآن ماذا يقول -، فقال محمد بن مسلمة: يا مُعاوية أيُغدَّر عندك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تُنكِر؟ – كيف تسكت؟ خليفة وأمير المُؤمِنين يُغدَّر عنده نبيه إذا آمن به، لا أدري، هل يُؤمِن به؟ هل يُجِله؟ كم من مرة أو كأين من مرة يرد حديث رسول الله؟ يرده بكل بساطة وبكل استخفاف، طبعاً هنا النبي يُوصَف بالغدر، النبي الأمين يُوصَف بالغدر، اسمه الأمين عند الكفّار قبل الإسلام، لكن في مجلس مُعاوية بن أبي سُفيان هو الغدّار، سوف نرى ابن تيمية الآن، لا يُعلِّق بكلمة على هذا والله العظيم، لا يُعلِّق على الطاغية بكلمة، لأن هذا مُعاوية، حتى لو غُدِّر النبي سوف نسكت، سوف ندّعي أننا لم نسمع ولم نقرأ، لكن أنت كتبت يا ابن تيمية الكلام هذا وستُسأل عنه يوم القيامة – والله لا يظلني وإياك سقف بيت أبداً ولا يخلوا لي دم هذا إلا قتلته.

قال له هذا اللعين اليهودي – ابن يامين – سوف أقتله، يُغدَّر نبيي أمامي، ابن تيمية لم يُعلِّق، قال وقال الواقدي كذا وكذا، لم يُعلِّق أبداً على الراوية، لم يقل على الأقل غفر الله لمُعاوية، لكي أكون صادقاً إن شاء الله – وأنا أُحاوِل هذا دائماً بفضل الله عز وجل ولا أكتم شيئاً – في قراءتي لهذا الكتاب الكبير أقول أن في صحيفة مائتين وأربعة ذكر المسألة هذه مرة أُخرى، اسمعوا هذا، الآن تكلَّم وعلَّق عليها، قال: وقد تقدَّم حديث محمد بن مسلمة في ابن يامين الذي زعم أن قتل كعب بن الأشرف كان غدراً وحلف – أي قسم – محمد بن مسلمة لئن وجده خالياً ليقتلنه لأنه نسب النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الغدر ولم يُنكِر المسلمون عليه ذلك – طبعاً كيف يُنكَر؟ يُنكَر على طاغيتك مُعاوية سكوته، لا يُنكَر على هذا – ولا يرد على ذلك إمساك الأمير إما مُعاوية أو مروان – لأن في رواية ثانية هذا حدث في مجلس مروان بن الحكم، قال سكت مُعاوية أو مروان ولم يتكلَّم – عن قتل هذا الرجل لأن سكوته – نعم هو سكت – لا يدل على مذهب – انظر إلى هذا بالله عليك، لا يدل على رأي مُعيَّن، رأيه لا يقول أنا معه أو ضده، سكت وانتهى الأمر – وهو لم يُخالِف محمد بن مسلمة – أي تقتله أو لا تقتله، يتحدَّث عن موضوع تهديد ابن مسلمة بقتل هذا اللعين، يتكلَّم في هذه المسألة ابن تيمية – ولعل سكوته لأنه لم ينظر في حكم هذا الرجل أو نظر فلم يتبيَّن له حكمه أو لم تنبعث داعيته لإقامة الحد عليه أو ظن …. انظر بالله عليك إلى هذا، يقول أو أو أو ، ما شاء الله عليك يا ابن تيمية، ومَن المطعون؟ رسول رب العالمين، من أجل ماذا؟ من أجل سواد عيون مُعاوية أو مروان، هذا شيخ الإسلام، كما قلت لكم هذه المسائل تُؤخَذ هكذا، لا يُمكِن لإنسان أن يقول هذا، وهذا كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول، الرجل مُهتَم كثيراً بهذا، فعلاً مُهتَم ابن تيمية وجزاه الله خيراً، هذا كتاب عظيم فيه فوائد وفيه مصائب مثل هذه، هذه مُصيبة كبيرة، هذا كتاب عظيم جداً، مَن قرأه يعلم أن هذا الرجل بلا شك إمام، ابن تيمية إمام وبحر علم بلا شك، لكن المسألة يا حبيبي ليست بالعلم وليست بكثرة المحفوظ، المسألة بالحق وبالصدق مع الله ومع النفس ومع الناس ومع الحقيقة، هذا الذي يهم عند الله، وإلا العلم يكون ربما من الاستكثار من حُجج الله على المرء، عفا الله عنا جميعاً وسامحنا، فأقول ابن تيمية مُهتَم بأمر الرسول وبشرف الرسول وما إلى ذلك، هذا كله في الصارم المسلول على شاتم الرسول، لكن أنا أقول لكم خُذوا هذا عني للأسف الشديد بكل ألم ومرارة: إلا إذا مس الأمر مُعاوية وشيعته، هذا لا يهم، هنا حتى نغض الطرف، يبرد الدم حتى في حق رسول الله، تخف الغيرة أو تُعدَم حتى في حق رسول الله، ما رأيكم؟ وهذا سوف يبدو لكم دائماً حلقة فحلقة، سوف تُصبِح هذه لكم مسألة واضحة مُبرهَنة، إذا الأمر يمس مُعاوية وجماعة مُعاوية لا، كل شيئ يتراجع إلى الخلف حتى الغيرة على رسول الله وعلى شرف الله وعلى أهل بيته طبعاً، هذا موجود كثيراً عند ابن تيمية، على أهل بيته هذا عادي، لا مُشكِلة ما دام الحديث عن مُعاوية، هذا مُعاوية، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، أكتفي بهذا القدر على أن أُكمِل في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: