الأخبار والآثار 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.

انتهينا إخواني وأخواتي إلى موضوع اللفت إلى نُكتة الدعوة، لماذا بالذات؟ قلنا لأن هذا الرجل كان رجلاً نهماً، ليس فقط إلى الطعام والشراب واللباس والمراكب بل وإلى السُلطة وإلى الإمارة وإلى المال وإلى الظهور والتسلط على عباد الله، وقلنا أن الفاروق عمر استولاه واستعمله على مكان أخيه يزيد بن أبي سُفيان حين استُشهِد بالطاعون، يزيد استُشهِد بالطاعون المشهور طبعاً في بلاد الشام وفي عمواس ويُقال أنه أوصى – في بعض الروايات أوصى – أن يكون إن أمكن على مكانه – على دمشق الشام – أخوه مُعاوية، فعمر عمل بذلك، وسأله أبو سُفيان فقال له أنت جعلت مُعاوية على عمل أخيه، فقال وصلتك رحم يا أمير المُؤمِنين، هذا في آخر خمس سنوات، لكن بقيَ خلافة عثمان على طولها أميراً على دمشق، وهي زُهاء ثنتي عشرة سنة إلا شهراً، باستثناء شهر واحد، أي إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً، إذن ثنتي عشرة سنة بالتقريب، ثنتا عشرة زائد خمس يُساويان كم؟ سبع عشرة سنة أميراً، أمير قيصري، كما نقول اليوم لمُبارَك ولعليّ عبد الله صالح وللقذّافي كفاية، كفاية يا أخي، اذهب، لكن لا، كيف يُقال كفاية لمُعاوية بعد سبع عشر سنة في المُلك الصغير على دمشق؟ طبعاً سيدنا عثمان جمع له الشامات كما قال المُؤرِّخون مثل ابن كثير والذهبي، ما معنى الشامات؟ الغور والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا الكُبرى، كل هذا له، كل هذا صار بيد مُعاوية، وهذا كان شيئاً سيئاً جداً جداً، أطمعه في أمر أعظم، ولذلك أنا أقول لكم – هذا تحت الحساب سريعاً بجُملة واحدة – مُعاوية مُتورِّط إلى حد بعيد في قتل عثمان وخذلانه، وسيأتيكم هذا بحثاً مُفصَّلاً بإذن الله تعالى، مُعاوية يبعث جيشاً يُنجِد عثمان ويقول لجد خالد بن عبد الله القسري الملعون المُجرِم القتّال وتقف بالجيش عند ذي خشب – شمال المدينة المُنوَّرة – ولا تتعدى ولا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، أنا الشاهد وأنت الغائب، وهذا بإسناد صحيح، ورواه ابن شُبة – عمر بن شُبة – في تاريخ المدينة، كتاب عظيم موجود كاملاً على الوقفية، نزِّلوه واقرأوا هذا الخبر، ورواه غيره، سيأتيكم التحقيق إن شاء الله، هذا موجود على الوقفية مُحقَّقاً في مُجلَّدات لعمرو بن شُبة رحمة الله تعالى عليه، قال له أنا الشاهد وأنت الغائب، إذن لماذا بعثته يا مُعاوية؟ ذراً للرماد في العيون فقط، لكي يقول لعثمان أنا بعثت لك الجيش ولكن لم يبلغ، وجاء الجيش وعثمان كان مُحاصَراً ولم يدخل ولم يُنجِده، والعجيب أنه كان في قتلة عثمان رجل اسمه رومان الشامي، وهذا الرجل كان في حاشية مُعاوية بعد ذلك، وهناك ما هو أعجب ولم يأت بعد، قلت لكم مَن قرأ وحقَّق – والله – يشيب رأسه، سوف تفهمون أشياء عجيبة، وليس هذا فحسب إخواني وأخواتي، من كبار قوّاد مُعاوية العسكريين أبو الأعور السُلمي عليه من الله ما يستحق، هل تعرفون مَن هو أبو الأعور السُلمي؟ أبو الأعور السُلمي هو الذي حمل الكتاب المُزوَّر على سيدنا عثمان الشهيد – رضوان الله تعالى عليه – والذي زوَّره بختم عثمان مروان بن الحكم الملعون ابن الملعون والوزغ ابن الوزغ بعد طبعاً أن انفصل الثوّار من أهل مصر وعادوا وقد اطمئنت – الحمد لله – نفوسهم وخفت ثورتهم وثورة دمهم وأقنعهم الصحابة وخاصة الإمام عليّ وعثمان وافق على أن يعزل الوالي وإلى آخره، وهم يُريدون محمد بن أبي بكر طبعاً، فإذا بكتاب يقول للوالي إذا بلغك كتابي هذا فخذ محمداً فاقتله وخُذ هؤلاء وافعل وافعل وافعل بهم، وبعد ثلاثة أيام في الطريق إذا برجل فارس – على فرس – يتقدَّمهم مرة ويتأخَّر عنهم مرة، بعد ذلك قال لهم ما هذا؟ إن له شأن، ثم قال له هلم، قبضوا عليه وقالوا ما معك؟ قال ليس معي شيئ، قالوا ما معك؟ قال معي كتاب، محمد بن أبي بكر قال تعالوا أيها الناس، أحضر القوات وما إلى ذلك وقال لا أفتحه وحدي، فتحوا الكتاب أمامه ووجدوا أنه مختوم بختم عثمان وفيه الرسالة، جُنَّ جنونهم، قالوا عثمان خدع وغدر، لكن ليس عثمان الذي خدع وغدر وإنما مروان الملعون، الوزغ ابن الوزغ، النبي لعنه وهو يعرف لماذا لعنه ولعن أباه، فعادوا إلى المدينة وقد جُنَّ جنونهم، وعثمان حلف وأقسم بالله إنه لبريء من هذا الكتاب ولا يدري، قالوا فسلِّمنا الذي زوَّره فأبى، ضعف عثمان، رضوان الله على عثمان، إنسان بار بأقاربه، عنده عطف وعنده رقة غريبة الرجل هذا – رضوان الله عليه – والله العظيم، قال لا أُسلِّمه حتى لا يقتلوه، فليقتلوه ويذهب في ستين داهية وإلا سوف تُقتَل أنت، قال لا، سوف يُنجِدني مُعاوية، وتم الحصار ووصل الجيش – جيش القسري – بذي خُشب، وظل الجيش جالساً حتى قُتِل عثمان شهيداً مظلوماً ثم رجع الجيش إلى الشام!
أبو الأعور السُلمي هو الذي كان حاملاً للكتاب، هذا أصبح بقدرة قادر من كبار قوّاد مُعاوية، ألا ترون أن هناك خُطة؟ كما أقول دائماً بنصف ذكاء يفهم الغبي أن هناك خُطة، ابن تيمية والذهبي يُريدان أن يكون التاريخ ما شاء الله واضحاً، يظهر مُعاوية مثل اليوم في الفيديو Video بالألوان ويقول أنا تآمرت على عثمان وقتلت وما إلى ذلك، لا يا بابا، نحن لنا عقل، نقرأ الأحداث ونربط، بسبب الذين دوَّنوا التاريخ ودسوا وحرقوا وأعدموا الوثائق هناك أشياء تبقى مُفرفَطة كما يُقال، أي فُرط، تبقى فُرطاً غير مُنظَّمة، يأتي الوعي التاريخي والذكاء التحليلي ينظمها في سلك فرضية مُعيَّنة فتلتئم كلها ويبدو وجه المُؤامَرة كالحاً، ومن ثم نفهم، هل فهمتم؟ سوف تسمعون وسوف يقول الواحد منكم لي أنا أشعر حقيقةً – كما قلت لكم – بنوع حتى من الجمال في هذا الكلام، إي والله، جمال الحقيقة، جمال البُرهان، جمال أن تفهم، لا نبقى مُغيَّبين ولا مُضيَّعين ولا تائهين لا نفهم شيئاً، أحداث وأسماء وأرقام لا نفهمها، لكن نحن نُريد أن نفهم كل شيئ، في حاشيتك رجل اسمه رومان، هذا كان من المُتهَمين بقتل عثمان، لماذا أصبح في الحاشية؟ يأخذ جزاءه وإلا سوف يفضح الأمر أو يُسَم كما سُمَّ غيره لكن تخرج الرائحة دائماً، أبو الأعور السُلمي هوالذي حمل الكتاب، أليس كذلك؟ والذي أعطاه إياه مروان وليس عثمان، لكنه قال لهم كتاب عثمان، رجل كذّاب ضالع في المُؤامَرة، أصبح قائداً عندك، قائد جيشك – الرواية واضحة وصحيحة – قال هناك أوامر بألا أدخل المدينة مهما حصل، أظل بذي خُشب، ولماذا بُعِثت؟ فواضح أن مُعاوية ضالع في قتل عثمان وأراد قتله، وليس هذا فحسب، لماذا ابن عثمان وهو أكبر أولاد عثمان واسمه عمرو – عمرو بن عثمان بن عفان – تُؤخَذ لحيته في المدينة المُنوَّرة يوم الحرة وتُنتَف؟ مُسرِف بن عُقبة – لعنة الله عليه – الذي دمَّر المدينة واستباحها ثلاثة أيام قالوا له مَن هذا؟ قال هذا الخبيث ابن الطيب، هذا عمرو بن عثمان، قال له تعال، ونتف لحيته، لماذا هذا الحقد؟ لماذا هذا الحقد الأُموي على رجل عثماني أُموي؟ هذا ابن عثمان، أنتم أخذتم الخلافة باسم عثمان، لماذا تفعلون فيه هذا؟ لأن عندنا سند صحيح رواه الإمام أحمد في المُسنَد يُمكِن أن يُفهَم منه أن عثمان أراد أن يُهيء ابنه لكي يكون خليفة بعده، بسند صحيح قال له يا بُني إن وليت هذا الأمر يوماً فأحسِن إلى قريش، سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر بكذا وكذا، هذا يعني أن الأمر واضح، يُهيئه نفسياً لأنه ربما يتولى الأمر، وهذا طبيعي، فعثمان فكَّر في هذه المسألة، وهذا يُغضِب مَن؟ الذي كان يتزيَّن كما شهد ابن سيرين والحسن البصري وغيرهما، قالوا كان يتزيَّن للخلافة من أيام عثمان، واضح أن الرجل يُريد الخلافة، مائة قرينة وقرينة على أن مُعاوية يُريد الخلافة يا جماعة، طبعاً ونالها، ورأينا بأي ثمن نالها، هذه المُؤامَرة كلها، لكن هذا كله تحت الطاولة، لما نأتي إلى الحلقة الخاصة بتآمر وضلوع مُعاوية في الأسبوع القادم، الأسبوع القادم سوف يكون مجلسنا عن حديث تقتله الفئة الباغية، سوف نفهم المسألة من جذورها، أنت تُطالِب بدم عثمان وأنت الضالع في قتل عثمان، لك الدور الرئيس، ولذلك أنا حين عرفت هذه الحقائق قلت يا لله، هل شهد تاريخ هذه الأمة طاغية بحجم مُعاوية؟ لم يشهد تاريخها طاغية مثل مُعاوية، شيئ مُخيف الرجل هذا، مُخيف حقيقةً يا جماعة، شخصية مُخيفة جداً جداً جداً، كم قتل الصحابة؟ سوف نرى هذا كله فيما بعد فلا نستعجل، سوف نُكمِل إن شاء الله.

لذلك النبي يرى أن هذا الرجل النهم – النهم إلى المال وإلى السُلطة وإلى الكُرسي – فيدعو عليه دعوة من جنس ذنبه، يقول لا أشبع الله بطنه، لأنه لا يشبع، لا يشبع من أي شيئ!
المُهِم قال سبع عشرة سنة أميراً على الشام، تكفي وزيادة، تقاعد يا رجل، لكن هيهات، فعينه على الخلافة كلها وسينالها ولكن بأي ثمن؟ بدماء سبعين ألفاً من المُسلِمين في صفين، سبعون ألف أُريقَت دماؤهم لكي يصير مُعاوية خليفة، لا كانت الخلافة ولا كان الحكم، والله لا كانت الدنيا بما فيها، والله الذي لا إله إلا هو رجل يُؤمِن بالله واليوم الآخر – أُقسِم بالله – ويُوقِن بلقاء الله – أُقسِم بعزة جلال الله – لو أُعطيَ مُلك الدنيا وما فيها ألف ألف سنة على أن يكون الثمن أن يقتل رجلاً واحداً بغير حق والله العظيم لا يقبل، أنا شخصياً أُقسِم بالله لا أقبل، لأني أعرف أنني سأُخلَّد في جهنم، لا أن أُريق سبعين ألفاً من الدماء، لكن هذا عادي، ولا يطرف له جفن، علماؤنا – علماء مُعاوية وعلماء السُلطة، خاصة عُلماء السُلطة الأُموية – يقولون اجتهد فأخطأ ما شاء الله، له أجر ما شاء الله بعدد سبعين ألف دم أُريق، الله أكبر يا أخي، أي فقه هذا؟ أي عقلية هذه؟ شيئ غريب، ويقولون لماذا الأمة حُكِمَت بالطواغيت وبالعائلات ألف وأربعمائة سنة؟ بهؤلاء الفقهاء وبهذه الآلية، ولماذا يا عدنان تتكلَّم في الموضوع؟ لأنني أُريد أن أُفكِّك وأن أنسف هذه الآلية في التفكير، أُريد أن أنسف هذه الثقافة وأُقسِم بالله على هذا، لا أُحِب لأمتي أن تبقى بلهاء معصوبة العينين ومُضيَّعة الوعي إلى أن تلقى الله، لا يجوز يا أخي، لا يجوز، ينبغي أن نُنشيء ثقافة جديدة، هذا هو، بدماء سبعين ألفاً من المُسلِمين وبقتل خيرة عباد الله من صالحي الصحابة والتابعين وعموم أمة رسول رب العالمين وبسبي المُسلِمات وبيعهن في الأسواق على عِظم سوقهن – همدان وبٌسر بن أبي أرطأة – وبذبح الأطفال على مرأى من أمهاتهم ومشهد وبتغوّل أموال الأمة تُشترى بها الضمائر والذمم ويُفسَد بها أديان الرجال وبالتدجيل والخداع والكذب والزور وبالتمرد على الإمام الحق المُبايَع له من عموم المُسلِمين في عموم الأمصار خلا الشام وباصطناع أخس الوسائل في التخلص من الخصوم وبـ وبـ وبـ ، حتى قال له سعد بن أبي وقاص – رضيَ الله عنه – وقد دخل عليه فحياه السلام عليك أيها الملك، سعد يُعرِّض بمُعاوية، قال له ملك، قال السلام على الملك، قال له وما عليك لو قلت يا أمير المُؤمِنين؟ قال له لا والله، ما أُحِب أنها كانت لي – أن أكون مكانك وأُصبِح خليفة – وأن أليها بالذي وليتها به، قال له أنت تعرف يا مُعاوية ماذا فعلت حتى تحصل على هذا الكرسي، أنا والله لا أُحِب أن أكون مكانك، هل ارتكبت كل ما ارتكبت من أجل أن تُصبِح خليفة؟ كُن خليفة، هل ستعيش إلى سنة ستمائة للهجرة؟ إلى ستين للهجرة ثم ترد على رب العالمين!
بعد ذلك زيادةً في البيان إخواني وأخواتي وتجليةً لوجه الحق في موقف رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – نقول قد أنزل الله – عز وجل – في سورة الأنفال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۩، الرسول ليس طاغية – حاشاه – وليس إمبراطوراً وليس ملكاً وليس قيصراً، هذا رسول، رحمة للعالمين أُرسِل وابتُعِث، بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۩، الرسول لم يدع على مُعاوية لأنه غضب بسبب أن بعض مزاياه انتُهِكَت وما إلى ذلك، هناك قضية إلهية، الله قال هذا رسولي وأنا ابتعثته، حقه أنه إذا دعاك أن تُلبي من فورك بلا تأخر، لكن أنا آكل، كيف تقول أنا آكل؟ لا شبعت بطنك، أتأكل؟ وليس هذا فحسب، لو كنت تُصلي ترد عليه في الصلاة، وأنت تُصلي وليس وأنت تأكل بصل ولحم، قد تقول لي بالغت يا عدنان، لم أُبالِغ لكن أنت لا تعرف، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المُعلى – مَن الذي أخرج؟ البخاري في الصحيح عن أبي سعيد بن المُعلى – كنت أُصلي فدعاني النبي – صلى الله عليه و آله وسلم – فلم أُجِبه، قلت – أي بعد أن انصرفت من صلاتي – يا رسول الله إني كنت أُصلي، قال – صلى الله عليه وآله – ألم يقل الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۩؟ سوف تقول لي يا خيبة مُعاوية، ويا خيبة مَن دافع عنه، أكل! الصلاة ليست عُذراً أن تتأخَّر عن جواب رسول الله، الصلاة وليس الأكل، لذلك قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال الإمام أبو عبد الله الشافعي وفي هذا دليلٌ على أن الفرض من القول أو الفعل إذا أُوتيَ به في الصلاة لا يفسِدها، لأن فرضاً أن تُجيب الرسول، وأنت تُصلي افعل هذا الفرض وصلاتك صحيحة، لأن هذا فرض، كما أخرج الإمام الترمذي عن أبي هُريرة رضيَ الله عنه أنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – خرج على أُبي بن كعب وهو يُصلي – هذه قصة ثانية الآن، في الأول ذكرنا البخاري وأبا سعيد بن المُعلى، الآن عندنا الترمذي وأُبي بن كعب القارئ الجامع للقرآن والذي يُحِب الله أن يسمع صوته وهو يُصلي – فقال له يا أُبي فالتفت – أُبي التفت للنبي ثم لم يُجِبه، ظل في الصلاة، واصل في الصلاة – وصلى وخفَّف – أسرع في الصلاة – ثم انصرف – ما معنى انصرف؟ من صلاته، أي أنه سلَّم، ترك الصلاة الآن – فقال السلام عليك يا رسول الله، قال وعليك السلام، ما منعك أن تُجيبني إذ دعوتك؟ – الله أكبر، لكن أنا في صلاة، ولو، في الصلاة تُجيب، هذا الرسول، هذا ليس ملكاً أو إمبراطوراً، رسول هذا يا أخي، مُعاوية لا يفهم هذا، مُعاوية كأين من حديث بلغه عن رسول الله ورواه هو يضرب به عُرض الحائط، يقول وإن، ماذا نفعل؟ هذا مُعاوية، قالوا مُؤمِن عظيم وتقي، الله أكبر – قال كنت في صلاة، قال ألم تجد فيما أُوحيَ إليَ أن اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۩؟ قال قلت لا أعود يا رسول الله إن شاء الله، لا أعود إن شاء الله، تتمة الحديث طبعاً: قال تُحِب أن أُعلِّمك سورةً لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفُرقان مثلها؟ قلت نعم – أجل – يا رسول الله، قال كيف تقرأ في الصلاة؟ – حين تفتح الصلاة ماذا تقرأ؟ – قال فقرأ أم القرآن – أم الكتاب، أي الفاتحة -، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والذي نفسي بيده ما أُنزِلَ في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها سبعٌ من المثاني والقرآن العظيم الذي أُعطيته، فالشاهد هو أنك يجب أن تُلبي دعوة رسول الله وإن كنت في صلاة وليس على قصعتك، وإن كنت في أعظم مقام – مقام مُناجاة رب العالمين في الصلاة – تقطع وتُلبي وليس على قصعتك ويبعث لك مرتين أو ثلاثاً فتقول في كل مرة آكل، فلا أشبع الله بطنك!
هذه الأحاديث أيها الإخوة ألم تروا أن فيها أقطع جواب وأمضاه وأوجزه وأقواه على شُبهة ابن حجر الهيتمي الفقيه في تطهير الجنان واللسان؟ قال لعل مُعاوية فهم أن الأمر ليس يقتضي الفور، ليس لازماً أن يُلبي مُباشَرةً، عنده عذر سوف نُخرِّجه له، هل هذه الأحاديث رد أم ليست رداً؟ تُجيبه وأنت في الصلاة، قد تقول لي هذه ليست رداً، لماذا؟ مُعاوية لم يكن فاهماً، لم يكن عارفاً لهذا الشيئ، لم يعرف هذا الفقه مثل أبي سعيد بن المُعلى وأُبي بن كعب، فهما لم يعرفا بوجوب إجابة النبي حتى في الصلاة، ومُعاوية لم يكن يعرف أنه ينبغي أن يُجيب رسول الله وأمامه القصعة، فهذه مثل هذه، مُعاوية لم يعرف، لو عرَّفه الرسول لعرف وانتهى الأمر، مثلما عرَّف أبا سعيد، لكن هذا غير صحيح، لا يزال الجواب حاضراً، هل تعرفون لماذا؟ لأن الأمر لو كان كذلك لما دعا عليه النبي، ليس مثل النبي مَن يعجل وإلا لدعا على أبي سعيد بن المُعلى أيضاً وعلى أُبي، لكن لما علم النبي أنهما لا يعلمان وتصرَّفا عن حُسن نية وهما الطيّعان المُخبِتان الخاشعان الباخعان لأمره وبأمره لم يدع عليهما، بالعكس بل عاد عليهما بعائدة وعلَّم أُبياً – ما شاء الله – فائدةً من أعظم الفوائد بخصوص فضل سورة الفاتحة، وتعلَّمنا هذا نحن بفضل الله إلى اليوم، وهذا من فضل الله، لكن في حق مُعاوية لم يفعل هذا، بالعكس النبي عاجله بدعوة أشقته في حياته، لماذا؟ لأنه يعلم أنه يستحق هذا، وأنا أقول لكم الذي يلوح – كما أشرت إليه قُبيل قليل – أن النبي ربما لم يدع عليه فقط لأجل هذه الواقعة، وإنما لما سبق في علمه بإعلام الله إياه ما سيكون منه، بدليل الأحاديث الصحيحة الأُخرى التي يُحذِّر فيها النبي من مُعاوية، وهنا قد يقول لي أحدكم والله شوَّقتنا يا أخي، ائتنا بحديث بواحد، وسوف أقول له ذكرنا هذا في الأسبوع الماضي، النبي قال أول مَن يُبدِّل سُنتي رجلٌ من بني أُمية، والحديث ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة وحسَّنه، هذا الألباني، أنا لا آتي بكلام من عندي، أنا آتي بكلامهم هم بالذات لكي يكون حُجة قاطعة، وماذا قال الألباني؟ قال لعله – أي الحديث – إشارة إلى تغيير نظام الحُكم من الشورى إلى المُلك، والسؤال مَن الذي غيَّره؟ بالإجماع مُعاوية، فالألباني أحب أن يقول لعله إشارة إلى مُعاوية، لكنه لم يُحِب أن يذكر اسمه، قال لعل قصد النبي هذا، فتفضَّل إذن، هذا يعني أن أول رجل يُبدِّل السنة مُعاوية، وأنا أقول للألباني بارك الله فيك وجزاك الله خيراً على هذه المعلومة الجيدة ولكن تأويلك ليس بصحيح وليس بدقيق، قبل أن يُغيِّر نظام المُلك غيَّر من السُنن عدداً هائلاً جداً جداً، هذا سندرسه سُنةً سُنةً وبالأدلة وبالتخريج، ما هي السُنن؟ فالرجل بدَّل الدين ليس فقط في الخلافة وإنما في أمور كثيرة قبل أن يستخلف ابنه بطريق التوريث وقبل أن يتخذ الأشياء المعروفة على كل حال.

فإذن كلام ابن حجر هباء في هواء، كلام فارغ ليس له أي وزن، غير صحيح، لا تقل لي هذا، لو كان مُعاوية عنده عذر وفهم أن الأمر لا يقتضي الفورية لعذره النبي، وأحق مَن يعذر مَن؟ عذر الكافرين يا أخي وهم يُقاتِلونه وشجوه ولم يدع عليهم، كيف؟ هذا بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۩، هل هذا واضح؟ بقيَ الآن – هذا آخر شيئ في مُحاضَرة اليوم – أن نُجيب عن زعمهم أو أُزعومتهم أن دعاءه – صلى الله عليه وآله – كان من باب وصل العرب كلامها ولا تقصد حقيقة هذا الكلام، مثل قولهم – كما قلنا – لا در درك وقاتلك الله وثكلتك أمك وأشياء مثل هذه، هل هذا صحيح؟ قلنا فإن كان كذلك فلم استجاب الله دعوته؟ النبي كم مرة دعا على الصحابة بهذا الدعاء؟ يقول ما له؟ قاتله الله، هذا أمر عادي، كلمة تُقال دون قصد المعنى، أليس كذلك؟ تربت يمينك، قال هذا لأم المُؤمِنين عائشة، قال ترتب، وما معنى تربت يمينك؟ أصبحت في التراب، لكن المعنى غير مقصود فعلاً، هذه كلمة تُقال دون قصد المعنى، هل استجاب الله في مرة لهذا؟ هل استجاب الله لهذه الدعوات؟ أبداً، الله يعلم والنبي يعلم أن هذه ليست دعوات، كلام يُقال في الكلام، لو كان لا أشبع الله بطنه – وعند النسائي أوضح: اللهم لا تُشبِه بطنه وليس لا أشبع الله بطنه – مثل وصل الكلام ودرج الكلام لما استجاب الله لرسول الله ولما قال مُعاوية أصابتني دعوة رسول الله ولما شقيَ هو بها، فأي تأويلٍ هذا؟ أليس كذلك؟ هؤلاء علماء كبار وقالوا من وصل الكلام ودرج الكلام، يا أخي أين هذا؟ أين الإنصاف؟ الأمور واضحة، فلو كان ذلك كذلك فإذن كان المُتوقَع أن الله يستجيب وصل كلام الرسول في سائر الصحابة والصحابيات، ولم يحدث هذا مرة، أليس كذلك؟ إذن هذا الكلام غير صحيح، ونختم بالحديث عن زعمهم أن هذه الدعوة صارت رحمةً وفضيلةً ومنقبةً لمُعاوية من أجل اشتراط النبي أو مُشارَطة النبي ربه، فما حكاية هذه المُشارَطة؟ نُريد أن نفهم ما هذه المُشارَطة، اسمعوا المُشارَطة الآن وهذا ختام المُحاضَرة اليوم.

أخرج الشيخان عن أبي هُريرة – رضيَ الله تعالى عنهم – قال: قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تُخلِفني، فإنما أنا بشرٌ فأي المُؤمِنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاةً وزكاةً وقُربةً تُقرِّبه به إليك يوم القيامة. هل هذا واضح؟ ليس في هذا الحديث أنه يُؤذيه أو يشتمه أو يلعنه أو يجلده وهو ليس أهلاً كما فهم النووي، هل فيه هذا؟ لم يقل النبي هذا، قال مُؤمِن، كأن النبي يقول إذا أخذنا بظاهر هذا الحديث لا يُوجَد مُؤمِن أشتمه أو ألعنه وما إلى ذلك وهو يستحق، وهذا فيه إزراء على رسول الله وهو غير صحيح ومُتناقِض، وفي أُخرى لهما فاجعلها له صلاةً وزكاةً وقُربةً تُقرِّبه بها إليك يوم القيامة واجعل ذلك كفارةً له إلى يوم القيامة، عجيب هذا، الله أكبر يا أخي، إلى يوم القيامة؟ بمعنى ما عليك إذا أردت الله أن يُكفِّر كل ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر وعدد رمال ليس العالج وإنما رمال الأرض كلها وذرات الكون إلا أن تأتي إلى النبي وتتثاقل كما يُقال – تثقِّل دمك – وتستفزه وتستغضبه بحسب هذه الأحاديث حتى تضطره وتحوجه إلى أن يلعنك أو يسبك ومن ثم يجري عليك التكفير إلى يوم القيامة، أنا شخصياً كعدنان هذه الصياغة لا يُمكِن أن أُؤمِن بصحتها عن رسول الله، هذه حسنة ومنقبة من أعظم المناقب تعني أن النبي يلعنك ويسبك وتبقى كفّارة لك إلى يوم القيامة ما شاء الله، أحسن من الجهاد هذه والشهادة في سبيل الله وحفظ القرآن، أحسن من كل شيئ، لأن ما شاء الله قلم التكفير يجري عليك إلى يوم القيامة، لن يُبقي لك سيئة واحدة، تُبعَث يوم القيامة أطهر من الطهارة، ما هذا الكلام يا أخي؟ ما هذه الألفاظ؟ لعل بني أُمية لهم يد في وضع هذه الألفاظ والأحاديث، لأنهم أكثر قبيل من العرب لعنهم الرسول ولعن أفراداً منهم وحذَّر منهم، فكيف سيتخلَّصون من هذه اللعنات؟ الله أعلم، موضوع لا أقطع به إلى الآن ويحتاج إلى بحث دقيق جداً، ويحتاج – فقط لكي نُشير إلى هذا – أن تُدرَس هذه الأحاديث دراسة دقيقة ويُنظَر في روّاتها وهل هم من عُملاء بني أُمية أو بعضهم على الأقل ولو واحد فقد يكون هو العلة أم لا؟ في كل طريق لابد أن ندرس وليس من طريق واحد، عندنا مَن روى عن جابر وعن عائشة وعن أبي هُريرة، ثلاثة أحاديث ولها طرق كثيرة، فنبحث في كل الطرق ثم نرى، لابد من بحث علمي دقيق يقوم على الاستيراب الآن، وفي بعضها لمُسلِم – كما قلت لكم – أو جلده، قال أبو الزناد هذه لُغة أبي هُريرة، أي جلدته، والحديث أيضاً مُخرَّج عند الإمام أحمد في المُسنَد.

وقد أورد مُسلِم – الإمام مُسلِم – حديث لا أشبع الله بطنه في آخر الباب، هذه الأحاديث كلها أوردها مُسلِم يا إخواني في كتاب البر والصلة والآداب من صحيحه، في الباب الذي ذكرنا لكم عنوانه عن الإمام النووي وحديث لا أشبع بطنه ختم به مُسلِم الباب، ففهم النووي وحُقَّ له – يبدو أن مُسلِماً فهم هذا – بسبب مُعاوية أيضاً وكونه من المُؤمِنين والنبي قال من المُؤمِنين وفي رواية من الأمة أو من المُسلِمين والنبي دعا عليه بهذه الدعوة المُخيفة المُزلزِلة أنه من باب حديث المُشارَطة، ففهم مُسلِم هذا وهو من حقه، لكن هل الأمر كذلك؟

وأورد حديث أنس – الإمام مُسلِم – قال كانت عند أم سُليم يُتيمة – ثلاثة من الرواة قالوا يُتيمة وسائرهم قال يَتيمة، إذن يُتيمة أو يَتيمة – وهي أم أُنس – ليست اليُتيمة أو اليَتيمة، وإنما مَن؟ أم سُليم، فهذا الحديث حتى غير مُرتَّب الكلام، المفروض كانت عند أم سُليم وهي أم أنس يَتيمة، قال عند أم سُليم يَتيمة وهي أم أنس، مَن هي أم أنس؟ أم سُليم طبعاً، وهي أم سُليم بنت ملحان، زوجة مَن هذه؟ أبي طلحة، أنس كان ربيباً له، كان ربيباً عنده في حجره، وهي أخت أم حرام بنت ملحان، وهي زوج مَن؟ عُبادة بن الصامت، وسوف نرى قصتها وكيف ماتت، هذه الصحابية الشهيدة كيف ماتت؟ قصص وأشياء كلها مُتعالِقة على كل حال – فرأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اليتيمة فقال آنت – هذه أنتِ؟ – هيه، لقد كبرت، لا كبر سنك، فرجعت اليتيمة – اليَتيمة أو اليُتيمة الصغيرة – إلى أم سُليم تبكي فقالت أم سُليم ما لكِ يا بُنية؟ قالت الجارية دعا علىّ نبي الله – صلى الله عليه وسلم – ألا تكبر سني أو قالت قرني – أظل هكذا قزمة -، فخرجت أم سُليم مُستعجِلة تلوث خمارها – أي تضعه على رأسها، يُقال لاث العمامة، يُقال لاث على رأسه عمامة واعتمر قلنسوة، لا يُقال لاث قلنسوة لأنها تُحط على الرأس ولا تُلاث، يُقال اعتمر قبعته واعتمر قلنسوته ولاث عمامته، المُهِم كانت تلوث خمارها، – حتى لقيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لكِ يا أم سُليم؟ فقالت يا نبي الله أدعوت على يتيمتي؟ قال وما ذاكِ يا أم سُليم؟ – أي دعوة هذه؟ ما المقصود؟ – قالت زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها، قال – أنس طبعاً قال – فضحك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال يا أم سُليم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشرٌ أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر – هنا الزيادة التي لفت إليها، فيها الاشتراط وفيها التقييد -، فأيما أحد دعوت عليه من أُمتي بدعوةٍ ليس لها بأهل – هذا الاشتراط، هنا ذكر وحدَّد – أن يجعلها له طهوراً وزكاةً وقُربةً يُقرِّبه بها منه يوم القيامة.

هذا الحديث بفضل الله في حدود اطلاعي لم أر مَن التفت إلى هذه الناحية فيه، وقد يكون مفتاح حل هذه المُعضِلة، شيئ لافت جداً، في هذا الحديث بالذات الدُعاء الذي صدر منه – صلى الله عليه وآله وسلم – في حق هذه اليَتيمة أو اليُتيمة هو من باب وصل الكلام، هو هذا، قال لها لقد كبرت، لا كبر سنك، هو هذا، مثل قاتلك الله ولا در درك، أرأيت؟ ولله أبوك طبعاً وتربت يمينك، هو هذا، هذا درج الكلام، أنا أقول أقبل هذا، أقبل أن النبي يقول في حال الرضا أو الغضب إذا خرج مني كلام ظاهره الدعاء مع أنه من درج الكلام ألا أُجاب فيه، لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ هنا تظهر مزية خاصة للنبي، كأن الله قال له – هكذا في الجُملة – أنا لا أرد لك يا خيرتي دعوة، أي شيئ تدعو به أُجيبك، فقال له إلا هذه، لأن أنا عربي، أتكلَّم على منهاج العرب، أقول قاتلك الله – أرأيت؟ – وقاتله الله، النبي ذات مرة قال ما له قتله الله؟ هذا الذي جاء بثوب حقير فالنبي قال ما هذا الثوب؟ هل ليس عنده ثوب أحسن منه؟ قال موجود والله، في العيبة – صندوق فيه ثياب – هناك ثوبان، أحسن من هذا الثوب، فذهب ولبس ثوباً آخر جميل جداً، فالنبي أليس هذا أحسن؟ ما له قاتله الله؟ قال له يا رسول الله في سبيل الله، قال له في سبيل الله، فضُرِبت عُنقه في سبيل الله، هل فهمتم؟ هذا الذي فهمته بفضل الله عز وجل، هذا يعني يا إخواني وأخواتي كأن النبي يقول دعائي الذي يكون في درج الكلام – وهو من درج الكلام ووصله – ولا أقصد به حقيقته أبداً إنما هو على منهاج العرب في البيان والكلام يا رب شرطي عليك ألا تُجيبني فيه في أُمتي، أنا أقوله أحياناً وأنا غاضب وأنا راضٍ، فهذا لا تُجيبني فيه، لأن هنا هذه ليست دعوة، هل هنا أغضبته البنت؟ بالعكس، قال لها آنت هيه، لقد كبرتِ، لا كبر سنك، أي أنه يُداعِبها ويُلاطِفها، فالنبي قال لها لا تخافي، هذه الدعوة – لا كبرت سنك – لن تُجاب – بإذن الله – مع أنها من وصل الكلام، أليس كذلك؟ هذا الذي أفهمه، هذا مقبول، هذا نقبله – انتبهوا إلى هذا، هذا تحقيقي وهو من فتح الله إن شاء الله، وإن شاء الله إن كنت أصبت فهو من فضل الله وفتحه، ولم أُسبَق إليه بفضل الله عز وجل، وإلا فالخطأ مني ومن الشيطان، والله منه بريء ورسوله، هذا الذي لم أُسبَق إليه – وإلا يبقى لدينا أن نقول النبي بشر عادي وهو نبي لكن يغضب ويرضى فربما سب أو شتم أو لعن وهو لا يُريد ذلك ولا يقصده فحاشاه والدليل لا يفعل وليس هذا من خُلقه ما سأختم به وأتلوه على مسامعكم إن شاء الله، فاسمعوا هذا:

قلت والعجيب أن الإمام الطحاوي رحمة الله تعالى عليه – الإمام الفقيه الحنفي الجليل المُتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، صاحب الكتاب العظيم والموسوعة الماتعة شرح مُشكِل الآثار، عنده مُجلَّدات كثيرة، زهاء بضع عشرة ألف حديث، ربما سبعة عشر ألف حديث، شيئ رهيب، يأتيك بالأحاديث هذا الرجل، حديث يُناقِض حديثاً ويجمع بينهما، يقول لك كيف تُؤلِّف بين هذا وبين هذا، كلام النبي يتصادق ولا يتكاذب، وهناك تناقض، الآن أي أحد يستذكر شيئاً من السُنة سوف يقول لي حديث المُشارَطة هذا يتناقض مع أحاديث في ذهني كثيرة صحيحة، كيف سنجمع؟ ماذا سنفعل؟ سوف نرى، الطحاوي هذا كتابه العظيم وهو كتاب فيه فوائد ما شاء الله كثيرة، جزاه الله خيراً، قلت أنني تعجبت منه – في كتابه العظيم شرح مُشكِل الآثار في المُجلَّد الخامس عشر من صفحة مائتين وسبع وستين لأنه لم يلتفت إلى تعارض حديث المُشارَطة مع أحاديث صحاح أُخرى، وقد أورد حديث الاشتراط هذا فكان المفروض أول ما يعمد أن يعمد إلى كشف وجه الصواب عن تعارض حديث الاشتراط مع الأحاديث التي سأتلوها عليكم بعد قليل وهي كثيرة، سوف نتلو ستة أو سبعة على الأقل، لم يلتفت – لم يلتفت وغفل عن ذلك، لم ير أن هناك تعارضاً، لكن التعارض واضح وكبير – إلى تعارضه الصارخ مع أحاديث صحاح أُخر سأذكرها بعدُ وأدار الكلام – كل المبحث في هذا الحديث – على فائدة أي العموم أو التبعيض – تُفيد العموم أو تُفيد التبعيض، ما هذا؟ -، وأما كون حديث المُشارَطة يتعارض مع أحاديث صحيحة أُخر فبيانه:

أخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال كنت أكتب كل شيئٍ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم – أي شيئ يقوله أكتبه، سب أو لعن أو شتم أو أي شيئ، لذلك أبو هُريرة اعترف، ماذا قال؟ قال ولم يكن أحد أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، وهنا تُوجَد مُعضَلة، وهذا في الصحيح، هل تعرفون ما هي المُعضِلة؟ أحاديث عبد الله بن عمرو أقل من أحاديث أبي هُريرة، نحو النصف، إذن لماذا؟ وكيف؟ هو يعترف ويقول أحاديثه أكثر، أليس كذلك؟ وكان يكتب، هذا مُهِم لكي تفهم، دائماً تعوَّد أن تطرح أسئلة، دائماً لا تُسلِّم بأي شيئ، كل شيئ تسمعه ضع له أسئلة، هذا الحديث في الصحيح، هذا في البخاري، يقول أحاديثه أكثر وهو يكتب، أنا لا أكتب، جميل لكن أحاديث عبد الله بن عمرو زُهاء ألفين ونصف، أحاديث أبي هُريرة زُهاء خمسة آلاف ونصف، كيف؟ لماذا؟ أسئلة عن أشياء مُعضِلة تُكسِّر الرأس، لكن لا علينا – فنهتني قُريش عن ذلك وقالوا أتكتب ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشر يتكلَّم في الغضب والرضا؟ – هذه الفكرة التي أخذوها، النبي كما قال في حديث المُشارَطة أنا بشر أرضى وأغضب وما إلى ذلك، هم قالوا له نفس الشيئ، الرسول بشر يغضب ويرضى، ويُمكِن أن يقول كلاماً في حال الغضب لا يقصده – فأمسكت عن الكتاب – أي الكتابة، الكتاب مصدر طبعاً، يأتي إسماً ويأتي مصدراً، كتب يكتب كتباً وكتابةً وكتاباً – فذكرت ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا حق، الله أكبر، يتعارض أو لا يتعارض؟ لم يقل له صدقوا فأنا بشر أرضى وأغضب ويُمكِن أن أقول كلاماً لا يستحقه مَن قلته فيه، قال له لا، لا يخرج مني شيئ إلا حق، يا الله، هل هذا صحيح؟ طبعاً، في رواية إلا حق ما خرج منه، في رواية ما خرج منه – أي من فمه – وفي رواية ثانية ما خرج مني، قال الشيخ شُعيب الأرنؤوط إسناده صحيح، رجاله رجالٌ ثقات، رجال الشيخين، غير عبد الوليد بن عبد الملك – وهو ابن المُغيث -، قد روى له أبو داود وابن ماجة وهو ثقة، فالحديث صحيح، ورواه أبو داود – السجستاني طبعاً وليس الطيالسي، مُتوفى سنة مائتين وخمس وسبعين للهجرة – عن ابن عمرو قال كنت أكتب كل شيئٍ أسمعه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُريد حفظه فنهتني قُريش وقالوا أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشرٌ يتكلَّم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق.

لا تقل لي بشر أرضى وأغضب، قال له هذا الكلام غير صحيح، كله حكم، رضيت أو غضبت كله حق، ولذلك من دعواته المُستجابة وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، يتعارض إذن، حديث المُشارَطة في تعارض، وسوف ترون المبحث فيما بعد، وهذا الحديث عند أبي داود صحَّحه الشيخ الألباني، في كتابه صحيح سُنن أبي داود قال حديث صحيح، وأخرجه الحاكم في المُستدرَك أيضاً عن عبد الله بن عمرو بنحوه وقال عنه حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي في التلخيص صحيح، فالحديث صحيح، ثم روى الحاكم أيضاً بعده عن عبد الله – طبعاً الحاكم رواه في سياق ماذا؟ في سياق الاحتجاج لمشروعية كتابة الحديث، ذكره ضمن جُملة آثار أُخرى في المُستدرَك عن مشروعية وسائغية كتابة الحديث النبوي – حدَّثهم أنه قال يا رسول الله أكتب ما أسمع منك؟ – يسأل النبي هل أكتب كل شيئ؟ – قال نعم، قلت عند الغضب وعند الرضا؟ قال نعم، إنه لا ينبغي لي أن أقول إلا حقاً. هذا هو!

الإمام النسائي روى عطاء بن السائب عن أبيه قال صلى بنا عمّار بن ياسر – رضيَ الله عنهما – صلاةً فأوجز فيها، فقال له بعض القوم لقد خفَّفت أو أوجزت الصلاة، فقال: أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات – قال لا مُشكِلة، لا بأس علىّ، أي ما علىّ من ذلك – سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أُبي غير أنه كنى عن نفسه – لم يقل مَن هو بالذات، فقط بالكناية، كأنه يقول هو أُبي لكن أُبي لا يُحِب أن يقول أنا مَن فعل هذا الشيئ -، فسأله عن الدعاء، ثم جاء فأخبر به القوم: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب – النبي كان يدعو بهذه الدعوة، النبي إذا رضيَ وإذا غضب لا يقول إلا الحق، لا تقل لي يغضب وبعد ذلك يسب ويلعن ويجلد ويضرب وأنت لا تستأهل، عظيمة هذه، أليس كذلك؟ هناك علامة استفهام كبيرة هنا، ما الذي حدث؟ -، وأسألك القصد في الفقر والغنى – اللهم آمين، قولوا آمين -، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قُرة عين لا تنقطع – اللهم آمين -، وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مُضرة ولا فتنة مُضلة، اللهم زيِّنا بزينة الإيمان واجعلنا هُداة مُهتدين. الله أكبر، لذلك عمّار قال لا بأس علىّ، نعم أنا صليت صلاة وجيزة لكنني دعوت بهذه الدعوات، وهذا كافٍ، ماذا تُريد أحسن من هذا؟ إسناده صحيح وأخرجه أيضاً غير النسائي الإمام أحمد.

الإمام مالك في الموطأ والبخاري ومُسلِم وأبو داود عن عائشة – رضيَ الله تعالى عنها – قالت ما خُيّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أمرين قطُ إلا أخذ – هنا قالت أخذ وفي رواية اختار – أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه أو عنه، وما انتقم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنفسه في شيئٍ قطُ إلا أن تُنتهَك حُرمة الله فينتقم.

النبي لا يغضب لنفسه، حين تستفزه أو تغضبه وما إلى ذلك لا يغضب، وهذا في الصحيحين، لا تقل لي يغضب كما يغضب الناس، لكن يغضب لله، والغضبة لله حق، أليس كذلك؟ يغضب بحق، يغضب لله، وهنا قد يقول لي أحدكم عرفنا أنه غضب لله، لكن يُمكِن أن يُجاوِز في كلامه حدود العدل، أستغفر الله، رأينا أحاديث صحيحة كثيرة قال فيها لا وأقسم، قال ما يخرج منه إلا حق، في الرضا والغضب؟ قال له في الرضا والغضب، أرأيتم؟ لابد أن نكون واضحين، هذا النبي معصوم مُنزَّه، إذن لا يغضب لنفسه في شأن دُنيوي، ورأينا الأعرابي كيف أخذف فلببه بحاشية ثوبه حتى أثَّر في عاتقه أو في رقبته الشريفة، والنبي لا يزيد على أن يتبسم، أليس كذلك؟ هذا النبي، أما حكاية أنه سب ولعن وشتم في قلبي شيئ منها، كأن بني أُمية تسبَّبوا في هذه الأحاديث – لا أعرف لكن هكذا يقول لي قلبي – من أجل أن يُبيِّضوا صحائفهم ويقولوا كل الأحاديث الثابتة التي سوف تسمعونها في لعننا وسبنا وشتمنا من باب أن النبي كان غضبان وزعلان فقالها ونحن لا نستحق وسوف تتحوَّل علينا إلى كذا وكذا، وهذا الكلام كله يتناقض مع هذه الأحاديث، النبي لا يقول إلا الحق وفي الرضا والغضب، ثم هو لا يغضب لنفسه أصلاً، دعاخ مرة ومرتين وهذا لا يهم النبي، لكن هو يغضب للحق، وهذا يعني أن النبي حين غضب لم يغضب من أجل نفسه وإنما غضب لأنه رأى مُعاوية يُريد أن يُحقِّر مقام النبي، ألست نبياً؟ لن أسمعك ولن آتي إليك، أنا آكل، فدعا عليه النبي، يغمز إيمانه النبي بهذه الدعوة، هذا ليس شأن المُؤمِنين يا أخي إذا دُعوا إلى الله ورسوله، يقول آكل أكثر من مرة، اذهبوا ودافعوا عنه، هنيئاً لكم بمُعاوية، والله لا أدري بعد أن يسمع الإنسان كل هذه الأشياء ويفهمها كيف بعد ذلك يأتيه قلبه لكي يُحِبه ويُدافِع عنه ويترضى عليه، كارثة هذه، أليس كذلك؟ غير معقول يا أخي فافهم.

المُهِم قالت وما انتقم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنفسه في شيئٍ قطُ إلا أن تُنتهَك حُرمة الله فينتقم، والبخاري عن أنس قال لم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سبّاباً ولا فاحشاً ولا لعّاناً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة – هذا اسم من العتب، لأن المصدر العتب، عتب يعتب عتباً، والاسم ما هو؟ ليس العتب، الاسم هو المعتبة، مثل العتاب، ما المُراد؟ الغضب، كما قال الصحابة لمُعاوية ما كان إلا أن عتب أصحاب رسول الله على ابن عمك، أي غضبوا، ليس العتاب الذي نعرفه، هذا هو، المقصود الموجدة والغضب، يُقال وجد عليه بمعنى غضب، على كل حال هذا السياق – ما له تربت يمينه؟

أرأيتم؟ هذا درج الكلام، يقول تربت يمينه، أي أصبحت في التراب، الله لا يستجيب في هذه الحالة، هذا مُمكِن أن نقبله، لكن لا تقل لي أغضب وأقول كلام غير حق في النهاية وألعنك وأسبك، هذا غير صحيح، أنا أقول لك المُشارَطة أنا أحملها فقط وأستطيع أن أتقبَّلها بلا أي ريبة – بفضل الله – على أنه شارط ربه بخصوص درج الكلام، مثل هذه حين قال تربت يمينه، ومثل قاتله الله ولا در دره وما إلى ذلك، يُوجَد شرط مع ربي هنا، يا رب لا تستجب لي في هذا الكلام، فهذا الكلام أقول كعربي فلا تستجب لي، وفعلاً الله لم يكن يستجيب له في هذه الأشياء، فهو يُمكِن أن يعتب على أي صاحب من أصحابه ويقول له تربت يمينه، قال ثكلتك أمك يا مُعاذ وهو يُحِب مُعاذ جداً، قال له يا مُعاذ والله إني لأُحِبك، ويقول له ثكلتك أمك، هل يقصد أن تثكله أمه فعلاً؟ أبداً، هذا الذي يُمكِن أن نقبله في حديث المُشارَطة، لكن لا نقبل الزعم بأنه يغضب فإذا غضب يسبك ويلعنك ويجلدك ويُؤذيك وأنت لا تستحق، يتناقض مع الأحاديث الصحاح، أليس كذلك؟ ويتناقض مع النزاهة النبوية، أليس كذلك؟ ومع العصمة المُصطفوية، وأنا عندي رسول الله أولى من المُحدِّثين وأولى من الأحاديث، وانتبهوا إلى أن هناك حلقات سوف تأتي – إن شاء الله – بعد ذلك عن هذا، وقد نويت أن أعقد خُطبة طبعاً وسأتكلَّم عن نقد المتون، لست من الناس الذين يقتنعون بأن الحديث إذا صح سنده نقبل به مُباشَرةً، لا يا أخي، كأين من حديث سنده صحيح مائة في المائة ومتنه باطل مُنكَر مائة في المائة، لا نغتر نحن بأن السند صحيح فقط، انتبه فهناك مشاكل، هناك أحاديث صحيحة وسندها ليس فيه أي كلام لكن المتن مائة في المائة غير صحيح، هذا – إن شاء الله – سنفعله، وعدتكم قبل فترة طويلة أن أعقد مُحاضَرات مُطوَّلة أو مُحاضَرة مُطوَّلة تمتد عشر ساعات – مثلاً – ونعقدها على مرتين – إن شاء الله – عن نقد المتن، نقد المتون علم نستوعب فيه الكثير للأسف الشديد، على كل حال هذا من باب نقد المتون ومُقارَنتها مع بعضها، ويدخل في مُشكِل الحديث أيضاً.

هذا يتناقض مع جُملة أحاديثه الشريفة الناهية عن السباب واللعن والشتم المُنفِّرة من ذلك كله، فأحرى الناس أن يكون بعيداً من هذا كله الرسول إلا بحق، لأن انتبهوا إلى أنني لن أكون أحمق كما يُراد لنا ولا أُفرِّق وأخلط بين السب والشتم وبين اللعن، يا جماعة اللعن مُصطلَح شرعي، بالله عليكم افهموا، اللعن ليس كالسب والشتم، يا أخي في القرآن الكريم لعنة الله على كذا ولعنة الله على كذا، قال الله عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ۩ وقال أيضاً أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ۩، مَن اللَّاعِنُونَ ۩ ؟ نحن، البشر أيضاً منهم، أليس كذلك؟ وستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مُجاب وإلى آخره، اللعن موجود، وكم من صفة وحالة وشخص لُعِن على لسان الله ورسوله، فاللعن مسألة شرعية، اللعن ليس سباً كأن تقول لأحدهم كذا في أبوك وكذا في أمك وكذا فيك يا قصير أو يا طويل أو يا أهبل، هذا السب والشتم لكن اللعن مُختلِف، مثل لعنه الله، أي أبعده الله من رحمته، هذا هو، فالآن هذه مسألة أُخرى، وهل يجوز لعن المُعيَّن؟ هذا مبحث آخر لي فيه مُحاضَرة موجودة على اليوتيوب YouTube فارجعوا إليها، أليس كذلك؟ وأتينا فيها بأدلة قوية جداً، المُترجَّح عندي أن المُعيَّن يجوز لعنه، لا تقل لي لا يجوز وإن كان أكثر أهل السُنة يرون عدم جواز لعن المُعيَّن، الذي يُحِب أن يعود فليعد إلى المُحاضَرة ويسمعها بتؤدة ويسمع الأدلة التي فيها، وقد استعنا فيها بأدلة كثيرة من العلّامة محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني، أتى بأدلة من أقوى ما يكون وهو علّامة سُني فانتبهوا، كان زيدياً لكن هو علّامة سُني وخاصة في العواصم والقواصم، فهو سُني، يتحدَّث على منهاج أهل السُنة ورجَّح جواز لعن المُعيَّن بأدلة من الصعب جداً أن تُزوَّر أو أن تُزيَّف، من الصعب أن تردها، من أقوى ما يكون، هناك مَن يقول فلان يلعن، لماذا تلعن يا أخي والمُؤمِن ليس شتّاماً؟ يا أخي الشتم شيئ واللعن شيئ، وهنا قد يقول لي أحدكم لكن النبي قال ليس بلعّان، هل تعرف ما اللعّان؟ اللعّان هو كثير اللعن، الذي يجره كثرة لعنه على أن يلعن مَن لا يستحق، إن شاء الله لسنا من هؤلاء، انتبهوا إلى هذا، أنا شخص انفعالي لكن مهما انفعل لا ألعن إلا مَن أعلم أنه يجوز لعنه مثل الحجّاج ويزيد ومروان بن الحكم وحتى زياد بن أبيه وابنه، هؤلاء ألعنهم، بالأعيان وبالأسماء أقول لعنة الله عليهم، لكن ولا مرة لعنت مُعاوية، إلى الآن لم يترجَّح عندي أن هذا الرجل يُلعَن، أخاف على ديني فلا ألعنه لكن لا أترضى عليه، لن أترضى عليه ولا أُحِبه، بشكل واضح أقول هذا، فأنا لست لعّاناً، ألعن مَن لُعِنَ على لسان الله ورسوله، فهناك فرق بين هذا وهذا، فلا تخلط بين السب والشتم واللعن ومن ثم يكون الرسول في النهاية شتّاماً لأنه كان يلعن، هذا لا يُمكِن، اللعن مسألة شرعية، فإذا قام ولاح وجه الدليل على لعن أحد أو جماعة أو قبيل من الناس بالدليل القاطع لعناهم ولا حرج، هذا أمر شرعي.

قلت إذن هذا يتناقض مع جُملة أحاديثه الشريفة – طبعاً لم آت بها لأنها كثيرة جداً وهي معروفة طبعاً وصحيحة، في الصحاح والمسانيد والسُنن – الناهية عن السباب واللعن والشتم المُنفِّرة من ذلك كله من نحو ما في الصحيحين والترمذي والنسائي عن مسعود قال سباب المُسلِم فسوق وقتاله كفر، الإمام مُسلِم عن أبي هُريرة قال قيل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ادع على المُشرِكين والعنهم، فقال إني إنما بُعِثت رحمةً ولم أُبعَث لعّاناً. هنا قد تقول لي كيف وقد صح عنه أنه لعن فلاناً وفلاناً وفلاناً وهذين وإلى آخره؟ نعم، هذه لعنات محدودة في مرات معدودة وأشخاص محدودين لا تُخرِجه إلى وصف اللعّان، أنه يُكثِر اللعن، النبي لم يكن يُكثِر اللعن، الذي يُكثِر اللعن كبعض الحمقى اليوم للأسف من المُسلِمين والمُسلِمات – الرجل والنساء – كلما ذكر أحداً أو غضب يقول لعنة الله عليه البعيد، أي أنه يلعن كثيراً، فهذا لا يجوز والعياذ بالله، لأن مُعظَم مَن تلعن قد لا يستحقون اللعنة فتبوء أنت بها – والعياذ بالله – وبشؤمها، أليس كذلك؟ شيئ خطير جداً جداً، لا يجوز هذا، النبي – عليه السلام – نهى حتى عن لعن الدواب والأشياء والأدوات، في الصحيح كان في سفر ذات مرة، وغضب صحابي فلعن الناقة، قال لعنها الله، فالنبي قال له انزل عنها فلا تركب عليها فإنها ملعونة، ما دمت لعنتها لا تركبها، أرأيت؟ قال هذا تأديباً له، مُبالَغةً في تأديبه وزجره وزبره عن هذا الفعل السيئ، لا تلعن، هذه دابة غير مُكلَّفة وبريئة، لماذا تلعنها؟ لا يجوز، هذا الذي يستحمق فيُكثِر اللعن، يلعن الباب والقدوم واليوم والساعة والدابة ويلعن أهله وأقرباءه وأصدقاءه وأولاده وزوجه، هذا لا يجوز، أما أن تلعن مَن لعنه الله ورسوله بخصوصه ولعنته واضحة ومُؤكَّدة فيجوز، هذا نتعبَّد به الله – تبارك وتعالى – لكي نُنفِّر الناس من طريقتهم ومنهجهم ولكي نُعظِّم في مُخيلة الناس وفي وهمهم جرائمهم، ليس شيئاً بسيطاً أن تقتل أهل بيت رسول الله، ليس شيئاً بسيطاً أن تسب أهل بيت رسول الله، ليس شيئاً بسيطاً أن تقول لهم أهل بيت ملعونون، فلعنة الله عليك إلى يوم الدين، هذا هو، لابد أن نكون واضحين في هذه المسائل، فيماعدا ذلك نُمسِك ألسنتنا بفضل الله عز وجل، لا نلعن ولا نسب ولا نشتم، والله – تبارك وتعالى – يقول الحق وهو يهدي السبيل.

أعتقد أنني بهذا القدر – إن شاء الله – قد أوعبت القول على ما أظن وأحسب – إن شاء الله تعالى – في دفع التشغيبات والتأويلات الباردة والتخريجات والاعتذارات الكاسدة التي أتوا بها وأجلبوا علينا بها بخصوص حديث لا أشبع الله بطنه مع أن الموضوع أيها الإخوة في الحق وفي الواقع لا يستحق أكثر من جُملة واحدة – كما قلت لكم – وينقطع الكلام، النبي دعا عليه، قلتم وقلتم وقلتم فقلنا هل استُجيب فيه؟ نعم استُجيب وشقيَ بها، انتهى الكلام، هذا لم يُعجِبهم ولم يُقنِعهم وشقَّقوا الكلام وطوَّلوه وأجلبوا بكل شيئٍ بارد وفاسد وكاسد فجرونا وأحوجونا إلى أن نُجاري كلاماً بكلام وطولاً بطول، إن شاء الله أرجو أن نكون أوفينا على الغاية في دفع شُبهاتهم ورد جواباتهم، والله – تبارك وتعالى – يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله رب العالمين.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: