طليعة التبيان (طليعة مُفصَّل البيان في حال ابن أبي سُفيان)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

بقيَت فضلةٌ يسيرة إخواني وأخواتي من كلام الإمام الأمير الصنعاني الكبير رحمة الله تعالى عليه، قال – هذا من ثمرات النظر في علم الأثر – وفي العواصم – ما العواصم؟ ليست العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي رحمه الله، وإنما العواصم والقواصم لمحمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني الصنعاني المُجتهِد الكبير والذي ترجمه الحافظ ابن حجر العسقلاني – وقد اعترف أهل الحديث بأجمعهم بأن المُحارِبين لعليّ رضيَ الله عنه مُعاوية ومَن تبعه بُغاة عليه وأنه صاحب الحق انتهى.

وأما قبول روايتهم عن البُغاة فلما عرفت من الإجماع على قبولهم وأنه ليس مدار الرواية إلا على ظن الصدق وأحسن مَن قال:

(قال النواصب قد أخطأ مُعاوية           في الاجتهاد وأخطأ فيه صاحبه)

أي مُعاوية اجتهد فأخطأ وعليّ اجتهد فأخطأ، الله أكبر، مَن الذي قال هذه المقالة؟ النواصب، مَن النواصب؟ أعداء أهل البيت، هذه مقالة النواصب!

(والعفو في ذاك مرجو لفاعله             وفي أعالي جنان الخلد راكبه)

هؤلاء إن شاء الله في الجنة وهؤلاء في الجنة!

(قلنا كذبتم فلم قال النبي لنا               في النار قاتل عمار وسالبه؟)

كذبتم، النبي يُعطينا إشارات واضحة جداً، ونحن نقول أيضاً كذبتم فلم قال النبي لنا دُعاة النار؟ تقتله الفئة الباغية دُعاة النار، سوف نرى!

ثم قوله – قول مَن؟ الحافظ ابن حجر، عاد إلى مُناقَشة الحافظ ابن حجر الآن – فلا يُعرِّج على مَن تكلَّم فيه إن ثبتت له الرؤية مُراده إلا إذا لم تثبت فيُقبَل فيه القدح – إذا لم تثبت له الرؤية فلم له تثبت له الصُحبة إذن فيُقبَل فيه القدح – وقد نقضه آخِراً لما قال إنما روى عنه مَن روى قبل خروجه على ابن الزُبير – أنا نبَّهتكم إلى هذا، قلت تناقض كلامه، هو بعد أن خرج وقبل ما خرج صحابي، أليس كذلك؟ فما عدا مما بدا؟ لماذا قدحت فيه بعد خروجه على ابن الزُبير؟ هو صحابي وأنت قلت بالرؤية والصُحبة لا يقدح فيه شيئ، يُوجَد تناقض – انتهى.

إلا أن يُقال مراده أنه لم يصح ثبوتها – أي ثبوت الصُحبة لكن هو لم يقل هذا – له… ثم ذكر الصنعاني تصريحهم بتفسيق بعض مَن له رؤية كبُسر بن أرطأة والوليد بن عُقبة، علماً بأن هذا آخر مبحث في ثمرات النظر، هذا الكتاب الصغير زُهاء مائة صحيفة، آخر مبحث فيه الكلام في الصحابة وعدالتهم، هو هذا، وأنا أعطيكتم خُلاصة كلامه رحمة الله تعالى عليه وجزاه الله خيراً، أعني الإمام الصنعاني!

نأتي الآن إلى الإمام محمد بن عليّ الشوكاني، الإمام المُجتهِد المُستقِل رحمة الله تعالى عليه، هذا يتبع الدليل، عنده كتاب نيل الأوطار – وهو كتاب مشهور جداً – شرح مُنتقى الأخبار للمجد بن تيمية، هذا جد شيخ الإسلام التقي بن تيمية، عنده كتاب اسمه مُنتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار في أحاديث الأحكام، أي الأحاديث الفقهية، شرحه العلّامة محمد بن عليّ الشوكاني المُتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف على ما أعتقد – مكتوب هنا توفى سنة ألف ومائتين وخمس وخمسين، أي في القرن السادس عشر الهجري – في نيل الأوطار، لكن مُعظَم اعتماده في هذا الشرح على فتح الباري، لذلك قال أبو الفيض الغُماري لولا ابن حجر لا راح الشوكاني ولا جاء، وهذا الكلام طبعاً فيه نوع مُبالَغة وغض من قيمة الشوكاني، نقول في نيل الأوطار نعم، يكاد يكون عالة على فتح الباري في نيل الأوطار، وإلا فللشوكاني عشرات المُصنَّفات الحفيلة والمُبارَكة الأُخرى، فهذا القول لابد أن يُعقَّب عليه، يقول في الجُزء السابع من نيل الأوطار في الصحيفة أو في الصفحة الثامنة والأربعين – دار المعرفة بيروت من غير تاريخ، وطبعاً هذه مُصوَّرة عن نُسخة مصرية قديمة وهي من أحسن الطبعات – الآتي، لكن يُوجَد في الحقيقة كلام للحافظ ابن حجر:

قال الحافظ ومن ثم كان الذين توقَّفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عدداً من الذين قاتلوا – الذين شاركوا أكثر من الذين اعتزلوا الفتنة، يُسمونها الفتنة وهذا فيه نظر أيضاً – وكلهم مُتأوِّل مأجور إن شاء الله – ابن حجر يقول كلهم، عليّ وحزبه ومُعاوية وحزبه، كلهم مُتأوِّل مأجور – بخلاف مَن جاء بعدهم مِمَن قاتل على طلب الدنيا.

يُشير إلى الخوارج، قال الخوارج لا ينطبق عليهم هذا، انتهى كلام ابن حجر، قال العلّامة الشوكاني – القاضي الشوكاني – وهذا يتوقَّف على صحة نيات – أنت تقول كلهم وهذه كلمة عظيمة يا أخي، كيف تقول هذا؟ من أين لك هذا؟ فعلاً أحياناً العلماء يُغامِرون بالكلام، قال كلهم، من أين لك أن كلهم مُجتهِد مأجور؟ غير صحيح – جميع المُقتتِلين في الجمل وصفين وإرادة كل واحد منهم الدين لا الدنيا وصلاح أحوال الناس – أي إرادته صلاح أحوال الناس – لا مُجرَّد المُلك – يُشير إلى مَن الآن؟ إلى مُعاوية – ومُنافَسة – مكتوب مُناقَشة الكن المفروض مُنافَسة، هذا خطأ تطبيعي – بعضهم لبعض مع علم بعضهم بأنه المُبطِل وخصمه – وأن خصمه – المُحِق ويبعد ذلك كل البُعد ولا سيما في حق مَن عرف منهم الحديث الصحيح أنها تقتل عمّاراً الفئة الباغية – هل عرف مُعاوية؟ نعم، وهو من رواة هذا الحديث الذي رواه واحد وثلاثون صحابياً كما قال العلّامة محمد بن جعفر الكتاني في كتابه عن الأحاديث المُتواتِرة، وليس هذا فحسب، سلَّمنا أن مُعاوية لم يعرف الحديث، عرفه بعد أن قُتِل عمّار، سلَّمنا تنزلاً، هل عاد واعتذر وندم واستسمح أبا الحسن ودخل في طاعته؟ كابر وأصر وبقيَ كما هو، وتأوَّله بتأويل سخيف وبارد جداً فيه رد على رسول الله، قال قتله مَن خرج به وأتى به حتى ألقاه بين سيوفنا أو قال رماحنا، ما هذا اللعب يا مُعاوية؟ تأويل كاسد فاسد بارد، من أسخف السخف يا جماعة والله العظيم، ومع ذلك يُقال أيضاً اجتهد فأخطأ، غير معقول، المُهِم أن القاضي الشوكاني قال ولا سيما في حق مَن عرف منهم الحديث الصحيح أنها تقتل عمّاراً الفئة الباغية – فإن إصراره بعد ذلك – واضح أنه أصر ولم يتب – على مُقاتَلة مَن كان معه عمّار – مَن هو؟ عليّ، لا صرَّح باسم عليّ ولا بمُعاوية لأنه لا يُريد أن تكون مسألة شخصية – مُعانَدةٌ للحق وتمادٍ في الباطل كما لا يخفى على مُنصِف.

ثم عقَّب – قالوا أنت تتناول الصحابة لأن أصلك زيدي، من المُؤكَّد أن عندك مُشكِلة مع الصحابة، قال لهم أنت لست كذلك، ولذلك اتُهِم بالنصب الرجل أيضاً وكان من الزيدية كما اتُهِم ابن الوزير من الصنعاني وكما اتُهِم المُقبِلي، أي صالح بن مهدي المُقبِلي رحمة الله عليه صاحب العلم الشامخ – قائلاً وليس هذا منامحبة لفتح باب المثالب على بعض الصحابة – قال بعض الصحابة، أرأيت؟ هو دقيق، يقول على بعض – فانا كما علم الله من أشد الساعين في سد هذا الباب والمُنفِّرين للخاص والعام عن الدخول فيه حتى كتبنا في ذلك رسائل وقعنا بسببها مع المُتظهِّرين بالرفض والمُحِبين له بدون تظهر في أمور يطول شرحها حتى رُمينا تارةً بالنصب وتارةً بالإنحراف عن مذاهب أهل البيت وتارةً بالعداوة للشيعة وجاءتنا الرسائل المُشتمِلة على العتاب من كثير من الأصحاب والسباب من جماعة من غير ذوي الألباب.

بعض المُؤدَّبين يعتبون علينا، وغير المُؤدَّبين يسبوننا، قال هذا كله بسبب مذهبنا وطريقتنا، هذا كلامه في نيل الأوطار رحمة الله تعالى عليه، وله كلام أوضح وأفصح صرَّح فيه عن محض الحق الذي يراه ويدين الله به في هذه المسألة في كتابه وبل الغُمام، كتاب عظيم، وهو موجود ومطبوع في مُجلَّدين، هذا من أحسن الكتاب التي شُرِحَت بها أحاديث الأحكام، كتاب قوي ونمط فريد في الشرح – رحمة الله عليه – اسمه وبل الغمام على شفاء الأوام في أحاديث الأحكام للأمير الحُسين بن بدر، طبعاً مكتبة ابن تيمية في القاهرة، سنة ألف وأربعمائة وست عشر هجرية، حقَّقه رجل الآن مُعتني بتحقيق تراث الشوكاني كله اسمه محمد صبحي حُسين حلّاق، وأعتقد أن نيل الأوطار طُبِعَ في ستة عشر مُجلَّداً الآن، طبعة مُحقَّقة كبيرة، وهي موجودة ومُتاحة، فهذا محمد صبحي حُسين حلّاق، باب حُكم قتال البُغاة، ماذا يقول؟ المُؤلِّف أو الماتن ذكر كذا وكذا ثم قال وأما الكلام فيمَن حارب عليّاً كرم الله وجهه ولا شك ولا شُبهة أن الحق بيده في جميع مواطنه – عن عليّ عليه السلام، قال عليّ في الجمل وفي صفين وفي النهروان وفي كل حروبه كان هو المُحِق، وهذا صحيح، قال لا شُبهة، لا يُوجَد نقاش – أما طلحة والزُبير ومَن معهم فلأنهم – لماذا عنده الحق في قتالهم؟ – قد كانوا بايعوه فنكثوا بيعته بغياً عليه وخرجوا في جيوش من المُسلِمين فوجب عليه قتالهم – هو الخليفة يا أخي، كيف تخرج عليه بعد أن بايعته؟ – وأما قتاله للخوراج فلا ريب في ذلك والأحاديث المُتواتِرة قد دلت على أنه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأما أهل صفين – وهذه بُغيتنا الآن في الحديث عن مُعاوية وجماعته لأنهم من أهل صفين الآن، بعضهم يجعل صفين مُلحَقة بجمع المُذكَّر السالم، صفون وصفين، قال حضرت صفين وبئس صفون، أعتقد هذا مُطرِّف، قال حضرت صفين وبئس صفون – فبغيهم ظاهر، لو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم لعمّار: “تقتلك الفئة الباغية” لكان ذلك مُفيداً للمطلوب – فعلاً هذا صحيح يا جماعة، كما قال أهل الحق مَن أراد الحق كفاه دليل، يُوجَد دليل وأحياناً يكون دليلاً قاطعاً واضحاً فيكفيك، ومَن اعتلج الهوى في قلبه لم يكفه مليون دليل، هذا هو والله العظيم، لو تأتيه بألف ألف دليل لا يكفيه، صاحب هوى، صاحب غرض، والغرض مرض، أما الذي يُريد الحق يبخع، هذا واضح، النبي يقول عمّار تقتله الفئة الباغية، انتهى الأمر وعرفنا مَن المُحِق ومَن الباغي، انتهى الموضوع، هل يُوجَد اجتهاد في البغي؟ هل يُوجَد اجتهاد في قتل مَن قال النبي قاتله وسالبه في النار؟ غير معقول يا أخي – ثم ليس – الآن الكلام في مُعاوية بالتصريح، فهنا صرَّح كما قلت لكم، لكن هناك لم يُصرِّح – مُعاوية مِمَن يصلح لمُعارَضة عليّ ولكنه أراد طلب الرياسة والدنيا بين قوم أغتام لا يعرفون معروفاً ولا يُنكِرون مُنكَراً فخادعهم – أرأيت؟ قال لك هذا رجل مُخادِع، مُعاوية رجل مُخادِع دجّال – بأنه طلب بدم عثمان فنفق ذلك عليهم – جازت عليهم الحيلة وراجت عليهم الأموال الكاسدة – وبذلوا بين يديه دماءهم وأموالهم – أهل الشام – ونصحوا له حتى كان يقول عليٌّ لأهل العراق أنه يود أن يصرف العشرة منهم بواحد من أهل الشام صرف الدراهم بالدينار – كما في نهج البلاغة -، وليس العجب من مثل عوام الشام – الذين تابعوا مُعاوية وكانوا لا يُفرِّقون أو بعضهم بين الناقة والجمل في القصة المشهورة – إنما العجب مِمَن له بصيرة ودين كبعض الصحابة – انظر إلى هذا، يتعجَّب ليس من الأئمة والعلماء الذين برَّروا لمُعاوية وإنما يتعجَّب حتى من بعض الصحابة الشوكاني، كيف وأنت صحابي تذهب مع مُعاوية؟ أما عرفت الحق؟ – المائلين إليه وبعض فُضلاء التابعين فليت شعري أي أمر اشتبه عليهم في ذلك الأمر – قال الشوكاني أين الشُبهة؟ الأمور واضحة، عليّ مع الحق، عمّار مع عليّ، عليّ أمير المُؤمِنين، بايعه أهل بدر، المُهاجِرون والأنصار معه، وهذا خرج عليه، الحكم فيه واضح جداً جداً، تُضرَب عنقه أياً كان، النبي قال كائناً مَن كان، أليس كذلك؟ ثم عمّار معه، وعمّار تقتله الفئة الباغية، يا أخي الأمور واضحة، قال الشوكاني أنا غير قادر حتى على فهم موقف بعض الصحابة الذين ذهبوا مع مُعاوية، واضح الرجل رحمة الله عليه – حتى نصروا المُبطِلين وخذلوا المُحِقين وقد سمعوا قول الله تعالى: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ۩) وقد سمعوا الأحاديث المُتواتِرة في تحريم عصيان الأئمة ما لم يروا كفراً بواحاً – والإمام هو عليّ، هل كفر حتى تخرج عليه؟ ممنوع – وقد سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمّار: “أنه تقتله الفئة الباغية”…. ثم ختم بقوله: ولولا عظيم قدر الصُحبة ورفيع فضل خير القرون لقلت – في هؤلاء الصحابة الذين شاركوا مُعاوية وأسعدوه بنُصرته على عليّ عليه السلام -: حب الشرف والمال قد فتن سلف هذه الأئمة – عن الصحابة، قال لا أُريد أن أقول هذا، لكنه قال، قال لا أُريد أن أقول هذا لأن الأمور واضحة بالنسبة لي – كما فتن خلفها اللهم غفراً…. قال أستغفر الله فلعلي وقعت في حق بعض الصحابة الأجلاء لكن سأقول ما في قلبي، هذا الشوكاني رحمة الله تعالى عليه، ويُعظِّمونه ويُوقِّرونه ويقولون الشوكاني والإمام السلفي وعلى طريقة السلف، جيد وهذا قول الشوكاني، كفِّروه أو سبوه والعنوه الآن، لم يُسعِدكم في هذا الموقف، هم تحدَّثوا عن الشوكاني فقط في جُزئية هل لعن أم لم يلعن، قال لعنهم الله، علماً بأن هذا في موضعين، أنا وقعت عليها في نيل الأوطار في موضعين، يذكر يزيد بن مُعاوية ويقول لعنهما الله، قالوا هو يقصد الكرّامية وفي المرة الثانية قالوا يقصد الخوارج، هذا مُمكِن وليس لنا علاقة، لكن هذا رأيه الواضح في مُعاوية!

نأتي الآن إلى العلّامة الذي سمعتم اسمه مني غير مرة اليوم، وهو علّامة أيضاً يمني، كان زيدياً ثم صار مُجتهِداً لا يُعوِّل إلا على الدليل، فجرَّ عليه هذا عداوات وعداوات ومحناً وإحناً من علماء عصره بلدييه وغير بلدييه كأهل مكة حتى اضطُر السُلطان – في وقت السُلطان العثماني – أن يبعث علماء فُضلاس من أسطنبول – أستانة – إلى مكة لكي يُبحِاثوه، فباحثوه وفتَّشوه فلم يروا إلا الحسن الجميل، علّامة لا يُشَق له غُبار، وهو العلّامة الكبير – كما قلنا لكم – صالح بن مهدي المُقبلي – من بلدة مُقبِل – رحمة الله تعالى عليه، المُتوفى سنة ألف ومائة وثمانٍ في أول القرن الثاني عشر الهجري، عنده كتاب عظيم اسمه العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ قال لا يهمني لا مذهب ولا شيوخ ولا ما إلى ذلك، يهمني الحق وبالدليل، هذا الذي أراده في هذا الكتاب، وانظر حتى إلى الاسم، وهو اسم على مُسمى، اسمه العلم الشامخ، وقد ترجمه العلّامة القاضي محمد بن عليّ الشوكاني في البدر الطالع وقال عنه وهو مِمَن برع فى جميع علوم الكتاب والسنة وحقق الأصولين – أي أصول الفقه وأصول العقيدة – والعربية والمعانى والبيان والحديث والتفسير وفاق فى جميع ذلك – تفوَّق وبز الأقران – وله مُؤلَّفات مقبولة كلها عند العلماء محبوبة إليهم مُتنافِسون فيها ويحتجون بترجيحاته وهو حقيقٌ بذلك – طبعاً مَن أراد أن يعرفه فليقرأ كتابه هذا، سوف يرى العلم والإمامة والفتح الإلهي، شيئ عجيب رحمة الله عليه – وفي عباراته قوة وفصاحة وسلاسة تعشقها الأسماع وتلتذ بها القلوب ولكلامه وقع في الاذهان قل أن يُمعِن فى مُطالَعته مَن له فهمٌ فيبقى على التقليد – سوف تُحِب الاجتهاد وسوف تبحث عن الدليل دائماً، لن تُقلِّد وتُعطي مقادتك لغيرك – بعد ذلك، وإذا رأي كلاماً مُتهافتاً زيَّفه ومزَّقه بعبارة عذبة حلوة، ولا يُبالى إذا تمسك بالدليل بمَن يُخالِفه كائناً مَن كان، ولما سكن مكة وقف عالمها البرزنجى محمد ابن عبد الرسول – صاحب الإشاعة وما إلى ذلك المشهور – المدني على العلم الشامخ – في إيثار الحق على الآباء والمشايخ – في الرد على الآباء والمشايخ فكتب عليه اعتراضات فرد عليه – مَن؟ المُقبِلي – بمُؤلَّف سماه الأرواح النوافخ – مطبوع في هذا المُجلَّد، أوله العلم الشامخ وثُلثه الأخير هو الأرواح النوافخ – فكان ذلك سبب الإنكار عليه من علماء مكة ونسبوه إلى الزندقة – لماذا هو زنديق؟ هل أنكر الآخرة؟ هل أنكر النبوات؟ هل أنكر التوحيد؟ لماذا؟ – بسبب عدم التقليد والاعتراض على أسلافهم …. كيف ترد كلام العلماء ولا تُسلِّم له وتأخذ بالدليل؟ زنديق، ولك أن تتخيَّل هذا، جيد أنهم لم يقتلوه، وكان مِمَن يُنكِر الكشف، له ردود على المُعتزِلة وعلى الزيدية وعلى الاثني عشرية وعلى أهل السُنة وعلى الفلاسفة وعلى المُتصوِّفة والكشفية والذوقية، لا يُعوِّل إلا على الدليل رحمة الله تعالى عليه، وكان يُنكِر الكشف، ذكر هذا الشوكاني في البدر الطالع، كان يُنكِر الكشف – الكشف الصوفي – ثم سار إلى الاعتراف به، لأن الله يُريد به الخير، وتعرفون أن مِن حفظ الله وتوفيقه له – وقد ذكر هذا في العلم الشامخ، هذا قرأته له لكن لا أعرف في أي موضع – أنه رأى الرسول، والرسول أظهر له سعادته وفرحه به لتمسكه بالدليل والدعوة إليه وشجَّعه على ذلك، أيَّده النبي وقال له تمسَّك بهذه الطريقة، هذا مُمتاز، فكان يُنكِر الكشف الصوفي الذي يحدث لبعض الأولياء من أهل الله – اللهم اجعلنا من أهلك وخاصتك، فحين كان بمكة كانت له بنت اعتلت، فكان كلما رجع من البيت الحرام إليها أخبرته بما اتفق له، كان يُنكِر في البداية ولا يُصدِّق، لكنها كانت تقول له حصل معك كذا وكذا، وهي مُلازِمة للفراش عليلة وقد أشفت على الموت لكن الله نجاها، وفي الشارع – تقول له – حدث لك كذا وكذا والتقيت بكذا وكذا فسلَّم، أراد الله أن يُسعِده، لماذا؟ الله يعلم أنه يطلب الحق، بحسب النظر في الأدلة أنكر الكشف، الله قال له لا، الكشف موجود، والمُكابَرة على الموجود مرور، شيئ موجود تراه الآن بعينك عبر ابنتك وأنا سأُطلِعك على صحة الكشف، ابنتك هذه مُكاشَفة، الله كشف عنها، أرأيت؟ اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، هو هذا، إنسان يُحِب أن يكون صالحاً ويُحِب أن يعرف الحقيقة، هذا الإمام المُقبِلي، سوف نرى ماذا قال!

طبعاً هذا كتاب العلم الشائخ، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية، ألف وتسعمائة وخمس وثمانين، علماً بأنه مُتاح على الشبكة العنكبوتية والحمد لله، مُصوَّر بي دي إف PDF كله، كتاب مُهِم جداً لكنه قوي، لا يدخل فيه واحد مُبتديء وإلا سوف يُعقِّده من العلم، قوي جداً جداً جداً، لابد أن تكون عارفاً للمذهب العقدية والأصولية والفقهية وأن تكون عارفاً لكل خلافتهم وما إلى ذلك، لأنه كالحكم هنا، يُحاكِم المسائل الدقيقة رحمة الله عليه، فهو في مسائل الخلاف الدقيقة، في صفحة مائتين وخمسة أو صحيفة مائتين وخمسة ماذا يقول عن مُعاوية؟ يقول هنا لعل الحسن ما رأى بأساً فإن مُعاوية باغٍ طالب للمُلك كما قال قد رضينا بالمُلك – مُعاوية كان يطلب المُلك وقال هذا بنفسه واعترف، قال قد رضينا بالمُلك، وهذا لما حدَّثه أبو بكرة، أي نُفيع بن الحارث الثقفي، الصحابي المشهور والمجلود في قضية المُغيرة بن شُعبة أيام سيدنا عمر رضيَ الله عنهم، حدَّثه بحديث أن الخلافة بعدي ثلاثون ثم تكون مُلكاً عاضاً، فماذا قال مُعاوية؟ قال له تُعيِّرنا بالمُلك؟ قد رضينا بالمُلك، وهذا رد على رسول الله، تحذير لك، النبي في الحديث يقول لك الخلافة بعدي ثلاثون، لو كان رجل عاقل مثلاً مكان مُعاوية ماذا كان سيفعل؟ والحمد لله عافنا الله من أن نُبتلى بهذه البلية، ربما نكون أسوأ منه، لا نعرف حقيقة فلا ندّعي، لكن المفروض العاقل ماذا يفعل؟ يقول إليكم أمركم، لا أُريد وسأجلس في بيتي، لأن خبر النبي لا يتخلَّف، خلوا أي أحد غيري يكن ملكاً عليكم، أنا لا أكون ملكاً، لكن هو قال لا، قال رضينا بالمُلك، الرسول تحدَّث عن المُلك وهذا رضيَ بالمُلك دون مُشكِلة، ما هذا؟ جريل بل جريء جداً، وسوف ترون جراءات مُعاوية على الرسول، سوف ترونها وسوف نتحدَّث عنها في حلقات، قال قد رضينا بالمُلك -، وكل مُنصِف يعلم هذا ولا نُطيل في شأن مُعاوية، فأمره بيّن بالنظر إلى الحسن رضيَ الله عنه وإنما نشأ التحسين لمُعاوية – الدفاع عن مُعاوية وما إلى ذلك – بعد أن نشأ غلو الشيعة في حقه حتى صيَّروا لعنه سُنته – أي لعن مُعاوية، قالوا العنوه وما إلى ذلك فحدثت ردة فعل وبدأو يُدافِعون عنه – وفعلوا وفعلوا – وهذا الكلام محل نظر أيضاً، عندي كلام المُقبِلي هذا محل نظر، لماذا؟ لأن في الحقيقة الذي بدأ بالغلو وسب عليّ ولعن عليّ والأمر بعداوته والتبرّأ منه هو مُعاوية وأشياعه، فالغلو بدأ من مُعاوية وليس كما يقول المُقبِلي رد فعل على غلو الشيعة في الانحراف والإزورار عن مُعاوية، هذا غير صحيح – فقابلهم هؤلاء بنقيض فعلهم شفاءً لنفوسهم بالرد على الشيعة لا طلباً لمرضاة الله تعالى فهؤلاء أفرطوا – قال الذين يُدافِعون عن مُعاوية أخطأوا والذين يسبونه ويلعنونه غلواً أيضاً أخطأوا – والواجب على المُتدين اطراح التحزب ويتكلَّم بما يعلم نصيحةً لله ولرسوله – وفعلاً هذا الواجب – وللمُسلِمين، وتراهم سووا بين الثرى والثُريا – قال هذا لا يُمكِن أن نُسوّي أو نُقارِن بين الحسن بن عليّ فضلاً عن عليّ عليهما السلام ومُعاوية، قال هذا لا يُمكِن، هذا ثرى وهذا ثُريا – وقارنوا الطُلقاء بالسابقين الأولين.

ثم في صحيفة مائتين وثماني وثلاثين ماذا كتب يقول؟ كتب يقول وأما مُعاوية والخوارج فمقاصدهم بيّنة فإن لم يُقاتِلهم عليّ فمَن يُقاتِل؟ – قال عليّ كان لابد أن يُقاتِل مُعاوية والخوارج، هذا أمر لازم – أما الخوارج فلا يرتاب في ضلالهم إلا ضال، وأما مُعاوية فطالب مُلك اقتحم فيه كل داهية – قال ارتكب الدواهي من أجل المُلك هذا الرجل – وختمها بالبيعة ليزيد، فالذي يزعم أنه اجتهد فأخطأ لا نقول اجتهد فأخطأ – عن مَن؟ عن الزاعم، انظر إلى كلامه، كما قال الشوكاني عنده لغة جميلة، قال الذي يقول أن مُعاوية اجتهد فأخطأ لا نقول له أنت اجتهدت فأخطأت في قولك هذا، إذن ماذا سوف نقول له؟ هذا هو المعنى – لكنه إما جاهل لحقيقة الحال – أي هذا الزاعم وليس مُعاوية – مُقلِّد وإما ضال اتبع هواه – اللهم إنا نشهد بذلك -، ورأيت لبعض مُتأخِّري الطبريين في مكة رسالة ذكر فيها كلاماً عزاه لابن عساكر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن مُعاوية سيلي أمر هذه الأُمة وأنه لن يُغلَب وأن عليَّاً كرَّم الله وجهه قال يوم صفين لو ذكرت هذا الحديث أو بلغني لما حاربته – أي أنهم يعكسون، شيئ لا يُصدَّق، هذه الأحاديث مثلها ورد في حق الإمام عليّ، ونسبوا إلى مُعاوية كذباً أنه قال لو أعلم هذا لما حاربته وفي رواية لغسلت عن رجليه على ما أذكر لكن الآن أُحقِّقها، قال لسعد بن أبي وقاص هذا، وهذا كذب، مُعاوية لم يقل هذا، يا ليته قال هذا لكان فيه بعض الخير، لم يقله، هذا مكذوب عليه، لكن هم عكسوا الأمر بالكُلية، قال عليّ الذي قال هذا، قال لو أعرف هذا والنبي بشَّر بمُعاوية وبمُلك مُعاوية لما قتالته، ولعلي اتبعته، لعنة الله على الكاذبين يا أخي، شيئ لا يُصدَّق – ولا يبعد نحو هذا مِمَن يسل على عليّ والحسن والحسين …. هنا أنا أرى أن المُقبِلي أيضاً جاوز قليلاً في حق مُعاوية، الله يُحِب الإنصاف، لماذا؟ هل فهمتم العبارة؟ ماذا يقول؟ قال ولا يبعد نحو هذا مِمَن يسل سفيه على عليّ؟ مَن الذي سل سيفه عليه؟ مُعاوية، ثم قال والحسن والحُسين، هنا المقصود مُعاوية أيضاً حين ذكر الحسن، فهو لم يسل سيفه لكنه أرسل سُمه إلى الحسن، وقصد ابن مُعاوية حين ذكر الحُسين، أعني يزيد، ماذا يقصد إذن؟ يقصد أن يقول هؤلاء كذبوا، مُعاوية ومَن وراءه كذبوا على الرسول، هذا غير صحيح، نحن هنا نشهد بالحق، يا أخي ويا إمامنا المُقبِلي لكي ترمي مُعاوية بالكذب وأنه زوَّر على رسول الله أحاديث لابد أن يثبت لديك بالإسناد صحة هذا إلى مُعاوية، هذا لم يثبت عن مُعاوية، لم يقل مُعاوية هذا، ولا عليّ قال هذا، هذا مكذوب عليهم أجمعين، كذب مَن بعدهم أتوا وافتروا هذا الفري الباطل، فلا يجوز غمز مُعاوية بأنه كذب على الرسول وألَّف أحاديث بشيئ لم يثبت، الحديث أصلاً كله غير ثابت، أليس كذلك؟ الله يُحِب الحق أيضاً، نحن نُحِب الحق ونُحِب أن تكون الأمور واضحة، فلا نغش أنفسنا على كل حال قال لا يُشتغرَب، ثم قال والراضي كالفاعل وكما صرَّحت به السُنة النبوية إنما استغربنا وقوع هذا الظهور وحكاية الإجماع من جماعة المُتسَمين بالسُنة بأن مُعاوية هو الباغي وأن الحق مع عليّ، وما أدري ما رأي هذا الزاعم في خاتمة أمر عليّ بعدما ذكر وكذلك الحسن السبط رضيَ الله تعالى عنهما وترى هؤلاء…. وإلى آخره.

المُهِم قال هم يعترفون ويقولون مُعاوية باغٍ وعليّ مُحِق وبعد ذلك يذهبون إلى الدفاع عنه، قال العجب في هذا الأمر، وبعد ذلك ذكر سبهم لعليّ على المنابر، هذا سنذكره حين نأتي إلى موضوع السب!

في صحيفة ثلاثمائة واثنين وسبعين في الأرواح النوافخ أصعب عبارة له في مُعاوية، يتحدَّث عن التواتر المعنوي لحديث عمّار تقتله الفئة الباغية، التواتر أشار إليه محمد بن إبراهيم بن الوزير صاحب العواصم والقواصم، قال هذا مُتواتِر، بعد ذلك ماذا يقول؟ يقول كأنه يُريد – ابن الوزير – التواتر المعنوي وقد يُريد القدر المُشترَك من ألفاظه وليس كونه – أي لا يُريد كونه – مُتواتِراً معنىً ببعيد وتشهد له الوقائع الواقعات لا تبقى معها للإنسان ريبة…. مكتوب لا تبقى مع الإنسان ريبة، وهذا غير صحيح، المفروض لا تبقى معها للإنسان ريبة، ثم يقول وكفاك بمُعاوية ومَن رضيَ فعله فإنه إمام جبابرة الإسلام.

هذا هو الوصف، قال زعيم جبابرة الإسلام، أرأيت الجبابرة والطُغاة؟ هذا رئيسهم، أي مُعاوية، وهذا كلام مَن؟ صالح بن مهدي المُقبِلي، هذا نعته لمُعاوية، قال فإنه إمام جبابرة الإسلام، سن لهم الملك العضوض وجار في أهل العدل أن جار مَن بعده على أهل الجور – يُوجَد اختلاط أيضاً هنا، هناك تطبيعات – أو على مَن اختلط جورهم بعدلهم، وهل مَن قتل سبطي رسول الله وحارب خيار عباد الله وهتك حريمهم وهتك حرم رسول الله – المدينة – بدون مَن فعل نحو فعله بغيرهم؟ ومع ذلك عليه وزر سُنته ووزر مَن عمل بها – قال هو يتحمَّل كل هذه الأوزار، لأنه هو الذي سن هذه السُنة -، وهل ينجو شريكٌ من شركته؟ لكن المُتسَمين بالسُنة اصطلحوا على مُسمى الصُحبة – قال هذا الكلام سوف يردونه ويقولون هذا صحابي، هذا صحابي فلا تتكلَّم، قال تعالى وقال النبي أصحابي أصحابي وكل هذا الكلام، هذا لا يروج على رجل مُجتهِد كالإمام المُقبِلي، هذا يروج على الناس البُسطاء والأغمار الغلابة المساكين والله، لا يروج على إمام مُستقِل مُجتهِد بعقلية هؤلاء الكبار – ثم جعلوا – من عندهم، لا مشاحة في الاصطلاح، ليس عندنا مُشكِلة يا سيدي، لا مشاحة في الاصطلاح، قال هم وضعوا اصطلاحاً في الصُحبة وأنتم تعرفون ما هو ثم ذهبوا بعد ذلك وصدَّقوا أنفسهم في أن هذا اصطلاح واقعي مائة في المائة وأن كل ما ورد في حق الصحابة الذين لهم اختصاص بصُحبة النبي ينطبق على مَن اصطلحوا بتسميته صحابياً، هذا نوع من العبث بالدين – معنى الصُحبة ألا يضر معها ذنب – كما قال الأمير الصنعاني جاوزت العصمة أو جاورت حد العصمة -، تلفيقاتٍ لم يدل عليها دليل – يقول – إلا الهوى في الأول والهوى والتقليد في الآخر ومُقابَلة غُلاة الشيعة بغلو مثله – غُلاة الشيعة غلو في أهل البيت وأنتم غلوتم في الصحابة، غلو بغلو قال، الأمر ليس هكذا – كما سلكوا في ذلك في كثير من أمور الديانات لكن هذا أوضح مثال.

قال أوضح مثال على الغلو ومُقابَلة الغلو بغلو موضوع الصُحبة إزاء غلو الشيعة في أهل البيت، قال لا، الله يُحِب العدل والإنصاف، فهذه شهادة الإمام المُقبِلي رحمة الله تعالى عليه.

أختم أخيراً بشهادة الإمام العلّامة الكبير محمد مُعين السندي، هذا غير مشهور وغير مألوف لكم لأنه في الهند، من كبار علماء الهنود – رحمة الله عليه – في القرن السالف، ترجمته في كتاب العلّامة الكبير مولانا الندوي، ليس أبا الحسن وإنما والده عبد الحي، والد أبي الحسن الندوي هو عبد الحي الندوي، علّامة كبير مُتوفى سنة ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين هجرية، عنده كتاب اسمه نُزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، هذا الكتاب الحمد لله دار ابن حزم قبل سنين أعادت طباعته، كنت أبحث زُهاء ثلاثين سنة تقريباً ولم أحصل عليه لأنه لا يُطبَع، لكن دار ابن حزم في بيروت طبعته قبل بضع سنين، فهو موجود – بفضل الله – في ستة أجزاء، في الجُزء الأخير ترجمة للعلّامة محمد مُعين السندي المُتوفى في القرن الثاني عشر، تحديداً ألف ومائة وواحد وستين أو ألف ومائة وإحدى وستين إذا قلنا سنة، ضمن ما قال قال الشيخ الفاضل العلّامة محمد مُعين بن محمد أمين بن طالب الله السندي، أحد العلماء المُبرِّزين في الحديث والكلام – ما المُراد بالكلام؟ علم العقيدة وأصول الدين، أي علم الكلام – والعربية، ثم ذكر جُملة من مشائخه ومن ضمنهم الشاه الدهلوي، وهو شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي صاحب حُجة الله البالغة – رحمة الله عليه – والفوز الكبير في أصول التفسير، إلى آخر الكتب المعروفة، قال وكان مُفرِط الذكاء – أي السندي، يقول الإمام الندوي وكان مُفرِط الذكاء جيد القريحة معدوم النظير في زمان – لا يُوجَد إنسان في مُستواه في الهند – رأساً في الحديث والكلام ماهراً بالمعارف الأدبية شاعراً مُجيد الشعر، له مُصنَّفات منها دراسات اللبيب – وهذه الذي أخذت منها الشهادة – في الأُسوة الحسنة بالحبيب…. ما موضوع هذه الدراسات؟ هو كتاب يقع في زُهاء ثلاثمائة وخمسين صفحة، والطبعة التي حصلنا عليها – بفضل الله – طبعة حجرية مكتوبة باليد، طبعة حجرية في القرن المُنصرِم، حوالي ألف وثمانمائة وتسع وخمسين ميلادية طُبِع على الحجر، فهي طبعة حجرية وموضوع الكتاب باختصار – وقد أطال الإمام الندوي لكن مَن قرأ الكتاب لا يحتاج في تبيان ذلك – الموقف من الحديث، الحديث إذا صح واستند ثم رأينا قول الإمام المتبوع يُخالِفه ماذا نفعل؟ فالإمام السندي يُعوِّل على الدليل، لا تقل لي قال أبو حنيفة أو الشافعي أو أحمد أو غيرهم، لابد من الدليل، ويُطيل الحديث عن هذا في شكل دراسات، في الدراسة الثانية – مَن حصل على هذا الكتاب يقرأ هذا في الدارسة الثانية، صفحة أربع وثمانين من الطبعة الحجرية – يقول رحمة الله عليه وما روى عن مُعاوية ابن عباس – عنده هذه الطريقة دائماً في تقدير الفاعل والمفعول نراها في الدارسات – وحُميد بن عبد الرحمن وعُمير بن هانئ وحمران بن أبان في الحج والعلم – أي في أبواب الحج وأبواب العلم – وغير موضع إلا حين سلَّم إليه الأمر الحسن بن عليّ رضيَ الله عنهما وصالحه – ذكره في تذكرة القاري – وذلك لأنه قبل ذلك كان باغياً جائراً – هذا محمد مُعين السندي، يقول وذلك لأنه قبل ذلك كان باغياً جائراً – ومثله لا يُتحمَل عنه الدين والسُنة.

أرأيت؟ هذه الكلمة حتى ضد قواعد المُحدِّثين، وفقاً لقواعد المُحدِّثين حتى إن بغى وظلم نتحمَّل عنه، لأن المقدار كما قال الصنعاني على تحري الصدق، هل يصدق ولا يفتري الكذب؟ يصدق فنتحمَّل عنه، لكن السندي بتحقيقة قال كيف؟ أنت تُسميه باغياً وجائراً ظالماً، هذا يُوجِب له الفسق، هذا هو الفسق بعينه، هو فاسق عن أمر الله، فإن فسق وخاصة في أبواب الدماء وما إلى ذلك كيف أتحمَّل عنه الدين؟ كأنه لا يرتضي قاعدة المُحدِّثين، أرأيتم؟ والكلام محل نظر، أي الكلام في هذه المسألة محل نظر، هذه مسائل دقيقة لا تُؤخَذ هكذا، لكن بعض العلماء وطلّاب العلم يعتبرونها كأنها وحي مُنزَّل، كأن هذا قرآن وانتهى الأمر، وهذا غير صحيح يا أخي، على العلماء أن يجتهدوا، العلماء الذين هم بموضع الاجتهاد – إن شاء الله – يُمكِن أن يجتهدوا، يقول وهذه الدقيقة – هذا الفرق الدقيق، أن ابن عباس والمذكورين مثل عُمير بن هانئ وإلى آخره أخذوا عنه قبل أن يبغي ويجور، قال قبل، أي حين كان على الجادة، لكن بعد أن بغى وجار لا يُتحمَّل عنه – واجبة الرعاية في أحاديثه على رأي هؤلاء.

على رأيهم وقاعدتهم لابد أن نُراعي هذا، هذا الكلام مر بنا اليوم كلامٌ نحوه، أين مر؟ في كلام ابن حجر نفسه حين تكلَّم عن مروان بن الحكم بن أبي العاص، أليس كذلك؟ هذا حين تكلَّم عن مروان، قال قبل خروجه على ابن الزُبير، هل عليّ أقل من الزُبير عندكم؟ افهموا وانظروا إلى التناقضات، مُعاوية لم يقولوا هذا في حقه، يقولون مُعاوية صحابي، ومروان صحابي فماذا عنه؟ قالوا مروان وضعه مُختلِف، البخاري روى عنه لكن عن طريق مَن؟ من طريق الذين تحمَّلوا عن مروان قبل كذا وكذا، أرأيت كيف تُمكِّنك كثرة الدرس والتنقير والبحث والتفتيش من المُقارَنة والفهم لتعرف أين يحدث تجاوز للقواعد ولتقعيد القواعد التي نلتزمها مرة ونتجاوزها أُخرى؟ أليس كذلك؟ ولذلك كثرة القراءة تجعل الإنسان يتحرَّر، يا أخي التزم الشيئ دائماً وأجره على الكل بلا تفريق وتمييز، أم أنه حلال عليكم وحرام عليكم؟ على كل حال قال مروان روى البخاري عنه من طريق مَن تحمَّل عنه الرواية قبل أن يخرج مروان على ابن الزُبير، لكن بعد أن خرج لا يُتحمَّل عنه، هذا الاعتذار، جميل فطبِّقوا هذا على مُعاوية، مُعاوية قبل أن يخرج على إمام الزمان والإمام الحق اقبلوا روايته، بعد أن خرج لا تقبلوا روايته، وطبعاً واضح أن مُعظَم رواياته كانت حين كان خليفة ويأتيه الرواة من العراق ومن الشام وما إلى ذلك ويصلهم بالصلات ويحملون أحاديثه، وقد أُثِر عنه زُهاء مائة وستة وأربعين حديثاً، وسوف نتكلَّم عن أحاديث مُعاوية، وأحسن مَن تكلَّم عنها ابن الوزير الصنعاني في العواصم والقواصم، لكن نُكمِل – إن شاء الله – في حلقة قادمة، فإلى أن نلقاكم والسلام عليكم ورحمة الله.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: