طليعة التبيان (طليعة مُفصَّل البيان في حال ابن أبي سُفيان)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفوته من خلقه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم افتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، نعوذ بالله من زلات اللسان وزلقات الجنان ومن غُبارات الفهم ومن مُوجِبات الوهم.

إخواني في الله وأخواتي أُحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في الحقيقة يتساءل بعض الإخوة الأحباب لماذا نُعنى بمثل هذه الموضوعات؟ هذه موضوعات انقضى زمانها – كما يُقال – وغبرت عليها القرون، بالأحرى بالصياغة الشهيرة هي مسائل ليست ذات موضوع اليوم، هكذا يُقال: إنها مسائل ليست ذات أو ذاوات موضوع أو موضوعات اليوم، وفي الحقيقة كنا نتمنى ويتمنى كل مُخلِص وصادق أن تكون الحال هذه، كيف يُقال إنها ذات موضوعات وهي التي لا تزال تُفرِّق المُسلِمين وتُبعثِر وحدتهم وتزرع بينهم الشنآن والبغضاء والتدابر والتنابز بالألقاب والاتهام بأفرى الكذب والتُهم والفحشاء؟ لا، من أسف إنها لا تزال حاضرة لا أقول في وعينا بل في حياتنا وفي مُعتقَداتنا وفي مسالكنا للأسف، هناك قضايا بلا شك تاريخية لا يكاد الناس ولا تكاد العامة تسمع بها أصلاً وتتعلَّق بالإسلام، لا يكاد أحد يسمع بها، لماذا؟ لأنها فعلاً غدت غير ذات موضوع اليوم، لكن هذا الموضوع هو موضوع حقيقي.

أُخاطِب إخواني وأحبابي الذين يتساءلون ويقولون أما وجدتم إلا هاته الموضوعات في هذه الساعة الحرجة من زمان الأمة لتتكلَّموا فيها؟ نقول لهم تلك شكاة ظاهرٌ عنك عارُها، الحديث عن النفس أخ الكذب لكن إن جاز لمُتكلِّم أو داعية أن يقول إنه صال وجال وتناول مئات إن لم يكن ألوف الموضوعات فنحن منهم بفضل الله، نتكلَّم في كل شيئ، لا نحصر أنفسنا في موضوعات بعينها لا نزال ندأب البدء والإعادة فيها كما يفعل مُعظَم مَن نسمع، يُحسِن له عشرة موضوعات ولا يزال يتكلَّم فيها، لكن نحن نتكلَّم وتكلَّمنا في قضايا كثيرة جداً جداً علمية وفلسفية وتاريخية وسياسية ودينية وفي مُختلِف العلوم الدينية وغيرها، لكن هذه المسألة بالذات – مسألة الصحابة ومظلومية أهل البيت وعدالة بعض الصحابة – لم نفرغ منها، وأُذكِّر مُحوصِلاً ومُوجِزاً ما انتهينا إليه من السلسلة التي لم ننته منها، فأنا لم انته من سلسلة الصحابة وعدالة الصحابة، بقيَ زُهاء الثُلث إن شاء الله، لكن مُحاشَاةً وتحاشياً للإملال بسبب الإطالة والإسهاب سنُكمِل السلسلة لكن بعد ان نفرغ من قضية مُعاوية، بعد أن نفرغ من ملف مُعاوية بن أبي سُفيان نعود إلى سلسلة الصحابة ونُكمِلها إن شاء الله تبارك وتعالى، على كل حال الذي أُحِب أن أقوله نحن تناولنا هذه المسألة في مُعظَم المرات اليسيرة والمرات المعدودة التي تناولناها فيها من زاوية أن مُعاوية ترك لنا تركةً سيئةً جداً، تركة مُرة، إن سميتموها تركة ملعونة فهي من ألعن اللعن أيها الإخوة، تركة الحكم الاستبدادي الذي اغتال روح الشورى في الأمة، وقلنا هذه التركة امتدت من عصر مُعاوية إلى يوم الناس هذا، الثورات المُبارَكة – إن شاء الله – التي نسأل الله أن يُبارِكها تصدى لها البعض، من بين الدُعاة – لن أقول علماء الدين لأن أكثرهم ليسوا علماء حقيقيين، مُجرَّد دُعاة هم، حملة شهادات وحملة أوراق – هؤلاء الناس بالذات – وأنتم تعرفون مَن أعني – للأسف الشديد مُعظَمهم تصدى للثورات من أول يوم، خانوا شعوبهم وخانوا ثورات شعوبهم، خانوا الحقيقة وللأسف نفر غير يسير منهم أو شطر عظيم منهم لما انتصرت الثورات إذا بهم في أول صفوف الثائرين، لذلك لكي لا نُخدَع – عنوان خُطبة – علينا أن نكون أيقاظاً، صدِّقوني أنا أنتمي إلى هذه الزُمرة – زُمرة علماء الدين – وأقول لكم لا تغتروا بي ولا بغيري، كونوا أيقاظاً، كونوا مُتفتِحين، لا تسمحوا لأحد أن يُدلِّس عليكم، لا تسمحوا لأحد أن يُزيِّف وعيكم، ولتكن لديكم الجرأة والشجاعة أن تقولوا لمَن أساء أسأت، أنت الآن تُسيئ إلينا وإلى قضايانا، تُسيئ إلى عقولنا، على كل حال نحن تناولنا هاته المسألة في أكثر المرات وفي أكثر الفرص التي سنحت لنا من هذه الزاوية، زاوية التركة الثقيلة التي خلَّفها لنا ابن أبي سُفيان، والتي دفعت الأمة أثماناً باهظة ولا أبهظ منها على مدى أربعة عشر قرناً، وإلى اليوم الذين تسمَّموا – هذا هو التسميم – بأفكار مُعاوية وزُمرة وطُغمة مُعاوية – سُبحان الله – يتصدَّرون الصفوف الأولى في الدفاع عن الحكّام الظلمة وعن نُظم الاستبداد والنُظم التي تغتال الحُريات، الصفوف الأولى هم هؤلاء، ترونهم في التلفزيون Television وفي اليوتيوب YouTube وفي كل مكان ما شاء الله، أنا تساءلت بالأمس في خُطبة الجُمعة ما الذي أبقوه لله تبارك وتعالى؟ يُدخِلون الناس الجنة ويُدخِلون الناس النار ويحكمون على هؤلاء بأنهم شهداء وهؤلاء بأنهم ليسوا شهداء، قالوا الذين سقطوا في مصر ليسوا شهداء، لا يستحيون في التلفزيون Television، وهذا في اليوتيوب YouTube، ثم يأتون ليتهموا أمثالنا بالكذب والتدليس، سنرى مَن الكذب ومَن المُدلِّس، نحن لا نخشى شيئاً، ونكذب من أجل ماذا؟ بفضل الله – تبارك وتعالى – ليس هناك دافع واحد يدفعنا للكذب وليست خُصومة شخصية لا مع مُعاوية ولا مع غير مُعاوية.

بالأمس أُحدِّث إخواني وأقول لهم قبل أيام – أيام يسيرة جداً – قرأت دفاعاً للعلّامة المصري المرحوم عبد المتعال الصعيدي رحمة الله تعالى عليه – هذا عالم درعمي كبير، وأنا أحترم هذا الرجل، رجل ذو تفكير مُستقِل وحر، كان في الخمسينيات في مصر رحمة الله تعالى عليه – وهو يدفع عن مُعاوية شُهبة الاستلحاق – استلحاق مُعاوية زياداً بأبيه أبي سُفيان – ولأول وهلة رد العالم الكبير مُقنِعاً فقلت انتهى الأمر بالنسبة إلىّ، أنا سأذكر هذا في مُحاضَرتي عن مُعاوية وأقول أستغفر الله، أنا كنت في الجانب الآخر الذي أساء الظن في هذه المسألة واتهم مُعاوية، الآن وجدت جواباً وانتهى كل شيئ، ويشهد الله أنه لا إله إلا هو أن هذا ما حصل بيني وبين نفسي، هكذا هو طالب العلم، هكذا طالب الحقيقة، ليست لدي خصومة مع أي أحد، أنا أُريد الحقيقة، أُريد الحقيقة التي أتبرَّر بها بين يدي الله تبارك وتعالى، وأرجو لكل طالب علم أن يكون لديه مثل هذا المزاج، لكن – لكي أُكمِل القصة – لم ألبث إلا يسيراً حتى انكشف لي الغطاء فإذا بجوب العلّامة الصعيدي ليس بالصحيح، انكشف لي أنه خاطيء – سُبحان الله – في لحظة وأنه يُعتبَر رداً للحديث الصحيح في المسألة، غير صحيح، تعلة وليس جواباً، فقلت انتهى، مُعاوية يعود إلى قفص الاتهام، هذه هي الحقيقة، أنا أعلم هؤلاء – مثلاً – منهم – لا أقول كلهم حتى لا أقع في الظلم، الله يُحِب النصفة والإنصاف والمعدلة – مَن يبتر الكلام ويقطع النصوص، منهم مَن يُقوِّل العلماء الذين هم أخصام له فيما يظن، وعيب أن يقول مُسلِم أن مُسلِماً خصمٌ له، يُمكِن أن يقول هذه مُحاجَة أو نقاش علمي أو مُناظَرة، هم كل شيئ يُحوِّلونه إلى ولاء وبراء وعقيدة، أي إيمان وكفر، يقولون أنت داخل السُنة وخارج السُنة أو أنت داخل الدين أو خارج الدين، ما هذا؟ هذه حالة عجيبة جداً جداً يا إخواني، لماذا؟ سوف ترون اليوم، أنا أتيت فقط ببعض المراجع وبعض الكتابات لكي تروا كيف تناول بعض العلماء هاته المسألة، لكن هؤلاء لا أدري لماذا قبل عشرين سنة حين فتحنا ملف يزيد اللعين – لعنة الله على يزيد بن مُعاوية قاتل أهل البيت – أقاموا الدنيا ولم يُقعِدوها علينا، واليوم تقريباً كثرتهم الساحقة الغالبة على البراء من يزيد وإعلان أنهم يكرهونه ولا يُحِبونه وأنه وأنه، قلت ما شاء الله، نحن سبقناكم بعشرين سنة، قبل عشرين سنة كادوا يُكفِّرونني، وعقدوا شياء عجيبة وكتبوا كتباً ومناشير وأكاذيب وأفائك سمجة من أجل يزيد، واليوم ادخلوا على اليوتيوب YouTube وسوف تجدون أن مُعظَمهم يقولون يزيد شيئ مُختلِف ولا نُحِبه، يزيد ليس جيداً، يزيد كذا وكذا، وبعضهم طبعاً يسبه وبعضهم يحكي اللعن فيه، ماذا قال العلماء في تجويز لعنته؟ أقول لكم هذه المرة أنا مُتأكِّد ليس بعد عشرين سنة وإنما بعد بضع سنوات سوف ينتهون أيضاً إلى ما نقول اليوم في مُعاوية، لأن قولنا في مُعاوية مُعتدِل، نحن لا نلعنه ولا نسب ولا نشتم، نحن نُناقِش على مهل وبتؤدة وبأدب مُعتصِمين بحبوة التحقيق، هكذا ليس من شأننا أن نسب أو نلعن ولا أن نغتصب صلاحيات الله – تبارك وتعالى – فنُدخِل الناس في الجنة والنار، نُناقِش نقاشاً علمياً وهذا لا يُرضيهم، لا يُرضيهم إلا أن تذوب فيهم ذوباناً كاملاً، وطبعاً حتى لا أنسى مثل هاته المسائل تُشكِّل إنموذجاً لما عليه العقل المُسلِم اليوم، وما عليه العقل المُسلِم اليوم لا يُطمئن، خاصة كما يُمثِّله هؤلاء، لا يُطمئن أبداً، فالاختلاف في مسألة مُعاوية ووضع مُعاوية جعلتموها كأنها مسألة عقدية في صُلب الاعتقاد وطعنٌ في الدين وقال أبو زُرعة وقال أبو فلان، شيئ غريب جداً، المسألة ليست هكذا، ليست هكذا بالمرة، وقولي في الصحابة – وهو قول طائفة من المُحقِّقين في القديم والحديث – أراه في نظري ولذلك أنا أقول به قولاً مُعتدِلاً جداً، هو أعدل الأقوال، أعدل من قول الشيعة الإمامية وأعدل من قول أهل السُنة والجماعة، بالأمس قلت هذا بعد الخُطبة لإخواني، الشيعة الإمامية لديهم تفريط في حق الصحابة، يُسيئون الظن في مُعظَم الصحابة، هذا تفريط، وأهل السُنة لديهم إفراط، كل الصحابة لفقٌ واحد ما شاء الله، كلهم مُبارَكون وعدول، هم لا يقولون مُزَّهون مُقدَّسون معصومون ولكن يُعامِلونهم مُعامَلة المعصوم، أنا أقول – وقلت هذا من قبل وأُذكِّر به مرة ثانية – الشيعي الذي يرى أن أئمة أهل البيت معصومون ثم ينبي على ذلك توالي ولوازم يستخرجها أكثر اتساقاً مع نفسه من الذي يقول الصحابة غير معصومين ثم هو يُعامِلهم مُعامَلة المعصوم تماماً وهذا عجيب، بالعكس مذهب الشيعة على أنني لا أنتحله بتة – مسألة العصمة – أقل خطراً على العقل وعلى النفس منهجياً وتربوياً من هذا المنهج، قولوا لي لماذا وأنا أتحدَّث بلغة علمية أيضاً ومنهجية فيما أظن إن شاء الله تعالى، لأنك حين تقول لي الصحابي ليس معصوماً – جميل جداً – لكنه زنى وسرق وقتل وفرَّق الأمة ومزَّق وحدتها وتسبَّب في قتل عشرات الألوف واغتال واستباح سبي النساء المُسلِمات وقتل الأطفال وفعل الأفاعيل وأصابنا بمصائب وكرثنا بكوارث وتقول لي رضيَ الله عنه وأرضاه ومع أبي محمد بن حزم – رحمة الله تعالى عليه – وهو في الجنة قطعاً هذا مذهب خطير جداً جداً جداً، تربوياً هذا يُنشيئ نفسيات مُشوَّهة، وأنا أقول لكم – والله على ما أقول شهيد، لا أقول هذا كياداً – هذه النفسيات موجودة، تجد الآن من علماء الدين فضلاً عن العامة وهم كُثر مَن هم مُتدينون – أي المُتدينين منهم – وبلحى وجلابيب ويلتزمون المساجد – ما شاء الله – وفي الصفوف الأولى ويُمكِن أن يفعلوا الأفاعيل، هذا غريب، ما الذي يحدث؟ كيف يا أخي؟ المفروض أن الإنسان كلما تدين وأمعن في التدين زاد ورعه، أين الورع؟ ورع من أين يأتي الورع وهو يتلقَّن مُنذ نعومة الأظفار أن الإنسان يُمكِن أن يكون كمُعاوية يستحل أموال الأمة ويستحل دماءها ويكذب ويُدجِّل؟ طبعاً هم يغضبون حين يسمعون هذا، لكن أقول لهم صبراً صبراً، عليكم أن تصبروا على الأقل إلى أن أفرغ من هذه السلسلة، هذه السلسلة طويلة، اليوم طليعة السلسلة، وسأقول لكم الطليعة عن ماذا تتحدَّث، هذه الطليعة فقط اليوم، لا ندري قد تأخذ ساعتين أو ثلاث أو أربع، هذه طليعة فقط، وبعد ذلك سنبدأ في فتح ملف مُعاوية حقيقةً، بعد أن تسمعوا كل شيئ وبالدليل تكلَّموا، هل مُعاوية دجَّل أم لم يُدجِّل؟ في نظري دجَّل كثيراً، هو قضى حياته في الدجل، تم التدجيل على الأمة وتزييف وعيها بكل وسيلة مُمكِنة له، سوف يثبت لكم هذا بالبرهان إن شاء الله، اليوم ستشمون رائحة الدليل فعلاً، مسائل من قول علماء أفاضل، ولكن أقول لكم مثل هذا الرجل – مُعاوية أو غير مُعاوية – مِمَن يعتقدون – وسنأتي على أسماء جُملة منهم – هم كما قلت في مُحاضَرة الصحابة وعدالتهم قلة منزورة بفضل الله تبارك وتعالى، اعتقادنا أن مُعظَم أصحاب رسول الله – على الاختلاف في تعريف الصحابي الذي فصَّلنا فيه القول في الحلقات السابقة – فعلاً كُرماء أماجد أماثل علية جِلة عدول، ليس عندنا أي مُشكِلة، قل يسيرة منزورة هم الذين شذوا وغيَّراوا وبدَّلوا وهم الذين وردت في حقهم النصوص، وهم الذين يُختلَجون عن حوض محمد – صلى الله على محمد وآله – يوم القيامة، النبي قال هذا!

كان الإمام الشافعي – رضوان الله عليه – وهو إمامي – أنا شافعي المذهب – يعتب على أستاذه مالك، يقول ما أعتب على أستاذي إلا أنه أخرج في مُوطئه حديث الحوض، قال من ضمن النقدات – أي وجوه النقد – العلمية التي أُسجِّلها على أستاذي الجليل مالك بن أنس – رضيَ الله تعالى عنهما – أنه أخرج في مُوطئه حديث الحوض، لماذا يا أبا عبد الله؟ واضح طبعاً لأن الشافعي فهم أن حديث الحوض ينطبق على الصحابة، وربما بدرجة أولية – كما قال الإمام المُعاصِر عبد الله بن الصدّيق الغُماري – على مُعاوية، عبد الله بن الصدّيق قال أجزم أنه ينطبق على مُعاوية وشيعته، قال هذا الحديث في مُعاوية وشيعته، مَن الذين بدَّلوا تبديلاً حقيقياً إلا ما كان من مُعاوية وغيَّروا؟ غيَّروا السُنة، والنبي حذَّر وقال أول مَن يُغيِّر رجلٌ من بني أُمية، صحَّحه الشيخ الألباني، قال الألباني ولعله يعني تبديل الحُكم من الشورى إلى المُلك، مَن الذي بدَّل؟ مُعاوية، حتى الألباني لم يجد بُداً أن يعترف بهذه الحقيقة، أعلم أن هذا يُزعِجهم جداً الآن، هذه حقائق فعودوا إلى الألباني وعودوا إلى هذا الكلام واختبروه، هل هو نوع من الافتعال أو نوع من الكذب؟ على كل حال هذا الذي بدَّل دين محمد، بدَّل سُنة رسول الله، وسيأتيكم هذا في حلقات مُعاوية، سترون أين هذا وماذا بدَّل، سيأتيكم كل شيئ وبالدليل، بدَّل ماذا؟ وأين الدليل؟ واليوم ستشمون – كما قلت لكم – بعض رائحة الدليل، على كل حال في الإمام الشافعي يعتب على أستاذه مالك أنه أخطأ حديث الحوض، ولذلك الإمام الغُماري قال لا، العتب على مَن يكتم الأحاديث لا على مَن يُحدِّث، لا يُوجَد عيب ولا يُوجَد عتب على مَن ينشر حديث المُصطفى، العتب والعيب على مَن يدس أحاديث المُصطفى حتى تخفى على الناس، والله أعلم ما الذي خفيَ منها، ما الذي وصل؟ وما الذي خفيَ؟ لكن الذي وصل ما دام صحيحاً فهو العُمدة فيكفينا، ثم حوادث التاريخ المُتواتِرة معنوياً تُنوِّرنا وتُضوِّيء الطريق لنا، أحاديث صحاح عن رسول الله وما تواتر في أحداث التاريخ، هذا يكفينا، انتهى الأمر، نستطيع أن نفهم ما الذي حدث في الجُملة دون أن نقطع على تفاصيل كل شيئٍ آحاد، لكن التواتر المعنوي يكفي فيه مثل هذا القدر في الجُملة إن شاء الله تبارك وتعالى.

حتى لا أُطوِّل – وأنا من عادتي أحياناً أُطوِّل في المُقدِّمات أيها الإخوة – نحن نبحث هذه المسائل – مرةً أُخرى – كنموذج لاختبار ما عليه العقل المُسلِم اليوم، سُبحان الله أنا ظننت ربما لأنني أعيش في أوروبا وفعلاً في مُجتمَع مُتحرِّر وفي جالية مُتحرِّرة العكس، وطبعاً هم يخافون عليكم كثيراً من أن يسطو بكم هذا الزنديق الذي اسمه عدنان إبراهيم وكأنكم جُهلاء، قبل قليل كان معي على الهاتف وأنا في السيارة إلى هذا المسجد أخ من السعودية – بارك الله فيه – وهو من أحبابنا، اتصل فقلت له مُشكِلة هؤلاء أن كثيراً – ليسوا جميعاً وإنما كثيرٌ منهم – يدخلون الكُليات الشرعية بخمسين في المائة وأربع وخمسين في المائة، لا تقبلهم لا طب ولا هندسة وعلوم، الواحد منهم يدخل بخمسين في المائة ويمكث لأربع أو خمس سنوات ثم يتخرَّج ومعه ورقة فيظن نفسه عالماً مُحقِّقاً – ما شاء الله – يرد على الأكابر ويُعلِّم الأصاغر، مُشكِلتهم أنهم ينطوون على عُقدة نقص، بالحري هو إزاء طبيب أو مُهندِس أو فيلسوف أو مُفكِّر أو سياسي مُخضرِم يشعر نفسه ناقصاً، لكن هيهات، هذا باسم الدين، أنا أتكلَّم باسم الدين، دائماً يُعوِّضون عن هذا الشعور بالنقص بوسم ووصم الناس بالعامة، يقولون العامة يا أخي، لا تتكلَّم مع العامة، يا رجل أين أنت تعيش؟ هل تظن أنك تعيش في قرية مع بعض الماشية؟ أنت تعيش في مُجتمَع الإنترنت Internet في الفضاء السيبيري اليوم، في أي مجلس أو في أي مسجد في ضمن مَن يجلس أو ضمن مَن يجلس إزاءك أيها الشيخ هناك الطبيب والمُهندِس والمُؤرِّخ والفيلسوف والسياسي والتاجر والمُحاسِب، أُناس مُتعلِّمون اليوم، اليوم يُوجَد تعليم كثير بفضل الله، ولا يلزم هذه المجالس إلا المُتعلِّمون، أليس كذلك؟ العامي يجلس في بيته يُتابِع المُسلسَلات، فلماذا تُصوِّرون على كلمة العامة؟ يقولون العامة، يا أخي لا تفتنوا العامة، مَن الخاصة؟ هم الخاصة ما شاء الله، والله إذا كنتم أنتم الخاصة فسواد أمة محمد عظيم، إذا كانت الخاصة بهذا المُستوى وبهذه العقلية فسواد أمة محمد عظيم، يُقيم الدنيا ولا يُقعِدها لأنك تُريد أن تُحاسِب مُعاوية على بعض أخطائه التي دمَّرت الأمة ويجعل هذا ديناً وعقيدة، هذا شيئ عجيب، إذا هذه الخاصة فأمة محمد في سواد عظيم وفي مُصيبة وفي داهية ما لها من واهية، لا نتحدَّث عن الناس بمثل هذا الاستكبار وبمثل هذا البأو، يقولون العامة، ومن هؤلاء العامة مَن هم أسد رأياً منك ومَن هم أكثر انضباطاً منهجياً منك، وأين المنهجية؟ انتبهوا إلى هذا، أين المنهجية؟ ولذلك نصيحة لنفسي ولإخواني من الدُعاة والعلماء والمُصلِحين والناصحين أكثروا وتعمَّقوا في درس المنهجية في الدروس وفي المُحاضَرات وحتى في خُطب الجُمعة، لابد من دروس تطبيقية، علِّموا الناس كيف يُفكِّرون منهجياً، علِّموا الناس كيف يُمكِنهم أن يُميِّزوا الخاثر من الزُباد والحق من الباطل والنور من الظلام، علِّموا الناس أن يتحصَّنوا ضد التزييف وضد الغش والتضليل، نعوذ بك أن نضل أو نُضَل أو نذل أو نُذَل، علِّموا الناس لئلا يُضَلوا، لئلا يُذَلوا علِّموهم، لكن هؤلاء يتكلَّكمون بلا منهجية وهذا واضح، لا منهجية البتة عندهم، ولذلك يعمد بعضهم إلى الكذب، هؤلاء يكذبون، كيف يُريد الواحد منهم أن يُناقِش المسائل العلمية؟ يقول لك هذا الرجل ليس من أهل السُنة، هذا زيدي، ويُمكِن أن يكون رافضياً حتى، ما هذا؟ هذا كذب، هذا كذب وقاح، وعلى كل حال يا سيدي لو كان صدقاً – كما قلت في خُطبتي أمس – من باب التنزل والاعتباط أنا زيدي – مثلاً – فهلم ناقشني يا حبيبي، ليست المسألة أنني زيدي أو رافضي أو سُني، هلم ناقشني، كونه زيدي أو حتى ماركسي أمر ليس له علاقة بالمسألة، ناقش المسألة أنت، لماذا تُريد أن تُشوِّه سُمعة الشخص؟ لأنه يعلم أن العامة – مَن يُسميهم العامة – يروج عليهم هذا الكلام، يسوغ عليهم هذا الإفك، ولذلك كتب بعضهم قائلاً الأفضل أن نقول أنه رافضي ونستريح منه، ويعلم أنه يكذب، قال سنتهمه بالرفض كذباً، علماً بأن هؤلاء الناس فيهم ولا يزال فيهم مَن يستحل الكذب وتزوير الكتب، وإن شاء الله سوف أعقد في مرة مُحاضَرة تطبيقية وسأُوريكم كيف يُزوِّرون الكتب ويكذبون على الأئمة، يحذفون أشياء ويزيدون أشياء من أجل نُصرة مذاهبهم الباطلة، شيئ لا يُصدَّق، لكنهك يستحلون هذا، عندهم فتاوى وقالوا هذا حلال، نحن على حق مُطلَق، في سبيل هذا الحق المُطلَق يُمكِن أن نتوسَّل الكذب، وهذا عجيب، لكن أنا أُبشِّر هؤلاء الكاذبين – هم يكذبون – بصدق – ليس من باب المُكايدة – وأقول لهم كذبكم لم يرج – لا أقول لا يروج وإنما لم يرج، نحن عندنا Feedback ونرى – على أكثر الناس وسقط ما لكم به من بقية منزلة إن كان لكم منزلة أصلاً، سقط والناس قالوا هؤلاء كذا وكذا وعلَّقوا بتعليقات أُنزِّه عنها لساني، وهذا كله موجود في الشبكة.

نبدأ الآن في موضوعنا، ملف مُعاوية بن أبي سُفيان أيها الإخوة سنتكلَّم فيه على مراحل، اليوم مرحلة الطليعة، هذه الطليعة الآن وسأقول لكم كيف تكون هذه الطليعة، هذه طليعة الكلام وطليعة التبيان، يُمكِن أن تُسموه – مثلاً – مُفصَّل التبيان أو مُفصَّل البيان في حال أو أحوال مُعاوية بن أبي سُفيان، للاختصار مُفصَّل التبيان في أحوال ابن أبي سُفيان، اليوم سموها في الإنترنت Internet طليعة المُفصَّل، أنا لا أُحِب هذه التسميات لكنها سهلة، هذا السجع السخيف سهل علينا وعلى غيرنا، سموه طليعة المُفصَّل، هذه طليعة المُفصَّل لأنهم يتحدَّثون ويقولون مَن سبقه إلى هذا؟ إنه مُبتدِع، مَن سبقه إلى هذا؟ نحن سنرى مَن سبقنا إلى الكلام في مُعاوية بن أبي سُفيان فقط في القديم والحديث، نماذج أيها الإخوة فقط، هذه مُحاضَرتي اليوم إن شاء الله، المُحاضَرة المُقبِلة مُعاوية في الأخبار والآثار، سنُحاكِمه إلى مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا قال الرسول في مُعاوية؟ وهنا قد يقول لي أحدهم هل الرسول تحدَّث عنه؟ نعم، وهذا الذي سيقطع جهيزة كل خطيب بإذن الله تبارك وتعالى، هذه ستكون أهم مُحاضَرة، ماذا صحَّ عن رسول الله في شأن مُعاوية؟ وأنا مُتأكِّد هذه المُحاضَرة كل مُسِلم أو مُسِلمة على اختلاف المذاهب والمشارب حين يسمعها يشهق طبعاً من العجب في البداية ثم سيشك، سيقول لا، لعل عدنان يتزيد، أُريد أن أُراجِع بنفسي، ارجع فالمكتبات موجودة والإنترنت Internet موجود وكل شيئ موجود، راجع تماماً، علماً بأن هذه من المرات القليلة في حياتي التي أقرأ فيها من الكتب، أنا أتيت بالكتب اليوم، أليس كذلك؟ فعلت هذا ربما ثلاث أو أربع مرات في حياتي كلها، أنا أعتمد على ذاكرتي، وكل ما هنا – أي في هذه الكتب – أستطيع أن أقوله – إن شاء الله – أو مُعظَمه من ذاكرتي، ليس عندي أي مُشكِلة، لكن سأفعل هذا لأن هؤلاء حياتهم من أيام يزيد – قبل عشرين سنة – يقولون يكذب، كنت أنقل عن ابن تيمية وعن الذهبي فيقولون يكذب، أقول لهم عجيب، إذا لم تستح افعل ما شئت، أكذب! يا أخي ابن تيمية موجود والذهبي موجود، أقول لهم ارجعوا وهم يقولون يكذب، يُريدون أن يُنفِّروا الناس، كيف تنسب الكذب إلى الصادقين؟ ألا تستحي؟ ولذلك أنا قلت لكم أنا أُحِب أن أُحسِن الظن في كل إخواني المُسلِمين وحتى في هؤلاء، ولكن ما يحملني ويلزني لزاً على أن أُسيئ الظن فيهم أنهم يفترون علىّ وعلى غيري، فإذا افتروا قلت ليسوا حسني النوايا أبداً، والله لو كانوا حسني النوايا لما افتروا، أليس كذلك؟ نحن نُريد الحقيقة، فلماذا تفترون؟ فالكذب لا يُمكِن أن يُجامِع ولا أن يُشايع الحق وطلاب الحق، مَن طلب الحق لا يُمكِن أن يتوسَّل الكذب والافتراء على عباد الله، هذا غير مُمكِن، مَن تورَّع لا يُمكِن أن يفعل هذا، ألا تخاف على نفسك يوم القيامة؟ أما قرأت ما ورد عن رسول الله: مَن قال في مُؤمِن كلمة ليست فيه ليشنأه بها حبسه الله في ردغة الخبال أو حتى يأتي بخراج ما قال؟ طبعاً وليس بآتٍ، من أين؟ إن لم أكن أكذب وأنت تنسبني إلى الكذب وإن لم أكن زيدياً وتنسبني إلى الزيدية انتهيت يا مسكين، أنا بالنسبة لي أستغفر الله لك، أنا مسامح، والله في عِرضي وفي حقي مسامح، والله لا يُفرِحني أبداً أن يدخل مُسلِم ولا حتى مُعاوية النار، أنا لا يُفرِحني هذا!

بالأمس أتاني أخ شيعي إمامي وهو الآن جالس – أبو عليّ الرجل الفاضل – وقال لي شيخنا هل أنت تقصد ياسر الحبيب – الشيعي الكويتي الذي قال أم المُؤمِنين في النار – بكلامك؟ قلت له نعم، قال لي لعنة الله عليه، قلت له لا، أنا لم ألعنه وأنا دعوت الله له بالهداية، قال أنا شيعي إمامي أقول لعنة الله عليه، وذاك شيعي إمامي، قلت له لا تلعنه يا أبا عليّ، قال لي لا، هذا عِرض رسول الله، جزاه الله خيراً، قال لي هذا وهو شيعي، هذا شيعي إمامي يغتاظ جداً أن تتكلَّم في عِرض عائشة، طبعاً يُفهِمون الناس كل الشيعة يقولون عائشة كذا، وهذا غير صحيح، هذا غير صحيح وكذب أيضاً، قال لي لا، قال لي لعنة الله عليه، قال لي والله أنا لعنته مُذ ذاك اليوم، قال لي مُنذ البداية، مُذ ذاك اليوم وأنا ألعنه هذا الرجل، قلت له أنا دعوت الله ومن قلبي ولا أزال أدعو له ولغيره بالهداية، بما أنه لم يمت على هذه العقائد السيئة فأدعو الله له ولغيره بالهداية، لم يقتنع أبو عليّ ولعلي أكون أقنعته بحُجة واحدة قصيرة – لم نتناقش – فقد قلت له يا أبا عليّ حتى الطعن في أم المُؤمِنين – رضوان الله تعالى عليها – ليس بأعظم من الشِرك بالله، هل هذا أعظم من الشِرك بالله؟ لا، أعظم الحقوق وأعظم من حق محمد – عليه السلام – حق رب العالمين بصراحة، لو إنسان أشرك بالله وكفر بالله ألا يجوز أن ندعو له بالهداية؟ بل واجبنا أن ندعو له بالهداية، النبي كان يبكي عليهم، قال الله فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ۩، وهم فعلوا به ما فعلوا، بما أنه لم يُختَم لهم بالكفر ندعو له، بالعكس ادع للناس جميعاً بالهداية، نحن نُحِب هذا، لا نُحِب التنابز ولا التراشق ولا هذا البذاء الذي ساد الساحة الإسلامية، بذاء عجيب جداً يا إخواني، حين ترى في العلماء مَن يتوسَّل البذاء والصفاقة وقلة الحياء في التعبير ومُكايدة الأخصام ماذا يحدث؟ أنا أقول لك ماذا يحدث، انزل فقط بمسافة أربعة أسطر لتقرأ تعاليق العامة، تعاليق العامة التي تنال من أعراض الأمهات والأخوات والزوجات، هذا مُستوى المُسلِمين ما شاء الله، مَن الذي ساهم في خلق هذا المُستوى الواطئ الخسيس؟ هؤلاء العلماء أو مَن يُسمون العلماء وهؤلاء الدُعاة، إذا كانت داعياً وعالماً وبلحية وعمامة ودشداشة وتتكلَّم بهذا البذاء ماذا ستُريد من الأطفال ومَن تُسميهم عامة أو بعض مَن تُسميهم عامة؟ ما نقرأه دائماً تحت: الطعن في الأعراض، يُقال هذا في أمه وهذا في أخته وهذا في كذا وهذا في كذا، شيئ لا يُصدَّق يا جماعة، أنا حين أقرأ هذه الأشياء والله العظيم تُسود الدنيا كلها في نظري، أقول أهذه أُمة محمد؟ أهذه أُمة محمد؟ أين كنا يا جماعة؟ أنا أقول لكم المُسلِم الحق الواثق من دينه والواثق من حُجته والله العظيم يتأدَّب حتى مع الماركسيين ومع الملاحدة ويتكلَّم بأدب ويُناقِش بأدب والموضوع كله رهن النقاش وينتهي الأمر، الذي يكون أقوى حُجةً يُفلِح ويُفلِج وينتهي الأمر، قال الله أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، ومَن لم يُرِد أن يُؤمِن هو حر، لا يُوجَد بذاء، لا يُوجّد إقذاع، لا تُوجَد شتائم، لا يُوجَد كل هذا، ما هذا الأسلوب؟ هل هذا كله حرص على الدين؟ لا، لا يُمكِن أن يكون هذا كله حرصاً على الدين، الدين أوله الأخلاق والأدب يا جماعة، الدين أدب قبل أن يكون علماً، وكانوا يتعلَّمون الأدب قبل أن يتعلَّموا العلم كما قال ابن المُبارَك رضيَ الله عنه وأرضاه، فإذا لم يكن المرء مُتأدِّباً أيُفهِمنا أنه مُتدين؟ من أين هذا؟ أي دين؟ أي دين؟ الدين دائماً مع الحياء، النبي يقول الإيمان والحياء قرينان، إذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر، فإذا ارتفع الحياء ارتفع الإيمان، لا تُفهِمني أنك مُؤمِن وقوي الإيمان ومُتحمِّس للدين، لست مُتحمِّساً، أنت تأخذها عميةً وعصبيةً وجاهليةً، هذا يتعصَّب لشيعيته وهذا لسُنيته وهذا لحزبه وهذا لحركته، الحكاية تتعلَّق بموضوع التعصبات، لذلك لا يُنفِّس عنك إلا السباب والإقذاع، والدين – والله – براءٌ من كل هذا، من كل هذا العبث، هذا عبث تجهَّم له وجه الدين، فنسأل الله أن يُصلِحنا بإصلاح علمائنا، في هذه القضايا لابد أن يَصلُح أولاً العلماء، لابد أن يُعرِب العلماء عن أعلى درجات التسامح والأدب والنزاهة وأن يتبيَّن الناس نزاهة العالم، حيثما بدا له الدليل والحُجة يقول نعم أنا راجع، أنا قلت لكم – ويشهد الله علىّ تبارك وتعالى – والله لو ظللت على اعتقادي هذا لأتيت وبرّأت مُعاوية في موضوع الاستلحاق، قلت عنده شُبهة الرجل وهناك حُجة قوية تعلَّمتها من عبد المتعال الصعيدي، لن أقول من فتح الله علىّ، كل شيئ يُنسَب إلى قائله، كل شيئ يُنسَب إلى صاحبه، ليس لأنني أُريد أن أُعلِّم الناس وإنما لكي أفتك رقبتي أيضاً أمام الله يا حبيبي، ولذلك قلت لك أهم شيئ أن يكون ما بينك وبين الله عامراً بأن تعلم وتُوقِن أن مقصودك هو الله، محصولك ليس فيه مُشكِلة، المحصول يختلف، هناك من العلماء مَن تكون دماغه مثل دماغ الواحد منا عشر مرات بل مائة مرة، هناك علماء كانوا فطاحلة في التاريخ، أليس كذلك؟ وربما في الواقع أيضاً، هذا موجود، فالمسألة ليست بالذكاء والغباء وإنما بالصدق والنزاهة، هل تُريد الحقيقة أنت أم تُريد التعصب والباطل والمُهارَشة والمُغالَبة وكل هذا الكلام الفارغ الذي لا يليق إلا بالصبيان؟ مَن أراد الحقيقة الحقيقة لها آدابها وضوابطها ولها مناهجها، فنسأل الله أن يفتح علينا بالحق وهو خير الفاتحين، اللهم ألهِمنا رُشدنا وأعِذنا من شر نفوسنا، دائماً نصدع إلى الله بهذا الدعاء.

في الطليعة يا إخواني طبعاً أنا مُجتزيءٌ ومُكتفٍ بعلماء أهل السُنة، لا لأني أُسقِط عدالة الآخرين من شيعة وزيدية وإباضية ومُعتزِلة – لا، ليس لأجل هذا – وإنما لأن الحُجة لا تقوم على هؤلاء إلا بعلمائنا من أهل السُنة، لا تأت له بعبد الجبّار، أنا عندي موسوعة عبد الجبّار وعندي مُعظَم كتب عبد الجبّار المطبوعة إن لم يكن كلها بفضل الله تبارك وتعالى، عبد الجبّار كتب صحائف وكلاماً طويلاً مُحقَّقاً دقيقاً في مُعاوية وفي غير مُعاوية وقال بالحرف الواحد ليس الكلام في فسقه وفجوه – هذا مقطوع به – وأنما في كفره ونفاقه، وأتى بأدلة عبد الجبّار في موسوعته – في عشرين مُجلَّد – المُغني في أبواب العدل والتوحيد، لا لن أحتج بعبد الجبّار، وهكذا لن أحتج بعلماء الزيدية ولا الإمامية ولا الإباضية، إذن لا أحتج لا بالمُعتزِلة ولا بهؤلاء وأولئك وأولئك مع أنهم موجودون ومن الحق أن نقرأ لهم ومن الحق والواجب أن نقرأ لهم ونرى كيف يزنون مُعاوية، بأي ميزان؟ لأنهم أيضاً أصحاب دين وأصحاب عقول، نُريد أن نرى، لا نغتر بحكاية نحن أهل السُنة، يعني نحن احتزنا الحق كله، هذا الكلام لا يُمكِن أن يقع فيه عالم حقيقي، العالم الحقيقي يقرأ للكل ويأخذ من الكل ويُميِّز كما قلت لكم، والحق أحق أن يُتبَع، لا تُوجَد طائفة – كما قال ابن القيم – احتازت الحق كله من كل جوانبه أبداً، لم يستثن أحداً هو، لكن بين مُقِلٍ ومُكثِر، لو أحصينا المسائل ولتكن – مثلاً نفترض – عشر مسائل أو مائة مسألة أو عشرة آلاف مسألة ربما في مُعظَم هذه المسائل يكون نصيب الطائفة من الحق أكثر من غيرها، تكون أسعد بالحق في عُظم هذه المسائل، لكن أيضاً غيرها أصاب من الحق نصيباً عظيماً، الله أعلم بحقائق الأمور.

إذن هذا أول شيئ، الشيئ الثاني أيها الإخوة هو أننا لابد أن نُنبِّه على الرُعب الذي لفَّ الناس وداسهم وديَّثهم – جعل أخلاقهم أخلاقاً ضعيفة، لم نعد نر أصحاب القلوب الجريئة من الفدائيين – فدائيي الحقيقية – والاستشهاديين، وهذا غير مطلوب من كل إنسان، تكليف صعب – وأفزعهم وكمَّم أفواههم الذي مارسه بنو أُمية على شيعة أهل البيت وعلى كل مَن أظهر الولاء لعليّ أو محبة عليّ، قد تقول لي محبة عليّ وليس سب مُعاوية أو الطعن أو الانتقاص؟ لا، طعن ماذا؟ تطعن في مَن؟ أتطعن في مُعاوية أنت أو في بني أُمية؟ تُقتَل مُباشَرةً يا حبيبي دون أي كلام، أنت لو أظهرت حب عليّ وقلت أنا أُحِب عليّ وعليّ رضيَ الله عنه وأرضاه وعليه السلام وكنت تُسلِّم عليه وأهل البيت تُقتَل، ذكر ابن حجر – رحمة الله تعالى عليه – في تهذيب التهذيب عُلي بن رباح، ارجعوا إلى تهذيب التهذيب واقرأوا قصة عُلي بن رباح، لماذا اسمه عُلي؟ هل يُمكِن لأحد أن يُسمي ابنه عُليّ؟ سمه عَليّاً، قال لا، هو ليس عَليّاً، هو عُليّ، وكان دائماً يقول لا أجعل في حل مَن سماني عَليّاً، اسمي عُليّ، لماذا عُليّ؟ هذه أين؟ هذه مَن الذي ذكرها؟ مَن الشيعي الذي ذكرها؟ ليس شيعياً، ذكرها ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب، لماذا؟ قال المقري – رحمة الله عليه – يقول ابن حجر لأن بني أُمية كانوا يتتبعون مَن اسمه عليّ ويقتلونه، الله أكبر، رُعب، والآن يُوجَد مِن إخواننا مَن يُحِب أن يُقنِعنا أن مُعاوية لم يسب عليّاً وأن حكاية السب موضوع كذب وأنها لم تحدث، ستأتيكم حلقة بحيالها عن هذه الموضوعات ويُمكِن أن نأخذ لنا – الله أعلم – نصف ساعة أو أربعين دقيقة أو ساعة كاملة في موضوع السب، وسنرى هل ثبت أم لم يثبت، كما قال بعض العلماء تواتر السب، أي سب مُعاوية، وسب بني أُمية ثابت حتى في البخاري، سب مروان بن الحكم في صحيح البخاري كما قال ابن حجر رحمة الله عليه، قال هذا مروان، هو الذي كان يسب ويأمر بالسب ويُكافيء ويُعاقِب على مَن سب ولم يسب، على كل حال كانوا يتتبعون مَن اسمه عليّ فيقتلونه، فأبوه رباح قال لهم ابني ليس عَليّاً، اسمه عُليّ، يُريد أن يعيش ابنه، هذا أمر عجيب، هذه قصة عُليّ بن رباح وهو أحد الرواة – أحد رواة الأحاديث عُليّ – في تهذيب التهذيب، إلى هذه الدرجة؟ ليس هذا فحسب، الإمام الأوزاعي رحمة الله تعالى عليه – تعرفون الإمام الأوزاعي، أبو عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام، إلى اليوم له الجلالة الكُبرى عند الشاميين، عند أهل بيروت وما إلى ذلك، رحمة الله تعالى على هذا الإمام الجليل – تسمعون الآن قصته، قصة غريبة وتُؤكِّد هذا الرُعب، فطبعاً ضروري أن نُفكِّر علمياً، حين تفهم الجو الذي كان يلف العلماء والرواة والكتّاب وما إلى ذلك تعرف أن مُعظَم الناس ابتلعوا ألسنتهم، عقائدهم في مُعاوية وفي بني أُمية يتكتمون عليها، يجعلونها في كُن من نفوسهم وفي عقر نفوسهم ويُظهِرون عكسها، ابن حجر رحمة الله عليه – وسيأتي هذا بالتفصيل في فتح الباري – لما روى حديثاً وفيه أن زياد بن أبي سُفيان توقَّف، كيف يُقال زياد بن أبي سُفيان؟ هل يُمكِن لمُحدِّث أن يقول زياد بن أبي سُفيان؟ هذه من جرائم مُعاوية، هذا زياد ابن سُمية أو زياد ابن أبيه أو زياد بن عُبيد، عُبيد الثقفي الذي كان للأسف … لا علينا، هذا كلام بذيء، هذا اسمه هكذا، لكن مُعاوية استلحقه وقال له أنت ابن أبي، ابن أبي سُفيان، وهذا طبعاً بالزنا، معروف أنه بالزنا، ومُعاوية يعترف بهذا وأبو سُفيان، والكون كله يعرف أن هذا بالزنا، قال هذا أخي في الزنا، أستغفر الله العظيم، ما هذا؟ سوف نأتي على هذا بالتفصيل طبعاً، هذه مسألة الاستلحاق، وحتى هذه يُشكِّكون فيها، لكن سوف ترون الأدلة وكلام العلماء والأمة فيها.

على كل حال ابن حجر طبعاً لفت نظره كيف يقول الرواة – هذا في البخاري وفي موطأ الإمام مالك – زياد بن أبي سُفيان؟ ابن حجر – رحمة الله عليه – لا يفوته هذا، قال الإمام والإمام مالك روى هذا عن أشياخه في زمن بني أُمية وإنما كانوا يُظهِرون هذا تقيةً، لابد أن تقول ابن أبي سُفيان رُغماً عنك وإلا ستذهب رأسك، يا ربي! إلى هذه الدرجة كان الرُعب؟ رُعب يا جماعة، طُغيان حقيقي، لذلك عودوا إلى تاريخ الطبري – هذه الليلة عودوا إلى تاريخ الطبري – واقرأوا، وسوف ترون بعض العبارات لبعض الصحابة لما مات مُعاوية، ماذا قالوا؟ مات الليلة طاغيتهم، هلك طاغيتهم، الصحابة يُسمونه الطاغية، يقولون هذا عن مُعاوية، الصحابة قالوا هذا في التاريخ، هلك الليلة طاغيتهم، طاغية مُرعِب رُعباً شديداً، فالإمام ابن حجر فهم هذا الشيئ، قال مالك يروي عن أشياخه وطبعاً أشياخه حدَّثوا بهذا في زمن بني أُمية، لأن مالك مُتوفى شنة تسع وسعين ومائة للهجرة، فعاش الحقبتين الأُموية وشيئاً من العباسية، لأن بني أُمية إلى مائة واثنين وثلاثين هجرياً، فيُحدِّث عن أشياخ وأشياخه من أيام بني أُمية يلتزمون هذا، بعض الناس سارت على هذا بالتقليد والتكرار، نفس التعليق هذا بروحه سجَّله الإمام القاضي العلّامة الشوكاني – محمد بن عليّ الشوكاني – وسيأتي هذا بالتفصيل، قال هذا كان تقيةً، وإلا أجمعت العلماء – يقول الإمام محمد بن عليّ الشوكاني – أو أجمع العلماء على أنه لا يُنسَب إلى أبي سُفيان، هذا خطأ، هذه جريمة شرعية، هذه أول قضية غُيَّرت فيها سُنة رسول الله سنة أربع وأربعين للهجرة فعلها مُعاوية، أول شيئ في الدين غُيِّر، وغيَّره مُعاوية على رؤوس الناس، هذا استلحاق بالزنا، النبي قال الولد للفراش وللعاهر الحجر، فلا يُنسَب، الولد يُنسَب للفراش الشرعي، على فراش مَن وُلِد هذا؟ عُبيد، إذن هو ابن عُبيد، مثل زياد بن عُبيد، عُبيد شخص حقير يُديِّث على امرأته وإلى آخره، ليس لنا علاقة بهذا لكن هذا الثقفي كان هكذا، زياد أحب أن يكون ابن أبي سُفيان ومُعاوية أعطاه هذا الشيئ لكي يتقوَّى به، انتقدوا هذا علىّ، سوف ترون هذا وترون مَن قال بهذا، كل مَن عنده ذرة إنصاف يعرف أن هذه هي الحقيقة بفضل الله عز وجل، هذه الحقيقة يا إخواني، فالشوكاني كتب وقال هذه تقية، سنرى الأوزاعي، ما قصة الأوزاعي في نبلاء الذهبي – سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي – رحمة الله تعالى عليه؟ طبعة الرسالة، تحقيق الأرنؤوط وإخوانه وزُملائه: (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، شيخ الإسلام، عالم أهل الشام، أبو عمرو الأوزاعي …. إلى أن يقول أبو فروة – أي حدَّث – عن يزيد بن محمد الرُهاوي – من الرُها – سمعت أبي يقول قلت لعيسى بن يونس أيهما أفضل: الأوزاعي أو سُفيان؟ – أي الثوري – فقال وأين أنت من سُفيان؟ قلت يا أبا عمرو ذهبت بك العراقية – الأوزاعي شامي وأبو سُفيان الثوري من أهل الكوفة، أي أنه عراقي، قال له أنت مُتعصِّب لأنه بلدياتك كما يُقال -، الأوزاعي فقهه وفضله وعلمه – أي أين أنت من هذا؟ – فغضب وقال أتراني أُوثِر على الحق شيئاً؟ سمعت الأوزاعي يقول ما أخذنا العطاء – المُرتَّبات الشهرية، لم تكن هناك مُرتَّبات لأي مُسلِم، وهذا الأوزاعي، فحتى العلماء لم يُجامَلوا في هذه المسائل الطُغيانية – حتى شهدنا على عليّ بالنفاق وتبرّأنا منه، العلماء يُضطهَدون، لابد أن تشهد وتقول عليّ مُنافِق، هل عليّ مُنافِق؟ لن يكون هناك عطاء، ويا ليت توقَّف الأمر على عدم وجود العطاء، ربما تكون هناك سجون وزنازين واستئصال وقبل كل هذا تشويه سُمعة طبعاً، معروف أسلوب الطُغيان، قال حتى شهدنا على عليّ بالنفاق وتبرّأنا منه.
الإمام عليّ يا إخواني مرةً قال لأحبابه وشيعته وسيُعرَض عليكم سبي والبراءة مني – قال سبي والبراءة مني – فإن أرادكم على سبي فسبوني – أنا رجل – وإن أرادوكم على البراءة مني فلا تبرأوا مني فإني لم أُفارِق الإسلام، الإمام عليّ – عليه السلام – قال هذا، أنا أتماهى مع الإسلام، لو تبرّأت مني كأنك تبرّأت من الدين، لا تتبرّأ مني، أتُريد العطاء؟ لابد أن تتبرّأ.
نُكمِل هذه الحكاية التي يذكرها الذهبي في المُجلَّد السابع من سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي عمرو الأوزاعي لكن بعد هذا الفاصل إخواني وأخواتي.

(تابعونا في الحلقات القادمة)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: