إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – من قائل في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ۩ قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ۩ أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا ۩ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ۩ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ۩ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ۩ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۩ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ۩ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ۩ وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
تأثير الأفكار فينا ليس يُنكَر وليس مما يُجادَل فيه، فأفكارك هى التي يمكن أن تجعل حياتك أوراداً أو تجعلها أشواكاً كما قال سقراط Socrates، لكن ما لا يُدركه أكثرنا ربما أن تأثير الكلمات – الكلام أو القولات أو العبارات – ليس يقل عن تأثير الأفكار بل ربما يتفوق عليه أحياناً، هل التفتنا أحبتي إلى أن الأفكار في نهاية أمرها وفي تحليلها الأخير هى قولات داخلية؟ هى أقوال داخلية، هل يمكن أن تتخيَّل فكرةً تجول في خاطرك لم تتقولب في قالب اللفظ أو في قالب الكلمة أو العبارة؟ تقريباً مستحيل، كل ما لم يوضع له لباس من الكلمات والقولات غير موجود، ومعروف في علم النفس أن وضع أسماء وتعابير واصطلاحات لبعض الظاهرات والموجودات يجعلها تنتقل من حيز العدم إلى نور الوجود، فما معنى هذا؟ معنى هذا أن هناك أشياء كثيرة قد تكون موجودة الآن وهنا لا ندركها ولا نحس بها ولا نراها مع أنها موجودة لأن لم توضع كلمات تُعبِّر عنها، وهذا شيئ عجيب وحقيقة مذهلة من أكبر حقائق علم النفس وعلم النفس العصبي على الإطلاق، هناك قبيلة إفريقية لا يميزون فيها بين اللون الأخضر والأزرق، لكن نحن نميز وبدهي أن نميز ونقول هما لونان، لكن لديهم في حسهم وفي إدراكهم الحسي – Sensory perception – لون واحد، لماذا؟ لأن لغتهم لم تضع إلا كلمة واحدة لهذين اللونين فصارا لوناً واحداً، ليس لديهم أخضر وأزرق وإنما لديهم لون واحد فقط.

نأتي إلى لون الثلج، نحن نصف الثلج بلون واحد وهو الأبيض، لكن الإسكيمو Eskimo وضعوا عشرات بل مئات الكلمات تُدرّج اللون الأبيض، فليس لديهم لون أبيض واحد بل يُوجَد عشرات ومئات الأبيض عندهم، ونحن لا ندرك هذا، لكن لغتهم سمحت بهذا، وهذه قضية خطيرة!

إذن تأثير القولة وتأثير الكلمة أو تأثير الكلمات يبدو أنه اكبر وأعمق وأكثر فاعلية مما نظن ونحسب، إذن حياتنا أيضاً ليست من صنع أفكارنا بل أيضاً من صنع كلماتنا، ومن هنا وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، وهنا قد يقول يبدو أنه يريد – والله تبارك وتعالى أعلم – أن يشمل القول الداخلي في مفهوم القول، فنحن نفهم أن القول – أي ما نقوله – لابد أن يكون خارجياً بحيث يسمعه غيرنا أو يراه مكتوباً، لكن هنا الحديث حتى عن القول الداخلي، قال الله وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۩، فإذن الله هنا يقول وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ ۩، وقال الله عن إخوة يوسف قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ – أي في نفسه قولة داخلية – أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۩، فهو لم يجابههم بهذا ولم يواجههم بهذا ولم يقل لهم في وجوههم أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۩، إنما قال هذا في نفسه، قال الله يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ ۩، من القول إذن، فالقلوب فيها قول والنفوس فيها قول، أليس كذلك؟ وإنما أصل القول أن يكون في القلب، يقول الفاروق – رضيَ الله عنه وأرضاه – إني كنت زورت في السقيفة – أحداث السقيفة – في نفسي مقالة، فالقول في النفس والقول في القلب، فهناك الحديث الداخلي، العلماء الآن يُحدِّثوننا عن أننا لا نفتأ نتحدَّث باستمرار حتى في المنام، أي في منامنا، فالنفس مثل الطاحونة ومثل الرحى تدور باستمرار، والثرثرة الداخلية دائبة صاخبة ولا تتوقف، فيا سعده وما أجمل حظه من كان ثرثرته الداخلية وحديثه الداخلي حديثاً حسناً جميلاً إيجابياً، في ذكر أو في عبادة أو تهمم بالخير أو ملاحظة للجوانب الطيبة الجميلة في حياته وفي الآخرين وفي العالم وفي الوجود وفي الأقدار، أن يكون باستمرار هكذا، وهذا يقدر عليه بالذات العباد الذاكرون لله كثيراً والذاكرات، أكثر من الناس العاديين، فالواحد منهم دائماً في ذكر مُتواصِل، والذكر لمَن؟ لمصدر الجمال والجلال والنوال، هذا أكثر شيئ يعطي الإنسان راحة وثقة وثباتاً واستقراراً نفسياً وطمأنينة، قال الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ۩.

إذن تأثير الكلمة علينا أكبر وأمكر وأكثر مكراً ودهاءً مما نظن ونخال، نحن ببساطة – وهو تبسيط ساذج وتبسيط جاهل – نظن أننا نستعمل الكلمات ونتعطاها، أي أن الكلمات المعجمية نلتقطها من المعجم ثم نستعملها ونغفل عن حقيقة أنها ربما تستعملنا أكثر مما نستعملها، فالكلمات تطوعنا أكثر مما نطوعها وتخدم علينا وتستخدمنا أزيد مما نستخدمها وأزيد مما نفعل، كيف؟ تفعل هذا بمكرها وبقلة وعينا، فقط ما نحتاجه أن يكون لدينا درجة عالية من التيقظ ومن الوعي الذاتي حتى لا نفتح لها المجال أن تلعب بنا و أن تسطو بنا، لكن كيف؟
حين يحدث لك موقف من المواقف المُزعِجة – أحدهم يلقي بكلمة في وجهك أو يصدر عن سلوك معين يزعجك ويثيرك – قد تذهب إلى آخر الشوط وتقول – مجرد تعبر بالكلام – ما هذا الذي فعل؟ ما هذا الذي اجترم؟ لقد دمَّرني وأهلكني وأحرقني، وهذا أمر عجيب، أنت ذهبت إلى آخر الشوط، الذي يدمِّر ويُحرق ويُهلِك ويكرث أشياء ثانية ينبغي أن تكون مُدمِرة، كمَن يأخذ كل مالك – مثلاً – أو مَن يقتل لك عزيزاً أو يطعن في عِرضك أو يشي بك وشاية قد تودي بك إلى السجن أو الزنزانة أو حتى إلى حبل المشنقة، فهذا هو الذي كرث ويُدمِّر ويُحرق ويُنهي، لكن في الحقيقة هو لم يفعل هذا، المؤسف جداً والشطر الأصعب والأسوأ في القضية أنك حين تقول هذا تُشغِّل هذه الكلمات مباشرةً جينات Genes، وأنتم تعرفون أننا كائنات جينية، فنحن كائنات تحمل مُورِّثات، وتعيش وتتحرك بالمُورِّثات ولكن الجزء الاجمل في القضية أننا لا نخضع خضوعاً مُطلقاً لهذا التعبير الجيني، تشتغل هذه الجينات Genes التي تعطي أوامر – وهذا معنى التعبير الجيني – بإفراز ناقلات عصبية والهرمونات تُسمى هرمونات الإجهاد والتعب والقلق، فهى تتعبك وتسممك وتشعر فعلاً بأنك بدأت تُدمَر وتُكرَث وأنك لا تستطيع أن تحتمل وأن الوضع صعب جداً، في حين أن القضية تافهة جداً، كان يمكن أن تمضي عنها ولا تلتفت إليها.
وَلقدْ مَرَرْتُ عَلَى اللَّئيمِ يَـسُبُّنِي فَمَضيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لاَ يَعْنـِيـنِي.

قال الله وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ۩، وقال أيضاً سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ۩، لماذا وقفت وقلت دمَّرني وأهلكني وأحرقني وأنهاني؟ والكلمات مباشرةً تعطي الأوامر للجينات Genes التي تعطي الأوامر للنواقل العصبية وللهرمونات فيبدأ الجسم المسكين الضحية يتأثَّر بفعل هذه النواقل وهذه الهرمونات، وتشعر بالإجهاد وتشعر بالضغط وبالكرب وبالقلق وتبدأ تتسمَّم بمعنى الكلمة وبملء المعنى، وهينا تأ النظرية التي كانت سخيفة إلى حد بعيد لبعض الأقدمين الذين عادلوا بين الإسم والمُسمى ورد علهم الاخرون وكانوا أقرب إلى روح المنطق والحس السليم فقالوا لو عادل الإسم مُسماه وقلت سُماً لتسممت ومت، فحين أقول سم هل أتسمم؟ الآن بدأنا نتردَّد في الأجابة لكن نعم مُمكِن، طبعاً حين تقول سم والحياة سم والقدر سم تتسمَّم علمياً وعصبياً الآن، لكن ليس بطريقة سريعة ووقتية ولحظية كالسم الحسي، ستتسمَّم حتماً يوماً فيوماً وشهراً فشهراً وسنة فسنة وستشيخ مبكراً، وعلماء النفس يقولون ستموت مبكراً أيضاًأنت تقصف عمرك بهذه الأفكار وبهذه المقولات وبهذه الطريقة السلبية في التفكير والتعبير، وهذا شيئ غريب!
إذن قال الله وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، وهنا الَّتِي ۩ إسم موصول مؤنث لابد أن يكون صفةً لمحذوف يُقدَر بحسب ما يناسب هذا الموصول المؤنث، أي يقولوا القولة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، يقولوا العبارة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، يقولوا الجملة أو حتى الجُمل والقولات، لأن المجموع من هذا يوصف بالتي، ليس كمجموع الأحياء اللواتي، وإن ورد في الشعر أيضاً، يجوز في فصيح الكلام أن تصف مجموع ما لا يعقل بما يوصف به مجموع العاقل من الأسماء الموصولة، مثل أولئك الأيام والليالي اللواتي، فهذا يجوز لك الأصل التي، مثل الليالي التي وهكذا، وعلى كل حال تقول الآية الكريمة وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، وأنتم تعلمون أن الحُسن في الأصل هو ماذا؟ الجمال، فالحسن هو الجمال والبهاء، وهذا دين جمال وبهاء، فالإسلام دين جمال وبهاء، وكما قلنا غير مرة أمرنا بالصبر الجميل، وهذا أمر عجيب، فلابد من الصبر الجميل، فيُوجَد جمال في الصبر، وأمرنا بالهجر الجميل، فنهجر أعداءنا وشانئينا هجراً جميلاً، أمرنا أيضاً بالتسريح الجميل، من أراد أن يُطلق زوجه كالنبي حيث قال الله وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ۩، فإذن صبرٌ جميل وهجرٌ جميل وتسريحٌ جميل، وهناك أيضاً أشياء أخرى كثيرة، فلدينا أيضاً قولٌ جميل، قال الله يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩،وهذه قضية مهمة في الدين لكن واضح أننا نُربى وربما نُربي أيضاً أولادنا بطريقة تجعل هذه القضايا هامشية جداً، فالأساس في الدين العبادة والطقوس والشعائر والمظاهر، وهذا غير صحيح، قال الله وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ – هذا ميثاق وعهد من رب العزة لا إله إلا هو لبني اسرائيل على لسان وبوساطة النبي الكليم الكريم موسى عليه الصلاة وأفضل السلام – بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ۩، وبعد ذلك قال وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۩ وهذا أمر عجيب، فهل هذا يعني أن الاستيثاق وأخذ الموثقة والعهد بأن يُقال للناس القول الأحسن والقول الحسن الجميل قبل الاستيثاق بإقام الصلاة وإتاء الزكاة؟ نعم، هذا هو الدين وهذا هو القرآن إذا كنا قرأناه، قال الله وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ۩ ثم قال بعد ذلك وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۩،أن تقيم الزكاة وأن تؤتي الزكاة وتحج البيت ولا يُسمَع منك إلا بذئ القول وإلا سلبي المقال فهذا يضع علامة استفهام على صحة تدينك، علماً بأن التدين كما أفهم وقد أكون مُخطئاً في جوهره وفي لبه وفي حقيقته شئ مُتسِق مع ذاته أكثر مما هو تعليم، قد نُعوِّل كثيراً كما فعلت قبيل قليل على سوء التربية وسوء التعليم لأننا لم نتلق ولم نتعلم وبلا شك هذا له أثر عظيم، لكن أنا أقول لكم لو هُديَ إنسان بلطف إلهي وبصدق لأنه صادق ويحب أن يعبد الله كما يريد الله ويحب أن يتقرب إلى الله ولا يحب أن يتمظهر ولا يحب أن يفعل ويفتعل ولا يحب أن يُمثل أنه متدين وأنه كذا وكذا – لا يحب هذا وإنما يجب فقط أن يتقرب من الله – سيتدين وسيُهدى بطريقة فطرية إلهية وبتوفيق إلهي محض إلى ترتيب الأشياء والاهتمام بها على ما يريد الله، بمعنى لأنه صادق في تدينه سنجد إنساناً خلوقاً رحيماً صفوحاً مسالماً متسامحاً كريماً مطمئناً والناس منه في خير وفي أمن، فتأمن لسانه وتأمن يده وتأمن حتى خياله، فخياله ليس مريضاً، لأن بعض الناس يبدي لك المودة وهو لا يُحِبك، أليس كذلك؟ ويعجبك قوله كما قال – تبارك وتعالى -وفي قلبه أَلَدُّ الْخِصَامِ ۩، وبعض الناس مُرصَد للشماتة فقط، أي لكي يشمت بالأخرين، ولا يهتم ولا يُعنى بالخير الكثير الذي يجريه الله على أيديهم وكأنه لا يراه، يدفن الحسنات وإذا رأى سيئة واحدة يطير بها، يُستطَار فرحاً لأنه شمات، عائش ليشمت بالناس هكذا والعياذ بالله، فهؤلاء موجودون إذن، وهذا الصنف من البشر نسأل الله ألا نكون منهم، وإن كنا منهم أو فينا شيئ مما كُرثوا به وأصيبوا به واعتلت به صحتهم الروحية والنفسية نسأل أن يشفينا الله وأن يداوينا، ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۩.
على كل حال هذه طبيعة التدين، لو صدق الإنسان في إيمانه سوف يسلك مباشرةً سلوك مؤمن دون أن يعلم أن هذا من سلوك المؤمن وأن هذا من ثمرات الإيمان، سيفعل هذا تلقائياً لوجود إيمان حقيقي، فأنت – كما قلت مرة في خطبة قديمة – حين تتعاطى بعض المواد وبعض المُغذيات وتتناول بروتيناً Protein – مثلاً – فإن البروتين Protein سيفعل في بدنك فعل البروتينات Proteins وليس فعل الكربوهيدرات Carbohydrates أو فعل الفيتامينات Vitamins مثلاً، والعكس صحيح أيضاً، كذلك الإيمان أيضاً، إذا حصل إيمان وجاء إيمان فإن الإيمان مباشرةً سيمارس أثره، لكنك قد تقول لي كيف هذا ونحن مؤمنون؟ وأنا أقول لك تُوجَد دعاوى إيمان، هناك إيمان الإيقان – اللهم أنلناه – وهناك إيمان الإعلان، كأن نقول نحن مؤمنون ونحن خير أمة ونحن ونحن ونحن، وهذا كله كلام وإعلان ودعايات وتمثيل ومانشيتات وإعلانات نسير عليها، لكن هذا لا يغني كثيراً، وهناك إيمان الإيقان، وهو إيمان موجود راسخ في النفس بإذن الله تبارك وتعالى، هذا الإيمان مباشرةً شئت أم أبيت والتفت أم لم تلتفت إليه سينتج أثماره كما قال عيسى، سيعطي أثماره وسيعطي نتائجه تلقائياً، فنسأل الله أن يُحقِّقنا بحقائق الإيمان، فنحن نعرف أشياء كثيرة عن الإيمان لكننا لم نعشها، وهذا يحتاج إلى تفصيل في مقام آخر إن شاء الله.
إذن قال الله وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ۩ وقال أيضاً وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، فضلاً عن أنه قال ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، وهذه يدخل فيها القولة ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩ أيضاً والفعِلة ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، قال الله وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۩، وهنا أمر عجيب، فحتى الخيورات والأعمال الخيرة الطيبة والقربات تُسمى بالحسنات، فهل انتبهتم إلى أن الأفعال الطبية والأشياء الجميلة يُسميها الله حسنات؟ هل فكرتم في كلمة حسنة؟ هى مؤنث الحسن، ولذا يُقال هو حسن وهى حسنة، أليس كذلك؟ والحسن هو الشئ الجميل، ونحن نقول الأفعال الجميلة، فدينكم دين الأفعال والطريق إلى الله طريق فعل جميل، أي أن تفعل الجميل، وهذا لا يحتاج إلى فلسفة – كما قلت لكم – ولا إلى كبير تعليم لكي نعرف أن ما يقوله فلان وأن ما يفعله علان جميل أم قبيح، هذا أمر واضح ومن ثم لا نحتاج هذا لأننا نعرف، والطفل يعرف هذا أيضاً، يعرف أن هذا الفعل جميل وأن هذا المشهد جميل وأن هذه اللمحة أو هذه التلميحة جميلة، وكذلك يعرف أن هذا الفعل قبيح وأن هذا الصوت قبيح وأن هذا السلوك قبيح، أليس كذلك؟ فديننا دين الحسنات، والقربة إلى الله تكون بالحسنات، ورأس مال المؤمن بعد توفيق الله حسناته وجمائله والأشياء الجميلة التي يتعاطاها، فهذا دين الجمال، كله دين الجمال، يقول النبي إن الله جميل يحب الجمال، فهذا دين الجمال، والله مصدر الجمال، إذن وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۩، هذه تعم القولة – كما قلت – والفِعلة الأحسن، أي القول والسلوك عموماً الأحسن، فنحن مأمرون به، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، قال الله ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ۩.
إذن هناك آيات كثيرة تقرر هذا المعنى، نأتي الآن لكي ننظم حديثنا ونقول هناك قول داخلي وهناك قول خارجي نواجه به الناس، ونبدأ بالقول الداخلي، أنتم تعرفون أن الذين ازدهرت حياتهم وتكاملوا روحياً وعلمياً واجتماعياً وحقَّقوا أنفسهم – شخصيات ناجحة في المجتمع وبين الناس محبوبة ومُوقرَة وطيبة ولها اعتبار وحيثية بين الناس بصدق – كان السبب الرئيس في نجاحهم وازدهارهم – أي هؤلاء الذين ازدهروا وأثمروا ونجحوا وقطعوا المراحل – أنهم مهرة بل ربما مدمنون على استهلاك الأفكار والمشاعر والكلام الداخلي الإيجابي، فهم أشخاص إيجابيون يرون دائماً النصف المليء كما يُقال من الكوب والوجه الحسن للأشياء وعندهم تفاؤل، وطبعاً هنا أعتقد أن الإيمان بالله تبارك وتعالى – كما قلنا مصدر كل خير ونوال لا إله إلا هو – يُعطي هذه الإيجابية، فالمفروض أن الإيمان يفعل هذا، لكن إيمان اليقين – كما قلنا – وليس إيمان الإعلان، فهذا لو حصل ووُجِد يعطي المؤمن من هذه الإيجابية العالية الرائعة، مُجرَّد الإيمان بالله سيعطيني هذا بسهولة، فمم أخاف؟ على ماذا آسا؟ على ماذا أحزن وأنا أعلم وأؤمن بأنني من جملة العباد لله وأنا إليه راجع؟ كل شيئ من الله وإلى الله، كل شئ بيد الله وفي تصريف الله لا إله إلا هو، وأنا موعود بالاستقامة إن شاء الله بكل خير، وهذا يجعلني إيجابياً متفائلاً ومطمئناً، عكس مهزوز الإيمان وقلق الإيمان الذي تلاعب به الشيطان ويتلاعب به الشيطان، قال الله الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ۩، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا هذا؟ لأن أكثر من تسعة وتسعين في المائة على الأقل من مشاكل الناس الرزق، علماً بأنني متواضع في التقدير لأن في الحقيقة كل الناس تقريباً أو أكثر من تسعة وتسعين في المائة من مشاكل الناس وهموم الناس بسبب الدينار، أي الرزق، فهى بسبب المال في الأغلب، فالذي ليس عنده المال عنده مُشكِلة لأن ليس عنده هذا، والذي عنده المال عنده مُشكِلة لأنه يريد أكثر، وكما قيل ليس الفقير فقط هو الذي ليس عنده بل الذي عنده وعنده الكثير ولا يقنع به، يريد المزيد ولذا هو فقير أيضاً، فهو فقير النفس وإن لم يكن فقير اليد، أليس كذلك؟ والله يقول ببساطة حقِّق الإيمان ستنج من هذه الورطة، لن تحمل هم الدرهم بإذن الله تعالى، سيكون لديك يقين بقول من قال وأقسم وما كان أحوجه أحد أن يُقسم لكن رحمةً منه بضعف إيماننا وبهشاشة يقيننا، فبعد أن قال وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ۩ قال فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ۩، فلماذا تُقسم يا رب؟ قال أعلم أنكم شكاكون وبعد أن أقسمت أيضاً أنتم شكاكون، بدليل أنك تصلي وتصوم وتحج وتأكل الحرام ولا تبالي بالشبهات – أتحدَّث عن هذا القبيل من الناس وليس عنك أنت – لأنك حريص على المال ولا تريد أن يفوتك وتستبيح كل شيئ، لماذا؟ أين اليقين يا رجل؟ تقول سنحت لي فرصة إذا ضيعتها ضاع كل شيئ، يا رجل الذي لك لن يفوتك فأين الإيمان؟ أين اليقين؟ لا يُوجَد لا إيمان ولا يقين، فهذا – كما قلنا – يسمع بالإيمان فقط ولم يجربه، فهو لا يعيش الإيمان وإنما يعلمه كمعلومات لكنه لا يعيشه عيشاً.
إذن الإيجابيون والمُزدهِرون دائماً ينظرون إلى الجانب المُشرِق الجميل، في أحدث التجارب في علم الأعصاب – تجارب حديثة في الألفية الثالثة – وُجِدَ أن الأشخاص الذين يُكرِّرون كلمات إيجابية أمرهم مُختلِف، وفي الحقيقة هم مثلوا بكلمة Peace،أي سلام، وأنا الآن أقتبس عالم الأعصاب الأمريكي الشهير جداً أندريو نيوبرغ Andrew Newberg في كتابه، وهذا الكتاب يُمكِن أن يكون توسيعاً مُثرياً لمثل هذه الخطبة وأنا أنصح به لأنه كتاب سهل وبسيط وعلمي من درجة أولى من مُتخصِص معروف على مستوى العالم وهو نيوبرغ Newberg، وهذا الكتاب لأندريو نيوبرغ Andrew Newberg إسمه Words Can Change Your Brain، أي الكلمات يمكن أن تغير دماغك، وهذا أجمل ما في القضية، فنحن – كما قلت لكم – كائنات جينية، كائنات تحمل مُورِّثات، والعجيب أن هذه المُورِّثات حين تُعبِّر عن نفسها بإعطاء الأوامر باستمرار وبمزيد من التعبير يتحوَّل إلى تنميط أنماطاً معينة في السلوك وأنماطاً معينة في الكلام وفي التفكير وتخلق مسارات عصبية في الدماغ، وهى مسارات جديدة – New Paths – مثل مسارات السيارات، فهى مسارات أيضاً، وهذه المسارات تقاوم التغيير، فمن الصعب أن تُغيِّرها لكن لا يستحيل تغييرها، كيف؟ بأن تخلق مسارات جانبية موازية جديدة فتبدأ أنماطاً جديدة في التفكير وأنماطاً جديدة في المشاعر وفي العواطف وفي السلوك وفي العمل، وحين تدأب عليها لشهر أو شهرين أو ثلاثة أو سنة أو سنتين ستُخلَق مسارات جديدة في دماغك، فما رأيك؟ و سنعود إلى التجربة لكن هذا شيئ جميل، وهذا ما يعرف باللدونة العصبية Neuroplasticity، واللدونة هى المرونة، حيث تُوجَد مرونة في الدماغ، فلو سألك الآن سائل وقال لك ما هو أكبر عضو في الجسم يستجيب للتغيرات وإعادة التشكيل؟ لا تقل له العضلة وانظر إلى لاعبي كمال الأجسام، فهذا جواب غير علمي وغير دقيق، والصحيح هو الدماغ، فيا حظنا ويا سعدنا، هذا شيئ جميل وهذه بشرى جميلة والله، فهى من أجمل ما يكون بفضل الله عز وجل، وهذا يجعلنا نتخفف من وطأة فرويد Freud الذي علمنا وأرهقنا ودمَّرنا حين تحدَّث عن أول خمس سنوات في حياة الإنسان، لكن أنا يا أخي – والله – في أول خمس سنوات لم أكن مُكلَفاً ولم يكن عندي أي وعي ولا بيدي حيلة، أنا طفل صغير غلبان وقطعة عجيبن – كما يُقال – في يد أبي وأمي وفي يد المجتمع الصغير وهم الذين شكَّلوني، لكن فرويد Freud قال أنت ضحية أول خمس سنوات وانتهى كل شيئ، فتعساً لمثل هذ التفكير، لكن اليوم يُوجَد علم الأعصاب – هذا علم الأعصاب وليس علم تحليل نفسي وإنما علم الأعصاب – وتُوجَد المسوح والتفريسات والمسح – Scanning – للدماغ وأشياء علمية مُوثَقة من أعلى ما يكون، فقالوا الدماغ عضو مرن جداً جداً من حسن الظن، ويمكن أن تخلق لنفسك شخصية جديدة بل يمكن ما هو أكثر من ذلك كأن تعيد بناء ماضيك، لكن كيف؟ سنجيب على هذه الأسئلة بسرعة الآن ونعود إلى التجربة، فنيوبرغ Newberg حكى هذه التجربة وتحدَّث عن كلمة Peace، أي السلام، وهذه الكلمة موجود لدينا في الإسلام، فنحن نُصلي ونقول السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، أي على جميع الجهات، فالسلام على هؤلاء والسلام على هؤلاء، كأنك تقول السلام على أحبابي والسلام على أعدائي، ليس شرطاً أن يكون السلام على ملك اليمين لأنه يكتب حسناتي بل وعلي ملك الشمال الذي يكتب سيئاتي أيضاً، فالسلام على الذي معي وعلى الذي ينتقدني، لأن السلام على الجميع، فالسلام مُهِم ومن ثم أُحِب أن أعيش في عالم من السلام، لأنني عبد للسلام لا إله إلا هو، وابتغي الوصول إلى دار السلام، والله يهديني إلى سُبل السلام، وهذه كلها تعبيرات قرآنية، فالحديث دائماً عن السلام، وهذا أمر عجيب، فنسأل الله أن يُحيينا وهو ربنا السلام بالسلام في الدنيا وفي دار السلام، وعلى كل حال قالوا أنهم كرروا كلمة Peace عدة مرات لدقائق يومياً، ثم قالوا وجدوا بعد ذلك أثراً غير طبيعي لا يُقارن به أثر الأدوية المادية في طرد أفكار ومشاعر القلق والإجهاد والتشتت والخوف والحزن، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا تأثير كلمة سلام وهى مُطلَقة فكيف لو قلتها وأنا أقصد بها الله تبارك وتعالى؟ أي كيف لو قلت يا سلام – أي يا الله يا سلام وليس يا سلام بمعنى Oh أو Wow كما نقول بالعامية -إذن؟ كيف لو ضممت إليها بعض الأذكار وقلت سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى وإستغفر الله العظيم ولا إله إلا الله والحمد لله وسبحان الله؟ فالأمر لا يقتصر على كلمة سلام فقط، فهذه الكلمات أيضاً لها تأثيرات غير طبيعية، والآن بدأ العلم يكشف عن تأثيرات هذه الكلمات الإيجابية، ولا تُوجَد إيجابية تفوق إيجابية ما يتعلَّق بالرب – لا إله إلا هو – طبعاً، وإلا أُردِّد كلمة مَن أنا؟ ما الإسم الذي يُمكِن أن أُردِّده؟ هل أُردِّد إسم ملك؟ سوف يموت هذا الملك غداً، هل أُردِّد إسم غني؟ سوف يفتقر هذا الغني غداً، وحتى لو لم يفتقر هو بخيل ولن يعُطيني شيئاً، وقد يكون كريماً يا سيدي لكنني لا أستطيع الوصول إليه كيف أصل له؟ هذا كلام فارغ، لكن الله موجود لا إله إلا هو، على مدار الأربع والعشرين ساعة موجود، وعلى مدار العام موجود، وعلى مدار الوجود موجود، قبلك وبعدك ومعك موجود، فأين تهرب منه لا إله إلا هو؟ ولماذا تهرب منه؟ فر إليه، اذكر إسمه باستمرار وبإيمان ويقين وعش هذه الحالة، والأعجب من هذا أنهم قالوا أن الدأب على هذه الحالة يثخن قشرتك العصبية، أي القشرة الدماغية والمخ الحديث New Cortex، فهذا سوف يجعلني أذكى وسوف يعطيني قدر من الذكاء عالٍ، وطبعاً هذه تجارب معملية وهى تجارب حقيقية، والأكثر من هذا أنهم قالوا سوف يتقلص بها حجم الـ Amygdala، والـ Amygdala هى اللوزة في المخ الحوفي، وهو مخ له علاقة بالأشياء العاطفية ويتصرَّف وحده بعيداً عن منطق المخ العادي الخاص بنا، فالذين عندهم الـ Phobias والمخاوف – كالذي يخاف من الفئان أو الذي يخاف من الموتى أو الذي يخاف من مكان مُغلَق أو الذي يخاف من مكان مفتوح أو الذي يخاف من مكان عالٍ أو الذي يخاف من الماء وإلى آخره، حيث يُوجَد خمسون أو ستون أو سبعون نوعاً بل مئات الأنواع من الـ phobias والرُهبات والخوافات، فكل هذا موجود – يكون هذا بسبب الـ Amygdala، أي اللوزة، وهى إسمها اللوزة الدماغية، هذه اللوزة كلما كبرت تحدث مشاكل فيا ويلك، سوف تكون كائناً غير منطقي، سوف تتصرف دائماً عاطفياً من غير شعور ويتراجع مباشرةً عمل المخ المنطقي أو المخ العاقل، لن يكون له أي دور، لأن هذه الـ Amygdala مسيطرة على الموقف، فهى التي في الـ Charge ومن ثم ضيعتنا، لكنهم قالوا بهذه الكلمات الإيجابية التي تُكرَر يتقلص حجم الـ Amygdala وفقاً للتجارب، وهذا أمر عجيب، أما الـ New Cortex تثخن قليلاً، وهذا شيئ عجيب أيضاً، وهذا أحسن من أي دواء، لكن ليس هذا الأمر فحسب، بل قالوا مجرد أن تذكر إسم شخص حبيب إلى نفسك يتغير الوضع، ونحن بصراحة أحب حبيب إلى نفوسنا هو رب العزة لا إله إلا هو، فأحلى كلام عن الله تبارك وتعالى وأحلى تفكير في الله على الإطلاق، وبعد الله مع الفارق الهائل يأتي رسول الله، فهو سببنا ووسيلتنا إلى الله، فهو السر في إيصال كل هذا الخير إلينا، وهنا أهمية أن تذكر الله، ولذا سوف تقول لي أنك فهمت الآن معنى اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۩، فهذا لمصلحتنا نحن، الله لا يُريد من أحد أن يذكره، هو عنده ملائكة بمليارات المليارات تذكره باستمرار ولا تفتر ولا تستحسر، فهل سوف يُريدنا نذكره؟ هذا لك أنت ومن أجل أنت، فتعيش مطمئناً هادئاً وتُصبِح ذكياً وعبقرياً بإذن الله تعالى، حيث يثخن المخ عندك لأنك في حالة سلام، فلا ينهشك القلق والخوف والحقد والمخاوف والغيرة المرضية، ومن ثم لن تقول لماذا هو وليس أنا وكل هذا الكلام فارغ، فأنت مؤمن والمؤمن كائن آخر مُختلِف عن كل هذه الأنماط الكئيبة الحزينة المهروسة والمكروثة.

هذا أيضاً معنى صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا ۩، لماذا أُصلي على النبي؟ من أجلك أنت، الله يعرف أنك من البشر وأحب البشر إليك هو رسول الله، فمستحيل أن تحب أحداً إذا عرفته طبعاً أكثر منه، فإذا عرفت الرسول لا يمكن إلا أن تحبه أكثر من نفسك، أنت تفديه بنفسك ليس مرة بل مائة مرة وألف مرة، ولذا أنا أذكره وأقول اللهم صل على محمد وآل محمد دائماً، وهم قالوا بمُجرَّد ذكر إسم شخص تحبه يُفرَز هرمونات تعطي راحة ويُفرَز مواد تعطي سعادة وسرور مثل الدوبامين Dopamine، فالدوبامين Dopamine يُفرَز بنسبة أكبر ومن ثم تشعر بالسعادة والراحة، إذن هم يحثون على هذا.

كذلكم الحال مع الأفكار الإيجابية، حين يكون لدي امتحان أقول بعون الله أنا قادر على أن أستعد له، علماً بأن ينبغي أن تُلقِّن نفسك هذا الكلام، لا تقل لدي امتحان وسأنجح وأنا أُشاهِد الفيديو Video والأفلام Movies وأُدخِّن وآكل اللب وأخرج على الكورنيش لأن رغم كل هذا سوف أنجح، هذا كلام فارغ، حين يكون عندي امتحان بعد شهرين وهو امتحان عويص وقد يكون امتحاناً نهائياً وقد يكون امتحان مقابلة للقبول في وظيفة وما إلى ذلك سأستعد له جيداً، فأنا قادر على هذا لأنني لست كسولاً، سأستعد له بأكثر مما يستحق وبعون الله ولطف الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً سأنجح، قال الله هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان ۩، وهذا يُفهَم من الآية أيضاً، فأنا أحسنت في الإستعداد ومن ثم سأُحسِن في العطاء، فهذا أحد معاني الآية، أنا أحسنت عملاً ومن ثم سأحسن جنياً للثمرات، فهذا أحد معاني هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان ۩، وهى لها معاني كثيرة بإذن الله، وبعد ذلك وأنت ذاهب إلى الامتحان لقِّن نفسك وقل بعون الله هذا الامتحان سيكون علىّ أنا باستعدادي وتوفيق الله وثقتي بالله سهلاً جداً وسأجتازه و سأنجح فيه، المُمتحِن سيحبني وسيحترمني، غذ نفسك بهذا، والعجيب أن هذا يشتغل It works، فالمُمتحِن سيُحِبك وسيتعاطف معك لأن أنت عندك هذه الفكرة، علماً بأننا الآن دخلنا في شيئ صعب قليلاً، كيف؟ ما علاقة هذا بذاك؟ هذا له علاقة وثيقة، حين تلتقي بشخص مُمتحِناً كان أو غير مُمتحِن أو حتى بزميلك أو بزوجتك أو بابنك أو بأي شخص عادي في الشارع سوف يكون في دماغه ما في دماغك أنت، هناك خلايا تُسمى الخلايا المرآوية Mirror neurons – مرآة Mirror – ومن ثم إذا ابتسمت فإنه بمُجرَّد أن ينظر إليك وأنت تبتسم تتفاعل هذا الخلايا المرآوية وتُفرِز نواقل عصبية أيضاً وهرمونات تجعله في حالة أقرب إلى السرور والابتسام، فحين تبتسم يكون راضياً، وحين يتمعر وجهك يتمعر وجهه، وحين تغضب يغضب، وهكذا نفس الشيئ يحدث، لكن أنا سأبتسم وسأتحرك نحوه بمودة وحب حقيقي وليس بتمثيل، انتبه فهذا شيئ مهم، أهم شيئ في العواطف أن تكون صادقة، ومن ثم قد تقول لي كيف هذا وهى عملية صعبة؟ هذه ليست عملية صعبة، خذ مُنطلَق وقل لم علىّ أن أكره الناس؟ لم علىّ أن أخذ موقفاً سلبياً من البشر؟ هذا غير صحيح، وهذا يُكلِّفني ويُرهِقني، أنا سأحب كل الناس إلا إذا اضطررت ألا أفعل رغماً عني، لكنني سأحب كل الناس كمبدأ، لماذا لا أحبهم وأتمنى لهم الخير؟ علماً بأن هذا يأتي بالتعويد، حين تمشي في شارع وترى بيتاً جديداً يُبنى وأنت ليس لديك بيت وإنما لديك شقة افرح وقل ما شاء الله، أسأل الله أن يهنيء أهل هذا البيت، وأنا أفعل هذا دائماً وأكون سعيداً جداً، وأقول أسأل الله أن يهنيء أهل هذا البيت، ما أجمل حياتهم حين تكون فيه، فالأطفال سيكون لديهم مساحة خضراء للعب وما إلى ذلك، ما شاء الله، اللهم بارك لهم في هذا البيت، قل هذا بغض النظر أكان صاحبه مُسلِماً أو غير مسلم، فهذا لا يعنيني، هو من البشر، هذا أخي الإنسان ولابد أن أحبه، ولذا طيب الذكر المعلم إكهَرت Eckhart في القرن الثالث عشر هنا كان يقول كل شخص لا يستطيع أن يحب كل الناس عنده مشكلة حقيقية في حب نفسه، فإذا أحببت نفسك حقاً سوف ترى نفسك بسهولة تحب كل الناس، وانتبه إلى أن الذي يكره الناس أو يكره بعض الناس وعنده مواقف ثأرية وانتقامية ودفاعية إزاء الأخرين في جزء منه هو كاره لنفسه، وهذا يحتاج أيضاً إلى مُحاضَرة بحيالها، ومن ثم أنا سأحب كل الناس وسأتمنى لهم كل الخير وسأحزن لحزنهم وأفرح لفرحهم، وأنت ستلتقي بهذا الشخص وأنت مُحِب له وستبتسم من كل قلبك ومن أعماق قلبك ومن قاع نفسك وبالتالي دماغه سيشعر بهذا، وطبعاً هناك تلميحات أنت لا تُدرِكها ولا تستطيع أن تفتعلها وهو لا يُدرِكها إدراكاً واعياً لكن أنت تتأثر بها وهو يتأثر بها، فما رأيك؟ هذا أمر عجيب، فكيف هذا؟ ما معنى هذا الكلام؟ الخبير رقم واحد الآن في العالم في علم التواصل غير اللفظي هو بول إيكمان Paul Ekman، اقرأوا عنه فهو رقم واحد من عشرات السنين في التلميحات وعلم التواصل غير اللفظي كما يُسمونه، فنحن مع الكلام نتواصل لفظياً بالوجوه وبالحركات وبالأيدي وبالسحنة وبالضحكة وباللمحة وبالغمزة وما إلى ذلك، فهذا كله تواصل غير لفظي، وأنا أفعل هذا أيضاً بالحالة النفسية التي تظهر على وجهي، وعلى كلٍ هذا كله تواصل غير لفظي، لكن أهمه ما يظهر على صفحات الوجه، وبول إيكمان Paul Ekman هو الخبير رقم واحد في هذا، ومن ثم استطاع أن يُحدِّد وأن يُميِّز أكثر من عشرة آلاف تعبير وجهي، فهو قال أنه حدَّد أكثر من عشرة آلاف لكن كم ندرك منها نحن؟ فهذا الخبير يُميِّز عشرة آلاف،وكل هذه التعبيرات أو أكثرها كلنا نُدرِكها لكن لا شعورياً وبطريقة غير واعية، بمعنى أنك قد ترى الشخص وتشعر أنه غير صادق مثلاً، لماذا؟ لا تدري، وقد يُقسِم بالله ويبكي لكنك تقول قلبي لم يتأثر، والألمان هنا يقولون أي كلام يقشعر عنده البدن هو صادق، يُوجَد كلام حين يقوله الآخر يقف بدنك، فاعلم أنه صادق، أحياناً لا تعرف لماذا لكنك تشعر أن هذا الرجل كان صادقاً، في حين أنك تشعر أن ذاك الرجل رغم أنه حلف الإيمان ووضع يده على المصحف كان كاذباً، بحسب بول إيكمانPaul Ekman تُوجَد تلميحات في الوجه دماغك يُدرِكها ووعيك العادي لا يُدرِكها، فأنت تُدرِك لكنك لا تعي كيف تُدرِك هذا، كما ذكرنا مرة في قصة إدراكك للمرأة في حالة مُعيَّنة، فالدماغ يُدرِك هذا، يُوجَد عشرة آلاف تعبير وجهي ويُوجَد شيئ يُسمونه سقطات وفلتات اللسان، كلمة تخرج منك دون قصد لكن من المُمكِن أن تهدم صرحاً كبيراً ومن المُمكِن أن تقطع علاقة بين اثنين للأسف، لماذا؟ لأن هذه الكلمة التي خرجت كفلتة تُفسِّر شيئاً كبيراً كان غائباً عنك، ستكتشف أنت فجأة أن هذا الشخص ليس من أودائك ولا من أحبابك وأنه كان يعمل طول تلك الفترة عدواً لك دون أن تدري وأنت مُغتَر بصداقته، قال تبارك وتعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ۩ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ ۩، إذن هذا الحديث حديث من الآن؟ حديث بول إيكمان Paul Ekman الذي حدَّد عشرة آلاف تلميحة وجهية، الله قال من شكله تقدر يا محمد أن تعرف هل هو صادق أم كاذب وهل هو مُخلِص أم غير مُخلِص وهل هو أمين أم خوّان، فقط من شكله، أي من السيما ومن تعبير وجهه، قال الله فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ ۩، أي فلتات اللسان وسقطات اللسان، وهذا أمر عجيب، فالقرآن هو الذي يقول هذا الكلام من ألف وأربعمائة وخمسين سنة بشكل واضح، ولذلك يقول سيدنا الشهيد عثمان بن عفان – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ما أسر أحد سريرة خيرة أو شريرة – سواء كانت خيّرة أو شريرة، أي أسر شيئاً في الباطن – إلا ألبسه الله رداءها، أو قال إلا ظهرت في فلتات لسانه وعلى صفحات وجهه، فهو يُخفيها كسر عنده لكنها ظاهرة في التلميحات الوجهية، لذلك التواصل العاطفي السليم مع الآخرين لابد أن يعتمد أولاً على النظر إليهم، فهذا أول شيئ وهو من البديهيات، لا تسمع وأنت لا تنظر إلى مُحدِّثك أو وأنت تُخفِض رأسك أو وأنت تلتفت إلى شيئ آخر أو وأنت تُرسِل رسائل – Messages – وتقول أنك تسمعه، هذا لا ينبغي، اترك هذا كله وانظر إليه، علماً بأن الأجانب عندهم هذا الأدب، فانظر في عيني حين أُحدِّثك، ليس نظر تحدي أو نظر وقاحة وإنما نظر اهتمام، والأجمل من هذا حين تنظر في عيني هذا النظر الهادئ اللطيف المُحبَب العميق أيضاً والحميم حاول أن تعكس ما تُدرِكه، يقول علماء نفس الأعصاب المُحدَثون الآن حاول أن تعكس ما تُدرِكه أو ما تشعر به من تليمحاتي الوجهية غير اللفظية، بمعنى حين أقول أشياء معينة مُفرِحة تُفرح وحين أقول أشياء مُحزِنة تحزن وحين أقول أشياء مُدهِشة تُدهَش وهكذا، حين أُعبَّر عن شيئ – مثلاً – تتفاجأ كأن تقول Oh وهكذا، إن فعلت هذا فإن الطرف الآخر سيحبك جداً، وهذا لغز هام لكي يُحِبك المُمتحِن والمدير في الشركة، فانتبه إلى هذا لأنه مهم جداً جداً، اعكس التلميحات التي تشعر بها، اعكسها أحياناً بتلمميحات أخرى أوحتى بحركات أو بكلمات، افعل هذا قدر المُستطاع، لأن هذه أحسن طريقة للتواصل، وهنا قد يسألني أحدكم هل هذا مطلوب بين الأزواج؟ وأنا أقول أنه مطلوب بشكل أولي لأنه من الأسباب الرئيسة التي تتسبب في الطلاق وتدمير الحياة الأسرية عدم التواصل الناجح، فأحياناً لا يُوجَد تواصل ناجح بين الزوج والزوجة ولا يُوجَد تواصل عاطفي، فهذا هو التواصل العاطفي، ينبغي أن تنظر إلىّ وأن تعكس تلميحاتي وأن تُحاوِل أن تُدرِك لغتي غير اللفظية، أي لغة الجسم ولغة الوجه كما قلنا، فحين تُدرِك هذه الأشياء وتُترجِمها سوف تكون هذه أحلى طريقة في التواصل، لكن لماذا نفشل في هذه الطريقة؟ لماذا لا نفعل هذا؟
أولاً الإجهاد، إذا كنا مُجهدين ومُنهَكين لن نستطيع هذا، فإذن تجنب أي لقاء مهم وأي نقاش حتى مهم في حالة الإجهاد والتعب، ثانياً المرض، حين نكون مرضى لا نستطيع، لأن المرض أيضاً يُنتِج إجهاداً، ثالثاً وجود سبب للأسف خارج عن سيطرتنا، فربما نكون نشأنا في أسر مهارات التواصل فيها ضعيفة جداً، هناك أسر تكون هكذا خاصة في المجمتمعات الأبوية البطريركية، فالأب يكون في الأعلى وهو ملك الأملاك – أخنع الأسماء طبعاً – سواء أكان ملكاً مُتوَجاً أو غير مُتوَج والعياذ بالله، فالواحد عنده لا يُصبِح اثنين ولا يجرؤ أحد على أن يقول له ثلث الثلاثة كم وينتهي كل شيئ، فما هذا؟ لا يُوجَد تواصل، كلمته هو وفقط، فيخرج الشخص نت هذه الأسرة مُعوَّق تواصلياً، وهذا الشخص المسكين المُعوَّق سوف يفشل مع الزملاء وسوف يفشل مع مدرائه وسوف يفشل مع زوجته وسوف يفشل مع أبنائه، لذلك علينا أن نتعلَّم ألا نفشل.
يبدو أننا سنختم هذه الخُطبة فقط بما يتعلَّق بالقول الداخلي، وربما نتحدَّث في الخُطبة المقبلة – إن شاء الله – عن القول للأخرين، ونعود الآن إلى موضوعنا، فالنبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان يجيد جداً استعمال هذه المهارة، مهارة ماذا؟ مهارة التقاط الإيجابي والتفكير بإيجابية والكلام بإيجابية حتى على مستوى الأسماء، فالنبي كان يعلم أن الإسم له تأثير، والإسم له تأثير طبعاً فحين تُسمي إنساناً بإسم يُوحي بشيئ سيئ – والعياذ بالله – فهذا سوف يسيء إليه في حياته، فيمشوار حياته كلها سيتأثَّر بسبب إسمه، ولذلك قال الحكماء لكل امرئٍ من إسمه نصيب، ولذلك أُمِرنا أن نسمي أولادنا عموماً بأحسن الأسماء، فسم ابنك بإسم حسن، بإسم يوحي له بشيئ إيجابي.
أذكر جملة عن أحد قادة الجهاد الجزائري – رحمة الله عليهم جميعاً – حين كانوا أمام معركة مع الفرنسيين في ثورة التحرير وهو عالم كبير وكان مُفوَهاً وعلامة حيث وقف وألقى خُطبة، وكانت خُطبته جملة واحدة، حمد الله وصلى على النبي وقال لهم ليعمل كل منكم بإسمه والسلام عليكم، فهذه الأسامي كانت كلها أسماء عربية، ومن ثم طلب من كل أحد أن يُثبِت أنه فلان، ولك أن تتخيَّل هذا، هذا رجل ذكي، ولذلك النبي حين رأى طفلة صغيرة إسمها عاصية – والعياذ بالله – سماها جميلة، لماذا تُسمى عاصية؟ سماها جميلة من فوره، فهو غير الإسم مباشرةً، وقد جاءه مرة رجل إسمه الحزن بن المسيب وهو جد سعيد بن المسيب، وسعيد بن المسيب هو أحد أئمة المدينة السابعة وأحد كبار التابعين، فهذا العلّامة الكبير المدني جده إسمه الحزن، والحزن يأتي بمعنى الوعر من الأرض، أي أن إسمه الحزن وليس السهل، وعكس الحزن هو السهل، لكن هذا وعر مرتفع مُخشوشِن، فالنبي قال له ما إسمك؟ قال له حزن، فقال بل أنت سهل، قال له لا أغير إسماً سمانيه أبي، فيا للتعس، يا رجل النبي يغير إسمك فقل له مرحباً ولبيك يا رسول الله، وانظر إلى الرسول الآن، فالرسول لم يكن أحد ينادي عليه ويقول له يا رسول الله إلا قال له (لبيك)، بمعنى ألبيك مرةً ومرةً، أي أُلبيك مرتين وليس مرة واحدة، فهو دائماً ما يقول (لبيك) من شدة الأدب.
النبي قل أن قال (لا) وما سئُل شيئاً فمنعه، كان عنده ذات مرة جبة جاءته الآن وللتو – من ربع ساعة مثلاً – ففرح بها، لأنها جبة جديدة ولباسه كله قديم ونظيف لكنه قليل، فجاء أحدهم وحين رآه عجبته ومن ثم قال له أعطنيها يا رسول الله، مباشرةً خلعها وأعطاه إياها، وحين أراد أحدهم أن يُثرِّب على الطالب قال له النبي اسكت ومباشرةً أعطاه إياها، وهذا من أدب رسول الله لأنه لم يكن يُحِب كلمة (لا) والكلمات السلبية و الإيحاءات السلبية، وإنما يُحِب الإيجابي، ولذا في كل شيئ نعم، فكل شيئ إذا أمكن يقول عنه نعم، وكان أهل بيته المُكرَّمون كذلك، هل تذكرون بيت الفرزدق في الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهم السلام أجميعن؟ الإمام السجّاد – لكثرة سجوده – ماذا قال عنه الفرزدق؟
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ – بالفتح – نَعَمُ.
انتبهوا إلى أننا نقول لاءَهُ وليس لاؤه، لأن من الناحية الإعرابية إذا قيل لاؤه لوجب أن يُقال نَعَمَ وليس نَعَمُ، لكن الصحيح هو لاءَهُ نَعَمُ، أي لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ.
فزين العابدين لا يقول لأحد (لا) إلا في التشهد حين يقول لا إله إلا الله، لكنه عموماً يُنعِم دائماً، فيقول للجميع نعم باستمرار، وهذه من إيجابية رسول الله، ونعود إلى قصة الحزن بن المسيب، فالنبي قال له أنت سهل، لكنه قال لا أغير إسماً سمانيه أبي، أي أنه قال أبي أولى بتسميتي ولذا أنا حزن، يقول سعيد بن المسيب فما زالت فينا الحزونة، وفعلاً الإمام الجليل سعيد – رضوان الله عليه – كان يُوجَد في أخلاقه شدة، فهو كان شديداً ولا تشعر أن هذا المسكين عنده اللطف والرفق، فهو قال هذا – سبحان الله – بشؤم عدم تغيير جدي لإسمه، النبي قال لك أنت سهل فقل له أنا سهل وينتهي كل شيئ لكي يسهل الأمر، ولذلك من إيجابية رسول الله التي علمنها حين كنا صغاراً في السيرة أنه حين هاجر مع أبي بكر – رضيَ الله عنه وأرضاه وصلى الله على رسول الله وآله وسلم تسليماً كثيراً – سمع بريدة بن الحصيب الأسلمي – بريدة من أسلم، من بني سهم، وأنتم تعرفون هذا الصحابي الجليل الذي سوف يُصبِح صحابياً فيما بعد – بالجائزة التي جعلت قريش – مائة من الإبل – لمَن يأتي بمحمد وصاحبه، فخرج في سبعين من أهل بيته وقيل في ثمانين من قومه – في سبعين أو ثمانين – يطلب الرسول وأبا بكر وفعلاً أدركهما – علماً بأن هذه غير قصة سراقة، هذه قصة أخرى – وحين رآه النبي قال له ما إسمك؟ قال بريدة بن الحصيب، فالتفت الرسول إلى أبي بكر وقال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح، أي إسم بريدة جميل وحلو، فانظروا إلى هذا التفاؤل، هو خارج من داره ومطرود ومدفوع مائة من الأبل في رأسه لأنه مطلوب ومع ذلك يتفائل، عنده قدرة على أن ينظر إلى أي شيئ إيجابي وإلى بصيص النور فيتلمح النور، ولذلك قال إسمه حلو ومن ثم حكايتنا سوف تكون حلوة إن شاء الله كما نقول بالعامية، وهذا معنى أنه قال له برد أمرنا وصلح إن شاء الله، ثم قال مِمَن أنت؟ أي قال له من أين أنت؟ من أي قبيلة؟ فقال له من أسلم، من بني سهم، وهذا أحلى وأحلى، فقال له يا أبا بكر سلمنا وخرج سهمك، أي أنه قال له أنت كنت مُتفائلاً ولم تكن خائفاً وأنت على صواب وسلمنا بإذن الله، وهكذا إلى آخر هذه القصة، فالنبي يتفاءل دائماً ويُحِب هذه الأشياء عليه الصلاة وأفضل السلام، وكم وكم وكم غير من أسماء، عودوا لكتاب الأذكار للنووي وغيره وسوف ترون الوقائع التي غيّر فيها أسماء رجال ونساء، وهو طبعاً غيَّر حتى الأسماء التي فيها نوع من الفخر مثل ملك الأملاك ومثل شاهان شاه، فأخنع الاسماء ملك الأملاك، الله هو ملك الملوك لا إله إلا هو، فملك الأملاك الله وليس أنت وليس أي أخد آخر، تواضع لله واعرف حد العبودية.
هذا يُؤكِّد قدرة الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – على أن يكون إنساناً إيجابياً ومُعلماً للإيجابية أيضاً، فهو مُعلِّمنا الذي يُعلِّمنا الخير لو أردنا أن نتعلَّم وأحسنا أن نتعلَّم عنه .
نكتفي بهذا القول، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الخُطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسلمياً كثيراً.
إخواني وأخواتي:
قبل أن نغادر هذا المنبر أريد فقط أن أجيب عن السؤال الذي وعدتكم بالجواب عنه وهو كيف نغير ماضينا أيضاً بالأفكار الإيجابية؟ كما قلت لكم كل ذكرى كئيبة وحزينة ومُؤلِمة وقابضة وقاتمة تمر بها تترك أثرها، جزء من هذا الأثر يبقى – كما قلنا لكم – حتى في اللوزة Amygdala، وهذا له علاقة بالعواطف وأمثال هذه الأمور.
يقول لنا العلماء المُختَصون الإخصائيون يُمكِن أن تُغيِّر أنت من ذكرى هذا الحدث الماضي بحيث أنك إذا تذكرته بعد ذلك ستتلمح فيه جانباً حسناً وجانباً إيجابياً، لكن كيف؟ اجلس وخذ نفساً عميقاً واستذكر هذا الحدث الأليم، فأنت دائماً تستذكره من جنبته الأليمة أو الكارثية لكن حاول الآن بمنطق المؤمن ومنطق العاقل ومنطق الإنسان الذي يريد أن يزدهر إيجابياً أن تنزر من جنبة أُخرى، قل في الحقيقة لو أنا التفت وحريٌ بي أن التفت سوف أجد أن هذا الحدث وهذا الألم الذي أصابني كان له بعض التبعات الجيدة وبعض التوالي الحسنة فلماذا لا أقف عندها؟ هناك تبعات جيدة مثلكذا وكذا وهذا موجود دائماً فلا يُوجَد شيئ هو شر محض، وأنا أعلم – لكي نكون أميناً علمياً – أن المسألة صعبة، فالدماغ يتعامل مع القوة السلبية بسلاسة أكثر من تعامله مع الإيجابية للأسف، هذه خاصية في الإنسان، فلو سألنا سؤالاً وقلنا إلى ماذا يرتد الإنسان لو تُرِكَ بتأثير القصور الذاتي النفسي أو العاطفي؟ هل يرتد إلى حالة كآبة وقلق وتشوش أم إلى حالة طمأنينة وسلام؟ فإن الجواب هو أنه سوف يرتد إلى حالة كآبة وقلق وتشوش، هناك سؤال آخر وهو هل هذا بعض معنى قوله جل من قائل لَقَدۡ خَلَقۡنَا الۡإِنسَانَ فِى كَبَدٍ ۩؟ كأن الأصل هو القلق والتشوش لأنك مقطوع من شجرة الغيب ومن شجرة الآخرة وأتيت مُغترِباً في عالم لا تنتمي إليه بروحك وبالسر الذي فيك، وإنما تنتمي إلى عالم آخر ولذلك أنت هنا فِى كَبَدٍ ۩، فقد يكون هذا بعض المعنى، وطبعاً هناك تفسير لعلماء النفس التطوري يقوم على منظور تطوري وهو شيئ آخر لا نريد أن نعرض له الآن، وعلى كل حال الدماغ يتعامل مع السلبي بسلاسة أكثر من الإيجابي، الإيجابية تريد جهداً مُضاعَفاً على الأقل لخمسة أضعاف بحسب عالمة النفس القديرة باربرا فردريكسون Barbara Fredrickson، فباربرا فردريكسون Barbara Fredrickson هى عالمة نفس كبيرة وتقول في هذا الإطار كل عاطفة سلبية وكل فكرة سلبية وكل شعور سلبي لكي نُوازِنه ونُعدِّله نحتاج إلى خمسة أضعافه أيجابياً، وهنا قد يقول لي أحدكم هذا أمر عجيب لأنها تقول خمسة أضعاف، علماً بأن هذا أصبح مشهوراً الآن، فهل لهذا علاقة بالصلوات الخمس؟ نحن نُصلى خمس مرات في اليوم والليلة، نترك العالم ونترك كل شيئ ونقول الله أكبر، أكبر من حزني ومن مصيبتي ومن صفقتي ومن عملي ومن شغلي ومن كل شيئ، فأنا سأترك العالم كله وانقطع لكي أدخل في عالم آخر، فهل لهذا علاقة بذاك؟ جداً له علاقة، فنحن نفعل هذا خمس ) مرات وباربرا فردريكسون Barbara Fredrickson تقول نحتاج إلى خمسة أضعاف، وأيضاً نيوبيرغ Newberg يؤكد هذا الكلام ويقول خمسة أضعاف، ولا مُشكِلة لديناإن شاء الله، فنحن لدينا الوقت – Never Too Late – وسنفعل هذا وسنُحاوِل أن نتلَّمح الجوانب الإيجابية وأن نُولِّد هذه الجوانب ونركز عليها ونُؤكِّدها ونُعزِّزها بطريقة أو بأخرى أيضاً أكثر من مرة، قال وبعد ذلك كلما استذكرت هذا الحدث الأليم أو الذي كان أليماً الآن سيأتيك وسينبعث من دماغك ومن ذاكرتك وله جانب جميل مُشرِق، من المُؤكَّد يُوجَد جانب حزين لكن يُوجَد أيضاً جانب جميل مُشرِق، فإذن غيَّرت ماضيك أم لم تغيِّره؟ غيَّرته، وهذا أمر عجيب، لأن لم يبق لي من ماضيي إلا الذكرى، والذكرى تتحكَّم بي وتنكسني وترهقني، لكن أنا الآن صرت أتحكَّم فيها، فعُدنا إلى مبدأ اللدونة العصبية Neuroplasticity، حيث تُوجَد لدونة – بفضل الله – وإمكانية لأن نخترق هذا الدماغ – هذه العلبة المظلمة – وأن نخط فيها مسارات جديدة تُساعِدنا على أن نزدهر وأن نسعد.
اللهم أسعِدنا بمعرفتك وطاعتك في الدنيا والآخرة، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المُنكَرات وحُب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا عبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين، لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم في هذه الساعة المُبارَكة ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرَّجته ولا كرباً إلا نفَّسته ولا ميتاً إلا رحمته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا رددته ولا أسيراً إلا أطلقته ولا حاجةً لنا من حوائج الدنيا والآخرة لنا فيها صلاح ولك فيها رضاً إلا قضيتها وأعنت على قضائها ويسَّرتها برحمتك يا أرحم الراحمين، جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من فضله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

فيينا (25/9/2015)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الوسوم)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليقات 7

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: