سادة الأرض

video
سادة الأرض مقاصد خلق الإنسان والمراد من جملة الدين وعلاقة العمل الصالح بالإيمان وعلاقة الإستقامة بالصلاح ومقتضيات التوبة الصادقة.

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى من قائل – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۩ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ۩ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۩ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ۩ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ۩ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ۩ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ۩ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ۩ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ۩ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ۩ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ۩ قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

وَلَقَدْ كَتَبْنَا ۩… فهي إذن سُنة ماضية وقانون إلهي لا يتخلَّف، وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ ۩… زبور داود – عليه السلام -، مِن بَعْدِ الذِّكْرِ ۩… أي التوراة، وهذا أصح تفسير فيما يظهر، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

ومَن يتأمَّل في المزامير التي هي زبور داود – موجودة المزامير – يضح له هذا المعنى جلياً، المزامير تُكرِّر وتُبديء وتُعيد بأن العاقبة وبأن الميراث وبأن الحظوة هي لهؤلاء الطيبين الوادعين الصالحين، شيئ عجيب!

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ۩، عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ۩: الصلاح – إخواني وأخواتي – مفهوم قرآني وسيع مُنداح، مُنداح إلى آماد أبعد بكثير مما رسب فيه وانحط إليه الفهم المُسلِم العام، فهم عوام المُسلِمين، الفهم الحسن من هذه الفهوم أن الصلاح أشبه بأن يكون صيغة فردية، وصفة فردية! امرؤ أو أمة من إماء الله صالحان بمعنى أنهما يُوقِّران الله – تبارك وتعالى – في أمره وفي نهيه، ويلزمان الجادة، وفقط! هذا هو الصلاح، صلاح ذاتي، صلاح ذاتي مثل صلاح الدراويش والناس الطيبين الوادعين، وهذا فهم مُنحَط كثيراً عن عمومية الصلاح في كتاب الله – تبارك وتعالى -، بالعكس! المُؤمِن في كتاب الله – تبارك وتعالى – يا إخواني رسالته صلاحية إصلاحية مُبتدأً ومُنتهىً، المُؤمِن هو رجل صلحت له العقيدة، وصلحت منه المسالك، آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ۩، هذا هو! هذه قضية الدين، كل الدين، أن تُؤمِن وأن تعمل الصالحات.

قال سُفيان بن عبد الله الثقفي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – فيما أخرجه مُسلِم في الصحيح قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، وفي رواية غيرك – لا أسأل عنه أحداً بعدك أو غيرك في رواية -، فأجاب مَن أوتي جوامع الكلم – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – قل آمنت بالله، ثم استقم. يا سلام! كيف الاستقامة؟ الاستقامة على فكرة لها مُدخَلية عظيمة في الصلاح، تُوشِك أن تكون هي الصلاح على كل حال، بعض المُعجَمات كالمُعجَم الوسيط يُعرِّف الصلاح بالاستقامة، يقول لك الصلاح هو الاستقامة. شيئ مُستقيم، أي شيئ صالح، وسوف نُفصِّل في هذا بعد قليل، وطبعاً هذا مُلتئم بطريقة القرآن الكريم، آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۩، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۩، هذه قضية الدين، هذه قضية الدين الإلهي، عقيدة صالحة ومسالك صالحة، صلاح! قضية صلاح وإصلاح طبعاً، ولا يُمكِن أن يكون المرء صالحاً دون أن يكون مُصلِحاً، جُزء من صلاحك أن تكون مُصلِحاً، أن تكون مُصلِحاً جُزء من الصلاح أصلاً، وهذا يتحقَّق بالخضوع لأوامر الشرع الكريم المُطهَّر، التي تأمر دائماً بالإصلاح، وتنهى عن الفساد والإفساد، الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، والإصلاح بين الناس، وإصلاح ذات البين، والإصلاح بين المُتخاصِمين من الناس، وإصلاح الأرض أيضاً، إصلاح الأرض كما أصلحها الله وخلقها صالحة لنا.

والصلاح في الكتاب والسُنة – كما قلت لكم – مُدهِش في عموميته، مُدهِش في عموميته وإن قال الراغب الأصفهاني في المُفرَدات وتابعه المجد الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز أكثر استعماله أو اختصاصه في الاستعمال استعمال البُلغاء والمُتكلِّمين والمُترسَّلين في الأعمال، هذا صحيح، حتى في القرآن الكريم، أكثر موارده في الأعمال، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۩، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۩، لكنه أعم من هذا بكثير، فالصلاح يتناول الأعيان، يتناول الأعيان! الأشخاص، البشر يُوصَفون بالصلاح، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ۩، كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۩، وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۩، إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ۩، آيات كثيرة جداً، آيات كثيرة! وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۩، الأعيان! الأرض كعين من الأعيان، هذا الكوكب الذي نعيش فوف مهده، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۩، مَن الذي خلقها صالحة وأصلحها؟ الله – تبارك وتعالى -، صالحة للنشأة الآدمية، للنشأة الإنسانية، وإنما يتطرَّقها إليها الفساد من أفعال بني آدم أو بعضهم، فإذن في الأعيان، وأيضاً – إخواني وأخواتي – في الأفعال، وهذا صحيح كما قال الفاضلان المذكوران، أي مُختَص في الاستعمال، أكثر اختصاصه بالأفعال، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۩، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۩، موارد كثيرة!

وأيضاً له استعمالات أدق من هذا، جوانية الإنسان، باطن الإنسان، ربما نوايا الإنسان، أو قلب الإنسان، أو حاله ومِزاجه، أيضاً قابل لأن يكون صالحاً أو فاسداً، ويقول لك فسد مِزاجه، ويُقابِله الصلاح، قال – تبارك وتعالى – سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ۩ وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ ۩. وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ۩… أصلح الله بالنا، أصلح الله بال هذه الأمة، صلاح البال قيل هو الأمر، هو الشأن، هو الحال. وهذه ثلاثة تفاسير مُتقارِبة، وقيل هو القلب. كابن برجان المالكي، قال هو القلب. وهذا غير بعيد أيضاً، لأنه موطن الأمزِجة، موطن وموضع الأمزِجة، مِزاج فاسد، إذن ومِزاج صالح.

وثمة ضابطة أو معيار بسيط جداً، يُمكِن أن يُضيء أو يُضوّيء لنا ويُنير لنا مجاري ومسالك الاستعمال، كل ما يتطرَّق إليه الفساد يصح أن يُوصَف إذن بالتالي بالصلاح، أبداً! لذلك ثمرة فاسدة وثمرة صالحة، أليس كذلك؟ ثمرة فاسدة، تفسد الثمرة، إذن الثمرة تكون صالحة، هذه ثمرة صالحة وهذه ثمرة فاسدة، صحيح!

حتى الحيوانات والدواب يُمكِن أن تفسد، إذن فتكون صالحة، والنبي قال اتقوا الله في هذه البهائم المُعجَمة، اركبوها صالحة، وكلوها صالحة. أي لا تمضوها ولا تضعفوها ولا تتعبوها وتتركوها عُجفاً، لا تصلح بعد ذلك لا للركوب ولا ربما للأكل، لا يبقى فيها كثير لحم، فوصفها بأنها ماذا؟ صالحة. وصفها بأنها صالحة، في مُقابِل أنه يُمكِن أن يتطرَّق إليها الفساد، كل ما يُمكِن أن يتطرَّق إليه الفساد يصح إذن بالتالي أن يُوصَف بالصلاح، لأن الصلاح ضد الفساد، وهما ضدان نوعيان، الضد النوعي للصلاح هو الفساد، ولذلك حين عرَّفه جماعة من أئمة اللُغة قالوا الصلاح ضد الفساد. عرَّفوه بالضد، عرَّفوه بضده، وهذا ليس على شرط التعريف المنطقي، ليس على شرط التعريف المنطقي المقبول المُستوفي لشروطه وأركانه، قالوا الصلاح ضد الفساد. ضد الفساد! هذا تعريف – مثلاً – الفيروزآبادي، صاحب القاموس المُحيط، ومرة أُخرى أيضاً الراغب الأصفهاني، صحيح أنه ضد الفساد، وكونه ضداً نوعياً للفساد يُنير لنا مجاري الاستعمال، يُنير مجاري الاستعمال – كما قلنا قُبيل قليل -، لكن يُؤشِّر ولو من طرف خفي إلى معنى لطيف ذكي، وهو ماذا؟ هذا المعنى ما هو؟

هذا المعنى – إخواني وأخواتي – أن حقيقة الصلاح أن يكون الشيئ – سواء أكان هذا الشيئ عيناً، شيئاً، شخصاً ما، أو فعلاً، أو حالاً من الأحوال، بغض النظر! أي عرضاً أو جوهراً بلُغة الفلاسفة والمناطقة، سواء أكان هذا الشيئ عرضاً أو جوهراً – بحيث ينتج عنه ما كان لأجله، لماذا كان هذا الشيئ؟ لماذا صُنِع؟ لماذا وُجِد؟ لماذا خُلِق؟ ولنأخذ الإنسان على سبيل التمثال، أي على سبيل المثال، لماذا خُلِق الإنسان؟ ربه الذي خلقه وسواه هو الذي أخبرنا، قال خلقته لمقاصد عُليا جليلة جزيلة، رأس هذه المقاصد ثلاث: العبادة، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۩، وبالمعنى الأعم طبعاً للعبادة، هذا كان واحداً، ثانياً الاستخلاف، إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۩. خَلِيفَةً ۩! يخلف بعضه بعضاً، لا يُوجَد أحد يخلف الله، هذا كفر، انتبهوا! لا يُمكِن لأحد أن يقول لي خليفة الله بمعنى أنه يخلف الله، خليفة الله نعم، نعم طبعاً، هذا مُركَّب إضافي، خليفة الله، بمعنى ماذا إذن؟ الذي جعله الله خليفة، الذي جعله! إضافة مفعولية، ليست إضافة فعلية بمعنى الذي يخلف الله، كفر! أستغفر الله، الله: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۩، وهو ملك الملوك، ومُدبِّر الأكوان، انتبهوا! والإضافة لأدني مُلابَسة، لكن عليك أن تُفكِّك الإضافة، التي هي إضافة فاعلية أو مفعولية، هذه العملية مُهِمة جداً، على كل حال فنحن خلفاء الله بمعنى الخلفاء الذين استخلفنا الله، استخلفنا مِمَن؟ استخلف بعضنا من بعض، إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۩، مِمَن سبق آدم، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۩، هذا هو!

إذن العبادة، الاستخلاف، والاستخلاف لماذا؟ أيضاً يرتبط به ويعتلق به مقصد جليل ثالث: العمارة، الاستعمار! هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ۩، إذن صلاح الإنسان مرهون بهذه المعاني الثلاثة – إخواني وأخواتي -، فبقدر ما تتوفَّر وبقدر ما يتحقَّق الإنسان بهذه المعاني الثلاثة يكون ماذا؟ يكون صالحاً، لأنه خُلِق لهذا، هل هذا واضح؟ هو هذا، أنت تقول لي هذه الأداة غير صالحة، فاسدة، معطوبة، أليس كذلك؟ لماذا هي فاسدة ومعطوبة؟ لم تعد تصلح لأداء الغرض الذي لأجله صُنِعت وكُوِّنت، أليس كذلك؟ فهي إذن غير صالحة، لا تعود تُنتِج ما لأجله صُنِعت، وكذلك الإنسان، لماذا صُنِعت؟ لماذا خُلِقت أيها الإنسان؟ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۩، أصلح عملاً، أصلح عملاً! فهذه الأعمال – كما قلنا – تضمها معاني ثلاثة جليلة، هي مضمومة، منُضوية، مُنطوية تحت لواء معاني ثلاثة جليلة، وهي: العبادة، الاستخلاف، العمارة أو استعمار الأرض، بالمعنى القرآني، ليس بالمعنى الاحتلالي، أي الــ Colonization، لا! بمعنى الاستعمار، تعمير الأرض، تثميرها، مُبارَكتها، هو هذا!

هذه – إخواني وأخواتي – المعاقد الثلاثة لصلاح وصلوحية الإنسان، فالإنسان الصالح هو هذا، بقدر ما يتحقَّق بهذه المعاني الثالثة يكون صالحاً، ليس فقط بمقدار ما يركع ويسجد ويتلو القرآن، أنت تركع وتسجد وتتلو القرآن لكي تقتدر، لكي تزداد قدرةً، على ماذا؟ على إنجاز هذه المعاني، التي لأجلها خُلِقت، هو هذا! فإن لم تتأدى بك العبادة أو إن لم تُنتِج هذه العبادة صلاحاً بهذا المعنى الوسيع، فسيكون واضحاً أنها عبادة طقوسية صورية، تضحك بها على نفسك، وربما تُرائي بها عباد الله، ليست هي العبادة التي لأجلها أرادك الله – تبارك وتعالى -، ولا العبادة التي أرادها الله لك، فقط أنت واهم، أنت مُشتبِه، مضحوك عليك أو تضحك على نفسك أو على غيرك، بعض الناس يظن أن هذا الصلاح، وهو ليس كذلك أبداً.

ولذلك الإمام المُجدِّد المُفسِّر محمد رشيد رضا – رحمة الله تعالى عليه – حين ذهب يُفسِّر قول الحق – جل مجده – أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ۩ قال الآتي، وطبعاً هو لم يبلغ في تفسيره أصلاً هذه السورة، هو تُوفي قبل ذلك، لكن فسَّرها في مواضع، على الأقل – على ما أذكر – ثلاثة مواضع من تفسيره، تعرَّض لتفسير هذه الآية، اتجاهه العام في تفسير هذه الآية – رحمة الله تعالى عليه – هو هذا الاتجاه الشامل الواسع المُنداح، الأرض يرثها عباد الله الصالحون، الصالحون لعمارتها وقيادتها، هذه هي الصَّالِحُونَ ۩ بكل المعاني، بكل المعاني! في رأس هذه المعاني العدل، إقامة عمودي الحق والعدل، قال الإمام أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن صلاح الدنيا بالعدل، وصلاح الآخر بالتوحيد والعبادة. وهذا التفكيك حتى لنا عليه مُلاحظَة، لكن على كل حال هذا هو، انظر إلى فهمه العام، وهذا شيء جميل، جميل من مُفسِّر مُتقدِّم جداً، أن يفهم أن المُراد من جُملة الدين إقامة العدل في الأرض، وهذا مُصرَّح به في كتاب الله، لماذا؟ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۩، الله يقول لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۩، هذا هو، فواضح إذن أنه العدل، العدل! يقول صلاح الدنيا بالعدل.

ومن هنا ذهب طائفة من المُفسِّرين في رأسهم الإمام الفخر الرازي والقرطبي الذي ذكرته آنفاً – رحمة الله تعالى عليهما – وتابعهما غير واحد إلى أن التالي هو المُراد بقوله – تبارك وتعالى – في سورة هود وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ۩، ذهبوا إلى أن المُراد بِظُلْمٍ ۩ هو ماذا؟ الشرك، الكفر. إذن الباء للسببية، الله ليس من عادته، ليس من سُنته – لا إله إلا هو في عليائه – أن يُهلِك الحضارات، الأمم، المُدن الكُبرى إلا بهذا. لأن القرية هي المدينة الكبيرة، كما نقول الآن ماذا؟ الحاضرة، ليست القرية بمعنى الــ Dorf إذن، لا! القرية الحاضرة الكبيرة، وما بعث الله الأنبياء إلا في القُرى الكبيرة، في العواصم، تخيل! هذا ملحظ حضاري وثقافي هائل جداً جداً جداً، كأن الله يقول لك النبي لا يليق أصلاً أن يُبعَث من قرية أو من ريف أو من مكان ضيق، ضيق في ماذا؟ ليس فقط مساحياً أو فضائياً – Spacial -، لا! يكون ضيقاً أيضاً ثقافياً، وهذا معروف، المُدن الصغيرة والمُدن الصغيرة أهلها آفاقهم محدودة جداً، الذين يعيشون هناك لا يريمون لديهم آفاق محدودة، بقدر ما تعيش في مُدن أكبر، فيها ثقافات أكثر، أجيال أكثر، أفكار أكثر، صراع بين الثقافات والعادات وكذا، تكون ماذا؟ مُتفتِّحاً أكثراً، فهذا هو، هذا الآن ملموس، الآن بقدر الإنسان ما يقرأ أكثر، يتعلَّم أكثر، يتلاقح مع أفكار وثقافات وشُبهات وأقوال، يُصبِح أكثر مرونة وأكثر اندياحاً وأكثر عُمقاً أيضاً، ولذلك الأنبياء دائماً يُبعَثون في القرى، في الحواضر، في العواصم الكُبرى، الله يقول هذا، إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ۩، دائماً! على كل حال إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ۩، فإخواني وأخواتي الصلاح بهذا المعنى تُصبِح له دلالات حضارية عظيمة جداً، دلالات إصلاحية مهولة، والإنسان الصالح – أعود إلى رشيد رضا، رحمة الله تعالى عليه – ليس فقط هو الصالح في ذاته بعبادات وأذكار وأوراد يقتصر نفعها ونِعِم هي، ونِعِم هي! نِعِم العبادات والأذكار والأوراد واللهج هذا، نِعِم هي! مطلوبة بلا شك، لكن هذه يقتصر نفعها في الأصل – هذا في الأصل – على صاحبها، تبقى الآن خُطوات أُخرى، كالصلاح المُمتَد، كالصلاح المُتعدي إلى الآخرين وإلى العالم كله، لكي ننطلق من المُؤمِن الصالح، إلى المواطن الصالح، إلى الإنسان الصالح، الآن يتحدَّثون عن المواطن الصالح، الــ Good citizen. يقول لك، مواطن صالح! ولهم تعريفات طبعاً ومشارب مُختلِفة.

الرئيس الأمريكي المشهور ثيودور روزفلت Theodore Roosevelt قال المواطن الصالح في جمهوريتنا هذه هو اللائق والقادر والراغب في ألا يكون عالة على الجمهورية. فهو عبَّر عنها بطريقة مجازية جميلة، Pull his weight، أي يحمل ماذا؟ حمله، بمعنى أنه لا يجعل قربته – كما يُقال في العامية – تنز على ظهر غيره، لا يكون عبئاً علينا، يُحاوِل أن يحمل معنا، بدل أن نحمله، طبعاً هناك بعض الناس المُجتمَع يحملهم، وهناك أُناس يحملون المُجتمَع، أليس كذلك؟ خُذ أبسط الأشياء، العامل والعاطل، العاطل يحمله المُجتمَع، عبئه علىّ وعليك وعليها، مِمَن يعملون ويدفعون الضرائب ويعرقون ويتعبون، وهو جالس! يقطف على البارد، يأخذ على البارد.

ولذلك في الشعوب المُتحضِّرة يُوجَد هذا، وعلى فكرة لمسنا هذا هنا في النمساويين، الذين يختلطون بالنمساويين عن قُرب يجدون الآتي، وخاصة في النمساوي الأصيل، ليس الذي جاء من دول أُخرى وكذا، أي الذي جاء ثم تجنَّس، لا! النمساوي الأصيل، النمساويون لا يُحِبون إطلاقاً الآتي، بل يرونه عاراً، وهذا حتى في القرى بالذات، يرون من العار أن يفتعل الإنسان المُوظَّف أو العامل إجازة مرضية، أي أنه مرضي، عار! وينظرون إليه كالسارق، أنه يسرق، يسرق الدولة، يسرق الآخرين، عيب! أما التعطل الكامل – يجلس هكذا وعبئه على الدولة -، فيرونه أكبر العار، لا يُحِبونه إطلاقاً، يُزرى على المرء به، ونحن نظن غير هذا، بعضنا للأسف – بعض المُسلِمين وبعض العرب – يظن أن هذا من (الفهلوة) و(الشطارة) والحذاقة، أضحك عليهم وأدخل من كل الأبواب وآخذ كل ما يُمكِن أن آخذه. هذا ليس صالحاً، لست صالحاً! وطبعاً سوف تُفجأ يوم القيامة بأنك ماذا؟ هكذا خدشت وربما شرخت صلاحك، الله يقول لك لولا هذا ولولا ما عشت عليه لكنت يا عبدي نعم العبد، ولكنت من جُملة الصالحين، لكن لن أجعلك في جُملتهم، لأنك عشت عبئاً على الحياة وعبئاً على المُجتمَع، هل هذا واضح؟ طبعاً هكذا ينبغي أن نفهم ديننا، والصالح المُصلِح يكون كذلك، وطبعاً الصلاح رُتبة عظيمة جداً ومثابة عالية شريفة، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ۩… صلوات ربي وتسليماته عليهم أجمعين وعلى آل كلٍ وصحبه وأتباعه، مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ۩… اللهم اجعلنا منهم بفضلك ومنّك، مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۩… أربع طوائف! طوائف أربعة فقط: النبيون، الصدّيقون، الشهداء، الصالحون. قال وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ۩… الله أكبر! طبعاً باب النبوة سُد، يبقى باب الصدّيقية وهو لحج ضيق جداً، نسأل الله أن يُكرِمنا بفضله ومنّه بباب الصدّيقية، والصدّيقية مناطها وروحها الصدق في النوايا والعزائم والإرادات، قبل الصدق في الأقوال، وفي الأقوال وفي الأفعال، أن تُصدِّق قولك وعزيمتك بماذا؟ بالفعل، لو صدق منك العزمُ لــ… ماذا؟ لاهتديت إلى الفعل، أليس كذلك؟ لاهتديت إلى الفعل.

ولذلك القرآن الكريم أيضاً عنده طريقة عجيبة، عامة المُسلِمين في غفلة عنها على فكرة، العامة! أي العوام طبعاً، وليس العلماء، العلماء يعرفون هذا جيداً، لكن للأسف لا يُبدئون ويُعيدون كثيراً في أن تُصبِح هذه ثقافة، ثقافة وعظية! تُحِب أن تعظ؟ يا حيهلا بالموعظة، عظ بمنطق القرآن، بروح القرآن، عظ بالروح القرآنية، القرآن تقريباً يا إخواني لا يكاد يُفكِّك بين الإيمان وبين ثماره، بل أحياناً يجعلهما شيئاً واحداً، وإلا ما معنى أن يُسمي الله العمل الصالح إيماناً؟ بمعنى أن الصلاة سماها الله إيماناً، وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، ما معنى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۩؟ يشرحه الحديث الصحيح: حديث البراء بن عازب في صحيح البخاري، يقول كان الذين توجهوا إلى بيت المقدس قَبل تحويل القبلة قِبَل البيت – قبل ذلك هم صلوا إلى الشرق، إلى بيت المقدس، قبل أن تُحوَّل إلى مكة، حفظها الله وصانها – رجال قُتِلوا… (يعني في سبيل الله) – أقول هذا بين قوسين، ماتوا في سبيل الله، لكن كانوا يُصلون إلى ماذا هؤلاء؟ عاشوا وماتوا يُصلون في الفترة هذه البسيطة – أقل من سنتين – إلى بيت المقدس، لم يُصلوا ركعة واحدة إلى البيت الحرام، فقال فلم ندر ما نقول فيهم، أي هؤلاء مساكين، هؤلاء لم يُصلوا إلى القبلة الحقيقية التي تُوجَد الآن، فأنزل الله – تبارك وتعالى – وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۩، فسمى الصلاة ماذا؟ إيماناً، لا إله إلا الله! عبَّر عن الصلاة بماذا؟ بالإيمان، وهذا فيه تنويه عظيم بعظم مثابة الصلاة، أليس كذلك؟ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۩ هذا أول شيء، وهم وكفّار، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ۩ أول شيئ! وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ۩ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ۩ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ۩ لكن أول شيئ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ۩، لأن الصلاة تحجز صاحبها عن هذه القساوة، عدم الحض على طعام المسكين، عدم رحمة الضفعاء، تحجز صاحبها! الصلاة تُكسِبه رحمة ورأفة ومُشارَكة، هل هذا واضح؟

وهناك صلاح المُجتمَع، إذن هذا صلاح الإنسان، أتُريد أن تعرف معيار صلاحك كمُؤمِن؟ هو هذا المعيار المضمون في المعاني الثلاثة: العبادة، والاستخلاف، والعمارة. فمعناها هل من الصلاح وجود مُؤمِن – رجل مُؤمِن أو امرأة مُؤمِنة – يُساهِم في مُراكَمة الرصيد العلمي للبشرية – أي مُخترَعات جديدة، اكتشافات، نظريات علمية في العلوم الطبيعية، في العلوم الإنسانية، وهو في أي شيئ يُضيف -؟ نعم، هذا طبعاً من الصلاح، هذا يُضاف أو ينضاف إلى سجل صلاحه، سوف تقول لي كيف؟ ما علاقة هذا بالصلاح؟ واضحة جداً، ألا يُحسَب هذا على خط العمارة؟ ألا يُحقِّق مقاصد الاستخلاف؟ طبعاً، طبعاً يُحقِّق، الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ۩، وعلى فكرة بهذا المعنى القرآني الحضاري العام للصلاح – أنا أقول لك – يُمكِن أن تجد شعوباً غير مُسلِمة، هي في جُملتها أصلح الآن لميراث أو وراثة الأرض، وهذا هو – بين قوسين أقول هذا – (الكائن)، هذا هو (الحاصل)، الآن قادة الأرض وسادة الأرض هم غير مُسلِمين، هم غير مُسلِمين! ليسوا من هذه الأمة، وحين تتأمَّل تجد هذا، وطبعاً ليس معنى ذلك أنهم ملائكة أو أنهم كاملون ولا تُوجَد عليهم مُؤاخَذات، كثيرة وكثيرة جداً! لكن المُؤاخَذات في باب عمارة الأرض وإدارة هذه الأرض على المُسلِمين أكثر بكثير، أكثر بكثير! ومُجتمَعات المُسلِمين تقريباً إلا ما ندر تُؤكِّد هذا المعنى، أليس كذلك؟ في كل شيئ تقريباً هم أفضل منا، أصبحوا أفضل منا، ولذلك هم يقودون الأرض، سُنة إلهية! الله قال لك هذا، لا تستطيع أن تُعانِد السُنن، والله لو أنك أصلح لقيادة هذه الأرض لقُدتها مُباشَرةً، وأصلح لا تعني أنك تُحسِن الصلاة أحسن أو تعبد أكثر، ليس هذا فقط، وإنما أصلح في أنك أقدر على عمارة الأرض منهم، هذا هو طبعاً، هم يصنعون، وأنت تصنع أكثر وأحسن منهم، نعم! إذن تقود الآن، يُصبِحون تبعاً لك، هم يُفكِّرون، وأنت تُفكِّر أكثر منهم، يستخرجون كظائم هذا الكون، وتستخرجها أحسن منهم، يعرفون أسراره، قوانينه، ودساتيره، وتعرفها أحسن منهم، سيُصبِحون تبعاً لك، هذا القانون!

ولذلك نعى الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره – رحمة الله تعالى عليه – على وعاظنا وفقهائنا في العصور المُتأخِّرة هذه، سماهم الأخلاف أو الخلف، الأخلاف أو الخلف هؤلاء المُتأخِّرون، أنهم حصروا معنى الصلاح في الصلاح الذاتي، صلاح الدراويش والناس الطيبين وأصحاب السبح وأصحاب الكرامات، قال هذا غير صحيح، وواضح أن هؤلاء حظ أمة محمد منهم أكثر من أي أمة أُخرى، أي الدراويش وأصحاب الأذكار ومَن يختم كتاب الله في اليوم مرتين وثلاث مرات وأربع مرات ويُصلي في اليوم ألف ركعة وكذا، في أمة محمد هذا أكثر شيئ، أليس كذلك؟ ولكن هؤلاء لا يجدون كبير جدوى على أمة محمد، وأمة محمد في مُؤخرة القافلة، لأنه الله لم يقل لك هذا هو الصلاح، هذا جُزء من الصلاح، عليك أن تتناغم مع الطرح القرآني ومع التصوير القرآني.

يا جماعة الخير هناك شيئ غريب، شيئ عجيب، تأمَّلوا في هذه الآية في سورة الأنبياء: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ۩ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۩… الله أكبر! وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۩، زوجه كما في آيات أُخرى كثيرة واضحة – هذا في مريم وفي آل عمران – كانت ماذا؟ كانت عاقراً، وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ۩، فأزال الله عَقْرها أو عُقْرها أو عَقَارها أو عَقَارتها، بحسب الفعل، عَقُرت المرأة أو عَقَرت أو عَقِرت، أزال عَقْرها – تبارك وتعالى -، إزالة العَقْر بحيث تعود المرأة يا إخواني صالحةً لأن تحمل وأن تُنجِب، الله سماه ماذا؟ سماه صلاحاً وإصلاحاً، الله أكبر! معناها الآن أي أبحاث فسيولوجية، طبية، هرمونية، خلايا جذعية، وغير ذلك، كل هذه الأبحاث التي تُعيد للإنسان شيئاً من شبابه، شيئاً من لياقاته البدنية، هي ماذا؟ تصب في مصاب ماذا؟ الإصلاح، هذا الأصلاح طبعاً، وبهذه المعاني والتفنن فيها هم أصلح منا لقيادة الحياة ووراثة الأرض، الله يقول هذا، وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۩، الله أكبر! كأنه يقول بالعامية كانت (خربانة)، ولا تصلح! المرأة طبعاً للرحمة، والمودة، والسكن، هذه كلها أغراض الزوجية، وأيضاً لماذا؟ للذُرية، وكذلك الرجل، وكذلك الرجل! يُوجَد عنده عطب، يُوجَد فساد، لا يُنِجب، هذا يُوجَد فيه خراب، (خربان)! يُوجَد شيئ (خربان) هنا، جاء العلم وصلَّحه، شيئ عظيم جداً جداً، الآن تُوجَد وعود بهذا وبهذه الأشياء، شيئ عظيم جداً ومُبارَك هذا، هذا من الصلاح، ومن أكبر الصلاح!

تخيَّل لو أن مُؤمِناً أو مُؤمِنةً هو الذي توصَّل – مثلاً – إلى سر أو بعض سر هذه المسائل، بحيث أضاف خُطوةً مقدورةً على طريق مُعالَجة العُقم والعُقر، في ميزانه يوم القيامة ما الذي سيُوضَع؟ انظر إلى هذا، هذا أصلح الملايير في هذا القرن والقرون التوالي أو التالية، يا هنيئاً له طبعاً، وهذا هو خليفة الله في الأرض، وهذا هو الذي عمر الأرض، فهو ليس جالساً على مدار الأربع والعشرين ساعة في المسجد، والنبي كان لا يُعجِبه هذا على كل حال، وفي سُنن أبي داود – على ما أذكر – حين رأى النبي رجلاً بين الصلاتين (بين صلاة الظهر والعصر) جالساً في المسجد، قال له – أي النبي – ما الذي أقعدك في المسجد في غير وقت الصلاة؟ وهنا وقفنا، هنا! أنا لا يهمني بقية الحديث وأنه الدين وكيف النبي علَّمه ما علَّمه، لا! هذا ليس مُهِماً الآن، على أنه مُهِم في ذاته، المُهِم أن النبي – كما نقول – أخذ عليه، عتب عليه، لاحظ عليه شيئاً هو موضعه مُلاحَظة، فلماذا تجلس؟ تعال وانظر يا رسول الله، حياتنا كلها جلوس، في الطرقات وعلى المقاهي وفي المساجد وفي كل مكان، وغيبة ونميمة وكلام فارغ، هذه أمة محمد! النبي عتب على رجل يجلس في مسجده النبوي الشريف بين الصلاتين، لأن الحياة عمل أيضاً، والعمل جُزء من الاستخلاف والاستعمار في الأرض، ماذا تفعل وأنت جالس؟ قال له، لا يُوجَد أحد إلا هو، لا يُوجَد! حتى يوم الجمعة لا يُمكِن هذا، أي القرآن لم يطرح فهماً كهذا، والنبي قال نحن لنا ثلاثة أعياد: العيد الأكبر (عيد الحج، الأضحى) وعيد الفطر أقل منه، والجمعة. عندنا عيد أسبوعي، والنبي صرح بهذا، أن هذا عيد لنا، الجمعة عيد، لكن حتى هذا العيد لا تتعطَّل فيه المعائش، لا تتعطَّل فيه المكاسب، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۩… الله أكبر! لا يُمكِن أن يتعطَّل كل شيئ، لا! لا يُمكِن أبداً، وأنت تتعبَّد الله بهذا، تتعبَّد الله بهذا! لماذا؟ كيف تتعبَّد الله بأنك تُحصِّل رزقك وعيشك وعيش عيالك؟ لأن هذا من عمارة الأرض، هذا من مُقتضيات الاستخلاف، تعمل قيمة مُضافة أنت، كل عمل تُنتِجه تخلق به قيمة مُضافة في المُجتمَع، هل هذا واضح؟ فتكون بهذا صالحاً.

الإيمان – كما قلت لكم – لا يكاد ينفك عن ثمرته، وهي ماذا؟ عمل الصالحات، ولذلك حين عرَّف المولى – لا إله إلا هو – البر، ماذا قال؟ لَّيْسَ الْبِرَّ ۩… الإنسان البَر – اللهم اجعلنا من البررة والمُقرَّبين – أو البَار ليس هو الذي يقضي حياته فقط في العبادات والأذكار، لَّيْسَ الْبِرَّ – قال – أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ۩… هذه صلاة وهذه أُخرى وهذه كذا، ليس – قال – هذا، وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ ۩… انظر كيف عرَّفه، مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ۩… أركان الإيمان الخمسة، وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ ۩… منصوبة على الاختصاص، وأخص الصابرين، قال لك وَالْمُوفُونَ ۩ هنا، وَالْمُوفُونَ ۩، لماذا لم يقل والصابرون؟ لا، اسمها هذه النصب على الاختصاص، كسر إعراب، كسر إعراب! منصوبة على الاختصاص، هؤلاء لهم مزية خاصة، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ۩، عجيب! قال لك هذا هو البِر، وهذا هو البَار، شيئ مُتكامِل!

ولذلك حين جاء وفد عبد القيس – والحديث في الصحيحين – إلى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قال لهم الآتي، سألوه عن الأشياء التي تُشرَب، المتع ولا المُزفت ولا النقير، إلى آخره! وأفتاهم فيها، ثم قال لهم أتدرون ما الإيمان؟ هل تعرفون أنتم ما هو الإيمان؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – رسول الله، وإقام الصلاة – هذا من الإيمان، وإقام الصلاة -، وإتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تُعطوا من المغنم الخُمس، قال هذا كله من الإيمان، كيف من الإيمان ونحن تعلَّمنا أن هناك إيماناً وأن هناك إسلاماً؟ لا بأس، من الإيمان، لأن هذا من مُقتضيات الإيمان، يُوجَد إيمان حقيقي يُنتِج مُباشَرةً كل الطاعات والقُربات دينية ودنيوية، قلبية وقالبية. أقول دينية ودنيوية، قلبية وقالبية، مع أنني دائماً ما أتحسس من التفكيك بين الديني والدنيوي، صعب هذا التفكيك، في منطق القرآن صعب أن تُفكِّك فتقول لي ديني ودنيوي، صعب بهذا المعنى، انتبهوا! وهناك تفسير آخر، وعلى كل حال لذلك قال هذا هو الإيمان.

لما ادّعت الأعراب الإيمان ماذا حصل؟  قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا ۩… في الحجرات، قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، ثم قال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ۩، قال هذا الإيمان، شيئ واحد تقريباً، على كل سُلامى – والسُلامى هي المفصل – من ابن آدم كل يوم حين تطلع الشمس صدقة، هذا ديننا، دين صلاح وإصلاح وعمل مُتراكِم ومُتراكِب ومُتواصِل، مُمتَد! لا يشبع المُؤمِن من خير حتى يكون مُنتهاه الجنة، المُؤمِن ليس سلبياً، ليس عاطلا، ليس قاعداً، ليس مُتلقياً فقط، المُؤمِن يُنتِج ويُعطي ويُنجِز باستمرار، المُؤمِن ليس عبئاً على المُجتمَع، ولا عبئاً على الحياة، بل بركة على المُجتمَع والحياة، بل بركة على مُجتمَعه وعلى الحياة والأحياء.

طبعاً قال على كل سُلامى – المفاصل مئات، مئات هذه المفاصل – صدقة، ثم فصَّل – عليه الصلاة وأفضل السلام -، والحديث في الصحيحين، قال تعدل بين الاثنين: صدقة، تعدل بين اثنين: صدقة، يتحدَّث في الحُكم، صدقة! كيف هو الإصلاح ونحن أيضاً في حديث الصلاح والإصلاح؟ القرآن عنده أيضاً حديث مُسهَب مُفصَّل في الإصلاح، تعدل بين اثنين: صدقة، تُعين الرجل في دابته، فتحمل أو ترفع – أي له – عليها متاعه: صدقة، والكلمة طيبة: صدقة، في أحاديث أُخرى تبسمك في وجه أخيك: صدقة، انظر إلى هذا، حتى البسمة والكلمة الطيبة: صدقة، الكلمة الطيبة طالعة – كما نقول – والكلمة العاطلة السيئة طالعة، احك كلمة طيبة، لن تُضَر، حتى مع عدوك، حتى مع خصمك، وحتى مع مَن صرمت وداده، احك الكلمة الطيبة دائماً، تبسَّم، صدقة! وكل خُطوة يخطوها إلى الصلاة: صدقة… إلى آخره، بل ورد في بعض الأحاديث أن تكف آذاك (شرك) عن الناس، هي لك: صدقة، هي لك: صدقة!

أين نحن من حديث شُعب الإيمان، هذا الحديث يكفي وحده – والله -، نتحفَّظه جميعاً، كباراً وصغاراً، الإيمان بضع وستون – وفي رواية وسبعون، بضع وستون أو قال بضع وسبعون – شُعبة، الإيمان! هذا الإيمان، انتبهوا، مثل حديث وفد عبد القيس، مثل وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۩، سمى الله وسمى رسوله من بعده – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – الأعمال الصالحة، الأعمال الطيبة، ماذا؟ إيماناً، هذا الإيمان! سماها الله وسماها الرسول إيماناً، قال لك الإيمان بضع وستون شُعبة، أفضلها – أو قال أعلاها في رواية – قول لا إله إلا الله، وأدناها – أقل رُتبة – إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعبة من الإيمان، عجيب! هذا حتى الأحوال العاطفية والشعورية والمِزاجية، مثل إنسان يغلب عليه الحياء والتوقر والأدب، قال هذا من الإيمان، تُميط الأذى عن طريق السابلة، من الإيمان! طبعاً كيف ببر الوالدين؟ كيف بالصدقات؟ كيف بمُواصَلة الأرحام؟ كيف بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر؟ كيف بكذا وكذا؟ هذه كثيرة جداً جداً، والعلماء تفننوا في شرح وتتبع هذه الشُعب، بضع وستون أو بضع وسبعون، وقسَّموها على أربعة أنحاء، ولهم كلام جميل، أبو عبد الله الحليمي، ثم تَلميذه الإمام أبو بكر البيهقي، بالذات هذان الاثنان برّزا في شرح شُعب الإيمان، فهذا هو الصلاح وهذا هو الإصلاح.

أختم بمثال أيضاً لطيف في كتاب الله – تبارك وتعالى -، وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ ۩… في الأعراف، اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ۩… قال وَأَصْلِحْ ۩… وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ۩، جميل! انظر إليهم، هؤلاء أنبياء طبعاً، وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ۩، هارون نبي بنص كتاب الله، في مريم! ولذلك قيل أمنّ أخ على أخيه موسى على هارون، بسببه نبأه الله، انظر إلى البركة، اللهم اجعلنا مُبارَكين، والله شيئ يتسمَّر له الشعر، لا إله إلا الله! اللهم اجعلنا من المُبارَكين، وقلنا مرة دائماً يا أخي، يا أخي الحبيب، يا أختي الفاضلة، سل نفسكَ، سلي نفسكِ، هل أنت مُبارَك أو ممحوق البركة؟ سوف تقول لي كيف أعرف؟ انظر إلى حالك، انظر إلى مسار حياتك، هل ما تسببت به للبُعداء والأقرباء هو الخير دائماً والشيئ الحسن الجميل، أم تسببت بأشياء غير طيبة لبعض الناس؟ لو فرَّقت بين اثنين، شهدت على واحد زور، دمَّرت سُمعة واحد، طلَّقته من زوجته، بهدلته، فاعلم أن هذا يعني أنك ممحوق، والعكس صحيح، فاللهم اجعلنا مُبارَكين، تنظر في سجل حياتك، فتقول سُبحان الله، بفضل الله – مثلاً تقول هذا – كل ما دخلت فيه أو خرجت منه كان فيه خير – بفضل الله تبارك وتعالى -، لم أغش أحداً، لم آكل مال أحد، لم أهتك عرض أحد، لم أُفرِّق بين اثنين، لم أظلم أحداً، لم أجرؤ على أحد، لم… لم… بفضل الله! وإنما كل ما فعلته هو الخير، قل أو كثر، لكن خير، تخيَّل! وهذا هو المُؤمِن، المُؤمِن إن لم ينفعك لا يضرك – بإذن الله تعالى – ولو بلسانه، ولذلك هو مُؤمِن، الناس تأمن ماذا؟ والنبي أقسم بالله أنه ما آمن مَن لا يأمن جاره بوائقه. يُوجَد في بعض الناس مَن يكون معك في المسجد، يُصلي معك في الصف الأول، وربما لسنوات، ولا تأمن بوائقه، لا تأمن لسانه، مع أنك لم تأت إليه إلا كل خير، لكن البغضاء والحقد والشيطنة والمحق، شيئ غريب! حالة شيطانية، ينالك بلسانه بأي طريقة، عجيب، لا! اللهم اجعلنا مُبارَكين.

انظر إلى بركة موسى – عليه السلام -، وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا ۩… وَوَهَبْنَا لَهُ ۩… هذه – قال له – هدية لك هكذا يا موسى، أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ۩، قال أنا نبأته من أجلك، وهؤلاء بنو إسرائيل وفي زمان موسى! بمعنى هل الذي عنده دكتوراة يحتاج إلى ماجستير؟ هل الذي عنده موسى يحتاج إلى هارون؟ لا يحتاجه، ولكن هذه هكذا، قال له هذا ببركتك يا موسى، بركةً لك هكذا، أي تحت الحساب هذه، أُريد أن أجعل أخاك نبياً أيضاً، يا الله! شيئ جميل، وهذا كلام أمنا عائشة – رضوان الله عليها -، قالت موسى أمنّ الإخوة على أخيه، لأن الله نبأ أخاه كرامةً له، أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ۩، عليهم صلوات ربي وتسليماته، المُهِم كيف فهم هذا النبي؟

هارون نبي، وقد عبد بنو إسرائيل العجل، أي العجل الذهبي، وهذه عبادة مأخوذة من ديانات المصريين طبعاً، نعم! عبادة العجل الذهبي، المصريون كانوا يعبدونه، هذا اسمه العجل الذهبي عند المصريين، وهذا صنع لهم عجلاً كعجل المصريين الذهبي، عبدوه وداروا به والتفوا به، شيئ عجيب! وطبعاً عاد موسى من مُناجاة ربه فغضب، وأخذ بلحية هارون ورأسه، كما في الأعراف يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۩… في سورة طه ماذا قال؟ بماذا اعتذر هارون عن سلبيته في الظاهر؟ كان سلبياً، أمر ونهى، واتقوا الله – قال لهم – وانتبهوا وكذا، قال سيرجع موسى وهو لا يعجبه هذا واتقوا الله وكذا، وفقط! لم يعمل أكثر من هذا، قال هذا صح وهذا غلط، وانتهى الأمر، موسى لم يُعجِبه هذا، لماذا؟ قال له مَا مَنَعَكَ ۩… أي مَا مَنَعَكَ ۩ عن ماذا؟ يُوجَد شيئ محذوف هنا، أي مَا مَنَعَكَ ۩ أن تسطو بهم؟ مَا مَنَعَكَ ۩ أن تُحارِب المُشرِك الكافر هذا بالمُؤمِن الصادق؟ مَا مَنَعَكَ ۩… لماذا كنت سلبياً؟ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ۩ أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ۩ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ۩ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ۩، وواضح إذن من السياق والنظم الكريم الجليل أن عُذره قام بين يدي أخيه، قبله عُذراً، وبالتالي الله قبل هذا العُذر، هذا العُذر له علاقة وله مُدخلية هائلة في قضية الصلاح والفساد، كيف يا إخواني؟ فكِّروا بالله عليكم، وهكذا ينبغي أن نُفكِّر في القرآن الكريم، فتح الله علينا جميعاً فتوح العارفين به والعارفين عنه في كتابه وكلامه الجزيل الجليل.

المُجتمَع لِمَ كان؟ لماذا البشر اخترعوا هذا الاختراع التاريخي الرهيب؟ أن يعيشوا مُجتمَعين، في جماعات كبيرة! المُجتمَع كان من أجل أن يتحامى الناس، يحمي بعضهم بعضاً من أعدائهم الخارجين، وأيضاً ربما من عدوان الطبيعة عليهم، من أجل أن يتبادلوا المنافع، بدءاً من عهد المُقايضة إلى عهد المُبادَلة الآن بالطريقة الحديثة، عندك وليس عندي، وعندي وليس عندك، ونتبادل ونتكامل، أنت تُحسِن ما لا أُحسِن، وأنا أخرق فيما يُحسِن، نتكامل أيضاً، كما قال أبو الطيب أحمد المُتنبي:

الناس للناس من بدو ومن حاضرة              بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم.

وأحسن ما شاء في هذا القول، قال كلنا! حتى الكبير الأمير هو خدّام للآخرين بطريقة من الطرق وبلحاظ وبزاوية من الزوايا، كلنا هكذا، ونتكامل في المُجتمَع.

ولكي أيضاً نُقيم عمودي الحق والعدل، وهكذا يأمن الإنسان على نفسه وعلى ذُريته وعلى عِرضه وعلى ماله وعلى تعبه في المُجتمَع، أليس كذلك؟ ويُكافأ عليه، فإذا اضطرب حبل الأمن والاستقرار، وتعادى الناس، وأُغريَ بعضهم ببعض، وقد ينتهي الأمر بما يُعرَف الآن بالحرب الأهلية، فسد المُجتمَع، ذاك مُجتمَع صالح، يُنتِج أغراضه، ينتهي إلى أهدافه وغاياته، التي ذكرنا نمطاً يسيراً منها، كذا وكذا وكذا، وهذا مُجتمَع بدأ يفسد، بقدر ما تتخلَّف الأغراض ولا يُوصَل إلى الغايات، يكون ماذا؟ الفساد، يكون الفساد، هذا الفساد! فهارون يفهم هذا جيد، يفهم أنني إن اتخذت خُطوة أو خُطوات تشق المُجتمَع باثنين وربما بثلاثة أو بأربعة، يتشقق المُجتمَع، يتقسَّم انقسامات رأسية، وليس مُجرَّد حتى أُفقية، ينفسم انقسامات رأسية، ويُغرى بعضه ببعض، ويُعادي بعضه بعضاً، اضطرب حبل ماذا؟ حبل النظام والأمن والاستقرار، وهذا من الفساد، وأنت أوصيتني أنني أُصلِح ولا أتبع سبيل المُفسِدين، وليس هذا من الصلاح، بل هو من جوهر الفساد، الله أكبر! فسلفة عجيبة، هارون قال له أنا هكذا فهمت، قال له هذا، مع أن الأمر على حساب ماذا جاء؟ على حساب التوحيد وحساب عبادة الله، لا تُوجَد مُشكِلة، هذا أمر فيه كما يُقال مندوحة في الانتظار، ننتظر إلى أن يأتي صاحب الأمر موسى ثم نرى، لكن لو انشق المُجتمَع ماذا يحدث؟ يضيع المُجتمَع ويضيع الدين، كما يحصل في العالم العربي اليوم، لا دين يبقى ولا مُجتمَعات تبقى، كل شيئ يضيع، وباسم الدين، غير صحيح! نحتاج إلى الروح الهارونية، إلى الفهم الهاروني، ولو لم يكن هذا على حساب بعض الأشخاص وبعض كذا فقط، لا! على حساب حتى التوحيد، يُرجأ هذا الأمر إلى حين آخر، ونُدبِّره تدبيراً ذكياً وعميقاً، بما لا يُخل بحبل ماذا؟ الأمن والاستقرار، وبوحدة المُجتمَع، شيئ غريب! فهذا من الفساد، وهذا من الصلاح.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُصلِح لنا أحوالنا كلها، وأن يُصلِح لنا أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                              (الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

قبل أن أُغادِر أُريد أن أُعرِّج على أمر يسير، على أنه في ذاته عظيم وجليل، وهو أن من مُقتضيات التوبة – من مُقتضيات التوبة الصادقة – الإصلاح، أن تُصلِح ما أفسدت، تتوب من ماذا؟ الإنسان لا يتوب إلا من الأخطاء والخطايا، من الآثام!

علامة التوبة الصادقة المقبولة – بإذن الله – عند الله – تبارك وتعالى – من الآثام أن تُصلِح، وهذا تكرَّر في كتاب الله في مواضع، وبعض التائبين – لا أقول الكثير من التائبين، وإنما بعض التائبين – لا يتلفت إليه، على أنه واضح في كتاب الله – عز وجل -.

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جزاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۩… تَابَ ۩ من السرقة، لكن ليس تَابَ ۩ وفقط، وَأَصْلَحَ ۩، لماذا؟ ما الصلاح الآن؟ أبواب كثيرة، رأسها – هذا رأسها – أن يُعيد المسروقات إلى ماذا؟ إلى أصحابها مثلاً، أن يُعيد المسروقات إلى أصحابها! وطبعاً يتلو ذلك النهي عن مثل هذا السلوك الذميم، وجعل الناس يعتبرون بتجربته، وأن هذا مسلك وخيم، وعاقبته رديئة، إلى آخره! لكن أهم شيئ إعادة الأشياء مثلاً، هذا من الإصلاح.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ۩ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ ۩… عجيب! لا ينفع غير هذا، أنا كتمت الحق وكتمت الشهادة ولابست الحق بالباطل وانتهى الأمر وتُبت إلى الله، لا! تتوب وماذا؟ وتُصلِح وتُبيِّن، تتوب وتُصلِح وتُبيِّن! الشيئ الذي كتمته تقول أنا كتمته، أنا كتمت الحق، أنا شهدت شهادة زور – والعياذ بالله -، تخيَّل! لابد أن تعترف بهذا.

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ۩… الله ماذا قال؟ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۩ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا ۩… إذن نفس الشيئ، نعم تاب وأصلح، لكن لابد وأن يعترف، لأن بعض الناس – تعرفون الناس، وتعرفون الطبع البشري، كلكم بشر، كلنا بشر! وهذا عند البشر يا إخواني – يُحِب سماع فضائح الناس، وعلى فكرة هذا من ضعف صلاح الإنسان في ذاته، صلاح قلبه ونيته! انتبه إن وجدت في نفسك نزوعاً إلى وحُباً لسماع الفضائح، هذا حين تجد نفسك مُغرَماً بأن تسمع فضائح الناس، أغلاط الناس، مشاكل الناس، وتُسارِع إلى التصديق، أي إشاعة تصدر عن أي إنسان، تقول عنها نعم، مضبوطة يا أخي، ما هذا؟ سُبحان الله، هذه الدنيا وهذا آخر زمن، إياك! هذا من فساد روحك وقلبك – والعياذ بالله -، أليس كذلك؟

المُؤمِن الصالح الصادق لا يفعل هذا أبداً، لا يود أن يعرف، ودائماً يأمر بالستر ويغضب، يقول استر يا أخي، استر، لا شأن لنا بالناس، نسأل الله أن يستر علينا، الناس مُبتلىً ومُعافىً، احمد الله على العافية، وسل الله الرحمة بأهل البلاء. خل بعض حديثك، أقصِر. لأن هذا المُؤمِن الصادق، لا عنده غير هذا، ولا يُحِبه أصلاً، ويحزن، يحزن حين يسمع بأن أحداً ابتُليَ في دينه أو ماله أو نفسه أو عرضه، يحزن، يحزن جداً! هذا المُؤمِن الصادق، روح طاهرة زكية، آت نفسي تقواها، زكها أنت خير مَن زكاها، اللهم آمين. على كل حال فالمُؤمِن الصادق لا يُحِب هذا ولا يُريده ولا يهواه.

إذن إخواني وأخواتي:

بعض الناس – الطبع البشري كما قلنا – يقول لك نعم يا أخي، حتى لو حُد، هو حُد لأنه  لم يكمل نصاب الشهادة، الشاهد الرابع على جريمة الزنا نكل، خاف ربما، وربما أغروه ببعض المال، ولكن هذه واضحة يا أخي، كيف هي واضحة؟ يقذف المسكين، يعود يقذف! أو يُصدِّق الكذب، هناك الكذّابون الأفّاكون الذين قذفوا البرآء من الرجال والنساء، قالوا ولم يُحَد هو طبعاً، لأنه نكل الرابع عن الشهادة، لو لم ينكل لثبتت عليه، يا أخي وجهه – سُبحان الله – غير مُريح، وجهه غير مُريح، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله! شيئ غريب، يُحاوِل إثبات هذا، ولذلك – انتبه – درءاً لهذه الفتنة الله يقول لك الذي يقذف الناس تُقبَل توبته إذا تاب وماذا؟ وأصلح، كيف يتوب ويُصلِح؟ يُكذِّب نفسه، يقول أُقسِم بالله لقد كذبت، أشهد بالله أنني كذبت حين رميت فلاناً بكذا، كذبت! الشيطان أغراني، استغفروا الله لي يا إخواني، الناس الآن تُضطَر أن تُصدِّق، تقول لا إله إلا الله، المسكين مظلوم، أو المسكينة مظلومة، وهذا أصلحه الله – نسأل الله أن يتوب عليه – وها هو يُقسِم وكذا، هذا الصلاح، وليس أن تتوب ثم تتصرَّف وكأنك لا تدري وتجلس ساكتاً، وتترك الناس وماذا؟ وتترك الناس وأوهامها، أن ربما قذفه بحق، وجلدوه بباطل، ولكن هيا نقول كذا، لا! انظر إلى هذا، القرآن الدقيق، والقرآن على فكرة يسد عليك مسالك مُخادَعة النفس، هذا إذا أردت أن تستجيب للقرآن كما هو، فالقرآن يعرفك بهذا، وهذا مثل الذي قاله ذات مرة جيفري لانج Jeffrey Lang – هذا عالم الرياضيات الأمريكي الذي أسلم قبل سنوات، ما شاء الله عليه، وهو من أروع الدُعاة في العالم الجديد هناك -، قال أنا القرآن وجدته يقرأني قبل أن أقرأه. القرآن يعرفك ويعرف البشر ويعرف خبايا البشر وخُبث البشر وكل هذا، هذا رب البشر، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ۩، فقال لك التوبة بهذه الطريقة من القذف – قذف الناس والكلام في أعراضها – لا تكفي، تتوب وتُصلِح.

وماذا عن المُنافِقين والمُذبذَبين في سورة النساء؟ نفس الشيئ، إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۩… أيضاً وَأَصْلَحُوا ۩، يا مُنافِق تحتاج إلى أن تُصلِح، تُصلِح ما أفسدت، ما أفسدت بنفاقك، ما أفسدت بخُبثك، بذبذبتك، تحتاج إلى أن تُصلِح، لا تُوجَد توبة هكذا بالمُجمَل، وإنما تُوجَد توبة تُصدِّقها ماذا؟ تُصدِّقها مظاهر الإصلاح، أن تُصلِح ما أفسدته، وآيات أُخرى كثيرة والله، شيئ غريب!

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُفقِّهنا في الدين، وأن يُعلِّمنا التأويل.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغاراً، اجزهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات مغفرةً ورضواناً، واغفر اللهم للمُسلِمين والمُسلِمين، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واختم لنا بخير خاتمة وأسعدها وأكرمها، برحمتك يا أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 (انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا  (12/10/2018)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: