شعيب عز الدين حبيلة كاتب وباحث جزائري
شعيب عز الدين حبيلة
كاتب وباحث جزائري

يعد المصطلح بالجملة بابَ العِلمِ، والمصطلح الدينيُّ هو باب أي دين، ولكلِّ دينٍ اصطلاحُه، وأنت ترى الناس يلوكون اللغو ويختصمون في معانٍ لم يعقلوها بعِقال جامعٍ مانع، ومما طفا في زمننا من المصطلحات ونشأت بسببه معارك وخصومات مصطلح الكفر، والكافر؛ فرجل الدين المسلم يرى في إطلاق هذا المصطلح على أصحاب الملل الأخرى ديانةً وتقربا إلى الله، وصَدْعا بالحق، وقد جعل لإطلاقه على المسلم ضوابطَ وشروطا وموانعَ وله في ذلك كلِّه سلفٌ أكثروا النهي عن تكفير المسلم المعين، وعَدُّوه حكما قضائيا، وهذا لسان المحققين من علماء الأصول، وههنا أسئلة هي: ما الكفر؟ من الكافر؟ ماذا بعدُ؟!
يتمثل المسلم أحكام القرآن وما صح عن النبي، ويجتهد فيما غمض وانغلق، وقد يقول حداثي صاحب منهج: دعنا ندرس الكفر في القرآن دراسة مصطلحية، ونستأنس بما تواتر لفظه من حديث النبي، فيرد لغوي: الكفر ستر الشيء مطلقا، ويقول أصولي: ثكلتك أمك هل يكب الناس على رؤوسهم في الجهل إلا اختلافهم في لام التعريف والأسماء المبهمة التي لا تتم إلا بصلةٍ؟ ويزيد لساني: مِن القرآن ما هو خطابٌ له سياقه الزمكاني فليست تتم هذه الأسماء إلا بسياقها؟ ويعقِّب عارفٌ بعلوم القرآن: دونكم أسباب النزول! فيرد محدِّثٌ عالم بالعلل: ما أكثر ما يختلف الناس فيها وما أقلها في نفسها، فيسأل رجل من عامة الناس: فما الحاصل إذن؟
إنك ترى تَرداد هذا المصطلح بوصفه شقشقةَ لسانٍ، وقد ينفع الترداد لأجل أن أكثر الأمم من العرب والعجم كما قال الجاحظ (255 هـ): غبي غافل، أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب (البيان والتبين: 1/106)، واعلم أن الإنسان يؤوس كفور ظلوم مشرك ضعيف جَدِلٌ كما صوَّره القرآن، والناس يحسبون الكفر والإيمان لفظين متصاحبين متعالقين كالجنة والنار، وليسا كذلك، فالكفر ليس مصطلحا دينيا قارا إنما هو مصطلح لساني معناه الأساسي معلوم هو الستر والجحود، أما معناه العلاقي فيُنظر إليه حسَب الحقل الدلاليِّ الذي وُجد فيه، انظر قول الشيطان: إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ (إبراهيم: 22)، والناس في القرآن من حيث الدينُ الشعائري أصناف؛ فمسلمون وأهل كتاب وآخرون، والحق أن إطلاق مصطلح الكفر والشرك ليس حكما قضائيا إنما هو حكم إلهي طريقه الوحي حصرا، وشرطه علم الغيب، ومثله الجزاء يوم القيامة، وينبغي لأي متكلم أن يقيد إطلاقه بجواب سؤال واحد: كافر بماذا؟ مشرك بمن؟ فإذا ما تصدى للجواب عن ذين السؤالين انتهى إلى مقالة فرعون: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى (غافر: 29)، ولنبدأ بجملة أسئلة تبين عن المطلوب:
– هل اتفق المسلمون على أصول الإيمان؟ جوابه أن معتزلهم وأشعريهم وماتريديهم وسلفيهم فضلا عن فلاسفة التصوف مختلفون في حد الإيمان نفسه، ومختلفون في الله نفسه! إنه عند جميعهم: ذات! لها صفات، ثم إنهم مختلفون فيما يضاف إليه، وانظر رزية الصفات الخبرية وتوسعهم فيها، واختلافهم في مبحث الحقيقة والمجاز فمنزه ومجسم ومفوض، مع تغييب الأسماء الحسنى، واختلافهم في مسألة الرؤيا يوم القيامة وهي فرع عن تصور حقيقة الله، ولم يقف اجتهادهم عند القرون الأولى حتى أتى ثالوث ابن تيمية (728هـ) في القرن الهجري الثامن (توحيد الألوهية، توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات !)، ولو خاطبت نصرانيا عاقلا لاقتبس قائلا: اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد، ثم يقول: ما الأقانيم وعقيدة التثليث إلا شرحٌ لوحدانية الله، فَهُم جوهرٌ واحد!
– هل اتفق المسلمون على حقيقة كتابهم؟ والجواب أنهم مختلفون، بين قائل بخلق القرآن وبين ناف للخلق والحدوث مكفرٍ للمخالف، وهم مختلفون في محكمه ومنسوخه (مع اختلافهم في حقيقة النسخ وهو موضوع قتل بحثه بدءا بأبي مسلم الأصفهاني (322 هـ) وانتهاء بالبحوث الأكاديمية التي نفته رأسا)، واختلافهم في تواتر القراءات القرآنية (اضطراب ابن الجزري (833 هـ) ورأي الزركشي (794 هـ) والشوكاني (1281 هـ)).
– هل اتفق المسلمون على سيرة نبيهم؟ والجواب أنهم مختلفون، (قارن بين وصف القرآن وبين ما جاء في سيرة ابن هشام (213 هـ) وطبقات ابن سعد (230 هـ) وغيرهما).
– هل اتفق المسلمون على ما هو قطعي الثبوت وما هو ظني مما روي عن النبي؟ والجواب أنهم وضعوا لبيان ذلك علوما اجتهادا من عند أنفسهم، فصححوا وضعفوا واستدرك بعضهم على بعض، ولم يقفوا عند حديث رزية الخميس (وقفة منكر) ونهي الخليفة عن تدوين الحديث، وزهد النحاة الأُوَل عن الاحتجاج به في أمهات الكتب.
– هل اتفق المسلمون على أحكام دينهم؟ حاول ابن حزم (456 هـ) ذلك في: مراتب الإجماع، فتصدى ابن تيمية ناقدا، ثم أتى المتأخرون باجتهادات جبت ما قبلها، وإذا أنت لم تُـحِط بصفةِ صلاةِ نبيكَ أحاطَ بك الشك من الجهات الست!
– هل اتفق المسلمون على أصول الفقه؟ جوابه أن الشافعي (204 هـ) سنَّ الأصول (هذا ما يرجح) مجتهدا في ذلك، ثم افترق الناس بعده بين مقلد ومجتهد، وإن اتفقوا على الأخذ بالكتاب والسنة (ولم يحققوا معنى السنة) واختلفوا فيما بقي من قياس وإجماع وأوصلها بعضهم إلى عشرة.
– هل اتفق المسلمون على نظامٍ للحكم أساسه الشورى؟ جوابه أن القتل استحر بِهم وأسلموا أمرهم لـِمُلكٍ عَضُوض.
إن الحق في ذاته واحد مطلق، لكنْ أنَّى لِمَن صفتُه الضعف والجدل والكفر والشرك واليأس والغرض أن يعلَمَه؟
الحاصل أيها المسكين ما دمتَ لستَ نبيا أَخَذَ الله بيديه فالزم شأنك، وما شأنك؟ شأنُكَ أنْ تُسقِط سؤالَ الكفرِ والإيمان، وترددَ سؤالَ الظلم والعدل، أي كُنْ ممن وكَّد العهد والعقد على أن يجعل الناس رجلين: ظالم وعادل، لا: مؤمن وكافر، ذلك أنَّ الأمم كلَّها ركبت المدنية واتخذتها سبيلا لما ينفعها، أليس يقول كتابك: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (الحديد: 25)، إن ربك جعل دينه نورا ووعد بأن يتمه، وليس شأنك أن تدافع عنه أو عن دينه وأنتَ بعدُ لم تعقله، وأقصى ما تطلبه هو أن تبين ما تراه حقا محاولا أن تسقط الإصر والأغلال التي قيدت أمة صارت ذيلا، وافهم: إن شأن رجل الدين هو شأن السلطان، إنه يقدم بين يدي مصالحه قول الله وحديث رسوله مغلظا الأيمان، وهو في الغالب صادق غيور على مناهجَ ومقولاتٍ يحسَبها من عند الله وما هي إلا أماني شياطينِ إنسٍ وجنٍّ؛ فأفرغوا أسماءكم ثم املؤوها من مَعِين الوحي الثابت لفظا ومعنى، والله من وراء ذلك كله.
هذا ما تيسر، والحمد لله رب العالمين.
كتبه: شعيب عز الدين حبيلة، روائي وكاتب مسرحي، باحث في التصوف والمصطلح القرآني، طالب دراسات عليا بكلية الآداب والحضارة الإسلامية، جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية، قسنطينة، الجزائر.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: