إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات، الفاضلات يقول الله – جل مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ۩ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ۩ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۩ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۩ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ۩ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ۩ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۩ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ۩ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ۩ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ۩ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

من المعلوم من الدين كما يُقال بالضرورة – من القطعيات الجزميات والمُحكَمات – أن الله – عز وجل – قد أحاط علماً بكل المفهومات ولا نقول بكل الموجودات لأن الموجودات أكثر تخصيصاً وتخصصاً، أقل بعبارة مفهومة من المفهومات، الموجودات كلها مُمكِنات، من أقسام ما يُعرَف في علم العقيدة بالمُمكِنات، أما المفهومات فهي الواجبات، الله – تبارك وتعالى – يعلم ذاته الشريفة وهو واجب الوجود، ليس من باب المُمكِنات، يعلم ذاته الشريفة العلية – لا إله إلا هو – وما يمت إليها من الأسماء والصفات والأفعال الإلهية والربوبية، كل أولئكم معلومٌ له قطعاً – لا إله إلا هو – لا ريب، كما يعلم – تبارك وتعالى وجل مجده – المُمتنِعات المُستحيلات أو المُحالات، المُحالات لذاتها والمُحالات لغيرها، وإذا ذُكِر المُحال إنما يُراد به المُحال لذاته، وهو ما يُوجِب التناقض ويرفضه العقل، كإعدام الواجب وكإيجاد المستحيل، هذا مُستحيل، إعدام الواجب مُستحيل، وإيجاد المُستحيل مُستحيل، يعلم الله – تبارك وتعالى – المُمتنِعات بكل أقسامها لا إله إلا هو، هناك مُمتنِعات لغيرها من مثل أن يُخبِر الله بشيئ فيمتنع أن يقع غير ما أخبر، هذا مُمتنِع ليس لذاته وإنما لغيره، فمثلاً عقلاً – بمقتضى العقل المحض كما يُقال – ليس يمتنع أن يُعيد الله – تبارك وتعالى – الناس في نشأةٍ أُخرى جديدة، أي في نشأةٍ ثالثة، هناك النشأة الدنيوية والنشأة الأخروية فقد تكون هناك نشأة ثالثة تكون دنيوية أيضاً، هذا ليس يُمتنِع، ولكنه مُمتنِع لغيره لأن الله أخبر أنهم لا يرجعون وأن هذا لا يكون، لكن علم الله – تبارك وتعالى – مُحيطٌ مُهيمنٌ على هذه المُمتنِعات لغيرها أيضاً، قال عز من قائل وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا – ولكن مُحال أن يُردوا – لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، يعلم أنهم لو ردوا – ولن يردوا لأنه أخبر أنهم لن يردوا – ماذا كانوا صانعين وماذا كانوا فاعلين، كما في الحديث المُخرَّج في الصحيح في الأطفال وفي الولدان، الله أعلم بما كانوا فاعلين أو عاملين، هو يعلم على أنهم ماتوا صغاراً، يعلم أنهم لو مُد في فُسحتهم ورشدوا وكبروا ماذا كانوا سيصنعون لا إله إلا هو، إذن علم الله من ضرورات الإعتقاد أن نعقد القلب على أنه محيط بكل المفهومات، الواجبات والمُمتنِعات والجائزات المُمكِنات، القرآن الكريم غاصٌ ملآنٌ وطافح بعشرات الآي الكريمات التي تُؤكِّد هذا المعنى، ومنها هذه الآية المفتاحية، آية المفاتح التي تقول وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ۩، ما ضرورة أن يُزبَر هذا كله في كتاب مُبين؟ من باب مزيد التدليل والبرهنة على أن علمه مُحيطٌ بهذا، وسينكشف في يوم من الأيام حقيقة هذا الخبر وأن كل شيئٍ في كتاب مُبين، لا يكتفي بالإحالة على علمه الأزلي المُحيط السابق وإنما يشير إلى الكتب أيضاً في الإمام المبين وفي اللوح المحفوظ توكيداً وتقديراً وتأكيداً لحقية هذا العلم الشامل الأزلي السابق، لا إله إلا هو، سبحانه وتعالى قال مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۩، قال هذا الشيئ سهل، كيف لا يكون عالماً بكل شيئ – لا إله إلا هو، وهو خالقه ومُوجِده وصانعه ومُبدئه ومُحدِثه وراعيه ومُدبِّره وربه ومُكيِّفه؟ فهو صاحب القدرة التي لا يتعاجزها شيئٌ من المُمكِنات، فالقدرة لا تتعلَّق بالواجبات، القدرة لا معنى لتعلّقها بالواجبات، فلا يُقال هل هو قادر على إعدام نفسه؟ هذا كلام متناقض، منطقيا وفلسفياً هذا كلام متناقض لا معنى له، هل هو قادر على إعجاز نفسه – أن يعجز نفسه – بأن يخلق شيئاً لا يستطيع أن يحمله؟ كلام مُتهافِت، كلام منطقياً خاطيء تماماً، نحوياً وتركبياً صحيح، لكن عقلياً كلام لا معنى له، ويطول شرح هذا، لا معنى أيضاً لتعلق القدرة والإرادة أيضاً بالواجبات وبالمُستحيلات، الإرادة والقدرة لا يتعلَّقان لا بالواجبات ولا بالمُستحيلات، لا لنقص وعجز وعور وعوز فيهما بل لنقص الآخر ولعدم قبوله ذاك، وأعني المُستحيل، وأما الواجب – ولا واجب إلا هو لا إله إلا هو، كما قلنا وما يمت إليه من شؤونه القدسية الإلهية والربوبية العُليا – فتعلّق القدرة به كما قلنا كأن تتعلق القدرة بإعدامه لا معنى له، لماذا؟ لأنه يقتضي قلب الحقائق، لأن ما ثبت بالعقل وهو حقٌ في حقٍ في حقٍ مُؤيداً بالحق من كل جهاته أن الواجب لا مُبتدأ له ولا منتهى له، يستحيل عليه العدم لأنه وجب له القدم، وكل ما وجب له القدم استحال عليه العدم كما يقول علماء العقيدة، أي علماء الكلام، فهذا يقتضي قلب الحقائق، أن يُفنى الواجب، إذا فنيَ الواجب أو أُفنيَ لا يكون واجباً، والفرض أنه واجب، فهذا يقتضي قلب الحقائق، تماماً كما يقتضي قلب الحقائق أن تفكر في إيجاد المُستحيل في شريك الخالق، فإن قلنا لك هذا مُستحيل سيُقال لك إذن الله عاجز أن يخلق إلهاً مثله، هذا كلام فارغ، منطقياً وفلسفياً كلام فارغ، الذي يقوله يهرف بما لا يعرف، لماذا؟ لأن المُستحيل من حيث هو ومن حيث تعريفه هو ما لا يُوجَد ولا ينوجد، ولو أُوجِد لما كان مُستحيلاً، بل لكان مُمكِناً، والفرض أن الكلام عن عن المُستحيل، أما إعدام المُستحيل فمن باب تحصيل الحاصل، لأنه معدومٌ أصلا وتحصيل الحاصل باطل، كما قلب الحقائق أيضاً باطل، هكذا يُفكِّر أهل العقل، هكذا كان ولا زال يُفكِّر علماء الإسلام المُحقِّقون الذين حقَّقوا قضايا الاعتقاد.

لماذا أقول هذا؟ لست هنا في معرض أن أخوض أو أن أتلو عليكم درساً في علم الكلام، الكتب طافحة بهذه الموضوعات من أكثر من ألف ومائتي سنة، فهذا موجود، وكل مَن درس بدايات علم العقيدة وقف على هذه الأشياء ويعلمها، إنما أمهد وأُقدِّم بهذا الكلام بين يدي حديثي عن مسألة أحسبها مُهِمة الآن لشبابنا وشوابنا – أي شباتنا – بعد أن تلقيت رسالة استغاثة واستصراخ من أحد الإخوة المُحِبين وقد أحال على رزمةٍ – دستة – من الشُبهات أثارها أحدهم في وجه كتب الله تبارك وتعالى، يُريد من ورائها ويتغيا من خلفها أن يُثبِت زعم أن القرآن لغته بشرية وفهمه بشري، يُريد أن يُثبِت أنه يدل على فهم بشري، لا يرتقي القرآن ليتحدَّث عن الإلوهة – عن الإلهية – وعن الربوبية، إنه مُجرَّد تصور بشري بسيط مُتواضِع وغالط حين يتحدَّث عن الربوبية في باب العلم، لماذا؟ قال لأن القرآن ذكر في غير آية أن الله لا يعلم الشيئ إلا بعد وقوعه، وهذا ليس من شأنه أن يكون إلهاً، إن آمنا بإلهٍ حق فمن شأن الإله – كما قلت لكم – المُبدِع الخالق الصانع – لا له إلا هو – أن يعلم ما خلق، قال الله أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ۩، من أين لهم هذا؟ه ناك في كتاب الله زُهاء عشرين آية ظاهرها يُفهِم هذا المعنى الفاسد، وهذا المعنى لا يصدر إلا عن ذهن فاسد وعن فهم كاسد في سوق الفهوم، لا أقول لا يقع فيه عالم مُحقِّق أو عالم في الاعتقاد بل لا يقع فيه لُغوي خبير عرف العربية ووقف على أساليب بيانها، لا يقع فيه البتة، وهو إن توجَّه بشيئٍ يُظَن أنه شيئ إلى القرآن الكريم فحريٌ قبل ذلك أن يتوجَّه إلى شعر العرب، شعر العرب الذي يُعتَد به والذي يُستشَهد به، شعر الجاهليين الكبار، كامريء القيس وعبيد بن الأبرص وإياس بن قبيصة الطائي الحماسي وغير هؤلاء مما سأتلو على مسامعكم بُعيد قليل، فمرة أخرى الذي يُلقي بهذه الشُبهات والتشغيبات يهرف بما لا يعرف مُدّعياً العلم والتحقيق وأنه فهم ووقف من الكتاب على ثغور ولا على شُبهات وعلى عظائم لم يقف عليها أمثال الزمخشري وأبي السعود العمادي والفخر الرزاي والطاهر بن عاشور وأئمة البيان والتفسير رضوان الله عليهم جميعاً وشكر الله سعيهم على مر العصور، عجيب أن يأتي رجل لا يُحسِن العربية بل لا يُحسِن مباديء العربية ويقول هذا، يسمع بـ حرف (قد) فيظن أن ليس لـ (قد) إذا دخلت على المضارع إلا معنى التشكيك والارتياب أو التقليل، لا يعلم شيئاً، واضح أنه لا يعلم شيئاً، هذا الذي تعلمه وتريد أن تحاج به في ميدان الكتاب الأغر الأعز تعلمه عجائز الشوارع في بلاد العرب مِمن لا تتمكن إحداهن من فك الخط كما يُقال، تعرف أن (قد) تعني قد يأتي وقد لا يأتي، بمعنى أن هذه للريبة ولعدم تحقيق أو للتقليل، قد يحدث هذا على سبيل الندور والنزور، قد يحدث هذا، قد يصدق الكذوب، وهذا للتقليل، أغلب أحوال الكذوب أنه لا يصدق ولكن قد يصدق الكذوب، صدقك وهو كذوب في حديث أبي هريرة وغيره، عجائز العرب من العوام يعرفن هذا، لكن الذي درس العربية ودرس الشعر والأدب يعرف أكثر من هذا بكثير، الذي قرأ المُعلَّقات وشروح المُعلَّقات يعرف أكثر من هذا بكثير، الذي قرأ مُغني اللبيب عن فنون الأعاريب وأوضح المسالك يعرف أكثر من هذا، فضلاً عن مَن قرأ الموسوعات المُوسَّعة مثل المُفصَّل وشرحه – مُفصَّل ابن يعيش وشرحه للزمخشري – أو التسهيل لابن مالك وشرحه وشروحاته فهو يعلم أكثر من هذا بكثير، والخلافات القوية في هذا الباب التي تدل على قوة فهم وكثرة اطلاع وروسخ قدم في باب النحقيق اللغوي، هذا عيب، عيب لا أقول أن تقدح في كتاب الله – القدح في كتاب الله إن أتى من أهل الإيمان فهو كفر وإن أتى من غير المُسلِمين فهو زيادة كفر، قال الله ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً ۩، هم كفرة أصلاً والآن يزدادون كفراً بالتشكيك في كتاب الله، فلا مُشكِلة هم وما اختاروا لأنفسهم، لكن هذا عيب ولا أقول كفر الآن وإنما عيب – وإنما أن تضع نفسك موضعاً وتقيم نفسك مقاماً تحسب معه أنك أعلى كعباً وأرسخ قدماً من الزمخشري وأبي السعود – كما قلت – وابن عاشور وأمثال هؤلاء القمم، الأئمة الذين لا يُشَق لهم غبار ولا يُطار لهم في مطار، ما الحكاية؟ تقولون طوَّلت علينا بالمُقدِّمات ولعلها تهويلات، ما يُدرينا؟ الحكاية أن في كتاب الله مثل هذه الآية الجليلة من سورة البقرة – ولعلها أول الموارد في الموضوع – التي تقول وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۩، قالوا واضح جداً أنه أقام هذا الجعل – وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ ۩ – علةً للعلم، وهذا الجعل أمرٌ حادثٌ كان بعد أن لم يكن في المرحلة المدنية من حياة الرسول السعيدة عليه الصلاة وأفضل السلام وأصحابه، هذا أمر زمني مُتزمِّن، وقع في ظرف زماني مُحدَّد، كيف جُعِل هذا الأمر الحادث علةً لعلم الفرض في أنه علم قديم أزلي؟ هذا يعني بحسب ظاهر هذه الآية أن العلم الإلهي ليس قديماً ولا أزلياً ولا يكون إلا بعد وقوع الشيئ، بعد أن جعل الله هذه القبلة – أي الجديدة – وحوَّلهم من بيت المقدس إلى مكة – شرَّفها الله وزادها بهاءً ونوراً ومنعةً – قال إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ۩، فيُصلي بصلاته ويستقبل قبلته الجديدة ويزول عن القبلة الأولى، أي عن بيت المقدس، قال الله إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۩، إذن لم يكن يعلم، هذه الآية مثلها تقريباً زُهاء عشرين آية في كتاب الله، سبعٌ منها أتت فيها (قد) أو (لقد) قبل مُضارِع (علم)، قال الله قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۩ هذا يعني قد نعلم وقد لا نعلم مثلما يفهمون – ما شاء الله – بالعقل اللغوي الضخم، هم أئمة في اللغة والبيان، قال الله أيضاً وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۩ وهكذا، سبعة مواضع فيها (قد) ومُضارِع (علم)، إذن ليس بالضرورة أنه يعلم، قد يعلم، وهناك (قد) مع مُضارِع غير (علم) مثل قول الله قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ۩، أي قد نرى وقد لا نرى، إلى الآن الحديث عن (قد) فقط، فالمُشكِلة مع (قد)، قال الله – تبارك وتعالى – مثلاً – لأننا لا نريد أن نتقصى الموارد وهو موضوع سهل – في سورة آل عمران وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، إذن قال الله وَلِيَعْلَمَ ۩، فانتبهوا إلى أن هذه لام للتعليل، لام كي التي تنصب المُضارِع، قال الله وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۩، فهذه للتعليل، حصل ما حصل مما أصاب المسلمين من الدبرة والهزيمة من أجل ماذا؟ يقول الله لكي أعرف ولكي أعلم، بمعنى أن يعلم الله المُؤمِنين، قال الله وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ۩ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ۩، إذن في آخر الآية قال وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ۩، وهذا يُؤكِّد علمه حتى على السر لأنه يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ۩، ويعلم الشيئ حتماً قبل وقوعه بنص عشرات الآي كما قلت لكم، علماً بأن الآيات الآن لا نتقصاها لأنها كثيرة جداً، قال الله وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ۩، أبو لهب قبل أن يموت كافراً مُصِراً على كفره أنزل الله تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ۩ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ. سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ۩، قال هو كافر وسيبقي كافراً، وكما تعلمون جميعاً وجمعوات كانت بين يدي أبي لهب فرصة أكثر من ذهبية أن يطعن في صدقية القرآن بإعلانه كذباً ونفاقاً أنه أسلم واتبع محمداً وأن دين محمدٍ هو خير أديان البرية ديناً، لكنه لم يكن ليفعل وقد أخبر الله أنه لن يفعل، وهذا لا يقوله محمد من عند نفسه، لو كان محمد مُفتعِلاً ومُؤتفِكاً القرآن من لدنه ومن عنده لتمكَّن عمه أبو لهب – عبد العزى – ببساطة من … ولا أقول هذه الكلمة لأنها تكبر على لساني، لكن لم يكن أبو لهب ليفعل – لام الجحود – والمُخبِر هو الله لا إله إلا هو، سُد الباب، إذن كيف علم الله أنه لن يُؤمِن وأنه سيصلى النار؟ لإنه هو الله ومُنزِّل هذا القرآن هو الله الذي أحاط علماً بكل شيئ، كيف علم – عز وجل – وأخبر أنهم في أول وقعة كبرى مع المسلمين سيُهزَمون؟ قال الله سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ۩، وأوحى إلى نبيه – عليه الصلاة وأفضل السلام – بمصارع القوم، وقام النبي – لا أقول يُغامِر بل يُدلِّل على نبوته ورسالته وعلى صدقيته – بنفسه الشريفة وبذاته الشريفة يُخبِر قائلاً هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، يُقسِم الصحابة أن أحداً منهم لم يُجاوِز مصرعه الذي عيَّن رسول الله في كل بقعة بقعة، هنا يُصرَع فلان وهنا يُصرَع فلان وهنا يُصرَع فلان في المكان، ليس فقط أنهم يُهزَمون ويُؤسَرون ويُقتَلون بل أين يُقتَلون؟ أين يُصرَّعون؟ هذا قرآن، هذا وحي ليس فيه أي لعب، فمثل هذه الآية – كما قلت لكم – كثيرة جداً لكننا لا نتقصاها، نعود إلى الآيات الإشكالية التي ظاهرها أن الله لم يعلم، قال الله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ۩، إذن هو لم يعلم، يُشارِف على أن يعلم لكنه إلى الآن لم يعلم، قوله وَلَمَّا ۩ يدل على المُشارَفة، قرب أن يعلم لكن لم يعلم بعدُ، إذن لابد أن تخوضوا المعمعة الحمراء لنعلم ونرى ونُميِّز المُجاهِدين والصابرين من الفارين الجزِعين، إذن هو لا يعلم، ولا يعلم إلا بعد أن يختبرهم، وهذا المعنى أيضاً ورد في آيات أخرى، مثل أن الله – تبارك وتعالى – يبلونا ليعلم، قال الله وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ۩ في سورة محمد (القتال)، يُريد أن يعلم بالابتلاء، الآيات كما قلت لكم تصل إلى زُهاء عشرين آية، لكن لا نود أن نكر عليها لضيق الوقت، فما الحكاية؟

قبل أن أُجيب أُحِب أن أُدلي لكم بوجهة نظر العبد الفقير، وإن يكن صواباً فهو من الله ومن محض فضله لا إله إلا هو، وقد أعربت عنها غير مرة في خُطب جمعية سابقة قبل سنين يسيرة، الذي يتسع له ذهني الكليل وفهمي الصغير الضئيل أن الله مُنطلِقاً من مُقدِّمة قطعية يُسلِّمها كل المُوحِّدين وهى أن الله – تبارك وتعالى – كما هو خالق المكان هو خالق الزمان، لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان، إذن هذه المُقدِّمة الكبيرة المُسلَّمة الهائلة الخطر – أي الهائلة الأهمية، فكلمة الخطر في اللغة العربية تعني الأهمية، أي أنها ليست بمعنى Danger – إن ذهبنا معها إلى آخر مقتضياتها واستتبعاتها سنعلم أن كثيراً مما يقال في حق الله بخصوص علمه وغير علمه – وبالذات العلم – غير دقيق وغير صحيح، وهو فهم بلغة تشبيهية أنثروبومورفية – Anthropomorphic – يُسقِط صفات الإنسان على الله، الإنسان بدرجة أولى مُتمكِّن في مكان ومُتزمِّن في زمان، هو مسجون في قمقم الزمان والمكان، يغفل الإنسان عن هذا ويُسقِط دائماً أحواله وصفاته على الله ويظن أنه يُفكِّر بطريقة تنزيهية تجريدية وعميقة، ومن ثم يقع في الخطأ، أعني حتى كبار العلماء والفلاسفة والمُتكلِّمين، هم يفعلون هذا، كيف؟ وهذا طبعاً – كما قلت لكم – في أكثر من خُطبة وخاصة خطبة اللغز التي فصَّلت هذا علمياً، وقد أتيت أيضاً بقليل من الفلسفة في خطبة اللغز وهى خطبة تقريباً في زهاء ساعتين، لكن أُعطيكم الآن خلاصة ، ضربت غير مرة مثلاً بحدث كوني الآن يقع في الكون، وطبعاً شكراً أينشتاين Einstein، أينشتاين Einstein علَّمنا خلافاً لنيوتن Newton أن التآني وأن التزامن – الوقوع في زمن واحد – مسألة غير واردة وغير صحيحة، موضوع طويل دلَّل عليه بطريقة مفهومة ومقبولة تماماً، نفترض حدثاً وقع في الكون، نجم ما – مثلاً – يبعد عن كوكبنا الأرضي مليون سنة ضوئية حدث فيه انفجار، مُحال أصلاً أن نعلم بهذا الانفجار إلا بعد مرور مليون سنة، لأننا لا نعلم حتى نرى، ولا نرى إلا بالضوء الواصل، والضوء لا يصل إلا بعد مليون سنة، هذا معنى أنه يبعد عنا مليون سنة ضوئية، وهنا قد يقول لي أحدكم ما معنى مليون سنة ضوئية لأن هذه لغة زمان كما أعلم؟ نعم هى لغة زمان لكن يُقاس بها المكان، لأن هذه مسافات هائلة جداً، لا نقدر على أن نقول تريليون كم وإلى آخره، هذه مسألة صعبة جداً، الضوء ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية فاضرب في ستين في الدقيقة ثم في ستين في الساعة ثم في أربعة وعشرين ثم في ثلاثمائة خمسة وستين ومن ثم سوف تكون هذه السنة الضوئية واحسب كم كيلو متر سوف يكون عندك، هذه السنة فقط، وماذا عن ألف سنة؟ وألف ألف سنة تعني مليون سنة، وهذا لا شيئ في بليون سنة، أي ألف مليون، البليون – Billion – هو المليار، فنقول مليار سنة في اثنين وتسعين مليار سنة، هذه حدود الكون الآن علمياً، فالحديث عن اثنين وتسعين مليار سنة، أي عن اثنين وتسعين ألف مليون سنة، تقع أشياء على حافة الكون أو على حواف الكون، فأي شيئ يقع هناك إذا قُدِّر لكائن شبه خالد أن يراه لن يراه إلا بعد كم؟ وفي الحقيقة لن يراه بعد اثنين وتسعين مليار وإنما بعد أكثر من هذا بكثير، لماذا؟ المُشكِلة أن الكون يتوسَّع، الضوء يأتي والكون يتوسَّع، فالله يعلم إذن، لعله يراه بعد مائة وخمسين مليار سنة، وهذا شيئ مُخيف ومُرعِب، وهذا جميل لكن ليس هذا هو المُراد، وإنما المُراد الآتي، هذا النجم انفجر ولن نرى انفجاره ولن نبصره إلا بعد مليون سنة، كوكب آخر يعيش عليه كائن عاقل آخر أو كائنات عاقلة تُشبِهنا أو مثلنا يا سيدي لكن يبعد عن هذا النجم المُنفجِر كم؟ عشرة ملايين سنة، متى سيرى الانفجار؟ بعدنا بتسعة ملايين سنة، نحن هنسبقه بتسعة مليون سنة، نحن فقط مليون لكن هذا عشرة مليون، وماذا لو كان الرقم بالنسبة لأحدهم ملياراً؟ سوف يراه بعد مليار سنة، فالشيئ الذي يكون بالنسبة لك حاضر الآن حين تراه يكون مُستقبَلاً لغيرك ولن يراه إلا بعد مليار ناقص مليون فقط، والمليار هو ألف مليون كما قلنا، هذا شيئ غريب، لكن انتبهوا إلى التالي، المُتعالي على المكان – غير المُتمكِن في المكان – هل يرى هذه الأحداث في الوقت الذي تقع فيه أم لا؟ في الوقت الذي تقع فيه، مُستقبَلك أنت أو مُستقبَل غيرك بالنسبة إليه حاضر، وحاضر غيرك بالنسبة إليه حاضر، وماضي غيرك بالنسبة إليه حاضر، الكل عنده حاضر لا إله إلا هو، لأنه مُتعالٍ على المكان، هو مُحيط بالمكان لا إله إلا هو، هو ليس نسبياً
– Relative – وإنما هو مُطلَق لا إله إلا هو، وكذلك الحال في الزمان، والزمان أكثر صعوبة وأكثر عواصة قليلاً، ضربت لكم مثالاً أكثر مرة وهو مثال لطيف جداً، لنفترض وجود فيلم – Movie – يدور على مدى ساعتين من الزمان، نحن الآن بهذا التكوين وبهذه العضوية وبالقوانين العضوية التي تحكمنا مُضطَرون أن نجلس ساعتين – مائة وعشرون دقيقة – حتى نرى تتابع الأحداث من أولها حتى آخرها، افترضنا أن هناك كائناً لديه تركيبة عضوية أكثر تعقيداً وأكثر قوة وأكثر حساسية ورهافة يستطيع أن يرى هذا الفيلم في ثانية، هذا يعني أن مُستقبَلاً كبيراً بالنسبة إليك سيكون بالنسبة إليه مشمولاً في بطن ثانية، سيكون مُحتوىً في بطن ثانية واحد، وهنا قد يقول لي أحدكم هل يُوجَد ما أصغر من ثانية؟ طبعاً هناك ما هو أصغر من ثانية، أصغر مدة زمنية عملية تقع في الكون هى في الحقيقة معيار للانحلال، وهذا يحدث في الـ Sub-Atomic World، هى معيار للانحلال وهى معيار أيضاً لعمر الجُسيمات الدقيقة، كيف اكتشفوها؟ نظرياً اكتشفوها بطريقة سهلة، قالوا قُطر الإلكترون Electron عشرة أس ناقص خمسة عشر من المتر، أي جزء من ألف تريليون، والتريليون هو مليون مليون، عشرة أس اثني عشر، أو ألف مليار، أي ألف بليون، عشرة أس اثني عشر، وهذه خمسة عشر، أي ألف تريليون، فلو قسَّمت المتر إلى ألف تريليون جزء سيكون جزء واحد منه هو قُطر هذا الجُسيم الدقيق، هذا القُطر يخترقه الضوء الذي يُصبِح ثلاثة ضرب عشرة أس ثمانية متر في الثانية، لوجود ثلاثمائة ألف كيلو متر، والكيلو متر ألف متر، أليس كذلك؟ إذن عندنا عشرة أس ثمانية، وهذا جميل، إذن اقسم هذا على سرعة الضوء وسوف يظهر لك زمان إسمه كرونون Chronon، وقد حدَّثتكم عنها، هو إسمه كرونون Chronon من كرونوس Chronos، بالإغريقية كرونوس Chronos معناها الزمن Zeit، فأنت عندك زمن – هذا يقع في الكون – إسمه الكرونون Chronon، كم يُساوي؟ يُساوي حاصل قسمة اثنين ضرب عشرة أس ناقص ثلاث وعشرين ثانية، اترك الاثنين وخُذ الأمر بسهولة، تقدر أن تقول ببساطة هو يُساوي جُزئين من عشرة أس ثلاثة وعشرين جزء من الثانية، قسِّم الثانية – هذه اللحظة الزمنية – التي هي واحد أو تُعادِل نطق كلمة الله – حين نقول الله تنقضي الثانية – إلى عشرة أس ثلاث وعشرين، أنت عندك التريليون، أي اثني عشر، ومن ثم يظل عندنا أحد عشر لمائة مليار، أي جزء من مائة مليار تريليون جزء من الثانية، هذا شيئ مُذهِل، شيئ لا يكاد يُصدَّق، وهذا الزمن يشتغل في الكون، جُسيمات دقيقة كثيرة تعيش وتنحل في هذا الزمن، هذا إسمه الكرونون Chronon، فكَّر علماء الفيزياء النظرية وقالوا هل مُمكِن نظرياً – Theoretisch، أي على المُستوى النظري – أن نصل إلى زمن أقل من هذا؟ هل يُمكِن أن نصل إلى زمن أقل من الكرونون Chronon؟ قالوا هذا مرهون أن تأتي بمسافة أقل من نصف قُطر إلكترون Electron أو بروتون Proton، هل تُوجَد هذه المسافة؟ قالوا يُوجَد، Planck time(ℓP) is √(hG/c5))، أي أن الـ Length (ℓ تُساوي الجذر التربيعي (الجاذبية G ضرب H ثابت بلانك على مُكعَّب سرعة الضوء C تكعيب)، وهذا يعني أن سيكون عندك عشرة أس ناقص أربعة وثلاثين من المتر، ما إسم هذا؟ إسمه طول بلانك Planck time(ℓP)، وهذا شيئ نظري، ضع هذا ثم قسِّمه على سرعة الضوء وسوف يخرج لك زمن عجيب – علماً بأنك تقدر على أن تفعل هذا بسهولة – يُساوي عشرة أس ناقص ثلاث وأربعين من الثانية، أي جزء من عشرة مليون تريليون تريليون تريليون جزء من الثانية، وهنا قد يقول لي أحدكم هل هذا الزمن الله محكوم به؟ غير محكوم حتى بهذا لا إله إلا هو، قلنا لكم أكثر من مرة أن هذا حتى لا يحكم على الله – لا إله إلا هو – لأنه غير مُتزمِّن، وهذا يعني أننا فعلاً بهذه الطريقة سنفهم أن كل ما نعده نحن ماضياً أو حاضراً أو مستقبلاً هو كذلك من وجهتنا نحن ومن موقعنا ككائنات نسبية مُتزمِّنة، أما من منظوره هو – لا إله إلا هو – كل شيئ حاضر لا في زمان، ومن هنا تلك المرونة اللافتة المُثيرة في اللغة القرآنية، نقول هذا لهؤلاء المُشاغِبين أياً كانوا، سواء كانوا مُسلِمين أو غير مُسلِمين هدانا الله وإياهم، والله لا نُحِب لكل الخلق إلا الهداية ومحبة الله تبارك وتعالى، لا ندعو على حد ولا نلعنه أبداً، حاشاه لله، نحن نكره هذه اللغة فاكرهوها معنا، اكرهوا لغة الدعاء على الناس، علماً بأن هذا يُقال في حق المُسلِمين أيضاً، يُقال قطع الله أدبارهم وأصم الله كذا وكذا، لا نقول هذا والله، والله لو نيتشه Nietzsche الآن بيننا حياً – أي على الحال – أو ماركس Marx لدعونا له بالهداية والسعادة، إن مات على كفره فهو وما اختار هذا المسكين، وهذا إن ثبتت عليه الحُجة وقامت عليه وانقطعت معاذيره، أما وهو حي لا نرجو له إلا كل الخير وأن الله يهديه ويسعده، هذا هو المُسلِم، هذا المُسلِم الرحماني الذي يُفرِغعن رحمة الله وله منها نصيب، اللهم عظِّم ووفِّر نصيبنا من رحماتك. اللهم آمين.

إذن الله – تبارك وتعالى – غير مُتزمِّن، كل شيئ عنده، ومن هنا مرونة اللغة القرآنية، يُخبِر عن أشياء ستقع على أنها وقعت، لكنها لم تقع، قال الله أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ ۩، أين أتى؟ قال في نفس الآية فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ ۩، لكن هو أتى، من منظوره هو آتٍ أصلاً، هو حاضر، هو حاضر الإتيان، ما هذه القصة؟ قال الله وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ۖ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۩، إذن هنا الله قال وَأُدْخِلَ ۩، قال هذا بشكل عادي، ومحمد رآهم في الجنة أيضاً ورأى الآخرين في النار، ما هذه القصة؟ هل نُقِل محمد إلى أفق زماني مرن أو لا زماني أو إلى شيئ مُعقَّد؟ لن نفهم، هذه أمور مُعقَّدة جداً، قال الله وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۩، وقال أيضاً وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۩، الكل دخل وانتهى الأمر، تُوجَد مرونة عجيب، من هذه المرونة أيضاً مثل هذه الآيات التي نقول لِنَعْلَمَ ۩ والتي تقول قَدْ نَعْلَمُ ۩، هل هو لا يعلم؟ كيف لا يعلم؟ بالعقل ثابت أنه يعلم كل شيئ ومُحيط بكل شيئ وبالقرآن أيضاً، هذا ثابت بالعقل وبالسمع، بالعقل وبالنقل، بالعقل وبالنص، إذن ما القصة؟

بعد هذه المُقدِّمة – الآن وقفنا على أرض صلبة إن شاء الله كما أحسب – نُريد أن نُجيب بما أجاب به السادة العلماء ونُرجِّح من جواباتهم، سوف نرى ما أقوى هذه الجوابات بناء على هذا التمهيد، انتبهوا إلى أن هكذا سيكون الترجيح الآن، مثلا نأخذ آية مثالية ومثلها آيات كثيرة، لكن قبل أن نأتي إلى آية العلم نُريد أن نجيب عن شُبهة (قد)، قال الله قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ ۩، (قد) في اللغة العربية إذا سبقت الماضي طبعاً تُفيد التحقيق والتحقق، مثل قد وقع وقد كتب وقد نجح وقد رسب، إذن انتهى الأمر، وهذه المسألة فيها نقاش لكن هذا هو الأصل، لكن ماذا إذا سبقت المُضارِع؟ أحياناً تفيد التشكيك والارتياب والتقليل والنُدرة كما قلنا، مثل قد يصدق الكذوب، وأحياناً تُفيد التحقيق، وهذا الفصحاء يعلمونه، كل فصيح يستخدم هذه اللغة يعلم هذا ومن ثم يقول لك قد نظن أو قد نعلم أو قد نرى أن كذا وكذا، والمقصود نحن نرى هذا الكلام، حين يقول لك قد نعلم أو قد نرى فليس المقصود التشكيك وإنما التحقيق، المقصود هو التحقيق، وهذه اللغة عربية فصحى، ليست لغة مُولَّدة مُخترَعة ومُفتجَرة لتُبرِّر القصور البياني في القرآن الكريم، حاشا لله وحاشا لكلامه، كلامه أرفع كلام بالمُطلَق، هذا كلام رب العالمين، لا يُوجَد أي خطأ، والله تحدى من أول يوم به، وهو لم يتحد أبناء القرن الحادي والعشرين الذين لا يعرفون أي شئ في اللغة والبيان وإنما تحدى المساقع وكبار أهل البيان واللسن والفصاحة والمنطق من العرب وأعجزهم من عند آخرهم، لم يقدر أي أحد منهم على هذا، ولو قد قدروا لما ثبتت صدقية الرسالة ولانتهت رسالة محمد في مهدها ولأصبح أضحوكة بين الناس، لكنهم لم يقدروا، واقرأوا كلام الجاحظ بالذات في البيان والتبيين، عنده فصل ماتع جداً في إعجاز القرآن وكيف أرغم العرب واضطرهم اضطراراً إلى التسليم والإذعا ، فصل عجيب من الجاحظ، الجاحظ : أحد أرباب البيان إن جاز التعبير، أحد أرباب اللسان والقلم، رحمة الله عليه وجزاه الله خيراً، وهو مُعتزِلي ومن ثم هذا يُغضبِهم طبعاً، يُغضِبهم أن تمدح أحد المُعتزِلة، على كل حال نسأل الله أن يهدينا جميعاً، نرجع ونقول لماذا نقول هذا؟ هذا ثابت في الجاهلية، ماذا يقول امرؤ القيس؟ أنتم تعرفون امرؤ القيس، شاعر جاهلي وصاحب المُعلَّقة الشهيرة، قال:

قد أشْهَدُ الغارَةَ الشّعْوَاءَ تَحْمِلُنِي                 جَرْدَاءُ مَعرُوقَةُ اللّحييَنِ سُرْحُوبُ.

كيف يقول قد أشْهَدُ الغارَةَ الشّعْوَاءَ؟ انتبهوا إلى الآتي، المقام الآن مقام فخر أم مقام تنصل؟ مقام فخر، يفتخر بفروسته، يقول قد أشْهَدُ الغارَةَ الشّعْوَاءَ، والشعواء هى المُتفرِّقة، ثم يقول تَحْمِلُنِي جَرْدَاءُ وهي الفرس قليلة الشعر، ما معنى هذا؟ (قد) هنا قولاً واحداً للتحقيق والتأكيد، يقول هذا شأني، أنا خوّاض غمرات، أنا ابن بجدتها وفارس حلبتها، لا ينثني لي سيف ولا يجزع لي قلب، ثابت ورابط الجأش، قد أشْهَدُ الغارَةَ الشّعْوَاءَ تَحْمِلُنِي، هذا واضح ومن ثم انتهى الأمر، لا تقل لي الرجل يقول من المُمكِن نعم و من المُمكِن وكأنه يسب نفسه، هل أنت أفهم منه؟ هل أنت أفهم من امريء القيس في الجاهلية؟ افهم اللغة، هذه لغة العرب.

لدينا أيضاً عبيد بن الأبرص، ماذا يقول؟
قد أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَراًّ أَنامِلُه                             كأَنّ أَثوابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصادِ.

إذن هو يقول قد أَتْرُكُ القِرْنَ، والقِرن هو الند المُكافيء في الشجاعة، إذن هو يفتخر، فالمقام مقام افتخار، يقول أنا أترك قِرني في المعركة وهو كُفئي وعدلي في الشجاعة والقوة والجسارة – جسور قوي كمي وشجاع – مُصفَّراً أنامله كأن ثيابه قد دُمغت بالدماء، يقول مُجَّتْ بِفِرْصادِ، أي صُبِغَت بفرصاد، والفرصاد هو التوت، يُشبِّه الدم الذي صبغها ومُجَّتْ به بعُصارة التوت الأحمر، إذن يقول قد أَتْرُكُ، هل يُريد التشكيك والارتياب أم التحقيق؟ يقول أفعل هذا أنا، أنا هذا شأني، إن دلت المعركة هذا هو شأني، هذه (قد) إذن، حين أقول لك قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ ۩ فهذا يعني نحن نرى هذا بلا شك، قال الله قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ ۩ فهذا يعني أنه يعلم حقاً، هذا لا يعني أنه يعلم أو لا يعلم، هذا أمرٌ عجيب، ولذلك صدق أمامنا أبوعبد الله الشافعي وجزاه الله خير الجزاء حين قال لو سكت مَن لا يعلم لسقط الخلاف، المشكلة دائماً في أكثر ما يشتجر من مسائل البحث في الدين والسياسة والعلم والفلسفة والأدب والشعر والفن والنقد هى تنطع مَن لا يعلم لاعباً دور مَن يعلم، وللأسف حين تسود الجهالة تتراجع الثقافة والعلم، ومن ثم هذا الجحا الخنفشاري يجد له أتباعاً ويُصدِّقون أنه من أهل العلم والقول، يقولون يا أخي – ما شاء الله – عليه، كيف تقول عنه ما شاء الله؟ يا رجل احفظ لسانك في فمك، هل أنت مَن يُوزِن مقامات الناس؟ اسكت يا رجل، رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، لا تستعجل إذن، إذا أردتم يا إخواني – هذه نصيحة حقيقة – أن يرحمكم الله – تبارك وتعالى – فيفتح عليكم ويُجنِّبكم مواضع الزلل تواضعوا وارحموا أنفسكم بالبعد عن الرياء ولعب دور لا تُحسِنونه، إذا كنت تُحِب أن تلعب دور عالم – هذا أحسن شيئ وأشجعك عليه – كن عالماً أولاً، اشتغل لتكون عالماً حقيقياً، اقض سنين من القراءة والبحث وعشرات ألوف الساعات من السهر والتعب والتحقيق والتفتيش والتقميش والتحرير، المسألة ليست لعبة، هذا ليس كلاماً فارغاً، هذا لا يصح، لا يُنال العلم براحة الأجساد، أنت تعيش مُرتاحاً وتُريد أن تضع رأسك برأس العلماء، علماً بأن هذا إن نجح لوقت لا ينجح في كل وقت، عما قليل وعما قريب وسريعاً تنكشف العورة ويلفك التاريخ لتكون مع الأغمار الذين لا ذكر لهم، التاريخ لا يُبقي إلا ذكر مَن يستحق الذكر، في العلم بالذات – في باب العلم – مُستحيل أن التاريخ يحفظ ملفات الجهلاء، انتبهوا إلى هذا، اليوم بعض الناس يُطالِب دائماً بالرد على كل مَن رد، يُطالِبون العلماء والفقهاء والفلاسفة ويقولون لهم ردوا فهؤلاء كتبوا وإلى آخره، هذا مُستحيل، العلماء لا يفعلون هذا، أصحاب العقول لا يفعلون هذا، لأنهم لو أرادوا أن يُجاروا كل سفيه وكل مُدعٍ مُراءٍ وكل جاهل لأصبحوا سفهاء مدّعين ومُرائين، علماً بأن العالم لا يعطي شرف خصومته العلمية لكل دعيٍ، ذات مرة قيل لعالم إنجليزي في الأحياء – Biologist – فلان يريد أن يُناظِرك، وقد حكيت لكم هذا مرة، فقال لا يُشرِّفني، لا أُريد، قالوا هو أعلن عن هذا وهو يتحداك، قال إن حصل هذا سيكون شرفاً له، سيكتب هذا في السيرة الذاتية – C.V – خاصته، لكن ليس شرفاً لي، لأنه في نهاية المطاف غير مُتخصِّص، ليس من أهل العلم، ليس من أهل التحقيق، حتى حين أكسره وأسحقه لن يُعتبَر شرفاً لي، ألأس كذلك؟ لكن بمُجرَّد أن أُوافِق أن أدخل معه في مُناظَرة سيكون شرفاً له، لأنه غير مُتخصِّص ولا يعلم شيئاً في علم الأحياء وأنت كعالم كبير حجة وافقت، فإذن أنت اعترفت به، مُوافَقتك تعني الاعتراف به، وهنا قد تقول لي ما معنى هذا؟ هل هذه عجرفة علمية؟ لا، هذه ليست عجرفة علمية، هذه منهجية علمية، لكن ماذا لو أن إنساناً ما عنده وجهة نظر؟ أنا أقول لك الذي عنده وجهة نظر يتساءل ويتعلَّم، لا يدّعي ما لا يعلم ويقول أُريد أن يُناظِر، كيف تُناظِر؟ حين تُصبِح في حجمي سوف تُناظِرني، إذا لم تكن في حجمي سوف أقول لك سهَّل الله لك وفتح عليك، ينبغي أن تسأل إذن، إذا لم يكن عندك كبر وعجرفة ينبغي أن تسأل، أما إذا كان عندك كبر وعجرفة امض على طيتك، قال الشاعر فَأَمّوا سَمتَهُم وَأَمَمتُ سَمتي، إذن لكل سمتٍ، لن نُجاوِبك ولن نُكلِّمك.

وَلقدْ مررْتُ على اللّئيمِ يسبُّني                           فمضيْتُ ثُمَّت قُلْتُ لا يعْنينِي.

هذا هو إذن، هذه أمر منهجي فارعوه حتى لا يحدث أي خلل، فهذا الخطل والخلل والخبل الذي نحن فيه اليوم – أمة العرب بالذات والمُسلِمين عموماً سبحان الله – من هذا، غياب المرجعيات وغياب المنهجية وغياب القدرة على التمييز بين من يُحسِن ومَن لا يُحسِن ومَن يعرف ومَن لا يعرف، اللهم كثر غثاء فأنت المُستعان في كشف هذه البلوى. الله آمين.

إذن وضح أن (قد) تأتي للتحقيق، ونعود إلى الآيات، قال الله وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ۩، ماذا قال السادة العلماء في تفسير هذه الآية؟ هذه الآية لم يكتشفها هذا الهيان بن بيان في القرن الحادي والعشرين، الرجل يدّعي أنه اكتشف شيئاً خطيراً وكأنه يقول لنا سأُشكِّكم في دينكم فتفضلوا هذه، يا سلام، كل المُفسِّرين وقفوا عند هذه الآية، وفي الحقيقة لم يطيلوا الوقوف، فعلوا هذا سريعاً، وذلك في سبعة أسطر أو نصف صحيفة والذي طوَّل تحدَّث عنها في صحيفة، هذه أمور سهلة ومحلولة، هى محلولة بذاتها عند العلماء، كما قلت لكم العلماء من أهل اللغة وأهل التبيان يعرفون هذا، ليس عندهم أي إشكالية، لكن ماذا قالوا؟ قالوا معنى قول الله إِلاَّ لِنَعْلَمَ ۩ أننا فعلنا هذا لنعلم، أي من أجل أن نعلم، كي نعلم ولغاية أن نعلم، ثم قالوا قول الله إِلاَّ لِنَعْلَمَ ۩ قد يكون كنايةً وقد يكون مجازاً، طبعاً لن أقول أشهد بل سأقول أنا مُوقِن لو سألتم هؤلاء حتى عن الفرق الذي درسناه في الصف الثالث الإعدادي وربما أقل بين الكناية والمجاز والله ما عرفوا، لأنهم لو عرفوا ما تقدَّموا بهذه التشعيبات السخيفة، طبعاً كلام الفصحاء كثيرٌ جداً فيه مثل هذه النمط من القول، هذا ألف باء، لكن نحن سنُقدِّم بهذا وطبعاً بعد أن نقول سوف يرجعون إلى الكتب ويقولون نحن نعلم كذا وكذا، آلْآنَ أتيت لكي تتعلَّم؟ هذا مُتأخِّر جداً – Too late – يا حبيبي، لأنك لو تعلَّمت هذا من الأول ما وقعت في هذه الورطة، بعد أن يسمعوا كلامنا وكلام أمثالنا سوف يقولون نحن نعلم، كيف لا نعلم هذا؟ المجاز أقسام وكذا وكذا، وهذا كله من الكتب ومن الشيخ جوجل Google والشيخ ياهو Yahoo، لكن هذا مُتأخِّر، ونحن نفهم هذا طبعاً، ولذلك العبرة في المسألة بالمباديء وليس باللواحق والاستدراكات، تضحكون على مَن؟ وجزى الله الشيخ جوجل Google بما يستحق، خربط على الناس أشياء كثيرة – والله – أيضاً، يجلس أحدهم معك ويقول هذا الحديث تخريجه ضعيف، هل هذا من عقله؟ هل هذا من حفظه؟ من الشيخ جوجل Google، يذهب إليه مُباشَرةً وأي كلام يظهر له في البداية يظن أنه الصحيح، طبعاً هو يُسلِّم رقبته لهذا المُمِد للشيخ جوجل Google أياً كان، هؤلاء مساكين وهذه لعبة على كل حال، فإذن ما القصة؟ إما أن يكون معنىً كنائياً أو معنىً مجازياً، إما مجاز وإما كناية، ما الفرق؟ سوفت نتحدَّث عن المجاز ونأخذ المجاز المُفرَد أولاً الآن حتى لا تنسوا، المجاز المُفرَد هو لفظ جُزنا به – أي تحرَّكنا به، ولذلك سموه مجازاً – أصل وضعه، أي المعنى الحقيقي الذي وُضِعَ عليه، وهذا التعبير الأفصح، لا نقول وُضِعَ له وإنما نقول وُضِعَ عليه، أي شيئ يُوضَع على شيئ، هكذا يقول أهل اللغة، يُوجَد معنى وُضِعَ عليه هذا اللفظ، لكننا تركنا هذا اللفظ وهذا المعنى الأصلي الحقيقي – إسمه المعنى الحقيقي – لمعنىً آخر، لماذا تركناه إذن؟ لوجود علاقة – تُوجَد علاقة – بين المعنيين، مع قيام القرينة أكانت ذكرية أو حالية – القرينة قد تكون تكون حالية تُفهَم فهماً من السياق وقد تكون مذكورة بكلمة أو بلفظة – المانعة، وهى التي تمنع حمل اللفظ على المعنى الأول، فهذا يكون كناية أم مجازاً؟ مجازاً، لكي لا تنسى كلما قلت كلمة مجاز قل كلمة مانع، هذا يعني أن في المجاز قرينة مانعة، كلمة مجاز تبدأ بالميم وكلمة مانعة تبدأ بالميم، لكن كلمة كناية لا تبدأ بالميم، ونفس الشيئ يحدث مع الكناية، لفظٌ أيضاً استعُمِل في غير معناه، أي في معنى آخر ثانٍ، تُوجَد علاقة بين المعنيين، مع عدم قيام القرينة المانعة من استخدامه في المعنى الأول، أي من المُمكِن أن يُستخدَم في المعنيين، هذا إسمه كناية، وهنا قد يقول لي أحدكم يُوجَد نوع من المجاز ليس مثل الأول، وهذا صحيح، هذا إسمه المجاز العقلي، ولكي لا يحدث أي لبس لديكم أقول يُوجَد المجاز اللغوي وهو المجاز الذي ذكرناه ويُوجَد المجاز العقلي، المجاز العقلي ليس في اللفظ نفسه، اللفظ يبقى كما هو وعلى المعنى الأول الحقيقي، لكن في الإسناد وفي الإضافة – إسناد شيئ إلى شيئ وإضافة شيئ إلى شيئ – يكون الإسناد إلى غير من له الفعل أو الحدث، مثلاً نقول قطع الأمير يد السارق، العادة أن الأمير أو الخليفة أو الإمام لا يفعل هذا بنفسه، وإنما يفعله الجلّاد وبحكم القاضي الذي يشتغل عند الأمير، أليس كذلك؟ فحين تقول قطع الأمير – أمير المُؤمِنين – أو قطع الإمام فإن هذا الأمير أو هذا الإمام لا يقوم بالقطع بنفسه، وقد يكون هذا الأمير أو هذا الإمام أشل أو أقطع اليدين وليس اليد الواحدة فحسب، فهذا المسكين لا يقدر على أن يقطع أي شيئ ولو بصلة، ومع ذلك يُمكِن أن نقول قطع الأمير يد السارق، هذا إسمه مجاز عقلي، لأن الذي قطع هو الجلّاد عن أمر القاضي في إمرة الأمير، إذن أسندنا الفعل ليس إلى الجلّاد وإنما إلى الأمير، هذا يحدث في الإسناد، ومعنى قطع قطع وأبان، أي أن اللفظ بقيَ على معناه الحقيقي، لكن أين المُشكِلة؟ في الإسناد، هذا إسمه مجاز عقلي، ويُوجَد أنواع منه، الشاعر الذي يذم مذموم يقول:
نهارك هائم وليلك نائم               كذلك في الدنيا – أكرمكم الله – تعيش البهائم.

اللهم لا تجعلنا منهم، يُوجَد أُناس على هذا النحو، فهو يقول له نهارك هائم، هل النهار يهيم؟ لا يهيم، الهيمان معروف والنوم معروف، مَن الذي يهيم؟ المذموم، أنت تهيم في نهارك، تهيم مدة النهار، وتنام مدة الليل، المفروض أن يكون الإسناد للمذموم، أي للشخص، لكن أُسنِدَ الفعل للنهار وأسند الفعل لليل، ولذا قال:

نهارك هائم وليلك نائم                                كذلك في الدنيا تعيش البهائم.

هذا إسمه مجاز عقلي وليس مجازاً لغوياً، إذن لدينا مجازان، هذه فوائد مُهِمة لك حين تقرأ الكتب والشعر لكي تفهم هذه الأشياء، وهذه الأشياء درسناها في المدارس لكن لا يتذكَّر إلا القليل على كل حال.

الكناية مثل ماذا؟ مثل قول الشاعر في ممدوحه:

طَوِيلُ النَّجَادِ رَفِيعُ العِمَادِ                                   كَثِيرُ الرَّمَادِ إذَا مَا شَتَا.

هذا كناية وليس مجازاً، لماذا؟ سوف نرى لماذا، يقول رَفِيعُ العِمَادِ، أي أن بيته – ما شاء الله – عنده عمد كبيرة، قد يكون قصر من القصور، وحتى لو كان خيمة فعمد هذه الخيمة مُرتفِعة، كناية عن سيادته وعزه في قومه، قال طَوِيلُ النَّجَادِ حمائل السيف طويلة، لماذا إذن؟ كناية عن طوله، هو رجل طوال ضخم – ما شاء الله – وعملاق، إذن:

طَوِيلُ النَّجَادِ رَفِيعُ العِمَادِ                                    كَثِيرُ الرَّمَادِ إذَا مَا شَتَا.

وكثرة الرماد كناية عن كثرة الطبخ، وكثرة الطبخ كناية عن كثرة الذبح، وكثرة الذبح كناية عن كثرة الضيف، وهذا يعني الكرم، كثرة طروق الضيف كناية عن كرم المُضيف، إذن هذه كناية، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا هذه كناية وليست مجازاً؟ لأنه لا يمتنع إرادة المعنى الحقيقي أيضاً، لأنه فعلاً بيته رفيع العماد وفعلاً حمائله طويلة وفعلاً عنده رماد كثير، أليس كذلك؟ هذا مُراد والمعنى الآخر مُراد، إذن إذا لم تقم قرينة على امتناع المعنى الأصلي يكون كناية، هل فهمنا هذا؟ نأتي إلى الآية، قال الله وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ   ۩، تكلَّم بعض العلماء في القديم والحديث عن هذه الآية، ومِن أشهر المُحدَثين الإمام المُفتي محمد عبده – روَّح الله روحه – والإمام المُفسِّر العبقري اللوذعي المُجتهِد الطاهر بن عاشور – قدَّس الله سره الكريم، ماذا قالا؟ قالا إِلاَّ لِنَعْلَمَ ۩ بمعنى – الآن سوف ترون هل هذا مجاز أم كناية – إلا ليعلم المُؤمِنون، أي النبي وجماعة المُؤمِنين، كأنها لغة كونية، لأن في لغة العرب يُرسِل السيد الكلام مُسنِداً إياه إلى نفسه وإنما يُريد أولياءه وأوادءه وخِلصانه، أي البطانة والنُصراء والأحباب المُحدِقين به، يُريد هم، يقول – مثلاً – لقد فتحنا البلاد، وفي الحقيقة ليس هو مَن فتح، القادة والجيش هم الذين فتحوا، أليس كذلك؟ يقول لقد فتحنا أو لقد فتحت البلاد، لكن ليس هو مَن فتح، ومن ثم سوف تقولون لي هذا من باب المجاز، لكن هل هذا مجاز لغوي أم مجاز عقلي؟ مجاز عقلي، القضية في الإسناد، أي أن هذا من باب الكناية الرمزية، بعضهم يُسمي هذا المجاز العقلي كناية رمزية، كقول إياس بن قبيصة الطائي وهو حماسي، حين تقرأ كلمة حماسي فهذا يعني أنه من شعراء الحماسة للمرزوقي، عندك ديوان الحماسة للمرزوقي فأي شاعر وارد فيه جاهلياً كان أم إسلامياً يُسمونه الحماسي، يقولون وقال الحماسي، إذا لم يتذكر أحدهم إسم الشاعر فإنه يقول الحماسي، أي من شعراء الحماسة، فماذا يقول إذن؟ يقول:

وأقَدْمتُ والْخَطِّيُّ يَخْطِرُ بينَنَا                          لأَعْلَمَ مَنْ جُبَّاؤها مِن شُجاعِها.

ما معنى الخطي؟ الرماح، الخطي المصنوعة بالخط تُسمى الرماح الخطية، يقول:

وأقَدْمتُ – يمدح نفسه – والْخَطِّيُّ يَخْطِرُ بينَنَا               لأَعْلَمَ مَنْ جُبَّاؤها مِن شُجاعِها.

وهنا يقول لأَعْلَمَ بالذات أيضاً، هذا الحماسي المشهور هو الفارس إياس بن قبيصة الطائي، علماً بأن بعض مجانين الدارسين في الغرب ويتبعهم بعض العرب المُسلِمين قالوا هذا محمد بن عبد الله، محمد شخصية وهمية، ومحمد عبار عن تلفيق وهمي للشخصية الحقيقية إياس بن قبيصة الطائي، هل سمعتم هذا الإسم من قبل؟ هذا بيته:

وأقَدْمتُ والْخَطِّيُّ يَخْطِرُ بينَنَا                           لأَعْلَمَ مَنْ جُبَّاؤها مِن شُجاعِها.

في الحقيقة الشاعر الفخور هنا يعلم أو لا يعلم؟ يعلم أنه شجاع، إذن ماذا يُريد بقوله لأَعْلَمَ ؟ ليعلم غيري، لكي تروا مَن الجبان ومَن الشجاع، إذن هذا من باب المجاز أم من باب الكناية؟ هذا مجاز عقلي في الإسناد والعلم على معناه، هذا أول مذهب في التفسير لكي نفهم، حين أسمع إلى الذين يتحدَّثون في التفسير اليوم ويظنون أنفسهم مُجدِّدين ومُصلِحين في الإسلام – والله العظيم – أصاب بالمُرار والكُباد، أُقسِم بالله لا يُميِّزون بين استعارة وكناية ومجاز ولا يعرفون شيئاً، يقولون الكلمة التي تخطر على بالهم دون تفكير، وطبعاً المُستمِعون لا يُميِّزون وتنطوي الأمور للأسف الشديد، لابد من التدقيق، لابد أن نكون دقيقين لأن الأمر يختلف من حالة إلى حالة.

الآن المذهب الثاني في تفسير هذه الآية كالتالي، قالوا قد يكون قوله – عز من قائل – إِلاَّ لِنَعْلَمَ ۩ لا يُراد به حقيقة العلم، وإنما يُراد به المُجازاة، أي حتى نُجازي ونُحاسِب كلاً بحسب عمله، مَن يتبع الرسول له جزاء، والمُنقلِب على عقبيه له جزاء، لماذا؟ لماذا حرَّفتم الكلم عن مواضعه؟ هذه الكلمة لنعلم فلماذا أصبحت بمعنى لنُجازي؟ انتبهوا الآن جيداً، هذا مجاز أم كناية؟ مجاز، لماذا إذن؟ لأن المعنى الأصلي لنعلم موجود، معروف العلم وهو إدراك الشيئ على ما هو عليه، ونُجازي معنى ثانٍ، إذن هذا مجاز، لذلك قال العلماء الكبار أو يكون مجازاً يُراد به الحساب، لماذا؟ لأن الله لعدله – لتمام وكمال عدله جل شأنه في عليائه – إن حاسب أحداً لا يفعل هذا إلا بعد قطع معاذيره وإقامة الحُجة عليه، وهذا لا يكون إلا بعد أن يتحقَّق علم الله فيه، فجُعِل العلم هنا مجازاً عن الحساب، وعلى كل حال هذا وارد، هذا مسلك مطروق ووارد، فهو ليس من باب التكلف، هناك مَن قال قول الله إِلاَّ لِنَعْلَمَ ۩ بمعنى إلا لنُظهِر علمنا، علمنا مُتحقِّق ونُريد أن نُظهِره، الآن السؤال لمَن؟ هل إظهاره لله أم للناس؟ قبل أن أُجيب أُريد أن أقول على الهامش أن بعض الناس قد يقول هذه مُحاضَرة وليست خُطبة لأنها مُعقَّدة قليلاً، لكن لولا علمي بأهمية الموضوع وحراجته وكيف يُزلزِل إيمان بعض شبابنا وشوابنا لما قلت هذا، وكما قلت لكم جاءتني رسالة استغاثة وشاهدت طبعاً المُناظَرة التي وقعت بين شخصين وكان للأسف الشديد الطرف الإسلامي فيها الذي أسأل الله أن يفتح عليه ويجزيه خيراً بنيته وبعلمه أيضاً لا أستطيع أن أقول أنه كان مُوفَّقاً إلى حدٍ بعيد، لم يُحالِفه التوفيق للأسف إلى حدٍ بعيدٍ أمام رجل مُتنصِّر يطعن في القرآن، وهذا شيئ مُحزِن جداً جداً، كان ينبغي قبل أن تتصدى أن ترى نفسك، إن لم تكن من أهل الموضوع تأخَّر وقدِّم غيرك، قل لا لن أتقَّدم، لأن الكلام دفاع عن كتاب الله، والحديث عن هل هو من عند الله أم ليس من عند الله، كيف أُغامِر بسُمعة الدين وبحقية الرسالة؟ الموضوع خطير جداً جداً، على كل حال نسأل الله أن يُجازي كل أحد بنيته إن شاء الله، النوايا عند الله تبارك وتعالى، فالموضوع خطير جداً، حاولوا أن تحذقوا هذه الجوابات لكي تدفعوا بها في وجه الشُبهات، حين يسألك ابنك أو ابنتك أو صديقك أو أي إنسان تعرف كيف تُجيب، لا يصح هذا الاستسهال والتأكيد أنه من عند الله دون الرد عن الشُبهات، هناك شُبهات وعليك أن تُجيب، حين تُثار الشُبهة عليك أن تجيب وجواباً مُبرهَناً مُدلَّلاً مُحرَّراً وشافياً بإذن الله تبارك تعالى، إذن قالوا المعنى إلا لنُظهِر، العلّامة رشيد رضا في تفسير المنار قال هذا رأيي، لماذا؟ لأن علم الله غيب وشهادة، كل الأشياء قبل أن تقع هى في علم الله بلا شك، وبعد أن تقع يتعلَّق بها علم الله، انتبهوا فالموضوع موضوع تعلّقات، لابد أن أختم هنا لأن الموضوع ما زال في بقية طويلة ربما تكون بقدر ما تحدَّثنا ولا أدري متي سنستكمل، لكن نُوجِز ونُجِمل هنا ونمضي بإذن الله إلى الصلاة.

أيها الإخوة:

الفلاسفة المشّاءون ومنهم ابن سينا والفارابي وابن رشد أنكروا أن الله يعلم الجُزئيات، قالوا يعلم الكليات، بمعنى ماذا؟ بمعنى أن علم الله الأزلي عند هؤلاء الفلاسفة الذين أرادوا تنزيه الله – لا إله إلا هو – باجتهادهم لا يطرقه التغير، لأن لو تغيَّر علم الله وقع التغير في ذات الله، ولو وقع التغير في ذات الله لم يكن إلهاً لا إله إلا هو، فقالوا علم الله لابد أن يكون على وجه واحد فقط، ردَّ عليهم العلماء مثل إمامنا حُجة الإسلام الغزالي أعلى الله مقامه في دار التهاني، قال الغزالي – العقل الفذ النافذ – هذا غير صحيح، ليس بالضرورة أن يكون هذا، الذي يتغيَّر ليس العلم الإلهي الذي هو صفة ذاتية طبعاً – من صفات الله الذاتية – إنما المُتعلَّقات والإضافات، تغير الإضافات لا يعني تغير العلم الإلهي، بمعنى ماذا؟ بمعنى أنك تقف الآن هنا، ثم يأتي شخص يكون أمامك، هو الآن قدامك، أليس كذلك؟ هو منسوب إلى جهة الأمام فهو قدامك، يدور فيصير خلفك، يأتيك عن يمينك – ربع دورة – فيصير عن يمينك، يأتيك عن شمالك فيصير عن شمالك، وأنت أنت لم تتحرَّك، لم يتغيَّر حتى موقعك، وإنما تغيَّر هذا المُضاف وهذا المُتحرِّك، هذه هى التعلّقات، الله – تبارك وتعالى – يعلم الشيئ أزلاً قبل وقوعه، وحين يتأذن بإيقاعه ووقوعه يعلمه واقعاً، وبعد أن ينقضي وقوعه يعلمه قد وقع، وفي هذه المرات كلها الذي تغيَّر الإضافات والتعلّقات وليس العلم الإلهي.

أبو حامد ضرب مثلاً في منتهى العبقرية، هذا الرجل عجيب، عقل خارق يُمكِن أن يُبسِّط لك أمور هائلة الصعوبة بأمثلة بسيطة يفهمها الصبي، ماذا قال أبو حامد قدَّس الله سره الكريم؟ قال لو افترضنا أن شخص منا – أي من البشر فكيف برب البشر لا إله إلا هو؟ – عنده علم بقدوم فلان – أن فلاناً يقدم – من الجهة الفلانية غداً مع شروق الشمس، مثلاً عنده هذا العلم، وهذا العلم تواصل وامتد ولم يطرأ عليه شك أو ريبة أو تقلقل، ظل كما هو، أي أنه غير مُشكَّك، مُتواطيء كما هو عنده وفي نفسه، علم حاضر باستمرار، وفعلاً تأتي لحظة الشروق ويقدم فلان، ثم ينتهي الحدث ويصير قدوم فلان من الماضي، لم يتغيَّر شيئ في علم هذا الرجل، يقول هو علم واحد قبل أن يقع وبعد أن وقع وحين وقوعه، هو عَلِمَ هذا بعلم واحد، فكيف بعلم الله – وأنا أُوضِّح هذا بالمُقدِّمة السابقة – غير المُتزمِّن وغير المسجون وغير الحبيس في الزمان؟ لا إله إلا هو، إذن التغير في الإضافات.

لعلي أُكمِل ما قلت لكم في فرصة أخرى لأن هناك فضلة طويلة في الجواب عن هذه الشُبهة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، ربنا أوزِعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت وعلى والدينا وأن نعمل صالحاً ترضاه وأصلِح في ذرياتنا، إنا توبنا إليك وإنا من المُسلِمين، اللهم اجعلنا من الذين تقبَّلت عنهم أحسن ما عملوا وتجاوزت عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يُوعَدون، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩ ، حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اهدنا واهد بنا، وأصلِحنا وأصلِح بنا، وافتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين واهدنا لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاءُ إلى صراطٍ مُستقيم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، وجنِّبنا والمُسلِمين والمُسلِمات الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، لُم شعثنا ووحِّد صفنا وأصلِح ذات بيننا وأزِل الغل والحقد والحسد والتعصب من نفوسنا وقلوبنا يا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩.

فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ ۩، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 فيينا (10/4/2015)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: