نظرية التطور 

السلسلة الأولى: الأدلة والمؤيدات

الحلقة التاسعة عشرة

حلقات لم تعد مفقودة – الجزء الأول

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المُرسَلين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الأمين وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً.

أما بعد، أحبتي في الله، إخواني وأخواتي: السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، أُتابِع معكم في هذه الحلقة التاسعة عشرة بعض الأدلة التي يستند إليها التطوريون في تأييد نظريتهم، وستكون هذه الحلقة والحلقات التي تليها مُتعلِقةً بــ ودائرة على ما يُعرَف بالحلقات المفقودة أو الحلقات التوسطية، أي الحلقات الرابطة التي تربط بين الأنواع المُختلِفة التي نشأ بعضها من بعض وتطور بعضها عن بعض، وطبعاً كما تعلمون جميعاً من المعروف والمشهور أن أعداء وخصماء التطور يرمون دائماً منذ البداية – منذ زمن داوين Darwin وإلى اليوم – في وجوه مُؤيدي وأنصار التطور بالحُجة القائلة: أرونا ما لديكم وما بين أيديكم من حلقات مفقودة، من توسطيات – Intermediates – الحلقات المفقودة Missing Links، أين هى هذه الحلقات المفقودة؟

تشارلز داروين
تشارلز داروين

أولاً ما المقصود بالحلقة المفقودة؟ لأن الموضوع أساساً يكتنفه سوء فهم كبير جداً، فسوف ترون بُعيد قليل أن جُملةً طائلة من الاعتراضات على نظرية التطور ناجمة وناشئة عن سوء الفهم لهذه النُقطة – لنُقطة أو موضوعة الحلقة المفقودة – بالذات، ولذلك نحن في البداية سنُسجِل مجموعة نقاط تنبيهية حتى لا نقع في سوء الفهم وبالتالي نُضيع الوقت في حجاج في غير موضعه، ومَن أراد يتوجه باعتراضٍ أو بما يرى أنه حُجة فلابد أن يكون هذا الاعتراض في موضعه بحيث يُحرِج حقيقةً الطرف الآخر ولا يشي بسوء الفهم أو الالتباس الحاصل عند المُعترِض، وذلك في هذا الموضوع وهو موضوع أرونا التوسطيات أو الحلقات المفقودة الذي كان في البداية – في بداية النظرية وعند النظرية – يُشكِّل إحراجاً حقيقياً – كما ذكرت لكم حين ترجمنا لتشارلز داروين Charles Darwin – لداوين Darwin نفسه، واعترف بهذا في أصل الأنواع قائلاً أن هذا مما شكل له حرجاً شديداً، لكن لماذا؟ لأن السجل الأحفوري – Fossil Record – كان تقريباً شبه خالٍ في زمن داوين Darwin، ولم يكن هناك ثمة توسطيات، وبعد نشر أصل الأنواع بسنة واحدة تم في ألمانيا في إقليم بافاريا Bavaria اكتشاف الطائر العتيق أو الجناح العتيق الأركيوبتريكس Archaeopteryx، وهذه ترجمة دقيقة له، وعلى كل حال هو عُرِفَ بالطائر العتيق على أنه حلقة توسطية أو شكل انتقالي – Transitional Form – بين الزواحف وبين الطيور، فهو حلقة انتقالية لأنه ليس بزاحف تام كما أنه ليس بطائر مُتخصِص كالطيور الحديثة، وتقريباً باستنثاء الأركيوبتريكس

الأركيوبتريكسArchaeopteryx
الأركيوبتريكسArchaeopteryx

Archaeopteryx لم يكن هناك ثمة توسطيات، فكان هذا يُشكِّل حرجاً شديداً لداوين Darwin ونصراء النظرية، لكن الوضع اختلف كثيراً، ولم يعد من المُفيد أن نظل نُردِد أو يُردِد غيرنا أين التوسطيات؟ فهى كثيرة جداً، والسجل الأحفوري يحتوي الآن ويشمل أكثر من ربع مليون أحفورة Fossil، أي على أكثر من مائتين وخمسين ألف أُحفورة، فهناك ربع مليون أحفورة أو مُتحجِرة لأنواع مُتعدِدة ولأنواع مُختلِفة، وهو بالنسبة إلى عدد الأنواع التي دبت وعاشت على هذا الكوكب يُعتبَر شيئاً يسيراً، فهو يتراوح بين واحد في الألف إلى واحد في المائة، لأن تقدير هذه الأنواع التي عاشت على الكوكب يتراوح بين سبعة عشر مليوناً وأربعة ملايير، فهناك اختلاف كبير جداً طبعاً، وهذا تقدير مرن جداً، فبعضهم يُصِر أنها في حدود سبعة عشر مليوناً فقط، وبعضهم يبلغ بها أربعة مليارات، أي أربعة آلاف مليون نوع، ونحن لدينا مائتان وخمسون ألف أحفورة فقط ولو أخذنا المُتوسِط سيكون هذا بين الواحد على ألف إلى الواحد على المائة، وهذا أفضل طبعاً بكثير، وهو يُعتبَر شيئاً قليلاً جداً ويسيراً منزوراً من السجل الذي كان ينبغي أن يكون موجوداً لكن قضية التحفر وكيف تتكون الحفريات – وهى قضية تقريباً لا علم لغير المُختصين بها – عملية ليست سهلة وليست ميسورة كما يُظَن، فالشيئ النادر هو أن تتحفر بعض الكائنات، والشيئ غير النادر هو ألا تبقى لأسباب كثيرة، وكان بودي أن نتكلَّم ربما في حلقة أو حلقتين عن معنى الأحافير وكيف يتم التحفر والأنواع المُختلِفة لهذه الحفريات، لكن هذا سيُخرِجنا عن موضوعنا قليلاً وسوف يأخذ منا على الأقل حلقة أو حلقتين، فرأيت أن أضرب عنه صفحاً، لكن مَن شاء هذا من المُمكِن أن يعود إلى الكتب المُتخصِصة ويطلع على الموضوع، لكن نحن سنتحدَّث عن الحفريات نفسها وعن الحلقات الانتقالية دون أن نتكلم كثيراً عن السجل الحفري وحتى تطور المعرفة بالموضوع وتطور تفسير الحفريات وهو فصل لطيف جداً وظريف في تاريخ العلم عن كيف تطور تفسير الإنسان – أي العلماء – للسجل الأحفوري، ففي البداية تقريباً كانوا يتعاطون معه بطريقة أصولية وبعد ذلك بطريقة دينية غير علمية بالمرة، ثم انتهوا بعد ذلك إلى الطريقة العلمية بشكل تراكمي إلى حدٍ بعيد، وعلى كل حال نُريد – كما قلت – أن نبدأ ببعض التنبيهات، فهذه الحلقات المفقودة لم تعد كلها مفقودة، بل لدينا توسطيات كثيرة من الخير ومن الضروري أن نطلع عليها، إذن لم تعد كل هذه المفقودات مفقودة لكن قد يسأل سائل ما معنى الحلقة المفقودة بالضبط؟ للتبسيط وباختصار أقول أن التطوريين مُجمِعين على أن كائنات البر – كل كائنات البر- مُتطوِرة من كائنات بحرية وهى الأسماك، فهم يقولون أنها كلها على الإطلاق مُتطوِرة من الأسماك، وقبل ثلاثمائة وتسعين مليوناً من السنوات لم يكن هناك إلا الأسماك في البحار، فلم تكن هناك فقاريات على البسيطة أو على اليابسة، لكن بعد ذلك بثلاثين مليون سنة ظهرت، فقبل ثلاثمائة وستين مليون سنة بدأت تظهر أول الفقاريات البرية – Terrestrial- التي تعيش وتدب على اليابسة قبل ثلاثمائة وستين مليون سنة ، فمن أين أتت؟ أتت مُتطوِرةً من الأسماك، وسنعرض لهذا في حلقة اليوم وربما في الحلقة التي تلي إن شاء الله تعالى، فهى تطورت عنها، وهذا نوع من الاستنواع، وسوف نرى هذا، ثم أن هذه البرمائيات التي تطورت عن الأسماك تطور منها بعد ذلك الزواحف، وأكيد لابد أن نعرض بشكل سريع جداً – مع أننا درسنا هذا حتى في المدارس الإعدادية وربما الإبتدائية في بعض الدول – الفرق بين الزواحف والبرمائيات، فبعض الناس لا يعرف الفرق، وسنُفرِّق بينهما بطريقة سريعة علمية إن شاء الله، حيث تطورت هذه البرمائيات إلى زواحف، ثم بعد ذلك هذه الزواحف تطور بعضها – فرعٌ منها – إلى الثدييات الأولى، فإذن الثدييات قبل الطيور، وبعد ذلك بزُهاء ثلاثين مليون سنة تطور فرع آخر من الزواحف إلى الطيور.
إذن لدينا الآن اعتقاد تطوري راسخ بأن الطيور – كل الطيور – مُتطوِرة عن زواحف Reptiles، ونحن لدينا زواحف محضة ولدينا طيور محضة حديثة، فما هى الحلقة الانتقالية؟ الحلقة الانتقالية هى كائن ليس بزاحف تام ولكنه كائن زاحف يقرب من أفق الطيران، فهوزاحف يطير أو يُريد أن يطير ولكنه لا يطير، فهو ليس بطير محض ولكنه لم يبق زاحفاً تاماً، فهذه هى الحلقة الانتقالية، وهكذا في كل الأنواع التي نشأ بعضها من بعض لابد أن تُثبِت لنا على الأقل من سجل الأحافير ما يُثبِت وجود هذه الحلقات الانتقالية، فهل هناك هذا؟ لدينا حلقات غير انتقالية من أنواع – حفريات لأنواع – لزواحف موجودة في السجل الأحفوري، ولدينا حفريات لطيور، فهل لدينا هذا لزواحف تقرب من الطيور وليست بطيور؟ هذا هو السؤال، وعلى كل حال لم يعد التطوريون في الوقت الحالي معنيين كثيراً بقضية الحلقات المفقودة والسجل الأحفوري، فلماذا إذن؟ لأن لديهم أدلةً على وقوع التطور واشتغاله تُعتبَر أكثر قوةً ومتانة وصلاة من السجل الأحفوري برمته، فما عادوا يأبهون كثيراً وما عادوا يُشعِرون بالحرج ويقولون “لو لم يكن بين أيدينا ولا أحفورة واحدة انتقالية فإن التطور موجود والأدلة عليه أقوى من الأحافير ولذلك لا نحتاجها”، لكن ما هذه الأدلة؟ سنستعرضها في حلقات بحيالها – خاصة الأدلة المأخوذة من علم الأحياء الجُزيئية ومن قراءة الـ DNA – وهى أدلة شبه قطعية،

جون سكوت هالدين John Scott Haldane
جون سكوت هالدين John Scott Haldane
رونالد فيشر Ronald Fisher
رونالد فيشر Ronald Fisher
سيوال رايت Sewall Wright
سيوال رايت Sewall Wright

ومع ذلك السجل الأحفوري يُقدِّم مبادئ أدلة من أقوى ما يكون، لكن كيف هذا؟ بمعنى أنك لا تستطيع أن تُسدِد ضربة تظن أنها قاسية أو قاسمة للتطور بالقول ليس ثمة توسطيات وبالتالي التطور باطل، وهذا غير صحيح، لكن كيف ينبغي أن تكون الضربة الحقيقية اعتماداً على السجل الأحفوري؟ الجواب تقدم به عالم الأحياء التطوري الكبير جون هالدين John Haldane، فالعالم هالدين – Haldane J. B. S. Haldane – حدثتكم عنه مرة وهو من أصل إسكتلندي وهو أحد الثلاثة الكبار مُؤسِسي الداروينية الحديثة مع رونالد فيشر Ronald Fisher و سيوال رايت Sewall Wright، فهؤلاء هم مُؤسِسو الداورينية الحديثة ومُؤسِسو علم وراثيات العشائر، لكن هالدين Haldane كان أهمهم – أي كان أهم هؤلاء الثلاثة – وقد سُئل مرة في مُؤتمَر علمي سؤالاً هاماً، حيث سأله أحد الناس الذين كانوا من الجمهور قائلاً “بروفيسور Professor هالدين   Haldane ما هو الدليل القاطع فيما لا يُوجَد؟” أي هذا الدليل على بطلان التطور، فقال “أن تُوجَد حفرية أرنب مثلاً في العصر – أي في طبقات العصر – ما قبل الكامبري، وبالتالي سوف يكون التطور باطلاً تماماً”، وطبعاً ليس شرطاً أن يكون أرنباً، فمن المُمكِن أن تضرب مثلاً بعشرة آلاف نوع أو بمائة ألف نوع، وإنما المقصود هو لو أنك وجدت في السجل الأحفوري حفرية لكائن بحسب نظرية التطور ينبغي أن تكون في طبقة أعلى لكن أنت وجدتها في طبقة أدنى – بمعنى أنها تتموضع زمنياً في مدى زمني وفي نطاق زمني يستحيل تطورياً أن تكون موجودة فيه – فإن التطور سيكون باطلاً حسبما قال هالدين   Haldane، وهذا جواب مائة في المائة صحيح، فلو حدث هذا وُوجِدَت حفرية واحدة فقط سيكون هذا دليل إثبات وليس دليل نفي، فنحن لا نقول أن هناك حلقات مفقودة ونحن نُريدها وإنما نقول أننا نُريد دليل إثبات، فاذهب ونقِّب ونقِّر وفتِّش في السجل الأحفوري بطوله ومن فوق إلى تحته، وإذا وجدت حفرية لكائن واحد مُتموضِع في نطاق زمني لا يسمح التطور به سيكون التطور نظرية باطلة،وهذا لم يحدث، فالعكس هو الذي حدث تماماً، لأنك حين تقرأ السجل الأحفوري لا يُمكِن أن تجد حفرية لأي كائن سابقة لزمانها أبداً، فدائماً هذه الحفريات في مكانها، إذن حصل تطور إذن، فنظرة بسيطة جداً للسجل الأحفوري تُعطيك قناعة مبدئية بأن التطور حاصل وحصل ويحصل عبر ملايين السنين باستمرار وأنه لم يتوقف، وكما قلت لكم قبل ذلك لو كانت فعلاً نظرية المُتدينيين السُذج صحيحة ما حدث هذا، وطبعاً هذه سذاجة، وهم يُحمِّلون اذلات الإلهية المُقدَسة مسئولية سذاجة تفكيرهم، فالمُتدين يفترض أن الله لابد أن يكون خلق الكائنات خلقاً مُستقِلاً، فخلق كل شيئ وحده، لكن من أين له هذا؟ هذا غير صحيح بالمرة، والله لم يقل هذا بشكل واضح، وخاصة عند المُسلمين هذا مُستحيل، فهذا غير موجود بالمرة، ومع ذلك أنت تفترض أن هذا هو الحاصل، فأنت تتخيَّل وأنت لست عالماً مُتخصِصاً وتُريد أن تُحمِّل الله هذه التبعة، ومن ثم ستخسر قضية الله على يديك تماماً، فابنك وهو في الخامسة عشرة من عمره حين تُدرِّسه المُدرِّسة أو المُدرِّس ويقول له هذه المعلومة وحدها فقط بصدد السجل الأحفوري سيقتنع أن التطور حاصل، فلو كانت الكائنات مخلوقة خلقاً مُستقِلاً ومن أول يوم حين خلقها الله تبارك وتعالى إذن من المفروض أن نجد في أي طبقة من الطبقات ما نشاء من الحيوانات، فإذا بحثت – مثلاً – في طبقة قبل ثلاثمائة مليون سنة يجب أن تجد جمجمة لإنسان أو عظمة لإنسان أو ضرساً لإنسان، لكنك لن تجد، هذا مُستحيل، وقد فعلوا هذا من قبل ولم يجدوا شيئاً، فالعلماء لهم أكثر من مائة خمسين سنة وهم يبحثون، وبعضهم يقضي من عمره عشر سنوات وعشرين سنة وثلاثين سنة وهو يُنقِّب – لك أن تتخيَّل هذا الشغل المُجهِد والمُكلِّف جداً – حتى يجد عظمة كتف أو سناً أو بقايا جمجمة Skull لكي يعيدوا قراءتها بشكل علمي دقيق جداً، فهذه جهود جبارة يقوم بها هؤلاء الناس الذين يشتغلون، ومع ذلك لم يحدث هذا مرة واحدة أن وجدوا مثل هذا الشيئ، فكل شيئ يُوجَد دائماً في مكانه، إذن يُوجَد تطور، فكلما نزلت إلى الأسفل سوف تجد كائنات أكثر بدائية وأكثر بساطة، وكلما صعدت إلى أعلى تجد صوراً من الكائنات الأرقى، فالإنسان – مثلاً – الهومو ساپيانس Homo sapiens أو الإنسان حتى المُنتصِب الهومو إريكتوس Homo erectus – مثلاً – أين نجده؟ هل نجده قبل عشرين مليون سنة؟ هذا مُستحيل، فهو غير موجود هنا بالمرة، وإنما نستطيع في آخر سبعة ملايين فقط من السنين أن نجد هذه الكائنات البشرية، فهى مُتأخِرة جداً، لكن قبل ذلك تجد كائنات أخرى أكثر بدائية وأكثر بساطة.

كارل بوبر Karl Popper
كارل بوبر Karl Popper

إذن هذا هو الدليل القطعي – فيما لو وُجِدَ – على تهافت وعلى بطلان نظرية التطور، لكنه غير موجود، فلا يُمكِن أن تجد حفرية لأرنب – كما يقول هالدين Haldane – في العصر ما قبل الكامبري، هذا غير موجود بالمرة، وطبعاً هذه الطريقة في النقاش من هالدين Haldane قوية مُحكَمة فلسفية، لماذا؟ لأنه أعطانا معياراً لتفنيد النظرية، فدائماً النظرية يُعترَض عليها بأنها ليست نظرية علمية وفق النظرة البوبرية، نسبةً إلى الفيلسوف العلمي الشهير كارل بوبر Karl Popper الذي يقول “النظرية لا تكون نظرية علمية إلا إذا بُنيِت بشكل يجعلها قابلة للدحض”، فالقابلية للدحض هامة، وليس شرطاً أن تُدحض طبعاً ولكن لابد من وجود قابلية لدحضها، فنحن نختبرها ومن ثم قد لا تُدحض بل ربما تتقوى، فنحن نختبرها باستمرار وفي كل مرة نأتي ونقول “لا، قد تُدحض من الجهة الفلانية” ومن ثم نختبرها، فلابد من وجود قابلية لأن تُدحض، ولكنها قد لا تندحض وإنما تثبت وتتقوى وهكذا، لكن إذا بُنيِتَ بطريقة لا تجعلها قابلة للدحض من أصله فهى ليست نظرية علمية، قل عنها أنها نظرية فلسفية أو تأملية أو أنها كلام إنشائي، لكنها ليست علماً، فالعلم – Science – لابد له من معيار، وكارل بوبر Karl Popper يُعطيكم معياراً الآن، وهذا المعيار يجعل نظرية التطور قابلة للدحض، كما أن لها قدرة غير طبيعية – هى قدرة تُحسَد عليها – على إفراز وإنتاج تنبؤات، فالنظرية تتنبأ بأشياء كثيرة، وأكثر هذه الاشياء تُفحَص ثم تخرج صحيحة مثلما تنبأت النظرية، إذن يُوجَد عندنا جانب علمي حقيقي في هذه النظرية، فهى ليست أي كلام، وهذه طريقة قوية في الحجاج.

إنسان بلتداون Piltdown Man
إنسان بلتداون Piltdown Man
ريتشاردسون Richardson
ريتشاردسون Richardson
بيير تيلار دي شاردان Pierre Teilhard de CHARDIN
بيير تيلار دي شاردان Pierre Teilhard de CHARDIN
جاي جولد
جاي جولد

طبعاً هنا أيضاً لابد أن أُشير إلى قضية التزييف Cheating أو الغش العلمي الذي حصل من بعض عشاق التطور، ولذا خصوم التطور يقفون طويلاً مع هذه القضية، وهى قضية إنسان بلتداون Piltdown Man، فيقولون “انظروا إلى ما جرى، فالتطور نظرية فارغة، وهم ليس لديهم أي توسطيات وإنما يكذبون على الناس، فذهبوا وزيَّفوا جمجمة زعموا أنها تعود إلى إنسان قديم، وفي الحقيقة هى نوع من التركيب والتزييف” علماً بأنني سأتحدث عنها بالتفصيل في النقد، لكن على كل حال هى معروفة بحفرية إنسان بلتداون Piltdown Man، وبعد أربعين سنة تقريباً أو أقل من ذلك اكتُشِفَ الغش واكتُشِفَ أن أحد العلماء التطوريين هو الذي قام بهذا الغش العلمي يُدعى ريتشاردسون Richardson في المشهور، وهو عالم باليونتولوجي Paleontology – أي عالم إحاثة – ودارس الحفريات وما إلى ذلك، لكنه كان عالماً هاوياً في اليونتولوجي Paleontology وليس مُتخصِصاً، وعالم التطور الشهير ستيفن جاي جولد Stephen Jay Gould – هو صاحب النظرية النُقطية في التطور التي سنعرضها أيضاً عند نقد التطور لكن هو تطوري كبير عنده نظرية خاصة طبعاً وهى ليست النظرية التدرجية، علماً بأنه تُوفى قبل سنوات – يرى أن الذي فعل هذا هو دي شاردان de CHARDIN، أي الفيلسوف اللاهوتي اليسوعي الكبير بيير تيلار دي شاردان Pierre Teilhard de CHARDIN، وعلى كل حال أياً كان من فعل هذا لا يجوز لخصوم التطور أن يُطيلوا الوقفة عند هذه الفضيحة العلمية – كانت قضية بلتداون Piltdown فضيحة حقيقةً – لكي يُشكِكوا في كل المُتاح من الأدلة بالذات الأحفورية على نظرية التطور، فهذا غير صحيح ولا يُمكِن أن يُقبَل، فمثلاً بهذا المعيار يكفي أن نُثبِت أن كذّاباً واحداً كذب حديثاً على رسول الله حتى نُشكِك في كل السُنة النبوية، لكن هل يجوز هذا؟ هذا غير معقول، فهناك رجل كان مهووساً بالتطور للأسف وأراد أن ينصره حتى بالغش فقام بهذه العملية غير المشروعة وغير الحميدة للأسف، وكانت عملية فاضحة، واكتُشِفَ شانه وانتهينا من هذا، ومع ذلك نقف دائماً ونقول بلتداون Piltdown، كأن هذه النظرية مُركَبة على الكذب، وكأن العلماء- وهم بعشرات الألوف إن لم يكونوا بمئات الألوف – الذين يُناصِرونها وينصرونها كلهم غشاشون ويكذبون علينا لمصلحة مُعينة، على كل حال المهجوسون بهاجس المُؤامَرة – سواء من المسيحيين أو اليهود أو المُسلمين –   لديهم هذه الطريقة وهذا النمط من التفكير، وعادي أن يقبل عقل الواحد فيهم – للأسف الشديد – أن كل هؤلاء – من عشرات ألوف العلماء – من المُتآمِرين والضالعين في مُؤامَرة كونية لضرب العقيدة في الله وضرب النبوات وضرب المُألِه، وهذا غير معقول، فغير معقول أن يكون العلماء أسخف الخلق إلى هذه الدرجة، ولكن أنا أقول لكم أن في الجُملة العلماء هم أنزه الناس، وأنا لست مُعتصِباً للعلم – أنا لست علموياً – ولكنني أقول لك بحسب دراستي أن أكثر الناس نزاهة تقريباً في الجملة هم العلماء الذين يشتغلون في مجال العلم، فهم أنزه من رجال الدين وأنزه من الأدباء ومن الشعراء وأنزه من الساسة طبعاً بنسبة مليون في المائة، فعندما تدرس تاريخ رجال الدين وتاريخ رجال الفكر السياسي وتاريخ العلماء في المُؤسَسات العلمية سوف تجد أن الأقرب إلى النزاهة والدقة واحترام الحقائق هم العلماء، وطبعاً هذا ليس معناه أن بعض العلماء لا يكون غشاشاً، يُوجَد طبعاً الكثير منهم، وستجد أمثلة لعشرات ومئات العلماء الذين يغشون لكن من بين ملايين العلماء، وستجد طبعاً ألوف الحالات المُعجِبة والمُثيرة جداً على النزاهة العلمية، وكأن العالم يتعبد في محراب العلم، وكأن هذه عبادة حقيقية ولذا هو يخشى العلم حق حق خشيته، فلا يُريد أن ينسب إليه أي شيئ غير مُبرهَن وغير دقيق، وعموماً العلماء والعلم مُؤسَسة نزيهة ومُحكَمة، وليس شرطاً أن تكون هذه النزاهة مُعلَلة أخلاقياً، أي لأنهم أخلاقياً وأحسن من غيرهم، هذا غير صحيح، ولكن طبيعة علانية النشاط العلمي – وهذه طبيعة العلم وطبيعة الاشتغال العلمي – تُرغِم العلماء على أن يكونوا أيضاً نزيهين بعيداً عن مسألة القيم والأخلاقيات العلمية أيضاً، فلماذا إذن؟ لأنك حين تنشر بحثاً – كما قلت في حلقة سابقة – لن يكون لهذا البحث أي قيمة حتى يُنشَر في مجلة مُحكَّمة، فيمر عليها التحكيم ثم يُعمَم ويقرأه كل مَن شاء في القارات الخمس، وأي عالم مُتخصِص لديه وجهة نظر نقدية في هذا البحث وفي هذه الورقة وفي هذا العمل العلمي سوف يتقدم بها مُباشَرةً، فلك أن تتخيَّل ضرورة أن تعرض عقلك وتجربتك وعلمك على أدمغة وعقول مئات ألوف المُتخصِصين في هذا الحقل، فإذا أُعطيت الفيزا Visa وقيل لك صحيح أو إلى الآن هذا صحيح سوف يكون هذا عملاً قوياً جداً جداً، ولن يكون من السهل التشكيك فيه، فهذه هى طبيعة العمل العلمي، وبالتالي لا نُريد أن نقف طويلاً عند فضيحة إنسان بلتداون Piltdown فنُبديء ونُعيد ونُكرِر مثلما يفعل كثيرون من المُسلمين الذين يكتبون ضد التطور، فهم دائماً ما يتكلَّمون عن بلتداون Piltdown ويقفون عندها، والقضية لا تقف عند بلتداون Piltdown وينتهى كل شيئ، فهذه فضيحة وانتهت وذهبت إلى حال سبيلها.

من الأخطاء الفاضحة التي جرت وسبقت الإشارة إليها أن يأتيك مَن يقول لك وهو يتحدث عن الحلقات المُتوسِطة وعن الحلقات المفقودة: إذا كان التطور صحيحاً فلماذا لا نرى – مثلاً نفترض – ما يُسمى بالضفدع القرد؟ وهو كائن بين الضفدع وبين القرد، يُسمونه بالإنجليزية فرونكي Fronky، وهى كلمة مأخوذة من الـ Frog ومن الـ Monkey، فهم يقولون لماذا لا نرى الفرونكي Fronky؟ والفرونكي Fronky هو ضفدع قرد (ضفدع قرد)، وهذا شيئ عجيب، وكذلك الحال مع كروكوداك Crocoduck، فكروكوداك Crocoduck تعني تمساحبطة (تمساح بطة)، فلماذا لا نرى تمساحبطة؟ علماً بأن كلمة تمساحبطة أو كلمة تمسابطة – وهى الأحسن – تُكتَب بالعربية مُتصِلة طبعاً، وعلى كل حال هو يقول لك هذا نقد، فلماذا لا نرى هذا إذا كان يُوجَد التطور؟ ونحن نقول له ومَن قال مِن علماء التطور أن الأنواع الحديثة تطور بعضها مِن بعض أصلاً؟ هذا سوء فهم بالغ وفاضح للنظرية، فمَن قال لك أن الأنواع الحديثة يتطور بعضها مِن بعض حتى وإن كانت من عائلة واحدة ومن رتبة واحدة؟ فنأخذ – مثلاً – الرئيسيات Primates، كالإنسان والأورانجوتان Orangutan والغوريلا Gorilla والشامبنزي Chimpanzee وكل هذه الرئيسيات مثلاً، فمَن قال لك أن الإنسان تطور من الشامبنزي Chimpanzee أو أن الشامبنزي Chimpanzee تطور من غوريلا Gorilla أو أن الغوريلا Gorilla   تطورت من الأورانجوتان Orangutan؟ هذا غير صحيح بالمرة، وهناك قاعدة في التطور تقول إياك أن تُسدِد نقداً للتطور على أساس أن الأنواع العائشة الحديثة تطور بعضها من بعض، فتبدأ تسأل – كما قلنا لكم – عن إنسان قرد أو قرد إنسان أو ضفدع إنسان أو تمساحبطة (تمساح بطة) وإلى آخره، فهذا عبط ليس له علاقة بالعلم بالمرة، لكن هذا أصبح مكشوفاً على أنهم يقعون فيه بين الفينة والأخرى إلى اليوم، فترى في التلفزيون Television برامج وثائقية وتجد رجل دين كبير مسيحي يقول مثل هذا الهبل، أو تجد عالماً مسلماً كبيراً يقول الكلام الفارغ هذا، وهذه فضيحة لأن هذا يعني أنه لم يفهم الـ ABC الخاصة بالتطور وأنه لم يقرأ صفحة واحدة في نظرية التطور، فصفحة واحدة لو قرأها لما سدَّد مثل هذا النقد الأبله.

ريتشارد دوكنز Richard Dawkins
ريتشارد دوكنز Richard Dawkins

مازال هناك شيئ أعقد من هذا، وفي الحقيقة هو سيعتمد على التطور الكبير ريتشارد دوكنز Richard Dawkins لأنه نبه على هذا بشكل جميل ومُنظَم، فبعض الناس استلهاماً لما كان يُعرَف بسلسلة الوجود الكُبرى Great Chain of Being – هكذا كانت تُسمى في أوروبا في العصور الوسطى، وكانت عند المسلمين موجودة أيضاً، فهى عند إخوان الصّفاء وعند الجاحظ وعند ابن خلدون وغيرهم وتُعرَف بسلسلة الوجود، ووهى سلسلة هرمية أو هيراركية هرمية للمخلوقات – ظن أن الاعتقاد بسلسلة الوجود العُظمى أو الكُبرى يُفسِّر التطور ويتقاطع معه مُباشَرةً، وهذا غير صحيح، بالعكس الاعتقاد بهذه النظرية السلسلية أو النظرية السُلَّمية للمخلوقات لا يُعين على فهم التطور بل يوجد إشكالات كثيرة والتباسات جديدة، فتبدأ تجد نفسك بردو لا تفهم التطور بسبب أنك تعتقد بالنظرية السُلَّمية للمخلوقات، لكن ما معنى هذه النظرية السُلَّمية؟ نظرية السلسلة العُظمى تًصوِّر كل المخلوقات على أنها مُتموضِعة على سُلَّم كوني أو سُلَّم وجودي، وفي أسفل درج أو درجات هذا السُلَّم تُوجَد الكائنات البسيطة،وقد أخذنا مثلاً على الكائنات الحية، حيث تُوجَد الكائنات الوحيدة – البروتوزوا Protozoa مثلاً، وفي أعلى السُلَّم على الإطلاق يقعد ابن آدم، أي الإنسان، ثم بعد ذلك تتوزع المخلوقات بحسب بدائيتها وبساطتها وتعقدها، فهى سلسلة من تحت إلى فوق، وهذا التفكير السُلَّمي أو المُتسلسِل يُشوِّش كثيراً ويُوجِب اشتباهات عظيمة على فهم موضوع التطور والحلقات والعلاقة بين الأنواع التي نشأ بعضها من بعض أيضاً، وسوف نفهم كيف هذا طبعاً، فمثلاً سيُقال لك بحسب النظرية السُلَمية لدينا ديدان الأرض – Earthworms – أو دود الأرض، ولدينا الرئيسيات التي سنأخذ منها – مثلاً – القردة، فإذن بحسب هذه النظرية لابد أن تكون القردة – وهى أكثر رقياً وأكثر تعقداً وأكثر تطوراً من دود الأرض – تطورت من دود الأرض، وهذا تطورياً هذا غير صحيح، فهذا ليس شرط اًعلى الإطلاق، واستعيدوا معنا المجاز – Metaphor – الشهير والتشبيه الشهير وهو تشبيه شجرة الحياة، فهناك جذع واحد ثم بعد ذلك يتفرع، ومن الفرع تتفرع فروع وهلم جرا، وهذا يُمكِّنك ويُقرِّبك من فهم التطور أكثر بكثير من تضليل مجاز السُلَّم، ففي السُلَّم لازم دائماً الذي يقتعد درجة أعلى أن يكون تطور من الدرجة الأدنى وهكذا، فتكون هذه الدودة هذه في نهاية المطاف جداً بعيداً وسلفاً بعيدا جداً للإنسان والقردة مثلاً، وهذا غير صحيح بالمرة، وهذا هو أول اشتباه يحصل الآن، و هناك نفس الخطأ يتكرَّر ثانية، حيث يُقال أن القرد تطور من دودة الأرض كالقول الإنسان تطور من الشامبنزي Chimpanzee، وهذا غير صحيح بالمرة، ونحن رأينا أن هذا بله، فهو غير صحيح على الإطلاق، وهذا كان أولاً.

ثانياً قد يُقال أن السلف المُشترَك للقردة ولدود الأرض كان يُشبِه دود الأرض أكثر من شبهه للقردة، وطبعاً واضح أن هذا مُؤسَس على الفهم الخاطيء في الاشتباه الأول، لكن اعتباطاً سنغض الطرف عنه، وسوف نرى أن هذا الكلام – كما لاحظ دوكنز Dawkins – فيه أكثر قدر من المعقولية من الكلام الأول، فهو في أكثر قدر من المعقولية مما في الاعتراض الأول، لكن أيضاً الكلام لا ينتهي هنا، فهناك مشاكل كثيرة، فأول نُقطة هى كيف عرفت أن السلف المُشترك -Common Ancestor – لابد أن يكون أشبه بدود الأرض منه بالـ Chimp أو الشامبنزي Chimpanzee مثلاً؟ كيف عرفت هذا وعلى أي أساس؟ ما هو المعيار الذي عندك؟ المعيار الذي عندك هو معيار البدائية، لكن كيف هذا؟ بما أننا نعود إلى الماضي البعيد فالكائنات تُصبِح بدائية أكثر زترتد بدائيةً أكثر، وإذا ارتدت بدائيةً أكثر كان الأقرب منها إلى الأجداد البعيدة أشبه بها، فدود الأرض بداية أكثر من القرد طبعاً، فلابد أن يكون دود الأرض أشبه بالسلف المُشترَك البعيد للاثنين، أي للقرد ودود الأرض، وهذا الكلام أنت ترى أنه يحتوي على شيئ من المعقولية، لكن إذا أخذته كمعيار وطبقته هكذا بشكل مُطلَق   سوف تقع في أخطاء جمة، لكن لماذا إذن؟ حين عرضنا للنظرية التركيبية المُعاصِرة وهى النُسخة المُعدَّلة من الداروينية الحديثة أو الجديدة Neo-Darwinism وذكرناها طبعاً في عشر نقاط ذكرنا – كما قلت لكم – أن التطور لا يسير بوتيرة واحدة، وقد أحضرنا الأمثلة على هذا، ولكن الأهم من هذا أيضاً أو مثله في الأهمية هو أن التطور في إطار حتى النوع الواحد لا يسير بوتيرة واحدة في النوع نفسه، بمعنى أنك قد تجد كائناً تطور بشكل دراماتيكي من رأسه إلى بداية الجذع لكنه ظل أشبه بالبدائي من جذعه إلى أرجله، فهذا موجود طبعاً، وقد تجد كائناً آخراً تطور جهازه العصبي بشكل مُمتاز، فيما بقيَ جهازه التناسلي – مثلاً – بدائياً، وهذا موجود أيضاً، فأنت تراه في المخلوقات الآن، لأن هناك مخلوقات أكثر بدائية من الإنسان أو أقل ترقياً في اعتقادنا ولكنها تمتلك مثلاً حواساً وأعضاءً أكثر تركباً وتعقيداً من الإنسان، وهذا أمر معروف لا كلام فيه، وهذا يحدث في التطور إذن، فمقياس البدائي وحتى البسيط -Primitive And Simple Standard – بمعنى أن هذا كان بدائياً وهذا كان بسيطاً وأن البسيط يُقابِل المُعقَّد كلها مقاييس غير دقيقة ولا تشتغل بشكل واضح، فمن الخير أيضاً أن نضرب عنها وألا نقع، لكن كيف هذا مثلاً؟ أنت الآن تعتقد أن البدائي – الذي هو أقرب إلى السلف المُشترَك – يُعادِل البسيط، فهل هذا صحيح؟ ليس دائماً أو ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً، بدليل أن الحصان عنده حافر، وحافره هذا كأنه أصبع واحدة، والإنسان لديه، فالمفروض وفق هذا المعيار أن يكون الإنسان أكثر تطوراً من الحصان وأكثر رقياً، وفي الحقيقة هو أكثر بدائية، لكن لماذا؟ لأن الأسلاف المُشترَكة للإنسان والحصان كان لديها أصابع خمسة، وهذا يعني هنا أن الحصان قد تطور أكثر ودمج الخمسة في واحد بهذه الطريقة، فليس بالضرورة أن البدائي – Primitive – هو البسيط – Simple – وغير المُعقَّد، فهذا الحصان الآن بسيط، رجله بسيطة وحافره بسيطة، ولكنه ليس أقرب إلى الشكل البدائي، بل الإنسان هو الأقرب إلى الشكل البدائي، فالخمسة أصابع موجودة في الأسلاف المُشترِكة كما سوف نرى في الحلقات المُقبِلة إن شاء الله، الأسلاف المُشترِكة كان لديها أصول هذه الخمسة، وطبعاً في أحيان كثيرة يكون هناك أكثر من هذه الخمسة، فوجب التنبيه على هذه الأشياء كلها!

سيُقال لك أن القرود – مثلاً – أمهر – أكثر مهارة Cleverer – من دود الأرض مثلاً، فهل هذا صحيح؟ القرود أكثر مهارة من ديدان الأرض أو أبرع منها أو لديها جينومات – جمع جينوم Genome كما تعرفون، والجينوم Genome هو الحقيبة الوراثية الكاملة – أوسع – Larger – وأشمل من دود الأرض، فجسمها وخطة الجسم وهيكل الجسم أكثر تعقيداً من دود الأرض، وبحسب النظرية السُلُّمية دود الأرض تحت والرئيسيات فوق، فإذن هى أمهر وهى أبرع وجينوماتها – Genomes – أوسع وجسمها أكثر تعقيداً مثلاً، وتستطيع أن تأتي بخامس وسادس وسابع من مثل هذه المعايير، وكلها لا تشتغل دائماً بشكل سليم أيضاً، فهذا كله خطأ، هذه كلها اشتباهات أوحى بها مجاز – Metaphor – السُلُّم، فيُظَن أن كلما صعدت لفوق كان الكائن أعلى، فهذا غير صحيح بالمرة، لكن مجاز شجرة الحياة – Life Tree – لا يُوقِعك في هذه المطبات، فكيف هذا؟

مثلاً وفق الحقائق التطورية الثابتة الآن – علماً بأنني سأضرب لكم مثلاً – يجب أن يكون الكائن الذي يعتلي درجة على السُلُّم أعلى في كل ما ذكرنا، فيكون أمهر وأبرع وجينومه – Genome – أوسع وإلى آخره، لكن هذا لا يحدث، إذن هذا السُلُّم خاطيء ويُوحي بأشياء خاطئة، فهذا لا يحصل وسوف نأتي بمثال بسيط جداً على هذا الجينوم Genome الأوسع، فالسلمندر Salamander – مثلاً – هو كائن برمائي مشهور جداً، ومن الواضح طبعاً أن السلمندر Salamander كان قبل الإنسان، فهو أقدم من الإنسان بملايين السنين، إذن هو بدائي أكثر من الإنسان، وهو يقع على درجة من السُلُّم أوطأ وأنزل من التي يقتعدها الإنسان، فإذن لابد أن يكون جينومه – Genome أقل من جينوم Genome الإنسان، لكن هذا غير صحيح، فالسلمندر Salamander تقريباً – أي أنواع من السلمندر Salamander – أوسع الجينومات Genomes، فلو سألك أحدهم مَن أوسع الحيوانات جينوماً Genome؟ لا تقل له الإنسان أو الرئيسيات أو دود الأرض لأنها ليست كذلك وإنما قل له السلمندر Salamander، لأن السلمندر Salamander جينومه Genome أوسع من جينوم Genome البشر لثلاثين مرة – أي ثلاثون ضعفاً – وهذا شيئ عجيب، ومن ثم قد يقول لي أحدكم أن هذا معناه أن السلمندر Salamander لابد أن يكون فعلاً كائناً مُعقَّداً جداً في تركيبه وهيكليته ووظائف أعضائه لأنه ثلاثون ضعفاً لجينوم Genome البشر، ونحن جينومنا – Genome تقريباً في المُتوسِط عموماً ثلاثون ألف جين Gene، وهناك مَن قال أربعة وعشرون ألف، فبعضهم يُحاوِل أن يُحدِّد الموضوع، لكن لا تُوجَد أي تحديدات نهائية، وهو تقريباً لا يزيد عن ثلاثين ألف جين Gene، وطبعاً قبل أن يكتمل مشروع الجينوم البشري كان يُعتقَد أنه قريب من مائة ألف جين Gene، فصُدِمَ العلماء وكانت صدمة كُبرى، علماً بأننا سنعرض لها في حلقات أيضاً مُقبِلة لكن لها علاقة بالتطور، فما معنى أن جينوم Genome الإنسان ثلاثون ألف جين Gene فقط؟ ثلاثون ألف جين Gene يُمكِن أن تُحدِد كل ما يتعلق بالإنسان، أليست قدراً بسيطاً جداً هذه؟ هل هذه قليلة؟هذه مسألة ثانية، وعلى كل حال لك أن تتخيَّل هذا وأن تضرب في ثلاثين، فطبعاً هذا قريب من المليون، أي من المفروض أن يكون تسعمائة ألف جيناً Gene، لكن البروتينات Proteins التي تبنيها خلايا السلمندر Salamander أقل بكثير من البروتينات Proteins التي يبنيها الإنسان، لكن ما هى أهمية الجين Gene أصلاً ؟ صناعة البروتينات Proteins طبعاً، فهذه هى القصة كلها، فنحن عندنا الحقيبة البروتينية وعندنا أيضاً الحقيبة الجينية، وحقيبة الإنسان البروتينية هى أوسع بكثير طبعاً من حقيبته الجينية، فبعض الجينات Genes تُشفِّر البروتينات Proteins أحياناً بنسبة عشرين أو ثلاثين أو مائة أو أكثر من هذا بكثير أيضاً، لكن السلمندر Salamander عنده بروتينات Proteins قليلة، فهى أقل بكثير من الإنسان بكثير وبمراحل، لكنما معنى هذا؟ معنى هذا أن أكثر الـ DNA عند السلمندر Salamander غير مُشفِّر، لا يُشفِّر، أي أنه “فاضي أشغال” كما يُقال بالعامية، فهو يقوم باستعراض فارغ ومن ثم هو منفوش على الفارغ، فهو لا يُشفِّر البروتينات Proteins، وهذا مثال موحٍ ومُهِم جداً لأنه يُثبِت لنا أن مثل هذه المعايير مُضلِلة، فغير صحيح أنك إذا كنت في درجة من درجات السُلَّم أعلى أنك ستكون الأعلى في كل شيئ، هذا غير صحيح بالمرة، فأنت في درجة أعلى ومُمكِن الآن بحسب التطور أن تكون أعلى في جهة مُعينة وأنزل في جهات مُعينة، إذن لا ينفع معنا مجاز – Metaphor – السُلَّم، هذا لا ينفع نهائياً، فهذا كله انتهى وأصبح كلاماً فارغاً، فلا يُمكِن أن تُحدِّثني عن السُلَّم، فهى ليست سُلَّماً وإنما هى شجرة حياة، وتفرع هذه الشجرة إلى الآن يقبل بالمُصادَقة على مثل هذه المفاهيم، فهذا فرع في الأسفل وهذا فرع آخر يُوجَد في الأعلى، والفرع الأعلى ليس شرطاً أن يكون أكثر تطوراً في كل شيئ من الفرع الموجود هنا في الأسفل، هذا ليس شرطاً بالمرة، فمن المُمكِن أن يكون مُتطوِراً في أشياء أكثر وفي أشياء أُخرى يكون أقل، وهذا مقبول هنا، لكن في السُلَّم يُصبِح هذا مُضلِلاً وأمراً غير مقبول، فمست الحاجة إلى أن نُشير إلى هذه الأشياء كلها.

أخيراً سيُقال لنا أن الكائنات الأكثر رقياً – في درجات أعلى من السُلَّم – أقدر على البقاء من الكائنات الأدنى، وطبعاً مثل هذا الاعتراض تقريباً لا يخلو كتاب ينتقد التطور – أي من غير الفاهمين للتطور – إلا ويورِده، فهم يقولون لك “لو كان التطور نظرية صحيحة لماذا إلى اليوم لا تزال تعيش الكائنات البسيطة وديدان الأرض والكائنات الضعيفة؟ فهى كلها تعيش ولا تفنى ولا تنقرض، والتطور يقول ببقاء الأصلح”، وقد أجبنا عن هذا من قبل، فهذا لا علاقة له بالتطور، نعم التطور يُقرِّر هذا ويقول هذا يبقى وهذا يبقى ولكن معيار الأصلحية شيئ مُختلِف عما يظن هؤلاء، وعلينا أن ننتبه إلى أن حتى اللياقة بالبقاء ليس لها علاقة بهذه النظرية السُلَّمية، فأنت مُمكِن تكون أعلى ولست أليق بالبقاء، بدليل أن الصراصير والـجُرْذَان – مثلاً – تزدهر الآن، فهى تزدهر وهى غير مُهدَدة بالمرة وغير موضوعة على قائمة المُنقرِضات أو المُهدَدة بالانقراض، ولك أن تتخيَّل هذا، فهذه الصراصير وهذه الـجُرْذَان – Rats – مُستبعَدة وبعيدة تماماً، ولكن موضوع على قائمة الكائنات المُهدَدة بالانقراض وشيكاً جداً الغوريلا Gorilla والأورانجوتان Orangutan، ولك أن تتخيَّل هذا، فيا للخسارة، هذه الحيوانات موضوعة حقاً على هذه القائمة، لكن مَن الأكثر تطوراً: الصراصير والـجُرْذَان أم الغوريلا Gorilla والأورانجوتان Orangutan؟ الرئيسيات !طبعاً كالغوريلا Gorilla والأورانجوتان Orangutan، ولكنها ليست أليق بالبقاء، فهذه المسكينة غير قادرة على أن تبقى مع أنها أكثر تطوراً .

قرد التمارين الذهبي Golden Tamarin Monkey
قرد التمارين الذهبي Golden Tamarin Monkey

قرد التمارين الذهبي Golden Tamarin Monkey مُهدَد بالانقراض، وهو قرد مُتطوِر وذكي وجميل ولكنه مُهدَد بالانقراض، وهناك – كما ذكرنا في خُطبة سابقة أيضاً – فهود كثيرة مُهدَدة بالانقراض، ففهود التشيتاه Cheetah مُهدَدة بالانقراض، ونمر فلوريدا Florida مُهدَد بالانقراض، وطبعاً عندنا ألوف الأنواع الراقية وُالمتطوِرة والتي انقرضت في القرن العشرين، فالقرن العشرون وهذا القرن أيضاً من القرون التي شهدت انقراضاً وستشهد انقراضات واسعة جداً، نعم هى ليست انقراضات جماعية – Mass Extinction – ولكنها واسعة جداً ومُقلِقة وفي نفس الوقت تشهد تطوراً سريعاً للأنواع، فهناك تطور سريع أيضاً، أي يُوجَد تطور سريع وانقراض سريع، وبالتالي كل هذه الالتباسات لابد أن نتحاشاها ونتجنبها، والتي هى للأسف من وحي تشبيه السُلَّم والسلسلة العُظمى للوجود Great Chain of Being، فلابد أن نبتعد عن هذا حتى نبقى دائماً – كما قلت لكم – مع فهم سديد وصحيح للنظرية.
طيب !
الآن سأعرض عليكم اسكيمة – Scheme – سريعة لتطور الكائنات، ثم بعد ذلك نبدأ نتحدث بشيئ من التفصيل، فأول الكائنات الحية التي نشأت على هذا الكوكب الأزرق الجميل كانت البكتيريا – البكتيريا كائن وحيد، أي عندها خيلة وحيدة مُمثِلة للضوء – التي كانت لديها القدرة على التمثيل الضوئي، وهذه وُجِدَت في طبقات رسوبية ترقى في الماضي البعيد إلى ثلاثة ونصف مليار سنة، معناها أنها تقريباً أول الكائنات الحية – وهى البكتيريا الوحيدة المُمثِلة للضوء – التي نشأت بعد وجود الكوكب – كوكب الأرض – بمليار سنة، فاحذف أول مليار سنة لأن هذه لم ينشأ فيها شيئ – الأرض لم تشهد أي صورة من صور الحياة لمليار سنة – وانظر إلى ما بعد مليار سنة، أي قبل ثلاثة ونصف مليار من الآن، علماً بأن عمر الأرض تقريباً من أربعة ونصف مليار سنة إلى خمسة ملايير، لوجود اختلاف بين العلماء، فبعضهم يقول أربعة ونصف وبعضهم يقول أربعة وستة من عشرة وبعضهم يقول أربعة وسبعة من عشرة وبعضهم يقول أربعة وثمانية من عشرة وهكذا إلى أن نصل إلى العدد خمسة، فهناك اختلاف إلى الآن ولذلك هذا غير دقيق بنسبة مائة في المائة، وعلى كل حال هناك مسألة مُهِمة – أيضاً هذه المسألة سامحوني فيها لأنني لن أخوض فيها وذلك لأنها ستأخذ مننا حلقات كثيرة، فمن المُمكِن أن تأخذ سبع أو ثمان حلقات، فهى سوف تكون مُفيدة لكن ليس لها علاقة مُباشِرة بالنظرية أيضاً -،وهى مسألة كيف يتم تقدير الأشياء، لأن من ضمن الأشياء التي يُشوِّش بها أيضاً أهل الأديان – المسيحيون واليهود والمسلمون – أنهم يقولون “كيف تعرفون هذا؟ أنتم تتحدَّثون عن مليارات ومئات ملايين السنين، فكيف يعرف العلماء هذا؟ هذا كلام فارغ” وهذا غير صحيح، فهناك مقاييس علمية دقيقة جداً، وطبعاً هناك هامش للخطأ، وكلما تطاولت المُدة الزمنية يتسع طبعاً الهامش، فسوف تجد الفرق أحياناً بالملايين وبعشرات الملايين، وكلما تضيقت المُدة الزمنية يكون هامش الخطأ أقل، لكن عموماً هناك وسائل علمية دقيقة لتقدير الأعمار، وطبعاً أنتم تعرفون – مثلاً – ما يُعرَف بحلقات الأشجار، فهذا أسلوب مُعقَّد طبعاً، وليس شرطاً أن نُقدِّر به – مثلاً – عمر شجرة بمائة أو مائتين أو حتى ألف سنة، وإنما يُمكِن إلى بضعة آلاف من السنين بحلقات الأشجار، فهناك طريقة مُعينة وتقنية علمية لذلك، ولن نشرحها لأنها سوف تأخذ وقتاً، ويُوجَد عندنا الكربون Carbon أيضاً، وبالذات الكربون 14 ((Carbon-14 بالذات وأنواع أخرى من الكربون Carbon طبعاً، وعندنا الساعات الإشعاعية المُختلِفة، فهناك وسائل علمية دقيقة، وهى تزداد دقةً باستمرار، ولا يُشكِك فيها للإسف إلا المُتعصِبون من رجال الدين، لأن هذه الوسائل كلها بالذات هى التي تُثبِت أن الأرض لها عمر ليس بعشرات الآلاف من السنين ولا حتى بعشرات الملايين بل بألوف ملايين السنين، ونحن رأينا الآن أن الخلاف في حدود خمسمائة مليون سنة، أي بين أربعة ونصف مليار إلى خمسة مليار، فيُوجَد عندنا خمسمائة مليون سنة فيها خلاف، فهذا هو عمر الأرض بحسب التقنيات والآليات العلمية لتقدير أعمار هذه الأشياء، وهذا لا مجال للكلام فيه حتى ولو كانو يُشكِّكون فيها، وعلى كل حال سوف نترك هذا، فهذه الأشياء – كما قلت – لن نخوض فيها كسباً للوقت، وهى موجودة خاصة في الجيولوجيا Geology، فهناك فصول دائماً خاصة في الكتب الجامعية الرسمية تتحدث عنها بطريقة علمية دقيقة وعن تطور تقدير الأعمار الكائنات والأشياء بهذه الوسائل المُختلِفة وتحكي كيف تطور الأمر.

إذن قبل ثلاثة ونصف مليار سنة نشأت أول الكائنات الحية، وبعد ذلك بملياري سنة ظلت وحدها مُستعمِرةً الأرض، أي إلى قبل واحد ونصف مليار سنة – ثلاثة ونصف مليار سنة نطرح منها اثنين مليار سنة فيكون الناتج هو مليار ونصف سنة – طبعاً، فلم يكن على الأرض إلا هذا الكائن الوحيد فقط وهو البكتيريا، وبعد ذلك باثنين مليار سنة – أي قبل واحد ونصف مليار سنة – بدأ ظهور حقيقيات النَّوَى – جمع نواة – لدينا، وحقيقيات النَّوَى هى أيضاً كائنات وحيدة لكن لها جينوم Genome ولها كروموسومات Chromosomes – صبغيات -موجودة في النواة ضمن غشاء، فهذه تُسمى في علم الأحياء بحقيقية النواة، إذن قبل واحد ونصف مليار سنة بدأ ظهور أو نشوء أو بروز حقيقيات النَّوَى، وسوف نظل الآن مع حقيقية النواة، فقبل ستمائة مليون سنة – سوف نطرح تسعمائة مليون سنة من مليار ونصف وبالتالي سيكون الناتج ستمائة مليون سنة
طبعاً – ستنشأ لدينا سلسلة كاملة من الكائنات البسيطة نسبياً، لكنها سلسلة كاملة، وهذه الكائنات بسيطة لكنها ليست وحيدة الخلية الآن، وإنما عديدة الخلايا Multi Celled Organisms – كلمة Multi Celled تعني عديدة الخلايا وليست وحيدة الخلايا – مثل الديدان – Worms – وقناديل البحر والإسفنج، فكل هذه الكائنات نشأت قبل ستمائة مليون سنة ولا تزال تتعايش وتعيش معنا على ظهر الكوكب إلى اليوم، أي أنها موجودة الآن طبعاً، فالديدان موجودة والإسفنج – Sponge – موجود وقناديل البحر – Jellyfish – موجودة أيضاً، وهذه نشأت قبل ستمائة مليون سنة وهى كائنات بسيطة بلا شك – واضح أنها بسيطة – لكنها مُتعدِدة الخلايا.

للأسف أدركنا الوقت، نُكمِل – إن شاء الله – معكم في الحلقة المُقبِلة، فإلى أن ألقاكم أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

(تمت المُحاضَرة بحمد الله)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: