سلمان بونعمان كاتب مغربي وباحث في العلوم السياسية والاجتماعية
سلمان بونعمان
كاتب مغربي وباحث في العلوم السياسية والاجتماعية

يحتاج المتتبع لمنهج القرآن الكريم إلى وقفة تأمل خاصة حول طبيعة حضور الصحابة رضوان الله عليهم في الخطاب القرآني، إذ يعالج سلوك الصفوة الأولى والجيل القرآني الفريد من منظور نقدي تربوي سنني دال يحتاج إلى التدبر والتفكر. والسؤال المطروح: هل نلاحظ في القرآن الكريم خطاب التقديس والدعاية والتضخيم أم خطاب النقد الذاتي والتنسيب البشري لسلوك الصحابة رضي الله عنهم؟

يميل العقل المسلم المتخلف الذي يعاني من رواسب عصر الانحطاط إلى تلميع أسطوري يصل حد الخرافية لصورة الجيل الأول رضوان الله عليهم، وإضفاء هالة من التقديس والملائكية بوهم أنه الجيل النموذج المعصوم، لكن القرآن الكريم يقول مخاطبا هذا الجيل: “وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ”[الأنفال/7]. ويقول عز وجل:”كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ”[البقرة/216] ويقول دون مواربة:” وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ”[التوبة/25].

ويتوقف القرآن عند الأخطاء التي وقع فيه المسلمون في غزوة أحد، قائلا: “أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ”[آل عمران/165]، بل تجنب القرآن الحديث عن العوامل الخارجية مركزا بشكل أساسي على العامل الذاتي حين قال: ” قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ” [آل عمران-165].

لقد كان علاج صدمة أحد، كما بينه الله عز وجل ووضحته الآيات، بالدعوة إلى إدراك القوانين التاريخية والكونية وبناء الوعي السنني:” قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌۭ فَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ”[آل عمران-137]، بموجب نظرة شمولية منهجية استنباطية، تنسجم وقوانين العقل التي أكرمنا الله بها.
ويستمر القرآن الكريم في ذلك بقوله: “مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ”[النساء/79]. ويقول:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ”[الأنفال/27].

كيف نفهم ترصد القرآن الكريم لأخطاء المسلمين حتى في الخلاف بين الزوجين عندما يقول: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ”[المجادلة/1]، وهو ذكر لخصام رجل أوحت إليه رعونته وقرب عهده بالجاهلية أن يقول لزوجته “أنت حرام علي كظهر أمي”.

كيف نفهم ذكر القرآن الكريم للحظة ضعف عمار بن ياسر رضي الله عنه عندما عذبوه فذكر آلهتهم بخير وشتم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال تعالى:” وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”[آل عمران/152]

ولعل في هذا ردا منهجيا وتصوريا على منهج الركون إلى الجاهز أو الجمود الفكري العاجز عن الإبداع والتطوير، أو من يعتبر النقد الذاتي تنكرا وجحودا للمشروع الإصلاحي النهضوي ويشكك في أي توجيه أو نقد أو دعوة للتفكير في مراجعة أو تصحيح أو نصح للمشروع الإسلامي الحضاري، فهو في نظره يحقق الانتصارات وتواجهه تحديات خارجية كبيرة وطعنات في الظهر والرأس. ونقول لهذه العقلية كان أولى بالقرآن الكريم أن يمدح الجيل الأول وألا يذكر عيبا من عيوبه، لكن عظمة هذا الجيل تتمثل في كونه جيل بشري يخطئ ويضعف، لكن أداءه الرسالي والحضاري العام كان عظيما وفريدا ومميزا على كل المستويات، من الاستجابة للدين وتحمل أعباء الدعوة وبناء الدولة إلى الفتوحات والتضحيات.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: