إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأفاضل، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ۩ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ۩ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ۩ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ۩ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩

 

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

ضربُ الأمثال ليس يقتصر على سوق مأثور الحكم وفصيح الكلم من مثل الذي جمعه الأدباء المعنيون بهذا الأمر كالميداني والزمخشري، والقرآن الكريم العظيم حين يضربُ الأمثال يضربُ الأمثال بالمعنى الأوسع لها لا بالمعنى الذي ألمحت إليه للتو ، فيضربُ الأمثال في شكل الحكاية المُوجَزة وفي شكل قصة أقصر من القصيرة وفي شكل مشهد حياتي، وحين يضربُ الله – تبارك وتعالى – الأمثال فهذا بلا ريب وبلا تردد يلفتُ إلى أن لها دوراً بالغ التأثير في إنعاش الوعي واستفزازه، في إنعاش الوعي الإنساني واستفزازه في الإيقاظ، لأن الأمثال وظيفتها وظيفة إيقاظية، وهو ما يُسميه السادة العارفون بالله اللطمة، أي تُعطيك لطمة وتُعطيك صفعة تجعلك تخرج عن النمط أو ما يُعرَف بالتفكير النمطي الـ Pattern Thinking.

التفكير النمط هو تفكير قوالبي وتفكير جاهز ضمن حدود مرسومة سلفاً، وهذا أيسر بلا شك على الإنسان لأن الإنسان بطبعه يخضع للقصور الذاتي ليس في الحركة الآلية أو الميكانيكية فقط بل في حركة الذهن والوعي أيضاً، والعجيب أن الدماغ نفسه بحسب الأبحاث العصبية المُستجِدة يخضع أيضاً للقصور الذاتي في تعاطي مسألة مُعيَّنة والتدرب على أمر ما، وتأتي طريقة التعبير ضمن قوالب تعبيرية مُعيَّنة أو كما يُقال ضمن كليشيهات تعبيرية، وطبعاً أساتذة الكليشيهات العرب للأسف، ولذلك هم أساتذة أيضاً في السطحية، فتجد مَن يُردِّد – مثلاً – عبارة الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان، ومن هنا أكثر ما أُبغِض في المُناسَبات هذه الرسائل المُناسَبتية التي الآن طبعاً تُقتنَص وتُسرَق من النت – – Net ثم يجعل هذا وهذا يُشيِّرها – أي Share – إلى زملائه، هذا شيئ بغيض ولذلك لا أقرأها وأكرهها لأنها لا تحكي أي شيئ منك أو من تفكيرك أو من حدسك أو من عمقك أو من إحساسك أو من تجربتك الذاتية، لا تحكي شيئياً لأن كلها كليشيهات للأسف، وكانوا يُعلِّموننا التعبير في المدرسة بطريقة الكليشيهات وهذا شيئ عجيب، فهم كانو أساتذة في الفشل ولذلك نحن أبناء الفشل، نحن ثمار هذا الفشل للأسف الشديد، لأن الإنسان حين يُفكِّر بطريقة الكليشيهات تُحفَر في الدماغ مسارات – Paths – تُقيِّده بعد ذلك لأن هذا الذهن المسكين يصبح مأسوراً، على الرغم من أن هذا الذهن الفقير الضحل قد يكون واسعاً أحياناً بحكم الدراسة لأنه صاحبه المسكين حصل على ماجستير ودكتوراة وقضى ثلاثين سنة ولايزال في العمل العلمي والأكاديمي، فإذن هو فضاء واسع ولكن هو يتحرَّك فيه بعمق واحد ملي للأسف الشديد أيضاً، فحتى هذا لا يُسعِفه وشهاداته العُليا لن تُسعِفه.
فأنا وأنت وهى وغيرها من البشر ولذلك نحن نخضع للقصور الذاتي، نأخذ دائماً الطريق الأقصر والأسهل، وهذا يضرُ بوعينا وبإدراكنا بل ويُعمينا، فالذهن المأسور الضحل الفقير المسكين يخضع لتشريط لا يرحم، يخضع لتشريط غير رحيم وقاسٍ جداً بل وقاسٍ للغاية يجعله بعد ذلك مُغلَقاً على أنماط وعلى ما يُلقى إليه على الجاهز، ولذلك لا إبداع ولا عبقرية ولا إضافة، فقط نُراوِح في مكاننا بسبب هذا التشريط، وأنتم تعرفون اللغة التشريطية في علم السلوكية، فلا يُوجَد إلا الفقر الرهيب ليس فقط في التفكير والوعي وإنما في جُملة الشخصية، فتُصبِح الشخصية كلها فقيرة، فحتى مشاعرياً ووجدانياً تكون فقيرة، لأن بلا شك هناك جسر عريض وطويل بين المشاعر والأفكار، وبلا شك الإنسان لا يعيش مُفرَّقا، لا يعيش تفاريق وأجزاء وشذرات وهُتامات وإنما يعيش كلاً جميعاً، ولذلك تُصبِح الشخصية بمُجملها وعياً ووجداناً ومن ثم مسلكاً أو مسالك فقيرة وضحلة، فهذا هو بعض ما نُعاني منه وإن يكن ربما من أخطر – في رأس قائمة الأخطر – ما نُعاني منه، فتأتي هنا اللطمة كما يُسميها الصوفية والسادة العارفون بالله، وهى حبكة مدروسة سلفاً ومحسوب أثرها فيُصدَم بها الوعي لتُحدِث له حالة الاستيقاظ، علماً بأننا يجب أن ننتبه إلى أنه لا يُمكِن لنائم أن يُوقِظ نائماً، لذلك لا حل ولا سبيل ولا أمل في الخروج من هذه الوهدة ومن هذه الحالة الاستاتيكية وحالة الموات وحالة الثبات وحالة المُراوَحة في المكان والاحتراق في المكان إلا بشيئ يُجلَب من خارج، ليس من خارج البلاد وإنما من خارج النمط وخارج المعهود وخارج المُردَّد، خارج الذي طُحِنَ وعُجِنَ وأُكِلَ ألف مرة ومليون مرة، يجب أن يكون خارج هذا كله، لأن النائم لا يُوقِظ نائماً والغريق لا يُنقِذ غريقاً، فالصاحي هو الذي يُوقِظ النائم، يُوقِظه باللطمة وبالصيحة وبالصرخة على أمل أنه ربما يستيقظ، والأمل مُتاح في أن يستيقظ، ومن هنا الله تبارك وتعالى – إن جاز التعبير وإلا فاللهم غفراً – يستخدم معنى أسلوب اللطمة هذه ويقول فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ۩، علماً بأن البأساء والضراء قد تأتي فجأةً، والنبي كان يتعوذ من فُجأة النقمة في قوله “وفُجأة نقمتك وجميع سخطك”، لكن بعض الناس بسبب الضحالة مرة أخرى سواء ضحالة التفكير أو الضحالة اللاهوتية يظن ويأخذ هذا الظن سلماً وتكيئة لكي يعترض على الله – تبارك وتعالى – فيقول: ما هذا الإله الذي ينتقم؟!

أنا سمعت أحد كبار الفيزيائيين في هذه الحقبة ولايزال حياً يعترض على الله لأنه يرى أن الله مُنتقِم، ويتساءل لماذا يفعل الله هذا؟!

ثم يستتلى قائلاً: هل عند الله دواعي للانتقام ويُريد أن يتشفى لأننا نُغضِبه إلى هذا الحد؟!

لكن هو لم يفهم شيئاً، بالعكس الله حين يقول أنه ينتقم إنما يفعل ذلك ليُوقِظ وليس لكي يرتاح ويتشفى – حاشا لله – كما يظن هذا الرجل، ومن هنا قال فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ۩، أي أنه يفعل ذلك لكي نرجع ونستيقظ، ولذلك قال أيضاً فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۩، وذلك بسبب النمط – كما قلت – والقصور الذاتي التام من جميع الجهات، فلا سبيل للخروج من هذا لوجود حالة استعصاء توعوي فكري ذهني إدراكي لذا قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۩، ومن هنا تأتيك هذه اللطمة فُجاءةً لتُعيدك إلى سواء السبيل.
وعدتكم أن أجعل هذه الخُطبة – ووفيت هذه المرة بوعدي – عن جحا، ولكن هذه المرة لن يكون الحديث عن جحا الضاحك المُضحِك على رأي العقاد وإنما عن جحا العارف صاحب الرؤيا والقادر على أن يلطمنا، ومن هنا قد نستغرب جداً وحُقَّ لنا أن نستغرب أنه شاع في العرفان العجمي عند ولدى لأتراك والفرس والأفغان وليس عند ولد العرب أيضاً للأسف الشديد مرة أُخرى – وإن كنت أشك في مدى صدقية المعنى في هذه القولة – أن سبع حكايات من حكايا المُلا نصر الدين أو خواجة نصر الدين – وهو جحا عند العرب – كفيلة بإحداث الأثر الإيقاظي عند مَن يستوعبها، أي أنك حين تسمع سبع حكايات لجحا يُمكِن أن تستيقظ ويُمكِن أن تضع أول خُطوة لك على طريق الاستنارة والاستيقاظ، فهذا شيئ عجيب علماً بأن بعض هذه الحكايا هى بجدارة من الأمازيح والأضاحيك التي تتردَّد على ألسنة الشعوب المُختلِفة معزوةً إلى جحا فهى تُعتبَّر أمازيح وأضاحيك ولكنها في الحقيقة لم تُبدَع ولم تُوضَع لكي تكون أمازيح وأضاحيك وإنما أُبدِعَت لكي تكون لطمات وصفعات تُوقِظ، فسبعها منها – كما يُقال – كفيلة بأن تُوقِظ الواحد منا، وعلى كل حال هم أدرى بهذا لأنني لا أستطيع أن أتبجح وأن أدّعي المُخالَفة وإن كنت الآن من موضعي البسيط والضحل مُتشكِّكاً في مدى صدقية هذا الشيئ.

إحدى أكثر هذه الحكايات الجحاوية المشهورة سبكاً وإحكاماً هى تلك التي تقول:

بعث جحا يوماً صبيه بإبريقٍ له لكي يأتي له بالماء فقال له “خُذ الإبريق واملأه ماءً”، ثم قال أمام الناس “تعال يا ولد”وصفعه على خده – على وجهه – قائلاً “إياك أن تكسر الإبريق، إياك”، فقال أحد المارة “يا للعجب، تصفع الصبي دونما خطأٍ اجترحه أو اجترمه”، فقال: ماذا كنت تظن؟!

هل كنت تظن أنني أصبر عليه حتى يذهب ويكسر الإبريق ومن ثم أفقد الإبريق والماء معاً؟!

ثم يستتلي قائلاً “هذه الصفعة يا صاحبي كفيلة بأن تُنبِّهه من نومته فيُحافِظ على الإبريق وأفوز أنا بإبريقي وبالماء أيضاً بضربة واحدة”.

هذه القصة محبوكة جيداً وهى تدل على أهمية اللطمة، لأن هذه اللطمة لا يُمكِن أن نفهم أو نسبر غورها إلا أيضاً وفق المزاج العرفاني، وفق مزاج الصوفية العارفين من أهل العمق البارئين من السذاجة والسطحية والقشورية والزخرف تماماً، هذه اللطمة يُمكِن أن نفهمها من خلال منطق هؤلاء الذي لا يُؤمِن بخطية الزمن بالطريقة النيوتينية، فهو لا يُؤمِن بخطية الزمن ولا يُؤمِن بالحتمية أوبالحتميات الآليات الميكانيكية أبداً التي يُقدِّسها أو كان يُقدِّسها إلى حد أو إلى وقت قريب العلم الطبيعي، إنما يُؤمِن بأن دائرة الإرادة والقدرة الإلهيين أو الإلهيتين مُطلَقة الطلاقة وبلا حدود وما على المرء مهما بلغ من العرفان والولاية والاقتراب والاتصال والصلاح إلا أن يُقارِب وباستمرار وبلا نهاية هذه الطلاقة التي لا يُمكِن أن يُحاط بها، ولذلك تسقط الحتميات ويسقط المفهوم السهمي المُوجَّه للزمن وتسقط المفاهيم المُعادَلية البسيطة، فلا يُمكِن أن يُقال – مثلاً – وفقاً للمُعادَلات البسيطة “أنا قدَّمت هذا فلابد أن يعود لي مثله أو قصَّرت هنا فسيُقصَّر معي هناك” لأن المسألة ليست هكذا!

إذن أعتقد أن هذه الخُطبة ستكون خفيفة، فاللهم اجعلها خفيفة واجعلها ثقيلة في الميزان وثقيلة في استفزاز الوعي وإرهافه وشحذه.

وطبعاً جحا التركي هو خوجة أو خواجة نصر الدين، وجحا الإيراني هو المُلا نصر الدين، وجحا الأرميني هو أرتن، وجحا اليوغسلافي هو أرو، وجحا المالطي – أي في مالطا – هو جوهان، وجحا الإيطالي هو بيرتولدو، وجحا الروسي هو بالدكييف، فكل أمة لديها جحاها، علماً بأن الإنجليز أخذوا جحا منا وأسموه جوها Goha ويقولون عليه جحا الأحمق – Goha The Fool – وهو ليس بأحمق، ولذلك أحسن صنعاً الأستاذ الكبير عباس العقاد في كتابه الوجيز عن جحا الضاحك المُضحِك حين وقف أو كسر الفصل السابع على نماذج مما يُنسَب إلى جحا من مآثر وأضاحيك وأمازيح يُمكِن أن تُجمَع بالإنجليزية تحت كلمة واحدة وهى Exploit، فجمعها وجعلها ستين منها حول نوادر جحا التي تدل على عبقريته وذكائه الفاذ، وأتبعها بعشرين تدل على حمقه وبعشرين أخرى تدل على تحامقه وتبالهه وهى الصنعة التي راجت منذ القرن السادس الهجري، أي صنعة التحامق والتباله بأثر الطغيان السياسي وكبت الحريات وقطع الألسنة واعتقال الأحرار، فشاعت صنعة التغافل والتحامق والتباله، وخُذوا الحكمة من أفواه المجانين وعقلاء المجانين الذين يسبكون ويصوغون اعتراضاتهم ونقاداتهم على المُجتمَع والأوضاع في شكل أمازيح أيضاً وأضاحيك ولكن تحت في العمق يُوجَد نقدٌ قاسٍ ومُر لمَن وعى، وهو أسلوب تخلصي أبدع فيه هؤلاء أيما إبداع!

مرة أخرى في نادرة جحاوية لطيفة يدخل جحا خوجة نصر الدين حماماً تركياً بأهاليله وبثيابه المُرقَّعة المُهلهَلة فيستقبلونه استقبالاً يليق به، حيث دفعوا له فوطة قديمة وبروة صابون – بروة الصابون هى ما بقيَ من صابونة استهُلِكَت إلى حد بعيد -، ولما أنجز المُهِمة واغتسل لم يرعهم إلا وهو يدفع إليهم ديناراً ذهبياً، فمن غير المعقول أن يدفع صاحب الأهاليل والمُرقَّعات ديناراً ذهبياً، ولكنه مضى وهم يتملَّكهم العجب، وفي اليوم التالي جاء جحا مرة أخرى إلى الحمام التركي عينه – والخدم هم هم بأعيانهم – وهو يلبس لباساً عالياً مُترفاً فارهاً رافاهاً فاستغربوا وقالوا “هذا مُمتاز، وحتماً هذا اليوم سيكون أحسن من أمس” – علماً بأن هذا هو مفهوم المُعادَلات ومفهوم الزمن الخطي والحساب، ولكن هذا لا ينفع لدى العارفين لأنه غير صحيح لديهم، فهذه المُعادَلاتية الساذجة الخطية لا يُمكِن أن تحكم على التصرف الرباني أو على طريقة الله في العمل لمَن وعى – وبالتالي أكرموه أحسن كرم وأحسنوا استقباله ولم يوفرِّوا شيئاً من جهدهم في تكريمه وتبجيله فلعلهم يظفرون هذه المرة بعشرة دنانير أو بمائة دينار ذهبية من هذا الرجل كريم جداً، مَن يدري؟!

أعطوه فوطات جديدة جداً وأكثر من صابونة ودلكوا له ظهره وجسمه، فكان له ما كان من التعظيم والتبجيل والتكريم، وبعد ان انتهى وأنجزوا المُهِمة خرج ودفع لهم أدنى وأصغر قطعة نُحاسية في جيبه وقال “خُذوا هذه، هذه جزاء الأمس، والدينار الذي أخذتموه بالأمس جزاء اليوم، والسلامُ عليكم”، هذه هى اللطمة، وهكذا تحدث اللطمة طبعاً، فهذه ليست مُجرَّد – كما قلنا – مزحة أو أضحوكة، بالعكس هذه تبتغي وتلفت وعي الإنسان وإدراك الإنسان إلى وجوب أن يتعامل مع الأقدار الإلهية وأن يستجيب لتصرفات الله – إن جاز التعبير – ولأقدار الله بطريقة تُثمِّرها وتُعمِّقها الخبرة في كل مرة وليس بطريقة الإكليشيهات المُعدَّة التي تقول بأن هذا يُساوي هذا وهذا يقتضي هذا، هذا غير صحيح ومن ثم علينا أن نتنبه لهذا الأمر، ولذلك الكفار بالذات هم الذين يُؤخَذون على بغتة، وإذا أُخِذَ مُؤمِناً على بغتة دل هذا على أنه يُتاخِم الكفار، فيكون قريباً جداً في لاهوته من لاهوت الوثنية وليس من لاهوت التوحيد، فالتوحيد ليس أن تفهم فقط أن الله واحد في ذاته وواحد في صفاته – بلا شك هو واحد في ذاته وواحد أحد – وإنما أن تعيش هذا، أن تذخره وأن تُثمِّره وأن تُعمِّقه في كل مرة مع كل مقدور بل مع كل نفس – إن جاز التعبير – إن أمكن، هو هكذا ومن ثم نسأل الله أن يفتح علينا فتوح العارفين، ولذلك الذي يُمهَل ولا يُهمَل ثم يُبلِس حين يُؤخَذ بغتة وينقطع هو الكافر الذي ظن أن المسألة خطية حسابية مُعادَلاتية وأن ما سيأتي دائماً يأتي وفق الحساب المدروس، وهذا غير صحيح ومن هنا المُؤمِن له منطق مُختلِف إسمه منطق الإيمان، فيا ليت يُنعِم الله على هذه الأمة بلاهوتيين عظام وعارفين أيضاً كبار مُجرِّبين ليُعيدوا لنا كتابة منطق الإيمان، فهو علم جديد يُسمَى هكذا بعلم منطق الإيمان ويختلف تماماً عن منطق الحس وعن منطق الشهود وعن منطق الحساب ولا يعرفه إلا أهله، وكلٌ يعرفه بقدر ما جرَّب وذاق وبقدر ما قطع من مراحل السير إلى الله تبارك وتعالى، ولكن علينا أن ننتبه إلى أن الأمور تجري هكذا فلا يُمكِن أن يأتي هذا بطريقة التلقين على المنابر أو في حلقات العلم أو التدرس أو القول أو القراءة، لا يُمكِن أن يأتي مرة أخرى إلا بالطريقة الحدسية بأن تُواجِه الشيئ مُباشَرةً وتعيشه، أما أن تُحاوِل أن تهبشه هبشاً أو تسرقه سرقة أو تتلصَّص عليه وتظن أنك تتكلَّم بلسان العرفان أو بلسان العارفين فهذا بعيدٌ جداً من غرورك وأنت لا تدري.

هناك جحاوية أخرى تُؤكِّد هذا المعنى العميق حيث يعود نصر الدين – المُلا نصر الدين – مرةً إلى البيت ومعه قطعه كبد – كبد شاة أو بقرة أو ما إلى ذلك – وفي جيبه وصفة – أي Recipe Rezept, – لإعداد فطيرة الكبد، وكان فرحاً بهذا فوضع هذه القطعة أمامه ثم شرع في تحضير الأفاويه وأشياء أخرى لكي يُحضِّر فطيرة الكبد، وإذ بحدأة – أي حداية – تنقض من جو السماء وتخطف قطعة الكبد ثم تعود مُحلِّقةً في الأجواز، فنظر المُلا نصر الدين مصدوماً وأسفاناً طبعاً – أي أسيف – وغضباناً فقال: أيها الطائر الأحمق قد أفلحت في سرقة قطعة الكبد ولكن ماذا تفعل بها من غير الوصفة؟!

هنا فيها لطمة خفية خفيفة، أي أنك أفلحت في أن تتقمَّص شخصية العارف وأن تكذب على الناس وتتكلَّم بلسان أهل الله، ولكن هل أنت حقاً من أهل الله؟!

هل فيك سحر أهل الله؟!

هل فيك جاذبية أهل الله؟!

هل فيك قوة تأثير وجذب أهل الله؟!

هل فيك تجريب وخبرة أهل الله؟!

هل لديك شيئ من الله لا إله إلا هو؟!
هل انعكس عليك شيئ من نور الله؟!

لا شيئ من هذا كله، إذن أنت حدَّأة أو حدأة حمقاء مرة أخرى، هذه القصة وهذا هو المُراد بهذه القصة، فالمعارف لا تُنهَش ولا تُسرَق ولا تُخطَف بل تكُتشَف وتُعاش، ومن هنا نجد أن المرايا نوعان، مرايا عاكسة كمرآة العوانس ومرايا غير عاكسة، فالعانس تقف المرآة لمدة أربع وعشرين ساعة وهى تُردِّد “تغضَّن، تجعَّد، كبرنا، فات القطار”، لذلك العانس في الأصل هى المرآة، فكلمة عانس في أصل اللغة هى المرآة، أي أن الـ Spiegel تُسمى العانس، فسُميت الفتاة العانس بالعانس لكثرة مُلازَمتها للمرآة، وهذه المرآة العادية – Mirror – في البيت هى مرآة عاكسة، لكن مرآة العارفين بالله ليست عاكسة أبداً ، فلو كانت عاكسة لكانت نمطية تُؤكِّد التفكير وتُعزِّزه، لكن مرايا العارفين ومرايا أهل الله مرآيا كاشفة مثل مرايا التلسكوب Telescope والميكروسكوب Microscope، فهذه المرايا تكشف الأعماق وتكشف ما لا يُرى بالعين المُجرَّدة بل وتكشف أحياناً عن عوالم لا تخطر على بال بشر، ومن هنا كانت مرايا أهل الله مرايا كاشفة، ولذلك التجربة الروحية والتجربة العرفانية هى تجربة كشفية حيث تنكشف بها أشياء ولا يُعاد فيها عكس أشياء، ومن هنا قد تسمع أحياناً لبعض هؤلاء النهَّاشين وسرَّاقي المعارف الإلهية – زعموا – وتشعر بأنك – حتى لم تزدد على المُستوى المدرسي معرفةً أبداً فضلاً عن أنك لم تشعر بأي رعدة أو بأي قشعريرة أو بأي انجذاب، لأن كل ما هنالك هو إعادة إنتاج، أي شيئ يُساوي العكس لما تعلَّمه بلغة قد تكون أكثر فنيةً وأكثر صقلاً وأكثر عصرية وأكثر جراءة وبجاحة أحياناً وغروراً، ولكن على المُستوى المدرسي نفسه وهو المُستوى الذي يُبغِضه الصوفية والعارفون ولا يُوقِّرونه كثيراً الأمر مُختلِف، وبالمُناسَبة لابد أن أذكر أن قصة المراكبي – المعدياتي هذا – مع النحوي المُتحذلِق الذي قال له في نهايتها “ضاع عمرك كله”هى عن جحا وليست عن رجل عادي، لذا هى إحدى الجحاويات، أي قصة جحاوية وأنتم تعرفونها جيداً، حيث كان جحا مراكبياً ويعبر بالناس من ضفة إلى ضفة النهر فركب معه هذا النحوي الشاب المُتحذلِق، وهم في مُنتصَف الطريق أو في وسط النهر أحبَّ أن يفتح حديثاً فقال له: أيها المراكبي هل درست النحو يا سيد؟!

قال “لا لم أدرسه لأن النحو لم يلذني ولم يشق لي”، فقال له “ضاع نصف عمرك” لأنه يتبع المنهج المدرسي الذي يقوم على مُراكَمة المعلومات باستمرار والتبجح بها كمعلومات مُتراكِمة – أي يُصبِح كالشيخ جوجل Google الذي عنده معلومات كثيرة موسوعة – ثم استخلاص النتائج منها فقط، وهو من حيث الأساس في مُعظمه أيضاً منهج مُراكمي ومنهج عاكس وخاصة في الثقافات التقليدية ذات الروح الدينية، فهو ليس منهجاً كاشفاً مُبدِعاً أبداً، هو إعادة إنتاج مُستمِرة، ولكن بعد قليل تضطرب المياه فيتحرَّك هذا القرقور – القارب الصغير يُسمى قرقور – ويكاد ينقلب، فيصيح النحوي ولكن المُلا نصر دين يسأله: هل تعلَّمت العوم؟!

فقال “لا”، فقال له “فقدت عمرك كله”، أي لم تفقد نصف عمرك مثلما قلت أنني فقدت لأنك ستموت الآن للتو ولكن أنا سأعيش، فما معنى هذا؟!

معنى هذا أن العارفين الذين يُمثِّلهم هنا المُلا نصر الدين – أي جحا – يرون أن المنهج المدرسي بذاته لا يُمكِن أن يكون وسيلة نجاة، وفعلاً هذا صحيح ومن ثم كانت هذه طريقة أبي حامد الغزالي وطريقة العلماء الكبار، لأن فقه الحكومات والحلال والحرام بمُجرَّده لا يُمكِن أن يكون طريقاً إلى الله – تبارك وتعالى – ولكن فقه النفس والروح ومعرفة الله – تبارك وتعالى – ومعرفة ما يجعلك تقياً باراً نقياً مُؤمِناً صادقاً فتقترب إلى الله باستمرار هو علم النجاة وفقه النجاة، هذا هو الفقه الأكبر وليس حتى علم التوحيد بالمعنى الكلامي الجدلي المُناظَراتي، فهو هذا الذي يجعلك فقيه النفس بالطريقة الإلهية، لكن المنهج المدرسي لا يُفلِح كثيراً.

جحا في مُقارَبة جديدة له في مُنتهى الإمتاع والعمق والصعوبة حتى – حتى أن الملك وجدها صعبة – يُحاوِل أن يُشير إلى أنه لا ينبغي تنسيب الحقائق قبل التمهيد باحترام الوقائع، فلابد أن تُحترَم حقائق الواقع والحقائق الصُلبة التي ينبغي أن ننعقد عليها إجماع واتفاق ثم بعد ذلك يُمكِن أن يُفضي بنا احترام هذه الحقائق الثابتة الواقعية إلى أفق أعلى وأغمض من الحقائق النسبية التي قد تعتمد على فرادة كلٍ منا وعلى خبرته الشخصية وعلى مدى المرحلة التي بلغها على الطريق، ومن هنا يدخل جحا إلى محكمة في ذات يوم من الأيام قُبيل الظهر، وتضج المحكمة بعد قليل ويُسمَع صوت بأن الملك قد حضر فيقوم الجميع لأن ملك البلاد قد حضر، ولماذا يحضر أصلاً إلى القاضي في المحكمة؟!

وإذا بالملك يبث القاضي شكواه من شعبه الفاسق الفاجر الذي لم يعد يقول الحقيقة، فهوو شعبٌ كذَّاب مرن على الكذب ومن ثم لا أحد يقول الحقيقة، ومن هنا يبث شكواه للقاضي ليرى ماذا ينبغي أن يُفعَل، علماً بأن هنا طبعاً يُوجَد فرضية في الحكاية الجحاوية وهى أن الملك أيضاً يظنُ أن تربية النفس وتأسيس الأخلاق يُمكِن أن يُقارَب قانونياً وهذاخطأ كبير ومن ثم لا مجال في هذه القضية لأن تأتي إلى القاضي لأنه لن يفعل لك شيئاً، ولذلك نجد أن كل الجحاويات لها ثلاثة مُستويات أو ثلاث طبقات، فمُستوى النُكتة هو المُستوى الأول ثم يأتي بعد ذلك مُستوى الحكمة ثم يأتي بعد ذلك مُستوى أعمق وأعمق على طريق المعرفة والإدراك وهو مُستوى مفتوح وخاص بأهله من الذين يُدرِكونه، فلابد أن نتنبَّه إلى الفرضيات المُستكِنة والمخبوءة في هذه الجحاويات كلها لأن هكذا ينبغي أن تُقرأ هذه الحكايا، ولذلك وجدنا عارفاً وأستاذاً كبيراً في العرفان إسمه إدريس شاه Idries Shah يُؤلِّف ثلاثة كتب يُعيد فيها قراءة الجحاويات، علماً بأن إدريس شاه Idries Shah هو كاتب نجليزي ولكن أفغاني الأصل وبيع من أعماله أكثر من خمسة عشر مليون نُسخة حول العالم باثنتي عشرة لغة وذلك بالإنجليزية طبعاً فلم يُترجَم منها شيئ للأسف، والكتاب الأول إسمه أمازيح أو أضاحيك المُلا نصر الدين غير المعقول أو الذي لا يُصدَّق The Pleasantries of the Incredible Mulla Nasrudin ، وألَّف كتاباً آخراً وهو الكتاب الثاني الذي قد تكون الترجمة الأدق لإسمه هى دواهي المُلا نصر الدين الذي لا ضريع له أو لا ضريب له، أما الكتاب الثالث والأخير فإسمه خفايا أو دقائق المُلا نصر الدين الذي لا يُمكِن تقليده، إذن ثلاثة كتب بالإنجليزية عن جحا ولكن لم يُترجَم منها شيئ بل لم يُلتفَت إليها ومن هنا لم أقرأ شيئاً عن هذه الكتب بالعربية مرة، لكن الألمان والطليان والأسبان والإنجليز بل وكل العالم يعرفونها إلا نحن – كما قلت – للأسف، ويعز علىّ أن أقول هذا لكن على كل حال نعود إلى قصة جحا حيث ينبري الآن ليصدم الناس والملك الذي يتكلَّم ويشكو شكوى أخلاقية من شعبه فيقول له “أيها الملك من بعد إذنك”، أي أنه يُريد الإذن لكي يتكلَّم، فقال له “تفضل يا رجل” علماً بأنه لا يعرفه، فقال له “هناك حقيقة وحقيقة – أي نوعان من الحقائق ولكن الملك لم يفهم – وبالتالي على الناس أن يعتادوا أولاً على توقير وتبجيل واحترام الحقائق الواقعية قبل أن يرتفعوا إلى أفق ويفاع الحقائق النسبية، ولكنهم من أسف أيها الملك الجليل لا يفعلون، بل يفعلون العكس فيبدأون بالنسبي ويهدرون الواقعي”، علماً بأن هذا الآن كحال العرب بالضبط، فهذا هو الذي يحصل حيث يفعلون – للأسف – العكس فيبدأون بالتلاعب بالنسبي ويهدرون الواقعي ما ينجم عنه ويترتَّب عليه أنهم لا يحترمون حقائقهم، ومن ثم نحن فقدنا احترامنا لأنفسنا، وكما أقول دائماً نحن لم نعد نستطيع أن ننظر باحترام إلى أنفسنا في المرآة، ولكن لماذا؟!

قال “لأنهم لا يحترمون صنعة أيديهم، وهم يعلمون أن هذه الحقائق هم الذين اخترعوها”، أي حقائق تُناسِب فرادتهم والفرادة الهشة المُزلزَلة وليست حقائق الواقع الصُلبة التي ينعقد حولها وعليها الإجماع، ومن هنا الملك رأى أن مُقارَبة المُلا نصر الدين الذي لا يعرفه صعبة جداً ومُعقَّدة، لأن الآن هذا الرجل يُعَد فيلسوفاً وهو طبعاً عارف بالله كبير، ولكن قد يتساءل أحدكم الآن طبعاً ويقول: هل فعلاً كان شخصية حقيقة؟!

هذا موضوع ثانٍ، فمُعظم هذه الأشياء لم يقلها ربما جحا الحقيقي الذي لم يُعرَف إلى الآن مَن هو تحديداً، ولكن أقدم جحا نعرفه بصراحة هو العربي أبو الغصن الفزاري، فأقدم جحا في التاريخ هو عربي وهو أبو الغصن الفزاري البصري، واذهبوا إلى ميزان الاعتدال للذهبي لتقرأوا عن دُجين بن ثابت الفزاري البصري، علماً بأنه يُقال أنه كان أحد التابعين ويُقال أنه كان تابعاً للتابعين وروى عن هشام بن عروة وروى عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ولكن حديثه لا شيئ، إذن هذا أول جحا في التاريخ وهو أقدم من جحا التركي وأقدم من جحا الإيراني وطبعاً أقدم من الأرمني وغيره، ولكن على كل حال السادة الصوفية والعارفون بالله في تقديري ومن رأيي لم يخترعوا جحا كما ظن إدريس شاه Idries Shah المُتخصِّص في جحا الذي قال عنه ” هو شخصية كلاسيكية اخترعها الدراويش وانطقوها” وبالتالي أنا أعتقد أنه هنا أخطأ خطأً واضحاً، لأنهم لم يخترعوه بل وظَّفوه، فهى شخصية مُخترَعة من قبل من القرن الأول الهجري، وبالتالي هم وظَّفوها وانطقوها وأجروا على لسانها كما أجرى الأدباء والفلاسفة من قديم الحكايا الكثيرة والحكم على لسان الحيوانات والطير، وطبعاً خُرافات أو حكايا اليوناني إيسوب Aesop المشهورة ليست منا ببعيد، على كل حال نعود إلى قصة جحا حيث رأى الملك أن المُقارَبة صعبة ومُعقَّدة ومن ثم لم يفهمها فقال له “إليك عني، فما أفهمه هو أن هناك صدقٌ وهناك كذب، هناك حقٌ وهناك باطل، هذا هو الذي أفهمه”، أي أن الملك كان حدياً ونمطياً وبسيطاً مثلنا الآن، ومن موقعه في السُلطة كملك – أي أنه أعلى سُلطة مُتنفِّذة – أصدر الأمر بأن على الرعية أن تتعوَّد وبالقوة – أي بقوة القانون تشريعاً وعقاباً – أن تقول الصدق، وبعد حينٍ من الدهر ستتمهَّر وتتدرَّب وتتمرَّس وتعتاد وتتأنس بالصدق فيُصبِح الصدق طبعاً ثانياً، أي الطبع – Nature – عبر التطبع – Nurture – كما يُقال، وهكذا كان الملك يُقارِب الملك ولكن كما قلنا هذه كانت الفرضية الخاطئة منذ البداية، فأصدر أمره – أي أصدر قانوناً ملكياً – يُفيد بأن كل مَن يُضبَط لا يقول الصدق يُشتَق، فمُباشَرةً طُبِّقَ القانون ولكن انظروا إلى بُعد غور المُلا نصر الدين الذي سيلعب بهذه المُقارَبات القانونية والأمنية السخيفة لأن ليس هكذا يُعامَل الإنسان، فالمسألة مُعقَّدة والرجل كان فعلاً فيلسوفاً وعارفاً كبيراً، وهناك أثر موجود يقول “مَن كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ”، وهو أثر صحيح جداً جداً جداً على المُستوى السيكولوجي وعلى المُستوى الروحاني وعلى المُستوى الأثري، ولكن للأسف الشديد أكثر شيئ يعرفه المسلمون اليوم هو “إن الله يزع بالسُلطان ما لا يزع بالقرآن”، ولك أن تتخيَّل هذه العبارة الفظيعة التي يعرفونها ويحبونها ويُبجِّلونها، أي أن المُقارَبات كلها أمنية وقانونية فيُفرَض كل شيئ بالقوة وبالحذاء الثقيل، وهذا غير صحيح ولذلك نحن مازلنا فشلة لأن هذا زادنا خبالاً ولم يزدنا رقياً وتهذيباً وصقلاً ولم يصقل مشاعرنا أو أخلاقنا وسلوكاتنا.

ونعود إلى قصة جحا حيث أن في صبيحة اليوم التالي أغلقت المدينة أبوابها ولم يُسمَح لأحد بالدخول إلا بعد أن يمر عبر البوابة الرئيسة، وهناك رئيس الحرس الملكي الذي يُواجِهه بسؤال قبل دخوله، فإن ضبط مُتلبِّساً بالكذب شنقه أمام الناس، علماً بأن المشانق مُعلَّقة والناس خائفون، فلم يتقدَّم أي أحد إلا المُلا نصر الدين الذي ذهب يعدو، فقال له رئيس الحرس الملكي: إلى أين يا رجل؟!

فقال له “أُريد أن أدخل المدينة”، فسأله عن السبب قائلاً: ماذا تقصد؟!

قال له “أُريد أن أذهب لكي أُشنَق”، فقال له “كذبت”، فقال: حسناً، إن كنت كذبت فاشنقني إذن”، وهنا التطم وانصفع رئيس الحرس الملكي الآن بقوة – أي أخذ صفعة قوية – وقال ” لكن هذا يجعلها حقيقة” لأننا دخلنا الآن في المُفارَقة – Paradox – حيث أن جحا قال له أنت سألتني عن سبب دخولي وأنا جاوبت بصدق وقلت أن السبب هو أنني أُريد أن أدخل المدينة لكي أُشنق ولكن الذي يُشنَق هو الكاذب، ومن هنا قال جحا “سأثبت لهم أن هناك ضرباً من الحقائق النسبية التي ترتبط فعلاً بفردية الشخص، ولكن لا ينبغي أن تبدأوا بها ولا ينبغي أن تُراهِنوا عليها ، احترموا الثابت في الأول وإلا تضيع عليكم الحقائق وتختلط كل الأوراق”، وهذا يدل على أن هذا الرجل كان رهيباً وعميقاً جداً ومن ثم التطم وانصفع رئيس الحرس الملكي – كما قلت لكم – وقال ” ولكن هذا يجعله حقيقة، فإن شنقناك ثبَّتنا كلامك وأنك داخل لكي تُشنَق”، فقال ” أنت الذي قلت هذا، وبالتالي هذه حقيقتك أنت وليست حقيقتي أنا” فأُسقِطَ في يدهم وعاد الملك عن مشواره كله فألغى هذا المشروع، إذن يُوجَد عمق غير طبيعي في القصة كلها.

أيضاً هناك قصة مشهورة عن جحا في مُقاوَمة ومُناهَضة فكرة الخطية والحتمية، أي الفكرة العمياء للمفهوم القدري، وهى فكرة تتوسَّل في عمقها بقوله عز من قائل في سورة الرعد يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ۩، أي أنها تتوسَّل في عمقها بسر مسألة الدعاء وبفلسفة الدعاء وبفلسفة البر وبفلسفة المحو والإثبات التي ترتبط بطلاقة الإرادة والقدرة والعمل الإلهي وليس بالمنظور الأعمى الواحدي للقدر، أي الــ Fatalism.

يمشي الخوجة نصر الدين في شارع ذات يوم مُتوجِّهاً ربما إلى المسجد ليُصلي الجماعة وإذا برجل من طابق مُرتفِع يسقط على الأرض فيقع على جحا، فدق عنقه المسكين ولكن الرجل لم يُخدَش وقام سوياً، فحُمِلَ الخواجة نصر الدين إلى البيمارستان، وهناك جاءه أحد تلاميذه – علماً بأن مثل هذه القصص حسبما تُصوِّره تُؤكِّد أنه كان أستاذاً وأنه عارفاً وله عدد هائل من التلاميذ الذين يتحلَّقون ويتعلَّمون منه العرفان عبر هذا الأسلوب، وهو أسلوب ضرب الأمثال بهذه الحكايا التخيلية الافتراضية – وقال له: يا أستاذي ما العظة التي خرجت بها من هذا الحادث؟!

أي أنه يُريد أن يقول أن هذه القصة عجيبة جداً، فالرجل يقع من فوق سواء كان أراد أن ينتحر أو وقع هكذا بقدره لكنه لم يُخدَش في حين أنك تُدَق عنقك، فما الحكمة والعظة والعبرة والمعنى والدلالة إذن؟!

قال له “إياك والحتميات حتى لو كانت بين العلة والمعلول، فلا تعتد على طرح الأسئلة السخيفة من قبيل لو سقط الإنسان من طابق مُرتفِع هل تدق عنقه فقد سقط هو ودُقَّت عنقي أنا”، أي كما يقول المازح العربي “وقع حبيبي على الدرج وانكسرت أنا”، هذا نفس المعنى أيضاً.

إذن نحن نستخلص أن الحتميات لا تسير ولا تشتغل عند أهل العمق وأهل الباطن بل تُفكَّك وتذوب وتتلاشى، الحتميات لا تحكم على رب الأقدار وعلى رب الأكوان – لا إله إلا هو – ولذلك الله – تبارك وتعالى – حُر أن يفعل ما شاء بطريقة تُعجِز العقل وتُذهِل الذهن، فالعارفون دائماً عبر الأعصار يعرفون هذا وبالتالي لن تجد عارفاً له موقف مُتصالِح حتى النهاية مع الإدراك الذهني العادي الشكلاني أبداً، وذلك يعود طبعاً إلى أنهم خاضوا تجربة الماوراء!

يجلس المُلا نصر الدين مرةً في حلقة تدريسه ويُحدِق به صفوة من أذكى تلاميذه فيطرح أحدهم عليه سؤالاً: يا أستاذ كيف لنا أن نُدرِك المُغيَّبات؟!

أي كيف يُمكِن أن نُدرِك الأشياء التي تقع في عالم الغيب وما وراء الحس و ما وراء الشهادة؟!

قال “إذا فهمت الحكاية الرمزية – Allegorie – ستقدر على فهم هذه الأمور”، فقال له: لم أفهم – علماً بأن هذه كلها حكايات افتراضية ورمزية طبعاً – الجواب، فما علاقة الحكاية الرمزية بالجواب عن سؤالي وهو سؤال بصدد إدراك المُغيَّبات و ما وراء الحس و ما وراء العالم وما وراء الشهادة؟!

ثم استتلى قائلاً “أعطني شيئاً يكون أقرب وأدنى ليُفهِمني”، فقال له: مثل ماذا؟!

قال “أُريد تفاحة سماوية”، أي أن هذا الشيئ مُمكِناً بالنسبة لك كرجل عنده كرامات وعنده خوارق، أعطني تفاحة من السماء أو من الجنة، أي أنني أُريد تفاحة جنائنية.

مُباشَرةً مدَّ الخواجة نصر الدين يده إلى أقرب تفاحة ودفعها للتلميذ ولكن لم يرعه إلا وجانبها الآخر معطوب – جانب من هذه التفاحة كان مُتعفِّناً – فقال يائساً مُحبَطاً “يا أستاذي جانبها هذا مُتعفِّن”، فقال جحا “أدري هذا ولاحظته، ولكنها سماوية”، فقال: لو كانت سماوية لما تطرَّق إليها العطب، كيف يا أستاذ تكونسماوية وهى مُتعفِّنة؟!

قال له “انظر، هى تفاحة سماوية ولو كانت لتكون سماوية وتسقط في يدك لتُصدِر عليها في مجلسنا هذا في دنيا الفساد وفي عالم الفساد حكماً ستعود دنيوية معطوبة”، وهذا يدل على أن المُلا كان عميقاً جداً هنا ومن ثم نحن نرفع له القبعة ولكن ليس لدينا قبعات، المُلا نصر الدين كان عميقاً جداً فكأنه يقول بلغة مفهومة أكثر عن هذه الحكاية الرمزية أن اللغة البشرية – لغة البشر بشكل عام أياً كانت، سواء كانت عربيةً أو إنجليزية أو تركية أو فارسية أو غير ذلك – لم تكن إلا لكي تصف وتتعاطى مع هذا العالم، أي مع عالم الفساد، فهى مقدودة ومُفصَّلة على قد هذا العالم، فإن أردت أن تصف أو تظن أنك يُمكِن – أي بوسعك وفي طوقك – أن تصف تفاحة سماوية باللغة البشرية العادية التي تصف التفاح الأرضي فهذا يجعل التفاح السماوياً مُباشَرةً تفاحاً أرضياً وستضيع القضية من بين يديك لأن هذا ضرب من ضروب المُستحيل، التشابه فقط في الأسماء – هى إسمها تفاحة فقط – لكن في المُسميات يُوجَد اختلاف مُطلَق، إذن ما الحكاية؟!

الحكاية أنك ستحتاج إلى نشأة أخرى، والقرآن هو الذي سماها بالنشأة الأخرى، وطبعاً يترجَّح جداً جداً جداً جداً بشكل أشبه باليقين أن في تلك النشأة سنحتاج إلى – إن احتاجنا – لغة مُختلِفة تماماً عن لغة عالم الفساد وعن لغة العالم الدنيوي، وبالقطع ستكون إسپرانتو Esperanto أخروي، فستكون لغة شاملة كونية للكل على اختلاف لغاتهم وألسنتهم، وستكون قادرة طبعاً ومُهيَّأة ومقدودة لكي تصف ما هناك، ولكن ما هناك لا يُوصَف بلغة ما هنا لأن هذا يجعله مُباشَرةً مما هنا.

لذلك قال له جحا وهو يختم حديثه”في هذه الحالة ستكون أي تفاحة أرضية أقرب إلى أي تفاحة سماوية تطالها يدك”، إذن جحا هذا ليس فقط مزَّاحاً وضحَّاكاً وبهلوانياً بل كان رجلاً عميقاً جداً فهو رجل مُعلِّم – كما قلت – ومن هنا كانت حكاياته مرصودة لكي تشحذ وعينا ولكي تستفزنا ولكي تُعلِّمنا.

بالمُناسَبة أود أن أقول أن معظم هذه الحكايا بينها جامع مُشترَك، علماً بأنني أُحِب أن أسميه الجامع المُشترَك وليس القاسم المُشترَك لأن القاسم يقسم أما هذا فجامع مُشترَك لأنه يجمع، هذا الجامع المُشترَك – وليس القاسم المُشترَك – هو مُحارَبة التفكير النمطي طبعاً، لأن أصلاً طريق العرفان كله هو ضد ضد النمط وضد المُعتاد وضد المأنوس، أي شيئ لم يخطر على قلب بشر كما يُقال، فإذا ذهبت تطلب الاستنارة وتطلب الاتصال وتطلب الوصال وتطلب العرفان وفي ذهنك سلفاً مفهوم مُعَد لما هى الاستنارة ولما هو الاتصال ولما هو الوصال والعرفان والولاية في جوهرها فلن تصل، بل أنت قطعت نفسك من هذه اللحظة، فما رأيك؟!

بمعنى أن مَن يذهب ليستنير ومَن يذهب ليتصل ومَن يذهب ليعرف لا يُمكِن ولا يُسمَح ولا يسوغ بحكم منطق هذه الأمور العرفانية العجيبة أن يكون ذلك وأن يجري ذلك بشروطه هو وبتصوراته هو، لأن – كما قلت قُبيل قليل – أنت هنا مرة أخرى مع عالم لا يُنقَل ولا يُكرَّر ولا يُستنسَخ ولا يُلقَّن بل عالم يُعاش طازجاً طزاجة مُطلَقة، ولذلك بالمُناسَبة نجد أن بعض الأولياء الذين كتبوا شيئاً عن تجربتهم الاتصالية الأولى قالوا كلاماً فحواه جُملة واحدة أيضاً “ما لم تر عينٌ ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر”، فما رأيكم؟!

وذلك ليس مُتعلِّقاً بالجنة فقط، وإنما بجنة الدنيا أيضاً وبلحظة الاتصال والانكشاف التي تُمثِّل شيئاً لا يخطر على قلب بشر، فهى ليست شيئاً قرأت عنه أو سمعت عنه أو توهمته وتخيَّلته، وهذا لا يحدث وفقاً لشروطك وتصوراتك فحذاري من الاستنساخ لأن التجربة غير قابلة للنقل والاستنساخ.

تأتي امرأة إلى جحا وقد تولى خُطة القضاء – أي كان يعمل قاضياً – وتقول له “يا قاضينا ابني هذا عاق وقد خرج عن طوعي”، فقال: ما له؟!

قالت “يأكل كميات كبيرة من السكر ولا أستطيع أن أفي بحاجاته اليومية لأنني أرملة فقيرة” فقال: ما المطلوب مني إذن؟!

قالت “تأمره من خلال حيثيتك ومن خلال موقعك كقاضٍ بأن يأكل كمية محدودة لكي أستطيع أن أفي بحاجاته منها”، فقال “الأمر يحتاج إلى وقت، وعودي إلىّ بعد أسبوع أنتِ وابنك هذا السكري”، فذهبت مع ابنها بعد أسبوع كامل وهى تستغرب من فكرة أن الأمر يحتاج إلى وقت لأن القضية سهلة تتوقَّف فقط على أُصدِرَ الأمر، فلماذا يتطلَّب الأمر أسبوعاً كاملاً؟!

عادت المرأة مع ابنها فقال له “انظر أيها الولد أو أيها الشاب عليك، أن تأكل يومياً فقط كذا وكذا جرام من السكر ولا تُجاوِز هذا، حذاري أن تفعل هذا”، فقالت له: وهل هذا الحكم البسيط الساذج يحتاج أسبوعاً كاملاً لكي تستخلصه وتستنبطه؟!

قال لها “نعم”، فقالت: كيف هذا؟!

قال “كان علىّ أن اُجرِّب في نفسي وأرى الكم الذي يحتاجه يومياً من السكر، ومن ثم ضبطت هذا المعيار من خلال أسبوع”، أي أنه قام بتجربة علمية فعلاً من خلال أسبوع كامل ليعرف المقدار الذي يحتاجه بدنه من السكر، وطبعاً هنا في فرضيات خاطئة جداً تنطوي عليها هذه النادرة لأن فرضية الأم وبعض فرضيات جحا طبعاً أو بعض الفرضيات المسوقة على لسان جحا مثل فرضية الملك تتوهم أنه يُمكِن بإسم القضاء وبإسم القانون أن تُلجَم شهوات الناس وهذا غير صحيح، فالولد في هذه القصة سكري – أي يُحِب السكر – وبالتالي لا يُمكِن أن تمنعه منه من خلال القضاء، هذا يحتاج إلى مُقارَبة تربوية ومُقارَبة روحية.

أيضاً من الافتراضات الخاطئة أن ما يُناسِب امْرَأً ما يُمكِن أن يُعمَّم على الآخرين وهذا غير صحيح، لأن هناك فردية واسعة جداً جداً جداً في هذا المجال ومن ثم هذا غير صحيح بالمرة.

إذن نأتي الآن إلى استنساخ التجربة، وهذا الذي جعل كثيراً من دوائر التصوف والعرفان مُجرَّد دوائر للارتزاق وأحياناً للنصب والتدجيل فلا تعدو أن تكون للأسف الشديد مُجرَّد استنساخ آلي ميكانيكي للطقوس ولإرشادات مُعيَّنة انحدرت من مئات السنين، ولكن جحا أراد أن يُعلِّمنا أن التجربة لا تُستنسَخ لأنها إذا استُتنسِخَت بهتت ونصل لونها وتاه المعنى واضمحل وتلاشى، فهو – كما قلت مرة في خُطبة قديمة – كالصورة، فأنت حين تأخذ صورة عن صورة وصورة عن الصورة وصورة عن صورة الصورة وهكذا لمدة مائة أو مائتين مرة سينتهي بك الأمرفي نهاية المطاف إلى خربشة لا معنى لها حتى ولو كنت تُصوِّر بأحدث وأفضل آلات التصوير، لأنك استعملت الـ Copy Machine في نسخ ألف صورة ومن ثم ستنتهي إلى خربشة لا دلالة لها، فهنا نجد أن جحا يصوغ هذا المعنى أو يُصاغ على لسانه بطريقة أجمل بكثير وذلك في قصة مرقة البط Duck Soup.

إنها قصة مرقة البط إذن، حيث تقول النادرة أن جحا سيأتيه من أعماق البلاد قريبٌ له ولكنه كان قريباً من وراء وراء، فيحل عليه ضيفاً ويقضي عنده بضعة أيام وبضع ليال وذلك بعد أن أهدى جحا بطة، فيذبحها جحا ويتقاسمها مع هذا القريب الضيف، يتوافد الريفيون على جحا ليُصيبوا شيئاً منها لأنهم فقراء محاويج، فيدّعي أحدهم أو أولهم أنه قريب هذا القريب الذي كان أصلاً قريباً من وراء وراء كما يُقال فيقول أنا قريبه، ويدّعي آخر أنه صديق قريب جحا، ويدعي ثالث ورابع أنه صديق صديق قريب جخا، وخامس وسادس أنه صديق صديق صديق قريب جحا، وجحا المسكين تكبَّد عناءً كبيراً في إعداد الوجبات فهو يُعطي وجبة لهذا ووجبة لهذا ووجبة لهذا ووجبة لهذا وهكذا حتى افتقر الرجل ولكن ما باليد حيلة، ليس أمامه إلا أن يفعل هذا، ولكن بعد بضعة أيام ياتيه رجل وهو جالساً في الدار فيقول له جحا: مَن أنت؟!

فقال “أنا صديق صديق صديق قريبك”، والمقصود أنه يُريد وجبة طبعاً، فدخل جحا وعاد إليه بصحن فيه ماء ساخن، فشمَّه الرجل ولم يجد فيه أي رائحة، وجد فقط ماءً ساخناً، فقال له: لماذا هذا العقوق؟!

ثم سأله: ما هذاالذي في الصحن؟!

فقال له ” هذا حساء حساء حساء مرقة بطة قريبي”، أي أن هذا مثل هذا، وطبعاً هذه نُكتة ولكن لهت عمقها الكبير جداً الذي يجب أن ننتبه إليه، ومن ثم لا يجب أن تقول لي أن ليس علاقة بالتصوف – مثلاً – لأنك سلفياً، لأن التصوف والعرفان بل والدين عموماً لا يُمكِن أن يُؤخَذ بطريق العنعنة، فحتى وأنت سلفي يا سيدي عليك أن تُدرِك أن الدين والروح والنفس والأخلاق ليست هى حدَّثنا فلان عن عن عن عن عن عن عن عن عن عن رسول الله، هذا غير صحيح لأن الدين في أصله لا علاقة له بحدَّثنا فلان عن فلان الذي يُؤدي دوراً واحداً أو خُطوة واحدة ثم ينقطع به الأمر، أي أن المسألة لا تتعلَّق بحدَّثنا فقط لوجود شيئ آخر إسمه جرَّبنا وعشنا ورأينا، فهل جرَّبت وعشا ورأيت؟!

هل كُشِفَ لك واتصلت؟!

إذن ما علاقتك بالدين؟!

من الطريف أن شخصية جحا حين دُرِسَت وقع حولها خلافات من ضمنها خلافات تتعلَّق بقبره، وهذه الخلافات طبعاً ناشبة إلى اليوم في الدوائر الشرقية عند الفرس وعند الترك وعند العرب وعند الغربيين في الدوائر الاستشراقية، فيُوجَد دراسات كثيرة جداً جداً جداً لأن الخلافات – كما قلت – ناشبة وشرسة، فالمشهور أن قبره يُوجَد بآق‌شهر بقونيا، ومكتوب على شاهدة قبره أنه تُوفيَ سنة ثلاثمائة وست وثمانين هجرية، لكن بعضهم قال “في الحقيقة هو تُوفيَ سنة ستمائة وثلاث وثمانين”، ومن ثم فالرقم كان مقلوباً تماماً لأنه قال في نادرة له “أعيش بينكم في هذه الدنيا مقلوباً رأساً على عقب”، أي أنه كان يُشير إلى هذا ومن ثم كتبوا تاريخ وفاته مقلوباً، ومن هنا بعضهم قال “تاريخ وفاته الحقيقي في القرن السابع الهجري وليس في القرن الرابع”، لكن بعضهم قال “التاريخ فعلاً هو ثلاثمائة وست وثمانين، وعندك ثلاثمائة زائد ثمانين زائد ستة فتُساوي هذه الجُمَّل بالحساب حروف الشين والواو والفاء التي تُكوِّن كلمة شوف، أي أنه هوالرجل المُستبصِر الذي شاف”، ولكن بعضهم قال “تحتمل بالتضعيف أن نجعل منها شوَّف، فالأمر لا يتعلَّق بكونه مُجرَّد شاف ولكنه شوَّف، فهذه ربما تكون أدل دلالةً لأن الرجل كان لديه لياقة وقدرة أن يُريك، فهو شاف ويُريد أن يجعلك تشوف مثله”، أي أنه يُريد أن يهزك – كما قلنا – ويُريد أن يلطمك وأن يستفز وعيك، وهو قادر على هذا إن فهمته، ومن ثم عليك أن تنتبه إلى هذا، أما إن ضحكت واهتززت فقط فلن تفهم شيئاً لأنك خفيف الوزن وهو على أنه مزَّاح ضحَّاك كان لا يُحِب الناس الخفيفين ويُسميهم السفهاء، ولكنه كان يُحِب من الرجل أن يكون ثقيلاً فيفهم العمق من خلال هذا السطح المازح الضاحك.

في قصة جحاوية جميلة يعرفها الجميع يراه أحد جيرانه يوماً في الليل وهو يبحث تحت بُقعة ضوء عن شيئ فيقول له: يا جحا ماذا تبحث بالله؟!

قال “عن مفتاح أحد البيوت التي امتلكها”، فقال: وأين فقدته؟!

قال “في الدار”، فقال: ويحك، فلم تبحث عنه هنا خارج الدار؟!

قال ” لأن الضوء هنا أكثر”، فما المُراد بهذه الجحاوية؟!

المُراد طبعاً أن الذي لا يعرف طريق الاستنارة يقع فريسة للوصفات والطقوس والآليات فيُقال لك خُذ الطريقة هذه واقرأ الورد هذا واذهب إلى الشيخ هذا ولكن هذا لن يُجدي لأنه يجب في البداية أن تعرف ماذا تُريد بدقة، ولا يُمكِن أن تعرف ماذا تُريد بدقة إذا قيل لك ماذا تُريد، أي أنه لا يُمكِن لأحد أن يُخبِرني عما أُريد بل يجب علىّ أنا أن أعرف هذا وأن أتحسَّس هذا بحدسي وبحاجتي، فأنت – مثلاً – الذي تعرف أنك تشعر الآن بالظمأ أو بالجوع، ولا يُمكِن لأحد غيرك أن يعرف قبل أن تعرف أنت لأنه لا يُوجَد إنابة في هذه المشاعر، وبالتالي لا يُمكِن لأحد أن يقول لك أنت مُخطئاً لأنك لست ظمآناً ولست جائعاً، فأنت الذي تعرف هذا وليس هو، ومن هنا نجد أن لدى العارفين مثل صوفي مشهور يُؤكِّد هذا المعنى تماماً حيث يقول “لا تُرسَل قبلة مع مرسال”، لأن القُبلة لا إنابة فيها، وكذلك كافة المشاعر والوجدانيات لا إنابة فيها، والتفكير نفسه لا إنابة فيه، من المُمكِن أن يُوجَد مُناظَرة ومُحاوَرة وتثاقف لكن لا يُمكِن أن يُوجَد إنابة، ومع ذلك مُعظم الناس يستنيب في هذه الأشياء وخاصة في التفكير وفي الحدوس وفي الأشياء الروحية، فيأتي يدلني – مثلاً -أحدهم على شيئ أنا لم أعرفه أصلاً وهذا غير صحيح لأنه يجب أن أعرف ماذا لدي قبل أن يدلني، يجب أن أعرف ما هو نوع العطش الروحي الأنطولوجي الوجودي الذي أُعانيه وأُكابِده والذي برَّح بي، ثم لابد أن أنطلق بعد ذلك من لياقاتي التي زودتني بها السماء، فمُستحيل أن الله ألقاك هكذا تحتاج إلى عيون غيرك لأن – كما قلنا – التجربة لا تُستنسَخ ولا تُلقَّن، فإذا لم تفعل هذا ولم تستخدم عيونك وآثرت أن تستخدم آذان الآخرين أو ألسنة الآخرين سوف تفقد عيونك، فلن تُحرَم فقط من منافع ما تُلقيه ألسنتهم أو يُسمَع منهم بل ستفقد منفعة بصرك أنت أيضاً، وهنا سأقتبس إيسوب Aesop – لن أقتبس جحا ولا جلال الدين الرومي وإنما سأقتبس إيسوب Aesop – في واحدة من أروع حكاياته التي هزتني، حيث أن في خُرافة من خُرافات اليوناني إيسوب Aesop يأتي الخلد – الخلد هو هذا الحيوان الأرضي الذي لا بصر له، فقط يتشمَّم بالأسنان الماضية جداً ولكن لا بصر له – الصغير إلى أمه ويقول “يا أماه باركي لي ما أنا فيه وما صرت عليه”، فتقول له: ما هو يا بني؟!
فيقول “صرت بصيراً بحمد الله”، فتعجَّبت الأم لأن الخلد لا يبصر طبعاً وقالت له: عجيب، وأَنَّى لك البصر؟!

قال “هكذاالسماء أغدقت علىّ بهذه النعمة، فلم أعد أشم فقط كمعاشر الخلدان ولكن أنا أُبصِر أيضاً الآن”، فقالت له “لنُجري تجربة لنتحقَّق من هذا”، فوضعت أمامه قطعة من باخور وقالت له: ما هذا؟!

فذهب يتشمَّم لأن ليس عنده بصر أصلاً وقال “قطعة حجر أو صخرة”، فقالت “وهكذا يا بني أنت لست فقط أعمى ولا تُبصِر بل أنت فقدت الآن حاسة الشم أيضاً”، وهذا شيئ عجيب لأن مثل الجحاويات ومثل هذه الروميات عميقة جداً، والصوفيون العالميون – ليس العرب وإنما الأعاجم – يُوقِّرون جداً إيسوب Aesop ويستخدمون بعض حكاياته وخُرافاته في دواوينهم طبعاً، وهذا واضح جداً في صوفية الأعاجم والغرب لأن إيسوب Aesop يُعتبَّر أستاذاً روحياً، ومن ثم بهذا المعنى يُعاد قراءة هذه الخُرافات والقصص التخيلية، فما معنى أن تقول الأم لابنها الصغير أنك لم تعد أعمى فقط بل فقدت حاسة الشم أيضاً وانتهى كل شيئ للأسف الشديد؟!

معنى هذا أن الذي ينطلق إلى الله ولا يُحسِن استخدام الملكات التي زوَّدته بها السماء اتكالاً على ما يُقال وما يُلقى في روعه وما يُردِّده الآخرون – وقد يكون أكثر الآخرين هؤلاء إلا قليلاً من الكذبة السرَّاق النهَّاشين للمعارف كما وصفتهم في صدر الخُطبة – سينقطع تماماً في هذه الحالة وسيموت محروماً.

أقول قولي هذا وأسأله تبارك وتعالى أن يصلني ويصلكم ويُعرِّفني ويُعرِّفكم، والحمد لله رب العالمين.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

أما بعد:

قد يُثير بعضكم إشكالية فيقول: إذا كانت التجربة العرفانية لا تُستنسَخ ولا تُلقَّن ولا تُعلَّم لكي لا تكون آلية ميكانيكية فاقدة لمعناها وأثرها فكيف يُمكِن للعارف الذي اتصل أن يعيش في هذا العالم وأن يتواصل مع هذا العالم إذن؟!

هل ينقطع عن هذا العالم أم يتواصل معه؟!

يتواصل معه، ولكن له طريقته في التواصل التي لا تقوم على التغافل أو التجاهل وإنما تقوم على التواضع بمعنى “خاطبوا الناس على قدرِ عقولهم”، ومن هنا ضرورة ضرب الأمثال لأن المعنى لا يُمكِن أن يُصاغ الصياغة المُباشِرة فلا يبقى إلا الحكاية الرمزية و إلا الرمز من وراء وراء.

يرى أحدهم جحا ذات يوم فيُسلِّم عليه ويسأله عن أحواله وعن الجديد، فيقول له “بفضل الله – تبارك وتعالى – أوتيت لطيفة وكرامة أن أرى في الظلام”، فيرد عليه قائلاً: يا جحا قد يكون ما تقوله ربما صحيحاً ولكنني رأيتك بالأمس فقط تمشي بالليل ومعك سراج، فلماذا وأنت تقول أنك ترى في الظلام؟!

قال “لكي لا يصطدم بي الذين لا يرون في الظلام”، إذن هذا لفت بمثابة صفعة جديدة وذكية جداً أيضاً، فهو يقول “أنا أرى في الظلام ولكن الذين لا يرون في الظلام قد يصطدمون بي ومن ثم أنا أحمل هذا المصباح”، أي أنه يُريد أن يقول “العارف الذي اتصل وعاد لا يحتاج إلى هذه الوسائل البسيطة ولا يحتاج إلى المنطق الشكلاني ولا يحتاج إلى منطق الحساب ولا إلى منطق الزخرف، ولكنه يُضطَّر أن يفعل هذا من أجل ألا يصطدم به أهل المنطق الشكلاني، فيتواضع لهم ويتنازل ويتسامح في حقه لأن حقه أن يكون فوق هذا وغير هذا وخارج هذا النطاق كله”.

سأختم الآن بشيئ – علماً بأن الخُطبة لم تتسع بالضبط إلا لنصف الحكايا التي أحببت أن أُعلِّق عليها وأن أُعيد قراءتها – يتعلَّق بالإشارة إلى ما يُعرَف بآلة الخبرة -Experience Machine – وذلك لأن المُفكِّرون والفلاسفة في الغرب هنا يتحدَّثون عن آلة افتراضية تُسمّى آلة الخبرة، فما شأن هذه الآلة وما عملها؟!

آلة الخبرة هى مُجرَّد فكرة ذهنية لآلة يُمكِن إذا اتصلت بها أن تُدخِلك في عالم افتراضي، هذا العالم الافتراضي يُتيح لك أن تخبر شتى أنواع الرغائب واللذائذ، ويُعطيك إمتاعاً وسعادة وبهجة – Happiness وPleasure وEnjoy وما إلى ذلك – بلا حدود تقريبا، ولكن الخيار أمامك يكون حدياً، فما إن تُوافِق على أن تُربَط بهذه الآلة حتى يمتنع عليك أن تعود إلى هذا العالم وحتى تنسى بالمُطلَق أنك مربوط بها لأنك لن تكتشف بعد ذلك أنك مربوط بهذه الآلة ولكن المُكافأة هى أنك ستعيش عالماً لاذاً من خلال السعادة والبهجة التي ستتوفَّر لك حيث يُوجد تستوستيرون Testosterone افتراضي على مُستوى عالي جداً، ومن ثم سيتوفَّر لديك بهجة ولذة ونشاط وسعادة عجيبة، وطبعاً من اللطيف جداً أنني لم أر الآن سعادة في وجوهكم وأن أُحدِّثكم عن هذه الآلة، علماً بأن ردة فعلكم هذه صحيحة لأن مُعظم البشر – هنا في الغرب حتى وهم يطلبون المُتع واللذائذ – حين سُئلوا وتُقصيت آراؤهم حول مدى قبلوهم بأن يُربَطوا بهذه الآلة قالوا “لا” وهذا شيئ غريب، ومن ثم هذا أوحى لأول مرة إلى علماء النفس الذين قاموا بعدد من الأبحاث نفسية وإلى المُفكِّرين الأخلاقيين طبعاً بأن السعادة ليست حالة مشاعرية أو وجدانية أو نفسية يعيشها الإنسان، فليست هكذا تكون سعادة لأن السعادة في رأي مذهب رهيب جداً يُمثِّل نصف الفلسفة الأخلاقية تقريباً هى الخير الأسمى والخير الأبعد والأقصى والمُطلَق – كما أشرت في الخُطبة السابقة – وبالتالي لا يُمكِن أن تحدث هذه السعادة عندما يصلون أحدنا بآلة ما فليست هكذا تكون السعادة وليس هكذا يكون طريقها لأن السعادة ليست حالة وجدانية معيشة بل هى هذا ولكن يُضاف إليها الوعي بأسباب هذه السعادة وهذا هو أهم شيئ، فلابد أن نعي لماذا نحن نشعر بالسعادة وما هى مثارات هذه السعادة، فإذا لم نكن واعين بمثار هذه السعادات لن نشعر بالسعادة، ولذلك المُؤمِن الصادق العارف – اللهم عرِّفنا بك كما عرَّفت الصالحين يا رب العالمين والعارفين – الذي يعرف الله أكثر من غيره مزيد معرفة يكون أسعد مع كل معرفة زائدة، ولذلك أهل الله هم أسعد عباد الله ومن هنا ترى وجوهاً تطفح بالسعادة والرضا والبشر ولكن هذا يحتاج إلى تحليل، وعلى كل حال آلة الخبرة هذه يُمكِن أن توحي إلينا بفكرة أخرى مُزعِجة جداً جداً جداً وهى أننا في الحقيقة كلنا تقريباً مربوطون بآلة أيضاً،علماً بأن كلنا تقريباً كذلك لأن الاستثناءات نادرة جداً جداً جداً بل هى أندر من النادر – اللهم استثننا – ولكن أين يقع هذا الربط؟!

نحن مربوطون ومُوصَّلون بآلة – يا ليتها كانت آلة لذة وسعادة – عقم وجدب روحي وفكري وعاطفي وإبداعي بالتشريط الذي يُمارِسه علينا المُجتمَع والأمة والجمهور والمُؤسَّسات والتاريخ والثقافة، وهو تشريط – كما قلت في البداية – لا يعرف الرحمة وبعد ذلك يُنتِج – كما قلت – منتوجات مُتشابِهة جداً ونمطية، حيث أن من المعروف والمحسوب لكل أحد منا كيف يسلك ويُفكِّر وما الذي يبنغي أن يُريده، أي أننا رُبِطنا بشيئ أشبه بالآلات، ولكن أنا أعتقد أن الخواجة أو المُلا نصر الدين جحا يُمكِن أن يُعيننا وأن يُسعِفنا لكي نفك هذا التشريط ولكي نُقطِّع هذه الأسلاك وهذه الروابط فنتحرَّر وبالتالي نُحاوِل أن نُقارِب العالم بعيون جديدة وبعدسات جديدة لكي نُحاوِل أن نرى ما لم نره من قبل.

اللهم أرنا وعرِّفنا ودلّنا، اللهم قدِّس ضمائرنا وسرائرنا، اغفر لنا ما قدَّمنا وما أسررنا وما أعلننا وما أسرفنا وما جنينا على أنفسنا وما أنت أعلم به منا.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (19/2/2016)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 18

اترك رد

  • الدكتور عدنان ، اعتقد انك تطرح موضوعات جديدة ومهمة وعميقة واهميتها تكمن بتركيزها على طريقة التفكير بعيدا عن القولبة والتقليد والاجترار ، لكني اعتقد انك تتناول الموضوعات بشكل عشوائي غير مترابط وطريقة عرضك وحديثك لا تتيح للمستمع البقاء متواصل معك . لاحظ ان المستمع لا يمكنه التركيز على نقطة محددة يدور حولها الحديث اذا زادت مدة الحديث عن 45 ثانية ، وعندما كنت تتحدث عن اللطمات والاستفزاز كان عليك ان تنتقل من نقطة لاخرى من خلال لطمة تعيد للمستمع انتباهه ، لا تكثر من حشو الكلام وترديد المفرادات المترادفه وكان الذي يسمعك لا يفهم المعنى من اول مفردة .

    • لاعيب في رجل كعدنان أن يناقش المسألة بهكذا طريقة ، وهو يعرف خطوات خطبته وناقش الموضوع بعمق وذكاء ، لذا كان عليك أخي أكرم أن تكز في المضمون وتناقشه أفضل من الشكا فعدنان يتقنه

  • الانسان عدو مايجهل ..
    ============،
    ولهذا قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لاتسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسوءكم ). ويقول الله تعالى : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى ).
    ان كلمة الوحي تعني العبارات غير الصريحة التي وصفها الله بـ : [ الآيات المتشابهات ] التي لايعلم تأويلها الا الله والراسخون في العلم ، حينما يتقدم العلم في الآفاق الزمنية القادمة ، فمن أجل هذا يقال : [ ان الانسان عدو مايجهل ] ؟.
    ولهذا أوصى رسول الله الصحابة – الذين في قلوبهم زيغ الجهالة بالعلوم الكونية – أن لا يؤلوا الآيات المتشابهات حتى يأتي أوان تأويلها على لسان الأئمّة المجددين الذين يبعثهم الله على رأس كل مائة سنة امام واحد يستنبط تأويلها من علوم عصره ، وبناء على ذلك لابد من ان تقتضي الحكمة الالهية ان يكلم الله ورسوله الناس على قدر عقولهم حتى لا ينفّر الناس قليلي العلم من الايمان بها غيبا الى ان يحين زمن تأويلها بتقدم العلوم الكونية المغيبة ، فمن جملة الأمور التي لايمكن ان تتكلم بها صراحة عدم ذكر القرآن عن الامور المجهولة بعصر بداية نزول الرسالة الالهية ان تراعي اهل الجاهلية الاولى وعلى رأس هذه الامور الحديث عن كروية الأرض بالاشارة لا بصريح العبارة لأن القرآن لو قال ان الأرض كروية بصريح العبارة لما قبل أحد ان يدخل بالاسلام لأن جميع أهل ذلك الزمان كانوا أهل الجاهلية ولايمكن ان تتقبلوا هذه المعلومة – التي تتناقض مع عقلية المجتمع الجاهل بسنن الله الكونية – ولهذا استخدم القرآن تعبير الاشارة بقوله تعالى : ( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) .
    فبهذه الاشارة تكفي لأولي الالباب الراسخون في العلم ان يستنبطوا منها كروية الأرض بداهة ، وهناك آيات كثيرة في كتاب الله وصفها بالمتشابهات تعبّر عن الأمور المجهولة بالأمثال والاشارات حتى لا يستنكرها من يجهلها ، ومن هذه العلوم المكنونة مسألة بداية الخلق وتطوره عبر ملايين السنين ، ولذلك قال تعالى : ( قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق ) .
    فلو ان الله قال صراحة انه خلق الانسان من سلالات حيوانية لغضب الجهلاء واستاؤوا من كونهم انهم كانوا من اصول حيوانات مختلفة الاطوار مروا بها عبر الزمان لأن الجاهل اكثر الناس اعتزازا بنفسه ولا يعترف انه جاهل فكيف يعترف انه كان حيوانا قبل حياته البشرية على هيئة انسان ؟ ولهذا قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا – بالغيب – لاتسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ) .
    وقال رسول الله أيضا : [ ان من العلم كهيئة المكنون لايعلمه الا قليل لو سمعه الأغرار لاستنكروه ] وقال ايضا : [ ايها الناس لاتعطوا الحكمة لغير أهلها فتظلموها ..ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ] .
    كذلك الأمر في انباء الغيب حول مفهوم ( اليوم الآخر ) الذي يظنه الناس بأنه يشير الى يوم القيامة ، بينما هو يشير الي المستقبل الذي يعجز الانسان فيه عن العمل فان كان المرء لم يضيّع شبابه في اللهو واللعب وانما اغتنم شبابه في الجد والجتهاد والعمل وادخر المال اللازم لحياة كريمة بأواخر حياته بعد العجز عن العمل ولم يحتاج للناس ،ومن هذا الاعتبار بشّر الله المتقين بجنات النعيم وتوعد الفجار بالجحيم وهي حياة الذل والمهانة الصعبة الشاقة ، حيث ان كلمة الجنة توحي الى المستقبل المجهول ولهذا وصفها رسول الله بأنها فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وبهذا الزمان تجلى المعنى التأويلي اكثر من أي وقت مضى ، وذلك من حيث ان كل ما بين ايدينا – في هذا الزمان – هو من مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قبل خمسين عاما فقط ، فما بالكم في عصر النبوة البعيد ؟.
    ومن هذا الاعتبار نؤكد ان كل مفاهيم السلف عن تفاسير الآيات لاتناسب مفاهيمنا المعاصرة ، ومن يتقيد بالمفاهيم السلفية سوف يبقى يعيش في عصر الجاهلية ، وهناك أمور كثيرة يجهلها السلف قد انكشفت لي في هذا العصر الذي اشرقت فيه الارض بنور ربها ووضع كتاب الله تحت مجهر العلوم المختلفة لتأويله على الوقائع العلمية الحديثة .. ولا استطيع ان ابين اكثر من هذا بهذه العجالة ، ولكني شرحت كل شيء في موسوعتي الكبرى التي تنتظر الظروف المواتية لنشرها واظهار دين الله على الدين كله ولو كره الكافرون والمشركون على السواء .. ان السلف بتفسيراتهم العقيمة للآيات المتشابهات على الوجه الظاهر هو الذي أخّر ظهور الدين على الديانات السابقة الى يومنا هذا ، لأن تأويل الآيات المتشابهات على الظاهر يتناقض مع عدالة الله الرحمن الرحيم من حيث صوروا الله بأنه ظلام للعباد حينما فهموا المؤمنين ان الحياة على الأرض مرة واحدة فقط متجاهلين قوله تعالى : ( مالكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ) .
    نعم لقد خلقنا الله – في بداية الخلق – خلقا من بعد خلق متسلسل بدئا من عالم النبات مصداقا لقوله تعالى : ( وانبتكم من الأرض نباتا ) .
    ثم نقلنا من عالم النبات الى عالم الحيوانات الرخوية – اللافقارية – وبعدها الى حيوانات تمشي على أربع ثم بعد ذلك بدأت تسويته فعدل قامته وصار يمشي على رجليه وفي أي صورة ما شاء ركبه وسيبقى يبدل صورته بحسب تطور عقله وفهمه للحياة والغاية منها وهي المشاركة في عمار الأرض وتعبيد السبيل لنفسه وللآخرين معرفة الخالق حق المعرفة ويحول جحيم الحيواة الدنيا – في المستوى الفكري – الى جنات – عالية المستوى المعيشي – تجري من تحتها الأنهار .
    ان عبارة الجنات تحتمل اكثر من المعنى المعروف عند السلف لأن الجنة تعني كل ماهو مجهول لم يعرفه الناس ، فقد تكون كلمة الجنة تأتي بمعنى العذاب مالم يعقبها تعريف صريح بدليل قوله تعالى : ( ويدخلهم جنات عرّفها لهم ) .
    فاذا لم تعرّف الجنة تحتمل معنى العذاب أيضا وهذا لم يتفطن له السلف لأن أنواع العذاب مجهولة أيضأ .. والآن رأينا امور كثيرة لم يكن قد أدركها السلف ولم تخطر على بالهم ،وبالتالي يمكننا القول ان الجنات الموعودة قد رأينا تأويلها على أرض الواقع ولم تعد من عالم الغيب ، كذلك الأمر بالنسبة الى عبارة : ( تجري من تحتها الأنهار ) لان عبارة الأنهار لاتعني – بالضرورة – أنهار المياه لأن كل ماهو يتدفق بكثرة يقال عنه نهر .. ولذلك وصف كتاب الله بأن هناك انهار من اللبن الذي لم يتغير طعمه . وهذا يؤول بالعلم اليقيني وأنهار من العسل المصفى – الذي فيه شفاء لما في الصدور من جهل متوارث عن آبائنا الأولون .. وهكذا الأمر في كثير من العبارات القرآنية لاتؤخذ على ظاهرها وانما تؤول بالوقائع العلمية الملموسة التي تتكشف للراسخون في العلم في كل قرن من الزمان ، ولهذا صنف الله المعرفة على ثلاثة مراحل : علم اليقين وهو يؤخذ من كتاب الله من غير تأويل ، وعين اليقين ويؤخذ من الأئمة المجددين لأهل عصرهم ، وحق اليقين ويؤخذ من العلماء التجريبيين في المختبرات .
    ولذا كان من الضروري ان تكون من الآيات جاءت بالمتشابهات التي لايعلم تأؤيلها الا الله والراسخون في العلم ، وهم العلماء التجريبيون تحديدا .
    فمن هذا المفهوم قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) فان عبارة التدبر تعني البحث عن خلفية الآية الذي يخالف ظاهر الآية اللغوي .. وسوف نزيدكم بهذه التفاصيل على دفعات ..واستودكم الله .
    هذا وبالله التوفيق .

    • فيه شفاء لما في الصدور من جهل متوارث عن آبائنا الأولون… d’ailleurs, il faut dire ” الاولين”
      je ne vais prolonger mon commentaire mais un point ne cesse d’augmenter mes doutes au sujet des interprétations que certains érudits musulmans commencent à utiliser comme une référence des plus crédibles, il s’agit de ce retour permanent à l’évolution. je n’y crois pas un seul instant et cela n’émane pas uniquement d’une conviction personnelle mais de l’avis de professeurs d’université qui enseignent la théorie darwinienne dans leurs programmes annuels de biologie. je partage ici l’avis d’un enseignant qui n’a trouvé d’autres termes pour qualifier cette théorie que celui de “sornette
      sinon, je reste l’un des admirateurs de la nouvelle tournure des sciences théologiques et surtout, du savoir dans le sens strict admis en islam, que propose M. A. Ibrahim et qui est plus proche et plus acceptable à l’appréhension d’un public plus étendu et qui ne se circonscrit pas uniquement dans les frontières du monde arabe ou persique et qui, plus est, n’est pas sous l’unique autorité patriarcale. qu’allah vous comble et comble vos efforts de succès si Allah est au coeur de vos réflexions et de vos activités.
      que dieu nous pardonne et nous guide pour (RE-)devenir la meilleure des nations.

      • نريد أن نقرأ لك يا شيخ أصابعك منذ ما يزيد عن الأربع سنوات و مللت من الفديوهات لانها عبارة دروس أو خطب جمعة و وقت الدرس أو الخطبة ضيق و لا يسمح بالتعليق في الموضوعات و سبر أغوارها نتمنى أن نقرأ لك كتبا في القريب العاجل

  • اظن الددكتور يؤمن بعدم وجود حقاءق مطلقة كفيلسوف حتى باعتماد جميع اساليب المناهج العلمية الفلسفية فاذا مهما حاولنا بناء معتقدات ما فلابد للانسان ان يستعمل غير الموثوق بمصداقيته في الكشف والبحث.
    كمن يبني بناءا واساسه غير مثين.

  • السلام عليكم .دكتور اريد ان اسالك . شاهدت عديد الحلقات التي تبين و تفسر كيف ان القران كتب بلغه اراميه سريانيه. و وجود كتاب كامل يفسر القران بالغه الاراميه و ادهشني ان معانيها تغيرت عن العربيه … الكتاب ل د غابرييل صامويل

  • مساء الكنوز المتحدرة من الرموز … سرحت بي هذه الخطبة إلى عالم من الكنوز المعرفية الآتية من الماوراء .. يا له من عالم ساحر أخاذ أذاق الله منه و من مَعينِه كلَ إنسان حر سليم القلب … بمناسبة الرمز ألم يكن هذا شأن النبي زكريا عليه السلام عندما قال إذ بشره تعالى بيحيى عليه السلام :{ رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيامٍ إلا رمزا } و في آية أخرى { ثلاث ليالٍ سويا } و كلمة { سويا } هي حال للكلام و المتكلم أي لا تكلمهم بشكل سوي ذي معاني مباشرة بل عن طريق الكناية المكنية و المعاني البعيدة غير المباشرة ، يعني ما يشبه هذه الحالة التي كان عليها بعض أولئك العارفين ثقال الوزن عند ربهم و ربما كان ذلك بإلهامٍ من الله إياهم أن يعيشو بين الناس على هذه الحالة و لذلك كتب جحا على قبره هذه العبارة [ كنت أعيش بينكم مقلوباً ] … تذكرت بعض المشايخ المعروفين في على هذا النحو و هم ( الشيخ نديم الوفائي و طاهر الرئيس ) رحمهم الله و أنالنا الله من أنوارهم في كل زمانٍ و مكان .. ما سمعت أحداً تحدث عن جحا بهذه الروعة التي جعلتنا نؤاخذ أنفسنا أن كم كنا نضحك من تلك الحكايات بلا تفكر بالقصد منها بينما هو مراده أبعد و أعمق من هذا بكثير مثلاً الأخيرة عن الخلد الأعمى الذي أصبح لا يشم أيضاً يمكن أن نعتبرها تفسيراً للمثَل القرآني { كالذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلماتٍ لا يبصرون صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون } فالذي يظن نفسه أنه يبصر و هو لا يبصر كالذي استوقد ناراً ـ و السين تدل على اصطناعها و افتعالها أي لا تحمل صفة الديمومة فما إن تضيئ دائرة صغيرة حوله إلا يصيح هنا و هناك فرحاً بها و بينما هو كذلك ـ على هذه الحالة من الاغترار ـ إذ دهب الله بنوره العظيم الحقيقي الثابت الأصلي فيه و المخلوق معه و لأجله مدى الحياة لكنه طمسَهُ بأفعاله الشنيعة و استكباره و غطرسته و الذي لا نسبة بينه و بين النار التي إن سلمَ من حرقِها لن يسلم من رائحة دخنها و أذاها ، فكذلك هذا الخلد ما إن نشر الأخبار بتمام الإبصار إلا و ذهبت منه حاسة الشم أيضاً فيا للبَوار ! … كذلك القصة الجحوية الأخيرة تحمل عبرة مشابهة بأن الإنسان عندما يرى ما هو أكثر راحة له يوهِم نفسه بأن هناك توجد حلول مشاكلهِ كلها و مفاتيح ما أغلقَ عليه بينما هي في الحقيقة لا توجد هناك بل هي حيث ضاعت حقيقةً في الدار و لو كانت عتمة فلنُضِئها باجتهادنا لنجد ما ضيعناه فيها لا نبحث خارج الدار حيث أننا لن نجد هناك ما ضيّعناه و لو كان مضيئاً …. يا له من إنسان عميق فعلاً ربما أعطى بهذا درساً و صفعة ( لطمة ) لنفس الرجل الذي سأله : لماذا تبحث عنه هنا و أنت ضيعته في الدار ؟ أي أن هذا الجار كان فعلاً قد ضيّع شيئاً و هو يبحث عنه حيث ما هو أريَح لا حيث ما هو أصوب ! .. شأنه بذلك شأن الخصم ( الملائكة ) إذ تسوّروا المحراب على داوود عليه السلام فأخبراه بما في نفسه عن طريق قصة سرداها له .. عفا الله عنا جميعاً و بصّرنا و نوّرنا و زادنا علماً و معرفة به و سعادة بوصله و جمعنا بهؤلاء الأبرار في دار القرار كما شعرنا من خلال هذه الخطبة النوعية أننا نرتع في أحلى الأمصار ..

  • هذه حقيقه كثير من الآيات في القرآن يتغير معناها الظاهر مثل [ويعلم مافي الارحام ] لو سألت اي عالم قبل اختراع الصور المقطعيه سيكون تفسيره يختلف الان بعد ان عرف نوع الجنين ذكر او انثى قبل ولادته

  • ارجوا الابتعد عن الترجمه الغير لازمة التي تبدوا للمتمع كأنك تريد ان تقول له انا اعرف مرادفها من الانجليزيه،،،،، شوربه بط= Duck soup كمثال

  • رائع جدا ، شكرا جزيلا للمشرفين على الصفحة وعلى هذا الموقع ، بارك الله بيكم ولكن نرجو اذا امكن ان تنشورا النص الكتابي للخطب كما كنتوا تفعلون قبل فترة … انا اعلم انه مطلب صعب ولكن نتمنى ذالك لسهوله مراجعة النص الكتابي الذ يختصر الوقت ويسهل التعلم وترسيخ المعلومات والافكار …شكرا لكم على سعة صدركم .

  • اخواني واخواتي في الله ، ارجوا منكم ان لا تتسرعوا بالحكم علي الدكتور عدنان ابراهيم ، وقدلاحظت خلال متابعتي لمجموعات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من التسرع ورمي التهم جذافا بدون تحرى وتقصي للحقائق ، وقد لاحظت هذا في ما يخص سلسلة نظرية التطور في جزئها الاول مع أني اعلم علم اليقين طريقة الدكتور في طرح المسائل وهذا من زمن يناهز ال 25 عاما،
    ومن ناحية اخرى أنوّه علي عدم تصديق كل ما يقال او عرض لمقاطع مستقطعة من خطبه او محاضراته ، واستغرب ذلك مع اننا نعلم ان الاية الكريمة ” وَيْل للمصلين …” لا تستوفي معناها الا حينما نكمل باقيها . فالذي يسعى الي الحقيقة بنية صافية ولله فما عليه الا ان يلتجأ الي المصدر كاملا واعني الخطبة او المحاضرة كاملة ، بذلك فقد استبرأنا ذمتنا ونجونا من الحساب يوم الحساب ، ارجوا ان تتقبلوا مني هذه النصيحة ، اللهم ارنا الحق حق وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه آمين

  • الدكتور عدنان ابراهيم مثال للداعية المسلم الحقيقي قد يصيب و يخطئ في اجتهاداته و له أجر الإجتهاد لكن دائما ما يهدف كلامه ولله الحمد إلى نبذ العنف و التفرقة و نشر قيم التسامح و السلام مما يغفر له هفواته المعدودة وأنا شخصيا قد اختلف معه في بعض المواضيع الا اني اعترف به كقائد روحي و عقلي بامتياز

%d مدونون معجبون بهذه: