إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ۩ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ۩ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ۩ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا ۩ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ۩ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ۩ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ۩ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ۩ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

هل للأفكار والقناعات تأثيرٌ في سلوك الإنسان؟ المنطق السليم أو الحس المُشترَك أو منطق البداهة كما يُترجَم الـ Common sense يقضي بأن نعم، لا ريب في أن لقناعات الإنسان تأثيراً واضحاً لا يخفى بل تأثيراً رئيساً وأساسياً في سلوكه، لكن انتبهوا، هذه المُقرَّرة على بساطتها ووضوحها تختزن في باطنها قدراً مُريعاً هائلاً من الاختلاف بين العلماء والفلاسفة والمُفكِّرين، لماذا؟ هذه المُقرَّرة البسيطة أو هذا التقرير الواضح لكي يمر ويعبر ولكي نُوافِق عليه لابد من قبل أن نُوافِق على أن للإنسان إرادة حرة، أما إذا قلنا أن الإنسان مُجبَر في كل ما يأتيه وما يجترحه يُصبِح هذا المُقرَّر أو هذا التقرير لا معنى له، لا معنى للقول بأن لأفكارك وقناعاتك تأثيراً في سلوكك بحيث أنه إذا تعرَّضت لأفكار أُخرى أو قناعات أُخرى يتغيَّر السلوك لأنك مُجبَر في نهاية المطاف، ومن هنا فلا جدوى ولا طائل ولا فائدة من الوعظ والإرشاد والتذكير والنصح، لأن ما سيكون سيكون، لأن ما سيقع سيقع، هذا المنظور ماذا؟ الحتمي أو المنظور الجبري!

طبعاً مَن ليس له تمهر ربما أو دراية مقبولة بهذه الموضوعات قد يستغرب من هذا وحُقَّ له أن يستغرب، لماذا؟ لأنه كما سمعتم قُبيل قليل منطق الإنسان السليم، الحس المُشترَك، منطق البداهة، الـ Common sense يقضي بأن الإنسان مُختار ومسؤول عن أفعاله، وأفعاله تؤول إليه، وهذه الأفعال والتصرفات والسلوكات تتأثَّر بقناعاته، هذا لا يكاد يشك فيه إنسان عادي، لكن للأسف يشك ويُشكِّك فيه أكثر الفلاسفة وأكثر العلماء في العصر الحديث وخاصة علماء الأعصاب وعلماء النفس من أسفٍ شديد!

قبل أن نخوض في هذا الموضوع – أعانني الله وإياكم طبعاً على التعاطي كموضوعات كهذه، هذه شديدة الغموض، شديدة الجدلية – أُريد أن أبدأ بتجربة قام بها عالما نفس شهيران من الولايات المُتحِدة الأمريكية، تجربة مُثيرة جداً ولها دلالتها، كاثلين فوهس Kathleen Vohs وجوناثان سكولر Jonathan Schooler قاما بهذه التجربة، مُلخَّصها أنهم أتوا بثلاثين طالباً وطالبة جامعيين، قسَّموهم إلى مجموعتين بطريقة عشوائية، مجموعة على جانب ومجموعة أُخرى على الجانب الآخر، المجموعة الأولى عرَّضوهم لقراءة نص من كتاب للعالم النوبلي فرانسيس كريك Francis Crick، أحد مُكتشِفي اللولب المُزدوَج، تعرفون كريك Crick المُهنِدس الذي أصبح عالماً حيوياً كبيراً وأخذ نوبل Nobel، عنده كتاب اسمه الفرضية المُدهِشة The Astonishing Hypothesis، نص من هذا الكتاب يتعلَّق بالوعي، لا علاقة له بالإرادة، المجموعة الأُخرى تعرَّضت لقراءة نص بنفس الطول أو بالطول نفسه من نفس الكتاب أو من الكتاب نفسه للعالم النوبلي نفسه عن الإرادة، ينتهي فيه كريك Crick – وهذا منظوره – إلى أن الإرادة الحرة – Free will – وهم، مُجرَّد وهم، نحن أيها الإخوة كل ما نُفكِّر فيه وكل ما نفعله وكل ما نجترحه مُجرَّد نتاج وانعكاس لبنيتنا الدماغية فقط، مُحدَّد بالبنية الدماغية، طبعاً يطيب لعلماء النفس الحتميين هؤلاء – هناك اتجاه حتمي كبير جداً في علم النفس – أن يُعبِّروا عن هذا المعنى بقولهم كل ما هو نفسي هو بيولوجي Everything psychological is biological، هكذا يقولون! كل شيئ نفسي منشأه ومصدره – هذا معنى الـ Is هنا – حيوي بيولوجي، هذه نظرة اختزالية يا إخواني، طبعاً بداهةً أي إنسان يصدر من منظور توحيدي ومن منظور إلهي ومن منظور ديني يرفض مثل هذه الاختزالية، لأنه يُؤمِن أن الإنسان جسدٌ ونفسٌ، العامة تقول وروحٌ، أي جسدٌ وروحٌ، هذه النفس أو هذه الروح بالذات – تعبير الروح – قبسٌ من نور الله تبارك وتعالى، شيئ أتى ووُهِبَ وأُعطيَ للإنسان ومُيَّز به الإنسان ولا ينتمي إلى عالم الطبيعة، القرآن طبعاً واضح هنا، الكتب المُقدَّسة واضحة جداً هنا، أنت نعم بدن وهذا البدن ينتمي إلى عالم الطبيعة ويجري عليه كل ما يجري على موجودات الطبيعة، هذا عادي، لا تُوجَد عندي مُشكِلة، فسِّر البدن وعمليات البدن الحيوية تفسيرات طبيعية ونحن نقبل هذا، لا تُوجَد عندنا أي مُشكِلة، ضع البدن في القفص الحديدي للحتمية السببية Causal determinism، لا تُوجَد عندنا مُشكِلة، لكن لا تضع الإنسان كله في هذا القفص الحديدي، لا تحكم على الإنسان بهذا المنطق الحتمي المادي الواحدي ثم تتوقع أنك تنجح في التفسير، انتبه إلى هذا، هم طبعاً بعُنجهية وغطرسة يتحدَّثون، وأنا طبعاً أتعرَّض لهذه الموضوعات أحياناً رُغم صعوبتها الشديدة والبادية لأنني أجد أن هناك تأثراً كبيراً من قطاع عريض من شبابنا العربي والمُسلِم بهذه الطروحات، مئات المواقع تُردِّد هذه الطروحات وتتحدَّث عن سام هارس Sam Harris وكتابه عن الإرادة الحرة وتقول ماذا قال سام هارس Sam Harris، وكأن سام هارس Sam Harris – هو عالم أعصاب بلا شك، عالم مُتخصِّص في الأعصاب، عالم واحد من ألوف علماء الأعصاب – فيلسوف ومُفكِّر عظيم، بالعكس سوف ترون بُعيد قليل وبالدليل الملموس العكس، وأنا كرَّرت هذا ودأبت على تكريره عشرات المرات في عشرات الخُطب، هؤلاء الناس بالذات الملاحدة العلميون الجُدد لياقاتهم الفلسفية يُرثى لها، تبعث على الرثاء، لا يتوفَّرون على أدنى ما يُمكِن أن يُطلَب من لياقة فلسفية، سوف نرى هذا حين نُناقِش هذه المُشكِلة، فللأسف شبابنا – كما قلت لكم – بالألوف يتأثَّرون بهذه الطروحات، يبدأون يتشكَّكون في المنظور العقدي وفي المنظور الديني، يبدأ بعضهم ينسلخ من الدين، وهم طبعاً فرحون جداً بأنهم كائنات مادية آلية ميكانيكية محكومة بالحتمية السببية المُطلَقة الشاملة، دخلوا في هذا القفص الحديدي، لكن بماذا أنت فرح؟ أنت فرح بماذا؟ إلى وقت قريب كان الناس يُعبِّرون عن امتعاضهم من المنظور اللاهوتي – من المنظور الكلامي العقدي – لبعض علماء العقيدة أو لكثير منهم الذين يُرجِّحون أن الإنسان مجبور إزاء العلم والإرادة والقدرة الإلهية، الإنسان مجبور، هذا منظور الجبرية Fatalism، ليس Determinism وإنما Fatalism، أي منظور الجبرية، أن كل شيئ محكوم بماذا؟ بالإرادة والعلم الإلهيين السابقين، ما قدَّره الله حين قدَّره سيقع كما قدَّره لا مناص، هذا اسمه المنظور الجبري Fatalistic، لكن انتبهوا إلى أنهم استعاضوا أيها الإخوة بمنظور آخر هو منظور الجبرية المادية المُسمى بالحتمية Determinism، أي أنك هنا كنت مجبوراً لكن على الأقل كنت مجبوراً لله – وطبعاً لا نُوافِق نحن على المنظور الجبري، لا نُوافِق – وأنت الآن أصبحت مجبوراً لكن لقوانين المادة الاصماء العمياء التي لا تتساءل حتى أنت بصدد مَن الذي قوننها؟ مَن الذي قننها؟ مَن الذي وضعها؟ مِن أين أتت قانونية القانون؟ لا تتساءل، ضحيت بحريتك راضياً وفرحاً ، عجيب جداً، المنظور الديني يقول لك أنت قبضة من تراب الأرض ونفحة من روح الله، أنت مُميَّز جداً، المنظور المادي يقول لك أنت ابن النجوم، أنت ابن غُبار النجوم، أي الـ Dust الآتي من النجوم، انفجارات السوبر نوفا Supernova وما إلى ذلك، وأنت لا شيئ، ويوم تموت كما قال برتراند راسل Bertrand Russell وحتى هيتشنز Hitchens – كريستوفر هيتشنز Christopher Hitchens – كل شيئ ينتهي، الآلام والآمال والطموحات والإبداع والعبقرية والاستنارة والجمال، كل شيئ ينتهي، عدم! منظور عدمي، وأنت فرح بهذا المنظور، هنيئاً! هنيئاً لمَن يفرح بهذه المنظورات العجيبة على أنها اختزالية وتعجز عن تفسير أشياء كثيرة جداً المنظور التوحيدي ينجح في تفسيرها ليس تفسيراً علمياً وإنما في تفسيرها تفسيراً دينياً وتفسيراً روحياً وتفسيراً ميتافيزيقياً، والعلم في أحيان كثيرة يأتي لكي يُؤشِّر على صحة هذه التفسيرات الميتافيزيقية، يقول هذا صحيح، انتبهوا إلى أن العلم يفعل هذا، ليس العلم الموجود في الخارطة العلمية، هناك أشياء الآن علمية ويتوافر أصحابها والقائمون عليها على كل شروط المنهجية العلمية، وحين يُجرون تجاربهم يُجرونها بكل ضوابط إجراء التجربة العلمية لكنهم مقموعون ملغيون ومُحارَبون ومُزرىً عليهم ولا تُظهَّر أقوالهم وأبحاثهم، لماذا؟ لا ندري لماذا! على أننا كعامة وكأناس عاديين نخبر في أنفسنا وفي مَن نعرف مِن الناس مئات بل ألوف الحالات والتجارب التي تُؤكِّد المنظور الآخر غير المُتواجِد على الخارطة العلمية حالياً، العلم المُقدَّس هذا – الإله الجديد – يسكت عنها ولا يُفسِّرها بل يعتبرها خُرافات وأشياء غريبة لكنها تقع وتفعل وتقع كل يوم وكل ساعة، المنظور الآخر العلمي يُفسِّرها، لماذا لا يُتقبَّل؟ الإصرار على المنظور المادي، بعض الناس قد لا يستوعب هذا لكن هذا موجود، يُوجَد إصرار حقيقي في قلب المنهجية العلمية السائدة على استبعاد كل ما يُؤشِّر إلى أي شيئ وراء الطبيعة، لا يُريدون هذا، هذا مرفوض، وهناك أشياء كثيرة تدل عليه لكنه مرفوض، لا نُريدها ولا نُحِب أن نستمع إليها!

نعود إلى تجربة العالمين الشهيرين، على كل حال أتوا بهؤلاء، وهؤلاء قرأوا هذا النص وهؤلاء قرأوا النص الذي ينتهي إلى أننا مُجرَّد آلات أو دُمى، نحن عالم من الدُمى نتحرَّك بخيوط، هذه الخيوط مَن الذي يُحرِّكها؟ أسباب مادية عصبية وهرمونية وحتى اجتماعية وثقافية، لا شأن لنا بها، نحن لم نختر جيناتنا – Our Genes – أو جينوماتنا Our Genomes، لم نختر! لم يختر أي منا الجينوم – Genome – الخاص به أبداً، وبالتالي لم نختر ليس فقط أوصافنا الفيزيائية بل لم نختر حتى أمزجتنا، الإنسان على مُستوى المزاج – مثلاً – يا إخواني مُتأثِّر بماذا؟ مُتأثِّر بعاملين، العامل الأصلي هو عامل جيني، هذا العامل الجيني يتظهَّر ويجد تعبيره في عامل عصبي، النواقل العصبية Neurotransmitters، هذه النواقل العصبية منها نواقل تُؤثِّر على المزاج، السيروتونين Serotonin في الدماغ أحد هذه النواقل يا إخواني، هذا مسؤول عن المزاج وعن الشهية وعن النوم أيضاً، حين يقل هذا الإنسان يدخل في عالم أسود من الاكتئاب، يعضه الكلب الأسود كما يقولون، الـ Depression! لأن كميات قليلة عنده، لذلك الأدوية التي تُقاوِم الاكتئاب مُعظَمها تعمل على ماذا وبآلية ماذا؟ بآلية ضخ كميات زائدة من السيروتونين Serotonin، فيتعدَّل مزاج الإنسان ويشعر بأنه طيب، أي طيب الحال، يشعر بطيب الحال، قالوا هذه مسألة مادية ونحن قلنا لكم كل ما هو نفسي هو بيولوجي، أنت ابن الكيمياء ابن الأعصاب، ابن الكهرباء أنت، ابن المادة! أنت لست شيئاً وراء المادة، ويقتنعون بهذا، وطبعاً الإنسان الغِر البسيط حين يسمع حُجج مثل هذه يقتنع، وطبعاً يأتونك بعشرات الأمثلة على مُختلَف هذه النواقل وعلى مُختلَقف الهرمونات Hormones أيضاً، الإنسان يتأثَّر بهذه النواقل العصبية وأيضاً بالهرمونات Hormones، النواقل العصبية هذه تُبَث سريعاً وتعمل سريعاً وتنتقل بسرعة انتقال الإشارات العصبية، أما الهرمونات Hormones فهي تنتقل ببطء ومفعولها أطول من مفعول النواقل العصبية، هذا معروف، يعرف هذا الإنسان حين تسطو به حالة من الغضب الشديد، لأدرينالين Adrenaline طبعاً فوق الكلوية أو الغُدة الكظرية، هذا الهرمون Hormone هو هرمون Hormone التحفيز، إما أن تضرب وإما أن تهرب، أي Fight-or-flight، تحتاج إلى وقت حتى تهدأ بعد ذلك!

على كل حال يأتون بأمثلة كهذه يُقنِعون بها السُذج من الناس، أننا أبناء المادة وتسري عليننا قوانين المادة ولا دخل لنا في عمل هذه النواقل والهرمونات Hormones لأن لا دخل لنا في جينوماتنا Our Genomes، أليس كذلك؟ عامل مادي يُفضي إلى عامل ثم إلى عامل ثم إلى عامل، كلها عوامل مادية باستمرار، لو تتبعتها حتى النهاية ستجد أن كل ما تقوله أو تفعله أو تأتيه أو تترك مُحدَّد في الماضي السحيق مُنذ البداية، أف! هل تقصد في علم الله؟ قال لا يُوجَد الله، أستغفر الله العظيم، ما الإله؟ أستغفر الله العظيم، لا يُوجَد إله مادياً، أي في المادة وفي الكون، هذا هو الـ Determinism، هذه هي الحتمية السببية Causal determinism، قال هذا هو، مادية! في المادة فقط، وهذا عجيب، إذن نحن مجبورون من طرف ماذا؟ المادة، من طرف العالم الطبيعي مجبورون بالكامل، حل محل الإله هذا العالم وقدَّر لنا وقدَّر علينا كل شيئ، قالوا هذا هو بالضبط، ويحتجون بأشياء عجيب، لكن قبل أن نستتلي نعود إلى التجربة، ماذا كانت النتيجة؟ مُجرَّد نص، نص ربما في صحيفة أو صحيفيتين أو ثلاث صحائف فقط، يُقرأ في عشر دقائق على الأكثر، بعد ذلك مُصمِما التجربة فوهس Vohs وسكولر Schooler عرَّضا المُجموعتين لاختبار بسيط في الحساب، جمع وضرب وقسمة وأشياء مثل هذه، عشرون مسألة حسابية لكن في وقت قصير، أي بسرعة، وذلك أمام الحاسوب، طبعاً وصمما التجربة عن عمد وعن قصد بحيث يظهر الجواب على شاشة الحاسوب، وأفهموا المُختبَرين الآتي، قالوا لهم انتبهوا إلى أن هناك خطأً للأسف، المُصمِم أخطأ ولكن نُريد منكم أن تكونوا أُمناء، أي قبل أن تقرأ الإجابة اضغط على الـ Spacebar، إذا ضغطت على الـ Spacebar تختفي الإجابة وأنت حاول أن تُولِّد الإجابة بمهاراتك الحسابية الخاصة بك، يُريدون أن يروا الغش Cheating، هل يغشون أو لا يغشون؟ النتيجة العجيبة والتي كانت مُثيرة جداً أن المجموعة الثانية – من نفس الجامعة ومن نفس الطلّاب الذين اختيروا عشوائياً وقُسِّموا إلى مجموعتين بطريقة عشوائية – التي قرأت النص لفرانسيس كريك Francis Crick الذي ينتهي إلى أن الإرادة وهم – الإرادة الحرة وهم – وأننا مُتكيِّفون مع بنية الدماغ المادية فحسب لا أكثر – إذن الإرادة الحرة مُجرَّد خديعة، وهم كبير، أي Illusion – غشوا بنسبة أكبر بكثير، ولك أن تتخيَّل هذا، نص بسيط قرأواه في سبع دقائق أو عشر دقائق أو أقل أو أكثر جعلهم غير مسؤولين، خفَّض درجة تحسسهم من ماذا؟ من الغش، من الكذب، من الخداع، جعلهم يتساهلون في اتخاذ قراراتهم، ما دام مُجبَر مُجبَر أنا سوف أغش، لماذا يُقال أنني غبي؟ سوف انظر إلى الجواب ولن أضغط على الـ Spacebar، شيئ غريب جداً، ثم بعد ذلك يقول لك لا بالعكس، هذه المسائل من ناحية بيداغوجية لا تأثير لها، مَن الذي قالها؟ هؤلاء الفلاسفة العظام، فلاسفة الإلحاد الكبار، أي أنهم لا يستحيون، قبلناكم علماء لكن لن نقبلكم مُفكِّرين أو فلاسفة حقيقيين، لستم فلاسفة، يلبسون لباس الفلاسفة بلا أدنى لياقة فلسفية!

لورانس كراوس Lawrence Krauss صاحب العبقرية الكبيرة – شيئ من لا شيئ، كون من لا شيئ – والعبقرية الرهيبة ناقشناه مرة في حلقة هنا، لورانس كراوس Lawrence Krauss يتدخَّل دون أن يُطلَب منه حتى وريتشارد دوكينز Richard Dawkins يدخل على الخط ويقول: لكن على حال بغض النظر ماذا كانت نتيجة هذه النقاشات في الإرادة الحرة – هناك إرادة حرة أم لا؟ – الأمر لن يتغيَّر، ما الذي لن يتغيَّر؟ قال لن يتغيَّر تماماً كما نتناقش – مثلاً – عن أشياء تخص الذرات في هذه الغُرفة، يُمكِن أن تُناقِش هل الذرات – مثلاً – تتحرَّك بحرية أو بحتمية، مثل نفترض! هل تخضع للحتمية النيوتونية الخطية أم تخضع للا حتمية الهايزنبرجية؟ قال في نهاية المطاف الذرات ستتحرَّك كما تتحرَّك بغض النظر عن نظرتك أنت، هذا صحيح لكن النقاش الآن عن ماذا؟ عن الحرية الإنسانية، هل تُوجَد حرية أو لا؟ هل تُوجَد حرية إرادة أو لا تُوجَد هذه الحرية؟ حين تقول لي النقاش لن يُؤثِّر هذا يعني مُصادَرة على المطلوب، هذا يعني أن عندك قناعة مُطلَقة أننا مُجبَرون مُحتَّم علينا أن نفعل وفق الحتمية السببية وبغض النظر عن أي شيئ نحن مجبورون، هذا شيئ لا يقع فيه أبسط طالب حتى، أبسط طالب مدرسة أو جامعة! يا رجل بعد أن ننتهي من النقاش تعال بعد ذلك وعلِّق بمثل هذا التعليق، أليس كذلك؟ لكن قبل أن يبدأ النقاش كيف تقول لي لا يُؤثِّر؟ هذا غير صحيح، يُؤثِّر، لكن أين موطن النقص الذي شوَّه أفكار هؤلاء وجعلها فعلاً ليست فقط اختزالية وإنما جوفاء أيضاً؟ هذه نقاشات جوفاء، يُوجَد نوع من الفجوات الرهيبة في هذه النقاشات، هل تعرفون ما هو؟ أنهم يصدرون عن قناعة مُطلَقة بالمنظور المادي تفسيراً للوجود وما حوى، لم يتركوا أدنى احتمال ولو بنسبة خمسة في المائة يا سيدي لوجود ربما شيئ لا مادي مُكوِّن للإنسان اسمه النفس أو الروح، لا ينتمي لعالم المادة، وهنا قد يقول لي أحدكم لماذا؟ ما الذي يلزهم أو يضطرهم إلى إتاحة المساحة أو الهامش لمثل هذا الافتراض العقيم غير العلمي؟ الذي يلزهم عشرات ألوف التجارب التي تحصل يومياً معي ومعك ومع الناس كلها، أليس كذلك؟ لا تستطيع أن تتغاضى عنها!

طبعاً دائماً أنا أُتهَم بأنني عقلاني جداً ومُخرِّف وصوفي وما إلى ذلك، هذا غير صحيح ولم أُجِب عن كل هؤلاء لأنني أعلم أيضاً قصورهم العقلي والفكري، قصور شائه وعجرفة، العجرفة غير مُستحَبة في عالم العلم والفكر، يا أخي ألوف ألوف الحالات يومياً من الأحلام التنبؤية، يرى شيئاً في المنام يتحقَّق كما رآه بعد يوم أو بعد أسبوع أو بعد شهر، كما رآه! فسِّر لي هذا مادياً، لن تستطيع!

التليباثي Telepathy – التخاطر عن بُعد – كل الناس خبروه، طبعاً تجارب علماء الباراسيكولوجيا Parapsychology الحديث الآن المُعاصِرة تجارب علمية مُصمَّمة وفق أكثر الترتيبات والإجراءات احتراماً من ناحية علمية، وتحدَّثنا أيضاً في أكثر من خُطبة عنها وخاصة أبحاث العالم ريدن Reddin، يتغاضون عنها! تجارب علمية – أعيدوها، تفضَّلوا، هيا أعيدوها – تُؤكِّد تماماً واقعية هذه الظواهر، والعجيب أن هذه الظواهر الباراسيكولوجية – تُسمى الظواهر الخارقة أو الخارقة للطبيعة وإلى آخره – لا تعمل وفق القانون المادي، تعمل عكسه تماماً، القانون المادي يعمل في المادة، هذه الظواهر غير مُتأثِّرة بالقوانين المادية، أي لا تتأثَّر – مثلاً – بقانون التربيع العكسي، بحسب قانون التربيع العكسي كلما طالت المسافة بين المُتخاطِرين يجب أن تضعف موجة التخاطر لو فسَّرناها بأنها موجة كهرومغناطيسية، مثلاً نفترض! لكنها لا تضعف، نفس الشيئ مع القريب ومع البعيد، نفس الشيئ كأنه آني، شيئ آني! غريب، ما هذا؟ لا يتأثَّر إطلاقاً، طبعاً يُوجَد كلام طويل يُمكِن أن تعودوا إليه في مظانه، هذه الظواهر لا يتكلَّمون عنها، هذه الظواهر يُسكَت عنها، ويُوجَد ما هو أكثر منها يا سيدي، ظواهر الطرح الروحي أو الخروج من الجسد وقعت لألوف من الناس، لألوف من الناس! أشهرهم – حدَّثتكم عنه مرة – بارني كلارك Barney Clark الذي رُكِّب له أول قلب صناعي في تاريخ البشر المُعاصِرين، بارني كلارك Barney Clark كتب تجربته وصدمت الجرّاحين الذين أجروا العملية، الرجل كان تحت تخدير كامل تام ولا يُوجَد وعي، لا يُوجَد وعي إطلاقاً، بعد أن انتهوا من العملية فاجأ الجرّاحين بقوله أنتم فعلتم كذا وكذا وأنت قلت له كذا وكذا وزوجتي كانت في الممر تبكي وتدعو وتقول كذا، قالوا كيف عرفت؟ قال أنا رأيت كل شيئ، أنا رأيتني، رأيت بدني ورأيتكم من فوق، أنا كنت أعلى، ما هذا الجُزء الذي انفصل وكان يرى ويُدرِك إذن؟ هذا وعي لا علاقة له بالجهاز العصبي – انتبهوا – المُخدَّر بالكامل، فسِّروا هذا!

هذه الظواهر بالألوف يا إخواني، أنا شخصياً أعرف بعض الناس تجري لهم هذه الظواهر، ما رأيكم؟ طبعاً لا تستطيع أن تتعجرف وتقول لا أنا عقلاني، لا أنت جهلاني، تُصبِح إنسان جاهل، إنسان تتعبَّد للعلم، كأن العلم إله، العلم صنعة الإنسان، منهج الإنسان، مُقارَبة إنسانية! لن أكون عبداً له، لن أكون عبداً إلا للحق، مهما ثبت هذا الحق أنا سأنقاد إليه ولا يهمني أن تصفني بأنني خُرافي وغير علمي، هذا لا يهمني، في نهاية المطاف النصر سيكون للحقيقة، سيرثي كثيرٌ من الناس بل سترثي البشرية لهؤلاء المُتعجرِفين اليوم للأسف الشديد، الذين يُرهِبون الناس إذا أرادوا أن يُخالِفوهم استناداً إلى وقائع صُلبة يا إخواني، وحين تُدرَس بالمنهج العلمي تُثبِت واقعيتها لكن لا تفسير مادياً لها، لا تفسير علمياً لها، ضعوا مُقارَبات إذن تفترض وجود النفس كشيئ لا مادي ووجود الروح كشيئ لا مادي ولا طبيعي، لكن لا، أعوذ بالله، أتُعيدونا إلى قرون الخُرافات والأديان والأنبياء وهذا الكلام الفارغ؟ لا نُريد هذا، إذن كونوا قاصرين كما تُريدون، نحن لا نُريد هذا، نحن نبغي لأنفسنا الخير والمعرفة، معرفة الحق، نُريد أن نعرف الحق!

الآن هناك في بريطانيا – مثلاً – عالم أحياء كبير جداً جداً، عشرات الكتب عنده وعشرات الأبحاث، عالم مُحترَم في كامبريدج Cambridge اسمه روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake، شيلدريك Sheldrake هذا عنده نظريات ومُقارَبات جديدة، هذا الرجل يكذبون عليه، يُحارِبونه فقط بأنهم يكذبون عليه ويُزوِّرون عليه، ثم بعد ذلك يعتذرون وينسحبون، وقالوا ملاحدة ومُتشكِّكون، غير نزيهين، ملاحدة غير نزيهين، شكَّكاون غير نزيهين وغير مُحترَمين، المُحترَم يحترم الحقائق، والرجل يُثبِت كلامه وعنده صفحة مُتاحة للناس، عنده موقع إلكتروني – Website – وقال لك تفضَّل، يدعو العلماء من مُختلَف أنحاء الأرض قائلاً أعيدوا التجارب التي أقوم بها، أقوم بها أنا وأقوم بها علماء ماديون شكَّكاون أيضاً ويثبت ما أقول، شيئ غريب! أزعجهم جداً، حاولوا أن تتعرَّفوا على روبرت شيلدريك Rupert Sheldrake وأبحاثه وُمقارَباته الجديدة، وهو صاحب مُقارَبة العقل المُمتَد، العقل المُمتَد Extended Mind, الرجل يقول لك العقل ليس محصوراً في الدماغ، وهذا شيئ خطير سيعوزنا رُغماً عنا إلى الطروحات الإلهية والتوحيدية واللا طبيعية رُغم أنهم يُحاوِلون العكس ويقولون هذه الطروحات تظل طبيعية، الأمر مُختلِف تماماً طبعاً، قال لا، العقل مُمتَد خارج البدن في الزمان – Time – والمكان – Space – أيضاً، وعنده أشياء وتجارب هامة، تجارب تستطيع أنت أن تُجريها وهي غريبة وعجيبة جداً، حتى على الكلاب أعزكم الله، ما رأيكم؟ الكلب يعرف أن صاحبه كل يوم يعود من العمل الساعة الرابعة مساءً واليوم يُريد أن يعود في الساعة العاشرة صباحاً، يقف ينتظره على الشباك الكلب، يعرف أنه سيعود قبل ذلك، شيئ عجيب، تجارب بالمئات صادمة، إذن كيف؟ كيف عرف الحيوان هذا؟ هذا يعني وجود عنصر لا مادي أيضاً – شيئ غريب – أو يعني وجود هذا العقل المُمتَد، حتى عملية الإبصار فعلاً عملية إلى الآن مُعجِزة، وأنا قلت قبل ذلك الذي يقول لك أنا أفهم كيف تتم عملية الإبصار هو لا يفهم شيئاً، بنفيلد Penfield الذي أخذ نوبل Nobel في الفسيولوجيا Physiology قال نحن لا نفهم كيف، شرينغتون Sherrington قال نحن لا نفهم كيف، لا نفهم! فلا تظنوا أن الكلام الذي درسناه في الإعدادية شرح لنا كل شيئ وينعكس ويخرج وما إلى ذلك، في النهاية كُتلة الهُلام والبروتين Protein المُظلِمة والمُظلِمة ظلاماً دامساً لا فيها ألوان ولا فيها صور ولا فيها أي شيئ، كيف نرى نحن العالم؟ شيلدريك Sheldrake قال لك لا، في الحقيقة أنت ترى العالم في مكانه، أنا أراك وأنت في مكانك وليس في دماغي، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، العرض يحدث في الخارج، الدماغ والأعصاب والشبكة العصبية كلها لها دخالة كبيرة جداً جداً – طبعاً هي جهاز – لكن العرض ليس في الدماغ، العرض في الخارج، نظريات جميلة جداً ومُمتازة، مُقارَبات جديدة لابد أن تُؤخَذ بعين الاعتبار وبجدية، لكن يُوجَد حرب عليها لأنها – كما قلت لكم – تُضعِف من هذه المادية الصُلبة، تُزعزِع الثقة فيها، وهذا يُزعِجهم ويُرهِبهم، هناك إرادة للبقاء في المنظور المادي، في القفص الحديدي المُظلِم هذا للأسف الشديد!

نأتي الآن إلى موضوعنا العتيد يا إخواني، كما قلت لكم موضوع شديد التعقيد لا يُمكِن أن نخوض فيه فعلاً فلسفياً أو حتى علمياً، أُريد فقط أن أعرض ربما لأشهر شُبهة يشغب بها هؤلاء ونُحاوِل أن نُقارِب الجواب عليها بطريقة ثانية، بحيث نصل إلى جواب مُختلِف تماماً، إلى تفسير مُختلِف تماماً!

طبعاً باختصار يا إخواني كخلفية تاريخية سريعة فيما يختص بالفلسفة الأوروبية إلى القرن السابع عشر – أي إلى ما قبل القرن السابع عشر – كان التعاطي مع هذه المُشكِلة تعاطياً من منظور لاهوتي، أي الدين كما تعرفون، الفلسفة اليهودية والفلسفة المسيحية بالذات والفلسفة الإسلامية حتى المنقولة إليهم، كان تعاطياً لاهوتياً، هذا لن نتعرَّض له، بعد القرن السابع عشر اختلف الوضع والذي دشَّن هذه الحقبة فيما يُرجَّح هو توماس هوبس Thomas Hobbes صاحب Leviathan، توماس هوبس Thomas Hobbes هو الذي دشَّن هذه الحقبة، الرجل انطلق من تصور مادي شديد الحماس لينتهي إلى أن الإنسان مُجرَّد حيوان مُتطوِّر أكثر تعقيداً، والحيوانات والبشر هي آلات مادية طبيعية لا أكثر، أي مثل التروس والزمبلكات والبراغي وليس أكثر من هذا، لكن الإنسان أكثر مادية، ومعنى أنه أكثر مادية أي أكثر تعقيداً، ليس أكثر من هذا، إرادة الإنسان ماذا عنها؟ هل للإنسان إرادة؟ وهل هذه الإرادة حرة؟ هل ترتفع بحرية إرادة الإنسان؟ قال أنا أعترف بالإرادة في حدود ماذا؟ في حدود تفسير جديد، الإرادة هي الدوافع والحاجات والرغبات، أي الغرائز، الغرائز والحاجات التي تدفع الإنسان وتقود الإنسان، جميل جداً! الحرية أين؟ الحرية حين لا يعترض سبيل تحقيقها وسبيل إشباعها شيئ، هذه الحرية، عجيب! هل هذه حرية إنسان؟ انمسخ الإنسان، من هذا المنظور الهوبسي انمسخ فعلاً إلى مسخ صغير وحقير مثل أي حيوان، سمكة القرش أو القط أو الدودة حتى أو الصرصور عنده رغبات، أليس كذلك؟ وتحدوه وتحفزه غرائز، وحين يُحاوِل إشباعها ولا يعترض سبيل إشباعها شيئ يكون تمتَّع بالحرية، قال لك توماس هوبس Thomas Hobbes هذه حريتك وليس أكثر من هذا، عجيب! نحن نرى بالمنطق السليم الخاص بنا وبمنطق البديهة أننا ننطوي ونتوفَّر على حرية أكبر من هذا بكثير يا إخواني، كيف؟ سوف نُبسِّط هذا لأننا لا نُريد أن نعقد خُطبة لنقاش هوبس Hobbes، هذا موضوع ثانٍ، وهناك مَن ناقشه الحساب بشكل جيد!

خُذوا حالة مُدمِن المُخدِّرات، وهذه الحالة التي طرحها الفيلسوف الإنجليزي المُعاصِر توماس بينك Thomas Pink، عنده دراسات مُمتازة في هذا الموضوع وعنده منظور خاص لحرية الإرادة يُمكِن أن تعودوا إليه، بينك Pink يقول اعتبروا بحالة المُدمِن، مُدمِن المُخدِّرات! مُدمِن المُخدِّرات وفق المنظور الهوبسي يتمتع بأعلى قدر من الحرية، أليس كذلك؟ هناك حاجات تدفعه – حاجات إدمانية طبعاً – وهو يُلبيها ليل نهار حتى وإن أودت به إلى الهلاك، لكن الذي نراه نحن أيضاً أن مُدمِن المُخدِّرات هو أكبر شخص مُعتقَل، هو أكبر شخص سجين، أليس كذلك؟ سجين المسكين ومشلول، مشلول لا يقدر على مُواصَلة دراسته ولا عمله ولا يقدر على القيام بأعباء العائلة إن كان له عائلة ولا يقدر على التواصل الاجتماعي، مسجون بالكامل المسكين ومُقيَّد ومُستعبَد، مُستعبَد بالكامل، فمُستحيل أن هذه الرغبة التي تتحقَّق وبلا عوائق في حق هذا المُدمِن للمُخدِّرات هي جوهر حريته، أليس كذلك؟ هذا غير صحيح، جوهر حريته في شيئ آخر هو لم يعد قادراً على أن يتظاهر به أو أن يتميَّز به، وهو حرية ماذا؟ أن يرفض تلبية الرغبة، أي الـ Free want و الـ Free will، الـ Free will يدخل في تكوينها Free want، أليس كذلك؟ شيئ يدفعني وأنا أستطيع الآن أن أُلبيه، لكنني لا أُريد أن أُلبيه، الله! هل عندك هذه القدرة؟ نعم عندي هذه القدرة على أُلا أُلبيه، سمكة القرش لا تستطيع ذلك، سمكة القرش لا تستطيع ذلك، سمكة القرش إذا كانت جائعة بمُجرَّد أن ترى فريستها تتوجَّه إليها مُباشَرةً، فإن لم يعقها عائق أتت عليها، لا تستطيع أن تُجري حسابات وأشياء وبعد ذلك أسئلة من طبيعة دينية أو أخلاقية وعن المسئولية ومدى حدود المسئولية وأخلاقية التصرف، لا يُوجَد الكلام هذا، وبتعبيري أنا الذي كرَّرته من سنوات طويلة جداً جداً المسافة في عالم الحيوانات من حيث الأصل بين الرغبة وإشباعها وبين الحاجة وتحقيقها معدومة، ما يُميِّز الإنسان أن المسافة بين الرغبة أو الحاجة وإشباعها وتحقيقها طويلة وأحياناً طويلة جداً، واعتبروا بالمُتدينين، الذي راهق وبلغ الرُشد في الثالثة عشرة من عُمره ولم يتزوَّج إلا في الثلاثين وهو عبر سبع عشرة سنة لم يزن مرة واحدة، لم يستعمل هذه الطاقة فيما حرَّم الله، شيئ غريب، مُخيف هذا، أليس كذلك؟ عظمة الإنسان هنا، أنا لست سمكة قرش، لست صرصاراً، لست دودة، أنا إنسان عندي حرية أن أفعل – Free will – وعندي حرية ألا أستجيب للرغبة – Free want – أيضاً، علماً بأن الـ Free want هي الأهم، هي ما يجعلنا بشراً، ما يجعلنا أناسي وبشراً، قوة الـ (لا)، مُدمِن الخمر ليس عنده هذه القوة وكذلك مُدمِن المُخدِّرات، لذلك هو منقوص الحرية، والمسكين يشعر بأنه سجين ويستغيث أحياناً أن أنقذوني من نفسي، لم يعد لدي سُلطة التحكم في نفسي، هذا مجبور، هذا المسكين يعيش الحتمية، أليس كذلك؟ هذا حر هوبس Hobbes، هذا هو حر هوبس Hobbes، حر هوبس Hobbes عبد.

لذلك في كل التراثات الصوفية وفي كل التراثات الروحية كيف تُعرَّف الحرية؟ اترك الدراسات الفلسفية والعقدية، أتحدَّث عن التراث الروحاني الصوفي الشرقي الإسلامي والشرقي الأقصوي، الحرية تُعرَّف أساساً بأنها تعالٍ على وانعتاق من الرغبات والغرائز والأهواء، ما رأيكم؟ الجميل جداً أن فرويد Freud – سيجموند فرويد Sigmund Freud – حين ذهب يُعرِّف الحضارة قال الحضارة هي تحكم توقيف وتحكم اعتقال للغرزي، أليس كذلك؟ عكس هوبس Hobbes تماماً، لا يُمكِن أن تنشأ حضارة لو كنا أحراراً على الطريقة الهوبسية، أليس كذلك؟ لا يُمكِن، إنما تنشأ الحضارة بشيئ آخر، ولا يُنشيء الحضارة الصراصير، قد تقول لي حتى النمل عنده حضارة، لكن لا، النمل لا يُنشيئ حضارة، انتبه إلى أنه لا يُنشيء حضارة أبداً، وذات مرة ذكرت عبارة كارل ماركس Karl Marx وهي عبارة مُمتازة في هذا السياق، قال الفرق بين أفشل مُهندِس – ائت بمُهندِس فاشل – وبين أذكى نحلة فرق هائل جداً جداً، ودائماً يكون طبعاً لحساب المُهندِس، أي لصالح المُهندِس، لماذا؟ المُهندِس يُهندِس وكل مرة يُضيف إضافات جديدة، يُهندِس لك فيلا بطريقة ولي بطريقة مُختلِفة وله بطريقة ثالثة وهكذا، هذا الابتكار الإنساني والإبداع الإنساني، أما أذكى نحلة فهي مُنذ ملايين السنين لا تزال تدأب على بناء مُسدَّساتها بنفس الطريقة، أليس كذلك؟ غريزة! هذه غريزة، بنت الغريزة، لكن هذا ابن الإبداع، أليس كذلك؟ هذه الخرطة بنت الإبداع، هذا المُسدَّس ابن الغريزة، الحيوانات لا تُنشيء حضارة لأنها لا تضبط غرائزها، الذي يضبط غرائزه ويتعالى عليها ويتفوَّق في التفكير والإبداع هو الإنسان، فرويد Freud اعترف بهذا على أنه يرى أن الحضارة في النهاية مُجرَّد عُصاب جماعي أيضاً، هو حر لكن نحن نُريد أول كلامه، نُرثيد صدر كلامه وليس عجز كلامه.

إذن ما يجعلنا بشراً أو أناسي مُتمِّزين – ما يجعل الواحد إنساناً – هو قوة الرفض، في التراثات الصوفية يقولون هكذا، ابن عطاء الله السكندري – رحمة الله عليه – يقول ماذا؟ يقول:

أنْتَ حُرٌ مِمّا أنْتَ عَنْهُ آيِسٌ                                   وَعَبْدٌ لِما أنْتَ لَهُ طامِعٌ.

أنْتَ حُرٌ مِمّا أنْتَ عَنْهُ آيِسٌ، أي يائس، وَعَبْدٌ لِما أنْتَ لَهُ طامِعٌ، تطمع في شيئ مُعين أنت عبد، لكن كما قال مهيار الدمشقي:

مَلَكْتُ نَفْسِي مُذْ هَجَرْتُ طَبْعِـي                               اليأسُ حُرٌّ والرَّجَاءُ عَبْدُ.

مَلَكْتُ نَفْسِي مُذْ هَجَرْتُ طَبْعِـي، أي تعاليت على غرائزي وعلى حاجاتي، اليأسُ حُرٌّ والرَّجَاءُ عَبْدُ، أنا يائس! يائس من نوالك فأنا حر أو مُتحرِّر، لكن حين أكون طامعاً فيما عندك أصبح مُستعبَداً لك، أليس كذلك؟ أتذلَّل لك وأتملَّقك وأُداهِنك وأكذب عليك، ما هذا؟ لا، أنا حر لأنني غير خاضع للحاجة المادية مثلاً، فحر، أليس كذلك؟ إذا خضعت لها فأنت عبد، حر لأنني أأبى أن أخضع لغريزتي، بالمُناسَبة سلوا الصوّام – لماذا نذهب بعيداً؟ – ماذا يفعل الصائم؟ هو هذا، كأن رسالة الصوم ربما تكون الرسالة الأولى والأصيلة تذكيرٌ لك بأنك إنسان، يا إنسان أنت إنسان، تذكَّر هذا، لست حيواناً، أنت أعلى بكثير بالنوع وليس بالدرجة من أن تكون حيواناً، أنت إنسان، من الصباح إلى المساء لا تأكل ولا تشرب ولا تأتي شهوتك، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، قال إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، كأن الصوم تذكرة أو تذكير بالأصل الإلهي لك، لذلك قال لك كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، لماذا إذن؟ لأن الصوم يدل على الجانب الإلهي فيك، جانب ماذا؟ التحرر من الرغبات والتحرر من الحاجات، هل هذا واضح يا إخواني؟

للأسف بعد القرن السابع العشر وبتأثير من توماس هوبس Thomas Hobbes الذي أنشأ المُشكِلة الحديثة للإرادة الحرة صار التناول لها من منظور مادي، الحتمية السببية كما قلت، وتمايزت المواقف إلى ثلاثة، سأذكر هذا وأُعلِّق عليه بتعلق أحسب أنه مُهِم يا إخواني، تنبَّهوا إليه لتعرفوا أين القصور في الفكر البشري، ليس لأنهم غير أذكياء، أكيد هم أذكى منا طبعاً، نحن أذكى من غيرنا وهم أذكى منا وهكذا، تُوجَد نسبية في هذه الأشياء، لكن المنظور الذي تصطنعه يُقيِّدك طبعاً، أنت إذا أخذت نظّارات باللون الأخضر ونظرت سوف ترى الأشياء مُخضَرة، أليس كذلك؟ هذا بتركيب حتى الألوان، رُغم أن عينك لديها قدرة أن ترى الأشياء بألوان أُخرى، أنت قيَّدت نفسك بالمنظور – Perspective – الخاص بك، هم قيَّدوا أنفسهم بماذا؟ بمنظور مادي، ففاتهم الكثير، ولذلك هم يعجزون عن تفسير أشياء كثيرة إلى اليوم وسيظلون عاجزين ما لم يُغيِّروا المنظور، لكن نحن عندنا حرية أكبر، نستفيد من منظوراتهم وعندنا منظوراتنا ثم نرى بعد ذلك كيف سنصل إن شاء الله.

ماذا قالوا؟ قالوا المواقف تمايزت إلى ثلاثة، مواقف التوافقيين، مذهب التوافقية Compatibilism، الـ Compatibilism يقول الإرادة الحرة لا تتعارض مع الحتمية السببية، هناك حتمية سببية وتنطبق على الإنسان، عجيب! ومع ذلك يبقى الإنسان حراً وله إرادة حرة، كيف؟ مثل توماس هوبس Thomas Hobbes، إذا فهمتم تصويري لموقف توماس هوبس Thomas Hobbes سوف يكون هذا جيداً، توماس هوبس Thomas Hobbes توافقي، يقول بالحتمية المادية السببية ويعترف بحرية الإنسان لكن ضمن تعريف جديد اختزالي مُشوَّه لحرية الإنسان، أنها ماذا؟ أنها قدرته على تلبية رغائبه وإشباع شهواته وحاجاته دونما اعتراض مُعوِّق خارجي أو غير خارجي، أليس كذلك؟ قال هذا هو، فهذا يحدث، هذا لا يتناقض مع الحتمية السببية، هذا موقف التوافقيين، نحن لسنا توافقيين، سوف تقول لي هذا صحيح لأن هذا يحتاج إلى شرح، نحن البشر العاديون لكي نتعلَّم ونكون توافقيين لابد أن تشرح لنا هذه النظريات وتُقنِعنا بها، لكن نحن من غير شرح ومن غير إقناع ماذا سوف نكون؟ لا توافقيين، أي Incompatibilism، هذا مذهب اللا توافقية، مذهب اللا توافقية ينقسم إلى موقفين فرعيين، الليبرتارية ومن ثم نحن ليبرتاريون نُؤمِن بأن الإنسان لا توافقي زائد أو إضافة وأن له إرادة حرة، ما معنى لا توافقي؟ لا توافقي يرى أن الإرادة الحرة تتناقض مع الحتمية السببية Causal determinism، يقول لك لا، يُوجَد تناقض، إذا كانت هناك حتمية سببية لن تكون هناك إرادة حرة، هل الليبرتاريون – من Liberty حرية، هؤلاء التحرريون أو الأحرار، أصحاب مذهب الحرية – يُؤمِنون بالحتمية السببية؟ لأ، ينفونها، هذا يعني أن هؤلاء ليسوا حتميين، قالوا لا تُوجَد حتمية سببية في العالم وهذا كلام فارغ، هذا كلام نيوتن Newton ومَن جاءوا بعده، أنتم حُجتكم ماذا؟ قالوا نحن أصحاب ميكانيكا الكم، انظر إلى فيزياء القرن العشرين، أي الفيزياء المُعاصِرة، ميكانيكا الكم وفيزياء الكم تُؤكِّد أن العالم غير حتمي، وهذا صحيح، فيزياء الكم هزت هزة قوية ورجت رجة عنيفة أُسس الحتمية النيوتونية، هناك أشياء كثيرة لكن لن نشرح هذا، أكيد شرحناه في مُحاضَرات وخُطبة سابقة، ورأينا أن كيف في العالم تحت الذري – Subatomic world – والدقائق تحت الذرية – Subatomic particles – كلها تتصرَّف بلا حتمية، أليس كذلك؟ مُستحيل أن تقدر على التنبؤ بدقة لمعرفة ما سيحدث، نحن ندرسها فقط إحصائياً، ولا تزال هناك أشياء أعقد من هذا بكثير في فيزياء الكون ومعروف ما هي، وكلها تضرب هذه الأسس، لكن يأتيك المادي والحتمي ويقول لك لا، هذا على المُستوى دون الذري فقط، على المُستوى الكبير والواضح – ونحن نعيش في المُستوى الكبير والواضح – لا نرى هذا الشيئ، نحن نرى فقط الحتميات، لكن انتبه إلى أنك تُخاطِر، نقول له لا تزال أنت تُخاطِر، إذا كان كل هذا العالم مبنياً من هذا الطوب الصغير – الذرات – وعالم الذرات وما دون الذري طبعاً – الدقائق الذرية – كله محكوم باللا حتمية فهناك احتمال كبير أن يكون إدراكنا للحتمية في العالم الكبير إدراكاً خاطئاً أو مُشوَّهاً، أليس كذلك؟ قد يكون الأمر على العكس، قضية طويلة ومُعقَّدة!

فهؤلاء أصحاب مذهب الحرية الليبرتارية، قالوا لا تُوجَد حتمية سببية، فنحن لا توافقيون ونرى أن الحتمية السببية تتناقض مع الحرية، أي حرية الإرادة، والإنسان عنده حرية إرادة، فضحوا بماذا؟ بالحتمية السببية، عكسهم التشككيون أو الشكّاكون، أي أصحاب مذهب الشكية Skepticism، هؤلاء التشككيون قالوا الحرية الإنسانية إذا فرضناها تتعارض بقدرٍ مُتساوٍ – أي Equally – مع الحتمية السببية ومع اللا حتمية السببية، طبعاً قد تقول لي كيف هذا؟ لن نُناقِش هذا، هذا يحتاج إلى مُحاضَرات، كيف تحتاج مع الحتمية؟ هذا واضح، لكن كيف تتعارض أيضاً مع اللا حتمية؟ قال لك تتعارض، ولن تُصبِح حرية، ستُصبِح عشوائية، ستُصبِح غموضاً وفوضى، وبالتالي لا تُوجَد حرية إنسانية، ليس ثمة حرية، فضحوا بماذا؟ بالحرية الإنسانية، ضحوا بالحرية الإنسانية! وبحسب منظوراتهم بعضهم لصالح الحتمية السببية وبعضهم لصالح اللا حتمية واللا يقينية، هل فهمتم يا إخواني؟

هذه هي جُمّاع أو هذه جِماع المواقف الحديثة، إذا أردت موقف أي عالم – عالم أعصاب أو عالم نفس – أو فيلسوف أو مُفكِّر هذه هي المواقف، إما أن يكون توافقياً وإما أن يكون لا توافقياً، وإن كان لا توافقياً إما أن يكون ليبرتارياً وإما أن يكون تشككياً، هل انتهى الأمر؟ يُوجَد خلل هنا، يُوجَد نقص، قد يقول لي أحدكم يُوجَد نقص وهذا صحيح، أكيد يُوجَد نقص، يُوجَد نقص كبير مبني – كما قلت – على المنظور وناشيء وناجم من اختزالية المنظور، كل هذه الـ Schema هذه مُؤسَّسة على فرضية ومنظور أن العالم مادة ومادة فقط، لا يُوجَد غيب ولا يُوجَد إله ولا تُوجَد روح ولا تُوجَد نفس، مادة فقط، هل هذا جيد؟ أين احتمال أن يكون هناك الشيئ الآخر هذا؟ لو كان هناك احتمال لوجود النفس أو لوجود الروح لاختلفت كل هذه الـ Schema، أليس كذلك؟ وسوف نُدخِل طبعاً مواقف جديدة، سوف تقول لي مثل ماذا؟ سوف أقول لك مثل ماذا، فيما يخص الجانب المادي من الإنسان وكل جوانب المادة في الطبيعة والوجود لا تَوجَد عندنا مُشكِلة نحن مع الفيزياء حتمية أو لا حتمية، دع الفيزياء تشتغل، أليس كذلك؟ هذه مسألة تخص أصحابها، ليس عندنا مُشكِلة، إذا أردتم أن تكونوا حتميين هذا عادي، المادة حتمية، فيما يخص الجانب الآخر في الإنسان الإنسان لا يخضع للحتمية السببية، الإنسان كائن مُختار قادر في أي لحظة أن يفجأنا بشيئ غير مُتوقَّع البتة منه بحكم هذه الحرية.

طبعاً لكي أُوضِّح هذا لابد أن أُعرِّج على تجربة كل مَن يعتني بهذا الموضوع أكيد سيصدم بها عشرات المرات، تجربة بنجامين لبيت Benjamin Libet في ثمانينيات القرن العشرين المُنصرِم، هي في الحقيقة طبعاً في التسعينيات، لأن فوق الثمانين تعني أنها في التسعينيات، ذلك في العقد التاسع من القرن العشرين، تجربة لبيت Libet باختصار يا إخواني تجربة كانت عجيبة وغريبة ومُهِمة جداً في هذا الباب، هذا الرجل جاء بمجموعة من المُختبَرين، ووصَّل جماجمهم – أدمغتهم – بأقطاب كهربية عنده في مُختبَر علم الأعصاب الخاص به، وأراد أن يرى النشاط الدماغي حين يُصدِر إليهم أمراً بتحريك اليد، فقط يقول لك حرِّك يدك، ارفع يدك من الرسغ، هل هذا جميل؟ فُوجيء لبيت Libet – هو نفسه كان مُتفاجئاً – أنه قبل أن يتخذ المُختبَر قراره الواعي بتحريك يده – أنني أُريد أن أُحرِّك – الدماغ يُرسِل إشارات تُؤكِّد انطلاق الجُهد الاستعدادي، The readiness potential يُسمونه، ما معنى الجُهد الاستعدادي بلغة غير فنية؟ الجُهد الاستعدادي في الفسيولوجيا Physiology معناه باللغة العادية المفهومة هيا اشتغل، حرِّك اليد، يحدث هذا قبل أجزاء من الملي ملي ثانية من ظهور أو انبثاق القرار الواعي، أنني أُريد أن أُحرِّك، لأنه يقول له لما تُحاوِ أن تُحرِّك أو تُقرِّر أن تُحرِّك – مثلاً – اكتب أو اعمل حركة، قبل أن يُدرِك أنه سيُحرِّك يكون الدماغ أعطى الأمر: حرِّك، فرح بها الماديون والملاحدة والجبريون، قالوا ألم نقل لكم أنكم دُمى؟ يفرحون بأننا دُمى، ألم نقل لكم أنتم لا شأن لكم ولا خيار لكم وأنتم مُحتَّمون وأنتم مجبورون؟ أنت تظن أنك اتخذت قراراً واعياً بتحريك يدك لكنك لم تفعل أبداً، اتُخِذ قبل أن تعي هذا، لست أنت مَن اتخذه، الدماغ اتخذه، والدماغ غير الواعي الخاص بك، أما الواعي جاء مُتأخِّراً، جاء هذا مُبطئاً، جاء في الوقت الضائع، الدماغ قال له حرِّك حرِّك وذهبت عليك، فرحوا بها جداً، دائماً يقولون تجربة لبيت Libet تجربة لبيت Libet، انظر إلى عدم النزاهة العلمية مرة أُخرى عند الملاحدة والمُشكِّكين والماديين الجبريين، أنهم لم يقولوا لنا أن لبيت Libet نفسه في ألف وتسعمائة وثلاث وثمانين لم يذهب إلى هذا المدى، وقال هل يعني هذا أننا مجبورون وأنه لا خيار لنا وأنه لا حرية لإرادتنا؟ قال كلا بالفم المفتوح، عالم الأعصاب لبيت Libet قال لا، لدينا الخيار، لماذا؟ قال ثبت لدي وبالتجربة أيضاً – التجربة المعملية المُختبَرية – أن الإنسان وبعد أن يتلقى هذه الإشارة من دماغه اللا واعي وبعد أن يُقرِّر بالوعي أن يفعل تبقى لديه فرصة أن يرفض، الدماغ قال له حرِّك فقال لن أُحرِّك، وسماها – هو الذي سماها – الـ Free want، قال هذه الـ Free want، قال فهذا يُؤكِّد أننا لا نزال كائنات قادرة على التحكم في تصرفاتها.

لذلك قلت لكم أنا سابقاً مُهِم جداً في موضوع الـ Free will – هذا الموضوع Theme – أن تُؤكِّدوا على موضوع الـ Free want، هذا مُهِم جداً، لأن ما الإرادة؟ الإرادة ليست أن نفعل، لا ليست كذلك، الإرادة أن نتحكَّم فيما نُريد أن نفعله، فيما نحن بصدد فعله، التحكم كيف يكون؟ هل يكون كتحكم مُدمِن المُخدِّرات فحين يُحِب أن يأخذ شيئاً يأخذه؟ سوف تقول لي طبعاً لا، ليس هذا التحكم، هل التحكم يظهر حين يُحِب أن يأخذ شيئاً فيأخذه أم حين يُحِب أن يأخذ شيئاً فيقول لا أُريده ويرفض أن يأخذه؟ هذا هو التحكم، هذا هو المُتحكِّم، لكن الذي لا يكون على هذا النحو لا يكون مُتحكِّماً، والذي لا يكون مُتحكِّماً ليس مُريداً، فالمُريد هو الذي عنده الإرادة بشقيها: حرية أن يفعل وحرية أن يرفض أن يفعل، هل هذا واضح؟ سوف تقول لي طبعاً هذا واضح ونحن – كما قلت أكثر من مرة وأشرت – بالحس المُشترَك يا أخي عندنا قدرة على الرفض رهيبة جداً جداً جداً، أليس كذلك؟ أحياناً نرفض حتى نهلك، أحياناً نهلك تحت التعذيب، ليس الدماغ وإنما البنية المادية كلها تزول ويرفض هذا المُعذَّب أن يخضع لأمر جلّاديه، أليس كذلك؟ شيئ غريب، شيئ مُخيف، هذا هو الجانب الروحي في الإنسان، جانب القيم، جانب الوفاء، جانب المبدأ، جانب الإيمان، جانب الرسالة، لا تقل لي حيوان لكنه أرقى وأكثر تعقيداً وأكثر مادية، هذا غير صحيح، جوهر الإنسان يكمن في قوة الرفض هذه!

إذن لبيت Libet أيها الإخوة كذبوا عليه وزوَّروا تجربته وعرضوها لنا وعلينا منقوصة، تركوا الجانب الأهم فيها الذي سمعتموها قُبيل قليل!

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

قد يسأل بعضكم مِمَن لا يُحِب أن يُصدِّع دماغه بهذه الجدليات والنقاشات العلمية والفلسفية الصعبة ويقول أنا أُريد مِن منظور ديني الذي أُؤمِن به ومن منظور كتابي الذي أُقدِّسه وأضع ثقتي الكاملة فيه أن أعرف ماذا يقول لنا هذا الكتاب؟ هل نحن مُجبَرون مُسيَّرون أم نحن فعلاً في الحقيقة مُخيَّرون وبالتالي مسؤولون عن أعمالنا؟ القرآن فيه مئات الآيات – بعض العلماء أحصى أكثر من ألف آية – بلغة العلم الحديث والفلسفة الحديثة كلها تُؤكِّد على أيلولة أفعالنا إلينا، أي ما يُسمونها بالإنجليزية The up to usness of our actions، هذه الأيلولة! The up to usness… أي شيئ تُضيفه، of our actions، أيلولة أفعالنا إلينا، يفعلون ويعملون وتفعلون وتعملون، أليس كذلك؟ قتلوا ويقتلون ويُصلون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وجاهدوا وهاجروا، هل الله يُريد أن يخدعنا أو يكذب علينا؟ الله ليس مُحتاجاً وليس ضعيفاً لكي يكذب أو يخدع، ما رأيكم؟

ديكارت Descartes أبو الفلسفة الأوروبية الحديثة هل تعرفون ما الذي جعله يثق بالعقل كعقل؟ قال من أين لي أن أثق بالعقل نفسه أصلاً؟ لماذا؟ هل العقل هو نهاية الكون؟ قال مُستحيل أن الله الذي أوجدنا وأعطانا هذا العقل يُعطينا عقلاً يخدعنا، الله ليس شريراً، ونحن نقول ليس شريراً وليس ضعيفاً أيضاً وليس مُحتاجاً لكي يخدعنا، بالعكس الله هو الحق ولا يأتي منه إلا الحق لا إله إلا هو، فلنا ثقة بما يأتي من الله، هذه كلمات الله الآن، وحي الله! يقول لك هذا عملك وستُجزى به إن خيراً فخير وإن شراً فشر، انتهى كل شيئ، أنت تطمئن وتقول لي هذا يُريحيني أكثر من كل هذا العبث والصداع الفلسفي الفكري، لماذا؟ لأنه يتسم أيضاً مع طبيعتي ومع المنطق المُشترَك الخاص بي ومع الحس المُشترَك، أنا أشعر ببداهة فعلاً بأيلولة أفعالي لي، أنا أشعر بأنني حين قدَّمت هذا الدينار صدقة لليتيم بأنني مُرتاح وسعيد وإن كان صعباً علىّ في البداية أن أتخلى عن بعض مالي، لكن حين ضربت هذا اليتيم مرة بيدي أنا شعرت بالإثم وببهاظة في الضمير، شعرت بألم وشعرت بأنني مسؤول عما فعلت، ولم أستطع أن أُقنِع نفسي بأنني مُجبَر ومحتوم علىّ أن أفعل وبالتالي فعلىّ أن أنام مُرتاحاً، طبعاً هنا سيسأل بعضكم ما هو موقف هؤلاء الماديين والملاحدة من قضية المسئولية الجنائية والمسئولية الأخلاقية؟ قالوا محلولة، يفرحون بهذا، سام هارس Sam Harris قال محلولة جداً جداً، أينشتاين Einstein نفسه حلها، أينشتاين Einstein كان حتمياً أو لا حتمياً؟ كان حتمياً، أينشتاين Einstein ضد فيزياء الكم كلها، قال الله لا يلعب بالنرد God doesn’t play dice، كل شيئ دقيق ومحتوم، فهو نيوتوني في تفكيره في هذه القضايا، فقالوا إذا كل شيئ يخضع للحتمية السببية فهذا يعني أن مُجرِمي الحرب مثل هلتر Hitler صديقك – قالوا له – الذي بسببه أنت تركت ألمانيا وكان يُمكِن أن تُذبَح فيها أو تُحرَق ضحية، هتلر Hitler صديقك سوف يُصبِح مسكيناً وضحية لأنه مجبور، لماذا تلومه وهو مجبور بالحتمية السببية؟ قال أن أقول نعم مجبورون ومُحتَّم عليهم أن يفعلوا ما فعلوه ومع ذلك – قال – يجب أن يُعاقَبوا، يجب أن يُسجَنوا، سوف تقول لي كيف؟ يُوجَد تناقض، كيف تُحمِّلهم مسئولية جنائية وتُطالِب بعقابهم وأنت تقول أنهم مجبورون؟ قال أنا فلسفة العقاب عندي – وهذا كلام هارس Harris وغيره وهو مقبول لأول وهلة لكن انتبهوا لأن هناك فخاً أيضاً – مُختلِفة، قال أنا لا أُطالِب بالعقاب لإصلاح ما مضى، ما مضى فات وما فات لا يعود، انتهى الأمر، الضحايا لا يقومون من قبورهم، أليس كذلك؟ الأموات لا تموت من قبورها، المسكين الذي مات مات والذي حُرِقَ حُرِقَ والذي ظُلِم ظُلِمَ، أليس كذلك؟ والبيت الذي هُدِمَ هُدِمَ وانتهى كل شيئ، صعب الإصلاح في مُعظَم هذه الحالات، أنا لا أُريد هذا، إذن ماذا تُريد؟ قال أنا أُريد ضمان المُستقبَل، فإذا ترجَّح لدي أن هذا مُجرِم فهذا المُجرِم مثله مثل الأسد أو مثل السبع أو مثل نمر فالت على الناس أو دب هائج، الدب ينطبق عليه نفس الشيئ، هذا محكوم عليه وكائن غير مُختار، باتفاق الجميع تقريباً الحيوانات غير مُختارة، ليس عندها الـ Free will، ومع ذلك يجب أن يُؤخَذ هذا فإما قُتِل وإما أُسِر هذا الدب حتى نتقي شره، وكذلك – قال أينشتاين Einstein – نفعل مع مُجرِمي الحرب، لكي نتقي شرهم في المُستقبَل نضعهم في السجن أو حتى نعدمهم إذا اقتضى الأمر، هل هذا واضح؟ سوف تقول لي هذا كلام مُقنِع ويقتنع به هارس Harris، فرح به كثيراً سام هارس Harris، لكن لا، هذا الكلام غير كافٍ بالمرة، فيه شَرك، هل تعرفون ما هو الشَرك؟ هذا فقط تأكيد على وهم أننا سنتخلَّص من التبعات الأخلاقية الفظيعة لنظرية الجبرية والحتمية السببية في السلوك الإنساني وإلغاء الإرادة الحرة للإنسان بماذا؟ بالمُقارَبة فقط العقابية، السؤال الآن هل عين الرقيب دائمة وسهرانة باستمرار أم تغفل عن مُعظَم الحالات؟ هي غافلة عن مُعظَم الحالات، يستطيع الإنسان – وهذا يفعله مُعظَم البشر – أن يغش وأن يُدلِّس وأن يفعل الكبائر والصغائر في غفلة من عين الرقيب، وينجو في مُعظَم الحالات، سيُصبِح العالم عالماً من الوحوش التي تصطرع في الغاب يا إخواني، أليس كذلك؟ ونحن رأينا الموضوع الذي يتعلَّق بمَن قرأوا نصاً بسيطاً فذهبوا وغشوا، فكيف الحال حين تكون عندك قناعة وعقيدة بهذه المسائل أنك مُجبَر ومحتوم عليك؟ سوف تعيش كوحش كاسر وستستخدم ذكاءك التطوري هذا المادي المُعقَّد كما يقولون في ماذا؟ في أن تُفلِت دائماً من طائلة العقاب ومن طائلة القانون، أليس كذلك؟ لكن المنظور التوحيدي والمنظور الإلهي والمنظور الذي يحتفظ لنا بحرية الإرادة يقول لا، أنت حر ومسؤول عن كل أفعالك التي تؤول إليك وستُحاسَب عليها إن لم يكن في الدنيا من طرف الله حتى ففي الآخرة بإذن الله وحساب عسير وطويل، فهذا يُنشيء ماذا؟ الوازع، فالملاحدة والماديون فقط يُركِّزون على ماذا؟ على الرادع، وكأن الرادع يُفلِح دائماً، الرادع لا يُفلِح إلا قليلاً، وقل لي بالله عليك في مُجتمَعات العرب والمُسلِمين الآن ما شاء الله – إلا ما رحم ربي – حين يكون القائمون على القانون وعلى القضاء وعلى المحاكم هم أيضاً مُخرَّبو الذمم والضمائر كيف ستنتصف؟ متى سيُحاسَب؟ الآن في آخر إحصائية وفي آخر دراسة قالوا أموال العرب التي سُرِقَت في الفترة الأخيرة – في آخر ست سنوات – تريليون، ألف مليار سُرِق من أموال العرب على يد أبناء العرب الفسدة وظلمة العرب، ألف مليار! وهناك أُناس لا تجد ما تأكله ولا ما تتزوَّج به ولا ما تسكنه به، أليس كذلك؟ ماذا تفعل في هذه الحالة؟ المُقارَبة المادية تفشل فشلاً غير محدود هنا، أي بعيد المدى، بخلاف مُقارَبة الروح ومُقارَبة التوحيد، الوازع الداخلي!

أخيراً يا إخواني سأُدلي أنا بفكرتين فقط وأختم بهما الخُطبة لأنهما مُهِمتان فيما أحسب، كيف نُجيب عن مسألة الاحتجاج بأنك حين تفعل شيئاً إنما تفعله كنتيجة وكأثر وكمُسبَّب لأسباب عصبية وأسباب هرمونية كيمائية أو أسباب مادية؟ وهذه المادية تؤول إلى أسباب قبلها وهذه إلى قبلها وهكذا… إلى آخره، هذه الحتمية السببية، كيف نُجيب عن هذا؟ خاصة أن هارس Harris – سام هارس Sam Harris – يقول لك أنا سأُثبِت لك أنك لست مُختاراً ولا تتحكَّم في شيئ، لا في أفكارك ولا في أي شيئ، قال لكم الآن أنا سأطلب منكم أن تتذكَّروا – تذكَّروا – اسم مدينة، قال كل واحد منكم سيأتي مُباشَرةً إلى ذهنه اسم مدينة وهو لا يعرف لماذا أتى اسم هذه المدينة بالذات، أليس كذلك؟ لم تختر أنت، أنت تعرف مئات المُدن، لماذا بالذات خطر على بالك الآن حين طُلِبَ منك أن تتذكَّر اسم مدينة اسم هذه المدينة بالذات؟ صحيح أنت لا تعرف، قال لك تلقائياً هذا، هذا ينبثق تلقائياً دون إرادة منك ودون اختيار، سام هارس Sam Harris لا يزال يُبديء ويُعيد في هذه الحُجة في كتابه المُكوَّن من تسعين صفحة وفي كل مقاطع الفيديو Video الخاصة به، وهذا شيئ في مُنتهى السُخف، شيئ في مُنتهى السُخف يا إخواني، كما قلت لكم هؤلاء الناس ليس لديهم أدنى لياقة فلسفية، هل تعرفون لماذا؟ لأن كل البشر يعرفون – ليس من اليوم وإنما من مئات السنين – أن الهوية الإنسانية – يُسمونها الهوية الشخصية Personal identity – ليست عالماً من الوعي وحده، هذا غير صحيح، وقبل سيجموند فرويد Sigmund Freud كانوا يعرفون هذا، مَن فرويد Freud هذا؟ قبله بكثير، من ألفين أو من ثلاثة آلاف كان البشر يعرفون أن هناك جانب الوعي في الإنسان المعروف بالجانب الواعي وهناك الجانب العميق الغائر اللا واعي، يعرفون هذا وعبَّروا عنه بأشياء كثيرة دينية وغير دينية، وأيضاً الناس كلهم يعرفون أن ما ينتابنا هو ماذا؟ أفكار ومشاعر وأحاسيس وحاجات، هناك حاجات Needs، وهناك أحاسيس، أي حسية Sensory، وهناك مشاعر Feelings، وهناك أفكار Ideas وبرامج وخُطط، سام هارس Sam Harris ما شاء الله عليه في كل مقاطعه يضع الحاجات والمشاعر والأحاسيس في سلة واحدة ويُصدِر عليها حُكماً واحداً، وهذه سذاجة فلسفية لا يفوقها سذاجة، وسأقول لك لماذا طبعاً، واضح تماماً أنه لا أحد من العوام إلا أن يكون مُهاتِراً أو ظالماً مُعتدياً يلوم على الأحاسيس والمشاعر، أنت شاب الآن عازب أو مُتزوِّج تمشي في الشارع، حين أدرت رأسك إلى الناحية الأُخرى وجدت فتاة تقريباً تمشي بطريقة غير مُحتشَمة وأنت رأيتها، ماذا حدث عندك الآن؟ إدراك حسي Sensory، أليس كذلك؟ رأيتها، هل يُمكِن أن يلوم أحد ويقول لك لماذا رأيتها أعمى الله عينيك؟ يا أخي أنا التفت فرأيتها، وحتى النبي محمد قال لك الأولى وليست لك الآخرة، حين التفت سوف أرى، رُغماً عني سوف أرى، إذا كانت هناك امرأة شبه عارية سوف أراها شبه عارية، هل سوف أراها مُحجَّبة بسبب أفكاري مع الحجاب؟ لنا أراها مُحجَّبة، سوف أراها شبه عارية، هل هذه أُلام عليها؟ لا تُلام، هل هذه النظرة تُحاسَب عليها عند الله؟ لا تُحاسَب، متى ستُحاسَب؟ إن أعدتها مرة أُخرى، هنا تُوجَد فتاة شبه عارية وأُريد أن أراها، إذن دخلنا في القرار Decision، قرَّرت الآن ونويت – عندك Intention – أن تراها هذه العارية، إذن يُكتَب عليك، الملك الذي يكتب السيئات سوف يشتغل الآن، أتى له شغل، كان جالساً مُرتاحاً والآن سوف يشتغل، هل فهمت ماذا أقصد؟ الناس كلها تعرف هذا!

رجل مسكين اشترى فازة أو مزهرية مُمتازة يُريد أن يُعطيها لزوجته في عيد ميلادها، جاء رجل وقال له يا ولد فوقعت وكُسِرَت، فشعر بغضب وما إلى ذلك، هنا قد يقول له أحد الناس لماذا أنت غاضب يا أخي، ألست مُؤمِناً؟ ألست تعلم كذا وكذا؟ لماذا أنت غاضب؟ طبيعي الإنسان حين تُكسَر منه هذه الهدية التي ليس عنده ثمن غيرها الآن والوقت لا يسع أن يشعر بالغضب ويظهر الامتعاض في وجهه، لا أحد يلوم على المشاعر، هل هذا واضح؟ لذلك مبدأ من مباديء التربية البيداغوجية لا تُناقِش المشاعر، الزعلان زعلان والغاضب غاضب، لا تُناقِشه، لا تُحاوِل أن تُعقلِن المشاعر، فهناك فرق كبير بين المشاعر وبين الأفكار، وبالمُناسَبة هل المشاعر تجتاحنا قسرياً أو اختيارياً؟ قسرياً، أليس كذلك؟ أنت تجلس الآن ومر نسيم عليل فذكَّرك بأول جلسة جلست فيها مع زوجتك يوم كنت خطيباً، نفس الرائحة، تقول أوه نفس الرائحة، رُغماً عنك تشعر بهذا، لا تقدر على أن تقول لن أشعر، لن أتذكَّر هذه اللحظة الحلوة لأنني زعلت منها أمس لأنها أحرقت الخبز، لن تقدر على فعل هذا، بالعكس هذا سيُصلِح ما بينك وبينها، فالمشاعر تجتاحك رُغماً عنك، أليس كذلك؟ والحاجات خاصة الغرزية والفطرية كما تُسمى تفرض نفسها رُغماً عنك مثل الجوع والعطش والحاجة إلى كذا وكذا، هذا رُغماً عنك، أليس كذلك؟ عندك الحاجات وعندك المشاعر وعندك الأحاسيس لكي ترى ولكي تسمع، لماذا سمعت الغناء يا أخي؟ هم يُغنون وأنا كنت أمشي في الشارع فسمعت، ماذا أفعل؟ هل حرام لأنني سمعت؟ لا أقدر، لعل يأتيك بعد ذلك مُتنطِّع ويقول لك سد أذنيك بالقطن، هذا شيئ آخر، دخلنا في نقاش فقهي، لكن على كل حال هل شأن الأفكار – انتبهوا لكي تعرفوا كم هو فيلسوف سام هارس Sam Harris – هو شأن المشاعر والأحاسيس والحاجات؟ أبداً أبداً أبداً، شيئ مُختلِف تماماً، الأفكار التي نبنيها ونُبدِعها ونُناقِشها ونُقارِنها مُهِمة، خُطبة مثل هذه هي خُطبة فكرية في النهاية، أليس كذلك؟ أنا لا أرى نفسي مُنحدِراً من على المنبر رُغماً عني، أنا حتى ترتيب الخُطبة الذي رتَّبته غير ترتيب الإلقاء، أليس كذلك؟ أنا حر حتى من الخُطة التي وضعتها لنفسي، أرى ردة الفعل في الوجوه فأُطوِّل أو أُقصِّر وآتي بأشياء لأنني حر، ترتيب أفكاري وعرض الأفكار والتصرف فيها مسألة تتعلَّق بالحرية هنا، وهي غير المشاعر والأحاسيس، هذا تماماً يُساوي المُماثَلة برجل رأى لأول مرة سيارة – عربة Car – تنزل في مُنحدَر ولا يُوجَد بنزين طبعاً، لا داع للبنزين، السيارة تمشي ومن ثم يظن أن كل السيارات تمشي على الهواء بقوانين الطبيعية دون أن يُكلِّفها أي شيئ وأن هذه السيارة حين تأتي تُصاعِد في الجبل أيضاً سوف تسير من غير بنزين، هذا خطأً، والله لن تسير، سوف تقعد مليون سنة ولن تسير، أليس كذلك؟ لأن المُنحدَر غير المُصاعَدة، المشاعر والحاجات والأحاسيس نقدر أن نقول انحدارية، تجتاحنا رُغماً عنا، الأفكار تختلف، الأفكار تصاعدية، ولذلك مُجهِدة الأفكار، أليس كذلك؟ مُجهِدة، فيها ترتيب وتأخذ سكريات وجلوكوز Glucose لكي يشتغل المُخ لأن هذا فيه إجهاد، أليس كذلك؟ كحل مسألة رياضية أو حل مسألة فلسفية أو نقاش موضوعي مثل هذا، هذه مُصاعَدة، كأنه لا يعرف هذا الشيئ ويأتي لكي يُحاوِل أن يُدلِّس علينا ويتحدَّث كأن الكل شيئ واحد، غير صحيح بالمرة، فلينتابني ما ينتابتي، هنا سأتذكَّر اسم مدينة، هذا عادي وطبيعي فلا أتحكَّم، بعبارة بسيطة جداً جداً جداً عامية: فرقٌ كبير بين ما يحدث لي وما أُحدِثه أنا، هل هذا واضح؟ سوف تقول لي المشاعر والأحاسيس والحاجات تُحدِثها أنت أو تحدث لك؟ تحدث لك، لا تقدر أن تقول أنا الآن شبعان مثل قبل ربع ساعة وأُريد أن أجوع، هيا جُع فأحدثت الجوع، لا تقدر، والله لا تقدر، أليس كذلك؟ حين يأتي الجوع سيفرض نفسه عليك، أليس كذلك؟ ستبدأ تصوصو المعدة رُغماً عنك وهكذا، هل يُمكِن أن تقول أنا الآن رُغم أنني نمت عشر ساعات أمس أُريد أن أتعب وأنام الآن؟ لا تقدر، حين تمر عليك عشر ساعات أيضاً وتتعب فعلاً سوف تخلد إلى النوم، سُلطان النوم غلّاب، فهذا يحدث لك، أما ما تُحدِثه أنت ويحدث منك كتصرفات أمره مُختلِف، أي واحد فيكم يقدرعلى أن يقوم ويقول لي يا أخي هلكتنا، هل هذه خُطبة جُمعة أو درس فلسفي؟ يقدر على هذا، ولعل الشيطان ينخزه، يقدر على أن يقول هيا نُريد أن ننتهي من الخُطبة يا أخي، اختصر وادع على قولة المصريين، اختصر وادع يا إمام، يقدر على أن يفعل هذا لكنه يقول لا، هذا عيب، سوف يبهدلونني وما إلى ذلك لعل يخرج منهم مُتزمِّت أو يدعو علىّ الشيخ، فأنت تقدر على أن تتحكَّم في هذا الشيئ، هذا لا يحدث لك وإنما يحدث منك ويؤول إليك، وتستطيع أن تتصرَّف فيه.

الآن سأختم – كما قلت لكم – بالحُجة النهائية ضد سام هارس Sam Harris وأنا أعتقد أنها مُوفَّقة إن شاء الله، قد أكون أخطأت فيها لكن أنا أرى فيها توفيقاً كبيراً بفضل الله، ولم أقرأها لأحد، لم يحتج بهذه الحُجة أحد من قبل على كثرة ما قرأت في الموضوع، هل تعرفون ما هي؟ حُجة بسيطة جداً جداً جداً جداً، لدينا الآن إنسان طبيعي وعاقل لكن مُصاب بنوع من الهوس، هوس السرقة، أي أنه kleptomaniac، kleptomania تعني هوس السرقة، لا يقدر على ألا يسرق، يكون مليارديراً لكن لابد أن يسرق ولو شيئاً بسيطاً بخمسين سنتاً Cent، وهذا يحصل، يحصل في كل مكان، هذا المسكين عنده هوس يدفعه، كأنه وسواس قهري لكنه هوس، فهذا شخص مهووس بهوس السرقة، أي kleptomaniac، هناك أُناس عندهم وساوس قهرية، حين يذهب أحدهم ليغسل يديه يستعمل صابونة كاملة، أنا أعرف رجلاً يستخدم كل يوم صابونة أو صابونتين، (ملحوظة قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لأحد الحضور أنت تعرفه يا أبا محمد، أليس كذلك؟) عنده هوس، يقول لنفسه آخر مرة هذه، وتكون هذه المرة الثلاثين، يقول هذه آخر مرة وستُصبِح يدي نظيفة ثم يقول لم تُنظَّف، ويظل المسكين يغسل لساعة كاملة حتى تنتهي الصابونة مثلاً، مقهور للأسف هذا، هل هذا واضح؟ هذا الشخص نفسه المُصاب بوساوس قهرية أو بهوس السرقة بحيث أنه لا يستطيع إلا أن يسرق، علماً بأن قانونياً هذا مأخوذ في الاعتبار، جنائياً إذا ثبت أن عنده kleptomania لا يُؤاخذ كما يُؤاخذ سارق عادي، وجيد جداً أن يسمع الفقهاء هذا، لابد أن يُوسِّع الفقيه أيضاً دائرة معلوماته العصبية والنفسية، هذا لابد منه، ليس في كل شيئ يُقال اذبح واقطع، لابد أن تفهم، هناك أمور مرضية، هذه ليست جرائم وإنما أمراض، على كل حال نفس الشخص هذا في حالات أُخرى أو تصرفات أُخرى لا يخضع فيها لا لهوس ولا لوساوس قهرية يتصرَّف كما نتصرَّف نحن، جميل! السؤال الآن: الشخص نفسه – شخص واحد وليس شخصين، لدينا شخص واحد – يتصرَّف هنا بمقهورية – أليس كذلك؟ – ولو قلت له اترك هذا الكلام وهو غير مُفيد وعلمياً هو كذا وكذا لا يقتنع، مُستحيل لأن المسكين مقهور، إذن هذا يفقد إرادة ماذا؟ الرفض، ليس عنده الـ Free want، ليس عنده هذا ومن ثم لا يقدر، لا يقدر المسكين أبداً، هو كذلك، لعلكم رأيتم في برنامج أتى في التلفزيون Television الأخ المصري الذي قطع يديه، هذا المسكين – عفا الله عنه – يسرق، هو kleptomaniac لا يقدر على ألا يسرق، حاول أن يتوقَّف وكان يخاف من الله ويعرف الدين لكنه لم يقدر، فوضع يده تحت القطار وقطعها، بعد ذلك أصبح يسرق بالثانية، لا يقدر على التوقف، فظيع! أصبح يسرق بالثانية، لم يقدر على التوقف وضميره أنَّبه فوضع يده الثانية تحت القطار، وأتوا به مع جورج قرداحي، شيئ مُحزِن جداً يتعرَّض له هذا المسكين، لو وُجِدَ طبيب نفسي لكي يُعالِجه ويُطبِّبه لانتهت مُشكِلته، لكن هذا ما حصل على كل حال، هذا الشخص نفسه يتصرَّف في سائر أفعاله بمسئولية وتحكم كامل، ويستطيع أن يفعل ويستطيع ألا يفعل بصدد الشيئ نفسه، أليس كذلك؟ السؤال: شخصٌ واحد وخاضع لمباديء الحتمية السببية ما المُبرِّر بين اختلاف ضربي فعله؟ هنا نحكم نحن بأنه مقهور مُجبَر على أن يفعل، وبالتالي يجب أن نحكم أنه في الحالة الثانية غير مقهور وغير مُجبَر، لأن هناك فرقاً واقعاً بين الحالتين، أم ليس هناك فرق؟ أكيد لاحظتم الفرق أنتم، أليس كذلك؟ هنا أنت تشعر بأن هذه الحالة تختلف، لا نُريد التسميات حتى لا يُقال هذه مُصادَرة على المطلوب، دون أن نُسمي هذه الحالة تختلف عن الحالة الأولى، أم لا تختلف؟ تختلف بشكل واضح له ولنا، السؤال عصبياً وفق الحتمية السببية ووفق المادية ما مُبرِّر الفرق بينهما؟ لن تجده، هناك فجوة – Gap – الآن، هناك فجوة فعلاً بين هذا وبين هذا، هذه الفجوة لا تُفسَّر إلا بماذا؟ بتمتع الإنسان من حيث هو بالإرادة الحرة، يُوجَد شيئ اسمه الإرادة الحرة وواضح أنها تكسر ماذا؟ صلابة الحتمية أو التتابع الحتمي السببي، تكسره!

يا إخواني الآن لو أنت جئت وسألت أحد هؤلاء الماديين الملاحدة وقلت له بالله عليك أنت عندك كل الثقة هذه أننا مجبورون وأننا نخضع لتيار – Stream – من الأسباب المُتتابِعة التي يأخذ بعضها بأعناق بعض والنتيجة أننا مجبورون فهل اصطنعتم أو صممتم تجربة بحيث تتبعون كل هذا التيار من البداية حتى النهاية – حتى ولو نهاية نسبية – بحيث يُمكِنكم بعد ذلك أن تتنبأوا – أنتم تتحدَّثون بطريقة مادية كما تدرسوا المادة – بالفعل التالي من هذا الشخص أو برد فعله – الـ Reaction الخاص به – إذا عرَّضناه لمُثير أو استفزاز مُعيَّن لمعرفة كيف سيتصرَّف؟ هذه تجربة علمية، أليس كذلك؟ هذه تجربة علمية، هل فعلوا؟ لم يفعلوا، ولو فعلوا – أُجاوِبكم مبدئياً – هل يُمكِن أن يُحقِّقوا نجاحاً حقيقياً وأن يتنبأوا بالتالي؟ أنا أقول لكم مُستحيل، مُستحيل! ذلك ليس لقصور في تتبع السلسلة السببية الحتمية الطويلة بل لإنكسار هذه السلسلة في نُقطة الفجوة هذه بماذا؟ بالعامل الروح أو النفس، الإرادة الحرة عند الإنسان، قال الله إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ۩، كان لابد أن نُفسِّر هذه الآية في خُطبة برأسها لكن أنتم الآن فهمتم، قال لك أمانة التكليف، إذا ذُكِرَ التكليف فهو ماذا؟ الاختيار، أي أن تكون مُختاراً، تفعل أو لا تفعل، تخضع أو تتمرد، أليس كذلك؟ الآية تقول لك بشكل واضح الشيئ الذي امتاز به الإنسان أو تحمَّله ليس مُتوافِراً في السماوات والأرض والجبال، السماوات والأرض والجبال عالم ماذا؟ المادة، عالم الطبيعة، كأن الله يقول لك عالم الطبيعة عالم من الحتمية الميكانيكية الآلية، هذا صحيح، وعالم الإنسان يخرق هذه الحتمية ويكسرها في نُقطة – نُقطة انكسار رهيبة – ويبرز لنا ماذا؟ الكائن المُختار صاحب الإرداة الحرة Free will.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُعلِّمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علَّمنا وأن يزيدنا فقهاً ورشداً.

اللهم اهدنا فيمَن هديت وعافنا فيمَن عافيت وتولنا فيمَن توليت، لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرَّجته ولا كرباً إلا نفَّسته ولا ميتاً إلا رحمته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا رددته ولا أسيراً إلا أطلقته ولا مديناً إلا قضيت عنه دينه برحمتك وفضلك ومنّك يا أرحم الراحمين.

اغفر لنا ولوالدينا وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

(24/2/2017)

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • زادك الله علما و حكمة! يا لها من خطبة تشفي الصدور! سددك الله لما يحب و يرضى! ما كل هذا الجمال! ما شاءالله تبارك الرحمن!
    و الان ماذا لو موضوع النياندرثل يندرج تحت نفس الأحلام و الرؤية الغير نزيهة؟ ماذا لو كان “السمكة التي فيك” تخيلات و احلام تريد ان تدفع باتجاه الفكر التطوري بهدف مساندة الإلحاد ؟

%d مدونون معجبون بهذه: