إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل  مجده – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۩ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۩ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ ۩ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۩ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ۩ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ۩ 

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

رُويَ عن الإمام الجليل شيخ أهل مكة في عصره الإمام سفيان بن عُيينة – رضيَ الله تعالى عنه – أنه قال الحسدُ أولُ ذنبٍ عُصيَ به الله  – عز وجل – في السماء – أي فوق، هناك حيث حسد إبليسُ آدم، وكان بينهما ما قصَّ الله علينا في كتابه العزيز -، والحسدُ أولُ ذنبٍ عُصيَ به الله عز وجل في الأرض – حيث حسد قابيلُ أخاه هابيل فقتله والعياذ بالله – أيضاً.

أما أن إبليس – لعائن الله عليه مُتتابِعة إلى يوم الدين – حسد آدم فهذا مفهومٌ من نحو قوله تبارك وتعالى قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ۩، فهذا هو الحسد، لماذا هو وليس أنا؟ لماذا يكون هو مسجود الملائكة ولست أنا مسجودهم؟ هذا هو إذن، قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ۩، وأما قصة قابيل وهابيل فالسياق واضح سواءٌ في الكتاب المُقدَّس أو في الكتاب الأعز وهو أنه ما قتله إلا نفاسةً وغيرةً وحسداً، مع أن الموضوع له علاقة بالازدلاف إلى الله تبارك وتعالى – إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا ۩ – وهذا أمر عجيب، فالله – تبارك وتعالى – أرسل علامة أفهمت أن قربان قايين أو قابيل هو المقبول، فإذن ورطة الحاسد ليست تقتصر على تسميم وإفساد علاقاته بالناس، بل إنها تضربُ وفي الصميم وفي الأساس علاقته بالله تبارك وتعالى.

في الأساس من الحسد لا يكمن فقط سوء النية والطمع والشعور بالدونية ومن ثم الغضب على المحسود، لا  ليس هذا فقط وكل هذا كامن وكل هذا ماثل بل في الأساس وفي القلب من الحسد يكمن أيضاً شرخٌ كبير في التوحيد وعيبٌ عظيم في الإيمان، ومن هنا قال السادة العلماء أشد حديثاً ورد في الحسد قوله عليه الصلاة وأفضل السلام فيما أخرج الإمام النسائي وغيره هو لا يجتمعان في قلب عبدٍ الإيمان والحسد،
فالنبي هنا يصدر عن فلسفة وعن فهم عميق جداً – فلسفة إلهية نبوية رسالية – ويقول لا يجتمعان في قلب عبدٍ الإيمان والحسد، وطبعاً حقيقٌ بنا أن نحمل الإيمان هنا على الكامل وليس على مُطلَق الإيمان، بل على الإيمان المُطلَق، أي الكامل Perfect، فالإيمان الكامل يستحيل هنا، ولذلك لا شُغلة للحسد مع الكملة – اللهم كمِّلنا بأخلاق أوليائك وعارفيك – طبعاً، فالحسد لا يشتغل ولا يعمل بل يعجز ويُشَّل ويفسد من تلقائه أمام الكملة، لا طريق له لأن الكمال بمعنى من المعاني استغناءٌ، فهذا الكامل من البشر غني، غني عن أن ينظر إلى ما عند غيره، وإذا نظر فرح ولم يفرح بالشر، لكن الحسود يفرح بالشر، وهذا شيئ خطير جداً، ومن هنا أُمِرنا أن نستعيذ بالله من شرور أربعة ومنها وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ۩، فينبغي أن نستعيذ، كما نستعيذ بالله من الشياطين الأبالسة المرجومة نستعيذ بالله من شر هؤلاء الحساد والعياذ بالله، لأن الحسود يفرح بالشر ويتمناه ويُريده، الحسود يُريد الحرائق ويُريد المصائب ويُريد النكبات ويُريد الدموع والدماء ويفرح بها، وهذا شيئ خطير جداً، لذلك هو من أرذل الرذائل ومن أسوأ المعاصي على الإطلاق على أن البشر مُذ كانوا لا يعترفون به، فمَن الذي يأتي يقول لك “أي والله أنا أُعاني من الحسد، يتآكلني الحسد، سمَّم روحي وأفسد علاقتي بإخواني وأحبابي وجيراني بل بأقربائي”؟ وأكثر ما يكون الحسد بين الأقرباء طبعاً، فالحسد بين الأقرباء أكثر منه بين الأصدقاء أو حتى بين الجيران، لذلك أرسطو Aristotle في كتابه ريتوريكا Rhetoric أو البلاغة – كتاب البلاغة – وتحديداً في الكتاب الثاني منه اقتبس هذا البيت من الشعر قائلاً “ذاتُ القرابة – يعني القرابة – تعرفُ الحسد جيداً”، فالأقرباء بالذات تدب بينهم عقارب الحسد، حتى الإخوة الأشقاء يحدث بينهم هذا وقد يتمادى الأمر بالحسود من الإخوة إلى قتل أخيه أو إلى تدبير مُصيبة أوداهية تخطفه، ويفرح بهذا جداً، وقد لاحظ كسينوفون  Xenophon  – الفيلسوف كسينوفون  Xenophon – في كتابه المُذكِّرات أو التذكارات  – Memorabilia  بالإغريقية – أن من الإخوة ومن الأشقاء مَن يُعطي ويبذخ وينفح ويكرم على البغايا والمحظيات، في حين يُبارِز أخاه وشقيقه على قطعةِ أرض أو على ركنٍ في المنزل، فهو يفعل هذا فقط لأنه أخوه، وبعد ذلك فقط لأنه جاره أو لأنه صديقه ووديده، فأكثر ما يكون الحسد يكون بين الأقرباء.

إذن نعود إلى المُصطفى مُعلِّم الناس الخير وأعظ مُعلِّم للأخلاق، وإذا ذُكِرَ لا يُذكَر عنده لا أرسطو Aristotle ولا أفلاطون Plato ولا كانط Kant ولا كونفوشيوس 孔夫子 ولا بوذا Buddha ولا أحد، هو أعظم مَن علَّم الأخلاق  ولكن لو أحسنا الفهم عنه، ولذلك أرجو ألا يُقال هذا وعظٌ، فالمُهِم هو كيف نعظ وكيف نفهم وكيف يُمكِن أن نستغل موضوعات الوعظ أو الموضوعات التي دُرِجَ على أن تكون موضوعاتٍ وعظيةً لكي نُعيد النظر بفلسفة أعمق ولكي نُلقي أضواءً هادية من جديد على الموضوع فنراه في ضلِ ضوء جديد، فلعل هذا ينفع بعض الناس، وخاصة مَن لديه استعداد للتكامل واستعداد للنضج الروحي والنفسي والأخلاقي ولكنه لا يهتدي سبيلا ولا يعرف الطريق، وهناك ثمة علامة – كاستطراد سريع – لكي يروز المرء نفسه ويعرف هل هو مُتمتِّع بهذا الاستعداد للتكامل والنضج الروحي أو غير مُتمتِّع من غير ما تهوس ومن غير مُبالَغة وهى إذا كان المرء يُغلِّط نفسه، لا يُغالِط نفسه، فالذي يُغالِط لا كلام لنا معه، تُغسَل منه الأيدي، ميئوس منه هذا كإبليس صاحب المُغالَطات، فأكبر مُغالِط في التاريخ إبليس، لكن الذي يُغلِّط نفسه ويرى دائماً مواضع الغلط في سلوكه وفي قوله وفي نياته وخفياته وينحى عليها باللائمة – وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ۩ – يكون مُستعِّداً لأن يفهم وأن ينتصح، أما الذي لا يرى نفسه غالطاً ويقول أنه لا يغلط لأنه كمال – Perfect – فهذا لا يُجدي معه نُصح الأنبياء فمَن دونهم ولذا اتركوه، فالذي يرى نفسه أوفى على الغاية وأنه فقط لائق ومُستعِّد أن يُعلِّم لا أن يتعلَّم وأن ينصح لا أن ينتصح اتركوه – صدِّقوني – ولا تُصدِّعوا رؤوسكم معه، ولكن إن شاء الله الظن أن مُعظم الناس من أهل الخير، بالعكس يئودوهم ويُبهِظهم ويُثقِلهم ويُحزِنهم أنهم يرون أغلاطهم ونقائصهم ويحزنون لأجلها ويرثون لأنفسهم لأجل هذه الأغلاط والنقائص.

على كل حال الحسد عموماً في التاريخ كما لاحظ مَن درسوه بعمق قلَّ أن يعترف به صاحبه، فهذا لا يُمكِن، لماذا؟ لأنه من أرذل الخطايا، وهذا أمر معروف لأنه شر، هو يُوشِك أن كون شراً محضاً، فهذا الحسد شيئ مُخيف جداً، لأن غير معقول أنك تتمنى أن تزول النعمة عن إنسان خصَّه الله بها، فلماذا؟ هل أنت قاسم النعم؟ هل أنت قاسم الحظوظ والأرزاق؟ ما الذي دهاك يا رجل؟ ولكن انظروا للتربية المحمدية، فالصحابة كانوا أكثر وفاءاً لضمائرهم وأكثر صدقاً مع حقائقهم وأنفسهم من غيرهم بكثير، وهم الصحابة رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم.
في الحديث الذي لن أسوقه بطوله لأنه طويل ومعروفٌ لكم جميعاً وهو حديث أنس الذي أخرجه الإمام أحمد في مُسنده تُوجَد قصة الرجل من الأنصار الذي أنبأ رسول الله ثلاث مرات في ثلاثة أيام مُتواليات أنه يطلع عليكم رجلٌ من أهل الجنة – وتعرفون القصة – فاتبعه عبد الله بن عمرو، سار في أثره وادَّعى له ما تعلمون، بعد ذلك وبعد أن أنقضت الليالي الثلاث وكان بينهما ما كان قال الرجل لابن عمر وقد لحق به ما هو يا أخي إلا ما رأيت، أي أنك لست كثير العبادة، فأنت مُتوسِّط جداً في عبادتي، حتى أن ابن عمرو أوشك أن يحتقرها، أي أنه تقلَّها، كأنه يقول له ما هذه العبادة؟ هل هذه عبادة تُدخِل صاحبها الجنة؟ هذه عبادة عادية، فيها الحد الأدنى فقط، أي المفروضات يعني، فالرجل يُصلي العشاء ثم ينام، ولكن إذا تعرى من الليل وإذا استفاق وتحرَّك فإنه يذكر الله تبارك وتعالى، وعلى كل حال قال الرجل لابن عمر يا أخي ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً، فهو قلبه طاهرٌ باريء. اللهم طهِّر قلوبنا، اللهم نوِّر ضمائرنا وقدِّس سرائرنا يا الله حتى تكون بالموضع الذي تستأهل وتجدر أن تنظر فيها نظرة رحمة وعطاء وكرم.

الله عينه ليست ترى الأشياء فقط، هى ترى كل شيئ، ولكنها ليست ترى الأشياء فقط بل ترى الحقائق أيضاً، فتذكَّروا هذا جيداً دائماً واجعلوه على ذُكرٍ منكم، عين الله لا تقع على السطوح وعلى الأشياء فقط بل على الحقائق أيضاً، فحين ينظر الله إليك لا ينظر إليك على أنك تُصلي وتصوم وتركع وتسجد وتحج وتعتمر وتصدق بل ينظر إليك مُباشَرةً على أنك إلى مَن تتوجَّه بهذه العبادة وماذا تُريد في قعر قعر بل في قرارة قرارة نفسك، فهو يرى هذا لا إله إلا هو، فاجعل يا أخي واجعلي يا أختي همكَ وهمكِ نظر الله إليك لا نظر الخلق، لذلك ينبغي دائماً أن نُعنى إلى الغاية بتطهير القلب والنفس، لا تزيين الظواهر بالزخارف الفارغة أياً تكن تلكم الزخارف، فهذا الرجل قال غير أني لا أجدُ في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً، أي أنه ناصح أمين، تأخذ منه النصيحة خالصة، لا يشوبها شوب الغش، لكن بعض الناس لا يُصبِح  – كما في حديث عياض بن حمار في مسلم – ولا يُمسي إلا هو يُخادِعك عن أهلك ومالك، وكم وكم طبعاً، كم وكم سمعنا برجلٍ اختدع رجلاً في أهله فطلَّق منه زوجه ثم تزوَّجها بعد ذلك والعياذ بالله، هذا شيئ عجيب، فهو تسبَّب في الطلاق بحيلة مُعيَّنة، وهذا هو الحسد تماماً، فهو يحسده على هذه الزوجة الحسناء الطيبة فيُطلِّقها بطريقةٍ ما، ثم بعد ذلك يخلفه عليها ويتزوَّجها، ثم يقول لك أنه بالحلال، حتى ولو بالحلال، تعساً لهذا الحلال، تباً لهذا الحلال، هذا أخ الحرام – هذا الحلال أخ الحرام – وهذه أخت الرذيلة، ضاقت عينه عن كل نساء الدنيا إلا عن هذه، وهذا معنى قول الرسول بعض الناس لا يُصبِح  ولا يُمسي إلا هو يُخادِعك عن أهلك ومالك،  والنبي أخبر أنه من أهل النار، وأهل النار خمسة، فهو رجلٌ لا يُصبِح ولا يُمسي إلا وهو يُخادِعك عن أهلك ومالك، ونفس الشيئ يحدث حين ندخل في شراكة أو نفتح مشروعاً، فالواحد منهم يُريد أن يتغوَّل مالك يا مسكين، وأنت تُصدِّقه ثم تُعطيه رزقك ورزق ولدك وعيالك، والله وحده يعلم هل تعيش لكي تُدبِّر لهم رزقاً غيره أم هذا آخر ما لديك، لكنه يتغوَّله ثم يقول لك لم تربح التجارة وهذا قضاء وقدر، أي ظل يفتل لك بين الذروةِ والغارب كما يُقال، فهو خادعك واختدعك حتى أوقعك ثم تخلَّى عنك وقد ظفر – زعم – بمالك، وما ظفر إلا بنار جهنم تلظَّى في أحشائه، قال الله  إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا  ۩، فهذه فيه وفي أمثاله طبعاً.

قال غير أني لا أجدُ في نفسي غشاً لأحدٍ من المسلمين، ولا أحسدُ أحداً على خيرٍ أعطاه الله إياه، أي أنني أفرح لكل أحد، كل أحد منَّ الله عليه وأغدق وأوسع عليه أنا أفرح له ولا أحسده، لماذا؟ هذا عطاء الله، الله بحكمته وبكرمه وبلطفه هو الذي يعرف كيف يُقسِّم الحظوظ والأرزاق، فكيف أعترض على الله؟ هذه إساءة أدب على الله.

ألا قُـلْ لِمَـنْ ظَـلَّ لِي حَاسِـدًا                   أَتَدْرِي عَلَـى مَـنْ أَسَـأْتَ الأَدَبْ؟

 أَسَـأْتَ عَلَـى اللهِ فِـي حُكْمِـهِ                  إِذَا أَنْـتَ لَمْ تَـرْضَ لِي مَا وَهَـبْ.

لذلك – كما قلت لكم – الحسد ليس مُشكِلة فقط في العلاقات فيٌفسِدها ويُسمِّمها، بل يضرب في صميم العلاقة بالله، لذلك لا يجتمع مع الإيمان، فالإيمان الكامل الصافي الرائق لا يُجامِعه ولا يُجامِع هو الحسد والعياذ بالله، تقول الآية الكريمة وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ۩. 

قال عبد الله بن عمرو حين ذاك – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – هذه التي بلغت بك، أي من أجل ذلك النبي أخبر ثلاث مرات أنك من أهل الجنة، فإذن الجنة ليست بالضرورة تُستحَق بكثرة الصلاة والقيام والصيام والذكر والقرآن، ليس بهذا بالضرورة، هذا من طريق الجنة بلا شك ولكن ليس بالضرورة بهذا وحده، ولكن تُستحَق الجنة وتجب برحمة الله – ولا يحق على الله شيئ إلا برحمته – أيضاً، فهى إنما تُستحَق برحمة الله وبفضله بالقليل من العبادة وبالحد المفروض على الأقل من العبادة مع طهارة النفس والقلب والفؤاد، فلابد من طهارة الإنسان، وهذه هى وظيفة العبادة أصلاً، فوظيفة العبادة أن تُطهِّر نفسك وأن تسمو بها أخلاقك وطبائعك وأن تتهذَّب نحائزك وجبلتك وطبائعك بالعبادة وبالذكر وباليقين وبالقرب من الله تبارك وتعالى، فهذا هو إذن، ولذا قال عبد الله بن عمرو هذه التي بلغت بك وهذه التي لا نُطيق، الله أكبر يا عبد الله، فعبد الله بن عمرو بن العاص – رضيَ الله تعالى عنهما – يقول وهذه التي لا نُطيق، أي نحن لا نُطيق ألا نحتمل غشاً لأحد من المسلمين ولا أن نحسد أحداً على فضلٍ وخير ٍ ساقه الله إليه، فهو قال هذه صعبة، يقولها هضيمةً لنفسه – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – وتواضعاً وعلماً منه وتقريراً بصعوبة هاتين الخصلتين، وهما النصح التام للمسلمين بل لعباد الله والبراءة من الحسد، ولذلك في حديث معروف لنا جميعاً أيضاً قال النبي إياكم والحسدَ فإن الحسدَ يأكل الحسناتِ كما تأكل النارُ الحطب، وهذا شيئ غريب، فهو يأكل حسنات الإنسان، يُصلي ويصوم ويحج ويعتمر ثم هو رجل حسود – والعياذ بالله – وينطوي على حسد، وهذا الحسد قد يستحيل ويتطوَّر إلى بغي وإلى كراهية مُنفلِته، وما من شامت يشمت إلا وهو حسود، وإلا لماذا يشمت؟ لماذا يشمت بإنسانٍ امتحنه الله  أو حتى عاقبه يا سيدي بعقابٍ ما؟ لماذا الشماتة؟ نسأل الله العفو والعافية.

لماذا نطرح هذا الموضوع؟ بعض الناس – كما قلت قُبيل قليل في صدر الخُطبة – قد يظن أن هاته الموضوعات موضوعات كلاسيكية قديمة لا تُناسِب العصر، وهذا غير صحيح، بالذات هذا العصر وهو ليس عصر المسلمين وإنما عصر الأوروبيين والأمريكان والكنديين والأستراليين أكثر عصر لابد أن نتحدَّث فيه عن مثل هذه العوائق للنمو الأخلاقي والروحي والنفسي والاجتماعي، وطبعاً في الموروث الثقافي لشعوب الأرض جميعاً بلا استثناء –  لا أقول هذا أنا وإنما يقوله الدارسون الذين تخصَّصوا في الموضوعات هذه – يُعادل بين الحسد وبين الشر الاجتماعي، فما رأيكم؟ فليس فقط  أفلاطون Plato في مُحاوَرة القوانين هو الذي قرَّر هذا، علماً بأن مُحاوَرة القوانين أكثر واقعية من مُحاوَرة الجمهورية بلاشك لأفلاطون Plato، وعلى كل حال أفلاطون Plato في مُحاوَرة القوانين أو الشرائع قال الحسد عامل تهديم في بنية الدولة والمُجتمَع، أي تهدم المُجتمَع، لذلك – كما قلت لكم – هذا تعليم محمد، لما مرَّ عمر بن عبد العزيز – الراشد الخامس رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – مرة بقومٍ من خِلصانه – أي خُلصائه  – على قرية أو على رسوم بلد أو مدينة انمحت ولم يبق منها إلا كالوشم في ظهر اليد قال أترون هذه؟ هذه ديار قومٍ أفسدها ودمَّرها حسدهم وبغيهم على بعضهم، أي أنه قال الحسد والبغي، فكيف فهم هذا؟ هذه الخصلة اللعينة تُدمِّر الشعوب والأمم، العجيب أن كتاب الله تبارك وتعالى – علماً بأننا سنعود إلى أفلاطون Plato حتى لا أنسى – حين صرَّح بلفظة الحسد ذكرها صراحةً، وذلكم في مواضع أربعة، فهو ذكرها خمس مرات في أربعة مواضع، قال الله وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ۩، فهل هذا الحسد يعمل في مُستوى الجماعة ولا في مُستوى الفرد؟ في مُستوى الجماعة، وهذا أمر عجيب، أهل الكتاب يتمنون للمُوحِّدين من أمثالنا – هم مُوحِّدون ونحن مُوحِّدون، اليهود أهل توحيد وأيضاً نحن أهل توحيد يا يهود – أن نعود من بعد توحيدنا كفاراً مُشرِكين مُعدِّدين، الله أكبر، فلماذا؟ هل تستفيد قضية التوحيد أم تخسر؟ قال الله في سورة البقرة  حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ  ۩، ودائماً نصيحة القرآن أن نصبر، عفو وصفح وصبر، فلا يُمكِن أن يُواجَه الحسد إلا بالصبر والإغضاء.

اصبر على كيد الحسود                                فإنّ صبرك قاتله.

 كالنّار تأكل بعضها                                 إن لم تجد ما تأكله.

قال الإمام عليّ عليه السلام لله در الحسد ما اعدله بدأ بصاحبه فقتله، وهذا صحيح، فهذا كله بالصبر، قال الله في النساء أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ – مَن هم؟ أهل الكتاب أيضاً يحسدون الناس، مَن؟ المسلمين وقيل محمداً – عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً  فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ – أي بمحمد – وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ۩، وهذا أمر عجيب، فهذا على مُستوى أيضاً الجماعة، قال الله في الفتح سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ – أي من الأعراب – إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً ۩، وهذا على مُستوى الجماعة فانتبهوا، الحسد شيئ خطير وهو على مُستوى الجماعات والأمم والشعوب وليس فقط على مُستوى الأفراد، ومن هنا ضرورة المواعظ الأخلاقية التي يُوعَظ بها الأفراد والفرد دون الفرد والواحد وراء الواحد لكن هذه مسألة لها علاقة بقوانين الاجتماع والتاريخ، ومن هنا – كما قلت لكم – تنبَّه أفلاطون Plato إلى هذه الحقيقة في القوانين وقال أنها تعمل ضد المُجتمَع، فهذه الخصلة تُدمِّر المُجتمَعات وتُدمِّر الدول – كما يقول – لأن الذي لا تطيب نفسه إلا إذا افترى على غيري حسداً وبغياً  أراد أن يحرمه فضائله، وهذا صحيح طبعاً، فهو يقول لك ما هذا؟ هذا البعيد كذا وكذا وكذا، أي عكس ما فيه تماماً، لأنه لا يطيب خاطره إلا إذا نزع واغتصب فضائل الغير، ويشعر بالراحة ويرتقي على ظهور الناس – يظن أنه يرتقي وهو في الحقيقة لا يرتقي وإنما هو يتسفَّل باستمرار – بتحطميهم، ومن هنا يقول أفلاطون Plato مثل هؤلاء الأشخاص بالذات سعيهم إلى الفضائل الحقة معدوم أو ضعيفٌ جداً، والمُجتمَعات لا تتقدَّم بالحسدة، وإنما تتقدَّم بالعاملين وبالمُجِدين وبالساعين، فالذي يعمل ويجد ويسعى يندر أن يجد وقتاً للحسد لكي يُنفِّث عن هذا الشعور الرذل أو الشعور الدنيء الوبيء، فوقته مُستغرَق في العمل، أما الحسود وقته مُستغرَق في تنقص الناس وتتبع العورات ونشر الأفائك والأكاذيب وتلفيق التهم والوصمات وإلحاق الوصمات بهم، يقول أفلاطون Plato هذا يعمل ضد الدولة ويعمل ضد المُجتمَع، وأخيراً تقول الآية الكريمة وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ۩، وهذه أيضاً تعم، فيدخل فيها الأفراد وتدخل فيها الجماعات والعياذ بالله تبارك وتعالى.
إذن هذه المسألة لها علاقة بالإيمان، لماذا؟ لماذا هذا الموضوع ضروري وراهن – كما قلت وأعيد لكي نُعمِّق هذه النُقطة – في هذا الوقت وفي كل وقت؟ هل تعلمون لماذا؟ لأن الإيمان يتراجع، طبعاً في الغرب كله بلا شك الإيمان مُتراجِع جداً من قرون، فمن قرون – للأسف – والإيمان يُعاني من أزماتٍ حقيقية،  لم يمر بالبشرية عهدٌ أو عصرٌ انتشر فيه الإلحاد كهذا العصر، ويُقال هناك زُهاء مليار مُلحِد بوجود الذات العُليا، وهذا شيئ مُخيف ومُقلِق، فإن صح هذا فهو شيئ مُخيف ومُريع لكن هكذا يُقال،وهذا بسبب تراجع الإيمان، لكن ما علاقة تراجع الإيمان بهذه الموضوعة الأخلاقية الاجتماعية؟ العلاقة واضحة جداً جداً جداً، حين يتراجع الإيمان لا تظنوا أن الحسد أيضاً يزوي ويتراجع بل بالعكس يتقدَّم ويذر بقرنه ويتشعع ويمتد ويبسط ظلاله، فهل تعرفون لماذا؟ لأن الإيمان – مرةً أخرى أُذكِّر – في عمقه أملٌ وعزاء، فما رأيكم؟ الإيمان أمل دائماً وعزاء، في أشياء لا أمل فيها على مُستوى الدنيا على الأقل فالإيمان يتقدَّم ليكون ماذا؟ عزاءاً، وفي أشياء الأمل فيها لا يكون مرجواً فيتقدَّم الإيمان ليكون ماذا؟ أملاً مبسوطاً أمامك، وإذا غاب الأمل تماماً بالكلية الإيمان يُؤدي دور ماذا؟ العزاء، قال تبارك وتعالى وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ ۩، فتن الله الفقير بالغني وفتن الغني بالفقير وفتن الحاسد بالمحسود والمحسود بحاسده ولذا قال أَتَصْبِرُونَ ۗ ۩، فالخطاب للطرفين، هل تصبر على كيد حاسدك؟ وهل تصبر على نعمة محسودك؟ اصبر ودع عنك الحسد، اصبر ودع عنك التشفي، غُضَّ كما يغض الكرام،  دعه لحسده يتآكله، وادع له بالشفاء من هذا المرض الوبيء والعياذ بالله.

فإذن الله يقول  أَتَصْبِرُونَ ۗ  ۩ ويقول أيضاً وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى  ۩، فهذا عزاء، قال ما عند الله خيرٌ من هذا، وتقول الآية الكريمة وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ۩، فهذا حسد، هم حسدوا محمداً وقالوا لماذا هذا الفقير يكون كذلك؟ هذا فقير أبي طالب، لماذا فقير أبي طالب يُصبِح نبياً رسولاً  وليس رجلاً من قريش أو من ثقيف – هذه القبيلة أو هذه القبيلة – مثل عمرو بن هشام مثلاً – هكذا اقترحوا – أو مثل أمية بن أبي الصلت الشاعر الثقفي الكبير؟ لماذا وهم أغنياء وذوو مال وعدد وأولاد وبنون وحفدة؟ لماذا محمد الفقير؟ تقول الآية الكريمة أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ۩، فهذا عزاء، عزاء كبير جداً يجعل المُؤمِن يرفع شعاره في الحياة وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي، فيقول أبطاً عني الغنى ولعل ذلك هو الخيرُ لي، أبطأ عني النجاح حتى مع أنني بذلت الجهد واستقصيت وما ألوت عملاً وجهداً واستعداداً ولم يُحالِفني النجاح لكن: وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي.

قال الله قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ۩، الله أكبر، وقال وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ۩، أي من كل ما يُجمَع، فالناس تجمع ماذا؟ المال والشهادات والشهرة والسُلطة والنجاحات، فكل هذا ما عند الله خيرٌ منه، وهذا عزاء – عزاء حقيقي – طبعاً، لذلك في العصور الوسطى الأوروبية إلى مطلع العصر الحديث كان الشخص قليل الحظ يُوصَف بماذا؟ بالـ  Unfortunate person، أي الشخص قليل الحظ، كما يقولون بالعراقية شخصٌ حظه طائح، فهو ليس له حظ كبير وهو مسكين طائح الحظ، وحين يدعون عليه يقولون بالعامية “الله يُطيِّح حظه”، فـ Unfortunate Person هو شخص حظه قليل، لكن ما معنى Unfortunate؟ معناها  أن القدر لم ينفعه ولم يهبه نعماً كثيرة سابغة، فهذا معنى الشخص غير المحظوظ، إذن المسألة فيها روح ماذا؟ روح ديني، أي أن المسألة إلهية، وهذا فيه عزاء، فحتى التسمية بحد ذاتها فيها عزاء، لا يُمكِن تأتي تُعيِّر أحداً – مثلاً – لم يرزقه الله الولد وأن تكون مُؤمِناً وتقول أنه أبتر، لأن الله قال  يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ – أي يخلطهم –  ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا ۩، فالله هو الذي اختار هذا، فكيف تأتي وتقول أنه أبتر؟ تقول الآية الكريمة إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ۩، فالله لم يُعطه الذكور وأعطاه البنات – عن محمد عليه السلام – فقط، وقال تعالى إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ۩، فأنت تُعيِّر ماذا؟ أنت تُعيِّر شخص أم تعترض على المُقدِّر لا إله إلا هو؟ أفصح عن صريحك كما يُقال، قل لي أنا مُلحِد، أنا أرفع شعار الإيمان وأتصرَّف كمُلحِد وأسلك كمُلحِد وأشمت بالآخرين كمُلِحد، لكن هنا لا يُمكِن لمُؤمِن أن يشمت، لأنه في الحقيقة لا يشمت بالعبد وإنما هو يعترض على المعبود مُقسِّكم الحظوظ والأرزاق لا إله إلا هو – نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ۩ – في الحقيقة، فالله يقول أنا مَن فعلت هذا، لم يختاروا هم أن تنقسم لهم حظوظهم على هذا النحو الذي كان ولكن أنا الذي فعلت، ولذلك تسمية Unfortunate Person – شخص غير محظوظ  – تسمية في حد ذاتها فيها عزاء، فهذا عزاء لأن الله لم يشأ له أن يعظم حظه في المال أو العلم أو الجاه أو السُلطة، لكن الآن في هذا العصر هل تسمعون هذا في الأدبيات الأجنبية؟ تقريباً لا نكاد نسمع هذا، فنحن نسمع دائماً لفظة Loser أي الفاشل، فكلمة Loser هى كلمة علمانية قطعت مع الغيب، لا علاقة لها بالغيب وبالله وبالقدر، قدر ماذا؟ وحظ ماذ؟ وقسمة حظوظ ماذا؟ هذا كله لا يُوجَد عندهم، هناك فاشل وناجح، وإزاء كل ناجح هناك فشلة، فأنت فاشل إذن، وهذا تدمير رهيب، فإزاء هذا التدمير وإزاء هذا الدوس بالأقدام وبالأحذية على مشاعر الإنسان المسكين وعلى قلبه وعلى طموحاته وعلى جرحه وعلى ألمه وعلى مرارته هل تتوقَّع منه ألا يحسد؟ سوف يُصبِح أسوأ حاسد، وسوف يتمنى الشر ويُدبِّر المكائد وينصب الفخاخ والمصائد لكي يُوقِع بالناجحين، ولا يشتفي ولا يطيب خاطره إلا إذا أراهم شعاعاً مُدمَّرين، فهذا المسكين سوف ينبسط الآن، لماذا؟ ثقافة غير إيمانية، ثقافة إلحادية علمانية دنيوية قطعت مع الغيب وقطعت مع العزاء ومع المصدر الأكبر والأعظم والثر الذي لا ينضب للعزاء وهو الإيمان، أي الإيمان بالله تبارك وتعالى!

النبي مُعظم كلامه كان فيه أمل وعزاء، كان يقول لموضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ مما طلعت عليه الشمس، إذن النبي يقول موضع سوط، فكم هذا؟ هذا السوط كله على بعضه ربما لا يتجاوز عشرة سنتيمتراً مُربَّعاَ أو عشرين سنتيمتراً مُربَّعاً، ثم يقول في الجنة خيرٌ مما طلعت عليه الشمس، وهذا أكبر عزاء، وفيما يُروى عن الصحابي الجليل  سلمان الفارسي أنه كان مرة ذاهباً في طريق الشام مُسافِراً ورآه أحدهم – أحد إخوانه – فقال يا صاحب رسول الله ما هذه الجُبة؟ يلبس جُبة قد اهترأت أطرافها، أطراف كمامها مُهترِأة لأنها جُبة قديمة، وسلمان – رضوان الله عليه –  كان شخصاً طوالاً، فقال يا أخي جوعٌ قليل وعطشٌ قليل ثم تنقضي عنك أيام الدنيا، إنما أنا عبدٌ أعيش في رق سيدي، فإذا أعتقني سيدي لبست حلةً لا تبلى حواشيها.

يا سلام، هذا عزاء يفتقر إليه أعظم فيلسوف غير مُؤمِن والله العظيم، فمن أين يأتي العزاء لسارتري، أي لرجل مُتأثِّر بأفكار جان بول سارتر Jean-Paul Sartre – مثلاً؟ سارتر Sartre كان تقريباً من أواخر الفلاسفة الذين بدأوا مع السفسطائيين وهرقليطس Heraclitus  ومروراً بهوبز  Hobbes  – توماس هوبز Thomas Hobbes – ثم بهيجل Hegel وماركس  Marx – وانتهاءاً ربما بسارتر  Sartre – الذين رأوا أن الوضع بين البشر بل أن أصل العلاقة بين البشر هى الصراع، والإنسان بتعبير هوبز  Hobbes  ذئب الإنسان، فالإنسان ذئبُ الإنسان كما يقول، والجحيم بلسان سارتر  Sartre هو الآخرون، فالجحيم هو الآخرون لديه، وسارتر  Sartre مُلِحد طبعاً وهو تلميذ المُلحِد الألماني هيدجر  Heidegger، وسارتر  Sartre كان يقول لو أن شخصاً مُقعداً على كرسي مُدولَب دخل سباقاً للعدو السريع – يا حبيبي كيف سيفوز هذا؟ هذا مُستحيل – ولم يفز لكان هو الملوم، وطبعاً سارتر  Sartre هنا ينتحر فلسفياً، فهو ينتحر ويكذب على الحقائق، لأن هذا لا يُمكِن أن يحدث، لا يُوجَد مجال لشخص مُقعَد أشل الرجلين أن يفوز في سباق العدو السريع على شخص صحيح، هذا كذب، فعلى مَن تكذب أنت؟ يا أخي نحن بشر، لدينا على الأقل حد أدنى من العقل ولتذهب فلسفتك إلى ستين جحيماً، هذا كذب، ولكن سارتر  Sartre لا يُؤمِن بالقضاء والقدر – Predestination – وسبق تقدير الله للأعمال، فهو لا يُؤمِن بالقدر لأنه لا يُؤمِن برب القدر – لا إله إلا هو – ومُقدِّر المقادير – ويقول لك أنت ابنك، أنت ابن أفعالك، أنت خُلاصة نتاج أفعالك، فلا يُوجَد شيئ مُقدَّر لك سلفاً، لا يُوجد هذا المفهوم، هذا كلام فارغ، هذا من خُرافات المُؤمِنين، إذن أنا مالك البداية كما يقول، فهو يقول لك الشروط البدئية  في يدك، والنتائج النهائية في يدك، حين تفشل وتكون Loser أنت الملوم يا Loser، وحين تنجح فأنت الذي قمت بكل الدور في بناء نجاحك، وهذا كذب بل هو أكبر كذب، فالتأمل الحقيقي في الحياة وفي الدنيا يقول عكس هذا، وقد كان ديستوفسكي  Dostoevsky أعظم مليون مرة من سارتر  Sartre طبعاً، فالتأمل الحقيقي في الحياة – فيّ وفيك وفيها وفينا وفي كل ما يجري حولنا – يُؤكِّد – وهذا يحتاج إلى مُحاضَرة طويلة – لا البدايات ولا النهايات بأيدينا والله، فما رأيكم؟ لست جبرياً – Fatalistic – ولكن أنا أعني ما أقول، فالشروط البدئية ليست في يد الإنسان، إذن لو كانت في يدك هل أنت مَن اختار أن يكون ذكراً وسورياً ومن العائلة الفلانية ذات الطبقة الفلانية – أي تقتعد الطبقة الفلانية –  في العصر الفلاني وفي الشروط الفلانية؟ هذا كذب لأنك لم تختر شيئاً من هذا، هل أنت الذي اخترت  قدرك الوراثي وجينومك Genome؟ هل أنت اخترت أباك وأمك؟ لقد كانا قبل أن يكونا أبوين لك أصلاً، كانا فلان وفلانة، لم تكن أنت موجوداً، فلم يكونا أباً ولا أماً لك لأنك لم تكن موجوداً، وهل أنت الذي اخترت قدرك الجغرافي؟ هل أنت الذي اخترت قدرك السياسي؟ أي أن تكون مثلاً تحت نظام بشار – ليس بشاراً بن برد، يا ليته كان ابن برد لكان أحسن ولنظم لك قصيدة هزلية أو حتى غزلية –  وأن تُحاصَر في مضايا والزبداني حتى تأكل الجلد أو تأكل حتى أخاك الميت؟مَن اختار هذا؟ أنت لم تختر هذا، هل اخترت قدرك الثقافي والديني والفكري والروحي؟ هل اخترت أن تكون من أهل الدين الفلاني أو من أهل المذهب الفلاني؟ الشروط البدئية ليست في يدك، والنتائج – يا سيدي صدِّقني – ليست في يدك.

حين يأتي المُجرِم ويُقِرّ بكل تفاصيل الجريمة بحيث لا يبقى شيئٌ في الظل – كل شيئ يخرج من العتمة إلى الضوء – ويُجيب باعترافاته عن كل ما حيِّر وكل ما أتعب أدمغة المُحقِّقين – كما نقول – وتكون الجوابات واضحة ثم يأتي أحدهم على طريقة مُخرِجي السينما Cinema ويقول لك هناك كانت البداية وهنا الآن أمام حبل المشنقة النهاية فهذا كذب، لا هناك البداية ولا هنا النهاية، فما رأيكم؟ لأن هنا بالذات بعد أن يعترف تبدأ الأسئلة الوجودية في طبقة أعلى وأعمق، فما هى؟ لماذا كان المُجرِم مُجرِماً؟ ما هى الظروف التي هيّأته والتي مرَّ بها والتي اكتنفته والتي كذا كذا حتى انتهى المسكين – ولعله ليس مسكيناً – إلى أن يكون مُجرِماً؟ هنا دخلنا في غابة مُشتبِكة بطريقة شبكية من العلل والمعلولات والمباعث والمثارات والأسباب والمُسبَّبات لا بداية لها من نهاية، وأنا أقول لك أن النهاية متروكة لله وحده، لذلك نحن تحت وهم أننا نعرف النهايات لأننا عرفنا البدايات نقسو في أحكامنا، نُصدِر أحكاماً قاسية – أخلاقية وقضائية – على أمثال هذا المُجرِم طبعاً، ولكن ما عند رب العالمين لا يعلمه إلا رب العالمين أرحم الراحمين، لأن رب البدايات هو الذي ينسج النهايات الحقيقية، فما تظنه أنت نهاية بإلقائه في الثغر – في ثغر الموت – هو مُجرَّد بداية يسيرة للنهاية الحقيقية عند الله تبارك وتعالى، لنكن مُتواضِعين إذن. 

ديستوفسكي  Dostoevsky كان أكثر فهماً بمراحل من سارتر  Sartre  لهذه القضايا الوجودية الإنسانية في عمق الإنسان وعمق مأساة ودراما الإنسان مع أنه أيضاً من جوانب أخطأ الفهم، فديستوفسكي  Dostoevsky كان مُقامِراً – لاعب قمار – كبيراً وخسر أمواله وهُدِّدَ بالسجن واضطُرَّ أن يترك بلده روسيا ست سنوات هنا في أوروبا هرباً، ونفى نفسه لأنه مُطالَب بديون ومُطالَب بالسجن، فهو كان مُقامِراً فاسقاً، وصحيح أنه ترك القمار بضربة واحدة ومرة وإلى الأبد تحت تأثير زوجته الثانية التي أقنعته لكن حين نقرأ المُقامِر لديستوفسكي  Dostoevsky  نفهم أن هذا الرجل كان يهوى القمار بل كان مُهوَّساً أو مهووساً بالقمار لأنه كان يرى أن الشروط البدائية أو البدئية ليست بيد الإنسان ومن ثم كان يراها غير عادلة، فهذا يُولَد وفي فمه ملعقة من ذهب وهذا يُولَد مرمياً في مكب القمامة، وهذا يحصل فعلاً، فهناك أطفال يُعثَر عليهم كل يوم مُلقين في مكبات الزبالة، أنغال المساكين، فإذن هذا يُولَد في مكب القمامة وهذا في قصر وفي فمه ملعقة من ذهب، أين السواء هنا؟ ثم يستقبلون حياة تتفاوت تفاوت ما بين القصر وما بين القمامة، فالشروط البدئية غير مُتعادِلة وغير عادلة كما فهمها ديستوفسكي  Dostoevsky، ومن هنا هويَ القمار وأحب القمار، لماذا؟ قال – علماً بأن هذه فلسفة بسيطة وغالطة – لأن القمار إعادة إنتاج للحياة مع شروط بدأية مُتساوية عادلة، حيث تجلس أنت وأجلس أنا قُبالتك أو إزاءك على الطاولة وتدفع مائة أو تُراهِن بمائة وأُراهِن بمائة، وعقلك يعطيك إذن، ومن هنا جاذبية القمار له، ولكن كان على ديستوفسكي  Dostoevsky – وربما طرح السؤال ووجد الجواب ومن هنا ترك القمار في لحظة واحدة، مرة وإلى الأبد ولم يعد إليه لأنه عبقري كبير – أن يسأل هل حقاً وصدقاً أعدنا الشروط البدائية لتكون بلا تفاوت وعادلة؟ هذا غير صحيح، تعال أنت بخبرتك أمام أكبر مُقامِر معروف – مثلاً – في البلدة أو في القرية وقل لي هل ستكسبه؟ أين هذا يا حبيبي؟ الخبرة مُتفاوِته، وحتى بغير خبرة لا يحدث هذا، سنبدأ من نُقطة دون الخبرة ونقول تعال أنت بذكائك الموروث، أي تعال بهذا الذكاء الجيني وبذكائه هو الجيني لأنه من عائلة عباقرة – من عائلة ما شاء الله تشتغل بالرياضيات مثلاً، وهم يحملون نوبل Nobel في الرياضيات – وأنت من عائلة لا علاقة لها لا بالأدب ولا بالعلوم وقل لي ماذا تفعل؟ هل الشروط مُستوية يا ديستوفسكي  Dostoevsky؟ غير مُستوية،  وفي نهاية المطاف ليس أمامك إلا أن تخضع لهذه الفرضية – أنت تُسميها فرضية وأنا أسميها إيماناً وأسميها عقيدة – وهى أنه لابد بمعنى من المعاني أن تكون هناك ثمة قوة هى التي تتحكَّم بك وتُسيطر وتُهيمن على الشروط البدئية، ولذلك هذه القوة وحدها هى المُخوَّلة أن ترسم النهايات الحقيقية، كل مَن ادّعى أنه يعرف نهاية لأحد غير صادق، ومن هنا هذا ربما يكون أحد المعاني الأعمق لقول الرسول مَن قال أنا في الجنة فهو في النار، فلا أحد يستطيع أن يعرف النهاية، ولا عزاء للملاحدة ولمَن ذاب وتلاشى إيمانهم، لأنهم لا يُؤمِنون وليس بأيديهم أن يُؤمِنوا من خلال ما ارتضوه لأنفسهم من موقف جاحد ومُنكِر بأصلٍ ومبعث قد يبعث على قليل من العزاء للشروط البدئية المُتفاوِتة، فالشروط البدئية مُتفاوِتة حقاً، هل كان بوسع سارتر Sartre أن يُنكِر أن الشروط البدئية  في حق هذا الأشل القعيد وفي حق العدَّاء السريع العدو مُتفاوِتة إلى حد بعيد جداً؟ لا يستطيع أن يُكابِر على هذا، إنها مُتفاوِتة، فبالحري إذن – وهذا هو العدل –  ينبغي أن تتفاوت النتائج، لكن هو لا يرحم، فسيف سارتر  Sartre الذي يُؤمِن بأسبقية الوجود على الماهية واستتباع الوجود للماهية لا يرحم، فهذا السيف القاسي المُسلَط المُسلَّط – أيها الإخوة – على رأس الضعفاء والمساكين وقليلي الحظ من الناس يقول تتحمَّلون كامل المسئولية عن النتائج والنهايات، وهذا أمر عجيب، فهذا تحطيم ودوس لا يرحم – كما قلت – على هؤلاء المساكين طائحي الحظ إن جاز التعبير، لكن الإيمان قضية مُختلِفة تماماً، يُوجَد عزاءٌ كبير وأي عزاء؟نعود إلى قضيتنا إذن، فالحسد كشعور ليس ذلك الشعور البسيط الذي يُمكِن تفكيكه وتحليله ومن ثم فهمه بخطوات سريعة سلسة، وإنما شأنه شأن تقريباً كل المشاعر، فهذه مسألة مُركَّبة شديدة التركيب وشديدة الروغان، وقد كتب الفيلسوف الألماني نيتشه Nietzsche مرةً يقول مشاعرنا كأفكارنا غير أن هذه الأخيرة أكثر بساطة، لكن بعض الناس يظن أن الأفكار هى المُعقَّدة والروَّاغة والصعبة وهذا غير صحيح، فالمشاعر هى المُعقَّدة والرواَّغة والصعبة جداً، فهى تستعصي إلى حد بعيد جداً على الفهم أكثر من الأفكار، ونُريد أن نُجرِّب حظنا مع الحسد وأن نُفكِّكه من بعض الجهات، ففي البداية في القرن الثامن قبل ميلاد السيد المسيح – عليه السلام – كتب الشاعر الغنائي اليوناني  هسيود Hesiod أو هزيود Hesiod يقول الخزَّاف لا يحسد إلا الخزَّاف، والمُطرِب – المُغني المُطرِب – لا يحسد إلا المُطرِبين أمثاله، والمُتسوِّل – الشحاذ الذي يستعطي الناس – لا يحسد إلا المُتسوِّلين، وهذه مُلاحَظة ذكية جداً ومُحاوَلة لتفكيك الحسد، فالخزَّاف – صانع الفخار وصانع الأواني الفخارية – لا يحسد فيلسوفاً ولا يحسد شحاذاً، والشحاذ لا يحسد بدوره صانع الخزف، ولكن الخزَّاف يحسد الخزَّافاً والمُطرِب يحسد المُطرِب، أي أنه يحسد ضريعه وضريبه وهلم جرا، ثم يأتي أرسطو Aristotle بعد بأربعة قرون في القرن الرابع قبل الميلاد في في كتابه البلاغة – ريتوريكا  Rhetoric – ويُؤكِّد  – مرةً أخرى – أننا نحسدُ مَن يُشبِهوننا، أي الـ Homoioi  باليونانية وبالإغريقية، فهو يقول نحسد أشباهنا، والمشابه التي ذكرها أرسطو Aristotle هى مشابه في الولادة وفي السن وفي البلد وما إلى ذلك، فهناك حسد طبعاً لابن البلد، حيث يعترف بك كل العالم لكن آخر مَن يُقِر بك هم أهل بلدك وأصدقاؤك وجيرانك، فهم يقولون هذا لا ذهب ولا جاء، هذا  فلان ابن سميحة العرجاء ليس له قيمة، أليس أباه هو أبو العبد الفران؟ هذا مسكين، في حين أن العالم كله يعترف به، وطبعاً هم لن يعترفوا إلا بعد أن يكسر العالم عنادهم بإعطائه جائزة عالمية أو لقباً عالمياً أو يُقِر له العالم، ومن ثم سوف يقولون هذا فخر وواضح أنه كذلك منذ نعومة أظفاره، فكذبوا في المرتين، لا هم عرفوه منذ نعومة أظفاره ولا هم صدقوا في تقييمه طبعاً، فهكذا هى البلدية دائماً، لذا إياك أن تأخذ – عموماً من حيث القاعدة – مأخذ التسليم رأي بلدي في بلده، وكذلك المُعاصَرة، علماً بأن التراث الإسلامي – حقيقةً وليس من باب الاحتفاء –  فيه أشياء كثيرة – والله – تعز على الحصر قد استوعبها هذا التراث وتمثَّلها وأحياناً سبق إليها وسبق بها، وهذا شيئ غريب، لكن عليك أن تتعمَّق في هذا التراث، أشياء بعد ذلك يأتي فلاسفة يُفرِغونها في قالب فلسفي عميق جميل، ولكن التراث الإسلامي بعبارات بليغة رشيقة قرَّرها وبشكل واضح، فهم يقولون لدينا في الأدبيات الإسلامية المُعاصَرة أصل المُنافَرة، فعصريك لا يُسلِّم لك بنجاحك، ولذلك الموت يأتي حلَّالاً للمشاكل ومُطلِقاً للألسنة بالمدحةِ والثناء، فبعد أن تموت يُقال كان رجلاً طيباً، لكن كيف يا أخي كان رجلاً طيباً وأنت بالأمس اتخذته ألد الخصام؟ طبعاً لأنه مات، وإذ قد مات فقد ارتفعت المُنافَسة، لا تُوجَد  مُنافَسة الآن ولا مُسابَقة فيُصبِح أحسن الناس وأكرم الناس وأعلم الناس وأفضل الناس.

ديموستين Demosten خطيب اليونان الأول – ديموستين Demosten أو  ديموسثينيس Demosthenes – يقول هناك تيارٌ خفي يسري باستمرار – تيارٌ خفي سارٍ باستمرار – من الحسد ضد الأحياء، أما الميت فإني لا أكره حتى خصمي الألد، أي ما دام هو مات فإنه يُصبِح حبيباً حتى وإن كان خصمي الألد سابقاً، فالموت حلَّال  المشاكل، وهذا شيئ عجيب لكن هذا هو الحسد، فالحسد يمنعك أن تُنصِف المُعاصِرين وتُنصِف الأشباه، فإذا مات وتولَّى فإنك مُباشَرةً تُقِر له بالفضل لارتفاع المُنافَسة، وهذا أمر عجيب لكنه من ضيق صدر الإنسان، وانظر إلى أبي الطيب المتنبي، فهو فيلسوف كبير جداً وشاعريته تتفوق على خطابية ديموستين Demosten عشر مرات على الأقل، قال المتنبي:

لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا                         ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ.

يا الله، فهو يقول بلد مثل دمشق ومثل فيينا والقاهرة والقدس والقيروان وتونس هى بلد كبيرة فهل يُمكِن أن تضيق ولا تسع اثنين في حين أنها تتسع لعشرين مليوناً؟ هذا غير مُمكِن، علماً بأن مارسيل بروست Marcel Proust صاحب بحثاً عن الزمن الضائع هو أحسن روائي على الإطلاق حلَّل وفكَّك وتعمَّق مشاعر الغيرة والحسد -Jealousy And Envy – وبالذات في هذه الرواية، فهو رقم واحد هنا، لذا إذا أردت في قالب روائي أن تدرس الغيرة والحسد فعليك ببروست Proust، لكن بروست Proust كان أستاذاً في الغيرة والحسد، كان حسوداً جداً وغيوراً جداً، حتى قال فيه أقرب الناس إليه إذا اختلفت معه عليك أن تُغادِر البلد، فالبلد كلها تضيق الآن أن تتسع لبروست Proust  ولك، هذا ممنوع لأنه لابد أن يسعى في تلويث سمعتك أو في تسميم حياتك بأي طريقة، فهو غيور جداً، لكن على الأقل الثمرة الوحيدة الجيدة التي استفدناها من وراء رذيلته التي مارسه في حياته هو أنه أفلح جداً في تشريح هذه الرذيلة في عمله الروائي السردي الأدبي.

إذن:

لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا           ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ – أي صدورهم – تَضيقُ.

فهذه هى ضيقة الخُلق وهذا هو ضيق الصدر، لا يرى أن العالم كله وأن الدنيا كلها يُمكِن أن تتسع له ولخصمه ولمُنافِسه، فإذا مات مُنافِسه انقلب حبيباً ودوداً، وهذا الآن بعد إذ يموت لكن وهو حي لا تسع الدنيا كلايهما، فهى لا تسع الاثنين معاً أبداً، وهذا شيئ غريب جداً!

إذن ديموستين Demosten  لاحظ هذه الناحية منذ البداية، والمشابه التي ذكرها أرسطو Aristotle في الروتوريكا Rhetoric هى الميلاد والسن والبلدية والمهنة وحتى القرابة كما قلنا، وقد ذكرت أنه استشهد بيت شعر فقال القرابة تعرف الحسد جيداً، إذن أرسطو Aristotle  يستشهد بهذا البيت من الشعر لأننا نحسد أشباهنا،  ولذلك من حيث الأصل – هناك استثناءات الآن أيضاً سأحلِّلها، وهى استثناءات مُحيِّرة، فأنا شخصياً حيرتني فترة طويلة لكن بفضل الله وجدت تقريباً جوابها فيما أظن وأحسب وأُقدِّر – الفجوة بين الحاسد والمحسود ضيقة، فمثلاً كما قال أحد الدارسين الذي يمتلك درَّاجة بُخارية يحسد جاره أو صديقه أو قريبه الذي يمتلك سيارة عائلية مُتوسِّطة، فهو يحسده على هذا، ولكنه لا يحسد مَن يمتلك رولز رويس Rolls-Royce – مثلاً – أو دايملر Daimler أو طائرة فردية، لا يحسده أبداً، فالتفاوت بعيد جداً جداً جداً ولا تُوجَد إمكانية لعبور الفجوة، ولكن إذا كانت هناك إمكانية لعبور الفجوة ولو في يوم من الأيام فإنه سوف يحسده، وهذا أمر عجيب، وكأن هذه الرذائل مدافع رشَّاشة تنطلق فقط على الذين يكونون في مرماها، فإذا كنت في مرمى نيراني  فلن أرحمك، لكن إذا كنت أعلم أنك لست في مرمى النيران فإنني سأتركك، ولذلك يقول الدارسون إذا لم تكن هناك إمكانية لعبور الفجوة لا يقع الحسد، فلم يحصل أن أحداً من الناس يحسد – مثلاً – ملكة بريطانيا أو ملك السويد أو ملك حتى السعودية، فنحن لا نسحد هؤلاء طبعاً، أنا أحسد زميلي القريب مني في السن والقريب مني في أشياء أخرى كثيرة والذي أنجز ما لم أُنجِزه وحصَّل ما لم أُفلِح في تحصيله، فهذا أحسده وأود أن أُدمِّره، ولكنني لا أحسد رئيس أمريكا طبعاً، فرئيس أمريكا سيحسده فقط المُنافِس الذي فشل في الانتخابات بالطبع إزاءه، فهو يحسده طبعاً لكن أنا وأنت لا نحسده، وحتى أي سياسي أمريكي عادي من درجة دُنيا لن يحسده، من المُمكِن أن يكرهه ولكنه لن يحسده، فالحسد يُوجَد في حالة المُشابَهة عندما تكون هناك إمكانية لعبور الفجوة، ولكن هنا في استثناءات، لذلك نعود عوداً على بدء لكي نستسلف نصيحة الشهيد العظيم سقراط Socrates الشهيد العظيم، فهذا المسكين كان ضحية الحسد، لكن بعض الناس لا يعرف هذا، قرأ آلاف الصفحات عن سقراط Socrates  ولا يعرف أن سقراط Socrates في الـ  Apolog أو في مُحاوَرة الدفاع –  مُحاوَرة الدفاع لتلميذه أفلاطون Plato وهذا طبعاً على لسان سقراط Socrates – في مُحاوَرة الدفاع خاطب هيئة المُحلَّفين أو هيئة المحكمة –  Court – عموماً بالقول أنا هنا ضحية الحسد، لقد عشت حياتي على نحوٍ لا يُذَم بل يُمدَح، ولكن الذي كان أنني حُسِدتُ ووُشيَ بي وأُوتيَ بي هنا من باب الحسد، ثم تساءل المسكين بطريقة تُبكي قائلاً  ما عساه مَن يحسد شخصاً مثلي أن يكون؟ فهو يقول أنا عشت حياتي أزهد في الشهرة وأزهد في أموال الناس فلماذا يحدث هذا؟ وطبعاً كان يُعلِّم دون أن يأخذ فلساً واحداً، وكان عنده أزمة عائلية مُمتَدة مع زوجته زنتيب  Xanthippe بسبب أنه فقير مُقِل لا شيئ عنده، والسوفسطائيون – وهو عدوهم الأول الألد – كانوا يكسبون الذهب بألسنتهم وخطابياتهم، وهذا أمر معروف، لكن هو لا يأخذ شيئاً، فقط  يفعل هذا من أجل المعرفة ولأجل المُجتمَع وأخلاق النشء، فكان على مدار الأربع والعشرين ساعة يُربِّي دون مُقابِل، ولذا قال :ما عساه مَن يحسد شخصاً مثلي أن يكون؟ أعن أي شرٍ يُمكِن أن يُحجِب إذا كان إذا مثلي يُحسَد ويُوشى بي ويُراد قطع عنقي مثلي أنا؟ قال سقراط Socrates أنا الذي لا أبغي الناس إلا الخير ولم أُعلِّمهم إلا الخير ولم أدلهم إلا على خير ومجاناً عفواً سماحاً، فهل مثلي يُحسَد ويُراد أن يُعلَّق على أعواد المشنقة؟  هذا الذي حسدني وانتهى بي إلى هذا المكان وهذا المصير ما عساه يمتنع إذا كان مُمتنِعاً عن شرٍ من الشرور؟ ولا عن أي شر، فيُمكِن أن يرتكب كل الشرور، ثم قال المسكين في آخر دفاعه أيها السادة لا علاج للحسد إلا بتهذيب النفوس، نحن نحتاج أن نُربِّي نفوسنا، وهذا نقوله اليوم لأمتنا ولأنفسنا فنحن نحتاج أن نُربِّي نفوسنا.

أرجع لكي أقول أن بعض الناس قد يحسد غير أشباهه، فالقاعدة أننا نحسد أشباهنا لكن لماذا يُمكِن أن نحسد غير أشباهنا إذن؟ كيف هذا؟ ترى عامياً – شخص عامي من الناس يشتغل بأي مهنة وبأي وظيفة وبأي حرفة – يحسد مثلاً طبيباً ناجحاً أو عالماً فيزيائياً أو عالماً حتى في الشريعة أو في الفلسفة، فلماذا إذن؟ أنت عامي ولست من أهل العلم، فلماذا تحسده؟ من المفهوم أن يحسد الطبيب مَن مثله من الأطباء، وقد يحسد رجل أعمال رجل أعمال مثله وقد يحسد شيخ  شيخاً مثله، فهذه الأمور مفهومة، ولكن رجل عامي أو عامل أو مُحترِف أو مُمتهِن مهنة يحسد عالماً فهذه كانت غير مفهومة بالنسبة لي ثم فهمتها بعد ذلك، فهو لا يحسده على علمه ولا لأجل علمه، هو يحسده لأنه قريبٌ منه، فهو إما صديق وإما جار وإما بلدي، أي هناك علاقة بينهما، فلابد أن تكون هنا ثمة علاقة تُقرِّب الفجوة وتجعل المُنافَسة مُحتمَلة بمعنى ما، ولكن موضوع الحسد ليس العلم وليس الأشياء الأخرى، إنه الشهرة، فهو يحسده على شهرته، لأنه  مشهور في حين أنه خامل الذكر وغير مشهور، ويحسده على اعتباره الاجتماعي وعلى حيثيته وعلى مكانته ويقول أنا لا مكانة لي في المُجتمَع، ولكن يبقى هنا أيضاً شيئٌ غير مفهوم، فما هو؟ أنهكيف نال الشهرة؟ لقد نالها بالعلم، بالطب أو بالهندسة أو بالفقه أو بالفلسفة أو بالشيئ الذي هو فيه، فهو نالها بهذا، وأنت لم تُنافِسه في هذا الطريق أو في هذه الطريق، فلم تحسده على الغاية التي انتهى إليها بسلوكه طريقها؟ هنا يُوجَد شيئ شراني وتُوجَد قوة شرية، يُوجَد شيئ شري مُخيف يُوشِك أن يتمحَّض للشر، فهذا شر بالفعل، لأن حين يحسد الطبيب طبيباً تكون المسألة مفهومة، طبعاً هى سيئة ولكن مفهومة، فقد يحسد طبيب طبيباً ويقول أنت بذلت جهدك وأنا بذلت جهدي فلماذا حظيت بما لم أحظ أنا بمثله، فهذا يُحرِّك الحسد في نفسي، وهذه مفهومة إلى حدٍ ما على أنها سيئة، ولكن أنت غير طبيب فلماذا تحسد طبيباً على ما نال من شهرة أو من مال؟ كيف تحسده على شهرته أو على ماله من غير طب ومن غير أن تدرس الطب وان تتعب وأن تتخصَّص؟ لماذا تحسده؟ إذن انت تحسد على الخير – الخير محضاً – الذي لديه، ولكن تبقى القاعدة – كما قلت لكم – أننا نحسد أشباهنا، ولذلك انتبهوا إلى هذا، فمَن أقرب إلينا: الوليد بن طلال أم بيل جيتس Bill Gates؟ الوليد طبعاً لأنه عربي ومسلم، فهذا نقرضه بألسنتنا أكثر مما نفعل مع بيل جيتس Bill Gates، بيل جيتس Bill Gates لا يهمنا كثيراً وربما نفرح أو  نُظهِر فرحتنا بأنه تبرَّع بنصف ثروته مع وارن بافيت Warren Buffett أيضاً، وهذا شيئ عظيم فنتغزَّل فيه، لكن الوليد بن طلال أقرب إلينا لأنه عربي ومسلم ولذا نقول هيا نقرض أديمه أكثر قليلاً، مع أنه طبعاً أبعد من أن يكون محسوداً حقيقةً منا، لأنه من رُتبة مُختلِفة تماماً، فهو رجل ملياردير ونحن غلابة على باب الله تبارك وتعالى، ولكن يحدث أيضاً هذا أحياناً، فإذن نحن نحسد أشباهنا في أمور كثيرة، وهذا بحد ذاته يصف ولكن لا يُفسِّر شيئاً أعمق منه، فالشيئ ينبغي أن نقف عنده هو ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني أننا نحسد أشباهنا؟ يعني هذا – مرةً أخرى – أننا غير مُتمحضين للخير، فلا نفرح بالخير للآخرين ونرجو لهم الشر والضر، وهذا شيئ خبيث جداً جداً جداً جداً، ولذا إذا وعيناه من أنفسنا علينا بنفس الصرامة والجدية أن نبدأ في في علاجه الآن وهنا، فعلاجه – كما قلت لكم  – جزء من الحكمة، وهو له علاجان، علاج بيد الله، قال الله إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ۩، أي الكملة، فالحسد لا شغل له مع الكمال،وعلاج آخر وهو الحكمة، فالحكمة طريق الكمال وليست الكمال، هى عُدة الكمال وليست الكمال نفسه، ولكن الحكمة يُمكِن أن تكون سبباً ووسيلة لعلاج أمراض النفس والروح وخاصة لعلاج الحسد، لكن كيف هذا؟

يقول الشاعر اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد بندار Pindar  – بندار Pindar أشهر شاعر غنائي يوناني، هم تسعة وهذا أشهرهم على الإطلاق، وتراثه هو الأكثر محفوظية – الحسد يعرف طريقه فقط إلى أصحاب العقول الفارغة، كأنه يقول لا تجد ذكياً حقيقةً ويكون حسوداً، الغبي فقط وفارغ العقل هو الذييكون حسوداً، إذن هذه سُبة حتى في الإمكانات العقلية الإدراكية وليست الأخلاقية فحسب عند الإنسان، فلماذا إذن؟ ولذلك الضديد الحكمة، فالرجل الحكيم الواعي لا يحسد وسوف نرى كيف هذا في التراث الإسلامي والتراث الإغريقي، ففي التراث الإغريقي لديك مقولة تقول الفيلسوف يعيشُ سعيداً سواءٌ أكان مشهوراً أم خامل الذكر، وهذه حكمة، لكن لماذا؟ قالوا لأنه إذا كان مشهوراً تمتَّع بمُكافأة الشُهرة – الشُهرة مُتعة لبعض الناس، فهو يفرح لأنه مشهور والناس تحبه وتقدره ويقول أهلاً وسهلاً بهذا لأنه يتمتَّع – فهو سعيد، وإن كان خامل  الذكر تمتَّع بأنه يكون غير محسود، كأنه يقول أن الفيلسوف إذا كان مشهوراً فإنه يتمتع بالشُهرة ولكنه لا يعبأ بحساده، فهو أعلى من أن يواتِرهم وهو أركز وأملأ وأكثر غنىً طبعاً نفسياً وروحياً من أن يُجاريهم، ولذا يصبر عليهم فيعيش سعيداً أيضاً، وإذا كان خامل الذكر يعلم أنه بخمول ذكره – لأنه غير مشهور – ينجو من عضات ولدغات الحساد، ويقول لك الحمد لله على هذا، فغنيمة كُبرى أنني أعيش في سلامة، وهذه حكمة طبعاً، وانظر الآن إلى الحكمة الإسلامية، فالتابعي الجليل  محمد بن سيرين – رضوان الله عليه – يقول ما حسدتُ أحداً على دنيا أصابها، يا سلام عليه وهو رجل صادق، علماً بأن هذا الرجل كان يُعبِّر الرؤى، ولا يُوجَد إنسان عنده القدرة الحقيقية على تعبير الرؤى بدون علم، ومن ثم انتبهوا فهناك مَن يفتحون
الدكاكين في الفضائيات ويدّعون هذا، لكن هذا لا يُمكِن إلا لمَن أعطاه الله فعلاً هذا وعلَّمه تأويل الأحاديث، فهذا عطاء رباني لا يُؤخَذ من الكتب، ما يُؤخَذ من الكتب مُجرَّد كلام فارغ لكن هذا من عند الله عز وجل، ولا يكون إلا لإنسان فعلاً بارئ النفس وطاهر الفؤاد – سبحان الله – طبعاً، لأن الرؤى الصادقة  نفسها مُخايلة للغيب، وتعبير الرؤيا بصدق وحق مُخايلة للغيب، فهذه تحتاج طبعاً إلى نفوس بارئة طاهرة، ولذا هو يقول – رحمة الله عليه – ما حسدتُ أحداً على دنيا أصابها، فلماذا يا ابن سيرين؟ قال – هذا الرجل حكيم – لأنه إن كان من أهل الجنة فما الدنيا في الجنة؟ هذا كلام فارغ، إذا أردت أن أحسده فينعي أن أحسده على أنه من أهل الجنة، لكن هل الحسد على أنه من أهل الجنة هو حسد أم غبطة؟ هذا إسمه حسد غبطة وهو مُستحَب، لكن ما الفرق بين الحسد والغبطة؟الحسد  تمني زوال النعمة عن عن محسودك، فكما قلت لا يرتاح خاطرك إلا بأن يُدمَّر – لا إله إلا الله – وأن تُنزَع النعمة منه وهذا شر، أما الغبطة ليست كذلك، فأنت ترجو بقاءها عنده وله وترجو مثلها لنفسك، وهذا له علاقة بالمُنافَسة، وأرسطو Aristotle نفسه فرَّق بينهما وقال الفرق بين المُنافَسة وبين الحسد هو أن المُنافَسة لا يسوءك أن يملك غيرك – هو عنده أشياء يمتلكها فلا تتمنى زوالها عنه – ولكنك تعمل على أن تملك مثل ما يملك – فهذه مُنافَسة قال تعالى وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ۩-، أما الحسد فهو أنك تعمل على أن يفقد ما يملك مما لا تملك، أعوذ بالله منه لأنه شر، ويُمكِن الآن لبعضكم أن يعن له أن يسأل قائلاً الفرق بين الغيرة والحسد؟ يُوجَد ناس خاصة في الأدبيات الأوروبية تقريباً شبه يُعادِلون بين الغيرة – Jealousy – والحسد – Envy – أحياناً ويقولون أنهما نفس الشيئ، وهذا غير صحيح، فلابد أن يُوجَد فرق بينهما، لكن عموماً في المخيال العام الحسد أدخل في الشر من الغيرة، ولذا يقول بعض الدارسين لذلك نحن نتساهل و نتسامح في وصف أولادنا بأنهم يتغايرون، فالواحد منا يقول لك أولادي يغارون من بعضهم البعض، فابني يغار من أخيه، لكننا لا نقول يحسد بعضهم بعضاً، لأن هذا من الشر، فأنت تنزِّه أولادك عن وصمة الحسد، ولذا تقول يتغايرون ولا تقول يتحاسدون، وصاحب قاموس مُترادِفات إنجليزية في القرن التاسع عشر فرَّق بينهما بطريقة جميلة جداً بالنسبة لي على المُستوى السيمانتيكي الدلالي – هى فعلاً مُمتازة  – وقال الغيرة هى بخصوص ما نملك ونخشى أن نفقده، وطبعاً هى مُصنَّفة من قديم إلى  الغيرة المهنية والغيرة العائلية والغيرة الجنسية، فهكذا هم يُقسِّمونها، فهناك مَن يغار على عِرضه مثلاً، لكن ما معنى أنه يغار على عِرضه؟ يغار أن يفقد هذا الشيئ طبعاً، فهو يغار أن يفقد شرفه أو شرف ابنته أو شرف أمه أو شرف زوجته، فهذه غيرة هنا، والغيرة من الإيمان ومن علائم الرجولة بلا شك، فالبعيد الذي لا يغار أنتم تعرفون ماذا يقول عنه العوام وهو صاحب أنكر الأصوات، فهم يقولون عنه أنه كذا وكذا لأنه لا يغار، إذن هذه هى الغيرة، فالغيرة تكون على ما نملك ونخشى أن نفقده، أما الحسد فهو ألم مُمِضُ ومُقلِق بسبب ما يملكه غيرنا. 

الفيلسوف الشهير أيضاً  كسينوفون Xenophon  في Moralia – الأخلاقيات – ماذا يقول؟ يقول ليس سبب الألم الذي يتآكل الحسدة نجاح الأعداء – أي أنه عدوه ناجح، فليس هذا هو الحسد – ولا فشل ومصائب الأصدقاء – وإنما سبب الألم الذي يُكابِدونه هو نجاح الأصدقاء، أف، انظر إلى هذه الطريقة، هذه طريقة مُؤثِّرة في التعبير، فهو يقول لك الحاسد غير مألوم وتعبان وقلق لأن عدوه نجح، فعادي أن ينجح العدو، ولا لأن صديقه وحبيبه كُرِث وفشل، فعادي أن يحصل هذا وقد نتعاطف معه، ولكن السبب هو أن هذا الصديق نجح وليس لأنه كُرِث فنتعاطف معه، علماً بأن إلى الآن وفي كل الثقافات وعند كل الشعوب أيسر وأسهل شيئ على الناس أن يتعاطفوا مع أصدقائهم المنكوبين، فنحن نذهب ونبكي معهم، إذا حدثت لأحدهم نكبة في امتحان أو في وفاة أو في مال فإننا نذهب ونبكي ونُقبِّل هذا الشخص بشكل عادي وبكل صدق، فهذا أسهل علينا مائة مرة من أن نحتفل بنجاحهم، لكن لماذا نقول هذا؟ لكي نعرف أن فينا هذا الحسد الكريه البغيض الشرير، فأسهل أن تتعاطف مع الواحد منهم في مصيبته من أن تحتفي وتحتفل بنجاحه وإنجازه، صعب عليك الاحتفال بنجاح صديقك ولكن سهل أن تتعاطف معه في مُصيبته طبعاً، وهذه طريقة جميلة للتكريه في الحسد، لكي نكره الحسد ونُعلِّم أولادنا كيف يكرهوه ويحتقروه، لأنه أسوأ الرذائل ولا يأتي من ورائه أي فائدة، وإلا مَن يستفيد منه؟ والله لا أحد، الكل يتضرَّر بالحسد، وأكبر المُتضرِّرين هو الحسود نفسه، وأحياناً طبعاً يتضرر المحسود المسكين وقد تتشوه سمعت ه وخاصة الآن ما شاء الله – أقول لك – في ظل ما يحصل في العالم العربي، لا يُمكِن أن يُترَك ناجح أو رجل كُتِبَ له القبول أو التوفيق في شيئ إلا ويتم تدميره، لابد أن يُدمِّروه بخمسين مليون طريقة على مدار الأربع والعشرين ساعة، فمن المُمكِن في النهاية -كما قال أفلاطون Plato – أن يتضرَّر هذا المسكين.

إرنست هيكل  Ernst Haeckel – العالم والمُفكِّر الألماني التطوري الشهير والذي ذكرناه في سلسلة التطور – يقول الحسد أبشع وأفظع الرذائل، لماذا؟ لأنه لا يستفيد منه صاحبه أي فائدة، لكن هيكل  Haeckel قصَّر، بالعكس هو لا يأتي بفائدة وهذا مُسلَّم به ولكنه لا يأتي إلا بالمصائب على الآخرين وبالذات على صاحبه، أي على الحسود فهو منبع الحسد والعياذ بالله تبارك وتعالى، وهذا شيئ فظيع!

نرجع إلى موضوعنا مرة أُخرى،  إذن الحسود لا يحزن لنجاح الأعداء ولا لكوارث الأصدقاء، لكن الذي يُحزِنه ويُؤلِمه ويمضه ويُقلِقه هو نجاحُ الأصدقاء، وهذا شيئ في مُنتهى البؤس!

قبل أشهر جاء أحد أبنائي إبراهيم وقال لي شيئاً أفرحني، والله كم فرحت بهذه اللفتة منه أكثر – بالله – من نجاحه في تلك المادة، فهو جاء لكي يقول لي “بابا أنا أخذت في المادة الفلانية Eine – واحد – فقط”، فقلت له “بارك الله فيك، هذا مُمتاز، بارك الله فيك، الله يفتح عليك، هل كنت أحسن واحد؟” فقال إبراهيم بكل فرحة وهو يضحك “لا يا بابا، فلان كان أحسن مني”، فقلت له “كيف وأنت الأول؟” فقال “لأنه يا بابا الأول ولكنهم أعطوه Plus أيضاً، فهو أفضل مني يا بابا”، ثم يضحك لأنه مبسوط من هذا أفضل منه، فأخذته ودموعي تترقرق وقلت لأمه “أُقسِم بالله هذا أفضل من نجاحه عندي عشر مرات”، وطبعاَ شجعته على هذا، وهو لا يفهم أنني فرح بهذا، لكنه هو نفسيته طيبة ومن ثم يفرح أنه زميله أحسن منه ويقول “هو أخذ Plus يا بابا”، وهذا شيئ جميل جداً جداً جداً، فيا ليت نُربِّي أنفسنا وأولادنا بالذات على مثل هذا الخلق، لذلك أنتهزها فرصة لأقول إياكم وإياكن أن تبدأوا البداية الغلط مع أولادكم – أبنائكم وبناتكم – بإدخالهم وبإقحامهم في مُقارَنات، إياكم أن تفعلوا هذا، فأنتم تُشعِلون بهذا الحسد في قلوبهم مُذ نعومة أظفارهم، لكن كيف هذا؟ إياك أن تقول لابنك: لماذا فلان أفضل منك؟ لماذا صاحبك فلان أفضل منك؟ في ماذا هو أحسن منك؟ أنت عندك الذي ليس عنده، أنت مُتوفِّر لك كل شيئ فلماذا هو أتى بنتيجة أحسن منك؟ انظر إلى أخيك وإلى ما فعل وانظر ماذا فعلت أنت، أنت حصلت على المركز الثاني  لكن هو يحصل على المركز الأول دائماً، فلماذا؟ في أي شيئ هو أحسن منك؟
إياك أن تقول هذا، لأنك بالطريقة هذه تُعلِّمه أن يحسد أخاه وأن يحسد زميله ثم أنه سوف يحسد العالمين، وبالتالي أنت أفسدت عليه حياته، فإياك أن تفعل هذا، إياك أن تقول هذا، لا تُدخِله في مُقارَنة إطلاقاً، إذا أردت أن تُشجِّعه وأن تبعث فيه الرغبة في النجاح لا ينبغي أن تفل هذا، علماً بأن هذا الأسلوب النفسي سيكولوجياً – في سيكولوجيا التعليم – يُدمِّر الطفل، فما رأيك؟ فهذا لن يشجِّعه بل سوف يُدمِّره أكثر ولن يتفوَّق علمياً، فأنا الآن أتحدَّث لك عن علم التربية والبيداغوجيا Pedagogy، ففي البيداغوجيا Pedagogy يُقال لك إذا أردت أن يتعلَّم أحسن لا ينبغي أن تقول له مثل هذا الكلام، لكن هل تعرف ماذا يجب أن تقول له؟ يجب أن تقول له “ما شاء الله، اثنان مُمتازة وثلاثة مُمتازة أيضاً، فهناك مَن يحصل على أربعة وهناك مُن يرسبون ويحصلون على خمسة، فحتى ثلاثة ما شاء الله مُمتازة، لكن أُريد أن أسألك سؤالاً وهو هل تعتقد أنك لو درست أكثر سوف تتحصَّل على درجة أحسن؟ أنا بالنسبة لي لأنني والدك مُتأكِّد من هذا وليس عندي شك في هذا”، ومن ثم سوف يقول لك ” نعم يا بابا، إن شاء الله في المرة الجائية سوف ترى هذا يا بابا وسوف أتحصَّل على أحسن درجة”، هذا هو فقط، فلا تُدخِّله في مُقارَنات ولا تقل له لماذا هو ولست أنت، إياك أن تقول هذا، فقط أفهِمه أنك يُمكِن أن تتجاوز ذاتك دائماً يا ابني، ومن المُمكِن أن تتفوَّق على نفسك، فأنت يُمكِن لك أن تحصل على درجة أحسن من هذه وأنت قادر على هذا.

قل له هذا فقط، فهذا أسلوب صحيح في التربية أما ذاك فأسلوب خاطيء، ونحن أصلاً نحتاج إلى دراسات اجتماعية سوسيولوجية لكي نفهم سبب الحسد المُستشري فينا وخاصة في العرب، فهو مُستشري بشكل كبير، لكن أنا أقول لكم أن البداية الحقيقية من الأسرة، أي من الأب والأم، فالابناء يرون مُعظم مجالس الآباء والأمهات عن أخيه وعن جاره وعن ابن عمه وعن صديقه، يقول الواحد منهم عن صديقه – مثلاً – أنه يركب سيارة بستين ألف يورو والناس لا تجد ما تأكله، لكن ما علاقتك أنت؟ هل هو أخذ منك أو من جيبك هذا المال؟ فهذا الرجل كاد أن يُقتَل لأن لديه سيارة بعشرة آلاف وهذا الآخر عنده سيارة بستين ألف يورو، وهذا لا ينبغي فقل يا أخي الله يفتح عليه والله يسعده وافرح له، لكن الولد يسمع هذا الكلام طبعاً ويسمع من أبيه حديثاً لمدة ثلاث ساعات عن السيارة التي تُساوي ستين ألف يورو، ثم يحمر وجهه ويقول بعد ذلك وهو يتألم “آخ، أعطوني حبة الضغط”، وبعد ذلك يقول لك هؤلاء قتلوني يا أخي، فهو ما شاء الله عليه قتيل الأخلاق، لكنه في الحقيقة قتيل الحسد ويدّعي أن هذا العالم اللأخلاقي هو الذي قتله، لكن ماذا عن أخلاقياتك أنت؟ والله لو كنت أخلاقياً وبصدق ومُمكِن تذبحك الذبحة الصدرية بكاءاً على أطلال الأخلاق لما حسدت ولا ما ذبحت في هذا السياق – قسماً بالله على هذا – ولا ما رأيتك في هذا السياق بالكامل أصلاً، فما رأيك؟ أنت لن تكون كذلك لأن الأخلاق لا تكون كذلك، بل بالعكس الواحد منا – كما قلت لكم – يفرح للناس – كل الناس – ويرجو لهم الخير ويعمل على تحقيق هذا أيضاً.

كم أحتقر الرجل أو المرأة الذي عنده طريقة يُعمِّم بها الخير ثم هو يحتجنها – أي يحتكرها – لنفسه، وعلى كل حال نحن نحسد أشباهنا بالمعنى الذي ذكرناه، لكن المعنى الذي لم نذكره هو أنه في العمق من هذا يُروغ ويلعب الشر والعياذ بالله، فهنا يُوجَد شر يُوشِك أن يكون شراً محضاً، وفقط نحن لا نحسد – كما قلت مرة أخرى – الآخرين لأننا لا نستطيع أن نحسدهم وذلك لأنهم – بتعبيري أنا – ليسوا في مرمى نيراننا، فلو كانوا في مرمى نيراننا لحسدناهم.

قد يقول لي أحدكم قل لي طريقة عملية – نترك التعاويذ والرقى والتمائم وهذه الأشياء – للتخلص من حسد الآخرين، فأنا رجل أتعبني الحسد – حسد أقربائي وإخواني وجيراني أتعبني – لأن الله أعطاني بعض التوفيق، فماذا أفعل؟ هناك طرق عملية كثيرة، مثل أن تُحاسِن الناس، أشرِك الناس في بعض الخير الذي أولاك الله، فنحن نُريد أن نكون مُنصِفين أيضاً، وهذا هو طبع الناس، فماذا تفعل؟ أنت لا تستطيع أن تُصلِح الكون، هكذا هى الدنيا وعليك أن تعلم هذا وإلا سوف تعتزل وتعيش وحدك مثل طرزان Tarzan في الغابة، لكن إذا أردت أن تعيش في المُجتمَع ككائن اجتماعي لابد أن تفهم هذا المُجتمَع، وأنت في طريق إصلاحه يجب أن تُضحي بعض التضحية،  كأن تُشرِك هؤلاء الناس الذين تُعاني منهم في بعض ما أولاك الله .

رأى حكيمٌ اثنين يتماشيان، أحدهم – ما شاء الله – عليه الأبهة والثياب الفاخرة الرافهة، والآخر غلبان مسكين عليه ثياب مُقطَّعة، فقال ما هذان؟ – ولم يقل مَن هذان؟ وإنما قال ما هذان؟ أي ما ماهيتهما؟ – فقالوا صديقان، قال فما لهما لا يستويان؟ أي لماذا هذا يرتدي هذه الثياب الفاخرة وهذا يرتدي تلك الثياب المُقطَّعة؟ هذان ليسا صديقين، هذا كذب، وفعلاً هما ليسا صديقين، إذا كنت صديقي وقد فتح الله – ما شاء الله  – عليك يجب أن تنفحني شيئاً دون أن أطلب منك، فهذا عيب وسُبة فيك، وكذلك الحال مع الإخوة، فأنا لا أتحدَّث عن الأصدقاء الآن فقط وإنما أتحدَّث عن الإخوة أيضاً، هناك إخوة أبناء أب وأم – من  رحم واحد وصلب واحد – ولا يعطون شيئاً رغم أنهم أشقاء، إذن عيب أن أرتدي هذه الثياب الفاخرة في حين أن صحابي يشحذ من الناس، وأكبر عيب أن أرتدي هذه الثياب الفاخرة في حين أن أبي أو أمي أو أخي وأختي ونسيبي وصهري حالتهم ليست جيدة ويشتكون دائماً.

إذن إذا أردت العلاج من حسد الآخرين فهذا هو العلاج يا رجل، والعلاج صعب لأنك سوف تُضحي وسوف تُعطي، فأنت أيضاً فيك عيب مثله، فهو حاسد وأنت بخيل، أي نار وبنزين معاً ومن ثم سوف تُشعِلون الدنيا بهذه الطريقة، لكن لو هو حاسد وأنت كريم سوف تخف قوة الحسد، بل قد تُطلِق لسانه بالمدح فيما بعد، أليس كذلك؟

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

  (22/1/2016)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 17

اترك رد

  • الله يفتح عليك يا والدي الغالي ويخليك لأهلك ولاولادك ولقراءك ان شاء الله ،
    جزاك الله خيرا ورفع قدرك في الدنيا والاخرة.
    سيدي الكريم ،
    أتمنى ان تفيدنا بسلسلة من الدروس في تربية الاولاد ، والمراهقين بالخصوص
    خصوصا هنا في أروبا وجزاك الله عنا كل خير يا والدي الغالي .

    ابنتكم ام ريان

  • تحية طيبة لكم د،عدنان وللقائمين على الموقع . للضرورة أود الحديث مع الدكتور في قضية شخصية. مع مراعاة كثرة مشاغل وقلة وقت فراغ الدكتو لكن المسألة هامة جدا . أتمنى الرد واطلاعي على الطريقة الأمثل للتواصل ان أمكن .. شكرا

    • يا سادة يا كرام . ارجو اخذ رسالتي بمحمل الجد اود الحديث مع الدكتور عدنان للضرورة . لقد وصل بي الأمر للتفكير جديا بالانتحار. ارجو اتاحة الفرصة لي بالحديث مع الدكتور.

  • بسم الله أن تكون مسلم يعني أن تعتقد أن الله موجود في كل مكان و كل زمان حي لا يموت ابدا …أود لو أن تزورنا يا دكتور ابراهيم هنا في سان فرانسيسكو كاليفورنيا فنحن في تشتت و أشد الأحوال لعلمك فكن كريما و زورونا اننا نحبك بلله و السلام عليكم

  • الخطبه راًىًعه وجميله ولكن استغرب من الدكتور لا يترضى على معاريه و(يمحقه)و يترضى على من ناصره مثل عمر ابن العاص(العاص ابن العاص)

  • لله درّ العلماء ما أجمل تحليلهم و فهمهم و ما أثقل كلام العوامّ … العلماء يقولون : لله درّ الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله .. و العوام يقولون : ساق الحسد الجمل ( المحسود ) إلى حتفه .. العلماء يقولون : نهاية الصبر الفرج .. و العوام يقولون : نهاية الصبر القبر … كأن قلة العلم و المعرفة هي التي تأتي باليأس و بالتالي بالحسد و كل الموبقات التي يجرها ….

  • من يرد الله ان يهديه يفتح صدره للائمان وفلان الاخر يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء نحن نريد ان ينجح الناس ويفوزوا لكن ليس بامنينا ولا اماني غيرنا نسال الله الهداية لكل من هو انسان فالمؤمن يحب ان يهتدي الناس وتمتلئ الجنة ويعم الخير على مخلوقات الله

  • اللهم سدد كلام الدكتور ابراهيم الى قلوب المسلمين قبل غيرهم وفهمهم دينهم الذي ارتضيت يا رب العالمين . حفظك الله دكتورنا ونصرك المولا عز وجل نحبك في الله.

%d مدونون معجبون بهذه: