تفسير القرآن الكريم ۞ سورة فاطر الآيات 29-31 ۞ الحلقة 18

video

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربي لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى. نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمُعافتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك. لا نُحصى ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالسعادة آجالنا، وبالباقيات الصالحات أعمالنا، وتوفنا وأنت راضٍ عنا. وصل وسلم وبارك على خيرتك من خلقك وحبيبك من عبادك ومُصطفاك من أنبيائك ورُسلك، وعلى آله الطيبين، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون، اللهم آمين.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

۞ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ۞

لازلنا في سورة فاطر، ووقفنا أمس أيضاً عند الآية التي وقفنا لديها أول أمس، وهي آية القرّاء. بقيَ منها قوله – تبارك وتعالى – جزاءً لمَن نعت ولمَن ذكر من وصفهم من تلاوة الكتاب وإقام الصلاة والإنفاق سراً وعلانيةً، بأنهم يَرْجُونَ ۩، والرجاء مِمَن؟ من أكرم الأكرمين. والرجاء في أكرم الأكرمين مجزوم مقطوع به، قال يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ۩، مِمَن؟ من الله. هذه التجارة مع الله، هذه التجارة مع الله! مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ ۩، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ۩، وهكذا! هذه التجارة مع الله إذن. إذن هذا الرجاء معقود على أكرم كريم – لا إله إلا هو -، وبالحري هو مقطوع ومجزوم به – إن شاء الله تعالى -.

قال يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ۩، عكس لؤماء البشر، عكس لؤماء البشر! يُطمِّعونك في الشيئ، ثم لا يُعطونك شيئاً. البشر لئيم! الله قال ماذا؟ إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا ۩، هم كذلك حتى ولو عندهم خزائن الكون، سُبحان الله! البشر لئيم، ونفسه ضيقة.

ولو سُئل الناس التراب لأوشكوا                       إذا قيل هاتوا أن يملوا فيمنعوا.

حتى التراب! لو واحد عنده تراب على بحر، يُعطيك مرة أو مرتين أو عشرة أو عشرين، ثم يقول لك يا أخي انتهى الأمر، كفى. وهو تراب!

ولو سُئل الناس التراب لأوشكوا                       إذا قيل هاتوا أن يملوا فيمنعوا.

هذا الإنسان! ولكن انظر إلى رب الإنسان.

ولذلك خل أملك يا أخي معقوداً بالله دائماً، وخل طلبك من الله، وخل وسيلتك إلى الله، وخل رجاءك في الله، وليس في البشر، ليس في أي واحد من البشر، والبشر فيهم طيبون بلا شك طبعاً، ولكن هم قلة، قلة!

يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ۩، انظر إلى هذا، قال لَّن ۩، نفي! وعلى مذهب الزمخشري نفي مُؤبَّد، والصحيح أن لَّن ۩ لا تُؤبِّد النفي، لكن هذا رأي الزمخشري – رحمة الله عليه -. لَّن تَبُورَ ۩، فسَّرنا كلمة البوار في موضع سابق، والبوار هو الكساد والهلاك والبُطلان والفساد. نعم! نعوذ بالله من بوار الأيم، وأرض بور، وبوَّر الأرض، وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ۩، وذكرنا هذا في موضعه.

۞ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ۞

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ۩، ما معنى لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ۩؟ أجورهم تُعطى لهم غير منقوصة، تامة، كاملة! لكن انتبهوا، مَن الذي يُعطي الأجر؟ مرة أُخرى أكرم كريم – لا إله إلا هو -. اللئيم يُعطيك أجراً بالمللي، على قد ماذا؟ عملك. وربما أقل من مُستأجر آخر، لكن أكرم الأكرمين إذا أعطاك أجراً – لا إله إلا هو -، فإنه أحياناً يُعطيك بغير حساب، ألم يقل هذا؟ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩، ونحن في شهر الصبر، وهو شهر الصبر! و: يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩، ولذلك هناك بُشرى لنا جميعاً، معاشر المُسلِمين، معاشر أمة محمد – صلى الله على محمد وآل محمد أبداً، دائماً دائماً أبداً أبداً -، سنُعطى أجورنا على صيامنا هذا – إن شاء الله تعالى – بغير حسابك. أعمالك الأُخرى سيُقال لك فيها هذه حسنة بعشرة أمثالها. ولك أن تقول طبعاً مُتابَعة للتعبير القرآني بــ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۩. يجوز! ولها تخريجة نحوية هذه، المُهِم أنها كذلك، ثم تُضاعف إلى سبعين ضعفاً، سبعمائة ضعف، سبعة آلاف! إلى أضعاف كثيرة، ولكن التضعيف يقف في نهاية المطاف.

الصبر – ورمضان شهر الصبر – قال لك إن أجره بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩. لا إله إلا الله! أي ما معنى بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩؟ يُسمونه العطاء الجُزاف. حين تذهب أنت إلى رجل عنده ما يُكال ويُوزَن، فإنه إما أن يكيل لك وإما أن يزن لك، أما إن أعطاك جُزافاً، فهو يغرف لك هكذا دون أن يدري كم أعطاك، على قد أيضاً نفسه وسعته وكرمه، فانظر الآن حين يغرف لك رب العزة طبعاً، رب العزة يُعطيك بالجُزاف، كم سيُعطيك! لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. هذا عطاء غير محسوب، والملائكة حتى لا تعلم عدته وكمه وقدره، وهذا اسمه العطاء الجُزاف، العطاء الجُزاف غير المحسوب! اللهم أعطنا عطاءً لا ينفد أبداً، في جوار الرحمن، اللهم آمين.

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۩، وهذا لأن الله شَكُورٌ ۩، مُبالَغة من الشاكر، أي عظيم الشُكر، على طاعة عبده، إذا أطعته، مهما ضئلت الطاعة، يشكرها. فإنه يُنمي لك هذا الأجر، وقد ورد عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن العبد يتصدَّق بالصدقة مثل التمرة، تمرة! يتصدَّق بتمرة، فتقع في يد الله، أي بصدق، وهذا معناه أنها خالصة لله، وليست رياءً، يقبلها الله! تقع في يد الله، فيُربيها لصاحبه حتى تصير مثل الفلو، مثل المهر، مثل الحصان الفتي، وهي تمرة! انظر إلى أجرها، ومُمكِن تصير مثل جبل أُحد – بإذن الله تعالى -، وأكثر أيضاً.

ولذلك مرة أُخرى ورابعة وخامسة ومائة ومليون لا يهلك على الله إلا هالك. نعوذ بالله أن نكون من الهالكين، ونسأل الله ونرجو رحمته الواسعة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩ أن نكون من المسعودين المبرورين، اللهم آمين.

وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ۩، انظر إلى هذا، قال غَفُورٌ ۩، لأن لابد من تقصير، لابد من خطأ. قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – والمُناسَبة حاضرة (رمضان) لا يقولن أحدكم صُمت رمضان كله، ولا قُمت رمضان كله. قال عبد الله بن عمر لا ندري هل كره التزكية، أم لابد من وقوع خطأ أو تقصير، أو كما قال – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -. أي من المُمكِن أن النبي لم يُحِب أن يزكي الواحد نفسه، أي أن تقول أنا صُمت رمضان. هذا بتوفيق الله، فلا تزك نفسك. أو أن تقول وقُمت رمضان. هناك أُناس لم يقوموا رمضان، وهم مُسافِرون أو مرضى أو ضعاف. أنت لا تعرف! قد يكونون – أي هؤلاء المساكين – غير موفقين، أو مشغولين بأعمالهم، وإن شاء الله يكون عند هؤلاء المساكين عُذر، أنت لا تعرف! فهم لم يقوموا رمضان، ومن ثم لا تزك نفسك. أو يُمكِن أن يكون هذا بعيداً عن قضية التزكية، لأن من المُمكِن أن يكون هناك خطأ وتقصير، وهذا لابد منه، من أين؟ من أين لك أنك صُمت رمضان كله؟ هذا إذا الثلاثون يوماً أو التسعة والعشرون يوماً كانت مقبولة كلها من عند آخرها، مُمكِن ألا يكون الأمر هكذا، من المُمكِن أن تكون اغتبت واحداً في أحد هذه الأيام، ضاع الصوم عند الله، لا يُوجَد صوم، وأنت تظن من نفسك أنك صُمت، لا! ضاع، وفي يوم ثانٍ ارتكبت ذنباً ثانياً، فضاع، وهكذا! أنت لا تعرف، لا تعرف.

ولذلك – كما قلنا قبل رمضان والحمد لله – لابد وأن نجتهد اجتهاداً صعباً، ألا نُخطئ في رمضان، أليس كذلك؟ ألا نعصي الله في رمضان. لا يُوجَد هذا! لا يُوجَد غيبة وكذب وكلام عن الناس، ممنوع! ولا معصية ولا فعل الحرام بالمرة، نُريد الشهر هذا! ربما يكون آخر رمضان في حياتنا، فنحن نُريده.

وكذلك القيام أيضاً، وكذلك ماذا؟ القيام. لا تدري قُبل أم لم يُقبَل، لو لم يُقبَل قيام ليلة واحدة، لا يسوغ لك أن تقول قمت رمضان. لا! أنت قمت رمضان إلا ليلة، ويُمكِن ألا يكون المقبول أكثر من هذا، فأنت لا تعرف. نسأل الله حُسن القبول.

قال إِنَّهُ غَفُورٌ ۩، أرأيت كيف هو القرآن؟ القرآن دقيق. سوف تقول لي هل معناها أن النبي كان يأخذ منه؟ أكيد! أي هذه الأشياء من أين استخرجها النبي؟ من هنا، من آيات مثل هذه. لماذا أنت تستغفر الله بعد الصلاة؟ نحن الآن – مثلاً – نُصلي، ونمضي تقريباً ساعة إلا ربع الساعة ونحن نُصلي، بعد أن ننتهي من الصلاة نقول أستغفر الله، أستغفر الله. والنبي كان يستغفر. تستغفر لماذا؟ لماذا تستغفر؟ هل كنت في معصية؟ لا، كنت في طاعة. لكن أيضاً لم أؤدها على الوجه الذي يُريده الله، (سرحت). أليس كذلك؟ فكَّرت في شيئ دنيوي، خطر لي خاطر غير طيب، جاءني الشيطان. أليس كذلك؟ فنستغفر الله. نستغفر الله من ماذا؟ من الزلل والخطأ والنقص الذي تطرق إلى عبادتنا.

كذلك أيضاً بعد الحج، تستغفر الله، لابد وأن تستغفر الله أيضاً، أليس كذلك؟ تستغفر الله بعد أن تنتهي من الحج، فأنت لا تعرف، هناك أيضاً أخطاء، أليس كذلك؟ وهناك الدعاء المأثور الذي يُقال كل يوم عند الفطر، وللصائم طبعاً دعوة مُستجابة عنده فطره، كل يوم! اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيئ أن تغفر لي. النبي هكذا علَّمنا، وقال لك هذا هو، فاستغفر، استغفر! لأنه إذا غفر لك، فسيكون من المُمكِن أن يقبل صيامك، وأن يتجاوز عن بعض الهنات. عن بعض الهنات، أي عن بعض الذنوب الصغيرة، وهذه يُسمونها (اللطشات) هكذا بالعامية، هناك (لطشات) وما إلى ذلك، وهو يتجاوز لك عنها، أرأيت؟ وهذا كله يُعلِّم العابد والمُؤمِن ماذا؟ التواضع. لا تغتر بعبادتك ولا باستقامتك، أنت لا تعرف! الأمر كله مناطه ماذا؟ القبول. و: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۩، ونحن لا نعرف هل نحن منهم أم لسنا منهم. فاللهم اجعلنا منهم فقط. نعم!

قال إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ۩، يتجاوز عن الأشياء هذه، ثم هو يشكر، لا إله إلا هو! يشكر ما قبل من عملك، ويُنميه، ويُعظِّمه، ويُبارِكه. لا إله إلا هو، لا إله إلا هو!

يا جماعة الخير والله هذا الاسم الجليل دائماً يطول تفكيري فيه، أي الشكور، كثيراً جداً جداً جداً، لابد وأن نُفكِّر فيه باستمرار، وكل أسماء الله عظية وحُسنى وجليلة. ماذا لو أن الواحد فينا – مثلاً – اتصل سببه برجل مُهِم؟ هذا الرجل صاحب مال – مثلاً -، أو صاحب سُلطة، كأن يكون رئيساً أو ملكاً أو أي شيئ، سيفرح كثيراً أن الملك هذا حطه في باله – إن حصل -، أليس كذلك؟ لو لم ينسه، حطه في القائمة هكذا، وظل يعرفه. وهذا ملك دنيوي، يجوع ويعطش ويصيح ويمرض ويموت ويشيخ ويفتقر ويذل، وأنت مثلك مثله على فكرة في الأخير، أي هو عبد مسكين، عبد! ولكن هو مُصيبته أكبر من مُصيبتك بصراحة، والله العظيم! احسد كل واحد وإياك أن تحسد رجلاً آتاه الله سُلطة على الناس، والله العظيم! قسماً بالله هؤلاء أعظم الناس بليةً وامتحاناً، ولو صلوا على مدار الأربع والعشرين ساعة وصاموا، وضعهم صعب، صعب للأسف، أعانهم الله، هذا ما نقوله نحن فقط، نحن نقول أعانهم الله، ويسَّر لهم البطانة الصالحة الصادقة، وأقامهم على صراطه المُستقيم.

سيدنا عمر كان يقول – وأنتم تعرفون هذه، نسمعها مُذ كنا صغاراً – لو أن بغلة عثرت بشاطئ الفرات، لظننت أن عمر يُسأل عنها يوم القيامة. ونحن لسنا بغالاً والحمد لله – أعزكم الله -، نحن بشر، ومُسلِمون ومُوحِّدون، مسؤولون عنا، مسؤولون عن أممهم وشعوبهم فرداً فرداً، وهذه مسألة مُخيفة، لا ابتلانا الله بها، لا ابتلانا الله بمسئولية عن أي بشر، والله العظيم! والمسئولية عن زوجك وأولادك – والله – صعبة، كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.

المُهِم ستفرح كثيراً بأن هذا المسؤول الكبير حطك في باله، وهو (غلبان) فقير، مثله مثلك، أليس كذلك؟ ويُمكِن أن يذهب ويموت لما تأتي تُؤمِّل في نواله أو في دعمه، قبل أن تُحصِّل ما تُريد.

قبل قليل كنت أتحدَّث مع أخي، وأقول له سُبحان الله، أنا أعرف شخصياً سيدة عربية مُسلِمة – رحمة الله عليها -، كانت تُحِب الدنيا، كانت تُحِب الدنيا وتُحِب المال للأسف، أي مثل أكثر الناس، وحكت لي قصة عجيبة، وحكتها لأُناس كثيرين، كانت تعرف باروناً نمساوياً كبيراً في السن، هي كانت امرأة صغيرة، وهو كان كبيراً في السن، أي كان شيخاً، أحبها كابنته، والرجل كان مليارديراً، أي كان غنياً جداً.

فقال لها يا فلانة أنا أحببتكِ، وأنتِ مثل ابنتي، أنا أُريد أن أورثكِ شطراً كبيراً من مالي، فهذا أحسن من أن تأخذه البلدية الخاصة بفيينا. ففرحت هي، أي هذه ليلة القدر بالنسبة لها طبعاً، هذه وُفقت لليلة القدر، قالت لك أنا فُتحت لي طاقة من السماء! تشتغل وكل شهر تحصل على ألف وخمسمائة أو ألفي يوور، ولكن الآن سوف يأتي إليها ملايين أو مئات الملايين. فجيد!

قالت لي سُبحان الله، في اليوم الذي أخذته بيدي – هو شيخ، واهن، كبير، ومسكين. هو شيخ طبعاً، لأن كلمة عجوز تُقال للمرأة، أما هو فشيخ، كبير، واهن، مُتهدِّم – كان كاتب العقد Notar ينتظرنا، والعقد كان جاهزاً، فقط هو يمضي وأنا أمضي، ومن ثم أنا أُصبِح مليونيرة، ولكنه قال يا قلبي، يا قلبي. ومات على الدرج. والله العظيم! انظر إلى ربك – لا إله إلا هو -، ولذلك انتبه، هذه القصة واقعية، أنا أعرفها طبعاً وأعرف مَن يعرف هذه السيدة وسمعوا هذه القصة أكثر من مرة، ودائماً تحكيها وهي مُتحسِّرة، أي هذه القصة ربت لها الوجع كما يُقال، دمَّرتها نفسانياً، كان بينها وبين الغنى ربما عشر درجات، عشر درجات! أي عشر دقائق، لو المرحوم هذا ذهب فقط ووقَّع وهي وقعت، لانتهى كل شيئ، ولو مات بعد ذلك، لقيل مع السلامة، وهو كان عند الــ Notar، أي كاتب العدل هذا.

انظر إلى ربك – لا إله إلا هو -، ولذلك لا تُوجَد ثقة بالعباد، مهما كانوا حتى طيبين، ولا بوعودهم! الثقة برب العباد، الله كأنه يُوجِّه رسالة لها ولي، أنت تُريدين؟ نعم. وهو يُريد؟ نعم. أنا لا أُريد، ومن ثم لن يقع هذا. نعم! أنا لا أُريد، ومن ثم لن يقع هذا. وهناك أُناس يقولون لك لا، أنا لا أُريد، ولن أُعطيك شيئاً، وسأُريك ما سأفعل، هذا غير أنني سأُحارِبك في رزقك. لكن الله يقول له أنا لا أُريد، ولن تستطيع عمل هذا، قبل أن تعمل له هذا سوف أذهب بك إلى (داهية مسيحة)، إما أن تموت أو تُسجَن أو تُكسَر رأسك، وما أُريده أن يقع سوف يقع، وسوف يأتي إليه رزقه. فلا تقل هذا.

ولذلك لما قيل للإمام عليّ – عليه السلام – بم عرفت ربك؟ قال بفسخ العزائم، ونقض الهمم. سوابق الهمم لا تخرق أسوار القدر. ابن عطاء الله – قدَّس الله سره – قال هذا، وقال الإمام عليّ بفسخ الهمائم. تُريد مسألة وتقول أُريد أن أعملها، وبعد كذا وكذا يتبخر كل شيئ، وتُصبِح لا تُريد أن تعملها ولا تُحِب أن تعملها، وفي بعض المرات الأمور كلها تُعكاسك مُعاكَسة تامة، ولا تتوفَّق إلى ما تُريد، وكأن الله يقول لك انتبه، لست أنت. ولذلك وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۩، أنت تشاء! أنت تُريد، وأنا أُريد، ولا يكون إلا ما أُريد. إن وافقتني فيما أُريد، كفيتك ما تُريد. وإن لم تُوافقني فيما أُريد، ما الذي حصل؟ لم يكن إلا ما أُريد، ونغصت عليك فيما تُريد.

ولذلك الثقة كلها في الله، فالله قال لك أنا غَفُورٌ شَكُورٌ ۩، دع عنك مُلك الدنيا والبارونات وأصحاب الملايين، أنا الرب الجليل. الشيئ الجميل والعجيب والمُقدَّس والجليل في هذا الرب – لا إله إلا هو، سُبحانه وتعالى، وعز وجل – أن من المُمكِن أن يكون لكل واحد فينا هذه العلاقة الخاصة المُميَّزة بالله. الله – عز وجل – لا تُغلطه كثرة المسائل، ولا يشغله سمع عن سمع، أليس كذلك؟ لا تُغلطه كثرة المسائل، هذا يُريد وهذا يُريد وهذا يُريد، وأنتم فقط؟ وحدكم؟ والحيوانات والأشجار والنبات والجبال والحصى والماء والغيوم والهواء، وكل شيئ! يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ۩، كل شيئ مُفتقِر إليه، وبلسان الحال وبلسان القال مثلنا يسأله، يا رب، يا رب، يا رب، يا رب. إذا لم يكن هذا بلسان الحال، فهو بلسان القال، أليس كذلك؟ وربنا يُعطي كل واحد على حدة، وكأنه هو ربه وحده فقط، وكأنه – أستغفر الله من زلات اللسان – مُتفرِّغ له وحده. هل هناك ما هو أحلى من هذا؟ وعلى فكرة أنت تحس بهذا يا مُؤمِن، خاصة في السحر وفي جوف الليل، الدنيا كلها نائمة، وأنت قائم لكي تُخاطِب ربك، تحس بأنه فعلاً معك – لا إله إلا هو -، أليس كذلك؟ ويسمع كل كلمة، لأنه يُعطيك نفحات، يصير عندك نفحات وفتوحات في بعض المرات، وفي بعض المرات تصير تبكي وترتعد، وفي بعض المرات تصير تفهم فهوماً غريبة في كتاب الله، عجيبة جداً ودقيقة، فتقول يا الله! قرأت الآية هذه مائة مرة أو مائة ألف مرة، ولأول مرة أفهمها على هذا النحو. هو أعطاك إياها في الليل.

وعلى فكرة هناك مثال حلو، انظروا إليه، هذا المثال الحلو سوف يُعجِبكم كثيراً، فاحكوه لزوجاتكم ولأولادكم. ماذا لو أن عندك الآن مُشكِلة كبيرة مع بعض الناس؟ مُشكِلة كبيرة، يُمكِن أن تذهب بك إلى السجن، لمُدة عشر سنوات – مثلاً -، أو تدفع غرامة كبيرة، تصل إلى نصف مليون يورو، وأنت ليس عندك ما تدفعه! سوف يبيعون ما فوقك وما تحتك، أي سوف يجعلونك تعيش على الحد الأدنى، وسوف يأخذون كل شيئ منك، هكذا هي الدولة، وهكذا هي الدول، أليس كذلك؟

بعد ذلك فجأة ظهر إعلان، قال لك يوم كذا وكذا، من شهر كذا وكذا، أي صاحب قضية يُمكِن أن يأتي إلى المحكمة، لأن ستكون هناك تنازلات. أصحاب القضايا سوف ترضيهم المحكمة، والقاضي سوف يعفو، ومن ثم سوف تخرج براءة. وأنت طبعاً مُدان وهذا ثبت عليك، هل هناك أحد لن يذهب؟ المجنون! إذا كان هناك واحد مجنون، فإنه لن يذهب، أليس كذلك؟ الكل سوف يُهرَع. هل تعرفون أن هذه الفُرصة أحسن منها مليون مرة يقع كل ليلة؟ ينزل ربنا – لا إله إلا هو -، تخيَّلوا! بالذات في هذا الوقت، أي وقت السحر، هذا عجيب، يهتز له عرش الرحمن، ويقول – لا إله إلا هو – ألا من مُستغفِر، فأغفر له؟ هل هناك أحد عنده قضية يُريد منا أن نشطب له عليها؟ هذا معنى ألا من مُستغفِر، فأغفر له؟ أليس كذلك؟ أنت عندك مشاكل وعندك ذنوب، طيلة حياتك عندك ذنوب، لا تُحِب أن تموت وتلقى الله بها، أليس كذلك؟ تحملها كالجبال! الله يقول لك أتُحِب أن نشطب لك على القضايا هذه ونُبيِّض لك الصحيفة ونضع عنك كل هذه الحقوق والمشاكل؟ تعال وقم، قم توضأ وتعال في هذه الرُبع ساعة أو النصف ساعة. ألا من مُستغفِر، فأغفر له؟ ألا من سائل، فأُعطيه؟ ألا… ألا… ألا… ألا… ألا… حتى ينفجر الفجر، أي إلى أن يقول الله أكبر ويدخل الوقت الآخر. وربنا يعرض هذا كل ليلة.

سوف تقولون يا حسرتاه، ويا خيبتاه، ما أخيبنا! وما أحمقنا! لأننا أضعنا السحر طيلة حياتنا أو مُعظَم حياتنا، هذا معناه أننا حمقى، نحن ماذا نفعل الآن؟ قل له والله يا ربي أضعنا هذه الليلة في الأفلام وما إلى ذلك. خل هذه الأفلام تنفعك، خل هذا الــ Action والــ Horror ينفعك، أنت تعيش على الــ Action والــ Horror والكلام الفارغ الخاص بالأطفال الصغار! نم مُبكِّراً، صل العشاء ونم مُبكِّراً، ثم قم قبل صلاة الفجر بساعة إلا رُبع أو بساعة أو بساعتين، أي بحسب ما تقدر عليه، وانظر إلى هذا، فأنا طبعاً أضحك عليك، أنا أقول لك رُبع ساعة أو خمس دقائق، وأنا أعرف أنني أضحك عليك، لأن بعد ذلك هذا الوقت سوف يشدك، فلن تشبع من ساعة ومن ساعة ونصف ومن ساعتين، وهذا عشق! حتى لو نمت أربعين دقيقة، سوف تقوم، عشق! سوف يكون عندك عشق، لأن هناك لذة، لأن هناك لذة! لأن هناك حضوراً إلهياً حقيقياً، هذه ليست أوهام، هي ليست كذلك، أنت تعيشها، أليس كذلك؟ أنت تعيشها كل ليلة. فاللهم أعطنا من هذا يا رب العالمين.

فربنا سوف يُعامِلك على حدة، وكأنه ربك وحده، وكأنه مُتفرِّغ لأن يسمع مسائلك وشكاواك ومشاكلك ودموعك، وحدك! ما رأيك؟ هل تُريد شيئاً أحسن من هذا؟ هل تُريد شيئاً أحسن من هذا؟ والحمد لله! ومقاييسه ليست مثل مقاييس البشر بالمرة، البشر مُعقَّدون، يُمكِن أن تكون صالحاً وطيباً وجميلاً وجيداً وأنيقاً، ولكن فيك شيئ معيب، أي في شخصيتك هكذا أو في خلقتك، فيكشون منك، فهل أنا خلقت نفسي؟ فيك شيئ هكذا غير حلو، ومن ثم يكشون منك، أليس كذلك؟ البشر هكذا مُعقَّدون، البشر ضعاف. رب العالمين لا ينظر إلى شكلك ولا ينظر إلى نسبك ولا ينظر إلى عرقك ولا ينظر إلى بلدك ولا ينظر إلى لُغتك ولا ينظر إلى سنك ولا ينظر إلى جنسك – أي الجندر Gender -، ينظر فقط إلى قلبك، قلبك أبيض وسليم ويُحِبه؟ سوف يقول لك أنت حبيبي وأنت ملك. سوف يقول لك أنت من ملوك يوم القيامة. في نظر الناس في الدنيا أنت صعلوك، هم يرون أنك صعلوك، ولا أحد يرفعك من أرضك كما يقولون إخواننا السوريون، لا ينزعك أحد من أرضك. عند الله ملك، ملك في السماء أنت، ملك في الملأ الأعلى، وعند الناس صعلوك!

رُب أشعثَ أغبر، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله، لأبره. علماً بأننا نقول رُب أشعثَ، لأنها طبعاً ممنوعة من الصرف، أفعل! فلا تقل لي أشعثٍ، أي رُب أشعثٍ. لو لم تكن ممنوعة، لقلنا مُباشَرةً هذا، أي مثل رُب رجلٍ. ولكن هذه ممنوعة من الصرف، فتصير رُب أشعثَ أغبرَ، مدفوع بالأبواب، وفي رواية ذي طمرين، أي يلبس ثوبين خلقين مُمزَّعين (تعبانين)، مدفوع بالأبواب، لو ذهب لكي يُطلِب شيئاً فقط،  يُقال له اخرج من هنا. الناس تتقزز منه، ويُقال له اخرج من هنا، انظر إلى ما أنت فيه، انظر إلى حال ثيابك وشكلك، اخرج من هنا، اذهب، اذهب. فتح الله لك – يقول لك -، فتح الله لك، اذهب، وابعد. يطردونك! ما له هذا؟ لو أقسم على الله، لأبره. أوه! لو أقسم على الله، لأبره. وهو يعرف أنه إن قال له فقط يا رب أُقسِم عليك أن تعمل لي كذا وكذا، فإن الله سيقول له لبيك. مُباشَرةً! أوه، مُباشَرةً! سوف يقول لي أحدكم يا ليت عندي هذا، لكي أطلب به ملياراً. وقد قلت له إنه أهبل. أي هذا البعيد وليس أنتم، أهبل! ولا تُوجَد فائدة. حين تصل إلى الدرجة هذه لن تعود أبداً تُفكِّر في الدنيا، دنيا ماذا؟ ومليار ماذا؟ وقرف ماذا؟ تصير كل أمورك ربانية، كل مواجيدك وأحوالك وغاياتك وأهدافك تصير عالماً آخر، مُمكِن تُطلِب الفلوس هذه لواحد آخر، لكن لك؟ لا. ولا تراها، ما هذا؟ فلوس ماذا؟ أنت عندك رب العالمين – لا إله إلا هو -، وعندك الكنز – لا إله إلا هو-. هل هذا واضح؟

لكن هذا الأشعث الأغبر لو طلب أي شيئ، الله يقول له خُذ. ولذلك احذر من أن يقول أحدهم هذا، وأنا أحكي هذا لنفسي – أنا أول واحد طبعاً، أُحذِّر نفسي وأُحذِّر إخواني -، إياك أن تدّعي هذا المقام وأنت لست من أهله، كأن تقول أُقسِم عليك، وأنت ترى هذا في بعض المرات عند من يدعون، كيف هذا؟ كيف تُقسِم عليه؟ أنت تَلميذ؟ سوف تفتن الناس وسوف تفننا، أنت تُقسِم من عشر سنوات، والله لم يُعطك شيئاً صغيراً، ولم يُعطنا شيئاً بسببك، بل زادت شكوانا، زادت! مثل القصة التي ذكرها الشيخ – رحمه الله – فتحي الصافي، نُريد أن نُطيِّب بها المجلس، الشيخ فتحي الصافي هذا كان لطيفاً – رحمة الله عليه -، أنا لم أر في حياتي شيخاً بخفة الدم هذه، في حياتي لم أر عالم دين بخفة الدم واللُطف التي في ابن آدم هذا، لأنه غير مُتكلِّف، وهذا شيئ رباني، هكذا وحدها تخرج معه النُكتة، من أجمل ما يكون! مَن عنده هذا، نقول له أهلاً وسهلاً. رحمه الله.

يقول كنا مرة جالسين في مجلس هكذا، أي بعض المشايخ، فجاءت سيدة، وقالت يا ساداتنا، ويا علماء، وكذا وكذا. قالوا ما الأمر يا أختي؟ قالت زوجتي من ثنتي عشرة سنة يُعاني من السرطان، يهريه هرياً ويأكله أكلاً، فاقرأوا لنا الفاتحة على المياه هذه. فقالوا لا، وما إلى ذلك. فقالت لا، اقرأوا لنا – أطال الله أعماركم -، عندها حُسن ظن. أخذناه – قال – بخشوع، وكل واحد قرأ الفاتحة بخشوع. قالت وبالكاد ذهبت ولم يمر أكثر من نصف ساعة إلا ودب الصوت. ما الأمر؟ قالوا، قالوا مات الرجل. قال اهربوا. قال قلنا اهربوا، اهربوا. مات! وطبعاً يُمكِن أن يكون ربنا – مثلما قال له شيخ آخر -استجاب لهم وأراحه. لأنه كان في عذاب، من ثنتي عشرة سنة وهو في عذاب، فالله أراحه! ثم إن القدر سابق طبعاً، القدر ماذا؟ سابق. فليس دائماً لابد وأن تُستجاب الدعوة. فهو قال لك هم يُحسنون الظن فينا، ولكن نحن الله أعلم بحالنا، وأعلم بالمُخبأ عنده. فهذا هو على كل حال.

هناك مُسيلمة الكذّاب – لعنة الله عليه -، هؤلاء أُناس صادقون – إن شاء الله – وصالحون، لكن ذاك الكذّاب ادّعى النبوة، حين قالوا له محمد يفعل كذا، محمد كذا، محمد أسقى وأطعم حوالي ألف وخمسمائة واحد من قعب ماء هكذا صغير ومن طعام  لا يكفي عشرة، ألف وخمسمائة! وفي البخاري هذا، قال حتى أنا أعمل هذا. فأرنا هذا يا حبيبي! هذا (أبو العريف)، مُسيلمة – لعنة الله عليه -، كان عندهم بئر، تفل فيه، فصار كله كالملح الأُجاج، خرب البئر، ربنا أثبت كذبه. أتوا له بواحد مسكين مُصاب بالرمد، تفل في عينيه، فأُصيب بالعمى. بالضبط هذا ما يحصل مع الكذّابين! فنعوذ بالله من مقم الكذّابين، فهناك مَن يقول لله أُقسِم عليك. تُقسِم على مَن أنت؟ أنت قد هذه الكلمة؟ فحتى مَن يكون عندهم المقام هذا، لا يعملون هذا أمام الناس، ولا يعملون هذا كل مرة ومرة، يُمكِن أن يطلب الواحد منهم هذا في حياته مرة أو مرتين من الله، يقول له يا رب أُقسِم عليك. فيقول له الله خُذ.

حدَّثتكم مرة في خُطبة قديمة عن محمد بن واسع البِصري، هذا الرجل الصالح التابعي الجليل، الذي كان يخاف منه الشيطان نفسه ويفرق من ظله، وجاءه مرة وقال له يا ابن واسع فقط لا تُعلِّم هذا الدعاء الخاص بالصباح والمساء للناس، وأنا أكفيك نفسك. صدِّقني! وعد هذا، وعد من رجل شريف – قال له -. قال له اذهب، لعنة الله عليك، لا يسألني عنه أحد إلا علَّمته إياه. وكان يقوله إذا أصبح، وإبليس كان يتعقَّد من هذا الدعاء، والله ألهمه إياه، أي من عنده هذا، هذا الدعاء ليس من عند النبي، ابن واسع البِصري الله ألهمه هذا، كان يقول اللهم إنك سلطت علينا عدواً بصيراً بعيوبنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم فآيسه منا كما آيسته من رحمتك، وقنّطه منا كما قنّطته من عفوك،وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين جنتك. الله أكبر! دعاء جميل، هذا من قديم كنت أقوله، كنت حافظه وأنا صغير وكنت فرحاً به.

هذا ابن واسع طبعاً، مرة كانوا في غزوة، تقريباً – قالوا – مر ستة أشهر لم يُفتَح عليهم،  يعملون أشياء ويموت أفراد من المُسلِمين للأسف في تلك البلاد (ما وراء النهر)، وكان هناك وثلج وبرد وموت، وهم لم يتعودوا على هذا، لأن هؤلاء من الجزيرة العربية وقد أتوا إلى هناك منها، فكان هناك برد، كان هناك برد وثلج، وأرجلهم كانت تتقطع، وكانوا يموتون من البرد! وبعد ذلك قالوا هذا ابن واسع. وكلهم يعرفونه، وطيلة الليل هم ينامون في البرد وكذا وهو قائم يُصلي، طيلة الليل! لا ينام، يُصلي ويقول يا الله ويدعو، لا يقدر على أن ينام، لأنه مُعلَّق، هذا قلب مُعلَّق، عاشق! فكانوا يخجلون أن يطلبوا منه، مَن يطلب منه؟ أي بعض مَن لهم خاطر عنده كانوا يقولون له يا شيخ انظر كيف أصبح وضعنا، وقد تعبنا كثيراً، وكذا وكذا. وهم طبعاً يعرفون منه أنه إذا عزم في الدعاء – أي إذا أراد أن يدعو -، رفع سبابته هكذا، إذا رفعها، انتهى الأمر. كان قائد الجيش يقول لسبابته هذه خيرٌ عندي من عشرة آلاف سيف شهير وشاب طرير. مَن الشاب الطرير؟ الذي طر شاربه، أي خرجت له شوارب، فهو ابن خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة أو سبع عشرة سنة، أي ليس طفلاً صغيراً. فهذا يُسمونه الشاب الطرير، طر له شارب، أي نبت له شارب. قال أحسن من جيش. وهو يعرفه، وهم كانوا يترقبونه في الجيش، كانوا يُقاتِلون ويترقبونه، أرأيتم كيف كان حال الناس؟ كانوا يستعينون حتى في النصر بمَن؟ بأهل الله. وليس كما يحدث اليوم، يقول أحدهم هذا صوفي. ويضحك. يقول هذا درويش. ويضحك. يقول هؤلاء دراويش. ويضحك. اضحك! اضحك يا أهبل، خل الفلسفة الخاصة بك والأيديولوجيات هذه والتسييس للدين ينفعك، خربتم علينا كل شيئ. تقولون مَن هؤلاء؟ دراويش، تشتغلون بالقرآن وبالصلاة على النبي، دراويش! نحن أهل دين، نحن لسنا الشيوعيين، نحن لسنا أهل أيديولوجيا، نحن لسنا النازيين، نحن لسنا كذلك، نحن أهل دين. وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۩، إذا لم ينصرك الله، فوالله لن تنصرك الدنيا كلها، أليس كذلك؟ ورأيتم هذا، رأيتم أن هناك أُناساً تحرَّكوا وذهبوا وأتوا، واستعانوا بالدنيا كلها وأتوا بكل شيئ من كل الدنيا، ولم ينتصروا، الله لا يُريد أن ينصرهم، أليس كذلك؟ واذهبوا وسبوا والعنوا واكفروا، ولن ينصركم الله. هذه هي! نحن نلعب بالدين، لكن هؤلاء يقعدون ويُريدون فقط سبابة ابن واسع، وفعلاً ذات ليلة رفع سبابته، كأن كثر البلاء على المُسلِمين في النهار، فـرفعها، فقالوا الله أكبر حين رأوه فعل ذلك، كبَّر الجيش، وفي اليوم الثاني كان الفتح، لأنه دعا، قال يا رب.

وهناك التابعي الجليل أويس القرني، هذا تابعي، هذا لم ير النبي، تخيَّل! منعه بره بأمه من أن يذهب لكي يُبايع النبي، ضحى بالصُحبة من أجل بره بأمه، أرأيت كيف كان فهمه للأمور؟ واعٍ، هذا واعٍ! وليس عنده نفسانيات، لم يقل أنا أُريد لقب الصُحبة، أُريد لقب العلّامة، أُريد لقب الشيخ، أُريد لقب العارف، أُريد لقب الفهّامة، أُريد لقب المُقرئ، أُريد لقب الخطيب. لقب! لا، يُريد مقاماً عند الله فقط، وعنده صدق مع الله، وهو يعرف أهمية بر الوالدين، لا أترك أمي المسكينة وحدها، وهي ليس لها أي أحد إلا أنا، لكي أذهب ربما في ثلاثة أو أربعة أسابيع، أُبايع الرسول، لا! أنا أُبايعه هكذا بقلبي – إن شاء الله – وهو رسولي، فللأسف فاته شرف الصُحبة، ولكن لم يفته طبعاً مجد الإسلام والإيمان، وصار تابعياً وليس صحابياً.

النبي يقول لعليّ – عليه السلام – ولسيدنا عمر الفاروق – رضوان الله عنهما – يا عليّ ويا عمر إذا لقيتماه، فاقرأ عليه مني السلام، واطلبا منه أن يدعو الله لكما وأن يستغفر لكما الله. أوه! يا الله، الله أكبر، وليس صحابياً؟ وليس صحابياً. ولعليّ وعمر بالذات وهما من أعظم الصحابة بعد الصدّيق؟ قال لك هو هكذا. هذا كان يُقاتِل في صفين – وتعرفون أن صفين بين أهل العراق وأهل الشام، أي مُعاوية وعليّ – مع جيش الإمام عليّ طبعاً. مُستحيل أن يكون مع مُعاوية، مُستحيل! هو كان مع عليّ، يقولون له ادع الله بالنصر. فيقول لا، أنا دعوتي للأمة كلها. انظر إلى هذا، شيئ غريب، أحوالهم غريبة هؤلاء الناس، نعم! عندهم فهوم وعندهم أذون ربانية من الصعب أن نفهمها نحن، لأن كل أمورهم بالإذن الإلهي، ينظرون بنور القلب، قلبه يقول له اعمل هذا ولا تعمل هذا، اعمل هذا ولا تعمل هذا. فهو قلبه قال له لابد وأن تكون مع عليّ، فكان مع عليّ، وكان يُقاتِل مع عليّ. وهو مدفون بالرقة على فكرة – عليه السلام، أي أويس القرني -.

قالوا له ادع لنا إذن، ادع لنا أن ننتصر على جيش الشام وعلى مُعاوية. فقال لا، أنا أدعو للأمة كلها. وكان كذلك فعلاً، وعلى فكرة لم يدع يوماً لنفسه، لم يفعلها هذا يوماً، كل دعائه للأمة، لأمة محمد، أمة محمد، أمة محمد، أمة محمد! ونحن ربما كل دعائنا لنا، إلا حين نؤمكم هنا طبعاً، لأن خيانة من الإمام أن يدعو لنفسه، تعلَّموها هذه، ممنوع أن تؤم واحداً ثم تدعو لنفسك، حتى ولو كان ابنك بجانبك، إياك! إذا كنت تؤم واحداً فضلاً عن أن تؤم عشرات أو مئات، فإياك أن تذهب وتقول ربي اغفر لي. ممنوع! قل اغفر لنا، ارحمنا، أعطنا. مُباشَرةً! خيانة من الإمام أن يخص نفسه بالدعاء، وهذه من فقه الإمامة، ولذلك حتى الإمامة أيضاً تحتاج إلى فقه، فلا نضع أي واحد هكذا لكي يُصلي بنا، لابد وأن نعرف دينه، ولابد وأن نعرف شرفه، ولابد وأن نعرف أمانته وعفته وفهمه للكتاب، وما إلى ذلك، أي كل شيئ، لأن هذا واسطة بيننا وبين رب العالمين، على كل حال هذا هو.

۞ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ۞

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ ۩، طبعاً – كما قلنا – الْحَقُّ ۩، الذي أوحينا إليك الحق. هُوَ ۩ ضمير الفصل، ضمير المعنى، لكي يُؤكِّد المعنى.

هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۩، كلمة مُصَدِّقًا ۩ ما معناها؟ معناها مُصادِقاً. كما نقول الآن بالعامية مُصدِّق، أي مُصادِق، يُصادِق! سوف تقول لي مُصدِّق هي مُصادِق؟ نعم، طبعاً. ومُهيمن؟ مُصادِق. مُهيمن ليس معناها أنه مُسيطر، للأسف هذا خطأ، وقد نبَّهت على هذه الكلمة عدة مرات، لا يُوجَد في المُعجَم العربي الأصيل طبعاً – انتبه، الحديث ليس معاجم القرن العشرين، وإنما عن المُعجمات القديمة الأصيلة للُغة العربية القح الصرفة – كلمة هيمن بمعنى سيطر واستبد. غير صحيح! هذا استخدام عامي، يقولون لك الــ Domination، أي الهيمنة، الــ Domination! هذا استخدام عامي، العربية لا تعرفه، هيمن بمعنى صادق وأيَّد، وهينم! هيمن وهينم، أي اقلبها، فهل تعرف كيف هي الهيمنة والهينمة؟ المعنى نفسه! الهيمنة والهينمة تكون حين يتكلَّم واحد، ويقول له واحد ثانٍ آه، نعم، مضبوط، صح، صح، صح، نعم، نعم، نعم. هذا يُهيمن الآن، هذا يُهيمن، ويُهينم! هل فهمتم؟ هذه الهينمة والهيمنة في اللُغة الفُصحى. فحين يقول الله مُصَدِّقًا ۩… وَمُهَيْمِنًا ۩… يعني أنه مُصادِقاً. فعلى ماذا هو مُصادِق؟ طبعاً أصول الدين واحدة في كتاب موسى وعيسى، أصول الأخلاق واحدة في كتاب موسى وعيسى، أصول العبادة واحدة في كتاب موسى وعيسى، ومحمد! دعك من التحريفات التي سجلها القرآن عليهم ودمغهم بها، استثن هذه، تجد أن الأصول واحدة – بفضل الله تبارك وتعالى -. ولذلك قال – عز من قائل – في سورة القصص عن التوراة والقرآن قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا ۩، عجيب! أي القرآن قال إن التوراة عندها هداية والقرآن عنده هداية، الاثنتان هدايتان، وهدايتان جيدتان، أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩.

وبالأمس قرأنا في التراويح إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ۩، أي النبيون المُسلِمون، لأن الأنبياء كلهم مُسلِمون، هذا هو معناها، النبيون الذين أسلموا، لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ ۩، إلى آخر الآية، هذا هو! فإذن مُصَدِّقًا ۩.

مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۩، وما الذي بَيْنَ يَدَيْهِ ۩؟ إنجيل عيسى، وتوراة موسى، وزبور داوود@. أليس كذلك؟ الأشياء الأساسية هذه! إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ۩، واضحة.

۞ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ۞

ثُمَّ أَوْرَثْنَا ۩، دخلنا في الجد الآن، هذه آية عظيمة، أي لعلها من أعظم الآيات في هذه السورة على الإطلاق، وهي من أعظم بُشريات أمة محمد في كتاب الله، لو واحد قال لك هكذا أُريد آية عن أعظم ما بشَّر الله به هذه الأمة المرحومة، قل له هذه الآية، والحمد لله أننا منها من غير اختيار منا، أي وجدنا أنفسنا هكذا وُلدنا من هذه الأمة العظيمة، فالحمد لله يارب، لأننا بحسب عقولنا التعبانة هذه ونفوسنا المُلتاثة لو لم نكن منها، لكان من الصعب أن نصير منها، أليس كذلك؟ لظللنا مُتعصِّبين، أي لو كنا بالعقول هذه، فالحمد لله، لعل الله – إن شاء الله، إن شاء الله – رأى فينا خيراً، كلنا طبعاً، أي هذه الأمة، السبع مليارات هؤلاء منهم حوالي مليار وثمانمائة مليون مُسلِم، هؤلاء الله – إن شاء الله – أراد بهم الخير، أي هذه الأمة المرحومة، وخلاهم على الصراط، ولكن بقيَ ماذا؟ بقيَ الاستقامة طبعاً.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۩، المقصود بــ الْكِتَابَ ۩ هنا في قول جمهرة المُفسِّرين القرآن الكريم. أَوْرَثْنَا ۩ القرآن، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ۩، الم ۩ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ ۩، إذا قيل الكتاب هكذا لوحده من غير شييئ، ولم يكن في السياق ما يُعين على أنه المُراد به شيئ آخر، فهو القرآن الكريم، لأنه الحقيق أن يكون ماذا؟ الكتاب. هناك كُتب أُخرى ومُقدَّسة وجميلة، ولكن الكتاب الكتاب هو القرآن. كما نقول نحن النبي! نحن نقول النبي، صل على النبي. مَن المقصود بالنبي الآن؟ محمد. المقصود خيرهم وأفضلهم وخاتمهم، وإلا موسى نبي وعيسى نبي، ولكن حين نقول النبي هكذا وحده، يصير المقصود هو محمد، والأمر نفسه مع الكتاب، أي القرآن.

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۩، ما معنى اصطفى؟ اصطفى معناها انتخب وانتجب، انتخب واجتبى. قال – تبارك وتعالى – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ۩، المعنى نفسه! ها هو، هُوَ اجْتَبَاكُمْ ۩، هناك قال اجْتَبَاكُمْ ۩، وهنا قال ماذا؟ اصطفى.

أختم بدقيقة صرفية بسيطة تنطبق على هذه وعلى أشياء أُخرى كثيرة:

كل الأفعال يا إخواني التي تبدأ بحروف الإطباق حين تأخذ منها الافتعال، تتحوَّل تاء الافتعال إلى طاء. وحروف الإطباق أربعة: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء. والعراقيون يقولون الضاد أخت الصاد. والظاء أخت الطاء. وطبعاً العراقيون يقولون الظاء أخت الصاد، والظاء أخت الطاء. لأن كلهم ظاء، صعب! هناك مُشكِلة في الظاء والطاء، المُهِم أن هذه الحروف الأربعة هي حروف الإطباق كما يُسمونها، هل هذا واضح؟ جميل!

أي فعل يبدأ بحرف إطباق، حين تأخذ الافتعال منه، تتحوَّل التاء إلى طاء. لأن هناك اصطفى – مثلاً -، أليس افتعالاً؟ اصطفى افتعل، طبعاً! وكذلك اصطبر، وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۩، اضطرب، اظطلم، اضطرد، الاضطراد! كل هذا افتعال، أليس كذلك؟ افتعل! ومُشتقاته، كل الأفعال التي تبدأ بحرف إطباق، حين تأخذ منها الافتعال، تاء الافتعال – هي افتعل – تتحوَّل إلى طاء، التاء هذه تتحوَّل إلى طاء، بسبب قُرب المخرج، وهذا أحسن، لأن هناك ثقلاً، أيهما أحسن حين تقوله: اصتفى أم أصطفى؟ اصطفى. وهي في الأصل اصتفى، في الأصل اصتفى! واضطرب أصلها ماذا؟ اضترب. اضترب! أليس كذلك؟ اضطرد أصلها ماذا؟ اضترد. وهكذا! كل حروف الإطباق هذه، الافتعال منها هو هذا، فهذا أصل كلمة ماذا؟ اصطفى. وهكذا هي تتحوَّل، فقط لكي تكون اللُغة أسهل.

غدً – إن شاء الله – نُكمِل، نكتفي بهذا القدر. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

سُبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله، عدد كماله، وكما يليق بكماله.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: