تفسير القرآن الكريم ۞ سورة فاطر، الآيات 15:18 ۞ الحلقة 12

video

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربي لك الحمد، حمداً يُوافي نعمك، ويُكافئ مزيدك. نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمُعافتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك. لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وحبيبه ونجيبه من عباده. اللهم اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك، على هذا النبي العربي الهاشمي الأُمي الكريم، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عن ذكرك وذكره الغافلون. اللهم آمين.

 

۞ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۞

 

بلغنا إخواني وأخواتي من سورة فاطر المُبارَكة إلى قول الحق – جل مجده – يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۩. وجديرٌ بهذا الخطاب أن يكون مُعمَّماً، وألا يُخَص به المُؤمِنون وحدهم من دون الناس، ولذلك قال يَا أَيُّهَا النَّاسُ ۩.

أَنتُمُ الْفُقَرَاء ۩، عرَّف الفقراء، وكان يُمكِن أن يقول أنتم فقراء إلى الله. وفرقٌ كبير بين الصيغتين، لو قال أنتم فقراء إلى الله، فسيكون المعنى من ضمن فقراء. أنتم فقراء وغيركم أيضاً فقير إلى الله، لكن لما عرَّف فقال أَنتُمُ الْفُقَرَاء ۩، صار الفقر كأنه مُختَص بهم وحدهم، كأنه وقف على البشر بالذات وحدهم، فكأنهم الْفُقَرَاء ۩ من بين سائر المخلوقات، على أن كل مخلوق فقير إلى ربه – لا إله إلا هو -، لكن الأشد فقراً أو الأكثر فقراء هم البشر. لا إله إلا الله! وهذا عكس ما يتصوَّرون.

البشر بالذات، ابن آدم الجاحد، الماشي على قدمين هذا، يظن نفسه الأغنى عن الله. كيف لا وهو أحياناً يبلغ به حُمقه وغباوته أن يتحدى الله – والعياذ بالله -. والفقر يا أحبابي – إخواني وأخواتي – يدور على ماذا؟ مدار الفقر ما هو؟ الضعف. كلما تحقَّق الضعف، كلما ثبت الفقر. كلما زاد الكائن ضعفاً، كلما حق فقره أكثر، كلما حق فقره أكثر وتثبت وتبرهن. وقد شهد الله على هذا الإنسان أنه خلقٌ ضعيفٌ، قال – تبارك وتعالى – وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ۩، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۩، لا إله إلا الله!

الفترة التي يشعر فيها الإنسان بقوته هي فترة الشبوبية، حين يكون شاباً، وهي فترة بالمُناسَبة قصيرة، الإنسان الآن مُتوسِّط عمره في الشعوب المُتقدِّمة ثمانون سنة، وطبعاً بعضهم أكثر من هذا، ولكن هذا المُتوسِّط، نقول إنه ثمانون سنة في هذه الشعوب المُتقدِّمة جميعاً. فترة الشبوبية لا يُتِم فيها الإنسان عشرين سنة، أقل من عشرين سنة، أقل من الرُبع! ما دون ذلك ضعف، ما فوق هذا ضعف، نحن نعيش بين ضعفين، فترة وهم القوة، نعيش وهم القوة بين حقيقة الضعفين، فعلاً لأن الصغير ضعيف، ولأن الشيخ ضعيف، وما يتلو مرحلة الشيخوخة ضعف بلا شك، ضعف ومُعاناة صحية وأمراض وأشياء، سُبحان الله! أي تقريباً مُعظَم ما ادخره الإنسان في فترة عمله في شبابه يعود يُنفِقه على الأطباء والعلاج والتمارين والبرامج، لكي يستعيد الصحة والعافية، ولن يُصلِح العطار ما أفسد الدهر.

اليوم كنت أُحدِّث أحد أحبابي ونحن في طريقنا إلى هذا المسجد المُبارَك – بارككم الله وإيانا جميعاً وأهلينا وأزواجنا وذُرياتنا وإخواننا المُسلِمين والمُسلِمات أجمعين في العالم -، كنت أقول له سُبحان الله، حدَّثني أخي عن رجل يعرفه وهو صديقه بالآتي. وذكرت على ما أعتقد هذا ذات مرة في خُطبة، بل ذكرته، أي بالحتم، قال لي تقريباً أجرى بضع عشرة عملية على أمعائه، وقطعوا مُعظَمها، وأصبحت حياته جحيماً، ذهب مُعظَم عافيته، أصبح كالشبح، والسبب؟

تعرفون الفلفل الحار هذا، بذرة من بذور الفلفل، لا يعرف الأطباء كيف اخترقت جدار المعى، وبدأت تسبح، دمَّرت له حياته. بذرة! آية من آيات الله، وهذه قصة، وهناك مَن مات بشرقة ماء، والإنسان إذا غص بلُقمه، يُسيغها بماذا؟ بالماء. فكيف إذا كان غصه بالماء؟ كيف إذا كان غصه بالماء؟ هناك مَن يموت بشرقة، ماتوا! ماتوا بشرقة، وهناك مَن مات بإبرة سمك، ابتلعها فقتلته. أشياء عجيبة! لكن هذه القصة ذكرتها، أجرى بضع عشرة عملية، وهذا وقع هنا، أي في فيننا طبعاً، أجرى بضع عشرة عملية جراحية، حتى تم استئصال مُعظَم أمعاء هذا المسكين، وأصبح كالشبح، حياته أصبحت جحيماً لا يُطاق، بسبب بذرة في قرن فلفل كما نقول؟ نعم!

هذا معنى أنك حين تأكل تقول بسم الله. تبتدئ وتستعين وتتوسَّل بالله، حين تبدأ تقول بسم الله، وحين تُسيغ هذه اللُقمة أو الشربة تقول الحمد لله. وقد ذكرت لكم أن الصالحين يحرصون على أن يبدأوا كل لُقمة بالبسملة، هذا ليس في أول الطعام وفي آخره، هذا الحد الأدنى! قبل كل لُقمة يقول الواحد منهم بسم الله. فإذا أساغها، قال الحمد لله. ثم يقول قبل أن يبدأ في الثانية بسم الله. فإذا أساغها، قال الحمد لله. ثم يقول قبل أن يبدأ في الثالثة بسم الله. فإذا أساغها، قال الحمد لله. وهكذا، شيئ عجيب! عندهم حضور حقيقي، عرفان حقيقي.

العامة لدينا يقولون كلمة، كم تُعجِبني هذه الكلمة! كنت أسمعها وأنا صغير، العامة! العامة يقولون كل خُطوة تحتاج سلامة. حين يُسافِر الإنسان سفراً غير بعيد، ليس إلى  مسافة خمسمائة كيلومتر وما إلى ذلك، لا! حين يُسافِر حتى إلى مسافة خمسة كيلومترات أو ثلاثة كيلومترات، يقول له أحدهم الحمد لله على السلامة. فتقول له لماذا؟ هو ذهب إلى هناك (أي إلى مكان قريب)! ولكنه يقول لك كل خُطوة تحتاج سلامة. وهذا صحيح طبعاً، لأن الحوادث حين تطرق تطرق في خُطوة، في متر! يصطدم وينتهى كل شيئ. قال لك هذا مسكين، هذا كان كذا وكذا، وعند هذا المُنحنى – أي الــ Kurve هذا أو الــ Curve – انعطفت السيارة، فوقع وشُل. لو مات، لكان أحسن له. شُل! وأحد إخواننا كان هكذا، وكان دكتوراً وكان رجلاً فاضلاً، من الصالحين، ومات – رحمة الله عليه -. وقعت له حادثة وشُل، قضى آخر حياته مشلولاً، في لحظة هي، متر!

ولذلك استشعر فقرك دائماً، وقضية البذرة هذه شغلتني، وقد شغلتني مُنذ اليوم الذي سمعتها فيه. مُرعِبة! وهي ينبغي أن تُرعِبك. حتى لا تقع في بذرتك، احرص ألا تأكل إلا من حلال طيب، إياك أن تأكل الحرام، إياك أن تأكل مالاً فيه شُبهة، إياك أن تأخذ شيئاً من إنسان بغير طيب نفسه، إياك! أطب طُعمتك، وابدأ بالبسملة، وثن بالحمدلة أو اختم بالحمدلة، وهكذا – بعون الله تعالى -، واتق الله، واستشعر فقرك على الدوام، أنت أفقر مخلوق إلى الله.

الإمام عليّ – عليه السلام، وكرَّم الله وجهه – كان يقول مسكين ابن آدم. مسكين! يقول مسكين، مسكين هذا وهو لا يعرف من نفسه أنه مسكين، وهو ضعيف، ضعيف جداً. كان يقول مسكين ابن آدم، تقتله الشرقة. وقلت لكم يشرق ويموت بماء! يشرب ماء ويموت، شيئ عجيب! كان يقول تقتله الشرقة، وتُؤذيه البقة، وتُنتِنه العرقة. أي العرق، حين يعرق يُنتِن، يُصبِح ذا رائحة مُنتِنة، مسكين! ومُتنمِّر، يدّعي أنه يقدر على أن يتحدى الله، ويقول لك ألا تعرف مَن أنت؟ معروف مَن أنت، أنت من تراب وإلى تراب، أنت من تراب وغداً سوف تُصبِح جيفة في الأرض.

يا ابن التراب ومأكول التراب غداً                   أقصر فإنك مأكول ومشروب.

أنا أعرفك، وأنا مثلك، لست أحسن منك، نحن نعرف بعضنا. قال مَن أنا؟ مَن أنت؟ ويلك! وقلنا أن في الحديث القدسي فمَن نازعني واحداً منهما، عذَّبته أو فقد عذَّبته. إياك أن تقول هذا، العز والكبرياء لله، أنت تُريد أن تعتز؟ تعتز بماذا؟ تضيع بشرقة أنت، وتضيع ببذرة. إياك وأن ترى نفسك، كُن مُتواضِعاً، جمالك ونُبلك وعظمتك وقوتك في تواضعك لله – تبارك وتعالى – ولإخوانك وللناس وللمُسلِمين.

الطريق إلى الله مُركَّنة بهذا الرُكن، والله لن يُفتَح عليك، لن يُفتَح عليك ولن تشعر بطعم الإيمان الحقيقي، ما دُمت ترى نفسك. وأنا حلفت لك، والله يوم القيامة سوف يندم كثير – لن أقول مُعظَم، وإنما كثير – من أهل العلم، كثير من أهل العلم! العلماء والمُستمِعون والتَلاميذ، سوف يندمون، وسوف يتمنون لو أنهم ما علموا. يا ليتنا – سوف يقولون – ما تعلَّمنا ولا فتحنا كتاباً ولا حضرنا درساً ولا سمعنا. لماذا إذن؟ سوف يصير كل شيئ سمعوه أو قرأوه حُجة عليهم، والله العظيم. نعم! نعم، حُجة تنقطع معاذيرهم بها. الله سوف يقول لك لا، كذّاب! قد سمعت بهذا، لماذا لم تعمل؟ انتهى، تسكت، يُقطَع بك، يُسقَط في يدك. فاعمل وكُن رجلاً، والرجولية على فكرة ليست فتل العضلات وعلو الصوت والبأو على الناس، لا! الرجولية في العبدوية، وهذا يُسمونه مقام الفتوة. يقولون لك كُن رجلاً. عند أهل الله هل تعرف مَن هو الرجل؟ عبد الله، الذي يمشي كما يُحِب الله. هذا هو الرجل، رجل حقيقي، وتجد أنه – ما شاء الله – كالأرض التي يطأها الناس، هو هيّن ليّن، موطأ الأكناف. إن أحبكم إلىّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة الموطئون أكنافاً. الهيّن اللينّ، هذا قريب، ذليل على المُؤمِنين، دائماً يتحمّل الإساءة، وعادي! يمشي ولا يهتم، لا يأخذ الدنيا بمنطق المُحاكَمة، فيُريد أن ينتقم من أي واحد، لو أحدهم خزر له بعين هكذا، فإنه يرد عليه مُباشَرةً. فما هذا؟ أين تعيش أنت يا رجل؟ كُن عبد الله، وكَن رجلاً، كُن رجلاً وعبداً لله! هذا الذي تراه ضعيفاً هو الرجل، وهذا الذي ينتصر له الله دائماً.

وعلى فكرة ينبغي في القضايا التظالمية البسيطة التي تقع بين الناس أن تكون دائماً المظلوم. هل تعرف لماذا؟ لأن المظلوم الله معه، ولأن الظالم الله عليه. فاحرص دائماً على أن يكون الله معك، عادي! دعه يظلمك، وسوف يضيع عليه هذا، سوف يُعاقَب في الدنيا قبل الآخرة، وأنت سوف تقول الله معي، ظلمني في عرضي، في مالي، في سُمعتي، وفي كل شيئ. خلوه! انا لن أتكلَّم ولن أرد، وهو سوف يأخذ على رأسه.

وعلى فكرة والله العظيم المُؤمِن الصادق دائماً ما يكون فتّاشاً، يُفتِّش عيوبه ويُفتِّش نفسه، إذا دهته داهية، فإنه يقول من أين دُهيت؟ انتبه، انتبه ولا تظن غير هذا، وتُحسِّن الظن بنفسك، فتقول لي هذا ابتلاء. لا! لسنا من أهل الابتلاء، نحن لسنا من أهل الابتلاء، نحن أُناس تعبانون بصراحة، نحن تعبانون، ونحن (غلابة)، وعلى باب الله، نحن أهل عقاب، نأخذ على رأسنا. فلما تُدهى، قل نعم، من أين دُهيت؟ والله سوف لو فتشت بشكل جيد، سوف تعرف من أين دُهيت. أي إذا ابتُليت – مثلاً نفترض -… ماذا أقول لك؟ في شيئ مُعيَّن، أياً كان، في أهلك أو في زوجتك أو في أولادك أو في نفسك أو في صحتك أو في مالك أو في ذاكرتك أو في حواسك، في أي شيئ! اسأل نفسك، وسوف تجد أنك ارتكبت ذنباً في هذا الباب، والله أعاد هذا عليك. شمت في واحد، تكلَّمت في واحد، فرحت في مُصيبة واحد. والله قال لك خُذ. فهذا من نفس ما عملته ولو قبل خمس سنوات أو عشر سنوات.

وحدَّثتكم مرة بقصة وقعت لي، وهي عجيبة. كنا في الحج، وربما كان معنا أبو طارق في تلك الأيام، وكنا نُريد أن نعود في آخر الأيام، ومررت على رجل يبيع الحقائب، المُهِم أنه أعطاني سعراً جيداً في حقيبة، فقلت له جيد، سأعود لك – بإذن الله -. ذهبت ومشيت هكذا، فرأيت رجلاً آخر، أعطاني واحدة بسعر أحسن. فأخذتها ورجعت، ولكن ضميري أنبني، المفروض أن يكون الإنسان عند كلمته، حتى ولو هذه أرخص، هذا ليس جيداً، فلم يُعجِبني التصرف هذا، ولكن انتهى، هذا الإنسان وهذا ضعفه.

في البيت نسيت طبعاً، انتهى! لأن مرت كذا ساعة وما إلى ذلك، جئت لكي أفتح الحقيبة، فوجدت أن الحقيبة لا تُفتح، يا أخي أنا وضعت الرقم نفسه، أنا أعرفه، وهو تاريخ ميلادي، حاولت أن أفتحها أكثر من مرة ولم تُفتَح، فقلت يا ربي لماذا يحصل معي هذا؟ لماذا؟ وبعد ذلك تذكرت، فقلت نعم، الله يُعاقِبني، لأنني منيت الرجل (الغلبان) هذا. قلت له سأعود لك. فصار يتمنى هذا المسكين أن يربح له خمسة ريالات، وهكذا أنا كسرت بخاطره. والله أول ما فهمت هذا فُتحت وحدها، هذه هي، فُتحت! فجعلت أبكي، هذا تعليم، انتبه! لابد وأن تعرف من أين تُدهى، من أين جاءك هذا، وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ۩. لو كنت مُستقيماً بنسبة مائة في المائة، فسوف تكون الأمور كلها جيدة معك بنسبة مائة في المائة أيضاً. ما دامت الأمور مُلتوية معك، فهذا يعني أن هناك مشاكل عندك، وربما يكون في قلبك هنا مشاكل، فهذا ليس حتى في أعمالك، هذا في قلبك من الداخل، لم تشمت وكذا، ولكن أنت فرحان، أنت فرحان بسبب ما وقع له، لأن في يوم من الأيام هو أذاك، فأنت فرحان لأن وقعت له المُصيبة هذه، خسر تجارته – مثلاً -، أو فقد بيته، أو جاءته عقوبة شديدة من الدولة هنا، أو كذا. فرحان! في قلبك فرحت، وهذا ليس جيداً، ليس جيداً! ليس هذا القلب الذي سيكون موضع نظر الله، انس، انس أن ينظر الله في قلبك هذا، لن ينظر، لأن الله ينظر في القلوب البيضاء النظيفة الطاهرة، هل هذا واضح؟ على كل حال عرَّفنا الله به – إن شاء الله – ودلنا عليه.

إذن نحن فقراء، ولابد وأن نستشعر دائماً فقرنا إلى الله – تبارك وتعالى -، على الدوام! نعيش أقوياء – بإذن الله – بالله،و نعيش أعزاء بالله، إذا استشعرنا فقرنا وحاجتنا المُطلقة لله ولفضل الله.

وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۩، الْغَنِيُّ ۩ فهمناها إذن، قوبل فقرنا بماذا؟ بغناه. أليس كذلك؟ تحقق بأوصافك، يُعطك ويُلبسك من أوصافه. تحقَّق بالفقر، يُعطك الغنى. تحقق بالذل، يُعطك العز. والأمر نفسه حين تتحقق بجهلك، تقول أنا جاهل، يا مُعلِّم إبراهيم علِّمني، يا مُفهِّم سُليمان فهِّمني، يُعلِّمك ويُفهِّمك. تحقق بأوصافك، يكسك من أوصافه – لا إله إلا هو -. هذه هي! ولذلك ماذا قال لك؟ وَاللَّهُ هُوَ ۩، هذا ضمير العماد، هذا اسمه ضمير ماذا؟ الفصل. أو يُسميه الكوفيون ضمير العماد. لكي يُؤكِّد، كان يُمكِن أن يقول والله الغني، ولكنه قال وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۩، أي هُوَ ۩، هو وحده فقط، هذا ضمير الفصل، هذا ضمير ماذا؟ الفصل. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩.

إذن وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۩، إذن قوبل فقرنا بغناه، مفهومة! فماذا عن الحمد؟ واضحة. هل تعرفون لماذا؟ لأن من الأغنياء مَن لا يُفيض بغناه. كم وُجِد من أغنياء وكانوا كزازين، لا يبضون بقطرة كما تقول العرب! هل تعرف الحجر الصفوان هذا؟ ماذا لو عصرته؟ هل يُعصَر معك أصلاً؟ مُستحيل، وهو أصلاً لا يشرب ماء، اعصر الحجر، ولن تجد شيئاً. قال لك لا يبض. أي هذا الصفوان! الصفوان هذا امسكه هكذا واعصره، كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ۩ في البقرة، اعصره ولن يبض بقطرة، لن تخرج أي قطرة! هناك أُناس مثل الصفوان هذا، حين تعصره من كل جوانبه، لن تخرج – والله  – قطرة. بُخل! هذا بُخل. وعنده ملايين، ويُمكِن أن يكون عنده مليارات – هناك أُناس عندها مليارات -، ولكنه بخيل بشكل عجيب، وطبعاً يبخل على نفسه، فهذا لا يُحمَد، الناس تسبه، أليس كذلك؟ وتتمنى موته، وحين يموت يفرحون لذلك، ويقولون أحسن، مال ورثته خير من ماله. أي يشمتون فيه!

الآن السؤال، وهناك أغنياء ينفعون بغناهم، فالناس يحمدونهم، هم بمحل الحمد عند الناس، فكيف برب المحامد كلها – لا إله إلا هو -، صاحب الحمد والثناء الحسن الجميل – لا إله إلا هو -؟ هل هناك غني بكرم الله؟ مُستحيل! لا يُوجَد غني بكرمه، وكل ما نحن فيه منه، كل هذا الوجود فيض جوده ورحمته وكرمه، أليس كذلك؟ ولذلك هو غني وحميد، يُحمَد – لا إله إلا هو -، غني ويُحمَد! وجيد أننا نبهنا عليها، وقلنا لكي تستشعر فقط لابد وأن تُسمي ولابد وأن تحمد دائماً، لابد أن تقول الحمد لله. على شربة الماء قل الحمد لله. الحمد لله دخلت الحمام، ورجعت مرتاحاً. الحمد لله الذي أذاقني لذته – وهو ماذا؟ الطعام – وأبقى في قوتي، وأذهب عني أذاه. النبي كان يحمد الله حين يدخل الحمام، لأن هذه ليست مسألة سهلة على فكرة، أي أن تدخل الحمام، لأن بعض الناس يقعد سبعة أيام أو عشرة أيام وهو يُعاني من الإمساك، وبعد عشرين سنة يمرض بسرطان القولون، سرطان! انتهى، ويموت. دائماً عنده إمساك، عنده إمساك وعنده مشاكل، ويتمنى هذا المسكين أن يدخل الحمام، فحين تدخل الحمام، اعلم أن هذه ليست مسألة سهلة، احمد ربك. والنبي علَّمك هذا، قال لك احمده، احمد الله، وقل كذا وكذا. مسألة كبيرة هذه أيضاً.

أنت تتنفس دون أن يكون عندك أزمة، تتنفس في حين أن هناك أُناساً يختنقون، بالهواء يختنق الواحد منهم، أليس كذلك؟ وخُذ أدوية ومشاكل. احمد الله، كل ما أنت فيه – والله – محامد، فاستشعر هذا باستمرار.

 

۞ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ۞

 

إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ۩، هناك شيئ محذوف، إن يشأ أن يُذهِبكم، يُذهِبكم. هي هكذا طبعاً! أي كيف هي إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ۩؟ إن يشأ أن يُذهِبكم… ماذا يحصل؟ يُذهِبكم. أليس كذلك؟ وعليها قِس بعد ذلك، مثلاً إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۩. أي إن يشأ أن يرحمكم، يرحمكم، أو إن يشأ أن يُعذِّبكم، يُعذِّبكم. هنا يأتي الجواب، هذا الجواب، فيُوجَد شيئ محذوف هنا إذن.

فالله قال لك هو هكذا لأنه تقرير. انظر إلى هذا، هذا تقرير، تقرير لتمام وكمال غناه. قال لك ربما أنت لست فاهماً إلى الآن، لأنني أعرفك. الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ۩، أنا خبير بك، وأنا أعرفك، وخلقتك وعجنتك تماماً، أي عجنت طينتك، وأعرفك، أنت لن تفهم، سوف تسمع ولن تفهم. نعم! لأننا هكذا، نحن مُصابون بالهبل، والله العظيم! وقد قلت لك إنني أرى هذا في المسجد حتى، هناك مَن يسمع ويتصرَّف كالأهبل، هو تائه وسكران بجهله. ويقول لك نعم، الله الغني وكذا. ولا يُطبِّق ولا يعرف شيئاً. فعاد الله وقال لك انتبه، أنا غني عنك وعنه وعنكم جميعاً وعن الأرض ومَن فيها، ولو أردت أن أُفنيكم، لأفنيتكم جميعاً. لو أردت وتعلقت إرادتي أن أُفنيكم من عند آخركم – هذه السبعة مليارات، الحديث عن بني آدم هؤلاء -، لأفنيتكم كلكم في لحظة، ويُمكِن أن آتي بغيركم، آتي بخلق آخر أكثر منكم وأحسن منكم، وأطوع لي منكم وأعرف بي منكم.

ولذلك أنا سأقول لكم شيئاً بصراحة، كما يقول الصالحون وكما هو كتاب الله، مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ ۩، مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ۩، لماذا الله – تبارك وتعالى – يُبقي هذه النشأة أو يُبقي هذا النوع الإنساني؟ فقط بفضل العابدين والعارفين والمُتصِلين بالله. فقط! أما الآخرون التائهون والنائمون، فالله لا حاجة له بهم. لأنه قال لك وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۩، ونحن لا نعبد، نحن كذّابون، ها نحن نلعب. ولكن هناك أُناس تعبد حقاً، وهناك أُناس موصولة بالله صدقاً، أهل الصدق! ليسوا أهل الرياء والكذب والمُتاجَرة والطقوس والأشكال. لا! هم مع الله حقاً، وإن وضعت الواحد فيهم في جوف صخرة، فإنه سوف يبقى مع الله على مدار الأربع والعشرين ساعة، هو لا يهمه الناس، ولا يُريد أن يراه أحد، ولا يُحِب أن يراه أحد. هؤلاء يُبقي الله النشأة من أجلهم، يقول لهم كرامةً لكم أنا سأُبقي هذه النشأة. ويوم ينقطع هؤلاء ولا يبقى في الأرض مَن يقول الله الله بصدق وإخلاص، سوف يطوي الله البساط، يقول لكم لا، انتهت، هيا. وتقوم القيامة!

ولذلك هذه هي علامة أن القيامة سوف تقوم، أي لا يبقى أحد يقول ماذا؟ الله الله. أي بصدق وعرفان. فعرِّفنا اللهم بك، واجعلنا من صفوة عبادك الصالحين وأوليائك العارفين المُدمين لذكرك، المُثنين عليك بنعمك في السراء والضراء، في الخلوة والجلوة، وفي كل أحولنا. اللهم آمين.

 

۞ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ۞

 

إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ۩ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ۩، هذا ليس مُمتنِعاً، وهذا ليس صعباً علىّ – قال -، هذا شيئ سهل جداً جداً. رهن ماذا؟ رهن أن يُريد، ورهن كلمة تكوينية، اسمها كُنْ ۩. كونوا فناءٍ، كونوا عدماً، فنفنى. كونوا خلقاً جديداً، فيُخلَق خلق جديد. وكما قلنا أطوع لله منا، وأعرف بالله منا.

 

۞ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ۞

 

وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩، في الأصل هذه توزر، ولن نقول صرفياً لماذا، مَن قرأ الصرف، يعرف لماذا. أي يعرف لماذا صارت توزر تزر؟ فهي في الأصل توزر، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ ۩، ما هو الوِزر؟ وما هو الوَزر؟ على ما أذكر ابن فارس – رحمة الله عليه – في المُعجَم (مُعجَم المقاييس) قال هذه المادة: الواو، والزاي، والراء (وزر) تُطلَق بإزاء معنيين: المنعة، والثقل. الشيئ حين يكون فيه حصانة ومناعة، يُقال عنه ماذا؟ وَزر. لذلك اسم من أسماء الجبل الوَزر. وسوف تقول لي نعم، هذا معنى قوله – عز من قائل – في القيامة كَلَّا لَا وَزَرَ ۩ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ۩، قال لَا وَزَرَ ۩، قال لا حصانة. لا يُوجَد شيئ مثل جبل ابن نوح، قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ ۩، إلى وَزر. قال لك هذا وَزر. يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۩، سأعتصم بالوَزر هذا – قال له -، وسوف يعصمني من ماء الطوفان. قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۩.

كَلَّا لَا وَزَرَ ۩، يوم القيامة لا يُوجَد وَزر، ولا يُوجَد مهرب إطلاقاً. والأرض أصلاً يوم القيامة تكون كقطعة النقي. النبي يقول هذا، كقرصة النقي! أي الخُبز النقي الأبيض، خُبزة بيضاء، قال لم يُعمَل عليها معصية. الأرض هذه تنتهي، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ ۩، ويستطرق فيها كل شيئ، تصير مثل الكف، لا إله إلا الله! صعيد واحد، لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ۩ في سورة طه، الشيئ نفسه، المعنى نفسه! إذن لا يُوجَد وَزر، أين يُمكِن أن تختبئ؟ لا يُمكِنك أن تقول سوف أختبئ وراء الكومة تلك أو وراء التلة أو وراء الهضبة أو وراء النبكة أو وراء الجبل. لا يُوجَد لا جبل ولا نبكة ولا هضبة، ولا أي شيئ! والملائكة موجودة، وحافة بالناس من جميع جهاتهم، تسوقهم بسياطها، لا يُوجَد هرب، ولا يُوجَد وَزر.

فالوَزر هو الجبل، الوَزر هو ماذا؟ الجبل. ثم شُبّه الشيئ الثقيل به، لأن الجبل ثقيل، فقيل للشيئ الثقيل ماذا؟ إنه وِزر. ثم استُعير من الشيئ الثقيل للإثم والذنب، لأنه يُثقِل كاهل صاحبه، فقيل ماذا؟ الأوزار. موزورون غير مأجورين، الوِزر! وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩، وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۩، أَوْزَارِ ۩ جمع وِزر، ذنب! مُستعار من ماذا؟ من الوِزر بمعنى الشيئ الثقيل، وهو المُشبَّه بالجبل لثقله. هكذا صار التصرف اللُغوي. أن أصل الوضع هكذا، عندنا تشبيه ثم استعارة، عندنا تشبيه ثم ماذا؟ نقل بالاستعارة.

يقول الشاعر محمد الخطابي:

شر السباع العوادي، دونه وَزر                    والناس شرهم ما دونه وَزر.

كم معشرٍ سلموا لما يُؤذهم سبع                  وما ترى بشراً لم يُؤذه بشر!

قال شر السباع – النمور والفهود والأسود – العوادي، دونه وَزر. أي يُمكِن أن نختبئ في البيوت أو في شيئ، ولكن بصراحة الناس – قال – شرهم ما دونه وَزر. لأنه يصل إليك أينما كنت، وهناك ملفات التجسس وملفات على الواتساب WhatsApp والكاميرات Cameras والأشياء والجواسيس والتفجير! أينما تذهب، يأتون بك. أخطر كائن على الإنسان هو الإنسان، أكبر عدو للإنسان هو الإنسان، فانظر إلى هذا، هو استخدم كلمة ماذا؟ وَزر. قال وَزر، وَزر. شاعر وفاهم هذا، وهذا معنى كلمة وَزر، الحصانة والمناعة، مثل جبل، مثل كهف، مثل مغارات، ومثل أي شيئ يُلاذ به ويُحتمى به.

كم معشرٍ سلموا لما يُؤذهم سبع                  وما ترى بشراً لم يُؤذه بشر!

ومنه كلمة الوزير، انظر إلى اللُغة العربية، ما أجملها يا أخي! لُغة جميلة، قال لك الوزير، أي الــ Minister هذا. هذا مُصيبته (مسيحة)، وهذا اسمه حتى للأسف يُنادي عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور، اسمه وزير! وما معنى وزير؟ سُمي هكذا لأنه يحمل ثقل الذي استوزره، أي رئيس الحكومة أو رئيس الدولة أو الملك. تعال يا وزير، وأي شيئ يُدك في رأس هذا الوزير المسكين.

قديماً في أيام بني العباس وبني أُمية كان يُقتل كل يوم والثاني وزير، فكانوا يتشاءمون بمَن يستوزر، أي يقولون لك المسكين هذا حلت به المثلات. لأنه صار وزيراً، وسوف يُقتَل. سوف يمر أسبوع أو أسبوعان ثم سيُقتَل، سوف يمر شهر أو شهران ثم سيُقتَل. ودائماً كان القتل في الوزراء للأسف، والسُلطان هذا أو الخليفة بريء، وهو ليس عنده أي شيئ، ولكن فقط الوزير دائماً ما يُقتَل.

فسُمي الوزير وزيراً لهذا السبب. يقولون لك الوزير سُميَ به. أي بماذا؟ باسمه. هكذا التعبير اللُغوي! والوزير سُميَ كذلك أو سُميَ بذلك أو سُميَ به – أي سُميَ باسمه -، لأنه يحمل أثقال السُلطان أو الملك. يُحمِّلونه إياها! هل هذا واضح؟

إذن قال وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩، وهذه طبعاً آية مفتاحية في عدالة الله، في عدالة السماء. وبعد ذلك ماذا قال؟ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا ۩، الحِمل يا إخواني ما كان على الظهر أو الرأس. إذا كان هناك شيئ يُحمَل على الظهر أو الرأس، فإننا نُسميه ماذا؟ حِملاً. وليس حَملاً! أما ما كان في البطن، كحبل المرأة، فإنه يُسمى ماذا؟ حَملاً. وأما ما تحمل النخلة، فيُسمى حَملاً. قولاً واحداً عند الإمام الكسائي (المُقرئ واللُغوي)! لكن ابن السكيت – رحمة الله عليه – في إصلاح المنطق قال لا، حَمل النخلة يُفتَح ويُكسَر. أي يُقال ماذا؟ حَمل النخلة، وحِمل النخلة. قال بالاثنتين. الكسائي قال لا، فقط حَمل بالفتح. مثل المرأة! معناها صار حَمل المرأة وحَمل النخلة بالفتح دون الكسر، ابن السكيت قال في حَمل النخلة، قال يُكسَر أيضاً.

على كل حال قال وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ۩، وطبعاً هذه صفة لمحذوف، أي وإن تدع نفسُ مُثقلةً. طبعاً لأن هذه صفة، أي مُثْقَلَةٌ ۩، ما هذا؟ أي شيئ؟ ما المُثقَلة؟ نفس. نفس! ذكر أو أُنثى، أي واحد يوم القيامة، نفس! وهناك مُحاسَبة طبعاً للكل، وقد أثقلتها ذنوبها. لا إله إلا الله! والله شئ مُخيف يا إخواني، والله شيئ مُخيف.

ترى العذاب حين تُريد أن تنتقل من بيتك، وكفى بالانتقال عذاباً كما قالت العرب على فكرة. العرب كانت تتشاءم كثيراً من الانتقال من البيت، هذا عذاب بيت، ولم يكن عندهم واحد من الألف من أغراضنا اليوم، ولا واحد من الألف! تخيَّل هذا، تخيَّل أنك تُريد أن تنتقل من بيت إلى بيت، وعندك أسرة طبعاً، من خمسة أنفار أو كذا. شيئ كالعذاب! وهناك LKW – أي الشاحنة – وهناك أُناس تحمل وهناك أشياء وكذا و… وهذا شيئ بسيط، تخيَّل أنك عشت سبعين أو ثمانين سنة، والذنوب كانت تجري، والحسنات – إن شاء الله – أيضاً كانت تجري، ولكن الذنوب أنت لا تنتبه إليها، تمشي على وجهك وتتكلَّم وكذا. والأمر جد خاصة مع اللسان، حصائد الألسنة هذه! أنا مُتشائم كثيراً من اللسان هذا، هل تعرف لماذا أقول هذا؟  لأنني أعتبرها للأسف صفقة المغبون. أي أن تُصلي وتصوم وتُتعِب نفسك وتتصدَّق وتقوم بأعمال طيبة وذهبت لكي تحج وتعتمر، ولسانك يمشي مثل المخراط أو مثل المبرد، تتكلَّم بالسوء، خرَّبت ما فعلته على نفسك، أضعت أعمالك كلها! قال له ثكلتك أمك يا مُعاذ، كنت أحسبك أفقه من ذلك. مُعاذ لما عرف أننا سنؤاخذ، قال له يا رسول الله أوإنا لمُؤاخذون بما نتكلَّم؟ هو ظن أن هذا حين تفعل فقط، أي إذا ضربت وكذا، أما بلسانك، فلا، أي هذا كلام فقط! فالنبي قال له عدمتك أمك. قال له ثكلتك أمك يا مُعاذ، كنت أظنك أفقه من هذا. قال له وهل يُكِب الناس على وجوههم – وفي رواية مناخرهم – في جهنم إلا – انظر إلى هذا، انظر إلى الصيغة: وهل يُكِب… إلا – حصائد ألسنتهم. قال له أكثر شيئ سيُدخِل الناس جهنم اللسان. قال له هذا! أي ليس الفرج على فكرة، مع أن هناك أُناس يفعلون الفواحش وكذا، ولكن ليس هو، قليل مَن يفعلون الفواحش، أكثر أُناس تجد أنهم ليسوا كذلك هم من أمة محمد، عندهم عفة والحمد لله، قليل أصحاب الفواحش – والعياذ بالله منهم ومن رائحتهم ومن سُمعتهم -، إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ۩، شيئ مُقرِف! الفواحش شيئ مُقرِف مُنتِن، فعلاً ناتن! والنبي أدرك أنه ناتن، وقال لنا إنه شيئ ناتن. قليل المُنتِنون بهذه الفواحش، لكن قليل مَن ينجون مِن ماذا؟ من حصائد الألسنة. حتى العلماء والصُلحاء. قليل قليل قليل قليل!

فلذلك أنا أقول لك إذا رأيت إنساناً أو إذا آنست من إنسان قصر لسان، ورأيت أنه لا يُحِب أن يتكلَّم في الناس، ولا يُحِب أن يأتي بسيرتهم، فاعتقد مودته والزمه، حاول أن تتوسَّل بحُبه، بأي طريقة! حاول أن تصير لك مكانة عنده، لأنك ستسعد حتى لو دعا لك. وهذه أكبر علامة على الصلاح على فكرة، أن هذا من أولياء الله، أن لسانه مقصوص، إلا في الخير، في الخير!

وعلى فكرة حاول أن تتحقَّق أنت بهذه الصفة الربانية الرحمانية العالية، أن يكون كلامك بعيداً عن اللغو، غير المُفيد. هذا يُعد عليك. فعده! وأين تتكلَّم؟ في الذكر، في العلم، في الشيئ المُفيد. في غير هذا أنا أخرس. كيف حالك؟ الحمد لله. ما أخبارك؟ الحمد لله. لا تقل حصل كذا وكذا وحكى كذا وأمس كذا. دع عنك هذا، الحمد لله. لكن حين يُقال لك – مثلاً – لكم والله هناك آية قرأناها عن كذا، قل نعم. هنا اجلس وتكلَّم طبعاً لمُدة ساعة أو لمُدة ساعتين.

والملائكة على فكرة تحضر هذا، هذا المجلس – إن شاء الله – تحضره الملائكة، وتغشاه السكينة. الآن، هذا المجلس! وتنزل عليه الرحمة – والله العظيم -، أنا كم آسف للذين لا يحرصون على دروس العلم – أُقسِم بالله -! وأُدرِك أنهم محرومون، ما لم يكونوا معذورين، مَن عنده عُذر وما إلى ذلك، نقول له أهلاً وسهلاً طبعاً. لكن مَن ليس عنده عُذر، أنا أعرف أنه محروم، إنسان محروم، الله لم يكتب له هذا، إلا إذا كان ختم العلم كله – ما شاء الله – طبعاً، يا ليته يكون هكذا! كان يُمكِن أن يأتي ويُعلِّمنا هنا، ونحن كنا سنتعلَّم – أُقسِم بالله – عند رجليه. لكن هناك أُناس لا يُحِبون هذا للأسف!

الناس موتى وأهل العلم أحياء. غداً – لأن اليوم أكيد لن نُنهي كل شيئ، لكن هذا سيكون غداً هنا – سنذكر قول الله إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۩، وفي قراءة لعمر بن عبد العزيز وتُروى عن أبي حنيفة إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ. ونحن قراءتنا ما هي؟ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۩, العلماء هم الذين يخافون الله. في قراءة عمر بن عبد العزيز وتُروى عن أبي حنيفة الله هو مَن يخاف العلماء. لكن يخاف منهم لا تعني أنه يخاف منهم بالمعنى الذي نعرفه، وإنما يُجلهم ويجعل لهم هيبة، كما يُهاب الرجل بين البشر، وفعلاً يصير هكذا الصالحون، تحس بأن لهم هيبة وأن لهم وقعاً وجلالاً في النفوس النورانية. فهذه قراءة أُخرى، وفيها شذوذ طبعاً، وهي قراءة شاذة على كل حال، ولكن بعض العلماء حتى انحاز إليها، كالزمخشري، تشعر أنه وافق عليها، وقال لك نعم، لماذا لا؟ العلماء عندهم هذا الجلال، لهم مكانة خاصة عند الله، لهم وزن كبير. الله كبَّرهم يا أخي! وكيف لم يُكبِّرهم وقد قال شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۩؟ يا رجل! حط شهادتهم مع شهادته وشهادة الملائكة، العلماء شيئ كبير!

فهناك أُناس دائماً ما يزهدون في العلم، الواحد منهم لا يهتم بك ولا بالعلم، لأنك ستُسأل يوم القيامة عن عمرك فيما أفنيته. يا الله، يا الله، ما أحلى مَن يُجيب ويقول يا ربي أفنيته فيك! اللهم اجعلنا منهم، أوه! الله سوف يقول له يا عبدي، فلان ابن فلان، فيما أفنيت عمرك؟ فيقول فيك يا الله. أوه! هذا المُلك، أرأيتم المُلك؟ هذا التاج. فيك! ومعروف طبعاً ماذا سوف يقول الله له، صدقت يا عبدي وخُذ الآن، خُذ المُلك والخُلد. فيك! أمضيت سبعين أو ثمانين سنة – أي حياتي كلها – في صلاة، ذكر، عبادة، علم، أمر، نهي، وخير. وابتعدت عن كل الشهوات، الكلام الفارغ، السفاسف، والحقائر. ولم أُشارِك الناس فيها، وهذا مُنذ الأيام التي كنت شاباً صغيراً، حياتي جد كلها.

وهذه هي الشطارة، لأنك سوف تُسأل عنها، انتبه إذن، ولا تظن أنك صغير، ما دام صرت مُكلَّفاً وتجب عليك العبادة، فسوف تُسأل عن كل لحظة من عمرك. مَن كان عمره ثلاث عشرة سنة وبلغ الحُلم أو مَن كانت فتاة وحاضت – لا مُؤاخذة -، فعند الله ليس صغيراً، ومن ثم يُمكِن أن يدخل النار أيضاً، أو يدخل الجنة، ويسبقك ويسبقني، وهذا ابن ثلاث عشرة سنة، لأنه مُكلَّف، مُكلَّف! مطلوب منه الخمس صلوات وصيام رمضان وكل الفرائض، ومُحرَّم عليه الغيبة والنميمة والكذب و… و… و… كله! مثله مثلك، هو ليس صغيراً، ابن خمس عشرة سنة وثلاث عشرة سنة ليس صغيراً، مُكلَّف هذا، والله يُعامِله بجدية، الله يحمله محمل الجد، ولكن أنت لا تحمله هكذا، وتقول إنه ولد صغير. ليس ولداً صغيراً! وترى أنك أيضاً ولد، أليس كذلك؟ تجد أن عمر أحدهم صار أربعين سنة أو خمسين سنة، ومع ذلك يرى أنه طفل صغير، أي بيبي Baby، ويقول بعد ذلك سوف نتوب. ما شاء الله عليك! في الحضانة أنت؟ متى سوف تتوب؟ ألست رجلاً؟ ألا تُوجَد عندك رجولة؟ وقلنا إن الدين فيه رجولية. قال لك رِجَالٌ ۩، والله! وأهل الله يُسمونها الرجولية، وقلنا هناك مقام الفتوة. وهناك مقام الرجولية، يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ ۩، قال السادة المُفسِّرون هذا المقام لا يثبت إلا لأهل الله. أهل الذكر وأهل العبادة وأهل الجد في طاعة الله! هؤلاء هم الرجال، وليس الرجال بمعنى الذكور طبعاً، هناك الكثير من الذكور، وهم ليسوا رجالاً، ولا أنصاف رجال، ولا أطفال أيضاً، ما رأيك؟ والله العظيم! وهم ذكور بالمعنى البيولوجي، ولكنهم ليسوا رجالاً، الرجل هو مَن يأخذ الأمور جدياً، هذا هو! وعظيم هذا، هذا نور، هذا على أهله نور، على جيرانه نور، على الناس نور، وعلى أصدقائه نورـ خير! ولا يضرك أبداً، تتذكَّر وتقول هل هذا الشخص ضرني طيلة حياته؟ لم يضرني طيلة حياته، ودائماً ما يُحاوِل أن ينفعني بأي طريقة، وإذا لم يقدر على أن ينفعني، فإنه لا يضرني. حيا الله هذه الأرواح الماجدة يا إخواني، أرأيتم؟

فانتبه، انتبه وإياك أن تأتي يوم القيامة وأنت لا تدري شيئاً، فتجد أن جبالاً عندك، تُوجَد جبال! وحين تقول يا ربي ما هذا؟ يقول لك هذه سيئاتك. تقول يا ربي هذه سيئاتي؟ فيقول لك نعم. تقول وما الجُبيل الصغير هذا؟ فيقول لك هذا حسناتك. جُبيل صغير هكذا، أو هضبة صغيرة هكذا، هذه حسناتك! يقول لك ونحن أيضاً سنزنها بعد ذلك وسنرى ما قصتها. تقول وما الجبال هذه؟ ما هذه السلسلة؟ هذه كسسلسلة طوروس، جبال طوروس! ويقول لك هذه سيئاتك. ومن ثم ستُدرِك أو سيُدرِك البعيد – اللهم لا تجعلنا منهم – مصيره، سينقطع بك وتُدرِك اليأس وتُدرِك أنك هلكت، من أين؟ تقول من أين؟ لأنك لم تأخذ الأمر بجد، كنت تلعب، تلعب تلعب تلعب تلعب، وجاءتك ساعتك وأنت تلعب.

فالله قال وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ۩، وسوف تسألونني وسوف أُجيبكم غداً، سوف تقولون فما الزيادة؟ هو قبل قليل قال وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩، قال وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ۩، وهذا المعنى نفسه! فلماذا رجع وقال هنا وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ۩؟ فهل هذا المعنى نفسه؟ لا، هذا ليس المعنى نفسه. هذا مقام وهذا مقام، ويُوجَد شيئ لطيف هنا، توجَد إضافة لطيفة ربانية، لكن سوف نتعرَّض لها غداً – بعون الله تبارك وتعالى -.

أكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

سُبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: