إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ۩ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين.
أيها الإخوة والأخوات:

ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ۩، قال جماعاتٌ من السلف عن حرف ن ۩ أنه من المُتشابِه، أي من مُتشابِه القرآن الكريم، وقال جماعاتٌ من الخلف بل هو حرفٌ له معنى، فمِن قائل أنه إسمٌ للدواة التي يُوضَع فيها المداد والحبر ويستمد منها القلم الذي هو آلة الكتابة، ومن قائل هو إسمٌ لهذا الحرف، الإسم والمُسمّى، المُسمّى معروف، أما الاسم فهو نون، كما نقول ألف، هذا إسم الحرف، ومسمّاه هو الحرف ذاته، كما نقول باء، هذا اسمه وهجاؤه، المُسمّى ب مثلاً، ولكن الإسم باء، فهذا إسمٌ للحرف المشهور، وهناك تفسيرٌ الأرجح أنه لا يصح عن عبد الله بن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – وهو ما أخرجه الإمام الضياء المقدسي في الأحاديث المُختارة والإمام الحاكم في المُستدرَك على الصحيحين وصحَّحه وهو أن ن ۩ هو إسمٌ للحوت الذي أرسى الله – تبارك وتعالى – عليه الأرض والمُسمّى بيهموت، فإسم هذا الحوت يهموت، وله اسمٌ آخر هو ن ۩، وهذا كلامٌ لا معنى له، أي حديث خرافة الآن يقطع البشر كلهم أن الأرض ليست مُستقِرة على متنِ حوت، مع أن الحاكم صحَّح هذا الأثر وما ينبغي له، لكن في المُقابِل رويَ عن عبد الله بن عباس – رضيَ الله تعالى عنهما – وعن الحسن أي البصري وقتادة والضحاك أنهم قالوا ن ۩ إسمٌ للدواة، هى الدواة التي يُوضَع فيا الحبر والمداد، وأنكر ذلك الإمام الزمخشري – رحمه الله تعالى – وقال لا يُعرَف هذا لا لغةً ولا في الاستعمال المعروف، وكلامه راجح – رحمة الله على الجميع – طبعاً، فيبدو أن الأرجح أن ن ۩ هو إسمٌ للحرف، هجاء هذا الحرف نون، كما نقول ألف وباء وتاء وإلى آخره نقول نون، ثم أقسم سبحانه وتعالى فقال – هذه الواو واو القسم – ن وَالْقَلَمِ ۩، أي أُقسِم بالقلم، ما المُراد بالقلم في قوله وَالْقَلَمِ ۩؟ قيل هو قلمُ القدرة الذي خُطَّ به ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ، وهذا ليس ظاهراً، لماذا؟ لأن هذه السورة مكية، وخُوطِب بها جماعةٌ قليلة من المُؤمِنين، والمقصود بالخطاب بها أصالةً المُشرِكون كما قال العلَّامة المُفسِّر الشيخ الإمام ابن عاشور، قال المقصود بالخطاب المُشرِكون، وهم لا يعلمون شيئاً عن هذا القلم، أي عن قلم القدرة واللوح المحفوظ، هم عُراة وخلوٌ من هذه المعلومة العقدية الملية، وإنما القلم الذي يعرفونه آلة الكتابة، إذا ذُكِر القلم يُراد آلة الكتابة، فالأرجح أن الله يُقسِم بآلة الكتابة، إذن هناك الحرف ن ۩، ثم قال وَالْقَلَمِ ۩ وعطف عليه قسماً آخر طبعاً، لأن الواو هنا للعطف والتشريك، قال الله وَمَا يَسْطُرُونَ ۩، و(مَا ۩) هنا قد تكون موصولة بمعنى والذي يسطرونه، أي ومسطورهم، أُقسِم بالقلم ومسطورهم، أي ما يُسطِّرونه أو يسطرونه بالقلم، وقد تكون مصدرية فيصير المعنى أُقسِم بالقلم وسطرهم الكتابة تسطيراً، ينسبك منها ومما بعدها مصدر، وهذا هو الأرجح على أن ضمير يَسْطُرُونَ ۩ غير مذكور وهو معلوم للسامعين، فبقيت الآيات على إطلاقها، الله – تبارك وتعالى – افتتح السورة الجليلة بإسم هذا الحرف، ثم أقسم بالقلم وأقسم بما يُسطَر، ومن المعلوم أن الرب الجليل – سبحانه وتعالى – لا يُقسِم إلا بما له حظٌ من شرفٍ ومثابةٍ عنده – سبحانه وتعالى – كدليلٍ أو كأثرٍ من آثار صفاته سبحانه وتعالى، هاته هى الأشياء التي يُقسِم بها الله، وتفسير الآيات على النحو الذي ذكرنا قريبٌ لقوله سبحانه وتعالى الرَّحْمَنُ ۩ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ۩ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ۩ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ۩، وأدنى منه قوله تبارك وتعالى اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ۩ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ۩ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ۩، فليس القلم هو قلم القدرة الذي خُطَّ به ما هو كائن في اللوح المحفوظ، إنه القلم المعروف لنا، وهذا غريبٌ على أمةٍ أُمية لم تتعاط صناعة القلم ولا مهنةَ الكتابة، حين بُعِث الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – على ما ذكر العلَّامة الإمام البلاذري لم يكن في مكة أزيد من بضعة عشر رجلاً يعلمون صنعة الكتابة، وهذا شيئ قليل جداً، أقل من عشرين رجلاً – أقل من عشرين نفساً – والبقية أُمية، نحن أمةٌ أُمية، وهذا أمرٌ عجيب، العرب في الجاهلية يرون من باب العار أن يتعاطى الإنسان الكتابة والقلم، هذا عار لا يليق بالفارس ولا يليق بالفتى ولا يليق بالرجل الكامل، وذكرنا في خُطب سابقة أشعاراً أكَّدنا بها للأسف هذا الفهم المقبوح وهذا المعنى على أنها ثقافتهم، هكذا كانت ثقافة العرب في الجاهلية وفي صدر الإسلام، فأن يأتي كابٌ مُنزَّل ووحيٌ مُوحىً به من عند الله – تبارك وتعالى – يُقسِم بالقلم ويُقسِم بالكتب والمُسطَّرات شيئٌ عجيبٌ جداً ومُدهِش، لكنه ليس مُدهِشاً من الرسالة الخاتمة ومن الدين الآخر الذي جاء لاستنقاذ البشرية من عماها ومن غيها وضلالها، جاء لكي يضعها على سكة الحضارة والمدنية والرُقي الحقيقي وقد نجح، نجح هذا الإسلام نجاحاً عظيماً بفضل الله تبارك وتعالى.

التراث الإسلامي الذي أنجزته هذه الأمةُ المرحومة في قرونها الأولى من حيثُ الحجم ومن حيث الكم لا يُضارِعه أي تراث مُعاصِر له أو سابق عليه على الإطلاق، وطبعاً لا نقول لاحق لأن التراث الآن أعظم بكثير وأوسع من حيث الكم ولكننا نقول مُعاصِر أو سابق، لا يُضارِعه أي تراث مُعاصِر له أو سابق عليه على الإطلاق لا من قريب ولا من بعيد، كانت المكتبات العامة تغص وتمتليء بمئات ألوف بل بعضها بملايين الكتب، بمليون وستمائة ألف كتاب أو بمليوني كتاب، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، فهذا في مكتبات عامة وبعضها خاص، مئات ألوف الكتب، زيغريد هونكه Sigrid Hunke تذكر في أكثر من مرجعٍ لها في أكثر من كتاب أن أعظم دير في أوروبا الغربية كان يحتوي على أكبر مجموعة من الكتب وكانت مُسلسَلة بالسلاسل حتى لا تُسرَق أو تُهرَّب، وهذه الكتب أيضاً لم تبلغ عدتها عشرين كتاباً، ولذا هى مُسلسَلة لأن هذا كل ما لديهم، لكن نحن لدينا ملايين الكتب، لماذا؟ لأننا أمة اقْرَأْ ۩، أول كلمة في آخر رسالة اقْرَأْ ۩، وقد قرأت هذه الأمة وكتبت وترجمت وتفاعلت وتعاطت وانفتحت وأفادت واستفادت، كانت أمة حضارة وأمة رُقي وأمة تقدّم، ثم انحدرت للأسف، وبدأ الانحدار سريعاً تقريباً، لم تطل هذه الموجة وهذا المد العارم من الانفتاح على العالم والكون والوجود والإنسان والحضارات والثقافات، هذا التقدير وإعطاء المثابة اللائقة بل المثابة البعيدة الشريفة للكتاب وللمسطور الذي لم يُضارِعه تقدير لدى أمة أُخرى غاب سريعاً وزوى من قريب للأسف الشديد، وعُدنا شيئاً فشيئاً نجتر بعض المعارف – صنوفاً من المعارف – وتنكرنا لمعارف أخرى نحن الذين أرسينا دعائمها ونحن الذين أسَّسنا لها كالمعارف التجريبية وبها تقدَّمت أوروبا، هذه المعارف أرسى دعائمها وأسَّس لها المسلمون، المسلمون تنكروا لها بعد ذلك وحقروها وازدروها وما عادوا ينظرون إليها، تعاطيهم مع المعارف العقلية كان قليلاً على أنه عميقٌ ونافذٌ في وقتٍ قصير، وهذا أمرٌ عجب، كيف ترجموا هذه المعارف العقلية؟ وكيف أفادوها وأضافوا إليها؟ وقد ذكرنا ربما في مراتٍ أن مسائل الفلسفة اليونانية التي ترجمها المسلمون لم تزد على مائتين وخمسين مسألة، على أنهم أضافوا إليها زُهاء سبعمائة مسألة، وهذا يُكذِّب الأسطور الغربية للأسف ومَن تأثَّر بها من أبنائنا وبناتنا التي تقول الإسلاميون أو المسلمون أو الحضارة الإسلامية كانت حاضرة ناقلة وعائية، أي وعاء فقط وحاضنة احتضنت الفكر العقلاني أو الفلسفة العقلية وغير العقلية – الإشراقية أيضاً – ولم تُضِف شيئاً ولم تمدها بأسباب جديدة، هذا غير صحيح بالمرة، هذه أسطورة طبعاً، لأنها أضافت إليها ضعفيها، ويعلم هذا مَن وقف على هذه التفاصيل والدقائق بأدلتها في مظانها وهى موجودة إلى اليوم بفضل الله تبارك وتعالى، على أن الأمة – كما قلت لكم – للأسف صار أمرها إلى تراجع وإلى ضعف وإلى انكماش وجمود وانسحاب!

المُؤسِف والمُحزِن أننا الآن في القرن الحادي والعشرين وتقريباً مازلنا نجتر هذه المقولات وهذه الأفكار وهذه الرؤى التي تخدم الجمود وتخدم الجهل والتقوقع ووهم أننا لا نحتاجُ إلى غيرنا، قرأت لشيخ فاضل لا أود أن أذكر إسمه – حفظه الله – وهو صاحب كتاب كتب حذَّر منها العلماء ما يدل أنه يُعطي أعداء الإسلام سكيناً ماضية ومُوسَى ماضية لذبحه ولذبح المسلمين وذبح الحضارة الإسلامية، يذكر في الجزء الأول أن رجلاً يُعرَف بالكُردي – ابن محمد الكُردي المُتوفى في أول القرن التاسع الهجري، في سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فهذا مُتأخِّر جداً هذا يُعتبَر لأنه في أول القرن التاسع وهو غير مشهور – أن عمرو بن العاص – رضيَ الله عنه – لما افتتح مصر جاءه بطريرك كبير إسمه توما أو النحوي – كما يُقال – وقد كان يقول بالتثليث ثم عاد عنه، فحرمه أهل ديانته ولعنوه، يبدو أنه عاد إلى التوحيد وإلى الآريوسية مثلاً، فجاء إلى عمرو بن العاص وقال له أيها الإمير لقد وضعت يدك على كل شيئٍ، فما كان لكم فيهم منفعة فأنتم أولى به، وما لم يكن لكم به حاجة فخلوا بيننا وبينه، قال ماذا تعني؟ قال خزائن الكتب التي فيها الحكميات، أي كتب الحكمة والفلسفة والمنطق، إذا كنتم لا تحتاجونها نحن نحتاجها، نُريد هذا التراث العقلي، فقال عمرو بن العاص لا أستطيع إلا عن إذنٍ من أمير المُؤمِنين، يعني عمر رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، فأرسل إلى عمر، فرد عليه عمر بن الخطاب – رضوان الله عليه – قائلاً انظر تلك الكتبَ فإن وجدت أن ما فيها يُوافِق ما في القرآن الكريم ففي القرآن غُنية عنها، أي إذا كان يُوافِق فالقرآن موجود ومن ثم لا نحتاجها، وهذا مسلك غير صحيح بالمرة، القرآن ليس كتاباً في الفلسفة ولا في المنطق ولا في الطب ولا في النجوم ولا في غيرها، وإن وافق بعض العلوم التجريبية أو حتى العقلية والحكمية في الجُمليات وفي بعض المُقرَّات فأين التفاصيل؟ أين البراهين؟ أين الأدلة؟ القرآن ليس كتاباً في المنطق والفلسفة والطب، هذا مُستحيل طبعاً، ومُحال أن سيدنا عمر يقول هذا ويأمر بهذا، وطبعاً هذه معروفة لأنها أسطورة كاذبة جداً، وعلماؤنا أنفقوا مئات الساعات وسوَّدوا مئات الصحائف – أي الصفحات كما نقول – لكي يُبرهِنوا على كذبها وخطئها، واتهموا أعداء الإسلام والزنادقة، أول مرة وردت هذه الأسطورة عند ابن العبري في تاريخه بلا سند وبلا دليل، مئات السنين لم تُذكَر، لم يذكرها خليفة ولا الطبري ولا غيرهما، من أين أتيت بها يا ابن العربي؟ ثم يأتي هذا الكردي في القرن التاسع ليُؤكِّد هذه الأسطورة، وسوف ترون كم هى أسطورة مقيتة، وصمة عار في جبين الإسلام إن صحت ولا تصح مُطلَقاً، ولكن جاء هذ الشيخ الفاضل – عفا الله عنا وعنه – ليُعيدها جذعة ويستملحها، لقد ترجم لهذه الأسطورة على أنها من الأشياء المليحة الجيدة، وعلى أنها شيئ يلذ لنا سماعه، انظروا كيف كانت الحكمة الفاروقية، أعوذ بالله يا رجل، أنت هنا تشين الفاروق وتصم تاريخ الإسلام والمسلمين فهذا لا يجوز،المُستشرِقون دائماً يُطنطنون بهذه الأسطورة المعروفة بأسطورة حريق المسلمين لمكتبة الإسكندرية، لأن هذا التوما كان إسكندرانياً، وقد كتب عمر ففي القرآن غُنية، فتقدَّم إليها فأعدمها، أي أعدِم كل تلك الكتب، إذا وافقت أعدمها، وإذا خالفت فمن باب أولى أن تُعدِمها، على الحالين لا بد أن تُعدَم، فأمر عمرو بن العاص فسُجِّرَت بها تنانير الحمامات في الإسكندرية ستة أشهر، ستة أشهر وهذه التنانير تأكل هذه الكتب، وهذا طبعاً مما يدل ليس على المُبالَغة وإنما على الكذب، لا تُوجَد كتب وخاصة في الإسكندرية تأكلها النار ستة أشهر، هذه عشرات الملايين إذن لكي تكون نار الحمامات يومياً مُسجَّرة بها، هذا غير صحيح، هذه أكذوبة – كما قلت لكم – ابن العبري هو الذي ائتفكها وكذبها، ويأتي هذا الشيخ ليُؤكِّدها، لماذا؟ لأنه يُؤلِّف كتاباً يقوم على التزهيد والتنفير في تراث كثير ولا أقول مُفي، فهناك كتب تنجيم وكتب سحر وكتب زندقة وكتب كفر وهناك كتب فلسفة وكتب منطق وكتب باطنية وكتب مُخالِفة في أشياء مُعيَّنة وكتب مُبتدَعة أو مُبتدِعة لعلماء الكلام – مثلاُ – من الأشاعرة والماتريدية والزيدية والإباضية، وكله يُحذَّر منه، يقول لا نُريد هذه الكتب، فطبعاً هو يستملح مثل هذه القصة وهى نكبة – هذه القصة نكبة – ومُصيبة، كما قلت لكم يُعطيهم مُوسَى – أي موس – وسكيناً ليذبحونا به عن رضا وسماحة، كأنه يقول لهم خُذوا هذا وأنا أُؤكِّد لكم هذا، لكن كيف تُؤكِّده؟ كيف تُؤكِّد الأسطورة يا شيخ عفا الله عنا وعنك؟ هذا في القرن العشرين والحادي والعشرين، وفي الحقيقة إلى اليوم يشكو بعض المسلمين في بعض البلاد من هذا التضييق غير المفهوم على الكتاب، تُوجَد كتب يُحظَر عليها أن تدخل البلد أصلاً، الكتب السياسية فهمنا سبب حذرها، فكل السُلطات تفعل هذا، لا تُوجَد سُلطة تقريباً تُوافِق على أن يُنشَر أشياء ضدها وتُحرِّض عليها أو تذكر بوائقها ومصائبها وأسرارها، قد يُفهَم هذا ولذا قد نتفهمه قليلاً، لكن الكتب الفكرية والفلسلفية والعلمية للمُخالِفين لماذا تُحظَر؟ وكيف تُحظَر؟ بأسلوب فج، في معارض الكتب التي ينتظرها الشباب المُتطلِّع والشباب الطمَّاح الواعي اليقظ من العام إلى العام يأتي جماعات من هؤلاء ويحظرونها، هكذا حدَّثني أحد الإخوة الثقات وهو مُتعلِّم ومُثقَّف، قال لي يأتون وهم تقريباً أشباه أميين، بالذات لا علاقة لهم بكتب الفلسفة والعلم والفكر لا من قريب ولا من بعيد، فأي كتاب ليس من الكتب التي تأنًّس بها الواحد منهم – يعرف أسماءها ومُؤلِّفيها – يأخذه، قال يُقلِّبه في ثوانٍ أو في دقائق ثم يقول فيه مُخالَفات، فتُصادَر مجموعة الكتب، تُصادَر كتب بالمئات، وهكذا من كل جهة يُصادَرون، تُحمَل كتب من هنا ومن هنا لكي يُحرَم الشباب، وهذا شيئ غريب جداً، لكن هذا يحدث إلى اليوم!

أيها الإخوة :

أُحِب أن أقول لكم أمتنا طبعاً كانت تحتاج وما زالت تحتاج وبالذات في هذه اللحظة الحرجة من حياتها ومن تاريخها لأنها تستقبل مُستقبَلاً – كما قلت في الخُطبة السابقة – يبدو أنه غامضاً الآن وليس واضحاً تماماً إلى رؤى واضحة في أمور كثيرة، كيف أتعاطى مع المُخالِف؟ انتبه فيجب أن نكون واضحين، نحن مسلمون وإسلاميون كيف نتعاطى مع الماركسيين ومع الليبراليين ومع الآخرين عموماً؟ كيف أتعاطى مع المسلم والإسلامي المُخالِف لي؟ أنا وهابي وهو أشعري فكيف أتعاطى معه؟ أنا أشعري وهو وهابي فكيف أتعاطى معه؟ أنا وهابي وهو صوفي فكيف أتعاطى معه؟ أنا صوفي وهو وهابي فكيف أتعاطى معه؟ أنا سُني وهو شيعي فكيف نتعاطى مع بعضنا البعض؟ لأن بلادنا ودولنا ومُجتمَعاتنا ليست تتمحض للونٍ واحد، لا يُوجَد بلد كل مَن فيه صوفية أو كل مَن فيه أشعرية أو كل مَن فيه وهابية، لا يُوجَد هذا، يُوجَد أشعري وصوفي ووهابي وسُني وإباضي، هذا هو الموجود، أي تشكيلة، والآن هذا الاختلال في التجانس الثقافي والفكري أصبح يزداد يوماً عن يوم ووتائره تتسارع وتشتد، أي وتائر اختلال التجانس، وهذا بفعل الانفتاح على العالم وعلى الثقافات، نعيش – كما نقول دائماً – في عصر الإنترنت Internet الآن، وطبعاً شيئ يدعو إلى العجب وإلى الضحك أن تمنع الكتب وتُحاصِر الكتب وتُعدِم الكتب وتُفتي فتاوى ضد الكتب وتُلاحِقها في عصر النت Net، ما من كتاب إلا مُتاح في النت Net فانتبهوا، وخاصة الكتب الممنوعة، لا نستطيع أن نُعطي جردة بأسماء المُفكِّرين العرب – الإسلاميين وغير الإسلاميين وخاصة في مصر لأنها أم الفكر ما شاء الله وفي غير مصر أيضاً – الذين حُظَرَت كتبهم وصُودِرَت، بالعشرات هؤلاء، لكن إن تأمَّلت في أسمائهم وجدت من بينها أسماء إسلامية، كتب سيد قطب حُظِرَت وتُحظَر في بلاد مُعيَّنة إلى اليوم، كتب محمد قطب تُحظَر، محمد الغزالي حُظِرَت وتُحظَر له كتب، أيام ناصر حُظِرَ له كتاب مشهور جداً إسمه قذائف الحق، وهذا أمر عجيب، وحُظِرَ لأسباب واهية، وهو أجمل ما كتب ومن أحسن ما كتب، جمال البنا – أخو الإمام الشهيد حسن البنا – الآن تُحظَر له كتب، بغض النظر أكنت تختلف معه أو توافِقه وبغض النظر عن حجمه الفكري فنحن نتحدَّث عن مبدأ الحظر نفسه، مبدأ المُصادَرة ومبدأ مُطارَدة الكتب الذي يُشكِّل امتداداً لحرق الكتب وإعدامها، تُعامَل كأنها كائنات حية بشرية.

الفيلسوف والشاعر والأديب والعالم جوته Goethe صاحب فاوست Faust مرةً في فرانكفورت Frankfurt استمع إلى حكم يُتلى بإعدام كتب مُعيَّنة – حكم بالإعدام على كتب – ثم أُعِدمَت حرقاً كما حُرِق جوردانو برونو Giordano Bruno وأمثال هؤلاء، فاستغرب الشاعر الفيلسوف وكتب يقول إنه لأمرٌ مُريعٌ وفظيع بحد ذاتها أن تُحرَق الكتب كما يُحرَق الأحياء، ما الذي يحصل؟ شيئ مُخيف أن تُحرَق الكتب بهذه الطريقة، كأنها بشر تُعدَم، يُتلى حكم إعدامها ثم تُقتَل، على أنه يُمكِن قتل البشر لكن قتل الأفكار غير مُمكِن بالمرة، أكثر شيئ لا يُمكِن أن يُقتَل الأفكار، لذلك أنا أقول لكم أنها تتحوَّل إلى أشباح ضاجة كما يُقال، الأشباح الصاخبة ستخرج لك في الليالي البهيمة، ستخرج لك ربما في كل لحظة، وسوف تضج وتُثير رعب مَن يُرعَبون مِن الأفكار المُخالِفة ويتضعضون ويتزلزلون أمامها، وعجبي لمسلم يُوقِن بالله ونبيه وكتابه يتضعضع أمام أي فكر، لا والله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمع ملاحدة العالم لما ضعضعونا، لأننا على ثقة مُطلَقة بالبرهان وبالحُجة فانتبهوا، على ثقة ليس بالدعاوى وبالانتفاخ وإنما على ثقة مُطلَقة بالبرهان، وكل ما نرجوه ونطلبه أن نُناظِر ونُحاجِج هؤلاء الملاحدة والكفرة والزنادقة الذين يشنأون الإسلام، تفضلوا إلى مائدة النقاش، هذا ما نُريده، لا تسبوا من بعيد فقط، سنُعطيكم الفرصة كاملة والحرية تامة أن تُناظِروا وأن تُنافِحوا عن باطلكم أو حقكم كما ترونه ونحن عن حقنا كما نُوقِن به ونعتقد، الله لا يخاف النقاش كما قلت مرة، الحقيقة لا تخاف النقاش، الحقيقة لا يبدو بهاؤها وسناؤها وجمالها وألقها إلا بإزاء الباطل وبإزاء الزيف وبإزاء الكذب وبإزاء الخطأ طبعاً، وإلا كيف تُعرَف؟ بأضدادها تتمايز الأشياءُ، لولا ظلام الليل ما عرفنا نعمة النهار والضياء، أليس كذلك؟ فلابد من هذا، ولذلك الله – تبارك وتعالى – بإرادته القدرية – نترك الآن الإرادة الشرعية والتشريعية ونتحدَّث عن إرادته القدرية – لم يشأ قدراً أن يُوحِّد الناس على عقيدة واحدة، قال الله وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ ۩، الله يقول أنا لا أُريد هذا، أنا سأتركهم يختلفون، وأنا خلقتهم للاختلاف – وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ ۩ – أصلاً، لن يظهر جمال الحق – كما قلت لكم – إلا بإزاء قُبح الباطل، لن تتجلى قوة الحق إلا بإزاء هشاشة الخطأ والباطل، هو هذا فلماذا نخاف؟ المُصادَرة تُعطي انطباعاً سيئاً، المُسارَعة للتكفير والأمر بالقتل وقطع الرؤوس أو السجن لعشرين سنة ماذا يُعطي؟ أنا أقول لكم هذا يُعطي – ولذلك أنا حزين ومُكتئب – انطباعاً للمسلمين ولغير المسلمين الشامتين والموضوعيين المُراقِبين المُحايدين أن دين هؤلاء القوم ضعيفٌ جداً، يبدو أن قواعده العقدية والتشريعية من الضعفِ والقلق والهُزال بمكان بحيث يستطيع شابٌ بسيط غير مُثقَّف ثقافة عميقة ولا عالية – لأن عمره لم يسمح له أصلاً مثل حمزة كاشغري – أن يُضعضِعها بل أن يُدمِّرها وأن يجعلها هباءً تذروه الرياح، وهذا مُحال طبعاً، هذا وهم لأن – كما قلت لكم – لو اجتمع ملاحدة الأرض لما استطاعوا ذلك، وهذا الإسلام يعيش ويمخر العُباب من خمسة عشر قرناً، والحمد لله يكتسب أنصاراً جدداً من غير المسلمين في حال ضعف أمته وتراجع حضارته وذلك بقوته الذاتية، الإسلام والقرآن بقوته الذاتية يكتسب أنصاراً، فكيف لو أحسن أتباعه – أتباع هذا الدين – أن يُدافِعوا عنه؟ كيف لو خاطبوا العالم بلغة العالم وخاطبوا العصر بلغة العصر؟ قال الله إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ ۩، والمقصود باللسان ما هو أعم من لسان الحرف والجُمل، لسان الفكر أيضاً والروح والمزاجية، أي روحية العصر، هذا هو النبي، ولذلك كانت معاجز الأنبياء من جنس السائد في عصرهم، لماذا كانت مُعجِزة موسى – عليه السلام – هى العصا واليد البيضاء المُتشعشِعة؟ لأن العملة الرائجة – كما يُقال – السحر والطب، هذا هو، وأيام عيسى – عليه السلام – حدث نفس الشيئ، العملة الرائجة الطب، أكثر حتى من السحر، لأننا تنقَّلنا إلى عصر أقرب من العلم فنظرنا إلى معاجز عيسى، رسول الله بُعِثَ في قوم ما هى معاجزهم؟ البيان واللسان والفصاحة، ومُعجِزته هو بدرجة أولى أتت مُعجِزة بيانية، حتماً لو بُعِث الخاتم – عليه الصلاة وأفضل السلام – في أمة أُخرى العملة الرائجة فيها الفكر والفلسفة والمنطق لأوُتيَ مُعجِزةً فكرية منطقية، هذه من عرضيات الأديان، لم كانت المُعجِزة على هذا النحو من العرضيات وليس من الذاتيات، على أن لها معنىً في ذاتها ولكنها من العرضي لكي نتعلَّم ونعي الدرس، ولكن للأسف هذا الموقف في التصايح والبكاء والعويل والنحيب والحشرجة وتوالي الدعوات بالقتل والإعدام وقطع الرأس يُعطي انطباعاً بأن ديننا ضعيف ويُعطي انطباعاً أقوى منه بأن هؤلاء الذين يبكون ويتصايحون ويُجلِبون ويُرعِدون ويُبرِقون ويُزبِدون ثقتهم معدومة تقريباً في أن يصدوا عن دينهم وأن يُحاوِروا هذا الباطل، لديهم أسلوب واحد وحيد هو الاستتابة وإلا القتل، وأحياناً الاستتابة لا تنفع فتُقتَل وإن توبت، وهذا عجيب يا أخي!

إخواني وأخواتي، أُحِب أن أقول لكم ولكن أن التجانس الفكري اختل كما تعلمون وأنتم تلمسون هذا الاختلال، الآن يخرج لنا شباب وشابات وربما علماء دين أيضاً ومُفكِّرون كبار وصغار يكتبون أشياء ويُصرِّحون بأشياء من المُحال – من سابع المُستحيلات كما يُقال – أن أحداً قبل خمسين سنة كان يجرؤ أن يُصرِّح بمثلها، هذا كان مُستحيلاً، وإن فعل فهم أنفار على أصابع اليد يُصرِّحون ببعض هذه الأشياء التي يُصرَّح بها اليوم، فاليوم هذه الأشياء صار يُصرَّح بها بالمئات هنا وهنا وهنا وهنا وهنا، تقريباً تُوشِك أن تُفارِق وتُزايل شذوذيتها، تُوشِك أن تُصبِح مألوفة عادية وليست شاذة، لماذا؟ اختل التجانس الفكري، من السهل جداً أن تضبط وأن تقود جماعة من الناس بل شعباً مُتجانِساً فكرياً، لأنك طبعاً تعرف أين مفاتيحه وكيف يُقاد وبما تُخاطِبه وعلى أي وتر تضرب – كما يُقال – أو تلعب، لكن حين يختل التجانس ماذا تفعل؟ مئات الأفكار ومئات الطروحات وعشرات النظريات والتوجهات والمذهبيات، وهذا شيئ غريب، لذا من الصعب جداً أن تضبط هؤلاء، فتُريد أمراً يسع الجميع، هل تعرفون ما هو؟ التسامح والحرية ومنطق الحوار، وينتهي كل شيئ، وأنا أقول لكم الحقيقة لا يُمكِن أن تفشل أو تتراجع – بإذن الله – أو تُخذَل في حوارٍ حُرٍ وصريح وشفاف وواضح وقوي مِمَن هم له أهلٌ بإذن الله، بالعكس هى تكتسب أمداداً زائدة وتكتسب أنصاراً جُدداً بإذن الله تعالى، لذلك القرآن العظيم كتاب حوار بدرجة أولى، القرآن خلَّد أفكار وعقائد المُشرِكين وأهل الكتاب، تقريباً ما من دين عُرِفَ أو سُمِعَ به في جزيرة العرب إلا تعاطى معه القرآن على قد شيوعه، تحدَّث عن المُشرِكين وعن الكفار عموماً وعن الدهريين وتحدَّث أيضاً عن أهل الكتاب – عن اليهود والنصارى – وتحدَّث عن الصابئة وتحدَّث عن المجوس، وهذا أمرٌ غريب، فهذا اجتماع ديني، هو تحدَّث عن كل هؤلاء وتعاطى معهم، على قدر شيوعهم تعاطى معهم أعمق وأبعد القرآن العظيم، كان يُمكِن للقرآن – وهو كلام الله المعصوم لا إله إلا هو – أن يتغاضى عن هؤلاء كأنهم غير موجودين والله يعلم أن دينه سينتصر، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ لن تبقى لهؤلاء تقريباً مقالة، الجزيرة العربية سيسودها الإسلام تماماً من عند آخرها، سيفنى هؤلاء ويذوبون، ويبقى الإسلام وحده، وتُعدَم تلكم المقالات، ولكن الله – تبارك وتعالى – لم يرتض هذه الخُطة في القرآن، لماذا؟ لأن الخُطة أصلاً ليست خُطة صحيحة في نُصرة الحق، الحق لا ينتصر إلا بمُنازَلة الباطل، وهذا شرف طبعاً، هذا شرف الخصومة الفكرية فانتبهوا، الآن لنفترض أن هناك مُبارَزة بين فارسين من فرسان العصور الوسطى – مثلاً – وهذه المُبارَزة نُقِلَت إلى القرن العشرين، يأتي أحدهم وهو غدَّارٌ جبان رعديد فمُباشَرةً بدل أن يُنازِل بالسيف – السلاح المُشترَك – يستل مسدسه ثم يُعطيه طلقة، فهل يُقال انتصر؟ هذا يفتقد إلى شرف المُبارَزة وشرف الخصومة، ليس هكذا الأمر، وكذلك فكرياً هو ليس شريفاً، ليست مكرمة ولا بطولة أن تقطع رأس مَن يُخالِفك مُباشَرةً كأن تقول اقتلوه وخوزقوه وانتهى كل شيئ، أين الشرف هنا؟ كيف هذا؟ كيف هنا الحقيقة تُدافِع عن نفسها؟ هى لم تُدافِع، هى تغتال أعداءها بأسلوب خسيس، أنا أقول لكم هذاأسلوب خسيس، هذا ليس الأسلوب الصحيح في مُحاوَرة الآخرين، القرآن الكريم أعطى كل الناس الحرية أن يدينوا بما شاءوا وقال تستطيع أن تُؤمِن ثم تكفر ثم تُؤمِن ثم تكفر لأنك حر، لكن في النهاية حسابك العسير في الآخرة هناك، في الدنيا ما لم تستل سيفك وما لم تُقوِّض أسس الأمن الاجتماعي أنت حر، لا تُصبِح مُرتَداً مُحارِباً تُهدِّد سياسياَ وعسكرياً، لكن أنت صاحب أفكار وصاحب شُبهات وتشغيبات فأنت حر، قال الله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ۩، إذن هل تُوجَد توبة أم لا؟ هل تُوجَد حرية أم لا؟ هو آمن وكفر وآمن وكفر، هذا أمرٌ عادي وهو مسموح به، هذا هو الدين!

لا يستطيع عاقل أن يرى جُزءاً من المعنى – شيئاً له معنى – في إنسان يُرغَم على أن يعتقد بما لا يُؤمِن به، أين المعنى هنا؟ هذه حالة عدمية، هذه حالة نفاق والعياذ بالله، ما هذه الشريعة وما هذا الدين الذي يُرغِم الناس على أن يكونوا مُنافِقين؟ تخيَّلوا الآن أحداً من الناس ما عاد يعتقد بالله والعياذ بالله – عياذاً بك اللهم – لسبب أو لآخر فضل الرجل ضلالاً مُبيناً وألحد لكن تحت تأثير الإرهاب الفكري والديني والسياسي قيل له لابد أن تُعاوِد دينك وإلا تُقتَل وتُقطَع رأسك، طبعاً يعود إلى الدين بعضهم، أكثرهم يعود إلى الدين والحمد لله، ماذا يحدث الآن؟ يعود إلى الصلاة وإلى الحج وإلى الزكاة وهو في داخله غير مُؤمِن بكل هذه التكاليف، ما هذه الحالة؟ حالة كذب وزيف، المُجتمَع يُصبِح ملآن بهؤلاء الكذَّابين المُنافِقين الحاقدين على المُجتمَع وعلى سُلطته السياسية والدينية والمعرفية، وهذا لا يجوز، لا نستطيع أن نتلمَّس معنىً هنا أبداً، والعكس صحيح طبعاً، انظروا الآن إلى جمال المُتدين المسلم من أمثالكم – بفضل الله – هنا في أوروبا، أنا أرى فيه جمالاً خارقاً، لماذا؟ الفرص هنا مُتاحة لكل أنواع الفجور والعصيان، وتجد المسلم يلتزم العفة ويلتزم الشرف والصلاة وما إلى ذلك، وهذا شيئ لطيف جداً جداً جداً جداً، ليس كذاك الذي يُحافِظ على الصلوات فإذا وجد نُهزةً أو فرصة ارتكب المُحرَّمات، لا أُحِب أن أذكر أشياء حقيقية تحصل دائماً للأسف من الزوار الذين يأتون هنا إلى أوروبا، وهى فعلاً مُقزِّزة ويشمئز منها الإنسان، يفرغ من صلاته ثم يطلب المُتعة المُحرَّمة، أنت صليت لمَن يا أخي؟ ما هذه الصلاة؟ هل تظن أن الله يُريد هذه الصلاة؟ هذه الصلاة فعلاً لم تزدك من ربك إلا بُعداً.

نعود إلى موضوعنا الرئيس، إذن هذا ما تُعطيه مُصادَرة الكتب ومُصادَرة الآراء وإعدام الكتب وإعدام الآراء ومَن يراها، أن ثقتنا بديننا ضعيفة وأن ثقتنا بقدرتنا ولياقاتنا وأهليتنا للدفاع عن ديننا أضعف من ضعيفة، وأن هذا الذي صُودِر إن كان شخصاً أو كتاباً أو رأياً هو من القوة والصلابة بمكان بحيث لا نستطيع أن نتصدّى له، لكن هل هذا صحيح؟ للأسف نحن نفعل هذا، نحن نُعطي الناس هذا الانطباع، أي أن ديننا ضعيف وأننا ضعفاء وأن هذه الشُبهات خطيرة جداً جداً جداً ويُمكِن أن تُضلِّل المُجتمَع ويُمكِن أن تمسح إيمان الجيل، لكنها ليست هكذا، كان يُمكِنكم ولا زال – بإذن الله تبارك وتعالى – أن تُضحِكوا الناس على بعض هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون والله العظيم، تدعوه إلى مُناظَرة مُتلفَّزة حية وتجعل الجمهور يضحك عليه وعلى رقاعته وسخافته وقلة عقله وضعف حُجته بل إنعدام الحُجة أحياناً وينتهي كل شيئ، لكن هذه تُريد ماذا؟ تُريد المُتمكِّن المُستأهِل – المُؤهَّل – أن يخوض مثل هذا النقاش، قال الله لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ ۩، هذه الطريقة في مُعامَلة الكتاب ومُعامَلة الفكرة قديمة، لكن يُمكِن أن تُتفَّهم في العصور القديمة، فالإنسان لم يكن راقياً جداً ومُتطوِّراً، نبوخذ نصر البابلي في القرن السادس قبل الميلاد ماذا فعل؟ أحرق تواريخ مَن سبقه، اعتبر أن التاريخ يبدأ من لدنه، وهذا شيئ غريب، وهذا كبوش Bush الصغير وكبوش Bush الأب أيضاً – نفس الشيئ – الذي اعتبر أن التاريخ يبدأ بأمريكا، وهذا شيئ غريب جداً، ما أمريكا هذه؟ كم عمرها؟ هل عمرها وصل إلى ألفين سنة أو ثلاثة آلاف سنة أم مائتين سنة؟ قال التاريخ يبدأ بأمريكا الآن، هذا بوش Bush الأكبر، قال هذا في خطاب مُتلفَّز أيام حرب العراق، وعلى كل حال أعدم تواريخ مَن سبقه.

اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد أحرقوا في أثينا كتب السفسطائي الشهير بروتاجوراس Protagoras ، ولكن بروتاجوراس Protagoras إلى اليوم معروف، وبعض حُججه خالدة تُذكَر إلى الآن وإن كانت باطلة لكنها موجودة، أنا لم أُكمِل فكرة جردة أسماء المُفكِّرين العرب – إسلاميين وغير إسلاميين في مصر وغير مصر – الذين مُنِعَت كتبهم وصُودِرَت كتبهم، أتحدى أن تأتني بكتاب واحد صُودِر وهو غير موجود الآن، هو موجود طبعاً، موجود إلكترونياً وموجود ورقياً، وبالعكس الكتب التي صُودِرَت في مصر وغير مصر هى الأكثر توزيعاً وانتشاراً والبشر أكثر إقبالاً عليها – العرب والمسلمون – لأنها مُنِعَت، وهذا من علي عبد الرازق إلى طه حسين إلى محمد أبو زيد وإلى أحمد خلف الله ثم إلى نصر أبو زيد ونوال السعدواي وغيرعم العشرات، وهناك إسلاميون – كما قلت لكم – مثل سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي، علي الطنطاوي كتبه مُحرَّمه الآن في بلاد الشام أو بعضها، يُوجَد إسلاميون كبار بالعشرات، وهذا حدث أيضاً مع جمال البنا وصادق جلال العظم الذي له كُتيب صغير تقرأه في جلسة إسمه نقد الفكر الديني حُرِّم وأُجريت له مُحاكَمة، وهذا الكُتيب بالذات – سبحان الله – يُطبَع طبعات كثيرة وحظيَ بردود مُسهَبة وطويلة – بعضها في مُجلَّد كبير – عليه، فأحيته وأصبح كتاباً له اعتبار، لو تركته يُطبَع طبعة عادية ولم تُحرِّمه لما قرأه إلا عشر بُعيشير مَن قرأوه، وربما لم يتصدَّ للرأي عليه إلا قلة وذهب أو بقيَ بحجمه اللائق به، ولكنه أخذ حجماً كبيراً جداً، ردَّ عليه مُفكِّرون سُنة ومُفكِّرون شيعة من جميع الاتجاهات، فهذا ما حدث مع نقد الفكر الديني، وكذلك الحال مع أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، ونعرف موقف الشيخ الغزالي في الستينيات منها للأسف الشديد، وبعد ذلك كاد الرجل بفتوى يدفع حياته ثمناً حيث ضُرِب بخِنجر في رقبته، وإلى الآن تُطبَع طبعات كثيرة، وجاءالأوربيون وأعطوه نوبل Nobel من أجل أولاد حارتنا كإغاظة لنا، للأسف الشديد لن تُعدَم هذه الرواية وستبقى ربما لمئات السنين إن لم يكن آلاف السنين، كباقي الكتب التي كلها موجودة، كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق الآن يُطبَع طبعات كثيرة جداً، وهو كُتيب تافه بسيط جداً وساذج، ألَّفه الرجل وعمره خمس وثلاثون سنة، ولم يكن ألَّف غيره إلا كُتيباً لا قيمة له في البلاغة، فالرجل ليس عالماً وليس مُفكِّراً كبيراً، مُجرَّد أزهري عادي مُتواضِع، ولكن هذا يحدث بسبب التحريم:
مُنِعْتَ شَيْئًا فَأَكْثَرْتَ الوَلُوْعَ بِـهِ             أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الإنْسَـانِ مَا مُنِعَا.

أنا أقول لكم أعظم دعاية للكتب وللآراء أن تُحرِّمها وأن تحظرها وأن تُصادِرها وأن تُكفِّرها، أنت تعطيها أحسن دعاية، أحسن خدمة لهؤلاء أن تفعل هذا معهم، أنا أقول لكم أن بعضهم يدفع النقود – وحكيت لكم هذا أكثر من مرة – من أجل هذا، في مصر – مثلاً – اعترفوا بهذا وكتبوه مرة في الأهرام، أحدهم كتب هذا وقال نحن ندفع النقود – عشرات آلاف الجنيهات – لشيخ مُعمَّم أزهري لكي يُكفِّرنا ويُكفِّر كتاباتنا، لأنه فقط بمُجرَّد أن يُكفِّرنا الكتاب الذي لم ننجح في أن نبيع منه ألف نُسخة نبيع منه مائة ألف نسخة ومائتي ألف نُسخة، وذلك لأنه كُفِّر والناس يُحِبون أن يعرفوا هذا الكفر وأن يتصدوا لهذا الكافر، وهو يضرب ضربته ويربح مئات الألوف إن لم يكن الملايين، وهذا الشيخ ضالع معه في هذا، يقل له خُذ عشرة آلاف جنية وكفِّرني واكتب هذا في الجريدة، وهذا شيئ غريب لكن الناس لا تعرف هذا، وأنا أقول لكم إذا كان بعض العلماء وبعض الشيوخ يعلمون هذه الحقيقة – وحتماً بعضهم يعلمها – فلماذا يُمارِسون الأسلوب الفاشل في التصدي للكتب والأفكار والأشخاص؟ أنا أقول لكم أنهم يعلمون هذا ويعلمون أنهم بتصديهم يُسيئون إلى دينهم وأمتهم وحضارتهم، لكنهم يفعلون هذا من باب نشوة السُلطة، كأنهم يقولون نحن لدينا سُلطة ونستطيع أن نُكفِّر ونستطيع أن نحظر ونستطيع أن نسب وأن نُهوِّش، فهم يفعلون هذا من باب السُلطة، وهذا منظور أناني بل مُغرِق في الأنانية، لأنك تُحِب أن تنتشي أيها الشيخ فقط باستخدام سُلطتك ولا يعنيك بعد ذلك مصير الأمة ومصير كتابها ومصير دينها، فأنت رجل أناني، أحياناً يفعل هذا بسبب أحقاد شخصية، لديه موقف من المُؤلِّف أو موقف من صاحب الرأي ومن كاتب المقالة، حقد شخصي يُريد أن يُنفِّس عنه بفتوى شرعية، لكن هذا لا يجوز يا أخي، والإسلام هو الضحية والأمة هى الضحية، أين الإخلاص؟ فهذه مسيرة قديمة فاشلة، ظلت تفشل وتُؤكِّد فشلها إلى اليوم، اليوم بالذات في هذه اللحظة التاريخية هى مُرشَّحة لأعظم نصيب من الفشل، مُصادَرة الآخر ورأي الآخر لا ينجح أبداً، في عصر النت Net لا ينجح أبداً بل يأتي بمفعول مُعاكِس كما قلت لكم.

هم أحرقوا كتب بروتاجوراس Protagoras ولم ينفع هذا، في مائة وسبع وستين قبل الميلاد أُحرِقت مكتبة القدس أثناء ثورة المكابيين المعروفة وأيضاً لم ينجح هذا ولم يذهب فكر اليهود وتراث اليهود بحرق مكتبة القدس، في القرن الخامس أيضاً قبل الميلاد الإمبراطور الصيني الشهير جداً شي هوانج تي 始皇帝 أمر بحرق كل الكتب في إمبراطوريته، لماذا؟ أمر بحرق كل الكتب وليس كتب المُخالِفين أو الزنادقة أو الدُخلاء وإنما كل الكتب، أي شيئ إسمه كتاب لابد أن يُحرَق بأمر إمبراطوري من شي هوانج تي 始皇帝، فهل تعرفون لماذا؟ لأن الديكتاتوريين الطواغيت الطغاة عبر العصور يعلمون أن أخطر سلاح يُواجَهون به هو سلاح الكلمة، أي سلاح المكتوب – ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ۩ – وسلاح الفكر، لأن الفكر لا يفك أغلال إلا المعرفة، والمعرفة تأتي عن طريق القراءة، حتى المُشافَهة أساسها في نهاية المطاف ما يُقرأ، فأهم شيئ القراءة، لولا ما يُقرأ ولولا ما يُكتَب لذهب أكثر من تسعة أعشار المعرفة الإنسانية، لذلك أقسم الله بهذا المسطور، تأمّلوا أنتم في الآيات – آيات سورة ن أو القلم – الآن، المُقسَم عليه ما هو؟ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ۩، أنت لست مجنوناً ولست مُهوَّساً ولست مريضاً عقلياً ونفسياً يا خيرتنا، أنت نبيٌ رسول يُوحى إليك، ما الدليل يا الله؟ قال وَمَا يَسْطُرُونَ ۩، عودوا إلى كتب أهل الكتاب وحتى إلى الكتب الهندوسية وسوف ترون البُشريات السابقة من مئات السنين برسول رب العالمين مكتوبة إلى اليوم، لذلك قال تعالى فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ۩، قال سلهم واستشر ما سطَّروا، بُشرياتنا بك هناك ثمة، هى موجودة لديهم، هذا هو إذن، أنت لا تعرف الحق إلا بالمُقارَنة وقراءة هذا وهذا وهذا وهذا واعتراك هذا وهذا وهذا وهذا، تخيَّلوا أن العالم ليس فيه هذه الاصطراعات والاحترابات الفكرية على اختلاف الأيدولوجيات والمذاهب والتوجهات والنظريات، كان سيكون صعباً جداً جداً جداً جداً على أهل الحق أن يُزيِّفوا كثيراً من الباطل أو حتى بعض الباطل، لن يستطيعون هذا، وأنا أقول لكم أن أفضل مَن ينتقد الماركسية – مثلاً – هم الذين يحملون مشروعاً مُعادياً مُضاداً من أصحاب الفكر الليبرالي الحُر الغربي، هؤلاء هم الذين كتبوا أعظم الدراسات في تفكيك مقولات الماركسية وبأكثر من مُقارَبة وأكثر من منظور، ونحن جئنا كمسلمين وكمليين تطفَّلنا عليهم، نقرأ لهؤلاء ونأخذ مُعظَم حججهم ونُسدِّدها سهاماً إلى صدر الماركسية والحمد لله، أليس كذلك؟ ماذا يستطيع شيخ مثلي أو مثلك أن يُسدِّد من سهام للماركسية؟ ماذا تعرف عن أسس مُنازَلة هذا المذهب أو هذه الأيدولوجية؟ تعرف القليل جداً، ولكن مُفكِّر غربي كبير ليبرالي أو فيلسوف عظيم أو مُؤرِّخ عظيم أو سوسيولوجي عظيم أو مُتخصِّص وقف نفسه وقرأ ألوف الكتب ومئات ألوف الصحائف للرد على الماركسية يُبدِع في هذا، ولكن هذا لا يُتاح إلا إذا أُتيحَت فرصة لكل الأفكار أن تعترك، اترك الأفكار واترك المذاهب نُريد هذا يُعارِك هذا وهذا يُعارِك هذا وهذا يُعارِك هذا، وبعد ذلك سيسهل أيضاً على مَن يُريد أن يُسدِّد الرمي إلى مذهبي لا يُريده، وهذا أمرٌ جميل، هذا هو إذن، اترك المُعتزِلي يرد على الأشعري والأشعري يرد على المُعتزِلي، وهكذا ستستطيع أن تعرف مواطن قوة هذا ومواطن ضعفه ومواطن قوة هذا ومواطن ضعفه، ولكن للأسف – أنا أقولها على المنبر – نحن أيضاً – علماء الدين والدعاة والوعّاظ والخُطباء والكتّاب – نُمارِس المُصادَرة – مُصادَرة فكر الآخر الملي المسلم – فعلياً، هل تعرفون كيف؟ هذا يحدث طبعاً، فأنت تسمع لخطيبك أو لعالمك عشرين سنة وتجد أن من النادر جداً جداً أن يستشهد بالمُعتزِلة، يقول لك لماذا استشهد بالمُخالِف؟ لا يستشهد إلا بأهل مذهبه السُنيين فقط، وهذا يعني وجود مُصادَرة فعلية، أنتم محرومون أن تسمعوا وجهات نظر المسلم الآخر، يٌقال لك كيف يا أخي هذا مسلم آخر؟ هذا مُبتدِع من أهل الأهواء والبدع، والفتاوى حاضرة وجاهزة بحُرمة التعاطي مع كتبهم أو قرائتها أو بيعها أو نسخها أو حتى الاستئجار عليها، الاسئتجار مُحرَّم وليس الشراء والبيع وإنما الاستئجار كما يٌروى عن الإمام مالك رضوان الله عليه، مُحرَّم الاسئتجار عليها، وهذا ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، يُقال الاستئجار عليها مُحرَّم، فما هذه الانغلاقية؟ هذه الانغلاقية ما عادت تصلح في عصرنا.
نأتي بعد ذلك إلى عصورنا نحن الإسلامية، للأسف العصر الإسلامي والحضارة الإسلامية أيضاً لم تخل من وصمة التصدي للكتاب وإعدامه وإحراقه وتغريقه وتبييضه ومحوه، وهذا للأسف في حالات كثيرة، ليست قليلة بل كثيرة، وذهب ضحيتها ألوف بل ملايين الكتب، نحن فعلنا هذا رغم كل ما اعتدنا أن نسمعه وهو صحيح مائة في المائة – صحيح بالمرة – عن أن المغول فعلوا هذا، هذا صحيح لأن هولاكو حين جاء للأسف واجتاح بغداد قتل أربعةً وعشرين ألف من العلماء، ليس من العامة لأنه قتل من العامة اثنين مليون تقريباً، أقل ما قيل قتل مليون وأكثر ما قيل قتل اثنين من الملايين من البشر، ولكن الحديث عن الكتب والعلماء، من العلماء قتل أربعةً وعشرين ألف عالم، لعنة الله على الظالمين، لأنه لا يُريد هذا، يُريد أمة تبقى أُمية كالغنم لكي يُمكِن حُكمها، وهذا – كما قلت لكم – مثل الإمبراطور الصيني لأنه كان يعلم أن الكتاب يُحرِّر الإنسان، فما علمه هابرماس Habermas في القرن العشرين كان الإمبراطور الصيني شي هوانج تي 始皇帝 يعلمه أيضاً، هابرماس Habermas يقول ماذا؟ يقول المعرفة – knowledge وليس Science، Erkenntnisse – يُمكِن أن تكون على ثلاثة أضرب تُحدَّد بغاياتها، غاية الفهم -وهذا ما يُعطيها هويتها الآن – وغاية الضبط وغاية التحرير، وهذا كلام جميل، ويعلمه الإمبراطور الصيني أيضاً، غاية الفهم هى المعرفة التأويلية، تقرأ نصوصاً جاهزة وتُؤّلها، فهذه تُعطيك الفهم، والفهم يُؤخَذ بالتأويل، والتأويل لعبة كبيرة جداً جداً جداً بين السُلط، بين السُلطات السياسية والسُلطات العلمية، في ألف وتسعمائة وسبع وستين في الأرجنتين حصل انقلاب – وقع انقلاب – فكان من ضمن الذين قُبِض عليهم رجل دين شهير وهو الأب أورلاندو يوريو Orlando Yorio، أُخِذ الأب أورلاندو يوريو Orlando Yorio وحقَّق معه هؤلاء العساكر، وقالوا له تهمتك الكُبرى وجريمتك العُظمى أنك وقفت مع حروف الكتاب المُقدَّس، قال ماذا تعنون؟ قالوا أنت وقفت مع كلام السيد المسيح – عليه السلام – الذي يأمر بمعونة الفقراء ويذكر الفقراء ويُشيد بمَن يُساعِدهم، فقال وهل هذه جريمة؟ هو ساعد فعلاً الفقراء، قالوا لا، هذا تفسير حرفي فهناك تأويل، لعبة التأويل التي تتعلَّق بالهيرومنطيقيا، قالوا السيد المسيح حتماً كان يُريد فقراء الروح، وهل لا تعلم يا نيافة الأب مَن هم فقراء الروح هنا لدينا في الأرجنتين؟ فقراء الروح هم الأغنياء من العساكر وغير العساكر، عندهم أموال كثيرة لكنهم فقراء في الروح، فعليك من الآن وصاعداً أن تقف إلى جانب فقراء الروح من أغنياء الأرجنتين وبالإنجيل، وهذا أمرٌ عجيب، هذه لعبة التأويل وهابرماس Habermas يفهم هذا تماماً، وهذا فصل فج وهذه صورة فجة عرضتها لكم مع الأب يوروي Yorio، لكن هناك فصول عظيمة وشديدة الاستخفاء والحربائية يُمارَس بها التأويل لتمرير مشاريع عجيبة استعمارية وتسلطية وطاغوتية واستحمارية كما يعني يُعبِّر عليّ شريعني، مُصطلَح الاستحمار أكرمكم الله وأجلكم جميعاً، وأنا قد أُسميه مُصطلَح الاستخراف، خُطبتي السابقة كانت عن الخُرافة في دعم الطغيان، ألبرت أينشتاين Albert Einstein كتب مرةً يقول يُمكِن ضبط الناس والجماهير إذا كانت تُشكِّل قُطعان من الأغنام، ولكن قبل ضبطها لابد من تحويلها إلى أغنام أولاً، انتبه إلى هذا، أنا أُسمّيه الاستغنام، حوِّلها إلى غنم وبعد ذلك أنت تضبطها كقطيع أغنام، ويُمكِن أن نُسمّي ذلك الاستخراف، حوِّلها إلى قطيع خرفان وتستطيع أن تتحكَّم في قطيع الخرفان باغتيال النقد والوعي وتأسيس وتعزيز الخُرافة، فهو استخراف من جانبين، فتحويلهم إلى خرفان بالخُرافة إسمه الاستخراف، وهذا يُلخِّص الخُطبة السابقة، ونعود إلى هابرماس Habermas قال الفهم ثم الضبط، والضبط هو مُهمة ووظيفة وغاية العلوم التجريبية، التجربة تُعطي غاية الضبط، وهذه نحن لا علاقة لنا بها فنُوافِق عليها، قال ثم التحرير، هذا أجمل شيئ، هابرماس Habermas يقول التحرير، معرفة تتغيا وتتقصَّد التحرير، ما هى هذه المعرفة؟ ما هو هذا اللون من ألوان المعرفة؟ قال النقد Kritik، أي أن تُمارِس النقد، النقد يُحرِّر الشعوب ويُحرِّر الجماعات ويُحرِّر الفرد، يُحرِّنني ويُحرِّركَ ويُحرِّركِ النقد، فتشي هوانج تي 始皇帝 كان يعلم هذا ويعلم أن الكتاب هو السبب، في ألف وستمائة وستين تشارلز الثاني Charles II ابن تشارلز الأول Charles I في بريطانيا أصدر مرسوماُ ملكياً بوجوب تعليم الأُميين في المُستعمَرات البريطانية، وبالذات السود طبعاً، فلابد أن يتعلَموا الكتابة والقراءة وأن يقرأوا تعاليم يسوع بأنفسهم، لابد أن يقرأوا الكتاب المُقدَّس Bibel، وطبعاً الناس كرهوا هذا، وأكثر مَن كرهه أسياد هؤلاء العبيد في المُستعمَرات، يقول أحدهم لأنهم كانوا يعلمون أن شعباً أسوداً مُتعلِّماً يعني انتهاء الرق والاستعباد، سوف يتحرَّر هذا الشعب، لماذا تفعل هذه الكارثة يا تشارلز الثاني Charles II؟ لماذا؟ كان يُسمّى الملك الكسول، هذا الرجل تهمه المُتع والراحة والدعة ولا يهمه التوسع الاستعماري، فجاء رحمة على المُستعبَدين المُستعمَرين المُضطهَدين، بعده بمائة سنة بالضبط صمويل جونسون Samuel Johnson وهو أول مُؤلِف لقاموس إنجليزي – أول قاموس Dictionary ألَّفه صمويل جونسون Samuel Johnson – يكتب ساخراً ومن فضائل تشارلز الثاني Charles II أنه أمر بكذا وكذا وكذا وكانت النتيجة أنه ضيَّع إمبراطورية عظيمة، قال قلَّصها هذا الأحمق، لكنه ليس أحمقاً، بالعكس هذا مسعى إنساني، البشر كلهم من حقهم أن يتعاطوا مع القلم والورقة الحرف، هذا من حق الكل، لكي يتحرَّروا ولكي يستعيدوا بشريتهم وإنسانيتهم بالأحرى وآدميتهم، للأسف – كما قلت لكم – في السياق الإسلامي لم نخل من هذا، هولاكو قتل أربعةً وعشرين ألف عالم للأسف، وبعد ذلك أحرق وغرَّق ملايين الكتب والمخطوطات الإسلامية في مُختلِف شتى العلوم والمعارف كما يقول العلماء، وجزء كبير كان من نصيب دجلة، يقول المُؤرِّخون الإسلاميون حتى انعقد من هذه الكتب أو تلكم الكتب جسراً كالجسر المعقود، فصار الفرسان وصار الناس يعبرون من الضفة إلى الضفة الأخرى على الكتب، وبقيت مياه دجلة أشهراً سوداء داكنة من الحبر الذي سال فيها، هذا المُجرِم هولاكو وهذه كارثة، والصليبيون لم يكونوا خيراً من هولاكو، هذا نسمعه أقل من هولاكو لكنه موجود، في الحملة الصليبية الأولى دُمِّرَت مكتبات كثيرة في معرة النعمان، في طرابلس أعظم المكتبات، يقول المُؤرِّوخون الكتب التي أحرقها الصليبيون في طرابلس وحدها ثلاثة ملايين كتاب، هذه أرقام مُذهِلة ومُخيفة، هؤلاء جماعة عندهم خمسة عشر كتاب في الديور ونحن عندنا ملايين، في طرابلس وحدها ملايين، فعلاً كيف كانت هذه الأمة؟ أنا دائماً أقول علينا أن نستفيق من وهم أننا خلفٌ وأننا امتداد لهذه الأمة الإسلامية، بأي معنى؟ نحن كل سنة نقرأ عن إحصائيات ودراسات وميدانية تقول عن نسبة مُعدَّل قراءة الفرد العربي، في إحدي السنوات كانت ثلاث دقائق في السنة، العربي يقرأ في السنة بمُعدَّل ثلاث دقائق، ربما قبل سنتين كان يقرأ بمُعدَّل ست دقائق، وهذه كارثة طبعاص، علماً بأن هذا هو سر أن من العرب – لا أقول العربي فأسب نفسي وأجلد نفسي ولكن أقول من العرب، وهذا كثير خاصة في العامة والجهلة – مَن لا تجد في أمة أُخرى انتفاجاً وانتفاخاً وكبراً وغطرسة كما تجد لديهم، والسبب الجهل والأمية، لأنه جاهل لا يعرف التواضع ولا قيمة الحُجة والبُرهان ولا قيمة المُفكِّرين، إلا العلماء وإلا الأذكياء الدارسون، لكن هؤلاء الحمقى يظن الواحد منهم أنه مُؤهَّل ولائق أن يُناطِح أكبر فيلسوف في العالم وهو لا يعرف يكتب إسمه، يقرأ لست دقائق في السنة ويدّعي أنه مُفكِّر ويقول هذا يُعجبني وهذا لا يُعجِبني وهذه وجهة نظري وهذا رأيي، وطبعاً الفرصة مُتاحة لأنه يُعلِّق في الفضائيات ويكتب في النت Net ويُصدِّق نفسه هذا الجاهل، وهذه مُشكِلة كبيرة، لماذا؟ لأن لدينا موقفاً من الكتاب وموقفاً من المكتوب وموقفاً مما يسطرون للأسف الشديد، فهذا ما فعله الصليبيون، وأيضاً مكتبات معرة النعمان وطرابلس وغزة وعسقلان والقدس دمَّرها الصليبيون للأسف الشديد وأعدموا ملايين الكتب، في حروب الاسترداد – ريكونكيستا Reconquista – في إسبانيا الإسلامية – فرديناند Ferdinand وإيزابيلا Isabella – ماذا حصل؟ العامة – عامة هؤلاء اليسوعيين الكاثوليك – أحرقوا في يوم واحد مليون كتاب كما يقول المُؤرِّخون، ولذلك لم ير الناس الليل، الليل استحال نهاراً، هذه الكتب تحتاج عشرات الساعات حتى تحترق ولذا الليل كله مُضاء والسماء مُضاءة، مليون كتاب في ميدان غرناطة – في ساحة غرناطة – من تراثنا الإسلامي، ومع ذلك الذي بقيَ من هذا التراث يعد بالملايين، ولكن الفصل الأكثر بؤساً وكآبة أن الأمر لا يتوقَّف فقط على الكتب التي أحرقها الصليبيون وهولاكو والمغول وإنما هناك الكتب التي أحرقناها نحن ودمَّرناها نحن بسبب الخلافات السياسية والطائفية بين الإسماعيلية – الباطنية الإسماعيلية – وبين السُنية، وبين أهل السُنة وبين الشيعية الإمامية وغيرهم، وبين المُعتزِلة وبين أهل السُنة، وبين وبين، وهذه – للأسف الشديد – بالعشرات فمن الصعب أن تُحصيها، ولكن اقرأوا التواريخ، هناك تاريخ مُجمَّع وسهل وهو المُنتظَم لابن الجوزي، اقرأوا مُعجَم الأدباء لياقوت، عشرات الحالات وقعت، وأحياناً يُعطي أرقاماً عن هذا، القائد السُني محمود بن سبكتكين الغزنوي -أصله من أفغانستان – كان رجلاً قوياً وفارساً عظيماً مشهوراً وفاتحاً كبيراً معروفاً، لكنه كان مُنغلِق التفكير تماماً، كان مُنغلِق التفكير وكاد يقضي على أبي الريحان البيروني وقد كان معه فترة في بلاطه، لم يستوعب هذا المد العلمي المُخيف الكاسر عند البيروني فكاد يقتله، لكن الله – عز وجل – نجاه، هذا الرجل أمر بحرق كتب المُخالِفين الذين أسماهم بالزنادقة، الكل يُقال عنهم زنادقة، فحُرِقَت كتب أهل البدع والأهواء وكتب الشيعة الإمامية الروافض وكتب المُعتزِلة، هل حتى المُعتزِلة زنادقة أيضاً؟ ما علاقة المُعتزِلة يا أخي؟ هؤلاء مُوحِّدون، المُعتزِلة ألَّفوا كتباً ذبوا فيها عن الألوهية والنبوة والقرآن، وأنا أقول لكم بعضها لم يؤلِّف أحدٌ مثلها، لا السُني ولا الشيعي فعل هذا، لكن المُعتزِلة ألَّفوها، وهذا بشهادة كبار علماء السُنة، فالإمام الذهبي أحياناً يشهد لبعض كتب عبد الجبَّار الهمداني المُعتزِلي بأنه لم يُصنَّف مثلها في الدفاع عن الدين، لا يُمكِن أن تجد مَن يُدافِع عن القرآن وعن النبوة مثل عبد الجبَّار، اتركوا كتب الأشعري وكتب غيره، عبد الجبَّار عالم مُعتزِلي مُنزِّه، ومع ذلك قال تُحرَق الكتب، فحُرِقَت منها المؤون والألوف بأمر سبكتكين، سبكتكين الغزنوي حين أتى إلى الري – ورد الري أو ورد على الري – أمر بحرق دار كتبها، وكانت من أعظم دور الكتب، لا ندري عدد المئات من الألوف أو الملايين التي أُحرِقَت، ولكن الذي ندريه أن ياقوت الحموي في مُعجَم الأدباء قال اطلعت على فهرستها – أي الفهرست، نحن نسميه الفهرس، الإنديكس Index – في عشرة مُجلَّدات، أي أن فهرس أسماء الكتب وحده في عشر مُجلَّدات، إذن كم عدد الكتب؟ دمَّرها كلها محمود بن سبكتكين لأنها للمُخالِفين، صلاح الدين الأيوبي – طيَّب الله ذكره وثراه ورحمة الله عليه رحمة واسعة – من الوصمات للأسف في تاريخه – ليس معصوماً الرجل وإن كان له فضل عظيم على الأمة – إحراقه وتدميره وإعدامه لتراث الفاطميين في مصر، لقد عُرِفَ عن الخلفاء الفاطميين حبهم الشديد للعلم وللفكر، وطبعاً تُوجَد أشياء تُؤيِّد مذهبهم وتُوجَد أشياء أُخرى لها علاقة بالعلوم العقلية وغير العقلية والأفكار عامة، ومكتباتهم كانت مشهورة جداً جداً جداً، كمكتبة أمر الله الفاطمي ومكتبة المُعِز، وكلتا المكتبتين أمر صلاح الدين بتدميرهما، وكان فيهما أيضاً ملايين الكتب، الأولى – مكتبة المُعِز – يُقال فيها مليون وستمائة ألف كتب، وهذا أمرُ عجيب، فهو أحرقها وغرَّق شيئاً منها في النيل، وحُمِلَ شيئاً أو أشياء منها إلى سيناء فتُرِكَت في الصحراء تسفو عليها الرياح حتى سُمّيت بتلال الكتب – سُميّت في التاريخ الإسلامي تلال الكتب – بعد ذلك، وهذا ما فعله صلاح الدين، في الفتن بين السُنة والشيعة وبين السُنة والإسماعيلية وبين الإسماعيلية وكذا وكذا ذهبت كُتب كثيرة في مُختلَف البلاد الإسلامية، في حلب كان هناك خزانة إسمها خزانة الصوفية، أيضاً بها ألوف كثيرة من الكتب ومن نفائس الكتب الإسلامية، فتنة نشبت بين الشيعة الإمامية وبين أهل السُنة في عاشوراء من مُحرَّم فنُهِبَت هذه الخزانة، لم يبق بها أو فيها إلا أقل القليل بسبب الفتنة الطائفية، للأسف هذه الأشياء كان يُمكِن – كما قلت لكم – أن تُتفَّهم قليلاً بشكل نسبي، لماذا؟ في العصور الوسطى لم تكن فكرة التسامح قد استوت على سوقها كما هى الآن في القرن العشرين والحادي والعشرين وفي العصور الحديثة، وكان من الطبيعي أن نرى هناك فكرة امتلاك الحقيقة الكاملة، يُمكِن للمُعتزِلي أن يعتقد أنه يمتلك الحقيقة الكاملة، وهذا يُمكِن أيضاً للشيعي وللزيدي وللسُني، ليس الكل طبعاً لكن موجود هذا الشيئ، ولذلك لدينا فتاوى بتحريم كتب المُخالِف وإعدامها، لكن يُوجَد شيئ آخر حتى لا أضل وحتى لا أنسى، وهو شيئ أثار حيرتي الشخصية الشديدة، لماذا يُوصي علماء كبار أجلاء نُبلاء من علمائنا بحرق كتبهم أو يقومون هم بهذه المُهِمة الفظيعة فيحرقون كتبهم عند الموت من عند آخرها؟ هذا شيئ مُحيِّر جداً جداً جداً وسيء، بعضهم يُفهَم وبعضهم لا، في واقعة الحَرة حين اجتاحت يزيد بن مُعاوية المدينة المُنوَّرة يقول هشام بن عروة بن الزبير – عروة بن الزبير مُتوفى سنة إحدى وتسعين للهجرة رضوان الله عليه، وهذا هشام ابنه – أحرق أبي كتبه، كان لديه كتب فقه – كما يقول الذهبي – فأحرقها، وطبعاً الجواب واضح، لماذا يُحرِقها؟ واضح أن هذه الكتب الحُكمية الفقهية كان فيها تنظيرات ومُقرَّرات علمية ضد الاستبداد الأموي وفيها ربما أحاديث وآثار، فطبعاً لو وقعوا عليها أعدموا عورة وذرية عروة، فماذا فعل المسكين؟ أحرقها طبعاً، ولذلك هناك علوم أُضيعَت وضُيعَّت، لا تستطيع أن تستظهر بها مع أنها علوم شرعية، وهذا عروة بن الزبير، يقول هشام ابنه فأحرقها ثم ندم بعد ذلك وكان يقول لوددت أني فديتها بأهلي وولدي ولكنني أحرقتها، فهذا مفهوم لكن أبو العمرو بن العلاء زبَّان – أحد القرّاء السبعة والعالم اللغوي مُنقطِع النظير، معروف أبو عمرو بن العلاء رضوان الله عليه – يقول عنه المُؤرِّخون كانت مكتبته ملء بيته حتى السُقف، غرفة كاملة كلها كتب لما دنت وفاته أحرقها من عند آخرها، فلم يدع فيها كتاباً، السؤال لماذا؟

ابن الجعابي المُعاصِر لأبي الحسن الدارقطني وصديقه – إمام كبير ومُحدِّث وعلَّامة – قام بنفس الشيئ، لما أحس بقرب ترحله وبقرب وفاته كان أوصى ابنه بحرق إلا أنه قام هو بهذا في سنة ثلاثمائة وخمس وخمسين للهجرة، وكان أبو الحسن الدارقطني في بيته في تلك الليلة، بدأ يُعطي كتبه طُعمةً للنار، أحرقها أيضاً من عند آخرها، وكان من ضمنها كتب احتوت على مائتي ألف حديث نبوي يرويها هو، لماذا؟ يُوجَد سؤال، هذه أشياء غريبة، لماذا تحرق الكتب بما فيها كتب الأحاديث؟ لماذا تحرق مئتي ألف حديث؟ لن أُجيب الآن فقط أطرح هذا للتساؤل، تساءلوا فلابد أن نُحاوِل أن نجد جواباً، وأنا عندي احتمالات للجواب، هذا شيئ غريب، يقول الذهبي – رحمة الله تعالى عليه – وكان لبعض الناس كتب وأجزاء عنده، أبو الحسن المعروف بابن البَوَّاب كان له عند ابن الجعابي مائة وخمسون جزءً فذهبت في الحريق، أي أنه أحرق كتب الناس أيضاً، فلماذا إذن؟ كتبك أنت حُر فيها فتتصرَّف كما تشاء لكن لماذا تُحرِق كتب الناس؟ لماذا؟ هذا سؤال مُهِم، الإمام السيرافي الشارح الشهير لكتاب سيبويه – معروف السيرافي فله شرح مشهور جداً جداً جداً – فعل نفس الشيئ، أوصى ابنه قائلاً هذه كتب تركتها لك يا بُني فإن رأيت فيها الخير وإلا فإحرقها، أبو حيان التوحيدي المُتوفَّى سنة أربعمائة مفهوم لماذا، أبو حيان غلبت عليه الكآبة وربما السؤداء – Melancholy كما يُقال – لأن الناس لم يعطوه، والمسكين عاش محروماً على أنه جاحظ عصره، هو كاتب وأديب وصاحب قلم وفكر سيَّال – الله يرحمه ويغفر له – وعليه شُبهات، فربما غلبت عليه الكآبة والسوداء فأحرق كتبه كلها، ما وصلنا من كتبه وهو كثير جداً هو بعض الذي نجا وبعض الذي ألَّفه بعض أن أحرق كتبه في آخر حياته، أحرق كموماً هائلة، كتب الإمام ابن حزم – رحمة الله تعالى عليه – علَّامة أهل الظاهر أُحرِقَت للأسف الشديد، لم يُحرِقها هو ولكن اُحرِقَت لأنها مُخالِفة، تُخالِف المذهب المالكي السائد وتُخالِف عقائد الأشعرية فأُحرِقَت، كما أُحرِقَت كتب أبي حامد الغزالي في المغرب العربي وفي الأندلس لأنها مُخالِفة وفيها بدعيات وصوفيات وفيها مخرقات وخلافات، فتاريخنا للأسف الشديد ليس كما كنا نظن، فيه مثل هذه الوصمات وفيه مثل هذه الأشياء ولا زالت مُمتَّدة إلى اليوم.

الوقت أدركنا، أُحِب أن أختم بالقول الآتي، نحن الذي يهمنا الآن بعد هذا الاستعراض التاريخي السريع غير الوافي كيف نتعاطى في هذه اللحظة من تاريخنا مع هذه المسائل، أولاً أطرح سؤالاً مَن الذي ينبغي أن يتكيّف مع مَن ومع ماذا؟ هذا سؤال مُهِم جداً جداً، خط التقدّم لا يقف فانتبهوا، وهذا واضح جداً، خط التقدّم الإنساني لا يقف، لا تُوجَد في رجعة، سواء تقدَّم بفكر مُتصاعِد أو حتى بشكل لولبي مُتعرِّج تراجع هو لا يقف، انتبهوا فأنا أتحدَّث عن الوقوف، هو لا يقف ولا يُمكِن وقفه، لذلك مئات الفتاوى التي أُصدِرَت واستُصدِرَت ضد تعليم المرأة وضد عمل المرأة وضد التكنولوجيا الحديثة وضد كذا وكذا كلها تساقطت، أليس كذلك؟ والتقدّم استمر، هذا كلام فارغ، مئات الفتاوى عن تكفير الديمقراطية ومَن يدعو إليها تساقطت، ورأينا الآن رؤوس الآن الذين كانوا يُكفِّرون بالأمس دخلوا اللعبة الديمقراطية، وفي النهاية ستفرض نفسها هذه اللعبة الديمقراطية من أجل التداول السلمي على السُلطة، نحن لا نتحدَّث عن التشريع، فالتشريع شرعٌ لله، ولكنها من هذه الحيثية فرضت نفسها وستفرض نفسها، وهذا جميل جداً، الآن هناك – كما قلت – مُتغيِّرات فكرية وثقافية هائلة طمى طميها كما يُقال، مَن الذي ينبغي أن يتكيّف مع مَن ومع ماذا؟ للأسف شطرٌ أو جزءٌ أو طائفة أو فريق أو أفرقاء من علماء الدين يُحِبون أن يتكيّف العصر والزمان والجيل والشباب والشابات والناس وكل شيئ يتكيّف معهم هم، عليكم ألا تستمعوا وألا تقرأوا وألا تدرسوا إلا في الحدود التي نخطها ونُحدِّدها نحن، عليكم ألا تعرفوا شيئاً لا نعرفه نحن، يحرم أن تقرأوا شيئاً لا نقرأه نحن، وطبعاً هذا فيما يتعلَّق   بمواطن الخلاف فانتبهوا، هو لا يقول لك يحرم عليك تدرس الفلك أو الرياضيات، ولكن أي شيئ تدرسه سوف يثير مشاكل فكرية عقدية أيدولوجيةهو ممنوع إلا في حدود ما يعرفون، فهم يلعبون دور ما يُعرَف أو ما يُمكِن أن أُسمّيه القاريء الأكبر، هل تعرفون الأخ الأكبر Big Brother؟ يُوجَد القاريء الأكبر Big Reader، والقاريء الأكبر – Big Reader – هو الذي يقول لك أنا أقرأ عنك بالنيابة عنك وأقرأ قبلك وأُحدِّد لك بعد ذلك – أنا مُنخل أو غُربال – ماذا تقرأ وماذا لا تقرأ، هذا هو القاريء الأكبر، لكن لا يُوجَد شيئ إسمه قاريء أكبر، يُريدون أن يلعبوا هذا الدور السخيف الانتحاري، هذا دور انتحاري مَن يلعبه سينتحر حقاً ولن ينجح أبداً، يُحِبون أن يتكيّف العصر والعالم كله معهم، ومن ثم أقول لهم هذا دور أحمق وانتحاري لن ينجح، الصحيح أن تُكيّفوا أنفسكم أنتم إن استطعتم مع العالم، إذا كان عندكم فرصة في العمر وفرصة في العقل والذهنية حاولوا هذا، وأن تُدرِك شيئاً أحسن من أن يفوتك كل شيئ، بعض الشيئ أحسن من لا شيئ، فكيّفوا أنفسكم واقرأوا بعض ما يقرأ الشباب وحاولوا هذا، الآن يُوجَد للأسف كتاب من بضع سنين يسيرة جداً – ربما من ثلاث سنوات وقد تُرجِم إلى العربية – إسمه خُدعة الإله، وهو كتاب حقير جداً ومُتناقِض فلسفياً ومنطقياً وسوف نعرض له في مُسلسَل مطرقة الإلحاد، والنسبة للمفعولية طبعاً، الإضافة مفعولية وليست فاعلية، أي المطرقة التي يُطرَق بها الإلحاد، فهذه إضافة مفعولية، وعلى كل حال سوف نعرض له، لكن هذا الكتاب للأسف الشديد وجد رواجاً نسبياً يُعتبَر كبيراً في العالم العربي وخاصة في الدول الخليجية للأسف الشديد، ريتشارد دوكنز Richard Dawkins كتب خُدعة الإله، لكن أنا لا أستطيع أن أمنع قراءته، مُتاح على الشبكة العنكبوتية بالإنجليزي وبالعربي مجاناً، لا أستطيع أن أمنع هذا، هذا انتهى فنحن لسنا في عصر الرقابة، انتهى عصر الرقاب، وأوروبا مارست هذا وفشلت، إذن ماذا أفعل؟ أقرأ هذا الكتاب وأقف على مواطن التهافت والضعف فيه وأرد عليها فأستنقذ الشباب من الإلحاد، أليس كذلك؟ أما أن أُحرِّمه وأُكفِّر مَن كذا وكذا فهذا لن ينفع، هذا أسلوب فاشل، لا تستطيع أن تقول للعالم كله هذا، مَن يعمل هذا يكون مثل مونتجمري وات Montgomery Watt، القائد العسكري الشهير الذي كان فيه نزعة أيضاً ديكتاتورية، في إحدي المرات – لم يكن أيامها القائد العام – كان خارجاً من الصف قليلاً، فيبدو أن أحدهم لفت نظره أنك خارج، فأمر الصف كله من كلتا جنبتيه أن يعتدل أو يُعدِّل نفسه لكي يستوي مع مونتجمري وات Montgomery Watt، هذا غير معقول يا أخي، هو واحد فينبغي أن يعود إلى مكانه وينتهي الأمر، لكنه قال سوف أبقى في مكاني وكل مَن على اليمين سوف يتحرَّك وكذلك مَن على الشمال ومن ثم يُصبِح الصف مُستوياً بعد ذلك، فهؤلاء يُفكِّرون بهذه العقلية، يقول الواحد منهم عليكم جميعاً أن تتكيّفوا معي، لا يا حبيبي، لا أُريد أن أتكيّف معك، حتى ثقافتك ما عادت تُغنيني ولا تُرضيني ولا تكفيني، أليس كذلك؟ أنا أُحِب أن أذوق طعوماً أخرى ونكهات أخرى للثقافة والفكر، أُحِب أن أقرأ لشاب مُتعلِّم – مثلاً – أو لشابة مُتعلِّمة، لماذا؟ كيِّف نفسك أنت معهم، لو فعلنا هذا سنكون أقرب إلى خُطة الإصلاح وإلى روح العصر وإلى خط التقدّم الذي لا يقف ولا يُمكِن وقفه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله، والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

تأمُّل المسلمين الأولين في كتاب الله ولحظهم والتفاتهم إلى كيفية تعاطيه مع المُخالِفين المليين وغير المليين هو الذي ألهمهم أن يُؤسِّسوا علماً أسَّسوه لأول مرة في تاريخ الدنيا، وهو علم مُقارَنة الأديان، فالذي أسَّس هذا العلم المسلمون، وهذا أمرُ عجيب، على أنهم كتبوا فيه الدراسات الجنينية الأولى التي تبوح أو تشي بنوع من النضج اللافت جداً للنظر، ككتب الشهرستاني – رحمة الله عليه – مثلاً، وبالذات ابن حزم في الفصل، فهذا أمرٌ عجيب، هذه الكتب مُتقدِّمة، هذه الكتب كلها قبل عصر الانحطاط، أي القرن الخامس فما دون، ولكن كيف أخذت هذا الشكل القريب من الكمال والدقة في معرفة مقالات المُخالِفين وكتب هؤلاء ومصادرهم وأسسهم؟ هذا شيئ غريب، كل هذا بالتأمل في كتاب الله، ولن تجد المسلم اليوم في عصور الانحطاط الأخيرة هذه لا يعرف هذه الحقيقة أو لا يُحِب أن يُؤّلها وأن يقرأها قراءة صحيحة ثم فقط هو يكتفي بأن النبي غضب غضباً شديداً لما رأى بيد عمر صحائف من التوراة ، وقال مقولته المعروفة، على أن هذا الحديث ليس صحيحاً كما قال الحافظ ابن حجر،وقد ذكرت هذا مرة في خُطبة سابقة قبل بضع سنين، هذا الحديث مروي من ثمانية طرق، قال الحافظ ابن حجر لا يصح منها طريق، ومع ذلك هو مشهور جداً عند الناس، يُنسَب إلى النبي أنه قال أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ فكيف أُصدِّق هذا الحديث؟ كيف أُصحِّح هذا الحديث والله يقول فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ ۩؟ الله يقول له اذهب اسألهم وابحث، الله – تبارك وتعالى – يقول إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ۩، وهو يقول أيضاً وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ۩، فضلاً عن أنه يقول قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩ ويقول إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ۩، كيف أُصدِّق بالقرآن وأُصدِّق بهذا الحديث التالف الذي أبى بعضهم إلا أن يُصحِّحه بتعدد طرقه الضعيفة؟ وتعدد الطرق ليس دائماً ضمانة لصحة الحديث، بل تعدد الطرق أحياناً للضعيف – كما قال الحافظ العلائي رحمة الله تعالى عليه – لا يزيده إلا وهاءً وضعفاً، هذا يُؤكِّد أنه ضعيف، لا يُوجَد أي بصيص من نور يدل على أنه قيل هذا الحديث، وللأسف هذا الذي نستحضره، فإذا أردنا أن نقمع المُخالِفين المُتشكِّكين المُشتبِهين المُلتبِسين المُتحيِّرين وطلاب العلم المُتسائلين لا نستحضر إلا قصة سيدنا عمر مع صبيغ بن عسل الحنظلي لما جاء يسأل فقال له أنت مَن؟ قال له أنا صبيغ، قال له وأنا عبد الله عمر، وكان معه عرجون – عرجون نخل – وظل يهوي به على أم رأسه حتى أدماه، والرجل يصيح ويستغييث قائلاً حسبي حسبي، والله يا أمير المُؤمِنين لقد ذهب ما بي، فنذكرها في نوع من الانتشاء السُلطوي ونقول هكذا يُؤدَّب أي إنسان يتساءل ويُثير شُبهة ويسأل عن المُختلِف، ما هذا؟ النبي لم يفعل هذا، القرآن لم يفعل هذا، أنا أقول لكم هذا لو صح عن عمر فلا حُجة فيه، عمر ليس مُشرِّعاً، عمر – رضوان الله عن عمر – ليس مُشرِّعاً فهنا أخطأ ولم يُصِب، النبي سُئل في مسائل كثيرة وأجاب بكل لطف، النبي أتاه شاب يستأذنه في الزنا ولم يقل له أنت قليل الأدب وأنت كذا وكذا، وإنما بكل لطف علَّمه وأرشده وأزال حيرته وعمايته، وهذا المطلوب، لكن أن نقضي على علامات الاستفهام وعلى السؤال وعلى كذا وكذا بقصص وآثار عن هذا وعن ذاك فهذا لا يجوز، الأمة هذه الآن أُمية تقريباً في شطر عظيم منها، فلا تحتاج إلى مزيد من الأُمية – والله العظيم – ولا مزيد من الانغلاق ولا مزيد من الجمود، أقول لكم هذه الأمة ودينها في خطر إذا أصررنا على أن نبقى نتعاطى مع هذه المسائل بنفس الروحية والكيفية، أنا أقول لكم كلمة قلتها لبعض إخواني من السعوديين، قلت لهم يا إخواني أنا أرى أن هذا الشاب الذي يُدعى حمزة كاشغري – الله يهديه إن شاء الله ويعود به إلى يفاع الإسلام – عنده كلمات، فلماذا لا نقرأ هذه الكلمات والصيحات المُنفلِتة التي قالها على أنها كفرٌ بنمط مُعيَّن من التدين أكثر من أن تكون كفراً بالله وبرسوله؟ هكذا من المُمكِن أن تُحلَّل نفسياً، الرجل كأنه يقول عبر كلماته كفرت بكم، ولكن ما يقوله بحروفها أنا شاكٌ في الله وفي رسوله، فهو يُحِب أن يُعبِّر وأن يُمرِّر رسالة تقول كفرت بكم، وهذه رسالة اعتراض، فعلينا أن نتساءل لماذا كفر بهذا النمط من التدين؟ لماذا كفر بهذا النمط من العلم والتعليم؟ وتمضي المسألة – إن شاء الله – ونُعالِجه ويعود إلى يفاع الإسلام بإذن الله تبارك وتعالى.

اللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، اللهم أصلِحنا وأصلِح بنا، واهدنا واهد بنا، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

                                                                                                                  (انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 02/03/2012

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: