تجربة ميلغرام لفهم سيكولوجية الانصياع والطاعة- من اكثر التجارب جدلا على الاطلاق!

في محاولة منه لفهم حجم وكمية العنف الذي مارسته البشرية إبان الحربين الأولى والثانية، أجرى عالم النفس في جامعة ييل ستانلي ميلغرام تجربة نفسية اجتماعية، ليوضح على ضوئها كيفية انصياع الناس لشخص السلطة، حتى وإن كان في هذا الانصياع والطاعة ما يتناقض مع مبادئهم وضمائرهم.

تجربة ميلغرام هذه بدأت في يوليو 1961، وبعد ثلاثة أشهر من محاكمة مجرمي الحرب من النازيين.
السؤال الذي طرحه ميلغرام في تجربته تلك هو عما إذا كان هناك إحساس مشترك بأخلاقية تلك الجرائم عند الذين تورَّطوا بها، ليصل بعدها إلى نتيجة أن أولئك المتورِّطين كانوا يتبعون الأوامر، بغض النظر عن مخالفتها أو تعارضها مع ما يؤمنون به من أخلاق وقيم. التجربة تكررت أكثر من مرة، وفي أكثر من مجتمع.. ومع ذلك جاءت نتائجها متقاربة جداً.

التجربة تشمل ثلاثة مشاركين: يجلس الرّئيس والمعلّم “المتطوْع” في نفس المكان، ويجلس التلميذ في غرفة أخرى على أن يتمكّن المعلّم من سماعه كما نشاهد في الصّورة، يقرأ المعلّم على التلميذ مجموعة من المفردات ويطلب إليه حفظها، ثمّ يبدأ بسؤاله عنها وهذه هي النّقطة الحاسمة من الاختبار، فعند كلّ خطأ يقع فيه التّلميذ على المعلّم أن يستخدم بشكل متصاعد جهاز للصعق الكهربائيّ تتراوح شدّته بين ٣٠ إلى ٤٥٠ فولت .(ضعفين القوة الكهربائية في الوصل الكهربائي في بيتنا)

في الواقع جهاز الصّعق الكهربائيّ لا يعمل ولكنّ التّلميذ يمثّل الإصابة بالتّزامن مع أصوات صراخٍ مسجّلةٍ مسبقًا، ومع ارتفاع الفولتيّة يبدأ التّلميذ بضرب جسده في الحائط والشكوى من مرض في قلبه، هنا أتوقّف لأسأل نفسي وأسألكم: هل يمكن لي أو لك أن نستمرّ بإجراء تجربةٍ نمارس فيها مثل هذه القسوة على إنسان بريء مقابل ٢٠ دولار؟

في الظّروف العاديّة نحن ندّعي الطيبة والمثاليّة، ولا نتصوّر بأنّنا – أو أيّ شخصٍ عاقل – يمكنه فعل ذلك، لكنّ نتائج اختبار ملغرام أثبتت أنّ الكثير من النّاس قادرين على الاستمرار في تجربة مخيفة كهذه بدمٍ بارد، فحوالي ٦٥٪ من المشتركين وصلوا إلى الدرجة الأقصى من الفولتية، ٤٥٠ فولت . بل إنّ بعض المشاركين أظهر متعةً بسماع أصوات صراخ الضحيّة !

في هذه التّجربة أثبت ملغرام كيف يقع النّاس في الجريمة والعنف إذا أصبحوا متبوعين وأُقنعوا بألاّ ذنب لهم في الأمر، فكلّما أظهر أحد المشتركين تردّده في الاستمرار كان الرّئيس يستخدم معه ألفاظ تحفيزيّة تُخلي مسؤوليته ممّا يفعل، تصوّروا أنّ ١٠٠٪ من الرّجال لم يظهروا عزمًا على عدم الاستمرار قبل ٣٠٠ فولت … يا إلهي!

يفسر ميلغرام نتائج تجربته بأنها تشرح كيف أنه وبإمكان أي مواطن عادي أن يسبب آلاماً لأشخاص قد لا يعرفهم، لسبب بسيط، وهو أنه يتلقى الأوامر من المسؤول عن التجربة،فما نحن إلاّ موظّفون/أتباع/مسيّرون… وبأن درجة انصياع الأفراد لأوامر السلطة هي مسألة تتطلب بحثاً وتفسيراً قد يُلقي الضوء، ولو قليلاً، على ما تشهده البشرية من قتل ودمار وعنف بأيدي بشر يشاركونهم الهواء والأرض.
تجربة ميلغرام هذه تستطيع أن تشرح لنا الأسباب التي تجعل جنوداً من الجيش السوري يقصفون أهلهم وأرضهم، وأيضاً نستطيع على ضوئها أن نفهم ممارسات الطغاة تجاه شعوبهم، أمثال هتلر والخ..

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: