برنامج آفاق

البيئة

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

إخواني وأخواتي:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من (آفاق)، حلقتنا هذه المرة ستكون عن موضوع البيئة، المنظور الإسلامي للبيئة، وطبعاً بدايةً أود أن أُشير إلى أن من المُؤكَّد أن القرآن العظيم والإسلام بعامة أو النص الإسلامي لم يقصد إلى وضع نظرية مُتكامِلة ودقيقة ومُفصَّلة حول هذا الموضوع، شأنه في ذلك شأنه في مواضيع أُخرى كثيرة ليست ذات طبيعة روحية أو طبيعة دينية – إن شئتم -، لكن في المُقابِل – إخواني وأخواتي – مَن يتأمَّل النصوص الإسلامية سواء منها القرآني أو النبوي لا يُمكِن أن يُخطئ مُلاحَظة أن هذه النصوص الكريمة قصدت في الأرجح إلى خلق ثقافة مُحدَّدة حول الموضوع ذي العلاقة.

موضوعنا هذه المرة كما سمعتم البيئة، بعد أن ننتهي ربما من هذه الحلقة سيحدث لدينا أو يبرز لدينا الانطباع، أن النص الإسلامي – القرآن والسُنة – بالفعل قصد إلى خلق ثقافة لدى المُسلِم، ولدى المُسلِمة، ثقافة بيئية، من منظورات مُتعدِّدة، من زوايا مُختلِفة، وهذا ما سنجلوه بالعرض لبعض النقاط حول هذا الموضوع.

طبعاً في البداية قد يجدر بنا أن نتحدَّث حديثاً سريعاً ومُوجَزاً – أرجو ألا يكون مُخِلاً – حول البيئة، ما هي البيئة؟ بعض الناس يتساءل ما هي البيئة؟ هل هي الوجود كله؟ أو هل هي الكون؟ هل هي العالم؟ في الحقيقة جرت عادة العلماء المُتخصِّصين في هذا الموضوع أن يتحدَّثوا عن البيئة الحيوية، وعن البيئة الصناعية، يُسميها بعضهم المُجتمَعية.

البيئة الحيوية بتبسيط شديد جداً – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي – هي المصنوعة لله – تبارك وتعالى -، المخلوقة لله – تبارك وتعالى -، فكل ما في الأرض – مثلاً – من أشجار، غابات، أنهار، بحار، جبال، مواد، ومصادر، ليس للإنسان دخل في صنعها وإيجادها، تُعتبَر من بين مُكوِّنات وعناصر البيئة الحيوية.

أما البيئة الصناعية أو المُجتمَعية فهي التي نتجت عن تدخل الإنسان وعن تصرفه، هناك أنهار مثل نهر السين – مثلاً – في فرنسا، هناك أنهار البشر هم الذين شقوها، فهذه لا تُعتبَر ضمن البيئة الحيوية، وهذه مسألة اصطلاح، هناك أشجار البشر هم الذين غرسوها، فهذه تُعتبَر ضمن البيئة المُجتمَعية أو الصناعية، وهلم جرا!

وقد لا يخفاكم أن مُكوِّنات البيئة تشتمل على الماء والهواء والتربة والنبات والحيوان، كل هذا داخل ضمن مُكوِّنات البيئة وعناصرها وأفرادها.

علم البيئة – طبعاً هو علم، علم الآن من العلوم المُهِمة والحسّاسة، لأنه يتعلَّق بمصير كوكبنا، الكوكب الأرضي الآن أصبح مُهدَّداً، كما تعلمون هناك مشاكل في المناخ كثيرة، تسمعون بها في نشرات الأخبار، في التقارير العلمية، وتقرأون عنها هنا وهناك، مصير كوكبنا الأرضي أصبح مُهدَّداً، أصبح مُهدَّداً بفعل التلوث والاختلالات التي طالت التوازن البيئي، كمفعول لآثار وعوامل مُتعدِّدة، سنعرض لها أيضاً عرضاً سريعاً بُعيد قليل – هو الإيكولوجيا Ecology، هذه الكلمة أو هذه المُصطلَح في الحقيقة وضعه عالم ألماني أحيائي تطوري اسمه إرنست هيكل Ernst Haeckel، وضعه إرنست هيكل Ernst Haeckel في القرن التاسع عشر، وهو مأخوذ من كلمة Oikos، بمعنى المنزل أو بمعنى البيئة، وكلمة Economy – أي الاقتصاد – في الأصل كانت تعني تدبير المنزل أو تسيير المنزل، الــ Nomos والــ Nomia، أي التسيير، والــ Oikos هي المنزل، المنزل أو البيئة، لأن البيئة في نهاية المطاف منزل للبشر، هذه البيئة الحيوية منزلنا نحن بني البشر، والأرض هي منزلنا الكبير أو منزلنا الأكبر على كل حال.

إذن هذه هي المُكوِّنات البيئية المشهورة، هذه المُكوِّنات تتفاعل – إخواني وأخواتي – فيما بينها بطريقة مُتناغِمة، تُحقِّق ما يُعرَف بالتوازن، نوع من الــ Balance أو التوازن، التوازم البيئي! هذا التوازن البيئي يتحقَّق عبر عمليتين رئيستين.

العملية الأولى دورة الطاقة، أو عملية انسياب الطاقة، أيضاً مرة ثالثة بتبسيط الشمس – مثلاً – تنفحنا طاقتها بنعمة الله وفضله – سُبحانه وتعالى -، يصلنا من طاقة الشمس الجبّارة الهائلة جُزءان من مليار جُزء، جُزءان من مليار جُزء أو جُزء من خمسمائة مليون جُزء، يصلنا جُزءان من مليار جُزء وبقية هذه الطاقة تذهب في سُبل مُختلِفة في الكون، في الكون السحيق المُترامي الأطراف.

من هذه الأجزاء أو من هذين الجُزئين اليسيرين تستمر العمليات الحيوية في هذا الكوكب الأزرق الجميل المُفعَم بضروب الحياة والنشاط والجمال، فكل النباتات والأشجار أو كل هذا العالم الأخضر يقوم بما يُعرَف بالتمثيل الضوئي، أي الكلوروفيلي كما درسناه في المدارس، عبر هذه الطاقة، فالطاقة هي العنصر الرئيس في هذه العملية، ما كان لها أن تتم أصلاً بغير هذه العملية، وتعرفون نواتج هذه العملية، وطبعاً نحن نستفيد من الأكسجين Oxygen الذي تُساهِم هذه المساحات الخضراء الواسعة في إنتاجه، في إنتاجه وفق هذه العملية أو بحسب هذه العملية، نعم!

طبعاً بعد ذلك نحن نتغذى أيضاً على النبات، نتغذى كبشر وكحيوانات أيضاً تتغذى على النباتات، تستحيل إلى طاقة في أبداننا وإلى شغل، وبعد ذلك يحدث ما يُعرَف بدورة العناصر الرئيسة، فهناك عناصر تُكوِّن الخلايا الحية، في رأسها الأكسجين Oxygen، الكربون Carbon، والنيتروجين أو الآزوت Nitrogen، هذه العناصر لابد أن تدور، ولابد أن تكتمل دورتها، حتى يتحقَّق التوازن البيئي، كيف؟

مثلاً الكائنات الحية أو الكائنات العضوية أو المُتعضيات بعد أن تموت تتحوَّل المواد التي تُكوِّنها – أي عضوياتها – إلى مواد عضوية ميتة، يمتصها النبات، يأتي الحيوان وفيه الإنسان أيضاً ويأكل النبات، وتتكرَّر العملية، يموت الإنسان، يموت الحيوان، وهكذا تتم عملية أو أجزاء مُهِمة من عملية التوازن البيئي، جميل!

الآن – إخواني وأخواتي – هناك اختلال أشرت إليه قُبيل قليل، يطال هذه الظاهرة، ظاهرة التوازن البيئي، بفعل عوامل مُتعدِّدة، في رأسها العامل البشري، وفي رأس العامل البشري التلوث الذي يُحدِثه أو الذي أحدثه ويُحدِثه الإنسان في البيئة، وأنتم تعلمون قضية التلوث قضية طويلة، وهناك أنواع من التلوث، حتى التلوث الضوضائي، التلوث الصوتي، أنواع من التلوث، تُؤدي إلى اختلال التوازن البيئي، وهناك العامل الطبيعي، مثل الطوفانات، الإعصارات – إخواني وأخواتي -، أيضاً اختلال أو اختلاف نسبة هطول الأمطار في موسم عن موسم آخر، وكوارث الطبيعة المُختلِفة، أو الكوارث الطبيعية المُختلِفة، تُؤدي أيضاً وتُساهِم في اختلال التوازن البيئي.

وهناك العامل الحيوي، ويتمثَّل العامل الحيوي في اضطراب العلاقة بين الكائنات الحية، فمثلاً تراجع أعداد كائن حي ما فضلاً عن انقراضه لابد – بطريقة مُؤكِّدة لابد من هذا – أن يُؤدي اختلال التوازن البيئي، فلو افترضنا – مثلاً – أن جارحاً من جوارح الطير التي تتغذى على الفئران تناقصت أو تراجعت أعداده أو انقرض، سيترتَّب على هذا بالضرورة أن تزداد أعداد الفئران، إذا ازدادت أعداد الفئران يترتَّب على هذا بالضرورة تأثر المزروعات، تأثر المزروعات والمحاصيل الزراعية المُختلِفة.

هذه هي العوامل التي يتحدَّث عنها العلماء في هذا الباب عادةً، ونعود الآن أو ندخل في الحقيقة في موضوعنا، المنظور الإسلامي إلى البيئة، بتأمل كتاب الله – تبارك وتعالى – نجد أن القرآن العظيم يتحدَّث عن البيئة – إخواني وأخواتي – من زوايا مُختلِفة، وينعتها أو يصفها أو يُمكِن نحن أن نُجرِّد أوصافاً وسماتٍ مُختلِفة للبيئة بتأمل الآيات القرآنية.

هناك آيات – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي – تتحدَّث عن السمة وعن الطابع الوظفي – أي الوظيفي، الطابع الوظيفي أو الوظفي – للبيئة، مثلاً كل آيات التسخير يُمكِن أن تُستدعى ويُستشهَد بها في هذا المضمار، سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ – مثلاً – ۩، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۩، الشمس مُسخَّرة، وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ – بأمر الله تبارك وتعالى – ۩، إلى آخره! كل آيات التسخير، فآيات التسخير تلفت النظر – إخواني وأخواتي – إلى الطبيعة الوظيفية للبيئة، كأنها مخلوقة لكي تُؤدي هذه الوظيفة، بل هي في الحقيقة – ليس كأنها، وإنما هي – مخلوقة لكي تُؤدي هذه الوظيفة، وظيفة ماذا؟ وظيفة نفع الإنسان، إرفاق الإنسان، الوفاء بحاجات الإنسان، تلبية الحاجات المُختلِفة للإنسان، جعل حياة الإنسان مُمكِنة ومُيسَّرة في هذا العالم، في منزله الكبير، الأرض! فآيات التسخير كلها تدخل في هذا الاعتبار.

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ ۩، وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۩، وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ۩، لماذا؟ لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ۩، واضح جداً، هذا هو الطابع الوظفي للبيئة، الطابع الوظفي أو الوظيفي للبيئة! وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ۩، إذن الجبال – إخواني وأخواتي – وهي من ضمن مُكوِّنات البيئة الحيوية مخلوقة لماذا؟ لكي تُرسّي الأرض، بسبب الجبال ترسو للأرض، كأنها تعمل عمل المرساة للسفينة، إذن طابع وظفي أو طابع وظيفي للبيئة، وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ۩ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ۩، لفت أيضاً آخر إلى الطابع أو السمة أو الخصوصية الوظفية للبيئة الحيوية، قال وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۩، تُيسِّر عيشكم، تُيسِّر حياتكم، نعم! وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ۩.

هناك إلى جانب الطابع الوظيفي الطابع الجمالي، وعجيب جداً ولافت – إخواني وأخواتي – أن يهتم القرآن الكريم بهذا الطابع وأن يلفت إليه، فالقرآن فيه آيات كثيرة تُؤكِّد على هذه السمة الجمالية، إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً ۩، قال إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً ۩، كل ما عليها! له طابع تزييني، طابع جمالي، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩، الله يقول هذا، وإحسانه بمعنى تزيينه أيضاً، فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ۩، ما معنى ذَاتَ بَهْجَةٍ ۩؟ أي تُبهِج الناظرين، يُسَر الإنسان لمنظرها، يُسَر الإنسان لمرآها، وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ۩، نفس المعنى! نفس المنى ونفس الصياغة والتعبير.

وحتى الحيوانات قال عنها وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ۩، قال جَمَالٌ ۩، الطابع الجمالي، الطابع الفني والجمالي للبيئة! قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۩، حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ۩، قال زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ۩، تأكيد أيضاً جديد على الطابع الجمالي للبيئة.

وهناك أيضاً الطابع التوازني – الخصيصة التوازنية، سمة التوازن – في البيئة، القرآن العظيم يُشير إليها بشكل جميل جداً، وطبعاً الله – تبارك وتعالى – يُؤكِّد أنه خلق كل شيئ بقدر، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ۩، إذن من الضروري بالتالي – إخواني وأخواتي – أن تكون هذه البيئة مُتوازِنة، من الضروري أن نقع على ظواهر كثيرة جداً تُؤكِّد التوازن البيئي، فالله – تبارك وتعالى – يتحدَّث – مثلاً – بخصوص النبات، ويقول وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۩… ماذا؟ مَّوْزُونٍ ۩، حتى في عالم النبات!

طبعاً المجال لا يتسع لكي أُحدِّثكم عن بعض مظاهر التوازن في النبات، وهي مظاهر بالغة الدلالة، بالغة الدلالة على المدى الذي ظهرت فيه قدرة الله وتجلت للعباد، شيئ عجيب جداً جداً، كانتظام الأوراق، وكيف يكون هذا في الفرع وفق قانون رياضي دقيق، فصدق مَن قال وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ۩، توازن! قال وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ۩ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ۩، مرة أُخرى مع التوازن والوزن، وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ۩، وواضح أن هذا التقرير في الأرجح هو الميزان الكوني، ظاهرة التوازن في الوجود، ظاهرة التوازن والتناغم في الوجود! وهو تناغم أيضاً يا إخواني له بعض المظاهر الجمالية السيمترية الهارمونية، بسبب هذا التوازن، فيتداخل التوازن مع المظهر الجمالي ومع الطابع الجمالي، هذا مُرتَّب على هذا، فسُبحان مَن خَلَقَ فَسَوَّى ۩، لا إله إلا هو.

هناك أيضاً – إخواني وأخواتي – إشارة إلى التوازن الجيولوجي والجيوفيزيقي، وهي الآيات التي تتحدَّث عن الجبال وكيف أن الله – تبارك وتعالى – أرسى بها الأرض، أن تميد بنا، أي لئلا تميد بنا، كراهة أن تميد بنا، هذا توازن! والآيات صريحة في هذا، نعم.

أيضاً يلفت في كتاب الله – تبارك وتعالى – يا إخواني وأخواتي أن القرآن العظيم بأكثر من طريقة أراد أن نتنبه وأن نستيقظ لظاهرة التنوع الحيوي، الآن تسمعون العلماء كثيراً يتحدَّثون عن التنوع الحيوي وضرورة المُحافَظة على التنوع الحيوي وعدم انتهاكه بالجور على أنواع من النباتات أو صنوف أو أنواع وصنوف من الحيوان، لابد أن نستبقي ظاهرة التنوع الحيوي، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ۩، شيئ غريب! أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ۩، الآية تتحدَّث عن التنوع الحيوي.

هناك ما هو أكثر من هذا، القرآن الكريم لو ذهبنا نستقري – إخواني وأخواتي – أسماء سوره لوجدنا أن أسماء جُملة من سوره تتعلَّق بمظاهر بيئية، تلفت إلى بعض عناصر البيئة الحيوية، البيئة الطبيعية، فمثلاً في باب الحيوانات لدينا سورة باسم سورة البقرة، سورة الأنعام، أي الإبل، البقر، الضأن، والمعز، وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۩، ذكر وأُنثى، الإبل، البقر، الضأن، والمعز، سورة الأنعام إذن، سورة النحل، سورة النمل، سورة العنكبوت، وسورة الفيل، كل هذه – إخواني وأخواتي – لها علاقة بالمُكوِّن الحيواني للبيئة، حيوانات تدب وتعيش في بيئتنا الطبيعية الحيوية.

هناك سورة واحدة عن النباتات، وهي سورة التين، اسم هذا، وأنا أتحدَّث فقط ليس عن الآيات، وإنما عن أسماء السور، سورة التين! هذا الاسم يُشير إلى النباتات وإلى الأشجار، أي الجانب الأخضر، وهناك آيات تتحدَّث عن ظواهر طبيعية، سورة الفجر، سورة الشمس، سورة الليل، سورة الضحى، سورة الذاريات، وفي الأرجح أنها الرياح، سورة الرعد، وسورة النجم، أسماء سور! كل هذا – كما قلت لكم – صحيح لا يُعطي تفاصيل نظرية علمية دقيقة عن البيئة، لكنه يخلق ثقافة بيئية، يخلق ثقافة تهتم بالبيئة، تلتفت إليها، وتُعنى بها، وهذا بحد ذاته شيئ مُثير.

أما الكيفية أو المُستويات التي يتعامل البشر فيها مع هذه الطبيعة ويتعاطون فهي مُستويات مُختلِفة، وطبعاً ربما أكثر ما يهم الإنسان المُستوى الأول، وهو مُستوى الارتفاق، ومعنى الارتفاق أي الانتفاع، مُستوى الانتفاع مُستوى أيضاً من المُستويات المُهِمة، التي لفت إليها القرآن الكريم في تعامل وتعاطي الإنسان مع بيئة، ومرة أُخرى نستدعي آيات التسخير، لأن هذا الكون مُسخَّر لنا، مُسخَّر لنا ومُعَد لنا، لكي يُيسِّر ويُسهِّل حياتنا ويجعلها مُمكِنة بتقدير الله وفضله.

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۩، مرة أُخرى وَزِينَةً ۩، وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، إذن نحن ننتفع بها بهذه الطريقة، لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ۩، نركب عليها وأيضاً نأكل منها الصالح للأكل، نعم! كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا ۩، هذا جانب الانتفاع، مُستوى الانتفاع والارتفاق، فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ۩ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ۩، الماء الآن، المطر! قال أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ۩ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ۩ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ۩ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ۩ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ۩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ۩ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ۩ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ۩، قال مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ۩، قريب منها آيات النازعات، وهذه في عبس، أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ۩ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ۩ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ۩ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا ۩ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ۩ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ۩ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ۩، قال مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ۩، آيات كثيرة يا إخواني وأخواتي!

وكذلك البحار، مُسخَّرة لنا، لماذا؟ لنأكل منها لحماً طرياً، لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ۩، نركبها أيضاً، أصبحت وسيلة من وسائل المُواصَلات، الفلك! بفضل ماذا؟ بفضل مُسخَّرية البحار لنا، فضلاً عن الجانب – كما قلنا – الانتفاعي، حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۩، يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ۩، وهناك طبعاً منفعة الأكل، اللحم الطري هو الأسماك بأنواعها.

وهناك مُستوى النظر والتأمل والاعتبار، آيات النظر في الكون والحث على التأمل والاعتبار كثيرة جداً، وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ ۩ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩.

نُكمِل بعد هذا الفاصل، فكونوا معنا، بارك الله فيكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواتي من جديد.

إذن إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۩… إلى آخر الآية من سورة البقرة، التي ختمها الحق – تبارك وتعالى – بقوله لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩، قريب جداً منها آية آل عمران، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۩ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ۩… الآية الكريمة! آيات الغاشية: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۩ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ۩ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ۩ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ۩ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ۩، والآيات كثيرة جداً، التي تأمر بــ وتحث على السير في الأرض والنظر للاعتبار، قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ – أي الله عز وجل – الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۩، دعوة! دعوة حتى للبحث، للبحث الجيولوجي، للبحث في التاريخ الطبيعي، تاريخ النشأة، نشأة الأنواع الحيوانية، نشأة هذا النوع الإنساني، دعوة مفتوحة لننظر كيف بدأ الله – تبارك وتعالى – الخلق.

إذن هذا مُستوى من المُستويات المُهِمة، التي أكَّد القرآن عليها، وهو طبعاً من مُستويات تعامل الإنسان مع البيئة، وهناك طبعاً المُستوى الفني التذوقي الجمالي، ولن نُعيد فيه، الآيات التي تُشير إلى الجمال المُودَع في هذه الطبيعة والمُتجلي والمُتكشِّف في مظاهرها المُتعدِّدة آيات كثيرة، ذكرنا نمطاً منها قُبيل قليل، فهذا مُستوى أيضاً من مُستويات التعامل.

وهناك مُستوى التعمير، مُساهَمة من الإنسان، هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ۩، الله – تبارك وتعالى – أوجد في الإنسان وأودع فيه لياقات عقلية وذوقية وروحية أيضاً، تُمكِّنه من أن يُساهِم في إعمار هذا الكون، هذا معنى استعمار، الاستعمار هو الإعمار، والسين هنا للمُبالَغة، هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ۩.

الإمام الراغب الأصفهاني – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه الماتع الذريعة إلى مكارم الشريعة جعل استعمار الأرض من بين المقاصد الرئيسة لله – تبارك وتعالى – من خلق الإنسان، بمعنى لماذا خلق الله الإنسان؟ لماذا أوجد الله هذه الخليقة وهذا النوع الإنساني؟ لمقاصد، أي لأهداف، لغايات مُعيَّنة، منها – مثلاً – العبودية، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۩، ليعبدوني، منها – إخواني – الاستخلاف، إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۩، ليستخلفه في هذا العالم، ومنها الاستعمار، هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ۩.

إذن هذا هو مُستوى التعمير، وهناك مُستوى عجيب ولطيف جداً – أحبتي في الله -، إنه مُستوى الأُنس بالبيئة، شعور المحبة إزاء وتجاه هذه البيئة، هل هذا مذكور؟ نعم مذكور، إشارات كثيرة في السُنة وفي القرآن الكريم وفي القرآن العظيم، الله – تبارك وتعالى – يقول – مثلاً – في سورة الأنعام وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۩، ما معنى هذا؟ يقول إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۩، يُريد أن يُشعِرنا بالحبل الرابط، بالنسب، وبالصلة، بين هذا النوع وبين تلكم الأنواع، يقول أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۩.

ولذلك في الحديث الجليل في صحيح مُسلِم النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يُحدِّثنا عن نبي من الأنبياء قرصته نملة، كان نائماً هكذا فجاءت نملة وقرصته، فأمر بقرية النمل فأُحرِقت، أمر هذا النبي بقرية النمل فأُحرِقت، فأوحى الله – تبارك وتعالى – إليه أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تُسبِّح؟ شيئ عجيب، وهذا شيئ جميل، الكتاب والسُنة يتضافران على تقرير هذا المعنى المُثير، أن هذه الأنواع، هذه المخلوقات، هذه الدواب، وهذه الطيور، هي أمم، أمم أمثال البشر.

وطبعاً هذا – إخواني وأخواتي – يُمكِن أن يُفرَّع عليه وأن يُستَل منه وأن يُبنى عليه أفكار كثيرة، مباحث علمية ماتعة، طبعاً هي موجودة، تبحث – مثلاً – في الجانب الاجتماعي لبعض هذه الدواب والحيوانات – مثلاً -، بعض الحيوانات تُسمى بالحيوانات الاجتماعية، وبعضها ليست اجتماعية، بعضها لا تعيش إلا في جماعات، ووفق قوانين تُنظِّم هذا العيش وهذا الاجتماع، وطبعاً الحيوانات أيضاً تتواصل عبر لُغات، لها لُغات! لكل نوع تقريباً لُغة تختص به، أمم! شيئ غريب وعجيب، إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۩، إذن هناك يُوجَد حد أدنى من المُشابَهة، فالنبي الذي أهلك قرية النمل نبهه الله – تبارك وتعالى – أنه أهلك أمة من الأمم تُسبِّح، ولذلك تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ۩.

القرآن يُريد أن نتواصل أيضاً وفق هذه الرؤية ووفق هذا المنظور مع هذا الوجود، هذا الوجود كله عبد لله، مثل ما نحن عبيد لله، نتشارك نحن معه عبادة الله – تبارك وتعالى -، يُشارِكنا هو في هذه المسيرة التأليهية، في هذه المسيرة العبادية، مسيرة العبودية لله – تبارك وتعالى -، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ۩، عناصر كثيرة من البيئة يا إخواني، وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩، شيئ غريب! الله يقول كله يُسبِّح، كله يخضع لله، كله يعبد الله – تبارك وتعالى -، كله يأله الله – تبارك وتعالى -، يتجه إليه، يُحِبه، ويعشقه، شيئ غريب! 

النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – يرجع مرةً من سفر في جماعة من أصحابه، فتلوح له المدينة، فيقول هذه طابة، ويرى أُحداً، أي جبل أُحد، يقول هذه طابة، وهذا أُحد، جبل يُحِبنا ونُحِبه، الله أكبر! إلى هذه الدرجة الأُنس والأُلفة بالبيئة ومُكوِّناته عند سيد الخلق وحبيب الحق – عليه الصلاة وأفضل السلام -، يقول هذه طابة، وهذا أُحد، جبل يُحِبنا ونُحِبه، يقول أنس بن مالك أمطرت السماء ذات مرة، فحسر النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – عن ثوبه، أي فتح ثوبه هكذا، لكي يُواجِه ويتلقى زخات المطر المُبارَكة، وقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – الآتي، كأنه يُجيب عن سؤال ضمني، يفترض أن أصحابه سألوه لماذا تفعل هذا يا رسول الله؟ يفترض أنهم تساءلوا، وبالحري أنهم تساءلوا، لماذا يفعل هو هذا؟ يحسر عن ثوبه ويتلقى قطرات المطر، فيقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – إنه حديث عهد بربه، والحديث في الصحيح، في صحيح مُسلِم، إنه حديث عهد – أي جديد عهد – بربه، عهده ليس بعيداً بالله، لكن كيف هذا إذن؟ ما معنى أنه حديث عهد بربه؟ قال مُعظَم الشرّاح ومُعظَم العلماء الذين شرحوا هذا الحديث الجليل الكريم، قالوا المعنى إنه حديث عهد بأمر تكوينه، الصادر من الله – تبارك وتعالى -، لأنه ما من شيئ في هذا الوجود إلا ويكون أو ينقلب أو يتحوَّل بأمر الله التكويني، كُن فَيَكُونُ ۩، كُن فَيَكُونُ ۩، وهكذا! فأمر الله أمطري الآن، فتُمطِر بأمر الله – تبارك وتعالى -، وقبل هذا الأمر التكويني هناك أيضاً جُملة أوامر تكوينية، اجتمع أيها السحاب – مثلاً -، يأمر الريح أن تسوق السحاب، ثم يأمر الغيم بعد ذلك أن يُمطِر وأن يُنزِل ماءه – مثلاً -، أوامر تكوينية! فهذا معنى أنه حديث عهد بربه، حديث عهد – أي قريب عهد – بأمر الله التكويني له أن ينزل، أن يتكوَّن وأن ينزل، انظروا إلى النبي، عنده تعمقات وتأملات روحية في غاية الإثارة وفي غاية الجمال والإبداع – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -.

حين كان يُؤتى – عليه السلام – بباكورة الثمر – أي بالثمر أول ما يكون، باكورة الثمرة – كان يأخذ هذه الثمار، ويضعها على عينيه وشفتيه، ويقول اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره، ثم يُعطيه مَن حضر عنده مِن صغار المُسلِمين، انظروا إلى الرحمة أيضاً، لا يأكله هو أو يُعطيه للكبار والصغار ينظرون، لا! يُعطيه للصغار، اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره، ثم يُعطيه مَن حضر عنده مِن صغار المُسلِمين، أي من أطفالهم – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً -.

في كتاب الله الله – عز وجل – يُحدِّثنا عن الجبال كيف كانت تُؤوِّب مع داود – عليه السلام -، ما معنى تُؤوِّب؟ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ۩، ما معنى التأويب؟ الترديد والترجيع، داود – النبي الكريم عليه السلام – كان يُسبِّح الله ويحمده، والجبال تُردِّد وراءه، تُردِّد تسبيحه، تُرجِّع تسبيحه وحمده، وطبعاً الناس العاديون لا يسمعون، لكن هو يسمع هذا، داود يسمع هذا، كرامة له من الله – تبارك وتعالى – ومُعجِزة، داود يسمع! وهذا أُنس أيضاً، الكون مُؤتنِس ونحن مُؤتنِسون به، هو يُردِّد ويُرجِّع ويُؤوِّب ذكر العبد الصالح وذكر النبي الكريم – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

إذن هذا هو المُستوى الخاص بالأُنس بالبيئة، النبي – عليه السلام – في الحديث الصحيح أيضاً – هذا مُخرَّج في مُسلِم عن جابر بن عبد الله، رضيَ الله تعالى عنهما – يقول إني لأعرف حجراً بمكة، كان يُسلِّم علىّ قبل أن أُبعَث، يقول له السلام عليك، وفي رواية يا نبي الله، السلام عليك! عجيب، هذا حجر، والنبي يسمع سلامه، ويقول إني لأعرفه الآن، أعرف الحجر ولم أنسه، إلى اليوم أعرف أين هو وفي أي مكان في مكة، يُوجَد أُنس حقيقي، وأعتقد أنكم جميعاً وجمعاوات سمعتم بالحديث الآتي، حديث تسبيح الحصى في يد رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، حصيات أخذهن من الأرض ووضعهن في يده فسبَّحن، فوضعهن في الأرض فخرسن، أي سكتن وصمتن،وهكذا وضعهن في يد أبي بكر ثم عمر ثم عثمان – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -.

فأين من هذا – إخواني وأخواتي – ما نسمعه الآن وخاصة في الغرب؟ بلا شك الغرب مُتقدِّم علمياً وتقنياً، ولكن للأسف نستطيع أن نقول إن موقفه البيئي أو من البيئة ليس كما يجب، أضر بالبيئة كثيراً! وتعلمون أنتم التفاصيل، الفلسفة العامة للتعاطي مع البيئة هناك ليست صحيحة مائة في المائة، فيها مواضع للانتقاد، فيها مواضع للانتقاد والنظر، يتحدَّثون عن قهر الطبيعة، قهر الطبيعة! ويتحدَّثون عن غزو الفضاء، في الإسلام لا تُوجَد هذه المفاهيم، غزو وقهر لماذا؟ هي ليست عدوة لنا، الطبيعة ليست عدوة لنا، البيئة ليست عدوة لنا، هي منزلنا الأكبر – كما قلت لكم -، هي منزلنا الأكبر! المنظور الإسلامي قائم على التآنس، على التآلف، وعلى التحابب، بيننا وبين هذه البيئة، يُحِبنا ونُحِبه، نُحِبها وتُحِبنا، والله يقول تذكَّروا في النهاية أنكم جميعاً عبيد لله، وكما أنتم تعبدون وتُسبِّحون هي تُسبِّح وتعبد، كلنا شركاء في العبودية، ليس قهر الطبيعة وغزو الفضاء أبداً.

ونأتي الآن لنعرض عرضاً سريعاً لبعض ملامح المنهج الإسلامي في التعامل مع البيئة، أول شيئ – إخواني وأخواتي – هذا المنهج له جانبان: جانب إيجابي، وجانب سلبي، نبدأ بالجانب السلبي لنفرغ منه ونمضي إلى الإيجابي على عجل.

الجانب السلبي يتجسَّد ويتمثَّل في النهي المُؤكَّد عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، الله خلق هذه الأرض صالحةً لنا، صالحةً لعيشنا، وجعل لنا فيها معايش، فلا ينبغي للبشر ولهذا النوع الإنساني أن يسعى فيها بالإفساد، بحيث تستحيل النعمة إلى نقمة وإلى عذاب – والعياذ بالله -، اختلال! اختلال في هذه البيئة، ندفع ثمنه باهظاً، هناك أكلاف عالية، ولذلك وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۩، الله يقول وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۩.

صالح – النبي عليه السلام، انظروا إلى هذا، هذا من دعوات الأنبياء – ماذا يقول لقومه؟ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ۩ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ۩، موسى يقول لقومه وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ۩، ممنوع! الملائكة – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي – مُنذ البداية هي حدست بأن هذا النوع الإنساني سيُفسِد في الأرض، سيُفسِد ما أصلحه الله، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، صحيح أنه يُفسِد وقد تحققت نبوءة الملائكة وقال الله – تبارك وتعالى – ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۩، تحقَّقت! لكن إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۩، هذا الذي يُفسِد ويسفك الدماء يُصلِح أيضاً ويستعمر الأرض، وقد حدث، وهذا يحدث أيضاً، لابد أن نرى بعينين، ليس بعين واحدة، فنكون عوراً، لابد أن نرى بعينين! كما أفسد أصلح أيضاً، وكما يُفسِد هو يُصلِح، نحن نطمع ونطمح في مزيد من الإصلاح وتقليل لمسيرة الإفساد في الأرض.

أما الإصلاح إيجاباً فيكون كالآتي، إذن لا إفساد وإصلاح، كيف يكون الإصلاح؟ كيف يكون الاستعمار؟ مثلاً المُحافَظة على البيئة المائية، على هذا المورد المُهِم جداً من الموارد الحيوية، الماء! القرآن يُؤكِّد – إخواني وأخواتي – على ضرورة الاقتصاد وعدم الوقوع في مقبحة الإسراف، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۩، عدم الإسراف! حتى في الوضوء وفي الطهارة ينبغي ألا نُسرِف في استخدام المياه وفي إهدارها.

تعلمون أن النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – كان يتوضأ بمُد، والمُد – أحبتي في الله – هو أقل من نصف لتر، المُد أربعمائة واثنان وثلاثون ملليتراً Milliliter، وكان يغتسل غسلاً كاملاً بصاع، والصاع على هذا يكون أقل من لترين، أي حوالي لترين، عجيب! لا يُحِب أن يُسرِف النبي، لا في وضوئه ولا في غسله.

وفي حديث عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده – وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، رضيَ الله عنهم أجمعين – أن الرسول – عليه الصلاة وأفضل السلام – توضأ أمامهم ثلاثاً ثلاثاً، وتعرفون السُنة، التثليث! ثم قال هكذا الوضوء، فمَن زاد على هذا فقد أساء وظلم، قال هذا هو الوضوء، لا تغسل أربع مرات أو عشر مرات أبداً، ثلاث مرات، حد السُنة، انتهى! قال هكذا الوضوء، أي هكذا يكون الوضوء، هكذا الوضوء، فمَن زاد على هذا فقد أساء وظلم، صلى الله على مُعلِّم الناس الخير، ولذلك ورد النهي عن الإسراف في الوضوء ولو كنت على نهر جارٍ، حتى من نهر لا تُسرِف ولا تُهدِر هذه المادة الثمينة، مادة الحياة! هذا المورد الحيوي.

أيضاً عدم تلويث المياه، صح عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه نهى الشارب الذي يشرب من إناء، نهاه عن ماذا؟ عن أمرين، في صحيح مُسلِم عن التنفس في الإناء، نحن منهيون أن تنتفس في الإناء، نتنفس خارج الإناء، تشرب ثم تنفس خارجه، وعند أبي داود والنفخ فيه، أن تنفخ فيه ممنوع شرعاً، حتى لا يُنتِن الماء وحتى لا يفسد، وربما طبعاً تخرج بعض الجراثيم وبعض المُمرِضات من هذا الإنسان فتدخل في الماء، فتتسبَّب في إفساده أو في إضرار مَن يشرب مِن بعدك، انظروا إلى هذا، النبي – عليه السلام – يلتفت إلى أشياء عجيبة ولطيفة دقيقة، وتقريباً هذا كله كما تعلمون يا إخواني في الفترة المدنية، عشر سنوات! خاض الحروب ونازل الشرك والإلحاد والكفر وعلَّم الناس الخير في أبواب الحياة والدين جميعاً في عشر سنين، فصلى الله عليه من نبي عظيم ورسول كريم، وجزاه عنا خير ما جزء نبياً ورسولاً.

كما صح عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه نهى مَن استيقظ من نومه – إذا كنتَ أو كنتِ نائماً أو نائمة – أن يضع يده في الإناء قبل أن يغسلها، عندك إناء ماء، به خمس ألتار أو عشرة ألتار من الماء، لا تضع يدك مُباشَرة فيه، حتى نفترض أنك تُريد أن تغسل وجهك أو تتوضأ، في البداية تغسل يدك، تأخذ من هذا الماء أو تُصغي الإناء – أي تُميله – وتغسل يديك، ثم بعد ذلك يُمكِن أن تغترف بيديك من نفس الإناء، لماذا؟ يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فإنه لا يدري أين جالت – وفي رواية أين باتت – يده، وتفهمون المقصود، أي ربما يكون حك بيده موضعاً غير كريم من بدنه، ربما كان مريضاً وبدنه فيه قرحة أو فيه أي شيئ، فنال يده شيئ من هذا، المُهِم هو أن السُنة أن تُغسَل اليدان قبل أن تُدخَلا في الماء، في الإناء، هذا هو.

أيضاً نهى – عليه الصلاة وأفضل السلام – عن الملاعن الثلاثة، ومعنى الملاعن الثلاثة أي التي تُوجِب اللعن لفاعلها، مَن فعلها يُلعَن، تلعنه الملائكة، يلعنه الله، يلعنه اللاعنون، وهي البراز أو قضاء الحاجة، أين؟ في الماء، ممنوع! وفي الظل، في ظل الأشجار، وقارعة الطريق أمام الناس، ممنوع! وطريق الناس هذه، هذه اسمها الملاعن الثلاثة.

طما صح عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام – أنه نهى عن البول في الماء الراكد، مع الماء المُتحرِّك السائر كماء النهر والبحر لا بأس، لكن لا يُسمَح بأن يُوجَد ماء راكد ويبول فيه الإنسان، هذا يُفسِده ويُنجِّسه، فنهى عنه – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

على كل حال هديه – عليه السلام – كثير جداً في باب المُحافَظة على الثروة المائية وعلى المورد المائي، أما باب المُحاَفظة على الثروة النباتية – هذا المورد أيضاً الحيوي العظيم – فالنصوص كثيرة جداً، حديث الغرس والزرع معروف يا إخواني، حديث الغرس والزرع معروف! يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – ما مِن مُسلِم يغرس غرساً – وفي رواية أو يزرع زرعاً أيضاً – إلا كان ما أُكِل منه له صدقة، وما سُرِق منه له صدقة، إذا بعض الناس أكل منه أو بعض الناس سرق منه فكل هذا يُعتبَر صدقة، وما أكل منه السبع – هذه الحيوانات الجارحة، ذئب أو كلب أو سبع مُفترِس أو أي شيئ – كان له صدقة،أيضاً كان له صدقة! وما أكل منه الطير كان له به صدقة، ولا يرزؤه أحد – أي يأخذ منه شيئاً، من هذا الغرس ومن هذا الزرع – إلا كان له صدقة، تشجيع! ليس بعد هذا الحث والتشجيع وإلهاب الهمة إلى الزراعة يا إخواني من حث وتشجيع.

وهناك حديث أنس الذي يرويه الإمام أحمد في المُسنَد، وكلكم تحفظونه، لكنه من أجمل الأحاديث، يقول فيه – عليه الصلاة وأفضل السلام – إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، لنفترض أن القيامة تقوم الآن، يقول إذا قامت القيامة، ونظام الكون ينحل يا إخواني، نظام الكون ينحل ويختل، إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة – أي غرسة صغيرة يُريد أن يغرسها في الأرض -، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، والقيامة تقوم! ما فائدة أن أغرس هذه الغرسة أو أن أغرس هذه الفسيلة وكل شيئ سينتهي؟ تشجيع ما بعده تشجيع، ولفت نظر إلى أن هذا الفعل من أحسن وأشرف وأكرم ما يتقرَّب به المرء إلى الله – تبارك وتعالى -، أن يُساهِم في الثروة النباتية، أن يزرع، وأن يغرس.

ولذلك عمر بن الخطاب يقول مرة لخُزيمة بن ثابت – وتعرفون خُزيمة، صاحب الشهادتين – لماذا لا تزرع أرضك؟ عندك أرض، أنا أرى هذا، وأنت لا تزرعها! قال يا أمير المُؤمِنين أنا شيخ كبير أموت غداً، أي أنا سأموت غداً أو بعد غد، أي أنا (مصبح ماسي) كما نقول بالعامية، لماذا أغرس وأزرع؟ قال عزمت عليك لتغرسنها، يقول عُمارة بن خُزيمة بن ثابت فلقد رأيت أمير المُؤمِنين عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي، يغرسها بيده مع أبي! يتقرَّب إلى الله بهذا، بالغرس، وأنتم تعلمون فضل إحياء الموات يا إخواني وكيف أيضاً حث الشارع الكريم على إحياء الموات، ما هو الموات؟ موات الأرض، الأرض يا إخواني غير العامرة وغير المملوكة لأحد، ليس لأحد عليها ملك، ولكنها أرض خراب، لا يُوجَد فيها زرع، لا يُوجَد فيها ماء، ولا يُوجَد فيها شيئ، الشارع قال مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له، تتملَّكها وتُصبِح لك إذا أحييتها، تشجيع!

في حديث ابن عباس مَن كانت له أرض فليغرسها، أو فليمنحها أخاه، إذا لم تُرِد أن تغرسها فلتُعطها لأخيك المُسلِم، هو يُغرِسها ويُحييها، الإسلام حريص على هذا! وأعجب من هذا – لأنه بقيَ القليل جداً من الوقت يا إخواني – أن الإسلام سبق، سبق الغرب الأوروبي والأمريكي إلى ماذا؟ إلى حماية البيئة الطبيعية، باختصار تحريم مكة، كيف حرَّم الرسول مكة؟ طبعاً تحريم مكة هو مأثور عن الخليل إبراهيم – عليه السلام -، وجاء النبي وقال ماذا؟ قال إبراهيم حرَّم مكة، وأنا أُحرِّم المدينة، لا يُختلى خلاها، ولا يُعضَد شجرها أو عضاها، أي النبات الذي له شوك، ولا يُنفَّر صيدها، ولا تُلتقَط لقطتها إلا لمُعرِّف، إلى آخره! هذا هو، أول مَن حمى هذه الأشياء وعمل ما هو أشبه بالمحميات الطبيعية ليس حكومة واشنطن سنة ألف وثمانمائة وأربع وستين، بل رسول الله محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

أدركنا للأسف الوقت، إلى أن ألقاكم في حلقة جديدة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: