إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله سُبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ۩ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ۩ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۩ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۩ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۩ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ۩ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

ديننا هذا كما هو دين الحق والخير هو في الوقت عينه دين الجمال، الحق فيه خير، وهما جمال وحسن وبهاء، فلا جرم أن سمى الله – تبارك وتعالى – المبرات والأعمال الصالحات بالحسنات، والحسن هو الشيئ البهي الجميل، ولذلك النفوس الربانية والأرواح الماجدة لا ترى جمالاً أجمل ولا بهاءً أبهى وأضوأ من بهاء الخُلق الحسن.

وسل نفسك عن الآتي، كل نفس طبيعية، سوية، غير مُلتاثة – إخواني وأخواتي – يُمكِن أن تُقبِل على نفسها بالسؤال والمُقارَنة، أيهما أجمل وأبهى وأجل وأرقى: شخص حسن التقاطيع، وسيم المظهر الجسماني، على أنه سيء الخُلق – والعياذ بالله – قولاً وفعلاً ومسلكاً، أقواله بذيئة، فاحشة، سيئة، مُتسلِّطة، رعناء، هوجاء، ومسالكه كذلك، وشخص آخر لا يتصف جسمانياً أو جسدياً بهذا الجمال والبهاء، لكن أخلاقه أخلاق الكبار، أخلاق السادة، وكذا أفعاله عموماً (في عمومها)؟ قطعاً أنت ترى الجمال مع الثاني، ويجل في عينك، ويعظم، وتراه جميلاً، تراه جميلاً، شخصاً جميلاً، وتُحِب أن تراه، وتُحِب أن تستمع إليه، ويعود الأول قبيحاً في عينك، شائهاً، مُلتاثاً، وإنه لكذلك.

ولذلك الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ۩، الكلمات الخبيثة مَن أحق بها؟ الخبيث، لا ينطق بالخبث إلا خبيث، ولا ينطق بالطيب من القول إلا الطيب، قرآن! هذا قرآن. خبيث، حسن المظهر على أنه خبيث، مُلتاث، قبيح – والعياذ بالله -.

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ۩، هؤلاء هم الخبثاء، أهل الخُبث والخَبث – والعياذ بالله -، يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ۩، هؤلاء هم أتباع الشيطان الرجيم – والعياذ بالله -، الذين تقيَّلوا طريقته، ونهجوا نهجه، وأخذوا أخذه، إبليس كان أول مَن حرص على الفضيحة، وعلى إشاعة الفاحشة، كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۩، فالحرص على الفضيحة! يقول لهما أنتما مفضوحان، أنتما مفضوحان! وهو فرح بهذا.

وإلى اليوم أتباع إبليس – والعياذ بالله – وأولياؤه حريصون على هذا المعنى، حريصون على أن يُفتضَح الناس، على أن يُفتضَح الآخرون، وخاصة – أخص ما يكون حرصهم – أن يُفتضَح الصالحون الطيبون من الناس، يفرحون جداً، سُنة أبيهم إبليس، سُنة إمامهم إبليس – والعياذ بالله -، كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۩، انظر إلى القرآن، حرصه على الفضيحة!
إخواني وأخواتي:

لا نُريد ان نُطوِّل بالمُقدِّمات، فالوقت جد قصير، مواقف البشر إزاء سيئات وأخطاء وأغلاط الآخرين كالتالي – نستطيع أن نرسم هذه الإسكيما Schema أو هذه الترسيمة (ترسيمة سريعة) -:

بعضهم يختلقها حين لا تكون موجودة، وهذا اسمه في القرآن العظيم البُهتان – والعياذ بالله -، وهذه من أخبث النفوس، يختلق – والعياذ بالله – ويُشيع عن البرآء ويُلصِق بهم وصمة وتُهمة هم منها برآء بالكُلية، هذا هو الباهت الذي توعَّده الله في القرآن العظيم وعلى لسان نبيه الكريم بأشد العقوبات – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

وأخبث منه وأدخل في باب الالتياث والاضطراب النفسي والعقلي والمسلكي الذي يفعل هذه القبائح ثم يرمي بها غيره، يفعل هذه القاذورات كما يقول أسلافنا الصالحون، ما أجملهم! كانوا يُسمون المعاصي قاذورات، وفي المُقابِل الحسنات الصالحات الجميلات، هذا هو الجمال، هذا جوهر الجمال المُتحالِف مع الحق والخير في الدين، هذه التربية الدينية الصحيحة، على كل حال ماذا قال الله – تبارك وتعالى – في حق هؤلاء الذين يرمون غيرهم بقاذورات أنفسهم ويدّعون العصمة (أنهم معصومون، أنهم أهل الطهارة والنقاء والبراءة)؟ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ۩، الله يقول فَقَدِ احْتَمَلَ ۩، هذا حمل ثقيل جداً، وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ۩، فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا ۩، هذا هو البُهتان، وَإِثْمًا مُبِينًا ۩ – والعياذ بالله تبارك وتعالى -، هكذا إذن!

ومنهم مَن يُشيع أغلاط الآخرين، على أنه يتزيَّد فيها، أي يجعل من الحبة قُبة، يجعل من الحبة قُبة! يُخطيء الآخر خطأً صغيراً، فيُضاعِفه وينفخ فيه، سيناريو جديد – ما شاء الله -، هذا دون الأول، لكنه آخذ مأخذه في الخبث أيضاً – والعياذ بالله – والقباحة.

ومنهم مَن لا يفتري ولا يتزيَّد، على أنه لا يستر، واقف يترصَّد، كما يترصَّد القط سائح الجرذان، يترصَّد! وداخل – خاصة الآن في هذا العصر – على وسائل التواصل الاجتماعي، ويُعجَب جداً بالمقاطع والفيديوهات Videos والبوستات Posts التي فيها فضيحة فلان، فضيحة علان، فضيحة فلانة، فضيحة علانة. حريص على أن يتتبع، ثقافة الفضائح، قد يقول لي واحد هذا طبيعي، هناك دراسات سيكولوجية كثيرة، تُؤكِّد أن هذا شائع في المُجتمَعات البشرية. نعم، شائع في البشر جميعاً، ونتفهَّم هذا، ونعرف هذه الدراسات أو بعضها وقرأناها، وهذا طبع سيء يا إخواني، وموجود في البشر، إذا بقيَ وقت ربما نأخذ في تحليله النفسي، هذا ليس من عندنا، هذا بحسب ما قال كبار المُحلِّلين، لماذا يفعل الإنسان هذا؟ لماذا يحرص الإنسان على أن يقع وعلى أن يُشيع فضائح الآخرين؟ لماذا يلتذ ويشعر باللذة والنشوة؟ يتوازن، يتوازن حين يُشيع فواحش الآخرين، يشعر بأنه – ما شاء الله – أصبح أكثر ثقلاً، أكثر ثقةً بنفسه، هذا الشخص الهش، الضعيف، الهوائي، غير الواثق حقيقةً بنفسه، وهذه مُشكِلته، المُحبَط طبعاً، الفاشل، غير المُنجِز، وهذا خُلاصة التحليل النفسي إذا لم يبق وقت لأن نقول ماذا قال علماء النفس في هذا الباب.

لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ نستطيع أن نتفَّهم هذا، لكن لا نستطيع أن نتفهَّم شيوع مثل هذا النزوع بين المُؤمِنين، بين المُسلِمين، لماذا؟ لماذا؟! واضحة لماذا، لأن الإسلام يُؤكِّد ويُعزِّز ويُرسِّخ ويُبارِك ويُثمِّن ثقافة الستر وثقافة الفضيلة، ثقافة الستر وثقافة الفضيلة! إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ۩، وانظروا إلى الآية العجيبة، انظروا إلى الآية العجيبة والقرآن كله عجب، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ۩، وطبعاً هذه الآية من سورة النور، في سياق آيات الإفك في حق أمنا الصدّيقة بنت الصدّيق – رضيَ الله تعالى عنهما -، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ۩، أي فاحشة؟ إما أن يكون المُراد هنا بالفاحشة كما في أغلب مواردها واستعمالاتها فاحشة الزنا التي رُميت بها الصدّيقة ظُلماً وبُهتاناً من المُنافِقين والنوكى، أو تكون الفاحشة القذف، قذف المُحصَنات الغافلات بالباطل، افتراء الباطل! وهم يعلمون أنهم أتوا بكبره، وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ ۩، ويعلم أنه كذب – والعياذ بالله -، إما هذه وإما هذه وإما الاثنين، لِمَ لا؟ هذه فاحشة وهذه فاحشة، وفي كلتا الاثنتين حد، أليس كذلك؟ في كلتا الاثنتين حد.

على كل حال هذا هو، الله يقول إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ۩، إذن هناك الذي يتكلَّم في أعراض الناس، وينشر الشائعات والتُهم، فيقول يُقال إن فلانة كذا، الله يستر على ولايانا، أو فلان كذا، الله يستر علينا. ما شاء الله، يُحِب الستر هو! يتكلَّم ويُشيع ويُحِب الستر الكذّاب، المعصوم الكذّاب، وهذا عنوان الخُطبة اليوم: المعصوم الكذّاب، يلعبون دور المعصومين وهم كذبة وسفلة، هم سفلى الناس، هؤلاء السِفلة طبعاً، الكبار لا يفعلون هذا، أي إنسان تلقى تربية وهو ابن أصول وابن ناس لا يُمكِن أن يفعل هذا، ولا يُمكِن أن يسمح لأحد أن يفعل هذا، لا لزوجة ولا لابن ولا لأخ ولا لأي أحد، هذا الكبير، ابن الناس، الذي تربى تربية الكبار، ليس تربية الحثالة (تربية سوقية، تربية شوارع)، والإسلام يُربي الناس لكي يكونوا كباراً، ثقالاً، أجلاء، رائعين. هذه التربية الإسلامية، لم نعد نرى منها الكثير للأسف الشديد في واقع الناس.

هذا العصر ربما لم يُسبَق بعصر أو لم يسبقه عصر في كثرة الكلام بالدين وباسم الدين، وفضائيات مفتوحة باسم الدين على مدار الأربع والعشرين ساعة، ولكن أين الدين؟ تماماً كما قيل ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار! وما أكثر الكلام في الدين وما أقل التدين! لا يُوجَد تدين، التدين الحقيقي غير موجود، أين هو الدين؟ ألمسني وأوجدني إياه، قليل! وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۩، اللهم اجعلنا من هذا القليل، وكثِّر وبارك هذا القليل، قليل! الدين ليس كلاماً وليس هيئاتٍ ورسوماً وطقوساً، الدين سلوك حقيقي، وهذا ديننا يا إخواني.

فهذه ثقافة الستر، لا يُمكِن أن تُوجَد ثقافة مثل ثقافة القرآن والسُنة (ثقافة المُسلِمين) في هذا الباب، ثقافة الستر! الله يقول إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ۩، إياك أن تطير بهذه الأخبار في أعراض الناس، فلان وفلانة وعلان، إياك! وهذا ليس حتى في باب العرض بالمعنى الضيق، ليس فقط في العرض بالمعنى الضيق، وإنما في العرض بشكل عام، كل إنسان – المُؤمِن وغير المُؤمِن – جنابه وسُمعته وما يُقال فيه هو عرضه، وهو محمي بحمى الشرع، مصون بأمر الله وأمر رسوله، ويا ويل مَن تعدى على هذا الحمى الإلهي! وقد قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه، من أربى أبواب الربا، ومعلوم بما توعَّد الله المُرابين، توعَّدهم بالحرب، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، هناك حرب! وأربى الربا أن تستطيل في أعراض الناس، تتكلَّم في هذا بما لا يليق، وفي هذا بما لا يحق، وفي هذا بما لم يثبت لديك، وإن ثبت لديك أين الستر يا عبد الله؟ أين الستر يا رجل؟ أين الستر؟ هذه ثقافة الستر.

ولذلك في موطأ مالك وفي غيره من كُتب السُنن ماذا حدث حين حرَّض هزّال الأسلمي ابن عمه ماعزاً – رضيَ الله تعالى عنهم أجمعين -؟ ماعز ارتكب الفاحشة، وجعل هزّال يُحرِّضه: اذهب إلى رسول الله، أقِر بذنبك، استغفر، اجعله يحدك، تتطهَّر من هذا الذنب، هيا… هيا… هيا… هيا… فجاء المسكين، وكان ما كان، النبي في أكثر من رواية قال لهزّال يا هزّال أما إنك لو سترته بثوبك لكان خيراً لك، الذي فعلته أنت غير حسن وغير جميل، حرَّضته على أن يأتي ويعترف، غير جيد هذا الذي فعلته، لِمَ لَمْ تستره؟

ولذلك الصحابة الكبار الخُلفاء – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم – وفي رأسهم الصدّيق – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – ماذا قال؟ ساروا هنا في مسار رسول الله، هذه تربية رسول الله، هذه التربية المُحمَّدية، وتربية رسول الله ما هي؟ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ۩، النبي يشق عليه ويثقل عليه جداً جداً كل ما يُعنِت ويُتعِب المُؤمِنين، أي مُؤمِن وأي مُؤمِنة! النبي لا يُحِب هذا، لا يُحِب للإنسان أن يُعاني (يُعاني في سُمعته، في عرضه، في حيثيته، في أي شيئ، فضلاً عن المُعاناة أو وجوه المُعاناة الأُخرى)، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ۩، أن تكونوا بأحسن الأحوال وأحسن المثوبات، والمُؤمِن الحق خُلقه ماذا؟ إبليسي؟ اختر لنفسك، هناك أُناس أخلاقهم إبليسية، لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۩، وهناك أُناس أخلاقهم مُحمَّدية، وهكذا تخلَّقوا بها.

ولذلك ما وُضِع في ميزان العبد يوم القيامة شيئ أثقل من خُلق حسن، أي بعد شهادة التوحيد أثقل شيئ يُثقِّل الموازين ويُبيِّض الوجوه والنواصي الخُلق الحسن، وهذا من أحسن الأخلاق، ما هو؟ الكف عن الناس، والكف عن أعراض الناس بالحق وبالباطل، والستر، والدعاء لهم بالمغفرة والعفو يا إخواني والعافية، والناس كلهم مُبتلى ومُعافى، قال فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية. كما في بلاغات مالك في موطئه – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، من قول عيسى ابن مريم – عليهما الصلوات والتسليمات، فارحموا اهل البلاء، واحمدوا الله على العافية.

إذن هو هذا، قال له لو أنك سترته بثوبك لكان خيراً لك، أبو بكر الصدّيق ماذا كان يقول؟! الخليفة، خليفة رسول الله! وهو خليفة يقول لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ردائي لسترته به. هكذا تعلَّم، وهذا خليفة، لم يقل انتبهوا، انشطوا في وسائل التواصل وفي كل شيئ، وأي واحد افضحوه، لكي نُنقي المُجتمَع ونأمر بالمعروف وننهى عن المُنكَر ونكون حرّاس الفضيلة، كذب! كذب ونفاق والتياث نفسي وإسقاطات – Projections -، إسقاطات نفسية! كما قلت يلعب دور المعصوم وهو من أخبث الناس وأسوأ الناس، ولذلك عيسى كان أيضاً يُؤكِّد على هذا المعنى – عليه الصلاة وأفضل السلام، في الحديث المشهور عن عيسى يُوجَد الآتي، هذا في حديثه وخبره ونبئه في إنجيل يوحنا، ولن نقول القصة بسياقها، في الأخير قال لهم – بالذات لأحبار اليهود، حاخامات اليهود – لما أكثروا عليه السؤال أخذاً ورداً وكذا، قال لهم مَن كان منكم بلا خطيئة – فليتقدَّم، تعال – فليرمها بحجر أولاً، هو! أول مَن يرمي الحجر هو مَن ليس عنده خطيئة، فتراجعوا كلهم، فهموا أنهم ربما يُفتضَحون، الله يُظهِر له كرامة ومَعجِزة، فيُفتضَح هذا الذي يُبادِر بالحجر، مَن كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر، سكتوا، نفس الشيئ!

ولذلك حين رأى عمر بن الخطاب – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – رجلاً يأتي النبي ويقول له يا رسول الله قد أصبت من امرأة كذا وكذا وكذا، غير أني لم أفعل الفاحشة، لكن مسستها وكذا، فعمر قال له يا رجل قد ستر الله عليك، لو سترت على نفسك! في حضرة رسول الله، تعلَّموا هذه الأخلاق، ويعلمون أن هذا يُسعِد رسول الله ويُفرِحه، الرسول علَّمهم هذا، أنه انتهى، ستر الله عليك، تُب بينك وبين الله، ولا تفضح نفسك، ولا تفضح نفسك! 

نفس الشيئ قالته أمنا عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها – حين أتتها امرأة وقالت لها الآتي، وكان في حضرة نساء، أي بعض النساء كنا هناك جالسات، قالت لها يا أم المُؤمِنين قد مس رجل ساقي وأنا مُحرِمة، وفُهِم من السياق برضاها، أي أنها لم تُنكِر هذا ولم تمنع منه، وجاءت مُتأثِّمة، هل يُؤثِّر هذا على حجي وعلى كذا؟ قد مس رجل ساقي – مس هكذا – وأنا مُحرِمة، فأعرضت عائشة عنها بوجهها، لم يُعجِبها هذا المنطق، كرهت هذا، هل أتيتِ لكي تفضحي نفسك؟ ما الكلام الفارغ هذا؟ لماذا؟ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ۩، ثم أقبلت على النساء وقالت يا نساء المُؤمِنين إذا أتت إحداكن ذنباً، فستر الله عليها، فلتستر على نفسها، ولتستغفر، ولتتُب إلى الله، ولا تُحدِّثن به الناس، أو قالت لا تُخبِرن، ولا تُخبِرن به الناس، فإن الناس يُعيِّرون ولا يُغيِّرون، والله يُغيِّر ولا يُعيِّر. الله أكبر ستير، وقد ورد في الحديث إن الله حيي ستير، يُحِب الستر، الله حيي، ولذلك لا يفضح عبده بأول ذنب وثاني ذنب، وربما ستر على عبده سنين طويلة، لكن الناس من أول مرة يفضحون، يملأون العالم ضجيجاً، وقالوا باسم ماذا؟ الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر وحراسة الفضيلة، أن تتشمت – أنت شامت، تشمت بأخيك أو بأختك – لا يجوز، الشماتة!

أسوأ من هذا يا إخواني – والله العظيم – وأقبح من هذا… ماذا أقول لكم؟ النفس يُصيبها الغثاثة، تشعر أنك تُريد أن تتقايأ من القرف والاشمئزاز، فعلاً شيئ مُقرِف جداً، برامج وقنوات يوتيوب Youtube – وكأنها تُمارِس دوراً إصلاحياً كما يقولون – مُخصَّصة فقط لكي يُحدِّثوكم وبالتفاصيل عن فضائح الناس، المرأة التي قتلت زوجها مع عشيقها وعملت كذا وكذا وكذا، ما هذا؟ ما هذا الفحش؟ هذا من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، هذه وظيفة المباحث، وظيفة القضاء، وظيفة علماء الاجتماع وعلماء النفس، يدرسون هذا ويعملون إحصائيات ثم يرون النتائج، أنت هذه ليست وظيفتك، هذا ليس مطلوباً منك وليس حسناً وليس جيداً، وهذه لعنة، لا تتكلَّم عن هذا صباح مساء وتعمل لي قنوات وتتكلَّم في الأمة عن القضايا هذه، هل تعرف لماذا؟ انظر إلى عمر بن الخطاب، انظر إلى الذكاء (الذكاء الفطري والذكاء الديني) وإلى الغباء اليوم في القرن الحادي والعشرين (الغباء الحادي والعشريني)، غباء! قالوا إنهم مُصلِحون وهم (شاطرون)، ويُوجَد أتباع لهم، عند الواحد منهم مائتا ألف أو ثلاثمائة ألف مُتابِع، عشرات الألوف الذين يُتابِعون هذه الفضائح،  يا رجل أنت أحمق، الذي يفعل هذا أحمق – والله العظيم -، والذي يُتابِع ويُشيِّر (يقوم بعمل شير Share) هذا أحمق منه أيضاً، أما قرأت قول الله – تعالى – إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ۩؟! يا رجل ابنتك، زوجتك، أنت نفسك، ابنك حين يسمع هذه الأشياء مرة ومرة ومرة، هو يظن أن هذا وضع طبيعي، يسهل عليه هذا، ويبدأ الشيطان يقول له الكل يعمل هذا، ما هذا إذن؟ عادي. أليس كذلك؟ يسهل.

ولذلك عمر بن الخطاب كان يفهم هذا، هؤلاء أناس فاهمون يا أخي، نور رباني عندهم، ونور فطري بشري حقيقي، غيرنا نحن، أصبحنا كائنات مُشوَّهة يا أخي، كائنات غبية في القرن الحادي والعشرين، غباء شديد، مُؤذٍ – والله العظيم -، مُؤذٍ لكل شيئ، لكل شيئ جميل في حياتنا! أصبحت لوحتنا مُلطَّخة بكل شيئ سيئ، لوحة العالم العربي والمُسلِم أصبحت سيئة جداً، ودعنا من العالم الآخر هم أحرار، ولكن ماذا عنا نحن؟ ماذا قال عمر؟ أميتوا الباطل بالسكوت عنه، إذا سمعتم بأنه هناك باطلاً وما إلى ذلك، فلا تتكلَّموا، حتى لا يأخذ ماذا؟ لا يأخذ ذيوعاً وانتشاراً، ويقول لك أنا موجود.

تخيَّل لو أن نوعاً من أنواع الشذوذ – أعني أي شذوذ في السلوك، ليس فقط الشذوذ الجنسي، أي نوع من أنواع السلوك الشاذ غير الطبيعي – بقيَ مُفرَداً مُستوحِشاً وحيداً، هل يُمكِن له أن يُطل برأسه ويُطالِب بحقوق؟ أبداً، انتهى هذا، بالعكس! الكل يلعنه، والكل يُثرِّب على فاعليه، لكن إذا بدأ يشيع ويزداد سيصل إلى مرحلة يُطالِب فيها بماذا كما قال؟ بحقوقه، عندي حقوق مُتساوية، لماذا؟ لأننا كثيرون، تماماً أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۩، صار المُجرِم مَن؟ لوط، النبي الكريم الطهور العفيف الشريف هو مُجرِم، ومَن معه من أتباعه هم المُجرِمون، وعندهم ذنب عظيم، هل تعرفون ما هو الذنب؟ الطهارة، يُحِبون الطهارة، يُحِبون العفة، قال لك ما هذا يا أخي؟ما القرف هذا؟ عفة وطهارة! عجيب، المُجتمَعات هذه تنقلب رأساً على عقب، تلتاث المُجتمَعات هذه كما يلتاث الأفراد، كما يلتاث الأفراد! هناك أفراد مُلتاثون، مُلتاثون يُحِبون كل شيئ شاذ ووسخ وقبيح وعكس الفطرة وعكس الدين وعكس الأخلاق وعكس كل شيئ سوي، تخيَّل! يفعلون أشياء أحياناً الحيوانات لا تفعلها – والله -، قسماً بالله! شيئ عجيب، أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ۩، نعم! عجيب.

إذا حسناتي اللاتي أدل بها                      تُعد ذنوباً، فقل لي كيف أعتذر؟!

شيئ غير معقول، انعكاس القيم، انقلاب القيم! بسبب ماذا؟ الإشاعة، الإشاعة، أشيع، أذيع، أذع، أذع، أن هذا شيئ طبيعي وكثير وموجود، نعم! فيُصبِح طبيعياً، لذلك على المُسلِم أن يكون فطناً، والمُسلِم كيس فطن، ممنوع أن تخب ولا أن تضع ولا حتى أن تمشي خُطوة في هذا السبيل وتُشيع هذه الأشياء، وإلا كنت شريكاً لهؤلاء المُجرِمين الحمقى، الذين جعلوا – كما قلت – حياتنا مُجرَّد مُسلسَل من الحماقات والبذاءات والوساخات، كثرت الوساخات في حياتنا جداً يا إخواني، كثرت! نُريد أن نستعيد بعض الجمال، والله العظيم نُريد أن نستعيد بعض الجمال حتى الذي كنا نُشاهِده في بعض المُسلسَلات العربية، (وبين قوسين أقول: لا تُلقوا باللائمة علينا، هذه الحقيقة) خاصة المُسلسَلات المصرية الصعيدية الفلاحية والمُسلسَلات السورية، من أجمل ما يكون! أُقسِم بالله أنا بالنسبة لي أفضل من آلاف الخُطب ومن آلاف الكُتب، ولن نقول – حتى لا نعمل تحيزات – مثل ماذا، لكن هذه مُسلسَلات يا أخي كل ما فيها فضيلة ورجولة وشهامة، وحتى السيناريو والقصة مكتوبان بطريقة جيدة، وهذا كان من واقع حياة الناس قبل مائة سنة وكذا، فعلاً الذي يخرج على خط القيم العامة الجميلة، والتي هي قيم الشهامة والعفة والرجولة والكرم والإيواء والنخوة، يُنظَر إليه على أنه شاذ، كل مَن يخرج عليها هو الذي يُنظَر إليه على أنه شاذ، غير طبيعي، على مدى المُسلسَل كله، والكل يلعنه، أنت تلعنه كمُشاهِد، شيئ جميل، هذا الذي نُريده، ليس البذاءات والوساخات هذه، قطَّعت زوجها، وذبحت ابنها مع عشيقها، وعملت كذا، وسوت كذا، ما القرف هذا؟ أقرفتم حياتنا، لسنا كذلك، ليس كل الناس هكذا، وليس كل الناس عندها استعداد لهذه الوساخة، هؤلاء مُلتاثون، هؤلاء زبالة المُجتمَع، موجودن، مرضى بأي طريقة من الطرق، مرضى بمرض من الأمراض، وبعضهم حتى… ماذا أقول لك؟ ربما يكون مرفوعاً عنه القلم عند الله – تبارك وتعالى – طبعاً، سوف تقول لي كيف تقول هذا؟ أنا لا أُمرِّر هذا، الشيئ القبيح قبيح، ولكن بعضهم يا أخي يُعاني من اضطرابات، هناك إحصاءات، ماذا نفعل؟ ونحن تحدَّثنا مرة في خُطبة عن ما يُعرَف بالتحرش الجنسي بالأطفال والاستغلال الجنسي – أي الـ Abuse – للأطفال، وقلنا ونقول في بعض الدراسات المُحترَمة العلمية يقول لك إن حوالي سبعين في المائة مِمَن اعتُدي عليه وهُتِك عرضه وهو طفل يُعيد هذا وهو كبير، هذا المسكين ضحية، ضحية شيئ حصل له، هذا وضعه آخر، لا تجعله نموذجاً يُحتذى ويُمكِن أن يتكرَّر باستمرار وكأنه شيئ عادي في الحياة، لا! ليس شيئاً عادياً، هل هذا واضح يا إخواني؟

بعضهم يُعاني من أورام في الدماغ، أورام مُعيَّنة في بعض فصوص الدماغ تجعل الرجل يتحرَّش بالأطفال، حين تُنحى عنه بعملية جراحية يعود نزوعه الجنسي طبيعياً، ويندم هذا المسكين، يقول ماذا كنت أفعل؟ فإذن هذا عنده، أي قد يكون عند الله – تبارك وتعالى – لديه نوع من العذر، العلماء – كما قلت – يدرسون هذا، العلماء والأطباء والقضاء والمباحث، هذه وظيفتهم، وليست وظيفة واحد يأتي من الشارع، وهو جاهل لا يعرف شيئاً، يُشيع هذه الأشياء ويملأ حياتنا بها، لا نحتاجها، هذه تُفسِدنا، هذه تُفسِدنا وتُضعِف سُلطة الأخلاق والقيم في مُجتمَعاتنا، هل هذا واضح يا إخواني؟

تماماً مثل ما فعلت بعض الجهات الإعلامية على مدار ربع قرن وباسم الحرية والرأي والرأي الآخر مع كل قضايا الأمة، أُقسِم بالله شيئ مُؤذٍ يا إخواني، لو كنا نعقل، أنى يُذهَب بنا؟ أنى يُذهَب بنا؟ هذا لو كنا نعقل، كل قضايا الأمة – الوطنية والقومية والدينية والأخلاقية والمصيرية، كل القضايا – وُضِعت كما قيل على طاولة النقاش، هل هذا واضح؟ حتى الذي سرق الأرض وهتك العرض وطغى على الإنسان العربي عنده الحق كما قال يُدافِع عن نفسه وعنده الحق يدخل بيوتنا ويدخل غُرف نومنا عبر هذه الجهات الإعلامية – ما شاء الله -، ويتكلَّم ويُدافِع عن حقوقه وهو سارق ومُجرِم، والعالم يُجرِّمه، لعب! هذا لعب مرسوم، لعب شيطاني إبليسي مُخطَّط ومرسوم ومكتوب ويُنفَّذ، ونحن في غفلة، مثل مَن أُصيبوا بالهبل، نبلع كل هذه الأشياء ونمشي، كالمُسرنمين، كالماشين نياماً، كفى! كفى! لابد أن نكون أيقاظاً، وأن نكون أكثر ذكاءً وأكثر حكمةً يا إخواني، لماذا؟ لأن لم يبق بين يدينا إلا بعض هذا الدين الذي عندنا وبعض الأخلاق والقيم، بعض! بقيَ عندنا البعض، مثل صُبابة الإناء، صُبابة في آخر الإناء، فعلينا أن نستعصم بها – والله -، وإلا… واضح! مصيرنا الهباء والدماء والانتهاء إذا بقينا بهذه الطريقة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

قبل أن نمضي إلى دعائنا وصلاتنا هناك كلمة واحدة أتوجَّه بها إلى كل شاب وكل شابة وكل كهل وكل شيخ حتى وعجوز:

صدِّقني، انظر إلى نفسك بعد عشر سنين وأنت تُتابِع هذه البذاءات والقباحات والغباوات، بعد عشر سنين ماذا ستُحصِّل؟ إلى أين ستصل؟ ستصل إلى أن تكون كائناً مُشوَّهاً، نظرتك مرضية، لأنك عشت مع الشذوذات والبذاءات والوساخات على مدى عشر سنين، ستتشوَّه أنت، تُصبِح كائناً مُشوَّهاً – والله -، ستفقد البوصلة، وتفقد القدرة على الوزن والتعيير ومعرفة الحق من الباطل والجميل من القبيح والصح من الغلط، لن تعود تعرف! وانظر إلى نفسك لو أنك تركت هذا الهبل وهذا الغباء والحماقة، ومن الآن بدأت في الآتي: كل ساعة، بل كل دقيقة من وقت فارغ عندي سأتعلَّم فيها شيئاً، سأتعلَّم حتى الفيزياء، حتى الكيمياء، حتى الفلسفة، حتى السياسة، سأتعلَّم القرآن، اللُغة العربية، النحو، الصرف، شيئ جميل، كل دقيقة! عندك اليوتيوب YouTube وعندك كذا، تعلَّم! لابد أن تتعلَّم، عندك هذه القدرة، والله هذه فُرصة – أُقسِم بالله -، لم تسبق هذه الفُرصة فُرصة مثلها أو قريبة منها في حياة البشرية، شيئ لا يُصدَّق! أضخم الجامعات في العالم أمامك، لديك بعض الكورسات – Courses – العلمية مجانية، تُشاهِد المُحاضَرة كأنك أنت مُلتحِق بهذه الجامعة التي تُكلِّف مَن يلتحق بها مائة ألف دولار في السنة، عندك مجاناً، فادخل وتعلَّم يا رجل، استفد من كل هذا، وبعد عشر سنين ماذا ستكون؟ ستكون شبه مُفكِّر، الدماغ ملآنة بمعلومات في الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا – Geology – والتاريخ والنحو والصرف والدين والقرآن والسُنة، ستصير إنساناً مُحترَماً، تستفيد في الدنيا والآخرة، وتستطيع أن تُواصِل مشوار الاحترام والإجلال.

خُذوا أموركم بجدة يا إخواني، خُذوا أموركم بجدة، ومروا أولادكم – أبنائكم وبناتكم – وأرشدوهم أن يأخذوا حياتهم بجدة، الدهر والزمان دائماً هكذا، الدهر لا يهزل، وزمان الأمة العربية اليوم غير هازل، جاد وجاد جداً وأكثر مما نتوقَّع جديةً – والله العظيم كما قلت -، مصيرها على المحك للأسف الشديد، أي مصير هذه الأمة، فجدوا فإن دهركم لا يهزل.

أقول قولي هذا وأستغفر الله، اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا.

لا تجعل مُصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تُسلِّط علينا بذنوبنا مَن لا يخافك ولا يرحمنا.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

نظراً لضيق وقت الخُطبة، هذه تكملة لها، ألقاها الدكتور بعد صلاة العصر

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

إذن إخواني وأخواتي نُريد فقط أن نُحوصِل قبل أن نخوض في قضية التحليل النفسي لقضية النزوع الفضائحي كما ربما ينبغي أن يُسمى! ماذا نُسميه؟ النزوع الفضائحي. الذي يشمت بالناس، الذي يُعيِّر الناس، الذي يُطيِّر أخباراً عن الناس، الذي يبهت الناس بما ليس فيهم. كل هذه الأشياء تدخل تحت مُسمى النزوع الفضائحي.

ما التحليل النفسي لهذا النزوع الفضائحي؟ هذا سنختم به – إن شاء الله – هذه الجلسة القصيرة بعون الله – تبارك وتعالى -، لكن قبل ذلك نُريد أن نُحوصِل وأن نُكثِّف الموقف الشرعي، ونرى مدى تكامل الرؤية الشرعية ومدى جماليتها في هذا الباب، مُتكامِلة وجميلة وقوية، من أروع ما يكون!

والله دائماً يا إخواني – ولا أُريد أن أُؤكِّد بأكثر من هذا – تعتريني الحسرة، وهذا كثيراً جداً، في مُعظَم أوقاتي، على ديننا هذا، فعلاً كيف فرَّطنا فيه؟ وكيف لم نعد نستطيع أن نرى أجمل ما فيه؟ وكل ما فيه جمال، كل ما فيه جمال ولكن لم نعد نرى هذا، لم نعد! عبثنا به عبث الوليد بجانب القرطاس كما قال الأول. ولم يعد له ذلك التأثير الحقيقي في حياتنا، أتحسَّر! أتحسَّر علينا، ليس على الدين، الدين لا يحتاجنا، نحن نحتاجه، ولكن هذا هو تماماً، هل تعرفون هذا مثل ماذا؟ مثل مريض برَّح به المرض، ويُوشِك أن يُهلِكه، والدواء بين يديه وطوع بنانه، على أنه لا يُحسِن تناوله، حسرة! حسرة كبيرة، حسرة كبيرة حقيقةً.

لو لم يكن عندنا هذه الرؤية الدينية ولم يكن عندنا هذا التراث الإلهي العظيم المُبارَك، لقلنا نحن ليس عندنا هذا. ونحن أُناس شبه أُميين ثقافياً للأسف الشديد، أقل الأمم قراءةً العرب، أقل الأمم تأليفاً العرب، شبه أُميين، نعم! هذا صحيح، ونرى أنفسنا شيئاً كبيراً، لأننا أميون، نحن شبه أُميين ثقافياً، ونجلس لكي نلتمس لأنفسنا المعاذير، لكن لا، حتى لو كنا أُميين، آباؤنا وأجدادنا كانوا أُميين وكانوا رائعين، كانوا رائعين! من أروع ما يُمكِن لكم أن تتخيَّلوا، كما قلت لكم في رجولتهم، في إنسانيتهم، في أخلاقياتهم العالية، في مجادتهم الإنسانية، شيء من أروع ما يكون، تماماً كالذين أشرت ونوّهت بهم في المُسلسَلات العربية الأصيلة هذه، هؤلاء كانوا هكذا، هذا جُزء من الواقع ومن الحقيقة، ونحن عشناه والله، أنا بالنسبة لي وأنا في الخمسين من عمري، أنا عشت جُزءاً من حياتي مع هؤلاء – والله العظيم -، مع جيراننا، ومع مَن نعرف من الناس، كانوا أماجد، كانوا كباراً يا أخي، كانوا كباراً، كانوا رائعين، نعم! هذا هو طبعاً، وكنا في شرخ شبابنا وحتى في ميوعة الصبى، ونجلس ونفهم ونحذق كل ما نسمع، لا تسمع كلاماً في أعراض الناس أبداً، ولا يُسمَح بالكلام هذا، فالمجالس هذه كانت هكذا، المجالس كانت مُحترَمة حقيقةً، وكان هناك تواصل، وكأنها رحم واحدة، كأن هذا الحي رحم واحدة، كل امرأة في الحي هي أخت لهذا الرجل، وكل رجل في الحي هو أخ لها، شيء عجيب يا أخي، شيء راقٍ.

الآن تسمع عن العكس، لن نحكي عن هذا، وقد حكينا قبل ذلك، القاذورات والوساخات هذه لن نقذر بها مجلسنا، وهي موجودة للأسف الشديد، شيء عجيب، انقلبت الأوضاع، جُزء من أسباب الانقلاب للأوضاع هذه الطريقة الخاطئة الغالطة في إصلاح الأوضاع أو حتى إلقاء الأضواء عليها، الطريقة غلط، ليست هكذا هي الطريقة الصحيحة، ليس هكذا تُصنَع الأوضاع أبداً، أبداً والله! 

أنت لو بقيت طيلة حياتك كأب حنون عطوف وصادق النية في إصلاح ابنك تنحى عليه باللاءمة: أنت يا ابني فاشل، أنت يا ابني فاسق، أنت يا ابني غير مُنجِز، أنت يا ابن عاجز، أنت… هل تُصلِحه؟ يستحيل، أنت عملت كذا وكذا يا ابني، وأنا أعرف، وأنت تعمل كذا وكذا، وأنا أعرف! لن تستطيع أن تُصلِحه طيلة حياتك، لن تستطيع أن تُصلِحه طيلة حياتك، عكس لو تركت ابنك وغضضت الطرف عما أو عن بعض – عرَّف بعضه وأعرض عن بعض – ما يفعل، يُمكِن أحياناً أن تُعرِّف بعض ما رأيت منه، لكي تُفهِمه أن أباك ليس أحمق وليس أهبل وليس بريالة ويفهم كل شيء، وتُعرِض عن كثير، لكن تستعيض بماذا إذن؟ بدل أنت وأنت وأنت وأنت وأنت وأنت وعملت وعملت وتعمل، تستعيض بماذا؟ أن تُحدِّثه عن المجادات، عن الأخلاق العالية، تأتي له بسير من حياتك، من حياة أصدقائك، من حياة أعمامه، أخواله، جيرانه، من حياة السلف الصالحين، من حياة الناس العظماء حتى في تاريخ البشرية، باستمرار! هكذا طبعاً، طري هذا، هذا الإنسان ليس شيخاً كبيراً أو امرأة عجوز، أي خشّب، لا! لم يخشّب هذا أبداً، ينصلح بسرعة، وهو قابل للإلهام، وقابل للاستلهام والإيحاء، تُوحي إليه بالمعاني الجميلة، أليس كذلك؟ وتُعينه على ذلك، تُصلِحه.

هذه سبيل الإصلاح، وليس أن تقضي الكلام عن السيئات وعن القبائح وعن القاذورات، ثم يتم تسليط الضوء عليها بعد ذلك، وهذا هو وهذا ما يحصل وهذا ما يحصل، وهل ينفع هذا؟ لا ينفع، هذا غير صحيح، بالعكس! أنت هكذا تزيدها، وتُشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ولذلك من غير أن نُطيل بالمُقدِّمات يا إخواني، نقول الآتي:

أولاً – كما قلنا – يُوجَد عندنا موضوع الستر، الدين يحث على الستر كثيراً، وهنيئاً لهذا الستير الذي يرى العورة ويسترها مُتشبِّهاً بأخلاق الرب – لا إله إلا هو -، فإن الله حيي ستير، يُحِب الستر، أخلاق ربانية! مثلما الله ستر على عبده استر، وهل أنت غير مستور عليك؟ هل أنا غير مستور علىّ؟ كلنا نعيش في ستر الله، وقد أحسن أبو العتاهية ما شاء حين قال:

أحسن الله بنا أن            الخطايا لا تفوح.

 قال هذا من حسنات الله ومن كرم الله على البشر والناس، أن الخطايا لا تفوح، أن الخطايا – والعياذ بالله – ليس لها رائحة. لو الخطايا لها رائحة، سيُفتضَح الناس! رائحة زانٍ، رائحة سرّاق، رائحة قاذف، رائحة سكّير، رائحة كذا، رائحة كذا، ورائحة كذا، مُصيبة! 

فإذا المستور منا         بين جنبيه فضوح. 

سيفضحك – قال – لو لها رائحة. كما قال الحسن البِصري لو جعل الله للمُنافِقين أذناباً ما وجد الصادقون أرضاً يمشون عليها. هذا كان سيحدث لو كل واحد مُنافِق وكذّاب ومُتلوِّن وحربائي أخرج الله له ذنباً، هنا يُوجَد بينوكيو Pinocchio الذي يستطيل منخاره، لكن هو قال لك لو جعل له ذنباً، وهذا أحسن حتى من المنخار، ما علاقة المنخار؟ هذا ذنب، يُلحِقه بالسعادين – أي الــ Monkeys – وما إلى ذلك، قال ما وجد الصادقون أرضاً يمشون عليها، سوف تجد أن الكثير من الناس من هؤلاء – مثلاً -، فهذا من رحمة الله، لماذا إذن؟ لأن الله ستير، يُحِب الستر.

وفي الحديث المُتفَق عليه في البُخاري ومُسلِم – حديث صحيح – يُدني الرب – لا إله إلا هو -، يُدني الله – عز وجل – العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، يضع عليه ماذا؟ كنفه، ثم يُعرِّفه بذنوبه، عبدي أنت يوم كذا كذا عملت كذا كذا، يُقرِّره، يعترف العبد، يقول نعم، انظر إلى هذا، ولأن الله حيي، لا يُعرِّفه بكل ذنوبه، هناك نموذج أو نمط أو أنماط منها، وهذه صغيرة حتى، فربما ليست بأقبح ذنوبه، أي هذه ذنوب صغيرة وأي كلام، فيعترف، فيقول له سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، ثم يُعطى صحيفة عمله، اذهب هيا، ستير!

لِمَ لا نتخلَّق بأخلاق الرب إذن؟ هذه أخلاق الرب، الستر! ولذلك من حديث عُقبة بن عامر الجُهني – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قال – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – مَن رأى عورةً فسترها… أي عورة، واحد يسرق واحداً، واحد يزني، واحد يخون، واحد كذا، عورة! هذه العورات، أي ليس عورة البدن فقط، لا! هذه العورة بشكل عام، أي كل ما يسوء أن يُكشَف أو كل ما يسوء كشفه، مَن رأى عورةً فسترها… رأى واحداً وهو يسرق، فسكت عليه، لكن طبعاً لو سحنت له فُرصة ينبغي أن يقول له اتق الله يا أخي، لا يجوز، والله سترك المرة هذه، لكن (ليس في كل مرة تسلم الجرة)، ستُمسَك بعد ذلك وكذا، هذه فضيحة، فماذا عن أبنائك وبنات؟ عيب! ومن ثم يُراجِع نفسه، لابد وأن تأمره، النصيحة! المُسلِم حقه على المُسلِم أن ينصح له، نصيحة! نصيحة مُشفِق، وكيف تعرف من نفسك أنك ناصح؟ الدين النصيحة. الحديث المشهور جداً، كلنا نتحفظه، الدين النصيحة. انظر إلى النبي، لم يقل النصيحة من الدين، لأن هذا عادي، النصيحة من الدين والحياة، لا! الدين النصيحة، كأنه يقول جوهر، حقيقة الدين، ولُب الدين النصيحة، ولله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المُسلِمين وعامتهم، وبعد ذلك فسَّر العلماء كيف تكون النصيحة لله ولكتابه و… هذه قضية ثانية.

على كل حال كيف أعرف من نفسي أنني ناصح صادق صدوق في نُصحي لأخي المُسلِم أو أختي المُسلِمة؟ سهلة جداً، النُصح الصادق يتلازم ويترافق بالستر، تنصحه وتستر، لا تقول لامرأتك ولا تقولين لزوجك ولا تقول لأحد، ولا كأنك رأيت، وإذا ذُكِر أمامك، كأن يُقال والله يا فلان عليه سيماء الصالحين، وأنت بالأمس مسكته من يده وهو يسرق، فإنك تقول نعم، نعم، أحسب ذلك، وأسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُصلِحنا جميعاً بما أصلح به الصالحين، إني لأحسب هذا، رجل طيب – ما شاء الله -، يرتاح له الإنسان. هكذا يكون المُسلِم، وليس أن تضحك ثم تسكت، ما هذا؟ ضحكتك هذه ضحكة كذّابين، فبالرغم من أنك لم تتكلَّم بشيء، نحن عرفنا أنك كذّاب، وتُحِب أن تنتقص منه، يُقال لك ما الأمر؟ خير؟ فتقول لا، لا شيء. يُقال لك لكنك ضحكت! فتقول لا، لا شيء، أسأل الله أن يستر علينا. يا سلام! اغتبته، هذه غيبة حقيقية، وفضحته بالطريقة هذه، وربما هذا أسوأ، بالعكس! أنت تركت كراوٍ – ما شاء الله – للخيال أن يُكمِل النقص، أنت كراوٍ مراوغ وكذوب تركت هذا للخيال؛ لخيال المُستمِعين، أي أن يُكمِلوا النقص بما شاءوا بعد ذلك، يجلسون ويتحدَّثون ويتندسون، ربما هو يزني، ربما قتل، ربما هو جاسوس، ربما هو عميل، ربما هو سكيّر (سكرجي)، ربما هو زانٍ (زنوي)، ربما كذا، وربما… بهذه الضحكة، بهذه! لا، كُن رجلاً، والمُعامَلة مع الله – عز وجل -، وقل نعم، إني لأحسبه كذلك، والحمد لله. فيرتاح له المرء، يرتاح له، انتهى، هكذا تكون سترت.

هذا النُصح، وهذا على فكرة ليس شيئاً مُستحيلاً، أنت تفعل هذا مع ابنك، أليس كذلك؟ لو واحد ذكر ابنك بخير، أنت تقول نعم والله، والله ابني (جدع)، ما شاء الله عليه. وأنت تعرف ابنك – ما شاء الله -، وتعرف عنه ما يُشين، ولكن لا تُحِب أبداً أن تُشير ولو من طرف خفي إلى ما يُتنقَّص به ابنك، أليس كذلك؟ جيد يا أخي، والمُؤمِن يُحِب لأخيه ما يُحِب لنفسه، فنحن نقول لك حب له مثل ما تُحِب لابنك حتى وليس لنفسك، لأخيك المُسلِم! استر عليه وحسّن سُمعته بين الناس، لا تفضحه، وهذا يُدخَر.

إذن ما الأجر؟ انظر إلى الأجر، إذن مَن رأى عورةً فسترها – يقول النبي عليه الصلاة وأفضل السلام، صلوا عليه – كان كمَن استحيا موءودة من قبرها. الله أكبر! ما هذا الدين يا أخي؟ قال لك الدين كذا وكذا، هذا ديننا الجميل، هذا هو، عِش مع هذا الدين، وأنا أُقسِم بعزة الله أضمن لك أنك تعيش حياة لا يعرفها إلا مَن عاشها، عِشها برجولة، عِش دينك برجولة، مع الله، المُعامَلة مع الله كما يُقال، المُعامَلة مع الله، اعمل الشيء لله، ليس للناس، وليس من أجل أن تُحاضِر فيه، أبداً! لله فقط، وسوف ترى ما السعادة التي سيضعها الله في قلبك، وما الرُشد الذي سيُعطيك الله إياه، وما السعة التي ستكون عليك في علمك ورزقك وصحتك ومالك وولدك ونسائك وكل ما تُريد، ما رأيك؟ أُقسِم بالله تصير أمورك شيئاً لا يُصدَّق، المُعامَلة مع الله فقط، هكذا يكون الدين، هذا الدين الصحيح، ليس أن تمشي في كل شيء بشكل غالط، ثم تقول بعد ذلك يا ربي من أين هذا؟ يا ربي لماذا؟ ما هذا؟ هل أنت غير فاهم؟ وهذه هي المُشكِلة، مُشكِلة العُصاة ومُشكِلة العميان يا إخواني أنهم يتساءلون دائماً، ويقولون إنهم لا يعرفون من أين دُهوا.

محمد بن سيرين – التابعي الجليل، الرجل الرباني، مُؤوِّل الأحلام، وتعرفونه كلكم، الرجل الرباني هذا، وكان مُحدَّثاً، كان مُحدَّثاً! ما شاء الله – في آخر حياته ركبته ديون، صار مديناً المسكين، وأفلس، لم يبق عنده أي فلس، ودخل السجن. وربما بعض الناس لم يسمعوا بمحنة ابن سيرين، كان عنده محنة عظيمة هذا المسكين، وقد دخل السجن، تخيَّل أنت أن إماماً جليلاً وشيخاً كبيراً في السن وشيخاً في العلم والإمامة، يدخل السجن! فضيحة كبيرة، أي هذه بلية، وهل تعرفون ماذا قال؟ قال إني لأعرف الذنب الذي دُهيت به، أنا أعرف نفسي – قال -، أنا غير زعلان من ربي، ولا أقول لماذا يا ربي؟ هناك أُناس يعتب الواحد منهم على الله، يقول أنا أُصلي، أنا أقوم الليل، أنا حافظ للقرآن، أنا لا أفعل الفواحش، ولماذا يا ربي سجنتني؟ لم يقل مثل هذا أبداً، أبداً! المُؤمِن بصير، ليس أعمى، وهذا بصير، قال أنا أعرف، إني لأعلم – قال – الذنب الذي دُهيت به، قالوا ماذا يا إمام؟ قال قبل أربعين سنة عيّرت رجلاً، قلت له يا مُفلِس. وأعرف نفسي وأنتظر اللحظة هذه.

ولذلك يقول عبد الله بن مسعود البلاء موكول أو مُوكَّل أو مُوكَل – وكَل ووكَّل – بالمنطق، ومَن عيَّر رجلاً برضاع كلبة، أخشى ألا يموت إلا بعد أن يرضعها. لو عيَّرت واحداً، وقلت له أنت رضعت من كلبة، أمك التي أرضعتك كلبة، سترضعها! شيء يُخيف، أنا شخصياً – العبد الفقير لله ولرحمته – أعرف شخصاً والله كما أعرف أي واحد فيكم، وهو قريب جداً مني هكذا، حدَّثني عن نفسه بأمر عجب، من أمر نفسه! هو يراه عجباً، قال لي يا فلان عجب. ويضحك المسكين ضحك المأساة، ويقول لي عجب، الذي يصير لي عجب. قلت هات ما عندك. حلف بالله، وقال لي ما شمت في أحد أو عيَّرته أو استهزأت به لشيء أصابه، إلا أصابني. قلت له هذا جيد، قال لي هذا شيء لا يكاد يُصدَّق. قال لي لا أقول هذا حدث ذات مرة، لأنه حدث عشر مرات في حياتي، لا يُوجَد شيء عيَّرت أحداً به إلا وقع لي. أي أنك كذا وكذا، أنت مَن فعل كذا، أنت كذا. والأمر نفسه مع مَن أُصيب بشيء، فيُقال هذا يستأهل، دعه، يدّعي أنه كذا وكذا أمامي، دعه. الشماتة! أعوذ بالله أن يشمت بنا الأعداء، والمفروض أنه لا يشمت بك إلا عدو، النبي كان يستعيذ بالله، يقول تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. العدو الذي يشمت وليس المُسلِم، هل المُسلِم يشمت في أخيه المُسلِم؟ غريب! غير معقول يا أخي، ما المُسلِم هذا؟ العدو! العدو الكافر يشمت فيك.

ولذلك لما موسى – عليه السلام – أخذ برأس هارون ولحيته، وقال له تعال وكذا، قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۩، قال لا تُشمِتهم في، الذين عبدوا العجل هؤلاء أعداء لنا، وهم أعداء لي أنا بالذات، وكانوا ضدي، لا تُشمِتهم في، سوف يقولون لك هو يستأهل، قال لنا لا تعبدوا العجل وما العجل وكان يسب في عجلنا وفي إلهنا، وها هو انظروا إليه، أخذه أخوه وأهانه، دعوه هكذا، لقد أعطاه على رأسه. أعوذ بالله، قال له لا. فتركه، فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۩، فهذا هو، نعوذ بالله، المُسلِم لا يشمت، المُؤمِن لا يشمت، ولا يُعيِّر، ولا يهزأ، ولا يسخر، ولا يتشفى: يستأهل، دعه. لا!

ولذلك انظروا إلى إبراهيم التيمي، أيضاً هذا الرجل من التابعين الأجلاء جداً، شيء عجيب هذا الرجل، إبراهيم التيمي هذا أذكر عنه أنه قال والله لو نودي أن القيامة تقوم بعد ساعة ما قدرت على أن أزيد في عملي. الله أكبر! لو كان هناك مُنادٍ من السماء يُنادي بأن بعد ساعة القيامة ستقوم، قال لن أقدر على أن أزيد في عبادتي وعملي الصالح، يا الله! انظروا إلى هذا، انظروا إلى أي درجة بلغ الاجتهاد، أي الرجل لم يضيع لحظة من حياته، اجتهاد تام، انظروا إلى هذا، انظروا! نماذج عجيبة هذه في الصدق والتدين الرهيب، ومع ذلك ماذا يقول؟ إني لأرى الشيء أكرهه – شيء غير جيد، مما يُغضِب الله -، فأكره أن أتكلَّم فيه، مخافة أن أُبتلى به. الله أكبر! إذن ما معنى كلامه؟ وهو كلامه غير واضح على فكرة، طبعاً هذا إبراهيم التيمي، وليس مثل إبراهيم التيمي مَن يُمكِن أن يُعيِّر أو يشمت أو يغتاب الناس، كأن يقول رأيت فلاناً يفعل كذا وكذا، مُستحيل! هو لا يعملها، ولكن ماذا يقصد هو؟

يقصد الآتي: أنا يُمكِن أن أرى واحداً، أو واحدةً، يعمل شيئاً غير جيد، ولا أقدر على أن أقول إنني رأيت “بعض الناس” يعملون كذا وكذا. أرأيت؟ وهو لن يقول هذا بالاسم، هذا مُستحيل، ولكنه يخاف من أن يتحدَّث هكذا أيضاً، هل تتصورون يا جماعة أن يُوجَد في بعض الناس مَن يفعل كذا؟ قال أنا أخاف من أن أتكلَّم بالطريقة هذه، فلا أتكلَّم بالمرة، أسكت وينتهي الأمر، أخاف من أن أُبتلى به. يا الله! فلماذا إذن؟ لماذا تُبتلى وأنت لم تغتب وكذا؟ هل تعرفون لماذا؟ لأنه الله – تبارك وتعالى – هو الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ۩، وهو – عز وجل – وراء قلب كل امرئ ولسانه، الله يعرف أنك لما حكيت هكذا، حكيت لأن قلبك على القيم والفضيلة والمُجتمَع والدين، أم حكيت من باب إظهار المزية، أي أنني كذا وكذا، ولست كذا وكذا، الحمد لله لست أنا مَن يفعل كذا، غيري مَن يفعل كذا، لكن أنا شيء مُختلِف – بفضل الله -، أنا على العكس من هذا، أنا هذا الشيء يروعني، يهزني، يُقلِقلني، يُزعِجني، أنا شيء مُختلِف، انظروا إلىّ، أنا المعصوم؟ من المُمكِن أن نيتك كانت مدخولة، من المُمكِن أن هذا كان نوعاً من الدعاية لنفسك، حين حكيت هكذا، فالله يقول لك تعال، خُذ عقابك. آه! شيء مُخيف.

وفعلاً هذا هو، ولذلك ما موقف المُؤمِن الحق يا إخواني؟ وقبل أن أقول موقف المُؤمِن الحق هناك شيء، هل تعرفون ما هو؟ هناك قضية خطيرة، وهي سطوة – سطوة من سطا – الطاعة، ما هذا؟ الطاعة؟ طبعاً، الطاعة تُعطي لصاحبها سطوة، بمعنى هناك واحد يفعل الآتي؛ تخيَّلوا الآن واحداً – مثلاً – قضى ليله كله قائماً باكياً، فتح المُصحَف، وكان قائماً راكعاً ساجداً تالياً، وهو يبكي وما إلى ذلك، وصلى صلاة الفجر ومكث في الصلاة أربعين دقيقة أو حتى ستين دقيقة وهو يبكي، وأصبح صائماً مُتصدِّقاً، وهو في طريقه إلى المسجد أعطى صدقة كبيرة، وبعد ذلك رأى مِمَن بينه وبينه شيء من بغضة أو نُفرة؛ جاره أو صديقه أو زميله في الدراسة، وبينهما شيء، ورآه وهو على معصية، كان عائداً إلى بيته وهو (معنجل) يده في يد امرأة صباحاً، وكان خارجاً من البار Bar أو خارجاً من الخمّارة. يُصبِح لديه سطوة، ينظر إليه هكذا باشمئزاز، ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أستغفر الله العظيم، اللهم يا ربي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. ما هذا؟ أخذته السطوة هذه، أرأيت؟ ومثله مَن يسطو، لأنه في عبادة وذكر، وهذا انظروا إليه، أين نحن قضينا ليلتنا؟ الحمد لله، وهو أين قضاها؟ لا، المُؤمِن ليس عنده هذا، المُؤمِن الحق هو الذي ليس عنده السطوة هذه، يبكي! يبكي على أخيه.

وليس هذا فحسب، الملامتية عندنا – نوع من العابدين والمُتصوِّفة – كانوا يُعلِّمون تلاميذهم ويُعلِّمون أنفسهم الآتي؛ يقولون لك إذا رأيت سكران يتطوَّح – وأنت خارج هكذا من المسجد، ورأيته أمامك يتطوَّح -، فتطوَّح. وحصل هذا، حصل للشيخ عبد الكريم الرفاعي – قدَس الله سره -، وهو شيخ الشام في وقته، وحصل للشيخ محمد الغزّالي، وهو شيخ الدُعاة في العصر الحديث، محمد الغزّالي المصري – رحمة الله عليه -، الاثنان حصل لهم هذا الشيء! يخرج الواحد منهم من المسجد، فيجد واحداً سكران، سُبحان الله، أرأيت؟ امتحانات! قال لك إذا رأيت واحد هكذا، فتمايل. اعمل مثله وكأنك سكران؛ لئلا تبغي عليه، لكي لا ترى نفسك أفضل منه، لأن الذي أتى بك وبعثك من مرقدك ومن بيتك وأدخلك المسجد ربك بفضله وعافيته، والذي خلا بينه وبين نفسه وبينه وبين شهوته أيضاً ربك – عز وجل -، فاحمد ربك، لأنه لم يفعل بك هكذا، وكان يُمكِن أن تتبادلا الأدوار، فيكون هو خارجاً من المسجد، وتكون أنت خارجاً، أو يكون ذاك البعيد خارجاً، من الخمّارة، احمد ربك، وارحم أهل البلاء، وابك عليهم.

الشيخ الغزّالي حين خرج مرة من المسجد رأى أحدهم وهو سكران. هذا محمد الغزّالي! فرأى هذا الشخص الشيخ طبعاً، والشيخ معروف، هذا الغزّالي، عالم كبير ومُؤلِّف ورجل صالح وبليغ، قال له يا مولانا، ادع الله لي، أنا كذا وكذا. وجعل يبكي، الشيخ الغزّالي نفسه استعبر، ومسح فمه هكذا، وقال له أنت يا ابني ادع لي، قال له انا أدعو لك يا مولانا؟ قال له كلنا – قال له هذا – مُحتاجون إلى دعاء الله، قال له هذا! ولذلك قال الإمام عليّ – عليه السلام وكرَّم الله وجهه – ما المُعافى بأغنى عن الدعاء له من المُبتلى. ألست مُعافىً ووضعك جيد؟ والله أنت تحتاج إلى هذا الدعاء مثل هذا المُبتلى، وربما أكثر. بصراحة في نظري أنت تحتاجه أكثر، سوف تقول لي لماذا؟ وسوف أقول لك لماذا.

لأن هذا المُبتلى الذي أضاع كل شيء مع (الطاس) وما إلى ذلك، عنده انكسار، وقد يكون عنده ندم، وأكيد عنده شعور بالذل والخزي، أليس كذلك؟ هو شاعر بالخزي وما إلى ذلك، حين يرى شيخاً مثل هذا – أي يرى شيخاً صالحاً – يشعر بالخزي! هذا يُحِبه الله من عبده، هذه العبودية، الشعور بالانكسار والافتقار والضعف والتواضع، ويُمكِن أن تكون – ما شاء الله – مُعافى، وتشعر بماذا؟ بالإدلال، أي أين أنا؟ أنا مُختلِف والحمد لله، أنا وضعي غيرهم، وكذا! والله يُبغِض هذا، ولذلك قالوا لأن تبيت نائماً – لا قمت الليل، ولا صليت، ويُمكِن حتى أن تكون صلاة الفجر ضاعت عليك – وتُصبِح نادماً خيرٌ وأحب إلى الله من أن تبيت قائماً – أي تُصلي وما إلى ذلك – وتُصبِح مُعجباً. مَن مثلي؟ الحمد لله أنا مُختلِف عنهم، سوف ندعو لك يا أخي – إن شاء الله -، إن شاء الله سوف ندعو له. أي دعاؤك مُستجاب! هكذا من نفسك؟ أرأيت؟ أرأيت العُجب والغرور؟ هذا الجهل، الجهل! هذا جهل وهذه (ولدنة)، العبّاد الحقيقيون ليسوا على هذا النحو، بالعكس! ليسوا هكذا أبداً، هل هذا واضح يا إخواني؟ 

وأيضاً هناك معنى يتصل بهذا المعنى، أرجو أن تُدقِّقوا فيه، معنى جميل وجليل، علّمنا إياه رسول الله، ما أعظم هذا المعنى! وما أعمقه! جزاه الله عنا خير ما جزى نبياً في نبوته ورسولاً عن رسالته وأمته، صلى الله عليه وآله. ففي الحديث الصحيح عن أبي هُريرة – رضوان الله عليه – أن رجلاً أوتي به سكران إلى رسول الله، فالنبي أمر بضربه، قال اضربوه، قال فمنا الضارب بيده – كان هكذا هو، لم يكن هناك حد وما إلى ذلك، كان هكذا -، ومنا الضارب بثوبه، ومنا الضارب بنعله. فقام رجل فقال أخزاه الله. أخزى الله هذا البعيد، هكذا قال! أخزاه الله، أي ما هذا؟ هذا في زمان رسول الله والوحي يتنزَّل علينا، وأنت أتيت لكي تسكر؟ أخزاه الله، فقال النبي لا تقولوا هكذا. لا – قال لهم -، الكلمة هذه ليست صحيحة. لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم. يا سلام! جميلة، وسوف نرى لماذا هي جميلة، جميلة. لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم، وهذا له علاقة بخُطبة اليوم، فانظروا إلى هذا القول النبي الكريم، يُلخِّص كل كلامه وما هو أفضل منه مليون مرة، لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم. وسوف نرى لماذا.

مثل هذا الحديث الصحيح أيضاً عن سيدنا عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، قال كان في زمان رسول الله رجل صحابي اسمه عبد الله، ويُلقَّب بحمار. لقب هكذا، والعرب كانت تُلقِّب في مرات كثيرة بالجُعر وبالحمار، أي بما عندهم من أشياء سيئة، وهو لقبه هكذا! وكان يُضحِك رسول الله – صلى الله عليه وآله -. والرجل هذا كان يسكر. فأوتي به، فضربوه، ثم بعد حين أوتي به، وأيضاً ضربوه وكذا، فقال رجل اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتى به! ما هذا الملعون؟ كل يوم والثاني يأتي وهو سكران! فالنبي زجره، أي زجر هذا اللاعن، وقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا تلعنه، فوالله ما علمت – ما معنى ما علمت؟ الما هذه، ماذا؟ موصولة، وليست نافية، أي مبلغ علمي، الذي أعلمه، أرأيت؟ هذا معناها، ما علمت – أنه يُحِب الله ورسوله. قال مبلغ علمي أن هذا الرجل يُحِب الله والرسول، ولكن هو ماذا؟ مُبتلى، أرأيت؟ عنده هذا المسكين شهوة، وهو ضعيف أمامها، أي شهوة السُكر، هو ضعيف وأنت لا تعرف لماذا.

وأنت الآن لو درست الدراسات العلمية الحقيقية، لتعرف لماذا هذا يقتل؟ لماذا هذا يسرق في بعض المرات؟ لماذا هذا يتكلَّم في حق الناس؟ لماذا هذا يسكر؟ لقلت بصراحة أنا لا أُريد أن أعتب على أي أحد، وأنا فقط أُريد أن أسأل الله العفو والعافية والمُعافاة الدائمة، هناك أُناس الواحد منهم يكون شبه مدفوع – أقول شبه مدفوع – إلى الأشياء هذه يا إخواني، هناك جينات Genes في بعض المرات، هناك تربية، وهناك اختلاطات نفسية، قصة مُعقَّدة! ولذلك كلما اتسع العلم كلما أقام الإنسان المعاذير للناس، كلما زاد علمك كلما صرت تقول ربما لو كنت مكانه لكنت أسوأ منه – بحسب هذا المعنى -، أليس كذلك؟ فالحمد لله على العافية، واللهم اغفر له.

قال له ما علمت إنه يُحِب الله ورسوله. عند أبي داود بزيادة – في الحديث نفسه عن عمر، زاد أبو داود، لذا قلت بزيادة – أن النبي ماذا قال؟ ولكن قولوا اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. يا سلام! اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. هذا هو، فلماذا إذن؟ 

انظر إلى الحافظ ابن حجر العسقلاني – رضوان الله تعالى عليه -، وهو أمير المُؤمِنين في الحديث، شرح هذا، قال لك لماذا النبي قال لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم؟ انظر إلى هذا، هذا كلام جميل، قال لأن الشيطان حين يُزيّن للعبد المعصية، يُريد له أن يخزى، طبعاً! المعصية تُخزي الإنسان، وخاصة حين تُكتشَف وتُفتضَح، يحدث له الخزي، ما أخزى مَن يسرق هكذا أو يزني أو يشرب الخمر! خزي، هذا خزي بين الناس بصراحة، هو يُريد أن يحدث له الخزي، الشيطان يُريد هذا، فحين قال هذا الصاحب – رحمة الله عليه قال هذا – أخزاه الله، فكأنه حصَّل مقصود الشيطان، هذا هو الذي يُريده الشيطان، وأنت كأنك تقول نعم، دعوه هكذا وهو مخزي، أخزاه الله، لا! لا تقل أخزاه الله أبداً أبداً.

وطبعاً أنت حين تقول عن واحد هكذا أخزاه الله ويكون هذا في وجهه، هذا المسكين – ينبغي أن تعرف هذا – يتأكَّد عنده أنه خزيان، ويقول لك نعم، أنا من أهل الخزي، لقد انتهى الأمر، وهي (خربانة خربانة). أليس كذلك؟ فهكذا تُعين الشيطان عليه، ومن ثم يظل مُواصِلاً في هذا، أرأيت؟ افعل العكس، قل له يا فلان ما هذا الظن بك، يا أخي والله إنك لرجل مُحترَم، لولا هذه القبيحة التي فيك، ونسأل الله العفو والعافية لك يا أخي، يا أخي كذا. ومن ثم يتأثَّر، أي حين تقول له أنت مُحترَم، والله أنت رجل، أنت طيب، ومن عائلة طيبة يا أخي، وهذا لا يليق بك حقيقةً، ولولا هذا الشيء لكنت – ما شاء الله عليك – شيئاً آخر. يُشجِّعه هذا، أليس كذلك؟ هو هذا، والنبي يُريد هذا.

ولذلك حين أمر مرة بجلد أمة زنت، وكأن بعض الناس أيضاً تكلَّم فيها، قال لا تُثرِّبوها. أخذت عقوبتها وحُدت، لكن التثريب ممنوع، أنتِ… وأنتِ… وأنتِ… وأنتِ… وأنتِ… وأنتِ… وأنتِ… ممنوع! لأنها ستزداد بعد ذلك، أليس كذلك؟ لا تُثرِّبوها. هل هذا واضح يا إخواني؟

ماذا قال يوسف بعد الذي فعلوه به؟ وكم مرة فعلوا به أفاعيل! وفي المرة الثانية أيضاً كذبوا عليه أمام الملك أو أمام وزير الاقتصاد، قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ ۩، أي بنيامين، فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۩، قالوا هو عنده أخ ثانٍ – أي عن يوسف قالوا هذا -، وهو سرّاق أيضاً. أي هل بعد الذي قمتم بفعله تقومون أيضاً الآن بإلصاق تُهمة بي، وهي أنني سرّاق؟ يوسف! إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ۩، ولكن لما الأمور – سُبحان الله – عادت إلى نصابها أو وُضعت في أنصبتها كما يُقال، ماذا قال؟ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۩، يا سلام! التثريب مرفوض – قال لهم -، لن أُثرِّب، أرأيت؟ المُؤمِن لا يُثرِّب، المُؤمِن لا يُعيِّر ولا يُثرِّب، المُؤمِن ينصح بإشفاق ويستر، قال الفُضيل بن عياض المُؤمِن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيِّر. لا يسترك، يذهب ويقول أرأيتم فلاناً؟ لقد فعل كذا وكذا وكذا، ويُعيِّر! ويدّعي أمامي أنه كذا وكذا، ويدّعي أمامي أنه كذا وكذا، ويقول إنه من عائلة كذا، وأنتم ترون ما يفعل. تعيير، هذا تعيير!  

هل تعرفون أن فينا أحياناً – بعض الناس هكذا – مَن يُمكِنه أن يُعيِّر آخر بشيء فعله في الطفولة أو في المراهقة؟ يقول أوليس هذا الذي قديماً سرق كذا وكذا من الجيران؟ فلماذا يقول هذا؟ هذا قبل ستين سنة، وهذا عمره سبعون سنة، أي حين سرق كان عمره عشر سنوات! فهم يُلاحِقونه بالعار بعد ستين سنة، ما هذه الثقافة السيئة؟ أهذه ثقافة مُسلِمين؟ أهذه ثقافة المُسلِم؟ قال لك لا، انس، هذا الذي سرق من الجيران قديماً! هذا سرق من الطاحونة، سرق ربما شعيراً أو شيئاً كهذا، هذا هو، سرّاق هذا! أو يقول هذا الذي كانت أمه سرّاقة. لا، ليس هكذا، عيب! هذا عيب والمُؤمِن لا يكون هكذا.

فهذا ملحظ جميل يا إخواني، ألا نكون عوناً للشيطان على إخواننا الذين ابتلاهم الله بالمعاصي، هذه نُقطة، وهناك نُقطة أُخرى ولن نُطيل فيها، وهي الشماتة. لا تُظهِر الشماتة بأخيك، فيُعافيه الله ويبتليكَ. من ناحية نحوية لابد أن نقول هذا بالنصب، أي ويبتليكَ، ولكن الناس يقولون ويبتليكْ؛ من أجل السجع، ولكن هي هكذا، هذا لازم، أي فيُعافيه ويبتليكَ. وهذا وعد، أو وعيد، مُخيف يا إخواني، أن مَن شمت بأخيه في شيء، سيُبتلى. وما هي الشماتة أصلاً؟ ما هي الشماتة؟ لأن هذه نُقطة مُهِمة جداً.

في اللُغة الألمانية هناك كلمة، ذكرتها مرة في خُطبة – ذكرتها مرة أو مرتين -، اسمها شادن فرويدا Schadenfreude، شادن فرويدا Schadenfreude! ويُقال ليس لها مُقابِل في مُعظَم لُغات العالم في لفظة واحدة. أي تُضطَر إلى أن تشرحها شرحاً عادياً! وهي الفرح بخسارة الآخرين، أي الفرح بمُصاب الآخرين، بكسرة وبخزي الآخرين، شادن فرويدا Schadenfreude! ولكننا نقول لا، لها مُقابِل في اللُغة العربية، وهو أفصح منها، لأن هذه مُركَّبة تركيباً، هي من شادن Schaden وفرويدا Freude، أليس كذلك؟ والألمانية عندها هذه الصفة الجميلة، ولكن لا، في العربية اسمها الشماتة، الشماتة! ترجمة شادن فرويدا Schadenfreude الشماتة، شمت كفرح وزناً ومعنىً، شمت فرح، يشمت شماتةً وشماتاً – أي شماتاً بالألف -، يشمت شماتةً وشماتاً. ما هي؟ إذا فرح وسُر بما يُصيب عدوه أو محسوده من أذى وضر، شادن فرويدا Schadenfreude، موجودة! الشماتة، قال لك ليس لها مُقابِل، ولا تُوجَد إلا في الألمانية. لا! هذا غير صحيح، في العربية موجودة من قديم، أي (من يوم يومها) عندها لفظة الشماتة، فما معنى الشماتة؟ أنه يفرح، وهذا غير التعيير، فيُمكِن أن يشمت ولا يُعيِّر، هل هذا واضح؟ ولكن طبعاً مُستحيل أن يُعيِّر أحدهم وهو غير (شمتان)، أليس كذلك؟ هذا هو، هذا أكيد، ما دام هو يُعيِّر، فإذن هو (شمتان)، ولكن يُمكِن أن يشمت دون أن يُعيِّر، أليس كذلك؟ يتنزَه عن التعيير، ولكنه (شمتان)، فرحان، يقول في نفسه هذا هو. وهو مبسوط، يسمع الخبر وهو سعيد – والعياذ بالله -، وإذا أمكن أن تتصوَّر أن يشمت واحداً بعدوه الذي هو على غير دينه، والذي سرق أرضه، وما إلى ذلك – نعم، أهلاً وسهلا -، فكيف أن تتصوَّر أن هناك مَن يشمت بأخيه في الوطن وفي الدين وفي المِلة؟ مُستحيل، يعني هذا شيء إبليسي، صفة  إبليسية، صفة إبليسية – والعياذ بالله -، صفة إبليسية حقيقةً، ليست صفة آدمية، لماذا؟ بالعكس! 

فالنبي حذَّر وقال لا تُظهِر الشماتة بأخيك، فيُعافيه الله ويبتليكَ. وهذا شيء مُخيف، أرأيت؟ إذن إياك أن تشمت بأحد، لئلا يُشمَت بك، لئلا يُشمَت بك! بل ارحمه، وادع أن يعفو الله عن هذا المسكين وأن يرفع ما به من ضر ومن بلاء، هذا هو، وهذه الأخلاق الآدمية كما قلنا، انظر إلى هذا! وأنا أحكي الكلام هذا دائماً ما أستحضر أن الإنسان كإنسان فيه هذه النزوعات، أعرف هذا، وأتفهَّم هذا، ويعرفه بشكل خاص مَن يدرس علم النفس وعلم الأعصاب. فينا كبشر هذا، ونحن حيوانات، جُزء منا حيواني، ونحن المهاد الأصلي الخاص بنا هكذا حيواني، لولا نفخة الروح! هذه – أي نفخة الروح – جعلتنا خلقاً آخر، ولكن أنصباء الناس من هذه الروح يتفاوت بحسب العناية، هناك مَن اعتنى ومن صغره بهذه الروح، بهذا الشيء الإلهي الذي فيه، نماه بالعبادة، بالذكر، بالأخلاق الحسنة، بالثقافة الراقية، نماه! فصار عنده روح قوية – ما شاء الله -، جميل! وهناك مَن لم يفعل هذا، دساها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ۩، هذا هو، وهذا القرآن، كل شيء فيه، هناك مَن نمى الروح التي فيه، نماها وجاهد نفسه، وهناك مَن لم يفعل هذا، تركها هكذا، فذبلت، عنده روح ضعيفة، فتجد أن مُعظَم أفكاره وخيالاته ونزوعاته سيئة وقبيحة وحيوانية غرزية وشريرة، أليس كذلك؟ لم يرب نفسه، أرأيتم؟ هذا هو، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۩، ربنا آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير مَن زكاها، أنت وليها ومولاها. من دعاء النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -. 

فالشماتة أيضاً ممنوعة، الهزؤ والسخرية ممنوعة في دين الله – تبارك وتعالى -، هذا ممنوع منعاً باتاً، تخيَّل! هذا ممنوع على الإطلاق، إلى آخر هذه الأشياء، لا نُريد أن نخوض في أدبياتها، وهي معروفة للجميع.

نأتي الآن إلى النُقطة الأخيرة، وهي نُقطة التحليل النفسي لهؤلاء، الذين يُعيِّرون ويشمتون، أو اكثر من هذا: أصحاب – كما قلت – النزوعات الفضائحية، الذين يُحِبون حتى أن يُشيعوا هذا في الأمة وفي الناس، وأحاديثهم كلها على هذا النحو، عن فضائح الناس، وعن جرائم الناس، وعن مشاكل الناس. لماذا؟

هل تعتقدون مبدئياً أن هؤلاء الأشخاص ذوو شخصيات قوية، ناجحة، مُنجِزة، مُستقِرة، رضية – أي Satisfied كما يُقال هكذا -؟ أبداً، أبداً! ومُستحيل أن يكونوا كذلك، ولكي نُوضِّح هذه النُقطة ببساطة سنسأل سؤالين، أو سنُلقي سؤالاً ومثلاً، أو سؤالاً وقصةً.

السؤال الأول: لو كنت رجلاً حائزاً على شهادة، وتُريد أن تتوظف بها، أو ابنك أنهى الجامعة، وحصل على تقدير مُمتاز وما إلى ذلك، وكنت تُريد أن تذهب لكي تُوظِّفه في شركة مُعيَّنة أو في مُديرية أو في مُؤسَّسة، أياً يكن! مبدئياً أنت تُفضِّل أن تذهب إلى مُدير عنده شهادات أعلى من ابنك وبتفوق أكبر من ابنك، وعنده Career ومسيرة مهنية مُمتازة، أم تُريد أن تذهب إلى واحد أخذ شهادته بطريقة لا يعلمها إلا الله، أي بالواسطة وبالمحسوبية، وهو صار المُدير هنا والمسؤول؟ تُفضِّل أن تذهب بابنك إلى مَن؟ أكيد بالبداهة وبالحس البسيط الذي عندك ستقول لا، سأذهب به إلى الأول، لأن الحياة علَّمتك أن الثاني هذا ليس جيداً، ما له؟ ينطوي على مرارة، أليس كذلك؟ وينطوي على ما يُسمى بالعُقد في اللُغة العامية، لكن هذا ليس في اللُغة النفسية؛ لأن في النفسية لا يُسمى هكذا! العُقد لابد وأن تكون عند مَن هو دون الخامسة في العمر، على الأقل بالطريقة الفرويدية، فالعوام يقولون لك إنه ينطوي على عُقد، هو مُعقَّد، عنده عُقد نفسية وما إلى ذلك، لأنه ماذا؟ ليس عنده أي Career جيد، ليس عنده شهادات، وليس عنده كذا وكذا. فطبعاً هو يرى مَن يأتي إليه وهو يحمل شهادة ومُتميِّز – وهو ولد صغير، عنده ثلاث أو أربع وعشرون سنة -، يراه ماذا؟ تحدياً. أليس كذلك؟ تحدياً له! تحدياً له وتذكيراً له بفشله، أليس كذلك؟ فينتقم منه.

وفعلاً من المُؤكَّد أنه ينتقم منه، ويا ويله! يا ويل شخص – والله العظيم – نابغة أو ذكي أو مُتفوِّق في إمرة وولاية واحد فاشل! سوف يجعله يرى نجوم الظهر، ودائماً يُضايقه، وعنده عُقدة دائماً؛ أتظن أنك بالشهادة وصلت؟ هل الحكاية حكاية شهادة؟ ويا أخي هل نحن قلنا شيئاً؟ هل قلنا شيئاً؟ لم نقل شيئاً، ودائماً عنده هذه الكلمة، الشهادة على لسانه: الشهادة، الشهادة… بلها واشرب الماء الخاص بها، الحياة ليست شهادة يا ابني. وهكذا! هم مُعقَّدون على هذا النحو، والدراما تُظهِرهم، يُظهِرونهم لك دائماً في التلفزيون Television، وهم فعلاً على هذا النحو.

هذا الشخص يُصيبك بالجنون، هل هذا واضح؟ وما أقسى هذا الشخص يوم تغلط طبعاً! يقول أرأيت؟ الشهادة قال، لعن الله أبا الجامعة التي أعطتك الشهادة، ما هذا؟ أنا عندي (الفراش) لا يغلط مثل هذه الغلطة، أنا كذا وكذا. ويعمل لك مُشكِلة، ويقول لك اذهب وناد أباك، ناد أباك. ويقول له ابنك… وابنك… ويعمل لك قصة كبيرة، تخيَّل!

بخلاف الآخر، الذي ذاق طعم النجاح، رضي بما أنجز، رضي بما حقَّق، وهو مُمتلئ، مُستقِر، مُتوازِن، بالعكس! سوف يتبناك، أو سوف يتبنى ابنك، وسوف يقول له يا ابني بالعكس، أنت تُذكِّرني بشبابي، وبصراحة تقديرك عالٍ، وانظر يا ابني إليه. تقول له لكن أنا يا سيدي لست مثلك، وأنت – ما شاء الله عليك – ناجح، ومعروف على مُستوى الدولة. ولكنه يقول لك لا يا ابني، لا، هذا غير صحيح أبداً، أبداً! هل تعرف لماذا؟ أنا سأكون صادقاً معك يا ابني، وأنا في مقام أبيك، تقديراتك – ما شاء الله – عالية، وكذلك تحصيلك، أنا لم أكن مثلك. تقول له لا، لا! لا يا سيدي، العفو. لكنه يقول لك لا! هذه هي، هذه الحقيقة يا ابني، أنت بدايتك أحسن من بدايتي، ومُستقبَلك واعد – بإذن الله -. فأنت ترى أن هذا شيء ملائكي، أليس كذلك؟ لأنه راضٍ، أليس كذلك؟ هل هذا واضح يا إخواني؟

هذا المدخل البسيط يجعلك تفهم مَن الذي يشمت، ومَن الذي يُعيِّر، ومَن الذي يفرح بأخطاء الآخرين؛ الفاشل، المُعثَّر، التعبان، الذي عنده مرارة، الذي عنده ألم، الذي عنده أشياء تُذكِّره بأشياء لا تُريحه، أليس كذلك؟ فعلاً ينبسط هذا، ويتحدَّث في هذا على مدار الأربع والعشرين ساعة، هناك كلام في الناس وما إلى ذلك، ويكتب عن الآخرين، ولديه منشورات – بوستات Posts – وأشياء، ويأتي يُعيِّر بها؛ لكي يرتاح! مثل الثعلب – ولن نقول هذه القصة، هذه معروفة، ونحن درسناها حين كنا صغاراً في المدرسة، كليلة ودمنة – الذي انقطع ذيله. وأنتم تعرفون قصته هذا، قطَّع ذيول الآخرين! احتال لكي يُقطِّع كل ذيول أصحابه الثعالب، ونجح في هذا؛ لكي يرتاح، ما أحلاه وهو من غير ذيل! في حين أنهم كلهم بذيول طويلة هكذا – ما شاء الله -. فهذا يُتعِبه، فقطَّعهم!

في الأساطير اليونانية أو الرومانية – أعتقد يُمكِن أن تكون هذه في الرومانية – هناك أسطورة لوكريشيا Lucretia، وهي مشهورة جداً، أي حتى الآداب الأوروبية الحديثة – وخاصة الأدب الفرنسي – تهتم بها، وقد أخرجوها أكثر من إخراج مسرحي، مشهورة جداً، ابحثوا عنها، اسمها أسطورة لوكريشيا Lucretia، وهي مُكرَّرة في كل الأمم.

باختصار لكي لا نُطيل في هذه الأسطورة: لوكريشيا Lucretia هذه كانت امرأة حسناء وفاضلة، امراة حسناء وفاضلة ووفية، في مُجتمَع ساقط سافل، مُجتمَعها لم يكن جيداً، كان مُنحَلاً، لكن زوجها فعل الآتي، ويُمكِن أن يكون هذا خطأ زوجها أيضاً، انتبهوا! هذا مُهِم جداً هنا إذن، هذا خطأ زوجها، فهذه الأشياء تُعلِّم! 

دائماً كان يُدل بشرف وأمانة زوجته وطهارتها، يجلس في الحانة هكذا مع أصدقائه وبمُناسَبة وبغير مُناسَبة يقول لهم زوجتي أنا لا تُوجَد مَن هي مثلها، شرف وعفة وجمال واستقامة، وفية – بفضل الله -، ولا تخرج ولا تنزل، فقط تهتم ببيتها وشغُل البيت. قالوا له لا، هل تظن أنك كذا وكذا؟ واستفزوه، قال لهم أنا أتحداكم في هذا اليوم، أتحداكم كلكم، وها أنتم قاعدون – وكان هناك سبعة أو ثمانية -، إذا رجعتم الآن إلى بيوتكم، فلن يجد كل واحد فيكم زوجته إلا وهي في وضع غير مُحترَم، قال لهم أنا عندي معلومات وما إلى ذلك. واذهبوا الآن! فقبلوا التحدي ورجعوا، وفعلاً كل واحد وجد زوجته في وضع غير مُحترَم، فانزعجوا طبعاً، هل هم سيرتاحون؟ لن يقولوا يا حيهلاً على فلان وعلى زوجته – ما شاء الله -، يا ليتنا مثله! لا، هذا غير صحيح، لابد وأن ننتقم منه، ذنبه أنه سعيد بعفيفة في مُجتمَع سافل، لا بد وأن نُلطِّخ سُمعته.

أحد هؤلاء كان أميراً، شعر بمرارة بالغة، فاحتال بحيلة، لكي يُمرِّغ سُمعة الرجل الساذج هذا! لأنه ساذج، لا يجوز أن تُدل على الناس بالطريقة هذه، أليس كذلك؟ وأصلاً لا يجوز الحديث عن زوجتك بهذه الطريقة، هذا غير جيد. فجاء هذا الأمير اللعين، ودخل على لوكريشيا Lucretia المسكينة هذه ذات مرة، اقتحم عليها منزلها في غيبة زوجها الذي كان في الشُغل بالخنجر، قال لها سلّمي نفسك لي. قالت له مُستحيل، الموت قبل ذلك. قال لها إذا لم تسلّمي نفسك لي، فسأقتل عبدك هذا – عندها عبد يخدمها -، ثم أقتلك، ثم أضعه فوقك، ثم أُشيع في الناس أنني جئت أسأل عن صاحبي فلان – أي زوجك، الرجل الطاهر، العفيف، المُحترَم، المخدوع، المغدور -، ووجدت هذه الوضعية، فقتلت الاثنين؛ انتقاماً لشرف صاحبي. عرفت هذه المسكينة أنها تورطت، فلم تجد بُداً من أن تُسلم نفسها له.

سلَّمت نفسها، وطبعاً هذه البداية، لكن لن يحدث شيء، ماذا سوف يعمل هو؟ سوف يُكمِل حلقات المُسلسَل، سوف يُبدأ في أن يُشيع أن هذه سيدة فاجرة، أليس كذلك؟ وبالعكس! وأنا سأُثبِت لكم هذا، فأنا مُستعِد لأن أذهب وأراودها عن شرفها، وسوف تستسلم لي، فهل ستُجرِّبون؟ هيا راقبوا! ويدخل عليها، ويرى الناس ذلك، وينتهي الأمر. وهذه المسكينة فهمت هذا!

مُباشَرةً بعد أن فعل فعلته اللعينة، أرسلت في أثر زوجها، فجاء وقالت له ائتني بأربعة من أصدقائك الخُلص، لماذا؟ قالت له أنا أُريد أربعة، فجاء الأربعة، فاعترفت لهم بكل ما جرى، قالت لهم جرى واحد، اثنان، ثلاثة! على غير طوع مني ولا إرادة، أراد أن يُلطِّخ شرفي، ولا يهنأ لي العيش بعد الآن، واستلت الخنجر، وقتلت نفسها، وهذه المسكينة قبل أن تموت، ماذا قالت؟ أُريد أن أبقى عنوان الفضيلة والشرف. وبقيت طبعاً، لأنها قطعت المُسلسَل، لم يحدث هذا، ولم يثبت عليها، ثبت أنها – أي هذه المسكينة – ماتت في ظرف من الظروف، لم يُعرَف ما هو، ولكن ماتت وهي الطاهرة العفيفة.

عبرة هذه الأسطورة أن الأشخاص المُلتاثين والأشخاص الذين يُعانون من نقائص مُعيَّنة يُحاوِلون أن يبحثوا عن الراحة والاستقرار في تلطيخ الآخرين، هل هذا واضح يا إخواني؟

ماذا تقول العرب؟ العرب كانوا يقولون ودت الزانية لو زنت كل نساء الحي. وهذا صحيح، ودت الزانية لو زنت كل نساء الحي. فهذا كلام خطير، معناه ماذا؟ معناه؛ إذا رأيتم شخصاً فرح بخطيئة شخص آخر، وكان يقول أرأيتم؟ يدّعي أمامي أنه أستاذ الفضيل، واتضح ان هذا البعيد كذا وكذا، وبدأ يخوض فيه، فافهموا أن هذا (الشمتان) المُعيِّر الذي يفرح بما حصل، واعرفوا أنه ينطوي على وساخة. هو وسخ، غير نظيف! ويُعاني من أشياء داخلية هذا المسكين، لأنه يُريد أن يرتاح! أي هذا الخبيث المسكين المُلتاث. يا أخي اذهب وعالج نفسي، يا ابني عالج نفسك عند طبيب نفسي، فهذا أحسن لك، ما هذا الانحطاط الذي انحططت بنفسك فيه؟ ويدّعي أنه غير ذلك! وعلماء النفس يُؤكِّدون هذا.

هناك شيء يُسمونه في علم النفس الحيل الدفاعية، أو الأواليات أو الآليات – أي الــ Mechanisms – الدفاعية، أي الــ Defense mechanisms. ما هي الآليات الدفاعية؟ هي أساليب – أي إجراءات – لا شعورية، تقوم بها النفس، التي عانت طويلاً من الإحباط، أي الــ Frustration، مُحبَطة! عندها إحباط جنسي، إحباط تعليمي، إحباط اجتماعي، إحباط ذاتي، على أي مُستوى، إحباطات! وكلما طلعت من (جورة)، وقعت في (جورة)، تُمارِس الفشل بأشكال مُختلِفة، أشكالاً وألواناً، غير قادرة على أن تنجح وعلى أن تُحقِّق ذاتها، أي الشخصية هذه، فيطول مدى الإحباط! فطبعاً غير مُمكِن للفاشل أن يقول لنفسه أنت فاشل، أنت كذا. لا! الأحسن له أن ينتحر، سيقول أنا سأنتحر. فلكي يتوازن قليلاً هذا المسكين ويرتاح، ماذا يصطنع؟ يصطنع حيلاً. وطبعاً هذه الحيل كثيرة، الحيل الدفاعية هذه كثيرة، ولها أهداف كثيرة، وعندها أضرار. ولن ندخل في هذا، لن نعقد مُحاضَرة عن الحيل الدفاعية، لكن عموماً تُقسَّم إلى: حيل خداعية، حيل هروبية، وحيل استبدالية. الحيل الاستبدالية مثل الإعلاء، مثل التسامي، الهروبية مثل النكوص، أي الــ Regression، ومثل الكبت والقمع، الحيل الخداعية مثل الــ Fancies، الخيالات وأحلام اليقظة، ومثل الــ Projection، أي الإسقاط، وكلامي الآن في الإسقاط، هو هذا، كلامي في الإسقاط.

وقد يقول لي أحدهم لم تأت بشيء من دار أبي علم النفس، العرب تعرف هذا من أيام الجاهلية، يقول لك رمتني بدائها وانسلت. وهذا صحيح، رمتني بدائها وانسلت. ما معنى رمتني بدائها وانسلت؟ واضح أن الذي يقوم بنسب كذا وكذا إلى الناس، ويقول إن الناس كذا وكذا، والناس كذا وكذا، واضح أنه هو مَن يُعاني مِن هذا، أليس كذلك؟ فأحياناً تجد واحداً عنده عُقدة مثلاً، تكون على هذا النحو؛ يقول إياك أن تستأمن جنس الرجال. جنس الرجال! أنت من أين؟ هل أنت من المريخ؟ من أين أتيت أنت؟ أنت من جنس الرجال، ومن ثم نحن لن نستأمنك – بحسب هذا المعنى -، يقول لك إياك أن تستأمن جنس الرجال يا رجل. كيف يا رجل؟ قل له، فكل الرجال كالنساء، وفعلاً هذه هي الحقيقة، فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك، هذا هو! والناس لا يزال فيهم الخير – بفضل الله -. ولكنه يقول لك لا، هذا غير صحيح، لا تستأمنهم. وهو يُجن، أي هذا المسكين! 

اعلم أنه هو مَن يُعاني، وأن عنده دوافع ونزوعات خسيسة جداً إزاء أقرب الناس حُرمة؛ زوجة أخيه، ربما زوجة أبيه، وزوجة الجار. ويتعذَّب هذا المسكين، يتعذَّب! وهذا لا يعني أن عنده علاقة معهن، ولكن عنده دوافع لأن يُمارِس هذا الشيء، وطبعاً هو ممنوع بسبب أو بآخر، ولكن هو يتعذَّب، وضميره يُعذِّبه؛ لأن كيف يشتهي هو زوجة أخيه؟ كيف يشتهي زوجة أبيه أو زوجة عمه أو زوجة جاره؟ هذا يُزعِجه، أليس كذلك؟ أو كيف يشتهي زوجة أستاذه؟ وهو يرى أن هذا شيئاً خسيساً وفيه نذالة وليس حلواً وما إلى ذلك، فيقوم برمي ذلك على الناس، يقول لا تستأمن جنس الرجال، الرجال كلهم كذا. وهذا يعني أنه يقوم بالتحدث عن نفسه، فضح حاله! هذه حيلة ماذا؟ الــ Projection، الإسقاط كما يُسمونها، حيلة ماذا؟ رمتني بدائها وانسلت. والنبي أشار إليها، أشار إليها بذكاء شديد النبي، وذلك حين قال ماذا؟ مَن قال هلك الناس – هذه هي، إياك أن تستأمن جنس الرجال، وكل الرجال خونة -، فهو أهلكهم. هو أخونهم! النبي فاهم هذا، قال لك الذي يجلس ويُعمِّم وما إلى ذلك، ويقول لك احذر واحذر وما إلى ذلك، ويُؤكِّد وعنده إصرار، ويتناول هذه الموضوعات بعصبية – في بعض المرات تُصيبة حالة من العصيبة -، هو مَن يُعاني. اعرف أن هذا المسكين يُعاني، وأنه يتحدَّث عن نفسه، وليس عن الآخرين، أليس كذلك؟

وعلى فكرة عكس هذا الإسقاطي، أي الشخص الإسقاطي، تماماً الشخص البريء الطاهر (الغلبان)، هذا يكون (غلبان) ويقول لك يا أخي مُستحيل، ما هذا؟ مُستحيل، لا، ولا يحدث الكلام هذا يا رجل، صل على النبي يا رجل، هل أُصيبت بالهبل؟ هل أُصيبت بالجنون؟ لا يحدث. تقول له كيف لا يحدث يا أخي؟ هذا موجود في اليوتيوب YouTube. فيقول مُستحيل أن يفعل هذا أحد يا أخي، مُستحيل والله. هذا مسكين، يستأمن كل الناس، على عِرضه وعلى سره وعلى بيته وعلى ماله، هل تعرفون لماذا؟ لأنه أمين، تجد أنه في حياته لم يخطر له على بال أن يُفكِّر في شيء ليس له، كأن يُفكِّر في زوجة جاره أو في زوجة أخيه، مُستحيل! لا يخطر له هذا على باله، أي هذا المسكين، ويظن أن كل الناس مثله، تخيَّل! هذه الصورة المُعاكِسة للشخص الإسقاطي.

إذن واضح في قضية الشماتة والتعيير والفرح بأخطاء الآخرين، العُنصر ماذا؟ الإسقاطي، هل هذا واضح يا إخواني؟ وهل تعرفون أن الإسقاط خطر؟ وعلى فكرة في بعض المرات – أي في مرات قليلة جداً، في بعض المرات هذا – يُمكِن للإسقاط – والعياذ بالله – أن ينتهي بصاحبه إلى ارتكاب جريمة، تخيَّلوا! هذا شيء مُخيف، سوف يقول لي أحدكم كيف؟ هل سيصل الأمر إلى جريمة؟ نعم.

هناك شخص – مثلاً – يأتي معك، ويُصلي هنا في المسجد. وأنت ذات مرة كنت تنظر هكذا بضيق، وأنت عندك دين، عندك فواتير – أي Bills أو Rechnungen -، ولابد وأن تدفعها، وتشعر بالنكد وما إلى ذلك. فقال ما هذا؟ هو (يكشر) في وجهي، أنا أعرف هذا، هو أصلاً يكيد لي، هذا يكرهني؛ لأنني اشتريت سيارة جديدة، وهو ليس عنده سيارة مثلها. أُصيب بالهبل! المسكين هذا مريض، ويبدأ يُكبِّر في الأشياء هذه، وطبعاً مَن المُصاب بالغيظ جداً من قصة السيارة؟ هو، هو! هو أصلاً عنده عُقدة من ذلك، كيف لفلان أن يكون عنده سيارة موديل Model كذا، وهو ليس عنده هذا الموديل Model وهذا الشيء الفاره؟ وهو يشعر بالغيظ وما إلى ذلك، ولكنه رمى هذه عليك! وأنت (غلبان) وليس لك علاقة بالقصة. ويقول كذا وكذا، وهو يكيد لي. ويبدأ في انتقاصك! يبدأ وقد ينتهي به الأمر إلى أن يعتدي عليك جسدياً، تخيَّل! لكي يرتاح من هذا الإلحاح، وفي الحقيقة هو يرمي الذي في نفسه عليك أنت، هو الذي عنده هذا الشيء، هو الذي أُصيب بالغيظ، ويبدأ يُفكِّر ويقول في نفسه فهل من الأحسن أن أحرق له إياها إذن؟ هل أشطب له على هذه السيارة؟ هل أضع له سكراً في خزّان البنزين؟ هل أولع النار فيها؟

هناك قصة حقيقية حصلت في بلد عربي، ولن أقول أين هو؛ أي حتى لا نفضح الناس، لكن فعلاً هذا حصل، وكان بين صديقين، ولم يعرف الضحايا المساكين إلا بعد حين؛ بعد بضعة أيام، أن الذي رمى القنبلة على البيت وجاءت في السيارة وحرقتها بالكامل وكادت تحرق البيت هو صديق ابنهم، صديقه المُقرَّب! هما رأسان هكذا مع بعضهما دائماً. شخص مريض نفسياً! أي هذا المسكين، وهو يُعاني وما إلى ذلك، وفي الأخير الامر انتهى به إلى أن يرتكب جريمة، كادت أن تقتل ربما أحد أفراد العائلة. كان سيموت أي واحد منهم، لو كان في حوش الدار، قنبلة! قنبلة حرقت السيارة بالكامل، وصار هناك حريق في البيت، وقصة! فهذه أشياء عجيبة، ولذلك مَن يرى البدايات هذه عليه أن يذهب لكي يُعالَج، هناك أطباء نفسيون وأُناس مُحترَمون وفاهمون، اذهب لكي تُعالَج، عليك أن تُعالَج بسرعة. أو يُمكِن للمُريض أن يُعالِجه أبوه أو أمه! خُذه إلى مُعالِج نفسي، وليس إلى شيخ يقرأ عليه القرآن على مدار الأربع والعشرين ساعة ويقول هناك جن وما إلى ذلك. هذا ليس جناً، هذه أشياء نفسية. هل هذا واضح؟ هذا أولاً. 

إذن لا يُمكِن لنا أن نستبعد العُنصر الإسقاطي، هل هذا واضح؟ هذا في قضية الشماتة والتعيير، وهكذا تصير على فكرة بهذه الطريقة الشماتة والتعيير والنزعة الفضائحية، تصير تُهمة رقم واحد لمَن؟ لمَن يُمارِس الشماتة والتعيير وفضح الآخرين، هو أول مَن نضع علامة استفهام عليه، ونقول له نحن فهمنا، فلان المسكين فُضِح والله رفع ستره عنه، ونسأل الله جميل ستره، عفا الله عن هذا المسكين وغفر له، ونكف لساننا عنه وندعو  له بالخير، ولكن أنت يُوجَد خلفك إن، أنت شخص غير طبيعي. لأن هكذا هو فضح نفسه، وجيد أن تشيع هذه الثقافة بين الناس، هذا يجعل لدى الناس القدرة على أن تُقيّم، فهل هذا واضح؟ لا أن يُضحَك عليها، هذا كان أولاً.

ثانياً المقهورية، مَن يقول لي إن هذا الشخص الذي يفرح بأخطاء الآخرين، ويلتذ بإشقائهم – أنه يتكلَّم في أعراضهم وكذا وكذا، هو يُهلِكهم؛ من أجل أن يُشقيهم – إنه لا يُعاني من الشعور بالمقهورية؟ طبعاً، ونحن مُجتمَعات كما تعرفون مقهورة، مُجتمَعات مقهورة! مَن هو أقوى منك يقهرك؛ الشرطي، المُخباراتي، الأستاذ، الشيخ في المسجد، الحاكم من فوق، الحاكم المُتألِّه، الحاكم بأمر الله، الكل يقهر الكل، فهذه مُجتمَعات مقهورة مُذَلة مُهانة.

في المُجتمَعات المقهورة والمُذَلة والمُهانة نعم، ترتفع النزوعات الفضائحية. قال لك هذا فيها. تخيَّل! لماذا إذن؟ لأن الفرد يُحاوِل أن يُنفِّس عن مقهوريته، ولكن ليس ضد جلاده وضد قاهره، وإنما ضد أبرياء. هذه أُناس غلطت يا أخي، والناس كلها تغلط! والنبي ماذا قال؟ كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون. قد يقول لي أحدهم نعم، ولكن هناك فرق بين خطأ و خطأ يا عدنان، افتح عينك. أفتح عيني؟ أتُعلِّمنا ديننا؟ الله قال إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ ۩، لا تُحدِّثني عن زنا ولا عن شذوذ ولا عن سرقة ولا حتى عن قتل، الله قال الذي يتوب بصدقة توبة نصوحة، يتوب الله عليه، وحتى الشرك لو تاب منه، يتوب الله عليه، أليس كذلك؟ فهناك صحابة كانوا مُشرِكين وتابوا، وها هم صاروا صحابة، كيف تقول الله لا يغفر الشرك؟ إذا مات عليه، أو إذا وافى – يُسمونها المُوافاة – على الشرك، فإن الله لا يغفر الشرك، ولكن إذا وافى على غير الشرك، فإن شاء الله غفر، وإن شاء آخذ وعذَب، طبعاً! الله لا يغفر الشرك. إذا وافيت، أو إذا وافى البعيد، أو الأبعد – إذا وافى الأبعد – بالشرك، فإن الله لا يغفره. إذا وافيت الله – أي لقيته – بغير الشرك، ولم تتب منه – أي أنت مت غير تائب -، فأنت في خطر المشيئة، إن شاء الله غفر، وإن شاء عذَّب. هذه النظرية القرآنية، قرآن هذا! فلا تقل لي افتح عينك وتتفلسف علىّ، لأن عندك عُقدة. بعض الناس عنده عُقدة، ويقول لك نعم يا أخي، إن الله قال هذا. نعم طبعاً، طبعاً! كل ابن آدم خطّاء، ويُمكِن أن يرتكب هذا أو ذاك أي خطأ مهما كان قبيحاً، فلا تُكبِّر هذا الشيء على الناس، وادع لهم بالمغفرة والستر، قل غفر الله له، وستر الله عليه، عافاه الله، الحمد لله لأن الله عافاني، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به. فقط! وإياك أن تُظهِر الشماتة فيه، احزن عليه كما تحزن لابنك لو افتُضِح، أليس كذلك؟ أو كما تحزن على أخيك الذي تعتبر أنه شقيق روحك، أي على أخيك الشقيق الذي تُحِبه فعلاً إذا افتُضِح، احزن على كل المُسلِمين وعلى كل الناس ولا تفرح، لا تفرح بأخطاء الناس، ما النفسية التعبانة هذه؟ هذا الدين!

النبي أفهمك هذا، وقال لك كل ابن آدم خطّاء. قال لك هذا! ولذلك نحن قلنا خُطبة اليوم اسمها (المعصوم الكذّاب)، لا تلعب دور المعصوم، أليس كذلك؟ لا تلعب دور معصوم، لا يُوجَد مَن هو معصوم، الأنبياء فقط هم المعصومون، ولكن نحن لسنا بمعصومين، ويُمكِن أن نُخطئ، عادي! فلن نتشمت، وبالعكس! ولن نُظهِر الخطأ، وسنستر ونُدافِع عن هؤلاء الناس وندعو لهم بالمغفرة والعفو، أليس كذلك؟ ونقص الألسنة عنهم، هكذا هي الرجولة، وهكذا هو الدين، وهذا الذي قاله النبي. ما الذي قاله النبي؟ قال لك مَن ستر مُسلِماً – أي ليس فقط أنك لا تُعيِّر، وإنما تستر، وكأنك لم تر – كان حقاً على الله أن يستره في الدنيا والآخرة. حتى لو وقع لك شيء فظيع، وأنت قبل ذلك سترت، لا تخف، الله سيسترك، هيا! هذه واحدة بواحدة، أرأيت؟ كان حقاً، أي واجب هذا، كان حقاً على الله أن يستره في الدنيا والآخرة، ومَن قال في مُسلِم كلمة ليست فيه ليشينه بها – تتهم أخيك هكذا – كان حقاً على الله أن يُدخِله النار. إياك إياك والاستطالة في عِرض الناس والكذب على الناس، إياك! اشتغل على نفسك وعلى أمراضك وعلى عيوبك، ونم حالك ورق حالك. وأنت سوف تجد نفسك – إن شاء الله – كل يوم أحسن وأحسن وأحسن – تبارك وتعالى -.

فالمقهورية موجودة، والنزعة السادية أيضاً موجودة، السادية؟ نعم السادية، طبعاً! انتبه ولا تقل لي إن هذه الشماتة والتعيير والنزعة الفضائحية، ليس فيها ماذا؟ رائحة سادية، فيها! كل شيء يُشعِرك باللذة والنشوة، وهو يُشقي الآخرين ويُتعِبهم، هو يُعتبَر ماذا؟ نزعة سادية، أليس كذلك؟ فرحان أنت هكذا؟ فرحان لأنك كتبت عنه منشوراً – بوستاً Post – وما إلى ذلك وتكلَّمت وجعلت الناس تتكلَّم؟ وطبعاً هذا يزيد، كلما كان عندك مُتابِعون مرضى مثلك! أي مثل هذا البعيد، ويضعون علامة الإعجاب – أي اللايك Like – وهم مبسوطون؛ لأنهم كلهم يسبون فيه، ويقولون وطبعاً نحن كنا نعرفه من الأول، ووالله ما كنا نُحِبه، وكنا نعرف أنه سيفعل هذا، وكان خيالاً، وكان صرحاً من خيال فهوى، و… أف! هذا يعني أنك – ما شاء الله – مريض، وأنهم – ما شاء الله، أي هؤلاء – مرضى، تخيَّل! عندكم هذه السادية، أي تُحِبون أن تذبحوه ذبحاً وهو على قيد الحياة، أي هذا المسكين، هذا ذبح! تُشقونه وتُشقون مَن حوله إذن، فقد يكون له زوجة وأبناء وبنات وأب وأم، شوهتموه! وقد يكون له عشيرة وقبيلة وأُناس كثر، شوهتموه وشوهتم سُمعته، وأشقيتموه وأشقيتم أهله، لكم الشقاء في الدنيا والآخرة، الجزاء من جنس العمل، جَزَاءً وِفَاقًا ۩.

ففيها نزعة أيضاً ماذا؟ للسادية، أليس كذلك؟ فانظر إلى هذا؛ صار عندك الإحباط والفشل والإسقاط، وصار عندك المقهورية، وصار عندك السادية، و… مسألة مُعقَّدة، مسألة مُركَّبة ومُعقَّدة ومن أسوأ ما يكون. ونسأل الله العفو والعافية، وأن يستر علينا في الدنيا والآخرة.

 

(انتهت التكملة بحمد الله)

فيينا 30/11/2018

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: