كل الأمم المتقدمة يوجد لديها منظرين في السياسة والفكر وعلم الإجتماع والإقتصاد والدين وغيره وحضارات بكاملها انحرفت عن مسارات فاشلة لتمتطي صهوة الحضارة من خلال مفكرين أغرقوا السوق بكتاباتهم وأفكارهم وتلاها محاولات التأييد والمعارضة والإستكمال والبناء والنقد والخ مما يحصل للكتب والمقالات الناجحة.

إلا نحن إن خرج لنا منظر يتحدث عن ضرورة تجديد أو تعديل مسار أو هدم وبناء يواجه فوراً بتهم جاهزة، بالكفر والزندقة والتخوين كما واجه الدكتور عدنان إبراهيم مثلاً الذي أدى ما عليه كمفكر إسلامي عربي.

والأمم المتقدمة كلها بتياراتها الفكرية وتحزباتها تلتقي على حد أدنى من مصلحة الوطن، إلا نحن نجد العلماني ينبذ الإسلامي والإسلامي يكفر العلماني والليبرالي يتعالى على الأصولي واليمين يهدد اليسار واليسار يحفر للوسط والوسط خامل و الخ ..

وأمتنا -على قلة منظريها- إلا أنها تمتلك خامة جاهزة وأيديولجية جرافة إن جرى تفعيلها، لكن هناك خلل ما، هناك مسننات مفقودة كان من المفترض أن تربط كل عجلة بالأخرى لتدور معاً فتسير من خلالها الأمة كلها لتلحق بركب الحضارة.

اليوم لدينا رجال دين وكتاب جدد ومفكرين يواجهون الدهماء كلٌ بشكل فردي وبعضهم يريدون أن يحرزوا مجداً شخصياً وأن يسجلوا السبق في إيقاظ الأمة وقد سبقهم في ذلك كثير لكنهم فشلوا لإنهم عملوا بشكل منفرد.

أعتقد أن المسننات المفقودة هي القدرة على الوصول لكرسي القرار وإحداث التأثير الحقيقي إذ لدينا الآن من أصحاب العقول ما يكفي وإن كانوا في تشتت، لكن علينا تجنيد نشأ وتربيته سياسياً ليغزو الحكومات في العالم العربي ويتمكن من الوزارات والأحزاب ويعمل بشكل لامركزي لتنفيذ أجندات واضحة مرسومة عملياً في مؤلفات وخطط.

على أغنيائنا أن يتوقفوا عن تبني طلاب الشريعة ودفع تكاليف دراستهم وليبدؤا بتبني طلاب العلوم السياسية والإجتماعية وطلاب العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية.

عليهم أيضاً أن ينفقوا على مراكز الدراسات أكثر مما ينفقوا على المساجد.

لا أحد يخاف من التدين الطقوسي الذي يقتصر إهتمامه على الصلاة ومبطلات الوضوء والجدل الدائر حول تحريك الأصابع في جلسة التشهد، هذه النسخة من التدين يفتح لها العدو صدره برحابة، لكن إن فكرت ولو لمرة أن تمارس كمتدين دورك السياسي ستجد الرماح مصوبة تجاهك من الداخل قبل الخارج بحجج كثيرة لا تعد ولا تحصى.

المراهقة السياسة التي لعبتها إحدى الجماعات الإسلامية مثلاً كانت بعيدة كل البعد عن العمل المنظم الإحترافي المصحوب بالتخطيط، وكانت أشبه بخزائن فتحت أمام حديث نعمة فانكب عليها دون تفكير ليجد الجميع يرقبه بإزدراء.

التخطيط المراد هو ذاك الذي ينتهجه الغرب الأمريكي تحديداً من خلال دراسات معمقة قائمة على العلوم المادية ودراسة قوانين الكون والتي تدار في أروقة خاصة بعيداً عن الأعين ثم ينشر منها رؤوس أقلام للتضليل أو التهويل أو جس النبض أو هزيمة الروح المعنوية، أتحدث عن خطط نشرت في الثمانينيات كـ مخططات التقسيم مثلاً ونراها اليوم حية تسعى بيننا.

الأمة التي وصلت حدودها من غانا إلى فرغانة ومن طنجة الى افرنجة هي أمة كانت تسير بمخططات رجال بعضهم حربي وبعضهم ماكر وبعضهم شديد البأس حازم وبعضهم لين متأنٍ وكلهم أجمعوا على هدف واحد.

اليس لنا أن نسأل أين هي مخططاتنا اليوم قصيرة المدى والمتوسطة وطويلة المدى ? أما آن لنا أن نتصالح جميعاً على اختلاف مكوناتنا لتحقيق اهدافنا ثم نتفاضل فيما بيننا من خلال العمل السياسي الشريف بدل أن نراقب أنفسنا نتدهور بلا كوابح وتقف نتلاوم ؟؟

نور الدين بولاد – صحفي

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: