محمد يوسف الوحيدي
محمد يوسف الوحيدي

اللهم أنصر المسلمين ..

نبهني صديق .. و صوته تختلجه  الرعشة ، و كأنه أحس بتورطه في أمر ما .. بعد أن دعونا تلك الدعوة في ليلة القدر ، و نظر إلي في وجل و قال ” وا مصيبتاه !!” ..

صديقي خاف من دعوة الله أن ينصر المسلمين .. فاي مسلمين ينصر على أي مسلمين ؟ هل ينصر العراقيين على العراقيين أم السوريين على السوريين أم اليمنيين على اليمنيين أم الفلسطينيين على الفلسطينيين ؟؟

هل ينصر السنة على الشيعة أم الشيعة على السنة أم السنة على الأباضية أم الشيعة على الزيديه أم السنة عليهم أم هم على السنة ؟؟  أم الإخوان المسلمين على المسلمين الوطنيين أم المسلمون الوطنيون على الإخوان المسلمين أم السلفيين على الإخوان أم الجهاديين على الوطنيين  أم .. أم .. أم … ؟؟!!

أي مسلمين ينصر الله  ؟ و في أي حرب أو معركة ؟ و هل يقاتل المسلمون إلا المسلمين ؟

هل صديقي سوداوي ؟ هل صديقي متشائم ؟ كيف وهو لا يرى إلا السواد  ، وهل كل ما ذكر ليس حقيقي ؟؟ إحترت أنا وصديقي .. في تركيب جملة مفيدة ، ندعو بها الله في تلك الليلة المباركة ، كيف ندعوا للمسلمين ، بالنصر و الفوز و السيادة .. و الحرية و بلوغ الحقوق .. و أي حقوق ؟  وهل هناك حقان أم هو حق واحد ؟

الحقيقة و الحق ، ان أمتنا دخلت هذه الدوامة ، و هذا النفق المظلم ، منذ أن ألبست خلافاتها ثوب الإسلام .. دعونا نواجه ذلك بصراحة ، يوم أن وقف المؤذن و أدخل لفظ ( أشهد أن علياً ولي الله ، أشهد أن علياً حجة الله ) ، كان هذا أول بيان سياسي ، غرضه إشهار العصيان ، و كان البلاغ الأول لحركة تسييس الدين .. وربما كان معذوراً ، فهو أذن بإسم علي ، و أدخل نصاً على نص الآذان ، ليواجه حكماً إغتصب الإمارة ، و بدأ الإنقسام ..

يوم أن وقف أهل السنة و أعلنوا معاوية خليفة للمسلمين ، و دعوا له ، و ناصروه و بنيه و عائلته ملوكاً ، كان هذا أول تحرك سياسي يمتطي صهوة الدين .. يوم أن تشرذمت الأمه ، و باتت ممالك و سلطنات ، و إمارات ، باسماء عائلات و قبائل و ذيلت فعلها و إنشقاقها بإسم الله و الإسلام ، كانت عملياً إنما تعلن الحرب على الإسلام .. و تهادن أعداء الإسلام ، بل ربما تنضم إلى معسكراتهم بعلم أو بجهالة لتحارب الإسلام .. يوم أن عُبدت  الجماعة ، و الطائفة ، و أعلنت أنها هي ، و هي فقط ، الفئة المسلمة ، و الفرقة الناجية ، و الكتيبة المجاهدة ، و أنها صاحبة القول الفصل في ميزان الحساب يوم القيامة ، و أنها هي من سيقرر من يدخل الجنة و من يلقى في النار .. دون الله ، و يوم أن إنبرت جماعات تدعي أنها تتحدث بإسم الله ، و تحكم بإسم الله ، و تنشر دين محمد ، و تهدي الناس بعد موت النبي الخاتم ، كان هذا إعلان دمار الأوطان ، و تفتت الشعب الواحد و إنفجار قنبلة الإنقسام ، و العرقية ، و الرجوع إلى الشعوبية و العنصرية .. وهناك ، في أرض الله المباركة ، بوابة السماء، و أولى القبلتين ، رغم صغرها ، إلا أنها كانت ومازالت تحتوي العالم ، و مركز الأحداث، و مثار إهتمام الأجيال بعد الأجيال ، إنها أرض الأنبياء ، و منبر الرسل ،بداية الخلق و محشرهم .. فلسطين .. بكل ما لها من درجات و صفات ، و مميزات ، كل هذا لم يمنع جماعة ، إدعت أنها تمتلك الحق ، و تمثله ، و تحارب الفساد و فوضى السلاح ،فإستخدمت نفس أدواته وصولاً إلى الحكم، وما أن تم ، حتى أعلنوا أنهم هم الراشدون ، و هم المهتدون .. فأفسدوا بَدل أن يُصلحوا ، و قسَّموا بدل أن يجمعوا ، و هَدَموا بدل أن يُشيدوا ، و حاصروا بدل أن يُحرروا .. و غامروا بدل أن يَمكروا و يُفكروا ، و يَعِدون الناس بالنصر و بالتتبير لبنيان العدو.. زيَّفوا وعيّ الناس  و أوهموهم بنصر يتلوه نصر ، و بثوا فيهم أفكاراً  بمجرد أن يجيل الإنسان فكره فيها ثم يعرضها على قواعد النظر والاستدلال المنطقي و العلمي أو السياسي أوحتى الشرعي ، يدرك مباشرة بانها كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء ، حتى إذا جاءَه لم يجده شيئاً ..و النصرُ لا يكون بالبغي والظلم على الأخ و الرفيق و الأهل و الوطن ، بل بالصدق ومراعاة الله في الأمر والنهي. و نصر الله لا يكون إلى جانب من استخفهم الشيطان بغضب الإنقسام و الإختصام وشهوة الإنتقام بقول الله جل ثناؤه “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” وبقول سيدنا رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام “ومن خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال -أي في نار جهنم- حتى يأتي بالمخرج مما قال” وردغة الخبال حيث تتجمع عصارة أهل النار. لا مناص أمام الأمة ، و لا مناص أمامنا فلسطينياً ، إلا أن نخلع عنا ثوب الإدعاء ، و نؤمن بصحيح دين محمد، بالأخلاق ، بالوطنية و الإنتماء ، و نتوقف عن تزييف كل شئ بإسم الدين ، بدءاً من الدولة و النظام الإسلامي ، و البنوك و حتى رياض الأطفال  … يا للسخرية ..علينا أن نخرج من قوقعة إسلام الزوايا و الأنفاق ونعود إلى ثقافتنا الأصيلة ، فلسطينيتنا ووطنيتنا و قوميتنا العربية و ثقافات الغرب و الشرق ..نهضمها بقلب منفتح وعقل متنبه , وإلى جانب معرفتنا و فخرنا بخالد بن الوليد و أبو بكرالصديق و عمربن الخطاب ، و صلاح الدين الأيوبي و عمر المختار وجمال عبد الناصر و ياسر عرفات  و عبد العزيز الرنتيسي ،ما الضير أن نعرف  أرسطو وأفلاطون و توما الاكويني وأوغسطين والفارابي وإبن رشد ونيتشة وفوكو و غاندي و سارتر و كانت ، واستاذه حجة الاسلام الغزالي وابن خلدون و عدنان الرفاعي و عدنان إبراهيم ، و نيوتن و آينشتاين. علينا  نستغرق في العلم و المعرفة ونبتعد عن الايديولوجيا و التحزب ، ندرس حضارة الغرب ونعيش بقلب المسلم . إن أمتنا بالعموم ، و شعبنا بالخصوص يهيم في بحر من الظلمات والخرافات و الإنقسامات, وعلينا قبل أن نضمحل و نُنسى ، و يتراكم علينا تراب الزمن فنصبح بواقي شعوب منقرضة لاجئة مرتحلة ، علينا أن نفهم و نتطرق في البحث و في العلاج الى المسكوت عنه المتضخم يوما بعد آخر و أَوَّلُه تلبيس الدين بالسياسة ، و أبالسة العصر ممن يجيدون هذه اللعبة و صناعة الفتن التي تتسع خريطتها ويكبر مجالها حتى أصبحت ثقافة و نهجاً ، وأوصلتنا إلى ما نحن فيه.. الى الحد الذي أصبحنا لا نعرف لمن ندعوا الله بالنصر وعلى من ؟

المقال الأصلي

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: