فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

البشر لم يكتفوا باختراع 4200 ديانة بل أضافوا إلى الديانات السماوية ذاتها.. لم يكتفوا بالأصل النقي بل استمروا في تشكيل دياناتهم الخاصة، حتى حين ينطلقون من ديانات سماوية خالصة.. ليس أدل على ذلك من انقسام اليهودية إلى 71 شعبة والمسيحية إلى 72 شعبة والإسلامية إلى 73 شعبة (كما جاء في الحديث الشريف).. فالانقسام ذاته دليل على استمرارية تضخيمها والنفخ فيها وإعادة تشكيلها.. كل جيل يضيف لكتبه السماوية كتب تأويل وتفسير وإعادة نظر حتى كاد الأصل ينسى، أو يتم تذكره فقط حين تقتضي ذلك مصلحتهم الشخصية..

لا شك بأن هناك دينا إسلاميا (هو الدين الخالص الذي اكتمل بوفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم) وديانات متمسلمة (خالفته أو انقسمت عنه ولكنها مازالت تحتفظ باسمه).. لست أنا من يقول هذا فكل طائفة وفرقة تتهم غيرها بمخالفة الدين.. ولست أنا من يقول هذا بل كتب التأويل والرأي والأحاديث الموضوعة التي يقدمها البعض على القرآن الكريم.. يقوله العوام والأتباع الذين يقدمون أقوال فقهائهم وعلمائهم على “قـال الله وقال الرسول”..

مازلت أذكر لقاء متلفزا للأستاذ حسن المالكي يفرق فيه بين الدين الإلهي والدين البشري (الذي وصفة أيضا بالدين الروائي والتاريخي والسلطاني).. قال: “دين الله هو دين الرحمة والبر والتقوى والحقوق، ودين البشر هو العداوة والبغضاء والسوء والتحاسد والتقاتل باسم الدين”.

أتباع الديانات البشرية يمكنهم خداعك بحججهم البليغة وعلمهم الغزيز وتباكيهم على الدين.. ولهذا السبب يعدون أخطر على الدين من أعدائه كونهم يحاولون سرقته باسم الإيمان والتقوى.. أسوأ من الخوارج الذين حذر منهم الرسول الكريم في عشرين حديثا، منها قوله: “إن فيكم قومًا يعبدون ويدأبون، حتى يعجب بهم الناس يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية”.. وقوله كذلك: “ليست قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء”..

كل هذا يؤكد أن العمل والانتساب للدين لا يعني بالضرورة القناعة أو الإيمان به (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).. فالدين معاملة والإيمان اعتقاد وعمل، وما يحدث اليوم في بلاد العرب يبتعد عن الاثنين.. فأي دين هذا الذي يسمح بدهس الأطفال بالدبابات أو قصف المدارس، وأي دين يسمح باغتصاب الفتيات الصغيرات بحجة أنهن سبايا كافرات.. وأي جهاد يفجر المصلين ويحرم قتال المحتلين أو تجاوز حدود إسرائيل.. وأي شريعة تقتل في العراق ستة أضعاف ما قتله الاحتلال الأميركي، وفي سورية تسعة أضعاف ما قتله الاحتلال الفرنسي..

لا.. ليسوا مسلمين، بل مارقين اخترعوا ديانات جديدة خاصة بهم..

ديانات شيطانية تتمحك بالإسلام وتوظف نصوصه وتشريعاته لصالحها..

يدركون استحالة اختراع دين مستقل فسرقوا عباءة الإسلام وصعدوا فوق قاعدته العريضة..

حان الوقت كي نحكم عليهم من خلال أفعالهم وأعمالهم.. حان الوقت كي نحكم على الدين من خلال المعاملة، والتشريعات من خلال المقاصد، ونترك أمر العبادات للمطلع على السر وأخفى.

عن صحيفة الرياض

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • شكرا أستاذ عامر. تحليل موفق.
    ينطبق على الدواعش والمجرمين الآخرين وينطبق أولا وقبل اولاءك على سدنة وكهان المعبد من علماء السلطان على مر العصور الأقطار من المفتين والهيئات الرسمية لصغار وكبار المشايخ.
    لنتجرأ على تسمية الأشياء بمسمياتها.

%d مدونون معجبون بهذه: